شعار الموقع
شعار الموقع

كتاب التوحيد 19 من باب لا يستشفع بالله على خلقه إلى آخر الكتاب

00:00

00:00

تحميل
133

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد .

( متن )

باب: لا يستشفع بالله على خلقه
عن جبير بن مطعم قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي ﷺ: سبحان الله! سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه؛ ثم قال النبي ﷺ: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه وذكر الحديث. رواه أبو داود.

ثم قال رحمه الله :

باب: ما جاء في حماية النبي ﷺ حمى التوحيد، وسده طرق الشرك
عن عبد الله بن الشخير ، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي ﷺ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً؛ فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان رواه أبو داود بسند جيد.
وعن أنس ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد، عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله . رواه النسائي بسند جيد.

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:

باب: لا يستشفع بالله على خلقه
عن جبير بن مطعم قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي ﷺ: سبحان الله! سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه؛ ثم قال النبي ﷺ: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه وذكر الحديث. رواه أبو داود.

هذا الحديث رواه أبو داود, المؤلف رحمه الله اختصر الحديث ورواه بالمعنى ، في هذا الحديث الذي رواه أبو داوود أن الأعرابي جاء إلى النبي ﷺ قال يا رسول الله : هلكت الأموال وهلكت الأنفس فاستسقي لنا ربك فإننا نستشفع بالله عليك وبك على الله فقال الرسول ﷺ: سبحان الله! سبحان الله! وما زال يسبح حتى عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه ،فقال النبي ﷺ: ويحك! أتدري ما الله؟! إنَّ عرشه فوق السماء هكذا وأشار بيده مثل القُبّة ثم قال وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب رواه أبو داود.

المقصود من هذه الترجمة النهي عن أن يُستشفع بالله على أحد من خلقه لكمال ربوبيته ومُلكه وتصرفه ، فلا يستشفع بالله على أحد من خلقه أبدا في الربوبية وأنَّ الاستشفاع بالله على أحدٍ من خلقه ينافي كمال التوحيد المقصود من الترجمة النهي أن يستشفع بالله على أحد من خلقه لكمال ربوبيته و ملكه و تصرفه و أن ذلك ينافي كمال التوحيد.

  وأمّا هذا الحديث الذي رواه أبو داود فإنَّه مُتكلمٌ فيه سنداً ومتناً ، أما سنداً فهو من روايات جُبير بن محمد بن جُبير بن مُطعِم وهو ضعيف من جهة حفظه قال فيه الحافظ مقبول بحفظه و أما من جهة المتن فضعيف من جهتين :

الأولى : إنكار قولهم نستشفع بالله عليك ، قولهم " نستشفع بالله عليك " فأنكر النبي ﷺ قولهم " نستشفع بالله عليك, وقد ثبت في الصحيحين  من حديث الأبرص والأقرع أن الملك قال للأبرص، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً وقال للأقرع أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن والمال بقرة ، وقال للأعمى أسألك بالذي ردَّ عليك بصرك شاة وهذا نوع استشفاع بالله على خلقه,  وكذلك قول النبي ﷺ من سأل بالله فأعطوه فهذا نوع استشفاع بالله على خلقه

و الموضع الثاني : قوله ويحك! أتدري ما الله؟! إنَّ عرشه فوق السماء وأشار بيده مثل القُبّة ثم قال وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب وهذا يُشعِر بأن الربّ محتاج للعرش ، وهذا فاسد فإن الله تعالى لا يحتاج لأحد من خلقه، فله حملة عرش بقوته وقدرته هو ذا الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، هذا الحديث و إن كان فيه ضعف من جهة حفظه إلا أن له شواهد تُقَويه كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم و الحافظ و الذهبي قالوا إنَّ إسناده حَسَن و له شواهد تقويه فيكون حسناً.

فيجمع بين حديث الأقرع و الأبرص و حديث من سأل بالله فأعطوه وحديث لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه يجمع بينهما بأن النهي هنا محمول على التنزيه ، وبأنَّ سؤال الأبرص والأقرع ومن سأل بالله فأعطوه محمول على الجواز ، كما جاء هو القائم أنه إذا جاء النهي وجاءت الإباحة فإن الإباحة تحمل على الجواز ، والنهي يُحمَل على التنزيه ، فيكون الاستشفاع بالله على أحدٍ من خلقه جائز و لكن الأفضل تركه فيحمل النهي على التنزيه فلا يستشفع بالله على أحد من خلقه تنزيها و إن كان جائزا فالنهي للتنزيه و الاستشفاع مثل حديث الأقرع و الأبرص و يكون محمولا على الجواز و يكون مثل ما مر في باب قول ( عبدي و أمتي ) فهنا نهي محمول على التنزيه جاء وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ فجاء الجواز بقول عبدي و أمتي هذا يحمل على الجواز, و النهي لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، بل ليقل: فتاي وفتاتي و غلامي فهذا محمول على التنزيه فباب أن يقول عبدي و أمتي تنزيها للتنزيه و إن كان جائزا و ذلك هنا لا يستشفع بالله على أحد من خلقه للتنزيه و إن كان جائزا كما في الحديث و يدل على الجواز حديث الأقرع و الأبرص و حديث من سأل بالله فأعطوه.

 و أما حديث الأطيط قوله يئط به أطيط الرحل بالراكب لا يلزم منه أن هذا يشعر أن الرب محتاج إلى العرش بل إن هذا يدل على عظمة الرب و قوته و كمال قدرته فيؤخذ من قوله يئط به أطيط الرحل بالراكب يحمل على عظمة الرب و قوته و قدرته و لا يشعر بحاجة الرب إلى العرش بل إن شيخ الإسلام ابن تميمة ذكر فيه بيان تلبيس الجهمية في حملة العرش ذكر معنى حَمَلَة العرش قولان لأهل العلم :

القول الأول : أنَّ حَمَلَة العرش يحملون العرش ، ولا يحملون الله

القول الثاني : أنهم يحملون العرش ويحملون من فوقه ؛ لأن الله تعالى أقدَرَهم على ذلك.

 و ذكر قولان لأهل العلم في هذا الأول : أنَّ حَمَلَة العرش يحملون العرش فقط و القول الثاني : أنهم يحملون العرش ويحملون من فوقه لأن الله أقدرهم على ذلك, و على هذا يكون الأطيط لا يشعر بحاجة الله إلى العبد بل يدل على عظمة الرب و قوته و قدرته.

 والعلماء اختلفوا في هذا الحديث منهم من حسَّنه ومنهم من ضعّفَه , من العلماء من حسنه مثل شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و الذهبي و جمع و هناك من ضعفه , من حسنه قال حسنه بشواهد و أدلة العلو كثيرة لا حصر لها, و يحمل الأطيط على معنى يليق بالرب و هو أنه يدل على عظمة الرب و قوته و قدرته و لا يشعر بحاجة ربه إلى العرش, وبهذه الترجمة يكون الاستشفاع بالله على أحد من خلقه منهيٌّ عنه بغرض التنزيه ، وتأدُباً مع جناب الربوبية ؛ فالأولى ألا يُستشفع بالله على أحد من خلقه ، وإن استشفع فلا حرج ؛ فهو جائز من حديث "الأبرص والأقرع و الأعمى" "أسألك بالذي أعطاك كذا و كذا". فإنه لا يستشفع بالله على خلقه من سأل بالله فأعطوه.

و الباب الثاني باب ما جاء في حماية المُصطفى ﷺ حمى التوحيد وسَدِّهِ طُرُقَ الشِرك , المقصود بهذه الترجمة : حماية النبي ﷺ حمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي تتضمن نفي التوحيد ونقضه أو نفي كماله المقصود من هذه الترجمة حماية النبي ﷺ حمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال و الأعمال التي تتضمن نقض التوحيد و نفيه أو نقص كماله الواجب  والفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة وهي باب ما جاء في حماية المُصطفى ﷺ جناب التوحيد وسدِّه كلِّ طريق موَّصِل إلى الشرك ما الفرق بينهما ! الترجمة السابقة باب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك قال في الترجمة باب ما جاء في حماية النبي ﷺ جناب التوحيد و سده طرق الشرك هل هذا تكرار ! ليس تكرار ذكر العلماء أن الفرق بينهما من جهتين أو وجهين  :

الوجه الأول : باب ما جاء في حماية المُصطفى ﷺ جناب التوحيد، والجناب هو ما يكون داخلا في الشيء فإن الرسول ﷺ حمى التوحيد عمَّا يكون داخلا فيه من الأقوال والأعمال، و أما هذه الترجمة هي باب ما جاء في حماية المُصطفى ﷺ حِمَى التوحيد ، و حِمَاه هو ما يدور حوله وليس داخلا فيه، فيكون الرسول ﷺ حَمَى حِمى التوحيد عما يدور حوله وليس داخلا فيه من الأقوال والأعمال ، وتكون هذه الترجمة أبلغ من الترجمة السابقة لأن الترجمة السابقة حماية الرسول ﷺ جناب التوحيد و يكون داخلا فيه من الأقوال و الأعمال الجناب هو الجانب و الجانب ما يكون داخلا في الشيء, و هذه الترجمة حماية المصطفى ﷺ حمى التوحيد ما لم يكن داخلا فيه ما يحوم حوله فيكون الرسول ﷺ حمى حِمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال و الأعمال مما لم يكن داخلا فيه هذا أحد الوجهين.

الوجه الثاني : أو القول الثاني في الفرق بين الترجمتين أن الترجمة الأولى أن حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد خاصة بالأفعال ، وهذه الترجمة حماية المُصطفى ﷺ حِمَى التوحيد خاصة بالأقوال, فتكون الترجمة السابقة باب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد عما يشوبه من الأفعال ( كالبناء على القبور ، ودعاء الميت ، والعكوف عند القبور ، اتخاذ القبور أعياداً والبناء عليها ، وغير ذلك من الأعمال ) ، وهذه الترجمة حماية المُصطفى ﷺ حِمَى التوحيد حماه عما يشوبه من الأقوال كما جاء في الحديث كقول يا سيدنا ، وابن سيدنا ، يا خيرنا ، وابن خيرنا فنهاه حماية لجناب التوحيد من الأقوال قوله يا خيرنا و يا سيدنا و ابن سيدنا.

  لكن الوجه الأول أبلغ تكون الترجمة الأولى حماية النبي ﷺ جناب التوحيد  عمَّا يكون داخلا فيه من الأقوال والأعمال ، لكن القول الأول أو الوجه الأول أبلغ تكون الترجمة الأولى حماية النبي ﷺ جناب التوحيد مما يكون داخلا فيه من الأقوال و الأعمال وهذه الترجمة حماية التوحيد عما يشوبه من الأقوال و الأعمال يشمل الأقوال و يشمل الأعمال يشمل الأقوال بأنه يقول سيدنا و ابن سيدنا و الأفعال كالبناء على القبور و الوقوف عندها و هذه الترجمة  حماية النبي ﷺ حمى التوحيد عما يشوبه و يحوم حوله مما لا يكون داخلا فيه من الأقوال و الأعمال مثل النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر وصلاة الفجر,  قوله لا صلاة بعد العصر حتى تغرُبُ الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس حمايةً للتوحيد من أن يُصلى عند غروب الشمس ، والنهي مؤول بعد صلاة العصر والفجر سدَّاً للذريعة ذريعة مشابهة المشركين الذين يُصلّون للشمس يسجدون للشمس عند غروبها وعند طلوعها فالنبي ﷺ حمى التوحيد فنهى عن صلاة العصر سدا للذريعة و إن كان الأصل وقت العصر ساعتين أو ثلاث فنهى عن أول صلاة العصر سدا لذريعة مشابهة المشركين الذين يسجدون للشمس عمد غروبها و نهى عن الصلاة بعد الفجر سدا لذريعة مشابهة المشركين الذين يسجدون للشمس عند طلوعها حماية للتوحيد عما يشوبه و سدا للذريعة, و من ذلك أيضا النهي عن مشابهة المشركين في الظاهر ؛ حماية لجناب التوحيد عن مشابهتهم في الأقوال و الاعتقاد قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم نهى عن مشابهة المشركين في الظاهر حماية لجناب التوحيد عن مشابهتهم في الأفعال و الاعتقاد.

 قال المصنف رحمه الله تعالى عن عبد الله بن الشخير ، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي ﷺ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً؛ فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان رواه أبو داود بسند جيد.
وعن أنس ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد، عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله . رواه النسائي بسند جيد.

 الباب السابق استنبط منه المؤلف رحمه الله مسائل وفوائد منها :

إنكار النبي ﷺ على الأعراب قولهم إنَّا نستشفع بالله عليك.

المسألة الثانية : أن النبي ﷺ تَغَيَر تَغَيُّراً واضح عُرِفَ في وجوه أصحابه من أجل هذه الكلمة.

المسألة الثالثة : أن النبي ﷺ لم يُنكِر عليهم قول "نستشفع بك على الله ".

المسألة الرابعة : تفسير معنى قوله سبحان الله  تنزيهاً لله عما لا يليق به.

المسألة الخامسة : أن المسلمون يسألون النبي ﷺ الاستسقاء و هو يدعو و يؤمن .

وفي هذا حديث عبد الله بن الشخير أنَّهم عندما قالوا : أنت سيدنا قال : السيدُ الله تبارك وتعالى ، النبي ﷺ نهاهم عن قول أنت سيدنا حتى وإنّ كان هو السيد عليه الصلاة و السلام لكن سدَّاً للغلو منعا للغلو سدا لذريعة الغلو  و كراهة أن يواجهوه بالمدح خشية لقربهم من الغلو و إن كان هو السيد عليه الصلاة و السلام قال عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح أنا سيد ولد آدم و لا فخر ولكنهم لما قالوا أنت سيدنا قال السيد الله تبارك و تعالى كره أن يواجهوه بالمدح حتى لا يقربوا من الغلو فإن مواجهة المادح بالممدوح مما يُحبُه الشيطان لأن مدح المادح في نفسه يفضي به إلى التعاظم ، ولهذا قال النبي ﷺ: إذا رأيتم المدَّاحين فاحثوا في وجوههم التراب، وقال النبي ﷺ لمن مدح ويحك! قد قطعت عُنق صاحبك، فمواجهة الممدوح بالمدح يُفضي به إلى الغلو يفضي به إلى التعاظم ، وذلك ينافي كمال التوحيد ، فإن العبادة لا تقوم إلا بأصليها اللذين هما قُطُب رحاها و هما غاية الذُّل في غاية المحبة  هذان أصلا الإسلام اللذان هما قطب رحاها غاية الذل و غاية المحبة كما قال ابن القيم رحمه الله :

وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالامر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطانِ

و غاية الذل يقتضي الاستكانة والخشية والخضوع وألا يرى الإنسان نفسه إلا في مقام الذم لها والمعاتبة لها في حق الله ، و المدح ينافي ذلك ، كما أنَّ غاية المحبة تقتضي محبة ما يُحبُه الله وكراهة ما يكرهُهُ الله وموافقة الله في الإرادات والأقوال والأفعال هذه هي المحبة , المحبة تقتضي هذا , كمال المحبة يقتضي أن تحب ما يحبه المُحِب وتكره ما يكرهه وتوافقه في الإرادات والأقوال والأفعال فغاية المحبة له تقتضي أن تحب ما يحبه الله و تكره ما يكرهه الله و توافق الله في الأقوال و الأفعال و الإرادات أمَّا من يحب ما يكرهه المحبوب ويحب ما يكرهه فإنَّه ليس صادقاً في دعوته المحبة فيكون منافياً لمحبة المحب و ليس صادقا في محبته كما قال الشاعر :

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

و أبلغ من ذلك قول الله تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  فغاية الذل تقتضي الخضوع و الخشية و الاستكانة و أن يضع الإنسان نفسه في مقام الذم لها و مقام المعاتبة و أن مواجهة الممدوح بالمدح ينافي هذا يوقع التعاظم في نفس الإنسان و هذا ينافي كمال الذل كما أن كراهة ما يحبه المحبوب و محبة ما يكرهه تنافي كمال المحبة, و أنَّ قول السيد الله وهو من أسماء الله تعالى المشتركة مثل (العزيز).

واختلف عليه العلماء في إطلاقه على العبد ، أيُطلَق على المخلوق أو لا يُطلق ؟ ، فهنا قولين :

القول الأول :أنه لا يُطلَق على المخلوق و نُسِبَ ذلك إلى الإمام مالك واستدل بهذا الحديث أنَّه عندما قيل للنبي عليه الصلاة والسلام السيد ، قال : السيد الله تبارك وتعالى .

القول الثاني : الجواز ، وأنَّه يجوز أن يُطلَق على العبد واستدلوا بقول النبي ﷺ" لمَّا جاء سعد بن معاذ قال : قوموا إلى سيدكم وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال : في قول الله تعالى قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا قال إلها و سيداً  وكذلك في تفسير الله الصمد قال السيد الذي كَمِلَ في أنواع السؤدد الذي كمل في السؤدد وهو من أسماء الله، و النبي ﷺ نهى عن مواجهته.

 و الصواب التفصيل في هذه المسألة الصواب التفصيل، و أنه يجوز إطلاق السيد على رئيس القوم وفقيههم ونبيهم ، السيد يطلق على النبي ﷺ و على الفقيه و على الرئيس ولا يُطلق على كل أحد ولا يواجه به الإنسان مواجهة ، ولكن إذا وُوجِه به الإنسان أو أُطلِقَ على كل أحد مكروه كراهة تنزيه سدَّاً للذريعة ؛ لأنه ورد فيه بعض النصوص إطلاق السيد على بعض المخلوقين ،فيكون هذا دلَّ على الجواز  والنهي هنا على محمل التنزيه يطلق على الرئيس رئيس القبيلة و الفقيه لكن لا يواجهه به ما يقال " أنت سيدنا " فإن ووجه به فهو مكروه كراهة تنزيه سدا لذريعة الغلو.

و اختلف العلماء في تفسير قول  أنتَ سيدُنا فمنهم من قال :أن النبي ﷺ نهاهم عن ذلك سدَّاً لذريعة الغلو .

وقيل : إن هذا كان أولاً قبل أن يدور قولهم  يا سيد والصواب هو الأول ؛ أنه نهاهم سدَّاً لذريعة الغلو وإلا فهو جائز و يكون بهذا تجتمع الأدلة فيكون إطلاق لفظ السيد جائز و لكن الأولى أن لا يواجه به و لا يطلق على كل أحد.

 و أما ما فيه دليل كالنبي ﷺ كما قال للحسن إنه سيد و قال للأنصار قوموا إلى سيدكم و قوله من سيد بني فلان؟ هذا إذا لم يواجه به الشخص فلا حرج في ذلك مثل قول : فلان سيد القبيلة الفلانية و فلان سيد بني كذا لكن إذا ووجه به القول كقول : أنت سيدنا فهذا تركه أولى للتنزيه و سدا لذريعة الغلو و إن كان جائزا لما ورد في بعض النصوص من إطلاقه على بعض المخلوقين.

وقد استنبط المؤلف بعض الفوائد من هذه الأحاديث منها:

بيان التحذير من الغلو.

ثانياً : ما ينبغي أن يقول لِمَن قيل له أنت سيدنا  يقول السيد الله تبارك وتعالى.

ثالثاً : قول النبي ﷺ: ولا يستجرينكم الشيطان و معنى يستجرينكم الشيطان أي يجعلكم دعاة وأنصاراً و رُسُلاً له أي لا يجرُكُم الشيطان و منه ما جاء في قصة زمزم عندما وضع إبراهيم ابنه و زوجته هاجر جاء جبريل وغمز الماء ،  مرَّ قوم من جانبهم من بعيد فرؤوا طيرا يحوم حول الماء ، فقالوا إن هذا الطير لا يحوم إلا حول الماء ولعهدنا بهذا المكان أنه ليس به ماء ، وأرسلوا جرياً أو جريين يعني رسولا أو رسولين يأتي لهم بالخبر الجري هو الرسول .

المسألة الرابعة : قول النبي ﷺ: فلا أحُب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله، فقد قال عليه الصلاة والسلام : إيَّاكُم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو و قال عليه الصلاة والسلام : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبدُ الله و رسوله.

( سؤال )

قال : أنت سيدنا و ابن سيدنا !!

( جواب )

وعبد المطلب في الدنيا سيد و هذا من الأسماء المشتركة مثل العزيز قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ و هو من أسماء الله مثل العليم و السميع و البصير من أسماء الله مشتركة و ما دام النبي ﷺ لما قال " أنت سيدنا " قال السيد الله, فتركه أولى تنزيها أن لا يسمى كما أن مواجهة الإنسان بقول السيد مكروه فالتسمية تكون مكروهة تركه أولى , بعض الناس في خطابه يكتب السيد أيها السادة كل هذا تركه أولى للتنزيه فتركه أولى  من الأفضل أن يترك أدبا و سدا لذريعة الغلو و إلا فهو جائز لكن تركه أولى .

( متن )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
 

باب: جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 67] .
عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 67] .
وفي رواية لمسلم: والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله. وفي رواية للبخاري: يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع؛ وسائر الخلق على إصبع" أخرجاه.
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.

وروي عن ابن عباس، قال: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله ﷺ: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس قال: وقال أبو ذر : سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض.
وعن ابن مسعود قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم". أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، ورواه بنحوه عن المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق.
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله ﷺ: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم أخرجه أبو داود وغيره.

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف الشيخ والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:

باب: جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 67] .
عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 67] .
وفي رواية لمسلم: والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله. وفي رواية للبخاري: يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع؛ وسائر الخلق على إصبع" أخرجاه.
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.

وروي عن ابن عباس، قال: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله ﷺ: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس قال: وقال أبو ذر : سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض.
وعن ابن مسعود قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم". أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، ورواه بنحوه عن المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق.
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله ﷺ: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم أخرجه أبو داود وغيره.

هذا الباب قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ

قرَّر المؤلف في هذا الباب بتوحيد الربوبية  وتوحيد الأسماء و الصفات وتوحيد الألوهية و في الأبواب السابقة قرّر المؤلفَ توحيد الألوهية وفي هذا الباب قرَّر توحيد الربوبية و توحيد الأسماء و الصفات بالإضافة إلى توحيد الألوهية ففي هذا الباب ركز على توحيد الألوهية  و الأسماء و الصفات لأن توحيد الأسماء والصفات و توحيد الربوبية دليل على توحيد الألوهية ، وفيه نرى إثبات التوحيد بأنواعه الثلاثة الربوبية و الأسماء و الصفات و الألوهية  كما أن التراجم السابقة فيها إثبات توحيد الألوهية وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ  قَدْرِهِ أي لم يعظم المشركون الله حق تعظيمه حيث عبدوا معه غيره وهو العظيم الذي لا أعظم منه فهو المستحق العبادة لكماله وعظمة أسمائه وصفاته وعظيم إحسانه و إنعامه على عباده فهو المستحق العبادة ولا يستحقها غيره, ففيه إثبات توحيد الألوهية و توحيد الربوبية و توحيد الأسماء و الصفات.

و حديث ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

هذا الحديث فيه إثبات الأصابع لله كما يليق بجلاله وعظمته إثبات صفة من صفاته وأن لله خمسة أصابع ، وفيه  قبول الحق حتى لو جاء من كافر فالنبي ﷺ صدَّق اليهودي ، وفيه أن اليهود يعلمون الحق ولكن لا يعملون به وفيه دليل أن ليس كل من عرف الحق يكون مؤمناً بل لا بد من الاتباع والعمل فلا تكفي المعرفة وحدها قال الله تعالى في اليهود الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وفيه الردّ على المرجئة الذين يقولون إن الإيمان مجرد تصديق بالقلب ، فهؤلاء اليهود مصدقون بقلوبهم ؛ ولكن تصديق القلب لا بد أن يكون معه تصديق حركة من عمل القلب و هذه الحركة في القلب تدعو إلى العمل لا بد من هذا ، تصديق القلب لا بد معه من عمل و هذا التصديق يدعوا إلى الحركة في القلب , التصديق في القلب لا بد له من عمل يتحقق به و إلا أصبح كإيمان إبليس و فرعون وإيمان اليهود ، كما أن العمل  الصلاة و الصيام لا بد معه من إيمان يصححه وإلا أصبح كإسلام المنافقين فهؤلاء اليهود عرفوا الحق و لكن لما لم ينقادوا إلى شرع الله و دينه لم يكونوا مؤمنين و لا يكفي التصديق تصديق بالقلب لا يكفي لا بد من التصديق و الاتباع, و الاتباع يتحقق بالعمل .

في رواية مسلم " والجبال والشجر على إصبع ثم يهزهنَّ ويقول أنا الملك أنا الله "

و للبخاري " يضع السماوات على إصبع والماء والثرى على إصبع و سائر الخلق على إصبع " و في رواية لمسلم: تطوى له السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ و في رواية: يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أنا الله، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ فيه إثبات صفة اليد لله كما يليق بجلاله وعظمته ، وفيه إثبات بأن لله يمين و شمال ، ولكن سبحانه كلتا يديه يمين من حيث الشرف و الفضل والبركة وعدم النقص و إلا فله يمين و شمال بخلاف المخلوق,  فالشمال للمخلوق يكون بها ضعف ونقص ، أما الخالق لا يلحقه نقص كلتا يديّ ربي يميناً مباركة يعني كلتا يديه يمين من حيث الشرف و الفضل والبركة وعدم النقص و إلا فله يمين و شمال و منهم من طعن في رواية مسلم هذه, تفرد بها بعض الرواة و قالوا إنه لا تثبت الشمال و إنما لا تسمى شمال مثل حديث وبيده الأخرى و لذلك أنكروا أن يكون لله شمال لكن الصحيح أنه ثابت أن له يمين و شمال كما ذكر هذا و اعتمده المؤلف الشيخ محمد بن عبد الوهاب و جمع من العلماء و غيرهم أن لله يمين و شمال و إن كان كل منهما يمين يعني في الشرف و الفضل و البركة و عدم النقص

و أما رواية ابن عباس : " ما السماوات السبع و الأرضين السبع في كف الرحمن ، إلا كخردلة في يد أحدكم " لم يذكر الشارح سند هذه الرواية ولكن ذكرها الشيخ عبد الرحمن الشيخ سليمان بن عبد الله ذكر هذا في بعض حواشيه أنه تتبعها و أن طرقها لا بأس بها و مثل هذا يقال لا مجال للرأي فيه وعلى هذا فإن فيه إثبات الكف لله تعالى لأن هذا مما لا مجال للرأي فيه " ما السماوات السبع و الأرضين السبع في كف الرحمن ، إلا كخردلة في يد أحدكم ".

و الأثر عن ابن جرير حدثنا يونس هو ابن عبد الأعلى قال أخبرنا عن وهب و هو ابن وهب المصري  قال ابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد ابن الأسلم و هو ضعيف قال حدثني أبي و هو زيد بن أسلم مولى عمر قال رسول الله ﷺ: مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلا كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ فيه بيان عظم الكرسي و هو موضع قدمي الله وأن الكرسي مخلوق عظيم كما جاء عن ابن عباس :" الكرسي موضع قدميه، والعرش لا يعرف قدره إلا الله " وهذا ثابت عن ابن عباس, ومثل هذا لا يقاس بالرأي و الكرسي مخلوق عظيم , نسبة السماوات السبع و الأرضيين السبع إلى الكرسي مثل دراهم سبعة ملقية في ترس.

 وعن أبي ذر الغفاري  مرفوعاً بلفظ ما الكُرسيُ في العَرشِ إلا كَحَلقةٍ من حديد أُلقيَت بين ظهري فلاةٍ من الأرض فيه عظمة العرش مع هذه السعة وهذه العظمة للكرسي العرش أعظم منه بكثير ، فنسبة الكرسي للعرش كحلقة من حديد أُلقيت في صحراء ما تساوي ! حلقة ألقيت في صحراء من الأرض ماذا تكون نسبة الحلقة إلى الصحراء هذه نسبة الكرسي إلى  العرش وفيه يدل على أن الكرسي غير العرش.

و قال بعض العلماء أنهما شيئان الكرسي و العرش و هو قول ضعيف و الكرسي هو موضع قدمين و قيل أنه العرش و قيل غيره و قيل إن الكرسي هو العلم لكن هذا قول باطل غير صحيح و كل هذه الروايات عن ابن عباس قيل أنه العلم و غيره.

 وعن ابن مسعود قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم". أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، ورواه بنحوه عن المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق. و هذا موقوف عن ابن عباس و هذا لا يقال بالرأي  ودلت نصوص أخرى كثيرة على ما ذكره ،  ومثل هذا عليه حكم الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه .

وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله ﷺ: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم أخرجه أبو داود

هذا الحديث فيه بعض الضعف من رواية عبد الله بن عميرة فيه ضعف و قيل فيه جهالة ولكن الحديث له شواهد فيكون من الشواهد و المتابعات و القاعدة أنه يتسامح في الشواهد و المتابعات ما لا يتسامح في الأصول و أدلة العلو أفراده تزيد على ثلاثة آلاف دليل و لكن المستنكر منه أنه قال " فوق السماوات السبعة " و العرش كما دلت النصوص أنه يحمله أربعة و في يوم القيامة ثمانية وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ

و الحديث أن السماوات و الأرض مسيرة خمسمائة عام وهذه مسافة  طويلة ، ومن فضل الله و إحسانه على عباده لأنه لو كانت السماء قريبة لكان هناك مشَّقة على من يصعد فوق الجبل ، أو فوق الشجر ، ولما يعلمه الله مما سيحصل في آخر الزمان من الطائرات والمركبات الفضائية تخترق الأجواء ، فلو كانت السماء قريبة لما تمكنوا من اختراق الأجواء ، و ألا يختنقوا من ضعف الهواء ، ودليل على أن السماوات غير شفافة لأنه في حديث الإسراء و المعراج لما عرج بالنبي ﷺ و صعد به جبريل استفتح فقالوا من هذا قال جبريل فلو كان شفافا لرؤوه و ما قالوا من هذا و هذا الحديث منكر و فيه ضعف لأنه فيه جبر شواهد و متابعات كثيرة فهذا فيه كلام في صفة الملائكة وأن الملائكة الذين يحملون العرش بعضهم على صوت إنسان ، صوت نسر ، صوت كذا

وجاء في الحديث الآخر بين السماء والأرض أحدى أو اثنتان وسبعون سنة يحمل على سير البريد أنه سريع ، وبينهما خمسمائة سنة على سير البريد و قولهم خمسمائة سنة على سير القافلة  لأن سير البريد يكون سريعا و على الأقدام بدليل الأحمال، قبل اختراع السيارات و الطائرات فكانوا يجعلون محطات لساعي البريد الذي يأتي على الخيل السريعة ، من الشام إلى المدينة محطات ، كل محطة يستلم الرسالة واحد ويمشي على الخيل حتى يصل سريعاً ويبدل الخيل في كل محطة حتى يكون سريعاً ؛ فيقطع مسافة شهر بثلاثة أيام.

و في هذه الأحاديث كما سبق فيه الأحكام السابقة من إثبات اليدين اليمين و الشمال إثبات المسافات بين السماوات اثبات العرش و الكرسي و أنه غير العرش و فيه عظمة المخلوقات و تدل على عظمة الخالق يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الله فيدل على عظم الله وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ

يعني سبعة دراهم في غليظ من الأرض يعني سبعة دراهم ألقيتها في صحراء من الأرض ما تكون نسبتها ! الترس الجلد الغليظ منها ماذا تساوي سبعة دراهم بالنسبة للأرض الواسعة و هذا يدل على عظمة المخلوقات و أنها إذن نسبة للكرسي كأنها سبعة دراهم ألقيت في صحراء و هذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيئا للخالق و معلوم أن الإنسان إذا كان بيده خردلة فهو مستول عليها إن شاء قبضها أو تركها .

والاستواء يدل على  العلو ، و الاستواء له أربعة معاني في اللغة استقر و علا و صعد و ارتفع و هو من المعاني اللغوية الاستواء معلوم أما الكيفية الله أعلم بها فالله تعالى فوق المخلوقات وهو مستوٍ على العرش بهذه المعاني الأربع لا يعلم كيفية الاستواء إلا هو و أدلة الاستواء من أدلة العلو وهو استواء وعلو خاص و العلو أعم فالله تعالى فوق المخلوقات و هو مستو على عرشه فالله فوق العلو فوق المخلوقات كلها .

والرؤيا غير الإحاطة ، فأنت تستطيع أن ترى البستان ولكن لا تُحيط به الرؤيا غير الإحاطة فالمؤمنون يرون الله و لا يحيطون به رؤيا و كذلك يعلمونه و لا يحيطون به علما ولكن الله تعالى يرى البشر ويُحيط بهم ، لكمال عظمته لا يُحيط به الخلق ،السماء هل تُحيط بها ؟ تراها لكن لا تحيط بها .

وما يرى الخالق أحد في الدنيا لا يراه أحد إلا احترق, و لهذا لما سأل ربه سمع موسى كلام الله فطمع و قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي لن تستطيع لأن بشريتك ضعيفة في الدنيا و لكن يوم القيامة ينشئ الله الخلق نشأة قوية يتحملون فيها رؤية الله  أمتنا في الدنيا لا تستطيع , فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا تدكدك و انساخ و خر موسى و في بعض الروايات أن الله تجلى بمقدار الخنصر و لما قالوا للنبي ﷺ هل رأيت ربك.؟ قال نور أنى أراه. فلن يرى الله أحد في الدنيا و هذا مجمع عليه.

و منهم من قال إلا نبينا و هذا قول مرجوح و الصواب أنه رآه بعين قلبه .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد