شعار الموقع

40- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
16

مدة المحاضرة: 15:00

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" في الكلام عن الحكمة وقدرة الله -سبحانه وتعالى- قال:

متن: ويتنصل سبحانه إلى عباده من مواضع الظنة والتهمة التي نسبها إليه من لم يعرفه حق معرفته.

شرح: ويتنصل يعني ينزه نفسه سبحانه وتعالى عن هذا، نعم.

 متن: ولا قدره حق قدره، من تكليف عباده ما لا يقدرون عليه ولا طاقة لهم بفعله البتة، وتعذيبهم إن شكروه وآمنوا به.

شرح: قال الله تعالى : {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}.

 متن: ويتنصل سبحانه إلى عباده من مواضع الظنة والتهمة التي نسبها إليه من لم يعرفه حق معرفته ولا قدره حق قدره، من تكليف عباده ما لا يقدرون عليه ولا طاقة لهم بفعله البتة، وتعذيبهم إن شكروه وآمنوا به، وخلق السموات والأرض وما بينهما لا لحكمة ولا لغاية.

شرح: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} نعم، خلق الله السماوات والأرض بالحق، نعم.

متن: وأنه لم يخلق خلقه لحاجة منه إليهم، ولا ليتكثر بهم من قلة ولا ليتعزز بهم من ذلةٍ ولا ليستعين بهم كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ}. فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جودًا وإحسانًا ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح لقوله:{ إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ }، { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}. ولما أمرهم بالوضوء وبالغسل من الجنابة الذي يحط عنهم أوزارهم ويدخلون به عليه ويرفع به درجاتهم قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال في الأضاحي والهدايا: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}. وقال عقيب أمرهم بالصدقة ونهيهم عن إخراج الرديء من المال: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

يقول سبحانه: إني غني عما تنفقون أن ينالني منه شيء، حميد مستحق المحامد كلها، فإنفاقكم لا يسد منه حاجة ولا يوجب له حمدًا بل هو الغني بنفسه الحميد بنفسه وأسمائه وصفاته، وإنفاقكم إنما نفعه لكم وعائدته عليكم.

ومن المُتَعَين على من لم يباشر قلبه حلاوة هذا الخطاب وجلالته ولطف موقعه، وجذبه للقلوب والأرواح ومخالطته لها أن يعالج قلبه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التي حالت بينه وبين حظه من ذلك، ويتعرض إلى الأسباب التي يناله بها، من صدق الرغبة واللجأ إلى الله أن يحيي قلبه ويزكيه ويجعل فيه الإيمان والحكمة، فالقلب الميت لا يذوق طعم الإيمان ولا يجد حلاوته ولا يستمتع بالحياة الطيبة لا في الدنيا ولا في الآخرة ومن أراد مطالعة أصول النعم فليسم سرح الفكر في رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره.

شرح:  لاسيما في سورة النحل التي تسمى سورة النِّعَم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}.

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} تسمى سورة النعم، نعم.

متن: ومن أراد مطالعة أصول النعم فليسم سرح الفكر في رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره حين خلق النار وابتلاهم بإبليس وحزبه وتسليط أعدائهم عليهم وامتحانهم بالشهوات والإرادات والهوى لتعظم النعمة عليهم بمخالفتها وبمحاربة أعدائه، فلله على أوليائه وعباده أتم نعمة وأكملها في كل ما خلقه من محبوب ومكروه، ونعمة ومحنة وفي كل ما أحدثه في الأرض من وقائعه بأعدائه وإكرامه لأوليائه، وفي كل ما قضاه وقدَّره، وتفصيل ذلك لا تفي به أقلام الدنيا وأوراقها ولا قوى العباد وإنما هو التنبيه والإشارة.

ومن استقرى الأسماء الحسنى وجدها مدائح وثناء تقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كنهها، وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها ومع ذلك فلله سبحانه محامد ومدائح وأنواع من الثناء لا تتحرك بها الخواطر ولا هجست في الضمائر ولا لاحت لمتوسم ولا سنحت في فكر، ففي دعاء أعرف الخلق بربه تعالى وأعلمهم بأسمائه وصفاته ومحامده: «أسألك بكل اسمٍ هُو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حُزني وذهاب همي وغمي».

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة لما يسجد بين يدي ربه قال: «فيفتحُ عليَّ من محامده بشيءٍ لا أُحسنهُ الآن» . وكان يقول في سجوده: «أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك». فلا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه البتة.

شرح: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت كما أثنيت على نفسك» نعم.

متن: وله أسماءٌ وأوصافٌ وحمد وثناءٌ لا يعلمه مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل.

الشرح: لأن هذا من الأسماء التي استأثر بها في علم الغيب عنده ، في الحديث : {أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ} فيه أسماء استأثر الله بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها أحد، لا ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل، نعم.

متن: فلا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه البتة، وله أسماءٌ وأوصافٌ وحمد وثناءٌ لا يعلمه مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل، ونسبة ما يعلم العباد من ذلك إلى ما لا يعلمونه كنقرة عصفور من بحر.

فإن قيل: فكيف تصنعون بما يشاهد من أنواع الابتلاء والامتحان والآلام للأطفال والحيوانات ومن هو خارج عن التكليف ومن لا ثواب ولا عقاب عليه؟ وما تقولون في الأسماء الدالة على ذلك من المنتقم والقابض والخافض ونحوها؟

قيل: قد تقدم من الكلام في ذلك ما يكفي بعضه لذي الفطرة السليمة والعقل المستقيم وأما من فسدت فطرته وانتكس قلبه وضعفت بصيرة عقله فلو ضُرِب له من الأمثال ما ضُرِب فإنه لا يزيده  إلا عمى وتحيرًا ونحن نزيد ما تقدم إيضاحًا وبيانًا إذ بسط هذا المقام أولى من اختصاره فنقول: قد علمت أن جميع أسماء الرب جل جلاله حسنى وصفاته كمال وأفعاله حكمة ومصلحة، وله كل ثناء وكل حمد ومدحة وكل خير فمنه وله بيده، والشر ليس إليه بوجه من الوجوه. لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه.

شرح: والشر ليس الى الله لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، «والشر ليس إليك» يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، «والشر ليس إليك»  هو الشر المحض التي لا حكمة في تقديره وإيجاده لا يوجد، نعم.

متن: وإن كان في مفعولاته فهو خير بإضافته إليه.

شرح: نعم لأنه خير في باطنه لأنه يضاف إليه الخلق والإيجاد، والخلق والإيجاد دال على الحكمة ولكنه شر بالنسبة للعبد الذي فعله وباشره، نعم.

متن: وشر بإضافته إلى من صدر عنه ووقع به.

شرح: مثل الكافر إذا فعل الكفر فهي شرٌ بالنسبة إليه، إذا فعل ذلك العاصي فعله ووقع به، وهو خيرٌ بالنسبة لله لأن الله قدمه بالإضافة إلى الله، الخلق والخلق مبني على الحكمة، نعم.   

متن: فتمسك بهذا الأصل ولا تفارقه في كل دقيق وجليل، وحكِّمه على كل ما يرد عليك، وحاكم إليه واجعله آخيتك التي ترجع إليها وتعتمد عليها. واعلم أن لله خصائص في خلقه ورحمة وفضلًا يختص به من يشاء.

شرح: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

متن: واعلم أن لله خصائص في خلقه ورحمة وفضلًا يختص به من يشاء، وذلك موجب ربوبيته وإلهيته وحمده وحكمته، فإياك ثم إياك أن تُصغي إلى وسوسة شياطين الإنس والجن والنفس الجاهلة الظالمة أنه هلَّا سوَّى بين عباده في تلك الخصائص وقسمها بينهم على السواء فإن هذا عين الجهل والسفه من المعترض به، وقد بينا فيما تقدم أن حكمته تأبى ذلك وتمنع منه.

ولكن اعلم أن الأمر قسمة بين فضله وعدله، فيختص برحمته من يشاء ويقصد بعذابه من يشاء.

الشيخ: قف على قوله: واعلم أن لله خصائص في خلقه.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد