الحمد لله و صلى الله وسلم وبارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :
فنحمد الله على نعمه المتتابعة الظاهرة و الباطنة و نسأله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في العمل و الصدق في القول ، و نسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله ، لأن لا إله إلا الله لا تنفع إلا بشروط ثلاثة (إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة فإن لا إله إلا الله تنفع ) :
الشرط الأول : النطق بها مع معرفة معناها .
الشرط الثاني : العمل بمقتضاها - المراد بذلك شروطها و هي ( الإخلاص ، والصدق ، والمحبة ، والانقياد ، والقبول، والكفر بما يعبد من دون الله ، والعلم المنافي للجهل ).
الشرط الثالث : البعد عما يناقضها و يبطلها - الذي ينقضها هو الشرك من دعا غير الله انتقضت عليه هذه الكلمة ، من سب الله أو سب الرسول أو سب دين الإسلام بطلت هذه الكلمة و هذه من النواقض-.
إذا نطق الإنسان بهذه الكلمة و عرف معناها و أنها مشتملة على نفي و إثبات و أنها تنفي الإلوهية عن غير الله و تثبت الألوهية لله و أتى بشروطها و مقتضاها و ابتعد عمَّا ينقضها فهو من أهل لا إله إلا الله .
المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم و بارك على عبده و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، اللهم اغفر لنا و لشيخنا و لوالدينا و لجميع المسلمين .
قال الشيخ محمد سلطان المعصومي رحمه الله تعالى في كتابه مفتاح الجنة لا إله إلا الله .
قال رحمه الله:
الشرح :
يقول المؤلف رحمه الله :
المبتدعين أي : الذين أحدثوا في دين الله ما ليس منه ، لأن البدعة هي الحدث في الدين .
سولت لهم أنفسهم و اعتقدوا كل ما رؤوه حسناً ديناً و ثواباً أي : المبتدعة اتبعوا ما زينت لهم أنفسهم و اعتقدوا أن كل ما رؤوه حسناً هو ديناً بعقولهم - ما رؤوه بعقولهم حسناً اعتقدوه ديناً - و هذا خطأ لأن الدين مأخوذ من الشريعة من الكتاب و السُّنة ، يدين الإنسان و يتدين فيما ثبت في كتاب الله و سُّنة رسوله ﷺ لا بالاستحسانات أو بالأهواء و الشهوات ، كانوا المبتدعة كلما استحسنوا شيئاً بعقولهم جعلوه ديناً و ثواباً .
قال المؤلف و الحال : أنَّ الدين ما يُدان به الإنسان أي ما يُجازى به الإنسان ، الدين له معاني :
فالدين يطلق على الجزاء و الحساب مثل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ -يوم الجزاء و الحساب - .
والدين يطلق على العبادة مثل: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ -أي مخلصين له العبادة-.
و هنا المراد به الحساب لأن ما يُدان به الإنسان أي ما يُحاسب به الإنسان و يُجازى به ، و هم هؤلاء المبتدعة اعتقدوا أن الدين ما رؤوه حسناً , و الصواب أن الدين ما يُدان به الإنسان و يجازى به و يبلغ أجره من مالك يوم الدين و هو الله تعالى ، و الأجر و الثواب عند مالك يوم الدين لا عند أحد ممن سواه أصلاً .
المتن :
الشرح :
يقول المؤلف رحمه الله : حيث ثبت أن الأمر هكذا و هو أنّ الدين هو ما شرعه الله وشرعه رسوله ﷺ و ليس ما يستحسنه الناس ، فليس لأحد أن يُدين ديناً أو يشرع شرعاً إلا بدليل من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ.
فليس لأحد أن يُدِين ديناً أو يشرع شرعاً و يقول هذا فرض هذا سُّنة هذا مستحب هذا له فضل و ثواب إلا إذا ثبت و صح عن رسول الله ﷺ لأن القول بأن هذا فرض و هذا واجب وهذا مستحب و هذا محرم هذا مباح لا بد له من دليل ، في الأحكام التكليفية الخمسة ( الواجب ، المحرم ، المستحب ، المكروه ، المباح ) . و لا يثبت كونه واجبا أو محرما أو مستحبا أو مكروها إلا بدليل من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ، و الرسول ﷺ هو المُبَّلِّغ عن الله و لهذا قال المؤلف أن رسول الله ﷺ لا ينطق عن الهوى بل عن وحي رب العالمين الذي هو مالك يوم الدين .
المتن :
الشرح :
يقول المؤلف رحمه الله من أثبت عبادة أو طاعة أو ذكراً لم ترد تلك العبادة أو الذكر عن رسول الله ﷺ فهذا يكون مبتدعا ، لو أثبت الإنسان صلاة سادسة و هي صلاة الضحى مثلاً و قال فرض نقول هذه بدعة لأن صلاة الضحى سُّنة، لكن كون الإنسان يثبت زيادة صلاة سادسة فهذا من البدع ، كذلك لو زاد في ركعات الفرائض أو النوافل مثلاً قال : السُّنة أن تصلي الضحى ثلاث ركعات فهذا بدعة .
من أثبت عبادة أو ذكرا خاصا كما يفعل بعض الصوفية و لم ترد تلك العبادة أو الذكر عن رسول الله ﷺ و مع ذلك اعتقد أن في ذلك أجراً و ثواباً فقد أتى بدعوة بلا برهان بلا دليل و الدعوة بدون برهان أو دليل دعوة باطلة قطعاً بل إنه شرك أو بهتان .
شرك في العبادة أو جحداً لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، أو بهتان إذا كان دون ذلك ، قال لأنه تشريع بلا سلطان و المراد بالسلطان هنا :-الدليل- .
كما أنه غير خفي على كل من آتاه الله عقلاً سليماً وفهماً مستقيماً .
المتن :
الشرح :
يقول المؤلف : لهذا حذرنا الله و رسوله محمد ﷺو كذا خلفاؤه الراشدون عن الابتداع في الدين - حذر الرسول ﷺ بقوله من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، قال ﷺ: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور ( محدثات الأمور : البدع ) فإن كل بدعة ضلالة ، و ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة أما بعد: فإنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها المحدثة : البدعة وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة و زاد النسائي و كل ضلالة في النار.
قال المؤلف لهذا حذر الله و رسوله محمد ﷺ و الخلفاء الراشدون عن الابتداع في الدين و أوعد المبتدعين وعيدا شديداً أي توعدهم .
و في قوله تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. هذا وعيد لمن اتبع غير سبيل المؤمنين و شاق الله و رسوله ﷺ هذا هو المبتدع توعده الله بهذا قال نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.، هذا وعيد على من ابتدع في الدين بعد البيان ليس جاهلاً إنما بعد العلم فقال : مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، عصمنا الله عن الشرك و عن البدع في الدين .
و العلماء صنفوا مؤلفات في البدع وبيان البدع و الرد عليها منها : ( كتاب البدع و النهي عنها لابن وضاح ، ابن وضاح له كتاب سمَّاه البدع و النهي عنها ) و أيضاً ( الحوادث و البدع للطرطوشي ، الاعتصام للشاطبي ، الباعث على إنكار البدع و الحوادث لأبي شامة ، و لا يزال العلماء لهم مؤلفات كثيرة في التحذير من البدع و النهي عنها ) .
المتن :
سبب دخول البدع و الشرك في الدين :
اعلم أن سبب دخول البدع في الدين من وجهين أحدهما :
القياس و حسن الظن : فكثير من الصالحين حسنوا ظنهم في أشياء .
الشرح :
المؤلف ذكر أن سبب دخول البدع في الدين له سببان أو من وجهين :
الوجه الأول : القياس و حسن الظن " كون الإنسان يقيس على ما ورد في الكتاب و السنة و يحسن الظن (هذا زين هذا لا بأس به ) أي الاستحسان بعقله .
والوجه الثاني : دخول الإسلام من كثير من اليهود و النصارى والمشركين و المجوس ، دخلوا في الإسلام نفاقاً ليفسدوا دين الإسلام ، دخل الدين كثير من أعداء الإسلام ( اليهود و النصارى و المشركين و المجوس) دخلوا بالإسلام حتى يتسموا بالإسلام فيفسدوه على أهله و من أولئك ( عبد الله بن سبأ اليهودي في زمن علي الذي ابتدع التشيع و جعل يُشيع بين الناس أن السلف ظلموا أهل البيت و ظلموا عليا حتى بعد ذلك غلوا في علي حتى زعموا أنه الإله و عبدوا آل البيت ، فلمَّا علم علي ذلك خدَّ أخدوداً -أي حفر حفراً في الأرض, و جعل فيها حطب و أشعلها ناراً ثم ألقاهم فيها - ألقى الذين غلوا فيه في النار قال :
لمَّا رأيت الأمر أمراً منكراً | أججت ناري و دعوت قنبرا |
( قنبرا مولى علي ) ، هؤلاء الغلاة عبد الله بن سبأ اليهودي دخل في الإسلام نفاقاً ليفسد على أهل الإسلام دينهم .
يقول المؤلف إن أسباب البدع أمرين :
الأمر الأول : الاستحسان و القياس ( بعض الناس إذا استحسن شيئا قال هذا من الدين ، يستحسنه في عقله بدون دليل ) .
الأمر الثاني : دخلوا أعداء الإسلام في الإسلام لإفساده ونشر الأباطيل و الشرك باسم الإسلام .
هذا هو سبب دخول البدع و الشرك في الدين .
المتن :
الشرح :
هذا الأمر الأول : قياس حسن الظن :
بعض الناس صالحين في أنفسهم يتعبدون لكنهم يستحسنون بعقولهم أشياء و يخترعون أشياء و ينسبونها للدين ويقولون هذا من الدين و يقيسونها على ما ورد بزعمهم و قال المؤلف لكن الحال القياس لا مدخل له في الأمور الدينية و التعبدية ، الدين والعبادة لا يوجد بها قياس ولا استحسان ، العبادة من القواعد عند أهل العلم يقولون العبادات توقيفية ( توقيفية : أي يوقفون فيها عند النصوص لا يوجد بها للعقول و الاستحسان مدخل في إضافة شيء من الدين ) .
و لهذا قال المؤلف مبنى العبادات على الاتباع لا على الابتداع ، هؤلاء أخطؤوا في قياسهم و حسن ظنهم و هم معذورون في ذلك لحسن قصدهم ، إذا كانوا فعلوا ذلك عن جهل لا عن علم لا عن تعمد فهم معذورون ، قال والمظنون أنهم إذا نُبهوا رجعوا و تابوا ( يعني هؤلاء الصالحون إذا كان عندهم حسن قصد و ليس عندهم تعمد للباطل فإذا نبههم العلماء فإنهم يرجعون ويتوبون و هذا مروي عن كثير منهم ، و من شُبههم أنهم قاسوا الله على الملوك قالوا كما أنَّ الملك لا تدخل عليه إلا بواسطة كذلك لا ندعو الله إلا بواسطة ( بواسطة الميت) هذا خطأ الله تعالى لا يُقاس بالملوك ، و قاسوا ما عند الله بما عند الملوك فقالوا بالوسائل و الشفعاء ، عبدوا الأموات و الصالحين و الأشجار و الأحجار و قالوا تشفع لنا عند الله ، قال فأخطؤوا خطأً فاحشاً بهذا وقعوا في الشرك .
المتن:
الشرح :
يقول المؤلف رحمه الله تبع هؤلاء الذين استحسنوا و أضافوا إلى الدين ما ليس منه ، تبعهم أُناس وزادوا الطين بِلَّة (يعني زاد الأمر شدة منهم ) كما أن الطين لو كان يابسا ثم بللته يزداد كذلك فعلوا هؤلاء ، و أكثر هؤلاء لا يعلمون ما جاء به النبي ﷺ و لا يعلمون معاني القرآن و لا يعلمون مقاصد القرآن و لا يعلمون الأحاديث الصحيحة و غالبهم لا يقدرون أن يميزوا بين الأحاديث الصحيحة و الأحاديث الضعيفة و الأحاديث الموضوعة و هم لا يشعرون ، فهؤلاء جاؤوا و سلكوا سبيل من سبقهم وزادوا على الدين ما ليس منه .
المتن :
الشرح :
هؤلاء الذين جاؤوا بعد أولئك ، الطائفة الأولى جاؤوا و استحسنوا بعقولهم عن حسن قصد و عن حسن ظن و إذا نُبِّهوا تنبهوا ، جاء بعدهم من سلك سبيلهم و ليس عندهم بصيرة وإنما عندهم الجهل بمعاني القرآن و الجهل بالأحاديث و ذلك أنَّ هؤلاء دخلوا في دين الإسلام على غير بصيرة من المشركين و المجوس و البراهمة و الهنود كل هؤلاء عبادات وثنية و البوذيين و اليهود و النصارى أهل الكتاب دخلوا في الإسلام أفواجاً و بعضهم كانوا علماء ماهرين في علوم دينهم و حكماء متفلسفين ( الفلسفة : هي محبة الحكمة ) فدخلوا في دين الإسلام ولم يعلموا الإسلام ؛ ما علموا إلا الظاهر لم يعلموا باطن الإسلام و ظاهره فمثلاً علموا بُني الإسلام على خمس... فقط و هذا كأن المؤلف قد ذكر أنه يشير إلى الشيخ أبو الهدى الصيَّادي و كتاب سمَّاه ( رؤوا الشمس في قولهﷺ بُني الإسلام على خمس ) فلا يعرفون إلا مجرد الظواهر و التعداد و ليس لهم علم بحقيقة ما جاء به الرسول ﷺ، و خلطوا علومهم الأولى التي تعلموها و مزجوها بالعلوم الإسلامية فتفلسفوا في الأمور الدينية فمزجوا هذا بهذا و هم لا يشعرون ، مزجوا العلوم الشرعية بعلومهم التي تعلموها بالفلسفة ولم يعلموا بقبح ما فعلوا لقلة علمهم بمقاصد الشريعة فجاء من بعدهم و أخذوا هذا الممزوج و انتشر هذا بين الناس و ظنوا أن هذا هو الإسلام إلى أن آل الأمر و انتشرت الشركيات و البدع و الضلالات ، ظن بعض الناس أنَّ هذا من الإسلام كمراقبة صورة الشيخ حين الذكر و المرابطة و هذه عادة عند الصوفية إذا أردت أن تذكر تتخيل صورة الشيخ في ذهنك إذا أردت أن تصلي أو تصوم وهذه عبادة تخيل الشيخ أمامك (شيخ الصوفية) هذا من الشرك لأنه عبادة له ، كذلك التوجه إلى أرواح الموتى و العكوف على قبورهم و دعائهم من دون الله و النذر لهم و الاستغاثة بهم و الاستبداد بهم كل هذا من الشركيات انتشرت بسبب أنَّ هؤلاء دخلوا في الإسلام و لم يعلموا حقيقة الإسلام هذا هو الأمر الأول .
المتن :
والوجه الثاني :
أن كثيرا من أعداء الإسلام من اليهود و النصارى و المشركين و المجوس و غيرهم لما رؤوا أن شوكة الإسلام و دولة أهله قد زادت نمواً و ظهوراً و شيوعاً و عجزوا عن المقاومة الظاهرية أدخلوا أنفسهم في الإسلام و تزيوا بزي المسلمين و زيادة على ذلك أظهروا الزهد و التقشف و العلم و الورع و التقوى و انتشروا في بلاد المسلمين و ساكنوهم فتمكنوا من أن يدخلوا في المسلمين ما أمكنهم من الشركيات و الضلالات و أسموها حقيقة و تصوفاً و باطناً كاللطائف الخمس و مرابطة صورة الشيخ المُرَبي و التوجه إلى قبره و النذر له و الاستمداد منه و أنه يقدر على ما لا يقدر عليه الأحياء لتجرد روحه عن هذا الجسد الفاني فصار كالسيف الصارم المشهر من الغلاف و أن لله تعالى عباداً من البشر فوض الله تعالى إليهم أمور عباده و بلاده و هم يسمون بالأبدال و الأقطاب و النجباء و الأغواث و أمثالهم و هم رجال الغيب ، فمن لاذ بهم و استغاث بهم نال مطالبه و هم يوصلونه إلى أعلى درجات الجمال و الكمال و من أنكرهم أو أنكر ما يصدر عنهم فهو من المحرومين الهالكين و أنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الله تعالى إلا بواسطتهم و تسليم الأمور إليهم و هم كوزراء الملوك و مقربي السلاطين لا يمكن لأحد أن يصل إلى الملك أو يبَّلِّغَ عريضته إليه إلا بواسطتهم، فقبل الناس هذه الوساوس فشاعت و ذاعت بين الخليقة فحصل الشيطان مقصده الأعظم ألا و هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى أصلاً .
الشرح :
هذا الأمر الثاني أو الوجه الثاني في سبب انتشار البدع و الشرك أن كثيرا من أعداء الإسلام من اليهود و النصارى و المشركين و المجوس دخلوا في الإسلام نفاقاً لما رؤوا شوكة الإسلام و دولة أهله قد زادت قوة الإسلام و ظهر المسلمون على غيرهم و شاع الإسلام و عجزوا عن المقاومة الظاهرية ماذا يفعلون ؟ بدؤوا يكيدون في أمر خفي مثل أعداء الإسلام الآن لا يستطيعون أن يحاربوا الإسلام بالحرب الحارة بالسلاح ، فلما لم يستطيعوا حاربوهم بالحرب الباردة الآن ، ينشرون الفساد عن طريق القنوات الفضائية و الشركيات و التشكيك و البدع و التفسخ و العري عن طريق البث المباشر و هذا غزو و هو أشد من الحرب الحارة ، لو حاربوا المسلمين لانتصر عليهم المسلمون و يقتلونهم, لكن حاربوهم بالحرب الباردة و بدؤوا ينشرون الشرك و الفساد و الشبه و التفسخ و العري حتى يفسد المسلمون ، ينشرون على الشباب العُري و النساء العاريات و الفساد و المجلات الخليعة و غير ذلك ، و يبثون الشُبَه حتى يخرج شباب المسلمين عندهم شبه و عندهم شكوك وليس عندهم طمأنينة في دينهم و حتى يكون عندهم أيضاً انحلال خلقي فبذلك ينتصرون عليهم .
هؤلاء كذلك لما رأوا أنَّ الإسلام قوي و انتصر و أنه لا قدرة لهم على محاربة المسلمين دخلوا في الإسلام نفاقاً ( قالوا نحن ندخل في الإسلام) ثم بعد ذلك نشروا سمومهم باسم الإسلام هذا أشد صاروا منافقين فلما رؤوا شوكة الإسلام و دولته قد زادت قوةً و نمواً وظهوراً و شيوعاً و عجزوا عن المقاومة الظاهرية أدخلوا أنفسهم بالإسلام و تزيوا بزي المسلمين و زيادة على ذلك أظهروا الزهد و التقشف و العلم و الورع و التقوى وذلك حتى يغروا المسلمين ، صاروا يصلون " صلى المصلي لأمر كان يطلبه لا لله " و انتشروا في بلاد المسلمين و تمكنوا من أن يدخلوا في الإسلام ما يريدون من الشركيات و الضلالات و صاروا يسمونها طريقة ، حقيقة ، تصوف باطن ، كما يفعل الصوفيون .
قال المؤلف كاللطائف الخمس : و هي من الاصطلاحيات الصوفية و هي : ( القلب ، الروح ، السر ، الخفي ، الأخفى ، مرابطة صورة الشيخ المربي) يقولون شيخ الطريقة ، شيخ الصوفية يعني تستحضر صورته أمامك إذا تصلي تدعو و كأنه يعبده من دون الله ، و التوجه إلى قبره إذا أردت شيئاً توجه إلى قبر الشيخ و هذا شرك ، و النذر له ، و الاستنداد منه هذا الشرك الأكبر و العياذ بالله ، و أنه يقدر على ما لا يقدر عليه الأحياء (الميت يقدر على ما لا يقدر عليه الحي ) الميت هو محتاج إليك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، و هو مرهون تحت القبر لا يستطيع أن ينفع نفسه فكيف له أن ينفعك !
قالوا إنَّ الميت يقدر على ما لا يقدر عليه الحي لأن روحه تجردت عن جسده الفاني فصار كالسيف الصارم المُشهر ( مثل السيف المكشوف ) كذلك روحه مكشوفة .
و يقولون إنَّ لله عباداً من البشر يفوض إليهم أمور عباده -هذا كله من اعتقاد الصوفية- و هم يسمونهم بالأبدال و الأقطاب و النُجَبَة و الأغواث ، بعض الصوفية يقول إذا رأيت مثلاً واحدا ضعيف العقل ثيابه مخرقة و شعوره و أظفاره طويلة و هو مرمي في زبالة لا تدري لعل هذا قطب يتصرف في الكون و أنت لا تدري ، هذا الضعيف العقل المخرق الثياب المرمي في الزبالة يقول هذا قطب و يجعلونه رب -و العياذ بالله- هكذا الصوفية يسمونهم رجال الغيب يقولون " من لاذ بهم و استغاث بهم -يعني الأبدال و القطبة - نال مطالبه و هم يوصلونه إلى أعلى درجات الكمال و الجمال -هذا أعظم الشرك - و قال من أنكرهم أو أنكر ما يصدر عنهم فهو من المحرومين الهالكين " هكذا اعتقد الصوفية قالوا و لا يمكن لأحد أن يصل إلى الله إلا بواسطتهم -الأقطاب و الأبدال - و تصريف الأمور إليهم يقول و هم كوزراء الملوك و مقربوا السلاطين لا يمكن لأحد أن يصل للملك أو يبلغ عريضته إليه إلا بواسطتهم ، كذلك كما أنك لا تستطيع أن تصل إلى الملك أو الوزير أو الرئيس إلا بواسطة كذلك هؤلاء هم واسطة بينكم و بين الله .
قال المؤلف : و حصل الشيطان مقصده الأعظم ألا و هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله أصلاً .
المتن :
الشرح :
هذه نصيحة من المؤلف يقول : هؤلاء الصوفية و المشعوذون بيَّن العلماء ضلالهم في كتبهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و أئمة الدعوة و كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله و كتب الحافظ ابن كثير وكتب الحافظ ابن رجب و غيرهم من أهل العلم بينوا هذه الضلالات ، عليك أن تطالع كتب أهل العلم و المحققين و تتفهم ما فيها و تستعمل عقلك و تترك التقليد و التعصب الأعمى لمذهب أو فرقة أو طريقة قال : فإن التقليد لغير المعصوم صادر عن عمى البصيرة ، المعصوم : هو الرسول ﷺ فالذي يقلد غير المعصوم-الرسول ﷺ- هذا أعمى البصيرة .
و قال فلا تغتر بتراهات هؤلاء و أوهامهم بل عليك الأخذ و العمل بكل ما جاء به رسول الله ﷺ و اترك التقليد فلن تهلك أبداً -لن تهلك إذا أخذت بالكتاب و السنة ولن تضل سرمداً (دائماً) ، أي إذا أخذت بالكتاب و السنة و نصيحة العلماء فإنك لن تهلك أبداً و لن تكون ضالاً سرمداً-دائماً بحول الله و قوته- هذه نصيحة من المؤلف رحمه الله .
المتن:
الشرح :
هذا رقم 2 كأنه بمثابة الفصل المستقل يقول المؤلف :اعلم يا أخي في الله أن أسنان المفتاح قد كَملَت المراد بالمفتاح : كلمة التوحيد لا إله إلا الله ، أسنانه : هي الشرائع ، مفتاح الجنة ما هو ؟ لا إله إلا الله ومعناها لا معبود بحق إلا الله و هذه الكلمة مشتملة على نفي وإثبات صدرها النفي لا إله تنفي العبادة عن غير الله و عجزها إثبات إلا الله تثبت العبادة بجميع أنواعها لله و هذا المفتاح له أسنان ما هي أسنانه : الشرائع و الواجبات الصلاة سن ، الزكاة سن من الأسنان ، الصوم سن من الأسنان ، الحج سن من الأسنان ،بر الوالدين سن من الأسنان، صلة الأرحام سن من الأسنان ، و هكذا .. الأمر بالمعروف سن من الأسنان ، النهي عن المنكر سن من الأسنان ، الجهاد في سبيل سن من الأسنان و هكذا ..
كذلك أيضاً ترك المحرمات ، ترك الغش ، ترك الخداع، ترك الغيبة ، ترك النميمة و كل هذه من الأسنان .
يقول المؤلف رحمه الله كل أسنان المفتاح قد كملت من الذي أكملها ؟ الله تعالى و الرسول ﷺ، الله تعالى أكملها و الرسول ﷺ لأنه مبلغ عن الله بالكتاب و السُّنة قد كملت موجودة في الكتاب و السُّنة ما فيها زيادة و لا نقصان ، فلا يجوز لأحد أن ينتقص منها شيئاً ولا أن يزيد .
قال المؤلف اعلم يا أخي في الله أن أسنان المفتاح قد كَملَت و بُيِّنَ عددها -عددها معروفة- و قدرها و وزنها وشكلها - كلها معروفة في الكتاب و السنة ، الصلاة سن من الأسنان عددها معروف عدد ركعات صلاة الظهر أربع ركعات و المغرب ثلاث ركعات و العشاء أربع ركعات و الفجر ركعتين ، و بُيِّن أركانها و واجباتها و شروطها و قدرها و وزنها وشكلها -كماً و كيفاً - كم : من جهة العدد ، كيف : من جهة الكيفية والوصف - أي وصف الصلاة معروف و عددها معروف و كذلك الزكاة و الصوم و الحج معروفٌ عددها و قدرها و وزنها وشرطها كماً و كيفاً بواسطة من ؟ من أين عرفنا هذا ؟ قال بواسطة من أنزل عليه الكتاب من هو ؟ هو سيدنا محمد رسول الله ﷺ بواسطته عرفنا المفتاح و أسنان المفتاح قدراً و وزناً و شكلاً.
قال فلا يجوز لأحد بحال من الأحوال أن يزيد على ما جاء به النبي ﷺ، لا يجوز للإنسان أن يزيد على هذه الأسنان ، يزيد صلاة سادسة و يقول هذه من الأسنان.
قال و من زاد شيئاً فقد تعدى و ظلم ، مثل المبتدعة الذين زادوا.
قال فلهذا قد ورد التهديد الشديد و الوعيد الأكيد على من يزيد في الدين شيئاً و قد أخبر النبي ﷺ أنه مردود عليه ، يشير الحديث : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد رواه الشيخان .
قال : فلا شك أنَّ خير الهدي هدي محمد عليه الصلاة و السلام، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. كما في مقدمة صحيح مسلم، وكل ضلالة في النار ، هذه زادها النسائي ، وكان النبي ﷺ يقول في خطبة الجمعة أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار (زادها النسائي).
المتن :
و قد قال الله تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.
و قال الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.
وقد قال النبي ﷺ: لا يكون أحدكم مؤمناً حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به.
و قال ﷺ: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، فعضوا عليهما بالنواجذ.
وقد قال ﷺ: من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ.
و قال ﷺ: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم على ما أنا عليه وأصحابي.
الشرح :
هذه نصوص ساقها المؤلف رحمه الله لوجوب اتباع الكتاب و السُّنة و التحذير من البدع ،قال الله تعالى :وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا - هذا فيه أمر باتباع ما جاء به الرسول ﷺ، هذا شامل الدين كله لأن ما جاء به الرسول ﷺ هو الكتاب و السنة.
قال الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، هذه الآية يقول عنها العلماء أنها آية المحنة آية امتحان و اختبار ، ادَّعى قومٌ محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية ، لأن كثيرا من الناس يدَّعون محبة الله مثل الصوفية يقولون نحب الله و اليهود يقولون نحب الله و النصارى يقولون نحب الله ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، كلٌ يدعي وصلاً لليلى..، فالله تعالى أعطانا الميزان ما هو الميزان ؟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الصادق في محبته لله من هو ؟ هو من اتبع الرسول ﷺ فَاتَّبِعُونِي، من كان متبعاً للرسول ﷺ فهو صادق في دعواه محبة الله ، و من كان لا يتبع الرسول فهو كاذب. و الدعوة بدون عمل لا تنفع ، لذلك تسمى هذه الآية آية المحنة و الاختبار و الامتحان ، لمَّا ادَّعى قوم محبة الله امتحنهم الله بهذه الآية.
و قد قال الرسول ﷺ: لا يكون أحدكم مؤمناً حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به هذا الحديث ضعيف ، ذكر الحافظ ابن رجب فيه ثلاث علل لكن معناه صحيح و هو أنَّ الإنسان لا يكون مؤمناً حتى يتبع الرسول ﷺ.
و قال ﷺ: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، عضوا عليهما بالنواجذ، عضوا : من عض يعض بالنواجذ ، هذا الحديث روي من جماعة بدون عضوا عليهما بالنواجذ رواه الحاكم و البيهقي ، المعنى : أن النبي ﷺ يقول تركت فيكم أمرين من تمسك بهما لن يضل .
و قال رسول الله ﷺ: من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، وإياكم و محدثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليهما بالنواجذ، هذا الحديث فيه تحذير من البدع من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً للصحابة ، فلذلك من عاش كثيراً بعد النبي ﷺ أدرك أموراً ، أدركوا بعض الصحابة أمير العراق عبيد الله بن زياد و كان ظالماً ، و أدركوا الحجاج و كان ظالماً فاسقاً ، حتى عندما أنكر عبيد الله بن زياد بعض الصحابة قالوا اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب النبي ﷺ لست منهم من النخالة فقال : ليس في أصحاب النبي ﷺ نخالة ، النخالة في من بعدهم لكن هذا ظالم ، و كذلك الحجاج بن يوسف و غيرهم .
تحذير من محدثات الأمور ، تحذير من البدع فإنها ضلالة ، و في الحديث الآخر عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين -أي ألزموها -هنا قال عضوا عليها بالنواجذ - النواجذ : هي الأسنان التي تلي الأضراس ، و هذا إنما يقال للشيء الذي ينبغي التمسك به نقول عض عليه بالنواجذ ، فالعض عليه بالنواجذ أي بالأسنان التي تلي الأضراس فإنه يكون ثابتاً .
و قال ﷺ: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: هم على ما أنا عليه وأصحابي.
هذا الحديث مشهور رواه عدد من المخرجين ، له ألفاظ ، في بعض ألفاظ الحديث :أن النبي ﷺ قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي وهم أهل السنة و الجماعة هم الطائفة المنصورة هم أهل الحق فهذا فيه حث على اتباع السُّنة فيه حث على اتباع الجماعة و النهي عن الفرقة و الاختلاف .
المتن :
الشرح :
يقول هذه أمثلة و إلا الآيات و الأحاديث كثيرة .
المتن :
الشرح :
يقول المؤلف رحمه الله ما يوضح حقيقة الأمر أن المطلوب من المؤمن أن يؤمن بالله و يستقيم على طاعته بالعمل، تكون أعماله تصدق الأقوال ، أمَّا الذي يدَّعي الإيمان بلسانه و أعماله تخالف هذا ليس مؤمناً إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ -أي قالوا بألسنتهم- ثُمَّ اسْتَقَامُوا - استقاموا بالعمل- رَبُّنَا اللَّهُ : أي معبودنا و إمامنا بالحق هو الله . الرب إذا أطلق يشمل الرب و يشمل الإله . تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ - تبشرهم ثلاث بشارات : 1- أَلَّا تَخَافُوا، 2- وَلَا تَحْزَنُوا،3- وَأَبْشِرُوا
أَلَّا تَخَافُوا مما أمامكم في المستقبل أو من عذاب القبر أو من عذاب النار .
وَلَا تَحْزَنُوا على ما خلفتم في الدنيا من أموال و أولاد .
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ.
ثلاث بشارات : ( لا تخافوا من المستقبل ، لا تحزنوا على الماضي ، أبشروا بالجنة ) متى يبشرون بهذا ؟ عند الموت و في القبر و يوم القيامة ، في هذه المواضع الثلاثة .
قال المؤلف أصحاب البشارات أخلصوا العمل لله ، و عملوا بطاعته ، يعني وحدوا الله وأخلصوا العمل لله فلم يدخل في عملهم رياء و لا سمعة ، وعملوا بطاعة الله على ما شرع الله على ما يوافق شرع الله .
تلى عمر هذه الآية ثُمَّ اسْتَقَامُوا ثم قال : " و الله لله بطاعته ، -أي أخلصوا العمل لله بطاعته - ، و لم يرغ روغان الثعالب- الذي يروغ مثل الذي يظهر أن العمل لله و هو ليس لله - بل أخلصوا الدين و العمل و التفصيل في التفاسير -إذا أردت تفسير الآية ارجع إلى تفسير العلماء ( ابن كثير ، ابن جرير و غيرهم من التفاسير ) ، و كذلك في سورة الأحقاف - يعني قول إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هذه في سورة الأحقاف .
المتن :
وفي سورة الشورى قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... الآية إلى أن قال : فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ... الآية : أي استقم أنت و من اتبعك على عبادة الله تعالى كما أمركم الله ولا تتبع أهواء المشركين فيما اختلقوه و أحدثوه إلخ ..
و لهذا قال رسول الله ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي و قال : خذوا عني مناسككم.
و في سورة الزخرف : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ أي عن القرآن و كيف كنتم بالعمل به و الاستجابة له و عما يلزمكم من القيام بحقه .
الشرح :
قال الله تعالى في سورة الشورى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ الشاهد قوله : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، الأمر بإقامة الدين ، قال شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا هؤلاء أولو العزم الخمسة وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ محمد ﷺ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى (أولو العزم الخمسة ) أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، أمر الله بإقامة الدين إقامته بالإخلاص لله واتباع الوحي المُنَّزَّل ، و لذلك دعوة الأنبياء كلها التوحيد كل الأنبياء دعوا للتوحيد و نبذ الشرك دعوتهم واحدة ، أمَّا الشرائع و الأوامر و النواهي مختلفة كلٌ منهم له شريعة ، لكن الدين واحد و هو التوحيد ، كما يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح : نَحْنُ مَعَاشِر الْأَنْبِيَاء إخوة لعلات؛ ديننا واحد و أمنا شتى، الإخوة لعلاة : هم الإخوة لأب ، الأب واحد و الأمهات متعددة ، فالأب يمثل الدين و الأمهات تمثل الشرائع ، قال الله تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا.
أمَّا الإخوة من الأم يسمون إخوة الأخياف ، الأم واحدة و الآباء متعددين ، أمَّا الإخوة من أب و أم واحدة إخوة الأعيان أو الأشقاء .
الرسول ﷺ يقول نحن الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد و الشرائع متعددة و مختلفة . الدين واحد و هو التوحيد و الشرائع شتى ، لهذا قال تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .
أمر النبي ﷺ أمر لأمته بالاستقامة و توحيد الله ولا تتبع أهواء المشركين و الظالمين ، لذا قال المؤلف : أي استقم أنت و من اتبعك على طاعة الله كما أمركم الله و لا تتبع أهواء المشركين فيما اختلقوه و أحدثوه ، لهذا قال النبي ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي و قال في الحج : خذوا عني مناسككم.
و في سورة الزخرف قال : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ هنا فيه حث على اتباع الوحي ، و أنَّ القرآن شرف لك و لقومك وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ عن العمل به ، و قال المؤلف : لهذا سوف تسألون عن القرآن و كيف كنتم بالعمل به و الاستجابة له و عما يلزمكم من القيام بحقه .
يسأل الإنسان عن القرآن و كيف كان بالعمل به و كيف كانت استجابته و يُسأل عما يلزمه من القيام بحقه .