شعار الموقع

41- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
13

مدة المحاضرة: 11:00

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":

متن: واعلم أن لله خصائص في خلقه ورحمة وفضلًا يختص به من يشاء، وذلك موجب ربوبيته وإلهيته وحمده وحكمته، فإياك ثم إياك أن تُصغي إلى وسوسة شياطين الإنس والجن والنفس الجاهلة الظالمة أنه هلا سوَّى بين عباده في تلك الخصائص وقسمها بينهم على السواء فإن هذا عين الجهل والسفه من المعترض به، وقد بينا فيما تقدم أن حكمته تأبى ذلك وتمنع منه.

ولكن اعلم أن الأمر قسمة بين فضله وعدله، فيختص برحمته من يشاء ويقصد بعذابه من يشاء وهو المحمود على هذا وهذا.

شرح: وله الحكمة البالغة، نعم.

 متن: فالطيبون من خلقه مخصوصون بفضله ورحمته، والخبيثون مقصودون بعذابه، ولكل واحد قسطه من الحكمة والابتلاء والامتحان، وكل مُستعمل فيما هو له مهيأ وله مخلوق، وكل ذلك خير ونفع ورحمة للمؤمنين، فإنه تعالى خلقهم للخيرات فهم لها عاملون، واستعملهم فيها فلم يدركوا ذلك إلا به ولا استحقوه إلا بما سبق لهم من مشيئته وقسمه، فلذلك لا تضرهم الأدواءُ ولا السموم، بل متى وسوس لهم العدو واغتالهم بشيء من كيده أو مسهم بشيء من طيفهِ تذكروا فإذا هم مبصرون.

شرح: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.

متن: وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وإذا واقعوا معصية صغيرة أو كبيرة عاد ذلك عليهم رحمة وانقلب في حقهم دواءً وبُدِّل حسنة بالتوبة النصوح والحسنات الماحية، لأنه سبحانه عرفهم بنفسه وبفضله وبأن قلوبهم بيده وعصمتهم إليه حيث نقض عزماتهم وقد عزموا أن لا يعصوه، وأراهم عزته في قضائه، وبره وإحسانه في عفوه ومغفرته، وأشهدهم نفوسهم وما فيها من النقص والظلم والجهل، وأشهدهم حاجتهم إليه وافتقارهم وذلهم، وأنه إن لم يعف عنهم ويغفر لهم فليس لهم سبيل إلى النجاة أبدًا، فإنهم لما أعطوه من أنفسهم العزم أن لا يعصوه وعقدوا عليه قلوبهم ثم عصوه بمشيئته وقدرته، عرفوا بذلك عظيم اقتداره وجميل ستره إياهم وكريم حلمه عنهم وسعة مغفرته لهم وبرد عفوه وحنانه وعطفه ورأفته، وأنه حليم ذو أناة لا يعجل ورحيم سبقت رحمته غضبه، وأنهم متى رجعوا إليه بالتوبة وجدوه غفورًا رحيمًا حليمًا كريمًا يغفر لهم السيئات ويقيلهم العثرات ويودهم بعد التوبة ويحبهم، فتضرعوا إليه حينئذ بالدعاء وتوسلوا إليه بذل العبودية وعز الربوبية، فتعرَّف سبحانه إليهم بحسن إجابته وجميل عطفه وحسن امتنانه في أن ألهمهم دعاءه ويسرهم للتوبة والإنابة وأقبل بقلوبهم إليه بعد إعراضهم عنه، ولم تمنعه معاصيهم وجناياتهم من عطفه عليهم وبره لهم وإحسانه إليهم فتاب عليهم قبل أن يتوبوا إليه، وأعطاهم قبل أن يسألوه فلما تابوا إليه واستغفروه وأنابوا إليه تعرَّف إليهم تعرفًا آخر: فعرفهم رحمته وحسن عائدته وسعة مغفرته

شرح: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ} يرفق بهم بالتوبة ثم قَبِلَ التوبة منهم سبحانه.

متن: وسعة مغفرته وكريم عفوه وجميل صفحه وبره وامتنانه وكرمه وسرعة مبادرته قبولهم بعد أن كان منهم ما كان من طول الشرور وشدة النفور والإيضاع في طرق معاصيه، وأشهدهم مع ذلك حمده العظيم وبره العميم، وكرمه في أن خلَّى بينهم وبين المعصية فنالوها بنعمته وإعانته، ثم لم يخل بينهم وبين ما توجبه من الهلاك والفساد الذي لا يُرجى معه صلاح، بل تداركهم بالدواء الشافي فاستخرج منهم داءً لو استمر معهم لأفضى إلى الهلاك، ثم تداركهم بروح الرجاء فقذفه في قلوبهم وأخبر أنه عند ظنونهم به، ولو أشهدهم عِظَم الجناية وقبح المعصية وغضبه ومقته على من عصاه فقط لأورثهم ذلك المرض القاتل و الداء العضال من اليأس من روحه والقنوط من رحمته وكان ذلك عين هلاكهم، ولكن رحمهم قبل البلاء، وفي حشو البلاء وبعد البلاء.

شرح: يعني ما جعلهم ييأسون فقط، بل جعلهم يرجونه أيضًا، نعم.

متن: وجعل تلك الآثار التي تُوجبها معصيته من المحن والبلاء والشدائد رحمة لهم وسببًا إلى علو درجاتهم ونيل الزلفى والكرامة عنده، فأشهدهم بالجناية عزة الربوبية وذل العبودية، ورقاهم بآثارها إلى منازل قربه ونيل كرامته، فهم على كل حال يربحون عليه ويتقلبون في كرمه وإحسانه، فكل قضاءٍ يقضيه للمؤمن فهو خير له يسوقه به إلى كرامته وثوابه، وكذلك عطاياه الدنيوية نِعَمٌ منه عليهم، فإذا استرجعها أيضًا منهم وسلبهم إياها انقلبت من عطايا الآخرة.

شرح: يعني عوضهم عنها، سلبها وعوضهم عن المصيبة ثواب الآخرة، نعم.

متن: كما قيل: إن الله ينعم على عباده بالعطايا الفاخرة، فإذا استرجعها كانت من عطايا الآخرة.

شرح: كما قيل هذه سجعة، إن الله ينعم على عباده بالعطايا الفاخرة، فإذا استرجعها  صارت من عطايا الآخرة، هي فاخرة في الأول في الدنيا، فلما سُلِبَت منه صارت من عطايا الآخرة، نعم.

متن: والرب سبحانه قد تجلَّى لقلوب المؤمنين العارفين وظهر لها بقدرته وجلاله وكبريائه ومضاء مشيئته وعظيم سلطانه وعلي شأنه وكرمه وبره وإحسانه وسعة مغفرته ورحمته وما ألقاه في قلوبهم من الإيمان بأسمائه وصفاته إلى حيث احتملته القوى البشرية من ذلك ووراءه مما لم تحتمله قواهم ولا يخطر ببال ولا يدخل في خَلَدٍ مما لا نسبة لما عرفوه إليه.

شرح: يعني ما أخفاه الله شيء عظيم، ما يدري كل نسبة شيء يسير من الحِكَمْ والأسرار، نعم.

متن: ووراءه مما لم تحتمله قواهم ولا يخطر ببال ولا يدخل في خَلَدٍ مما لا نسبة لما عرفوه إليه.

شرح: نسبة ما عرفوه شيء يسير واللي خفي عليهم شيء كثير، نعم.

متن: فاعلم أن الذين كان قسمهم أنواع المعاصي والفجور، وفنون الكفر والشرك والتقلُّب في غضبه وسخطه قلوبهم وأرواحهم شاهدة عليهم بالمعاصي والكفر مقرة بأن له الحجة عليهم.

الشيخ: نقف عند فأعلم، تفضل، رحمه الله كلام عظيم.

 

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد