مدة المحاضرة: 11:00
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":
متن: فاعلم أن الذين كان قسمهم أنواع المعاصي والفجور، وفنون الكفر والشرك والتقلب في غضبه وسخطه قلوبهم وأرواحهم شاهدة عليهم بالمعاصي والكفر مُقرَّة بأن له الحجة عليهم وأن حقه قبلهم، ولا يدخل النار منهم أحدٌ إلا وهو شاهد بذلك مقرَّةٌ بأن له.
شرح: مقرةٌ بأن له يعني له حجة عليهم.
متن: مقرَّةٌ بأن له الحجة عليهم، وأن حقه قبلهم، ولا يدخل النار منهم أحدٌ إلا وهو شاهدٌ بذلك مقرٌ به، معترف اعتراف طائع مختار
شرح: كما قال الله تعالى : {وقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
متن: ولا يدخل النار منهم أحدٌ إلا وهو شاهدٌ بذلك مقرٌ به، معترف اعتراف طائع مختار لا مكره مضطهد.
فهذه شهادتهم على أنفسهم وشهادة أوليائه عليهم، والمؤمنون يشهدون له فيهم بشهادة أخرى لا يشهد بها أعداؤه، ولو شهدوا بها وباؤوا بها لكانت رحمته أقرب إليهم من عقوبته، فيشهدون بأنهم عبيده ومِلكه وأنه أوجدهم ليظهر بهم مجده وينفذ فيهم حكمه ويمضي فيهم عدله ويحق عليهم كلمته ويصدق فيهم وعيده ويتبين فيهم سابق علمه ويعمر بهم ديارهم ومساكنهم التي هي محل عدله وحكمته، ويشهد أولياؤه عظيم ملكه وعز سلطانه وصدق رسله وكمال حكمته وتمام نعمته عليهم وقدر ما اختصهم به ومن أي شيء حماهم وصانهم وأي شيء صرف عنهم، وأنه لم يكن لهم إليه وسيلة قبل وجودهم يتوسلون بها إليه أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال وأن يجعلهم من أصحاب اليمين.
شرح: أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال، يعني المؤمنون.
متن: أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال وأن يجعلهم من أصحاب اليمين، وشهدوا له سبحانه بأن ما كان منه إليهم وفيهم مما يقتضيه إتمام كلماته الصدق والعدل وصدق قوله وتحقيق مقتضى أسمائه فهو محض حقه، وكل ذلك منه حسن جميل له عليه أتم حمد وأكمله وأفضله، وهو حكم عدل وقضاءٌ فصل، وأنه المحمود على ذلك كله فلا يلحقه منه ظلم ولا جور ولا عبث، بل ذلك عين الحكمة ومحض الحمد وكمال أظهره في حقه وعز أبداه وملك أعلنه ومراد له أنفذه كما فعل بالبُدن وضروب الأنعام أتم بها مناسك أوليائه وقرابين عباده وإن كان ذلك بالنسبة إلى الأنعام إهلاكًا وإتلافًا، فأعداؤه الكفار المشركون به الجاحدون به أولى أن تكون دماؤهم قرابين أوليائه وضحايا المجاهدين في سبيله، كما قال حسان بن ثابت:
يتطهرون يرونه قربانهم |
|
بدماء من علقوا به من الكفار |
وكذلك لما ضحى خالد بن عبدالله القسري بشيخ الـمُعطِّلة الفرعونية الجعد بن درهم.
شرح: وهو أول من تكلم في الصفات، في نفي الصفات، وهو (05:40) نفى صفتين، نفى الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، ولكن ترجع إلى هاتين الصفتين جميع الصفات، نفى كأن الله لم يُكلم موسى تكليمًا، معنى هذا نفي النبوة والرسالة وإبطال للشرائع، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا، يعني قطع الصلة بين الله وبين عباده، وفسر الخلة بأنه الفقر، اتخذ الله إبراهيم خليلًا يعني فقيرًا، كل الناس فقراء إلى الله، نعم، نسأل الله العافية، نعم، ولهذا لما ضحي به خالد بن عبد الله القسري قتله يوم عيد الأضحى، قال: ضحوا تقبل الله أعمالكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه زعم ان الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى، ثم نزل فذبحه، في أصل من بعض السكين، أمام الناس، والناس شكروه وأثنوا عليه، ومنها قول ابن القيم:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد شكر الضحية كل صاحب سنة |
|
القسري يوم ذبائح القربان لله درك من أخي قربان |
متن: فإنه خطبهم في يوم أضحى فلما أكمل خطبته قال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا.
شرح: لكن الجهم بن صفوان أخذ عن عقيدة الفساد قبل أن يُقتَل، فتقلَّد هذه الصفة: عقيدة نفي الصفات ونشرها على نطاقٍ أوسع فنسبت المقالة إلى جهم فقالوا الجهمية، والأصل يقال الجعدية، لأن المبتدع في نفي الصفات هو الجعد، لكن الجهم توسَّع فيها ونشرها على نطاقٍ أوسع فنسبت العقيدة إلى الجهم، الجهمية، نعم.
سؤال: ما ذُكِرَ أن أول من قال بها هو لبيد بن الأعصم، صحيح؟
الشيخ: لا، هذه مقالة يعني سند أهل السند سند عقيدة نفي الصفات يتصل به اليهود والنصارى والصابئة لأن الجعد أخذ عن أبان بن سمعان، أبان بن سمعان أخذها عن لبيد عن طالوت ابن أخت لبيد، طالوت أخذها عن خاله لبيد بن عاصم اليهودي، فصارت المغالطة باسم اليهود.
الجعد ما أخذها مباشرة عن لبيد، أخذها عن أبان بن سمعان، وأبان بن سمعان أخذها عن طالوت، طالوت أخذها عن خاله لبيد.
وأيضا كذلك كان قد عاش في أرض حران وحران هي أرض الصابئة، فصارت عقيدة نفي الصفات ترجع إلى اليهود والنصارى والصابئة، نعم.
متن: تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا. ثم نزل فذبحه، فكان ضحيته.
وذكر ذلك البخاري في كتاب خلق الأفعال. فهذا شهود أوليائه من شأن أعدائه، ولكن أعداؤه في غفلة عن هذا لا يشهدونه ولا يقرون به، ولو شهدوه وأقروا به لأدركهم حنانه ورحمته، ولكن لما حجبوا عن معرفته ومحبته وتوحيده وإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العلا ووصفه بما يليق به وتنـزيهه عما لا يليق به صاروا أسوأ حالًا من الأنعام وضُرِبوا بالحجاب، وأُبعدوا عنه بأقصى البعد وأُخرجوا من نوره إلى الظلمات، وغُيِّبت قلوبهم من الجهل به وبكماله وجلاله وعظمته في غياباتٍ، ليتم عليهم أمره، وينفذ فيهم حكمه، والله عليم حكيم.
[فصل في أن الله خلق دارين وخصَّ كل دار بأهل]
سؤال: ذبح الجعد بهذه الطريقة سنة ولا اجتهاد من خالد؟
الشيخ: هو كان بفتوة من علماء زمانه، وكذلك الجهم أيضًا قُتِل بفتوة من علماء زمانه، وهذا إذا كان نفى الصفات ففعل جحود هذا ردة ولا شك، نعم.
سؤال: (11:11)
الشيخ: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا} في القرآن الكريم وحنانًا من لدنا، وفي الصفات اسم الحنَّان ثابت على الصحيح، نعم.