شعار الموقع

36- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
21

مدة المحاضرة: 28:00

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين"-رحمه الله-:

متن: ولا يبقى إلا أن يقال: فما الحكمة في خلق هذه الأرواح التي هي غير قابلة لنعمته؟ فقد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية، وأن خلق الأضداد والمتقابلات وترتيب آثارها عليها موجب ربوبيته وحكمه.

شرح: يعني ما الفائدة من خلق هذه الأرواح التي تتناسى نعمة الله وتكفر بنعم الله، قالوا فهي حِكَمْ ظهور قدرة الله على وجود المتضادات، فالليل يقابل النهار، والحر يقابل البرد، والكافر يقابل المؤمن، وهكذا وهذه من الحكم، ظهور آثار قدرة الله على وجه المتقابلات، هذا من الحِكَمْ ولها حكم أخري.

متن: وأن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها من موجَب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته.

شرح: الموجَب الثمرة، الموجِب بالكسرة السبب والعلة، يعني ثمرة من ثمرات ربوبيته من آثار ربوبية الله.

متن: وأن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها موجَب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته، وأن تقدير عدم ذلك هضم من جانب الربوبية، وأيضًا فإن هذه الحوادث نعمة في حق المؤمن، فإنها إذا وقعت فهو مأمور أن ينكرها بقلبه ويده ولسانه.

شرح: يعنى هذه من الحكمة، حكمتان، الحكمة الأولى: ظهور قدرة الله على وجود المتقابلات.

والثاني: أن نعمة الله مع المؤمن إذا رأى الكافر، إذا رأى معصية أو المعاصي والكُفر أنكرها بقلبه ولسانه ويده، فيحصل له الثواب والأجر، يُثاب على إنكاره المنكر.

متن: أو بقلبه ولسانه فقط أو بقلبه فقط.

شرح: سورة الكتاب وحده، ينكرها.

متن: ومأمورٌ أن يجاهد أربابها بحسب الإمكان.

شرح: هذه من الحِكَمْ، أنه مأمور بأنكار المنكر بقلبه ولسانه، ومأمور بأن يجاهد لكفار والعُصاة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ}.

يجاهدهم بلسانه وبيده، فبذلك يكون عابدًا لله ومثاب.

متن: ومأمور أن يجاهد أربابها بحسب الإمكان، فيترتب له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه وآخرته ما لم يكن يُنال بدون ذلك.

شرح: يعني يحصل له ثواب عظيم.

متن: والمقصود بالقصد الأول: إتمام نعمته تعالى على أوليائه ورسله وخاصته.

شرح: هذا من تمام النعمة علي أوليائه وأنبيائه ورسله، إذا رأوا الكفار وأنهم مُعذَّبون وهم يُنعَّمون تمت النعمة، نحمد الله لم نكن مثل هؤلاء، تمت نعمة الله علينا، النعمة تظهر بظهور ضدها وبضدها تتبين الأشياء، فنعمة الشبع تكون بوجود آفة الجوع، ونعمة الشرب والريء تظهر بوجود العطش وهكذا، فهذا من كمال نعمة الله على أوليائه أن أتم لهم النعمة، وشكر الله على ما أولاه من النعم، وصرف لهم من النقم الذي حلَّ بهؤلاء الكفار والعصاة.

متن: فاستعمال أعدائه فيما تكمُل به النعمة على أوليائه غاية الحكمة، وكان في تمكين أهل الكفر والفسوق والعصيان من ذلك إيصال أوليائه إلى الكمال الذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإنكار عليهم والموالاة فيه والمعاداة فيه وبذل نفوسهم وأموالهم وقواهم له، فإن تمام العبودية لا يحصل إلا بالمحبة الصادقة، وإنما تكون المحبة صادقة إذا بذل فيها المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة في مرضاة محبوبه والتقرب إليه، فإن بذل له روحه كان هذا أعلى درجات المحبة.

شرح: كالمجاهد في سبيل الله، ينذر روحه لله، هذه الروح هذه أعلى درجات المحبة، أغلى شيء  (07:07) فالمجاهد يبذلها رخيصة لإعلاء كلمة الله، تقديم المحبة لله على محبة نفسه.

متن: ومن المعلوم أن من لوازم ذلك التي لا تحصل إلا بها أن يخلق ذواتًا وأسبابًا وأعمالًا وأخلاقًا وطبائع تقتضي معاداة من يحبه.

شرح: معاداة المؤمنين هذا الذين يحبهم الله.

متن: ويؤثر مرضاته لها، وعند ذلك تتحقق المحبة الصادقة من غيرها فكل أحد يحب الإحسان والراحة والدعة واللذة، ويحب من يوصِّل إليه ذلك ويحصله له، ولكن الشأن في أمر وراء هذا وهو محبته سبحانه ومحبة ما يحبه مما هو أكره شيء إلى النفوس وأشق شيء عليها مما لا يلائمها، فعند حصول أسباب ذلك يتبين من يحب الله لذاته ويحب ما يحب ممن يحبه لأجل مخلوقاته فقط من المأكل والمشرب والمنكح والرياسة، فإن أُعطي منها رضي وإن مُنعها سخط.

شرح: هذا من أرباب الدنيا، ما ينظر إلي إلا مآكله ومشاربه ومأكله، إن أُعطي منها رضي وإن لم يُعطى سخط.

متن: فإن أُعطي منها رضي وإن مُنعها سخط، وعتب على ربه وربما شاكه وربما ترك عبادته.

شرح: أعوذ بالله، يعتب علي ربه ويشكو ربه للناس، مثل بعض الناس صحيح من جهلهم إذا أُصيب من مرض أو كذا صار يشكو ربه، وقال أنا أيش مسوي؟ أنا لسه مصلي وصايم وقايم بكل شيء، والناس ما أصابهم شيء، وأنا أيش أنا مسوي؟ هذا يشكو ربه، مسكين يظن أنه ما يصاب إلا الذي ما صلى، الذي لا يصلى هو اللي يصاب، أعظم الناس بلاء من  هم؟ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، تصاب لرفع درجاتك، لتكفير سيئاتك، لاختبارك وامتحانك وابتلاء صبرك، لكن الجهل هكذا، بعض الناس هكذا يشكو ربه، تجده يصيح: أنا وش أنا مسوي؟! أنا لسه مصلي وصايم، كأنك يعني تأخذ ثمن من ربك، تصلي صلاة وتأخذ الثمن والعوض.

أنا أيش مسوي؟! الناس ما أصابهم شيء، هذا الجهل والتسخط.

متن: فإن أُعطي منها رضي وإن مُنعها سخط، وعتب على ربه وربما شاكه وربما ترك عبادته.

شرح: نعوذ بالله يترك عبادته سخطًا على ربه، يترك العبادة ليش أصاب؟ يترك العبادة ولا يعبد ربه لأنه مصاب.

متن: فلولا خلق الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه بهم لم يستخرج خالص العبودية من عبيده الذين هم عبيده.

شرح: يستخرج من هذه المحن والمصائب، يستخرج خالص العبودية لله، يتبين المخلص، يتبين الصادق، يتبين الصابر، يتبين المحب الصادق من غيره.

متن: ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه.

شرح: وه من أوثق عرى الإيمان، الموالاة في الله والمعاداة في الله، هذا ما تبين إلا بوجود الأعداء ومعاداتهم للأولياء.

متن: والحب فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له، ولا عبودية بذل الأرواح والأموال والأولاد والقوى في جهاد أعدائه ونصرته.

شرح: عبودية بذل الأموال بذل النفوس بالجهاد في سبيل الله، بذل المال للجهاد في سبيل الله، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وبذل النفس، بذل المال والولد.

متن: ولا عبودية بذل الأرواح والأموال والأولاد والقوى في جهاد أعدائه ونصرته، ولا عبودية مفارقة الناس أحوج ما يكون إليهم عبده لأجله وفي مرضاته.

شرح: يفارق الناس كلهم تقديمًا لمرضات الله، من أجله، إبراهيم عليه السلام فارق الناس كلهم في زمانه، كلهم على الشرك فارقه، قال: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، هذه المخالفة دين، مقاطعة ومعاداة حتى أباه، هذه العبودية خالصة.

متن: فلا يتحيَّز إليهم وهو يرى محابَّ نفسه وملاذَّها بأيديهم.

شرح: محابَّ نفسه وملاذَّها من المآكل والمشارب والرئاسات كلها بأيديهم، لكن يتركها، لا يريدها ولا تساوي شيء عنده، وهنا نور السمين من أسره الكفار وخُير بين الدنيا وبين الرئاسات وبين يبقى على دينه، فأختار يبقى على دينه، آثر الآخرة حتي قُتل.

متن: فيرضى بمفارقتهم ومشاققتهم وإيثار مولاه الحق عليهم.

شرح: ومن يشاق الله ورسوله، يكون في شق والله ورسوله في شق، يعني يكون هو في شق وأعدائه في شق، شاقة مشاقة، ومن يشاق الله ورسوله، لكن يكون ضدهم، يشاققهم، هو في شق وهم في شق، هو في شق الإيمان وهم في شق العاصية والكفر.

متن: فيرضى بمفارقتهم ومشاققتهم وإيثار مولاه الحق عليهم، فلولا الأضداد والأسباب التي توجب ذلك لم تحصل هذه الآثار.

شرح: صحيح، الأثار ما أحرزها بهذه الأسباب.

متن: وأيضًا فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حضوضها وشهواتها محبة لله.

شرح: الشهوة والغضب إذا سلطت على الإنسان وحظوظ النفس لخسرت أسبابها ثم جاءت أضدادها وتركها ظهرت الفضيلة وأيضًا.

متن: وأيضًا فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حضوضها وشهواتها محبة لله، وإيثارًا لمرضاته وطلبًا للزلفى لديه والقرب منه.

وأيضًا فلولا ذلك لم تكن هذه النشأة الإنسانية إنسانية، بل كانت مَلَكية، فإن الله سبحانه خلق خلقه أطوارًا.

شرح: يعني الإنسان شهواته وحظوظ النفس والميل إلى المعاصي، هذه نشأت الإنسان، سلطت عليه الشهوات، لو كان ما عنده شهوة ولا كذا لصارت نفسه ملكية، ملك من الملائكة، الملائكة ما عندهم معاصي، {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

لكن نفس الإنسان لا، فيها لواذع وفيها مغريات ويكبح جماع نفسه عن هذه اللواذع والمغريات وبذلك تتبين فضيلته، لو كان ما عنده شيء من هذه الأمور لكان صعب، نفسه ملكية، من الملائكة، لكن نشأت الإنسان غير نشأت الملائكة، ولهذا قال المحققين: إن الأنبياء وصفوة البشر أفضل من الملائكة في أخر الأمر إذا هُذِّبوا ونقوا، إذا عندهم شهوات وكبحوا جماح نفسهم بخلاف الملائكة.

متن: فإن الله سبحانه خلق خلقه أطوارًا، فخلق الملائكة عقولًا لا شهوات لها.

شرح: خلق الله الخلق أطوارًا، الملائكة خلق والآدميون خلق والبهائم خلق، شوف خلق الملائكة عقولًا بلا شهوات.

متن: فخلق الملائكة عقولًا لا شهوات لها ولا طبيعة تتقضى منها خلاف ما يُراد منها من  مادة نورية لا تقتضي شيئًا من الآثار والطبائع المذمومة.

شرح: يعني خلقها عقولًا بلا شهوات، خلقه من مادة نورية، نور، ما عندهم شهوات، ولا أسباب للمعاصي.

متن: وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها، وخلق الثقلين –الجن والإنس- وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة.

شرح: هذه أقسام المخلوقات الآن، ملائكة خُلقوا بعقول وليس لهم شهوات من مادة نورية، والبهائم خُلقو بشهوات لا عقول لهم، والآدميون والجن خلقوا بعقول وشهوات فهم أكمل الأصناف الثلاثة إذا كبحوا جماح أنفسهم ولهذا قال جمع من المحققين، أيهما أفضل الملائكة والأنبياء وصالح البشر؟ قيل الأنبياء وصالح البشر، قيل الملائكة أفضل وقيل الأنبياء وصالح البشر أفضل، وقيل بالتوقف ثلاث أقوال (18.45) الشهادة الطحاوية وقال إن هذه المسألة من فضول الكلام، ولولا أن بعض الناس يسيء الأدب مع الملائكة ويقول أنهم خُدَّام لما حركت في ذلك قلمًا.  

شيخ الإسلام ابن تيمية حقق فيها وقال كنت أقول أن هذه المسألة من فضول الكلام، ثم تبين لي أنها أثرية سلفيةٌ صحابية، فاتجهت الهمة في التحقيق ورأى أن الأنبياء وصالح البشر أفضل في النهاية إذا هُذِّبوا ونُقُّوا ودخلوا الجنة.

سؤال غير واضح (9.20).

الشيخ: يقول أنها أثرية سلفيةٌ صحابية، تكلم فيها السلف والصحابة.

سؤال: البهائم إذا كمَّلها يقول: كيف يقتص الله من القرناء؟

 الشيخ: هذا من بيان عدل الله عز وجل تقتص منها ولكن ليس لها جنة ولا نار، ما لا جنة ولا نار، تأخذ حقها في بيان عن الله عز وجل.

متن: وخلق الثقلين –الجن والإنس- وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة المقتضية لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها، وهؤلاء هم أهل الامتحان والابتلاء.

شرح: هم أهل الابتلاء والامتحان والاختبار في هذه الدنيا.

متن: وهم المعرضون للثواب والعقاب ولو شاء سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة وخلق واحد ولم يفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية، ولو كان الخلق كله طبيعة واحدة ونمطًا واحدًا لوجد الملحد مقالًا وقال: هذا مقتضى الطبيعة، ولو كان فاعلًا بالاختيار لتنوعت أفعاله ومفعولاته.

شرح: وهذا ما يرد به على الطبائعين، هذا يقول أن الطبيعة خلقت الأشياء، فالطبائعين أنكروا الخالق وقالوا أن الطبيعة هي الخالق، كيف الطبيعة؟!

يفسرون الطبيعة أحيانًا بذات الأشياء، ذات السماء خلقت السماء وذات الأرض خلقت الأرض، وأحيانًا يفسرونها بصفاتها من الحرارة والبرودة والرطوبة والملاسة والخشونة، فيقول أن هذه الصفات ينتمي لهذه الأشياء وهذا باطل لأنه لا يمكن للأشياء أن تجد نفسها، ولا يمكن وجود ما غير موجود، فلا يمكن أن تكون الطبيعة ذاتها أوجدت نفسها وإذا عجزت الأشياء عن إيجاد نفسها فعجز الصفات أولى، فهذا من باب الرد على الطبائعيين، نقول لو كانت الطبيعة هي التي نشأت نفسها لكان الخلق نمطًا واحدًا، لكن هذا طويل وهذا قصير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا يغضب وهذا لا يغضب، وهذا يموت سريعًا وهذا يموت، هذا، وهذا طويل وهذا قصير، لو كانت الطبيعة لكانوا على نمط واحد فهذا التفاوت ما يرد به علي الطبائعيين.

متن: ولو كان الخلق كله طبيعة واحدة ونمطًا واحدًا لوجد الملحد مقالًا وقال: هذا مقتضى الطبيعة، ولو كان فاعلًا بالاختيار لتنوعت أفعاله ومفعولاته ولفعل الشيء وضده.

شرح: هذا يدل على أن الرب فاعل مختار سبحانه وتعالى، وجدت الأشياء وأضادها.

متن: والشيء وخلافه، وكذلك لولا شهود هذه الحوادث المشهودة لوجد الملحد أيضًا مقالًا وقال: لو كان لهذا العالم خالقًا مختارًا لوجدت فيه الحوادث على حسب إرادته واختياره، كما روى الحسن أو غيره قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: جلَّ ربنا القديم، لو لم يتغير هذا الخلق لقال الشاك في الله: لو كان لهذا العالم خالق (لحدَّثه).

شرح: لحدَّثه يعني جعله يحدث شيء، لأحدثه أو لحدَّثه محتمل.

متن: لو كان لهذا العالم خالق لحدَّثه بينا هو ليل إذ جاء نهار وبينا هو نهار إذ جاء ليل، وبينا هو صحو إذ جاء غيم، وبينا هو غيم إذ جاء صحو، ونحو هذا من الكلام.

شرح: حدَّثه وأحدثه بمعني واحد.

متن: ولهذا يستدل سبحانه في كتابه بالحوادث تارة وباختلافها تارة، إذ هذا وهذا مستلزم لربوبيته وقدرته واختياره ووقوع الكائنات على وفق مشيئته، فتنوع أفعاله ومفعولاته من أعظم الأدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه.

ولهذا خلق سبحانه النوع الإنساني أربعة أقسام: أحدها لا من ذكر ولا أنثى وهو خلق أبيهم وأصلهم آدم، الثاني خلقه من ذكر بلا أنثى كخلق أمهم حواء من ضلع من أضلاع آدم من غير أن تحمل بها أنثى أو يشتمل عليها بطن، الثالث خلقه من أنثى بلا ذكر كخلق المسيح عيسى بن مريم صلى الله على نبينا وعليه، الرابع خلقه سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى.

شرح: كل هذا فاعل مختار سبحانه وتعالى.

متن: وكل هذا ليدل عباده على كمال قدرته ونفوذ مشيئته وكمال حكمته، وأن الأمر ليس كما يظنه أعداؤه الجاحدون له الكافرون به من أن ذلك أمر طبيعي لم يزل هكذا ولا يزال، وأنه ليس للنوع أب ولا أم وأنه ليس إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وطبيعة تفعل ما يُرى ويُشاهد.

شرح: هذا ما يقوله الطبائعيون والمنكرون للبعث يقولون: ليس هناك إلا بطون تدفع بالولادة وأرض تبلع بالموت، ولا رب ولا بعث، نسأل الله العافية.

متن: ولم يعلم هؤلاء الجُهَّال الضلَّال أن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها محتاجة إلى حامل لها، وأنها من أدل الدلائل على وجود من طبعها وخلقها، وأودعها الأجسام وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته ومملوك من مماليكه وعبيده مسخرة لأمره منقادة لمشيئته، ودلائل الصنعة وأمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدٌ عليها بأنها مخلوقة مصنوعة، لا تخلقُ ولا تفعل ولا تتصرف في ذاتها ونفسها، فضلًا عن إسناد الكائنات إليها.

والمقصود: أن تنويع المخلوقات واختلافها من لوازم الحكمة والربوبية والملك، وهو أيضًا من موجبات الحمد فله الحمد على ذلك كله أكمل حمد وأتمه، وأيضًا فإن مخلوقاته هي موجبات أسمائه وصفاته.

وفقك الله.

جزاك الله كل الخير.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد