بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المتن :
قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
باب: احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك
عن أبي شريح: أنه كان يكنى أبا الحكم؛ فقال له النبي ﷺ: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين فقال: ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله. قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح رواه أبو داود وغيره.
باب: من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول
وقول الله تعالي: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة: 65] .
عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة -دخل حديث بعضهم في بعض-: أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسول الله ﷺ وأصحابه القرّاء- فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله ﷺ. فذهب عوف إلى رسول الله ﷺ ليخبره فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ﷺ وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق. فقال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله ﷺ، وإن الحجارة تنكب رجليه -وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب- فيقول له رسول الله ﷺ: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ما يتلفت إليه وما يزيده عليه.
الشرح :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك.
عن أبي شريح: أنه كان يكنى أبا الحكم؛ فقال له النبي ﷺ: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين فقال: ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله. قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح رواه أبو داود وغيره.
هذا الباب وضعه المؤلف رحمه الله تعالى لهذه الترجمة احترام لأسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك و أنه يجب على المسلم أن يحترم أسماء الله وأن يغير الأسماء التي فيها مشاركة لله تعالى في أسمائه أو صفاته ما لم يكن من الأسماء التي ليس فيها مشاركة.
عن أبي شريح أنه كان يكنى بأبي الحكم فقال رسول الله ﷺ إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكم فأخبره النبي ﷺ بأنه من أسماء الله -الحكم- قال إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكُم فهو هو الحَكَم وإليه الحُكُم يحكم بين عباده بشريعته التي أنزلها على عباه بكتب منزلة وعلى ألسنة رسله فهو يحكم بالعدل ، و يحكم بين عباده يوم القيامة بالجزاء يجازيهم ولهذا جاء من أسماء الله الحكم و العدل ولهذا قال له النبي ﷺ إن الله الحَكَم، وإليه الحُكُم وفي لفظ آخر إن الله حكم عدل فالله هو الحكم بين عباده في الدنيا والآخرة في الدنيا بشريعته التي أنزلها وفي الآخرة بنفسه سبحانه وبجزائه لعباده الحَكم في الدنيا وله الحُكُم في الآخرة.
ثم غير النبي ﷺ اسمه فقال فما لك من الولد؟ قال شريح : شُريح و مسلم و عبد الله فقال من أكبرهم؟ قال شريح فقال النبي ﷺ فأنت أبو شُريح .رواه أبو داود و غيره.
وفي هذا الحديث احترام لأسماء الله وصفاته ولو لم يقصد الإنسان المعنى لمشروعية تغير الاسم احتراما لله ،فيكنى الإنسان بأكبر أبنائه ما صُدِّر بأب أو أم مثل (أبو بكر ، أبو حفص)واللقب ما أشار بمدح أو ذم (الفاروق ، الصّدّيق ، زين العابدين)
وهنا تكمن مشروعية الإسلام أن يكنى الأب بأكبر أبنائه من الذكور فإن لم يكن له أولاد فيكنى بأكبر بناته ويجوز تكنية الإنسان حتى لو لم يكن له أولاد ولو كان صغيراً كما كنى النبي ﷺ قال يا أبا عمير، ما فعل النغير؟
وهذا الحكم من أسماء الله ،هل الحكم من الأسماء المشتركة النبي ﷺ غير اسمه وكناه أبا شُريح وبقي هذا أنه منسوخ فيحتمل أن هذا منسوخ التغيير أو أن الرسول ﷺ غيره من باب الأولى والأفضل و الأحسن لأنه ليس بواجب وممكن أن يكون هذا في الأول ثم نسخ حكم بن زيد الغفاري والحكيم بن حزام وأن هذا من الأسماء المشتركة (العزيز ،السميع،البصير،الحي) كل هذا من الأسماء المشتركة والله تعالى من أسمائه العزيز ويسمى المخلوق به قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ والسميع والبصير أيضاً وأن النبي ﷺ غيره من باب الأولى أو أنه كان سابقاً ثم نُسِخ ، حكم بن زيد الغفاري ولم يغيره والحكيم بن حزام ولم يغيره وكل هذا محتمل ، ويحتمل أن التغيير إذا نُظِر إلى المعنى يكون خاصا بالله و إذا نُظٍر إلى الاسم الجامد من غير المعنى فهو تارة يطلق على المخلوق لكن فيها اشتباه فالأولى التغيير كما فعل الرسول ﷺ فهل هو واجب أو أنه الأولى بدون وجوب أو انه منسوخ مثل أسماء بعض الصحابة التي غيرها النبي ﷺ.
الباب الثاني : باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول :
و هذه الترجمة لم يأت جواب للشرط ومن قام بفعل الشرط فقد كفر لأن -من- هنا شرطية جوابها محذوف تقديره فقد كفر ولم يذكر المؤلف رحمه الله جواب الشرط على عادة البخاري رحمه الله في تراجمه حتى يتبصر وينظر طالب العلم ويدرك الجواب
الحكمة من تكفير من هزل بالله أو بالرسول أو بالقرآن لأن الهزل بذلك فيه تنقص لله تعالى أو الرسول أو القرآن وسب لله أو الرسول أو القرآن وسخرية لله أو الرسول أو القرآن وهذا كفر.
قال تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ أثبت الله لهم الكفر بعد الإيمان ، ودل على أن السخرية والاستهزاء بالله وبكتابه وبرسوله ردة عن الإسلام.
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة جميعاً دخل حديثهم في بعض " أنه قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء )-يعني رسول الله ﷺ و أصحابه القُراء- هذا الرجل هنا رمى الرسول ﷺ و أصحابه القُراء بكثرة الأكل والكذب في الحديث والجُبن عند القتال ، فقال لهم أكذب الناس في الحديث و أكثرهم في الأكل و أجبنهم عند لقاء العدو ، فسمعهم عوف بن مالك الصحابي الجليل فقال له -لهذا الرجل- كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ﷺ؛ هذا فيه إخبار ولي الأمر وقائد الجيش بمقالة المنافقين لأن هذا بر لهم وليس هذا نميمة بل نصيحة ويوجد فرق بين النميمة والنصيحة ؛ النميمة : نقل الكلام بين شخص وشخص أو جماعة لجماعة على وجه الإفساد. النصيحة : هي إبلاغ ولي الأمر بما فيه خطر ومضرة على الإسلام والمسلمين، فهذا فيه خطر ومضرة على الإسلام والمسلمين ولهذا أخبر ابن مالك الرسول ﷺ، فذهب إلى الرسول ﷺ فوجد القرآن قد سبقه وأنزل الله هذه الآية وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فجاء ذلك الرجل الذي تكلم بهذا الكلام إلى الرسول ﷺ ليعتذر فقال : يا رسول الله إننا كنا نخوض ونتحدث حديث الركب ونقطع به عناء الطريق فقال الرسول ﷺ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ فقال ابن عمر كأني أنظر إلى ذلك الرجل متعلقا بنسعة ناقة رسول الله ؛ و النسعة هي : الحبل الذي يكون على بطن الناقة ،والحجارة تنكب رجليه متعلق بالنسعة أي تخبط رجليه الحجارة وهو بالغ في الاعتذار من الرسول ﷺ إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق ثم وجد النبي ﷺ يتلو هذه الآيةقُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ وهو لا ينظر إليه و لا يزيد عليه .
وهذا الحديث دل على أن السخرية بالله أو الرسول أو بشيء من الدين ردة عن الإسلام والعياذ بالله وفيه دليل على إثبات الكفر بعد الإيمان قال لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إثبات ردتهم بعد إيمانهم ، وهم كانوا يؤمنون لكن إيمانهم ضعيف أو أنهم في حيرة وشك وليس عندهم ثبات واستقرار كما قال تعالى لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ فمن كان لديه إيمان ضعيف لا يثبت عن الشدائد والمحن فعند الشدائد والمحن يرتد وينقلب على عقبه كما قال الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ يعني ارتد خسر الدنيا والآخرة فهنا يثبت من كان إيمانه ضعيف وهو في حيرة دائماً فعندما حصل ما حصل ارتدوا عن الإسلام و-العياذ بالله- و تكلموا بهذا الكلام الكُفري ؛ وهنا يدل على عظم خطر اللسان وأنه يجب على الإنسان أن يحفظ لسانه وأن يحذر من فتنة اللسان وقد يبرأ الإنسان من عثرة القدم ولكن لا يبرأ من عثرة اللسان ، وإذا تكلم الإنسان كلمة لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيبلغ بها سخط الله ؛ وعن النبي ﷺ أنه إذا تكلم الإنسان كلمة قد تهوي به وهو لا يعلم وعن معاذ ﷺ قلت يا رسول الله "أنبئنا بخير ما نتكلم به فقال النبي ﷺ ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"وفي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. الواجب الحذر من آفة اللسان.
وفيها هنا الرد على المرجئة الذين يقولون أن الكفر لا يكون إلا بالقلب وهذا الحديث المذكور يرد عليهم أن الرجال كفرتهم ألسنتهم ؛ وأنهم كانوا مؤمنين وكفرتهم هذه المقالة وارتدوا فكيف لا يكون الكفر إلا بالقلب ؟؟؟يقولون المرجئة أن الإنسان إذا تكلم بالكفر ، أو عبد الصنم فهو مؤمن لأنه لم يعتقد بقلبه وهذا باطل وهنا نرد عليهم أن الكفر يكون باللسان كحال هؤلاء الذين سبوا الله وسبوا الرسول ﷺ، وأنه ممكن أن يكون بالفعل كتارك الصلاة . وقد يكون الكفر بالاعتقاد مثل أن يعتقدوا أن الله له صاحبة أو ولداً أو يجحد ملكا من الملائكة أو يجحد البعث ،وقد يكون الكفر بالشك كأن يشك بالبعث أو الجنة أو النار أو يشك في ربوبية الله ،وقد يكون الكفر بالرفض والترك كأن يُعرض عن دين الله لا يتعلمه و لا يعبد الله فيكون كافرا بهذا الرفض والترك فالكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك والرفض والترك خلافاً للمرجئة الذين يقولون أنه لا يكون الكفر إلا بالقلب ولا يكون الإيمان إلا بالقلب و هذا من أبطل الباطل ، فالمرجئة يقولون أنه من تكلم بالكفر لا يكون كافر إلا إذا اعتقد بقلبه ومن يسجد لصنم لا يكون كافر إلا إذا اعتقد بقلبه وهذا أبطل الباطل، فالكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك والرفض والترك إذا رفض دين الله لا يتعلمه ولا يعلمه فقد كفر قال تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ، خمسة أشياء كلها يكفروا بها.
فالواجب الحذر من الكفر و أن يتعلم الإنسان أنواع الشر حتى يحذرها، كما قال حذيفة "كان الناس يسألون النبي ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن خصال الشر مخافة أن أقع به".
وفي فرق بين النصيحة والنميمة :النصيحة لله تعالى و لوجهه غير النميمة وفيه عن الكفر وعن السخرية بالله أو الرسول أو الاستهزاء بالله أو بالرسول أو بشيء من الدين و ثوابه و عقابه فإنه ردة كما دل عليه الحديث .
الإيمان هو التصديق ، الكفر هو التكذيب فمن صدّق بقلبه فهو مؤمن وإذا كذب بقلبه فهو كافر وما عداهما لا يكون لا إيمان ولا تصديق.
سؤال : جماعة من المنافقين لهم آية تقول أنهم من المؤمنين ... يقول إنهم منافقون ؟
جواب : يعتبروا منافقين وهو حالهم بعد الكلام ومؤمنين قبل الكلام .
سؤال : كيف تكون توبة من سخر بالله أو بالرسول أو بشيء من الدين أو الساب بدين الله وكذلك من كان زنديقا ؟
جواب: من العلماء من قال أنه لا تُقبل توبته من كان زنديقا منافقا وكذلك الساب والساخر بالله والساحر ومن تكررت ردته ،قيل لا تقبل توبتهم بالدنيا فلا بد من إقامة الحد عليهم ، كل واحد يقتل و لا تقبل توبته زجراً لأمثاله عن هذا الكفر الغليظ لذلك سمَّى الشيخ هذا الكتاب الصارم المسنون على شاتم الرسول ، وبعض أهل العلم قالوا أنه يُستتاب ،وقيل أن أحكام الدنيا لا يوجد إلا القتل لأنه ارتد ، أما الآخرة لو رضي الله فإن له توبة ؛إذا تاب توبةً صادقة قبلها الله ،وإن كان كاذبا فله حكم الكاذبين ،في الآخرة الله يحاسب من كان مؤمناً ومن كان كافراً أما في الدنيا لا يقبل إلا القتل -لا بد من إقامة الحد عليه-حتى لا يتجرأ الناس على هذا الكفر الغليظ مثل ( الساحر ، الساب ، المستهزئ ،الذي تكررت ردته ، الزنديق ).
وقال بعض أهل العلم أنه كغيره من الكفار يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل ،والجاهل معذور هذا إذا كان غير جاهل الجاهل لا بد أن تقوم عليه الحجة ، مثل الذي كان في بني إسرائيل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويلقوه في البحر وقال إن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً ) هذا من الجهل والخوف ،ظن أنه إذا حُرٍق وسُحٍق و رُمٍي في البحر أنه فات عذاب الله .لأنه ينكر البعث فمن جهله ظن أنه إذا أُحرٍق وسُحق وذروه في البحر أنه فات عذاب الله ،بسبب جهله و خوفه كان تحت القدرة فغفر الله له هذا بسبب أمرين الخوف العظيم مع الجهل ، لكنه لو كان عالماً ومكذباً أو معانداً لا يُعذَر .في نهاية الباب حتى لو لم يقصد الشخص الاستهزاء فقد كفر لأن هذا الرجل عندما أتى للرسول ﷺ قال كنا نتحدث حكايات حتى نقطع عنا الطريق ولم يقل كنا نستهزئ فهنا قد كفروا .
المتن :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس: يريد من عندي.
وقوله: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78] . قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب. وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر - شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع، فقال أي شيء أحب إليك قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعراً حسناً، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، أو الإبل، فأعطي بقرة حاملاً، قال: بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليّ بصري؛ فأبصر به الناس، فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والداً؛ فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيراً أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً، فأعطاك الله المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك أخرجاه.
الشرح :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
أما بعد :
قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
مقصد المؤلف رحمه الله في هذه الترجمة بيان وجوب شكر الله على نعمته تعالى على العبد وأنه يجب على العبد أن يشكر نعمة الله تعالى ، والشكر يكون بالاعتراف بالنعمة بالقلب وأن المنعم هو الله ونسبتها إليه و استعمالها في ما يرضيه ويحبه .
و أركان الشكر ثلاثة : الاعتراف بالنعمة في القلب ونسبتها باللسان إلى المنعم واستعمالها و بذلها بالجوارح فيما يحبه الله ويرضاه.
وهذه الآية الكريمة فيها بيان حال الإنسان الكافر وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا المقصود الإنسان الكافر بدليل قوله وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً إذا شك في البعث فهذا إنسان كافر، رحمة المقصود بها : سِعة وصحة وولد وجاه ومال وسلطان مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ من بعد شدة و فقر ومرض وعدم وجاهة لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي يعني ينسبه إلى نفسه وإلى حوله وقوته وإلى ورثته عن أبيه وجده وليس إلى نعمة الله عليه ،فلا يعترف لله تعالى بنعمته عليه ولا ينسبها إليه ولا يستخدمها في ما يرضي الله ويحبه هذا هو الكافر وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً أنكر البعث ومن شك بالبعث وقيام الساعة فقد كفر وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ لو قلت إن هناك بعثا فستكون النعمة التي حصلت لي في الدنيا فستكون موصولة بالنعمة في الآخرة فرد الله تعالى عليه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا أي سوف نناقشهم ونحاسبهم ونسألهم وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وهو عذاب النار وعذاب القبر و الأهوال الشديدة -و العياذ بالله-.
وقد نقل المؤلف رحمه الله أقوال المفسرين -العلماء- قال مجاهد هذا بعملي وأنا محقوق به تفسير لقوله وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي هذا بعملي و أنا محقوق به أي هذا المال والرزق و الرخاء و الخير الذي حصل لي كله بعملي أي أنا أهل له وجدير به وقال ابن عباس يريد من عندي يعني هذا حصل من عندي بجهدي وتعبي وفكري و قوتي و عملي و نشاطي مُنكر نعمة الله عليه . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي قصة قارون ، قال الله تعالى فيه إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
نصحوه قومه خمسة نصائح :
النصيحة الأولى : عندما فَرٍح قالوا لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
النصيحة الثانية : وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
النصيحة الثالثة : وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.
النصيحة الرابعة : وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ.
النصيحة الخامسة : وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
فماذا رد ؟
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ، قال قتادة :على علم مني بوجوه المكاسب ، وقال آخرون على علم من الله أني له أهل. وهذا كله داخل في معنى الآية وليس المراد الحصر ،والعلماء يفسرون اللفظ ببعض معناه، فقارون عندما نصحه قومه و قالوا لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ المقصود بالفرح هنا : الغرور والبطر أما الفرح بنعمة الله وفضله وخيره ونعمة الإسلام وتعليم القرآن هذا مطلوب .
كان قارون يقول أُتيت هذا على علم عندي بوجوه المكاسب وعلى شرف وورثته عن جدي وأبي ، أنكر نعمة الله عليه وجحدها ، وهنا يكمن التحذير من جحد النعمة وإنكارها ، والله تعالى أخبرنا عن قول الكافر تحذيراً منه ، لأن كل ما يحصل للإنسان من نعم فهي من الله وحده ،التحذير من كفر النعمة وجحدها .
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة في الصحيح الذي أخرجه الشيخان البخاري ومسلم عن قصة الأبرص والأقرع والأعمى ، أراد الله أن يبتليهم -يختبرهم ويمتحنهم- والإنسان يُختبر و يُبتلى يُمتحن في هذه الدنيا الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الإنسان في هذه الحياة مُبتلى ، فالصحيح مبتلى بصحته فيستخدمها بطاعة الله أو معصيته ،والغني مبتلى بغناه فليشكر أو يكفر ، والفقير مبتلى بفقره ، والمريض مبتلى بمرضه فليصبر أو يجزع ،كما قال الله تعالى عن سليمان لما جاء عرش بلقيس قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. فمن منَّا ليس مبتلى ؟
فالله أراد أن يختبر هؤلاء الثلاثة ويبتليهم و يختبرهم فهنا إثبات الإرادة لله ، إرادة كونية وشرعية ، لما له من الحكمة لأن المبتلى بعدما يُمتحن و يُخلَّص و يصفو يخرج منها صافيا كالذهب الخالص .فالأنبياء أفضل الناس ابتلاهم الله ، إبراهيم الخليل اتخذه الله خليلاً ابتلاه الله بالولد على كِبَر قيل أنه ابن 120 لما جاءه الولد فلما شبَّ وترعرع وتعلقت به نفسه وهو في نهاية الكِبَر وهو الذي يخلفه ؛ أمره الله بذبحه ؛ ومن يستطيع هذا ؟كبير السن وأتاه الولد على الكِبَر وترعرع ووقت محبته ووقت حاجته حتى تصفو خُلَّته وحتى يقدم محبة الله على محبة الناس، لأن الولد ملأ شعبة من قلبه فأراد الله أن يخلصه ويصفيه فامتحنه بذبح الولد ، فقدم محبة الله وأمره على محبة الولد ، وأقدم ، وقال لابنه : يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ، هذا الابن البار سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فأقدم على الذبح وأخذ السكين وأضجعه ووضع السكين على حلقه ، بذلك ظهر و نجح في الامتحان وصدق مع الله وخلصت محبته لله ، وقدم محبة الله على محبة جميع الناس حتى ابنه أحب الناس إليه ، فلما نجح في الامتحان عند ذلك نسخ الله الذبح و انتهى الذبح وحصلت الحكمة ، فسلب الله خاصية السكين فلم تذبح وتقطع ،كما أنه سلب خاصية النار التي أُحرِقَ فيها إبراهيم فلم تحرق وصارت عليه برداً وسلاماً ، الحكمة حصلت وانتهى المقصود و فداه الله بذبح ليظهر ظهور عيان ، لأن الله يعلم حاله ويعلم ما في نفسه ويعلم ما سيؤول إليه أمره ، لكن المقصود حتى يظهر للعيان و للناس فصفت محبته لله وخلصت ونجح في الامتحان فاتخذه الله خليلاً عليه الصلاة والسلام.
ونبينا ﷺ أُبتٍليَ بكفار قريش أُبتلي فترة طويلة ، أُبتلي باليهود والنصارى ، ابتلي بمن يخنقه وكُسٍرت رَباعيته يوم أُحد وشج وجهه وسقط في حفرة وصاح الشيطان أن محمداً قد قُتِل و أُذيَ إيذاءً عظيماً.
وكذلك كان الرسل أُولو العزم نوح أُذيَ في الله ، وكل الرسل ضُرُوا.
وكذلك الأخيار من الناس يبتلون بعد ذلك ، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح. أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه، إذا كان في دينه صلابة شُدِّدَ عليه، وإن كان في دينه رٍقة خُفف عنه.
وهؤلاء الأولاد الثلاثة أراد الله أن يبتليهم ، فإن الله ابتلى المؤمنين بالكفار ،شرع الجهاد في سبيل الله ، ابتلى الأخيار بالأشرار ، والكفار في المؤمنين ، و العُصاة و الفسَّاق بالمطيعين ،لا بد من الابتلاء والامتحان ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ليختبركم - .
وهؤلاء الثلاثة أراد الله أن يبتليهم ويختبرهم أبرص وأقرع وأعمى ،ابتلاهم الله في الضراء ثم في السَّراء ، ابتلوا في البداية بالمرض والفقر ، ثم ابتلوا بالعافية والمال والسِعة ،في الأول أبرص وأقرع وأعمى ، الأول أُبتلي بالبرص والفقر ، والثاني بالقرع والفقر ، والثالث بالعمى والفقر ،فأرسل الله لهم ملكاً بصورة رجل هذا يدل على أن الملك قد يكون بصورة إنسان كما حصل للسابقين ،أُرسِل لهم ملك بصورة رجل ، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به ، وذهب عنه قذره بإذن الله وأعُطِي لونا حسنا وجلدا حسنا ، فقال أي المال أحب إليك؟-جاء الرخاء الآن- قال : الإبل أو البقر فأُعطي ناقة عُشراء - حامل و هي في الشهر العاشر- وقال: بارك الله لك فيها واستجاب الله دعاءه ،أنزل الله فيها الخير والبركة وهذه الناقة أنتجت هذا الحامل الذي في بطنها وتناسلت وكثرت واستمرت حتى أصبح له وادي من الإبل ،ثم ذهب إلى الأقرع وقال أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعراً حسناً في الحال لأن الله قدَّر ذلك بمسح الملك ، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، أو الإبل، فأعطي بقرة حاملاً، قال: بارك الله لك فيها دعاء له الملك بالبركة والزيادة فأنتجت الحمل وتناسلت وتوالدت حتى صار له وادي من البقر ، ثم أتى للأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليّ بصري؛ فأبصر به الناس، فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والداً ، فقال بارك الله لك فيها واستجاب الله دعاءه .فقال فأنتج هذان (الأبرص و الأقرع ) أنتج في (الإبل والبقر) وولد هذا (الأعمى) من (الغنم) فالأبرص صار له وادِ من الإبل والأقرع وادِ من البقر والأعمى وادِ من الغنم ومضت سنين طويلة.
ثم رجع الابتلاء مرة أخرى ابتلوا مرة أخرى بشكر النعمة ، فجاء الملك بصورة رجل إلى الأول الأبرص في صورة أبرص فقير ذكره بحالته السابقة ابتلاء وامتحان ،قال رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيراً أتبلغ به في سفري هنا فيه دليل جواز السؤال بالله من سأل بالله فأعطوه
جاء في الحديث الآخر عن جُبير بن مطعم لما جاء الأعرابي قال أستشفعك بالله فقال إنه لا يُستشفع بالله على خلقه وهنا نوع من الاستشفاع ، ولكن حديث جُبير بن مطعم فيه ضعف ،والصحيح مُقدّم ، الجائز أن يقول أسألك بالله ثم بك كما قال الملك وليس -أسألك بالله وبك - وهذا شرك كما قال ابن عباس " قول الرجل لولا الله وفلان ،هذا شرك لكن قل لولا الله ثم فلان فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك فالملك ذكره بحالته السابقة جاء في صورة أبرص فقير -ملك- والملك يتصور على صورة آدمي أعطاه الله القدرة ، كما جاء جبريل في صور مختلفة وجاء وراءه الصحابة (رجل شديد بياض الثياب وشديد سواد الشعر ).فذكره بحالته السابقة ولكنه أنكر نعمة الله وجحدها فقال: الحقوق كثيرة ، أعطي فلانا و أعطي فلانا انتهت الأموال ، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً، فأعطاك الله المال؟ -ذكره بحالته السابقة- فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر أباً عن جد، جحد نعمة الله وأنكرها وقال ليس صحيح فهذا مالي ورثته عن أبي وجدي وهكذا ، فدعا عليه الملك فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت فاستجاب الله دعوة الملك وعاد أبرص فقيرا ، كما أُستجيبت دعوته في الأولى عندما قال بارك الله لك ، فاستجيب دعوته مرة أخرى وعُوقب و رجع لحالته الأولى.
ثم أتى الملك الأقرع على صورة أقرع وقال قال رجل مسكين ابن سبيل قد انقطعت بي الحِبال في سفري هذا فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والشعر الحسن والمال بقرة أتبلغ بها في سفري ، فقال له مثل ما قال الأبرص الحقوق كثيرة ، إذا أعطيتك وأعطيت هذا وذاك انتهى المال ، فقال كأني أعرفك ألم تكن أقرع يقذرك الناس فقيراً فأعطاك الله المال فقال : لا إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر ، فدعا عليه الملك إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت ، وفعلاً استجاب الله دعوة الملك وعاد أقرع فقيراً.
ثم أتى الأعمى في صورة أعمى ليذكره بحالته السابقة فقال : رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال وفي رواية الجبال وفي رواية الحيل و هي الطرق في سفري هذا؛ فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ فيها في سفري هذا ، فاعترف الأعمى كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت،- ما قال خذ شاة واحدة -قال ما شئت من هذا الغنم ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك (و هذا فيه إثبات الرضا لله و السخط)، وهذه من صفات الله الفعلية كما يليق بجلالته و عظمته.
وهذا الحديث فيه أنَّ الأقرع و الأبرص جحدا نعمة الله فلم يعترفا لله تعالى بالنعمة بقلوبهم و لم ينسبا النعمة إلى الله ولم يستعملها في التقرب إلى الله لم يحققا الأركان الثلاثة لشكر النعمة، و أما الأعمى فإنه شكر نعمة الله وأتى بالشكر بأركانه الثلاثة : اعترف لله بالنعمة ، ونسبها إلى الله قال كنت أعمى، فرد الله إلي بصري ، و استعملها في طاعة الله -عندما قال خذ ما شئت ودع ما شئت- ، هم ثلاثة فيكون : ثلثان كفرا بنعمة الله ، والثلث شكر نعمة الله.
و يصدق مع هذا الحديث على أن أكثر الناس كافر وليس بشاكر كما يصدق مع قوله تعالى : وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ فالقليل هو الشاكر والكثير هو الكافر ، فهؤلاء ثلثان كفرا ،وثلث شكر .
فالواجب على الإنسان أن يشكر نعمة الله تعالى في قلبه أن يعظم الله يعترف بالنعمة في قلبه ، خائفاً ، راجياً ، محباً لله ،وأن يصدُق مع الله ،و يضيف النعم إلى الله وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أن ينسبها إلى المنعم وهو الله ، ويستعملها في مرضاة الله ومحبته ،فلا بد في شكر النعمة من الاعتراف بها في القلب ولا بد من الاعتراف بالمُنعِم - وهو الله تعالى- ،ولا بد من نسبة النعمة إلى المُنعِم ، ولا بد من استعمالها في مرضاة الله و محابه ، كما قال ابن القيم رحمه الله " من لم يعترف بالنعمة فلا يكون شاكراً ،ومن اعترف بها ولم يعترف بالمُنعِم لا يكون شاكراً ، ومن اعترف بالنعمة والمُنعِم ولم ينسبها إلى الله فلا يكون شاكراً ،ومن اعترف بالنعمة والمُنعِم ونسبها إلى الله ولم يستعملها في ما يرضي الله لا يكون شاكراً.
والله تعالى هو المُنعِم على جميع أنواع العباد خلقنا و أوجدنا من العدم ومنَّ علينا بالإيمان والإسلام -نسأل الله أن يُثبتنا عليه حتى الممات- فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان نعمة الإسلام ؛فالواجب على المسلم أن يغتبط بهذه النعمة ويفرح بها ويحافظ عليها ويسأل الله الثبات عليها - نسأل الله وإياكم الثبات و الاستقامة -
.(57:18) في كلام لأهل العلم و قيل المعنى أن هذا كان أولاً ثم نُسِخ ،و قيل هذا تصرف بعض الرواة وبعضهم لهم كلام في هذا (58:01)، الكتاب يؤتى به مع الفوائد الأسبوع القادم إن شاء الله لا شك العبرة بالخواتيم والأدلة كثيرة .