بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وَالصَّلَاة والسلام عَلَى رسول الله اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قارئ المتن:
وبأسانيدكم إِلَى الإمام النسائي رحمه الله تعالى، قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى:
1 - كتاب الطهارة
تأويل قوله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة/6].
1 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده».
شرح الشيخ:
بسم الله والحمد لله وَالصَّلَاة والسلام عَلَى رسول الله وعَلَى آله وصحبه ومن والاه.
افتتح المؤلف رحمه الله كتابه بكتاب [الطهارة] عَلَى عادة الكثير من المؤلفين، أَمَّا صاحبي الصحيح البخاري ومسلم فإنها الجوامع، والجوامع يفتتحونها غالبًا بكتاب الإيمان أو كتاب التوحيد أو كتاب بدء الوحي، تكون جامعة عامة، أَمَّا أصحاب السنن فَإِنَّهُمْ يبوبون بتبويب الفقهاء يبدؤون بكتاب الطهارة وكتاب الصَّلَاة مثل الموطأ للإمام المالك.
هنا قال: (تأويل قوله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة/6].) الآية هي آية الوضوء، آية المائدة هي آية الوضوء وآية التيمم، بيّن الله فيها أحكام الوضوء، وأحكام التيمم وأحكام الغسل، تأويل هَذِهِ الآية وجوب الوضوء عَلَى من أراد الصَّلَاة واستعمال الماء في الأعضاء الأربعة، الوجه واليدين والرأس والرجلين، وهي مغسولة إِلَى الرأس فَإِنَّهُ ممسوح إِلَّا إذا كان عَلَى الرجلين خفين فإنهما يمسحان.
وأَمَّا هَذَا الحديث: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» قال العلماء: إن هَذَا في نوم الليل؛ لِأَنَّ البيتوتة «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» فالبيتوتة إِنَّمَا تكون في النوم.
والمحققون: عَلَى أَنَّهُ يجب عَلَى غسلهما ثلاثًا إذا استيقظ من نومه، أَمَّا فيما عدا ذلك فَإِنَّهُ مستحب غسل اليدين ثلاثًا قبل الوضوء مستحب، إِلَّا إذا استيقظ من نومه؛ فَإِنَّهُ يجب عليه أن يغسلهما ثلاثًا عند المحققين من أهل العلم.
قارئ المتن: باب السواك إذا قام من الليل
2 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، وقتيبة بن سعيد، عن جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك».
باب كيف يستاك
3 - أخبرنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد قال: أخبرنا غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستن وطرف السواك على لسانه وهو يقول: عأ عأ ".
باب هل يستاك الإمام بحضرة رعيته؟
4 - أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى وهو ابن سعيد قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا حميد بن هلال قال: حدثني أبو بردة، عن أبي موسى قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين: أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك فكلاهما سأل العمل. قلت: والذي بعثك بالحق نبيًا ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت. فقال: «إنا لا - أو لن - نستعين على العمل من أراده، ولكن اذهب أنت». فبعثه على اليمن، ثم أردفه معاذ بن جبل رضي الله عنهما.
باب الترغيب في السواك
5 - أخبرنا حميد بن مسعدة، ومحمد بن عبد الأعلى، عن يزيد وهو ابن زريع قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عتيق قال: حدثني أبي قال: سمعت عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».
الإكثار في السواك
6 - أخبرنا حميد بن مسعدة، وعمران بن موسى قالا: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أكثرت عليكم في السواك».
الرخصة في السواك بالعشي للصائم
7 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
السواك في كل حين
8 - أخبرنا علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى وهو ابن يونس، عن مسعر، عن المقدام وهو ابن شريح، عن أبيه قال: قلت لعائشة بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: «بالسواك».
شرح الشيخ: هَذِهِ التراجم كلها في السواك والمؤلف رحمه الله النسائي نوع التراجم ويكرر الأحاديث استنباط الأحكام عَلَى عادة البخاري رحمه الله، كما أَنَّهُ يذكر طرق الحديث في مكان واحد عَلَى طريقة الإمام مسلم وهو استفاد من البخاري في كثرة التراجم، واستفاد من الإمام مسلم في جمع الطرق في مكان واحد، وهَذِهِ عادة المؤلفين يترجمون يستنبطون الأحكام ويكررون التراجم يكررون الأحاديث لاستنباط الأحكام.
الحديث: «إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك» هَذَا فيه فضل السواك وتأكده عند قيام الليل «يشوص فاه بالسواك» يعني يدلك الأسنان بالسواك عرضًا لا طولًا، وكذلك أَيْضًا فيه أَنَّهُ أن السواك يكون عَلَى اللسان وتحت الشفة، ومن محبته صلى الله عليه وسلم وإكثاره من السواك حَتَّى أَنَّهُ كان يقول: «عأ عأ» يعني إذا ذهب شيء من فتات السواك إِلَى حلقه.
وفيه مشروعية السواك للإمام بحضرة رعيته، وفيه أن أبا موسى رضي الله عنه أخبر بِأَنَّهُ نظر إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ وضع السواك تحت شفته، ففيه مشروعية السواك عَلَى اللسان وعَلَى واللثة والأسنان.
وفيه قصة الرجلين أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نستعين عَلَى العمل من أراده» وأن الإنسان لا يطلب العمل، وكما مر في أبي داود أن الإنسان لا ينبغي له أن يطلب العلم؛ لِأَنَّهُ إذا لَمْ يطلبه فَإِنَّهُ يعان، وإذا طلبه فلا يعان، ولذلك قال: «لن نستعين عَلَى العمل من أراده، ولكن اذهب أنت».
وفيه الترغيب في السواك، قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» في كُلّ حين، وفيه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قد أكثرت عليكم في السواك» أيْ قد بالغت في تكرير طلبه منكم، وهو فيه إيراد الأخبار في الترغيب، وفيه أن السواك مستحب وليس بواجب لقوله: «لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم» أيْ لأمرتهم أمر إيجاب ولكن قد أمرهم أمر استحباب، فدل عَلَى أَنَّهُ ليس بواجب، ولكنه مستحب مرغب فيه في كُلّ وقت.
وقال: «السواك في كُلّ حين» فيه أَنَّهُ مشروع في كُلّ وقت، ويستحب أَيْضًا عند دخول البيت وعند الصَّلَاة، وعند تغير الفم، وفيه دليل أَيْضًا عَلَى السواك للصائم؛ لِأَنَّ السواك في كُلّ حين حَتَّى للصائم، ولا يكره في أصح قولي العلماء، وذهب بَعْض العلماء من الحنابلة وغيرهم إِلَى أَنَّهُ يكره السواك بعد الزوال، بعد الظهر والعصر، قالوا: لِأَنَّهُ يتغير الفم، وإذا تغير الفم فالسواك يزيل التغير والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» فلا ينبغي أن نغير هَذِهِ الرائحة الَّتِي هي عند الله أقرب من ريح المسك.
وقال آخرون من أهل العلم: إِنَّهُ مستحب في كُلّ وقت ولا يكره، وهَذَا هُوَ الصواب، وأَمَّا السواك فَإِنَّهُ لا يزيل الرائحة، الرائحة منبعثة من خلو المعدة، خلو المعدة موجود سواء استاك أم لَمْ يستاك، وهَذَا هُوَ الصواب أَنَّهُ مستحب في كُلّ وقت للصائم في أول النهار وفي آخره ولا يكره.
ولكن ينبغي أن يكون السواك أن يكون لين لا يكون صلبًا يجرح اللثة، ولا يكون لينًا ضعيفًا يتفتت فتات ويذهب إِلَى الحلق، ولا يكون فيه طعمية مثل الجديد الَّذِي في طعمه حرارة، فينبغي أن يلفظه إذا كان فيه حرارة أو فيه شيء من المواد الَّتِي يضعونها في السواك، وإذا كان كذلك فَإِنَّهُ مستحب في كُلّ وقت.
سؤال: لو ابتلعه؟
الشيخ: إن ابتلعه مثل ما سبق ما ينبغي أن يبتلعه إذا كان فيه مواد، وإذا كان ما فيه مواد لا بأس.
قارئ المتن: ذكر الفطرة الاختتان
9 - أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ".
تقليم الأظفار
10 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت معمرًا، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمس من الفطرة: قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاستحداد، والختان ".
نتف الإبط
11 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الفطرة: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وأخذ الشارب ".
حلق العانة
12 - أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الفطرة: قص الأظفار، وأخذ الشارب، وحلق العانة ".
قص الشارب
13 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا عبيدة بن حميد، عن يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يأخذ شاربه فليس منا».
التوقيت في ذلك
14 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا جعفر هو ابن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك قال: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، أن لا نترك أكثر من أربعين يوما» وقال مرة أخرى: «أربعين ليلة».
إحفاء الشارب وإعفاء اللحى
15 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى هو ابن سعيد، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى».
شرح الشيخ: هَذِهِ التراجم كلها في الفطرة والفطرة كما جاء في الحديث أن الفطرة خمس وجاء عشر، الاختتان: وهو قطع الجلدة الَّتِي تكون فوق الذكر وكذلك الأنثى، والاستحداد استعمال الحديد أو الموس في إزالة شعر العانة، وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط.
كرر المؤلف رحمه الله التراجم لتكثر الفائدة بإعادة الأحاديث بطرقها المتعددة كما يفعل البخاري رحمه الله، وبوب لكل واحدة من الفطرة بابًا، وإِلَّا هي جاءت في حديث واحد في الحديث الأول، وفيه التوقيت وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقت ألا يتركها أكثر من أربعين يومًا، والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهَذَا التوقيت قال بَعْض أهل العلم يعني إذا تجاوزه أقل أحواله الكراهة الشديدة ألا يؤخرها أكثر من أربعين يومًا، لا يؤخر حلق العانة ولا نتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب أكثر من أربعين يومًا، فإذا أخره فَهُوَ أقل أحواله الكراهة الشديدة.
وفيه وجوب إعفاء اللحية وإعفاء الشارب وأنه يجب إعفاء اللحية، ولا يترك الشارب طويلًا ولا يجوز حلق اللحية ولا أخذ شيء منها، ويذكر الفقهاء أَنَّهُ يجوز أخذ ما زاد عن القبضة استدلالًا بحديث ابن عمر رضي الله عنه، ابن عمر كان إذا حج أو اعتمر قبض عَلَى لحيته وأخذ ما زاد، وهَذَا اجتهاد منه، لَمْ يفعل هَذَا أبوه وهو أفضل منه، ولا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولا غيرهم، والصواب: إعفاؤها.
ولكن ابن عمر لا يفعل هَذَا دائمًا وإِنَّمَا يفعل هَذَا إذا حج أو اعتمر، ويتأول أن هَذَا من التفث يأخذ من رأسه ولحيته، إذا تحلل من العمرة أو من الحج اجتهاد منه.
قوله: «وأعفو» هَذِهِ أوامر والأوامر للوجوب، جاءت أوامر أعفوا، أرخوا، أرجوا، كلها أوامر بإعفاء اللحية وقص الشارب.
قارئ المتن: الإبعاد عند إرادة الحاجة
16 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا أراد الحاجة أبعد».
17 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا إسماعيل، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد. قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره فقال: «ائتني بوضوء، فأتيته بوضوء، فتوضأ ومسح على الخفين» قال الشيخ: إسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير قارئ المتن.
الرخصة في ترك ذلك
18 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عيسى بن يونس قال: أنبأنا الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة قوم «فبال قائمًا فتنحيت عنه، فدعاني وكنت عند عقبيه حتى فرغ، ثم توضأ ومسح على خفيه».
شرح الشيخ: هَذِهِ الأحاديث وهَذِهِ التراجم في الإبعاد عند إرادة الحاجة، كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من عادته أَنَّهُ إذا خرج إِلَى الخلاء أبعد، ويتوارى عن النَّاس، وهَذَا هُوَ الأفضل عند قضاء الحاجة في البرية أَنَّهُ يبعد حَتَّى لا يراه أحد، وحَتَّى لا يسمع أحد له صوت، ولهذا قال: «كان إذا ذهب المذهب أبعد».
قوله: «ومسح عَلَى خفيه» قال الشيخ أيْ الراوي، القائل هُوَ الراوي يقول: إن الشيخ .. يعني به أحمد بن شعيب النسائي، قال: إسماعيل هُوَ جعفر بن أبي كثير قارئ المتن.
والترجمة الثانية فيها الرخصة في ترك الإبعاد في حديث حذيفة أَنَّهُ أتى سباطة قوم يعني محل يوضع فيه الزبل وما أشبهها «فبال قائمًا فتنحيت عنه، فدعاني وكنت عند عقبيه» قيل: إِنَّهُ بال قائمًا لعله يعني لعلة في مأبضه وهو في باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، لكن هَذَا قول ليس بصحيح، والصواب: أَنَّهُ فعله لبيان الجواز «بال قائمًا» لاسيما إذا كان هناك حاجة، إِمَّا لكون الأرض مثلاً صلبة أو وسخة فلا يأمن من رشاش البول، وإِلَّا فالسنة البول جالسًا، الأفضل من فعله صلى الله عليه وسلم البول جالسًا كما قالت عائشة.
عائشة رضي الله عنها قالت: «ما كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يبول إِلَّا جالسًا، من حدثكم أَنَّهُ بال قائمًا لا تصدقوه» لِأَنَّهُ خفي عليها، خفي عليها لِأَنَّ حذيفة رآه خارج البيت، وعائشة تراه داخل البيت.
فالأصل: السنة البول جالسًا والإبعاد عن قضاء الحاجة كما هي عادته صلى الله عليه وسلم، فهذا إِنَّمَا فعله للحاجة ولبيان الجواز وحذيفة عند عقبه لعله يستره عن الأعين، فالأكثر البول جالسًا ويجوز قائمًا للحاجة بشرط أن يأمن من انكشاف العورة وإن يكون هناك حاجة، ويأمن الرشاش، والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان حذيفة خلفه يستره وفعله قليلاً، والأكثر من فعله بول جالس عليه الصلاة والسلام.
قارئ المتن: القول عند دخول الخلاء
19 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا إسماعيل، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ".
النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة
20 - أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق، أنه سمع أبا أيوب الأنصاري وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها».
النهي عن استدبار القبلة عند الحاجة
21 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها لغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا».
الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة
22 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: أنبأنا غندر قال: أنبأنا معمر قال: أنبأنا ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولكن ليشرق أو ليغرب».
الرخصة في ذلك في البيوت
23 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر قال: لقد ارتقيت على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته».
النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة
24 - أخبرنا يحيى بن درست قال: أنبأنا أبو إسماعيل وهو القناد قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه».
25 - أخبرنا هناد بن السري، عن وكيع، عن هشام، عن يحيى هو ابن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه».
الرخصة في البول في الصحراء قائمًا
26 - أخبرنا مؤمل بن هشام قال: أنبأنا إسماعيل قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتى سباطة قوم فبال قائمًا».
27 - أخبرنا محمد بن بشار قال: أنبأنا محمد قال: أنبأنا شعبة، عن منصور قال: سمعت أبا وائل، أن حذيفة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتى سباطة قوم فبال قائمًا».
28 - أخبرنا سليمان بن عبيد الله قال: أنبأنا بهز قال: أنبأنا شعبة، عن سليمان ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «مشى إلى سباطة قوم، فبال قائما» قال سليمان: في حديثه «ومسح على خفيه» ولم يذكر منصور المسح.
شرح الشيخ: هَذِهِ التراجم كلها سبق أن ذكرناها، وفي القراءة الأولى أَيْضًا كذلك توسعنا في الشرح، وهَذِهِ الأحاديث فيها مشروعية الدعاء عند دخول الخلاء «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» الخبث، قيل: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم.
وفي هَذِهِ الأحاديث النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وكذلك النهي عن استدبارها، وهَذَا إذا كان في الصحراء متفق عليه إِلَّا ما روي عن بعضهم، أَمَّا إذا كان في البيوت فاختلف العلماء في الجمع بينهما، فذهب الإمام البخاري رحمه الله إِلَى أَنَّهُ يجوز في البيوت وكذلك تبعه النسائي، قال: الرخصة في ذلك في البيوت، وهَذَا هُوَ الجمع بين الأحاديث.
الأحاديث الَّتِي فيها النهي محمول عَلَى الصحراء، والأحاديث الَّتِي فيها الجواز محمولة عَلَى ما إذا كان هناك شيء يستره، ولهذا ابن عمر رضي الله عنه رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل بيت المقدس، إذا كان مستقبل بيت المقدس يكون مستدبر القبلة.
وذهب آخرون: إِلَى أَنَّهُ لا يجوز حَتَّى في البيوت، لكن الجمع بين الأحاديث هُوَ الَّذِي ينبغي، الجمع بين الأحاديث أَنَّهُ يجوز في البيوت ولا يجوز في الصحراء، كان أبو أيوب رضي الله عنه يرى المنع مطلقًا، روى الحديث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» قال: فأتينا الشام فوجدنا مراحيض بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل.
وعَلَى كُلّ حال إذا أمكن عدم وضعها جهة الكعبة حَتَّى في البيوت هَذَا هُوَ الأولى والأحوط، لكن للجمع بين الأحاديث كما ذهب إليه البخاري والنسائي هَذَا هُوَ الَّذِي ينبغي، وهَذَا هُوَ الأصل عندما تتعارض الأحاديث ينظر إِلَى الجمع أولًا، وفي هَذِهِ الأحاديث النهي عن مس الذكر عند البول وأنه محرم يحرم مس الذكر.
وفي حديث حذيفة الرخصة في البول في الصحراء قائمًا، ففيه جواز البول قائمًا في بَعْض الأحيان لحاجة كما سبق، إِمَّا لبيان الجواز أو لكون المكان غير مناسب يكون ينحدر عنه البول، أو لكونه لا يأمن من رشاش البول مع التستر والأمن من رؤية غيره لعورته، وهَذَا فعله قليل، والأغلب من فعله عليه الصلاة والسلام البول جالسًا كما روته عائشة رضي الله عنها.
قارئ المتن: البول في البيت جالسًا
29 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة قالت: «من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه؛ ما كان يبول إلا جالسًا».
البول إلى السترة يستتر بها
30 - أخبرنا هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن ابن حسنة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كهيئة الدرقة، فوضعها ثم جلس خلفها، فبال إليها. فقال بعض القوم: انظروا يبول كما تبول المرأة. فسمعه فقال: «أوما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره».
شرح الشيخ: وهَذَا قالته عائشة قالت: «من حدثكم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بال قائمًا فلا تصدقوه ما كان يبول إِلَّا جالسًا» قالته عائشة عَلَى حسب علمه، عَلَى حسب علمها في البيوت، وحذيفة اطلع عَلَى ما لَمْ تطلع عليه عائشة فَإِنَّهُ شاهده في الصحراء.
والقاعدة عند أهل العلم: أن المثبت مقدم عَلَى النافي، فحذيفة أثبت وعائشة نفت عَلَى أن حديث حذيفة أصح؛ لِأَنَّ حديث عائشة في سنده شريك القاضي وهو متكلم فيه بسوء الحفظ، وحديث حذيفة مخرج في الصحيحين.
قوله: «انظروا يبول كما تبول المرأة» قال بَعْض العلماء: إن هَذَا قول منافق، وقال بعضهم: إِنَّهُ مؤمن قاله تعجبًا لمخالفته أهل الجاهلية في البول قائمًا.
قال: «أوما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم صاحبهم» يعني الأمر بالمعروف في دينهم «فعذب في قبره» وهَذَا من الآصار الَّتِي كانت عَلَى بني إسرائيل ورفعها الله عن هَذِهِ الأمة، كانوا إذا أصابهم البول في الثوب قرضوه بالمقاريض، وأَمَّا نحن الله سبحانه وتعالى رفع عنا هَذَا وأشار علينا أن نغسل البول بالماء.
قارئ المتن: التنزه عن البول
31 - أخبرنا هناد بن السري، عن وكيع، عن الأعمش قال: سمعت مجاهدًا يحدث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستنزه من بوله، وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة ". ثم دعا بعسيب رطب، فشقه باثنين فغرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، ثم قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» خالفه منصور، رواه عن مجاهد، عن ابن عباس ولم يذكر طاووسًا.
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وفيه أن عدم التنزه من البول من أسباب عذاب القبر وكذلك النميمة، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ من كبائر الذنوب وأنه يجب التحرز منه.
قارئ المتن: باب البول في الإناء
32 - أخبرنا أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج، أخبرتني حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه، ويضعه تحت السرير».
شرح الشيخ: هَذَا حديث ضعيف في سنده حكيمة وحكيمة مجهولة أَمَّا أمها أميمة فهي صحابية لها حديثان كما في التقريب، فلا يثبت الحكم الَّذِي عليه من البول في الإناء، مِمَّا يفضي إِلَى انكفاء البول وتنجيس المحل إِلَّا المريض فَإِنَّهُ يبول ثُمَّ يوضع في مكان معد «قدح من عيدان» العيدان بفتح العين من الخشب وبالكسر جمع عِدان، والصواب الأول، ماذا قال عَلَى الحديث عندك؟
الطالب: قال: في درجته حديث أميمة رضي الله عنها هَذَا حديث حسن، قال العلامة المناوي: ما نصه، قال عبد الْحَقّ عند الدارقطني: هَذَا الحديث ملحق بالصحيح جاري مجرى مصححات الشيخين، وتعقبه ابن القطان بأن الدارقطني لَمْ يقض فيه بصحة ولا ضعف، والخبر متوقف عَلَى الصحة عَلَى العلم بحال الراوية، فإن ثبتت ثقتها صحت روايتها وهي لَمْ تثبت انتهى، وفي اقتفاء السنن هَذَا الحديث لَمْ يضعف وهو ضعيف ففيه حكيمة وفيها جهالة، فإنها لَمْ يرو عنها إِلَّا ابن جريج وَلَمْ يذكرها ابن حبان في الثقات انتهى.
الشيخ: عَلَى كُلّ حال حكيمة مجهولة، فلا يثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان له قدح يبول فيه تحت السرير هَذَا لَمْ يأت في حديث صحيح، في زيادة؟
الطالب: قال: وَلَمْ يذكرها ابن حبان في الثقات انتهى، ونوزع فيها بطول، والتوسط ما جزم به النووي من أَنَّهُ حسن انتهى فيض القدير، وقوله: لَمْ يذكرها ابن حبان إِلَى الآخر قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ ذكرها فيه فتنبه، وقال في المنهل العذب المورود: الحديث ضعيف؛ لِأَنَّ فيه حكيمة وفيها جهالة لكنها تقوى بطرق أخرى، ولهذا حسنه النووي والحافظ ابن حجر والمناوي في شرحه الكبير، وصححه الحاكم في مستدركه.
الشيخ: ذكر الحافظ ابن حجر صححه؟
الطالب: نعم أحسن الله إليك حسنه، ولذا حسنه النووي الحافظ ابن حجر، وقال المنوي في شرحه الكبير وصححه الحاكم في مستدركه، وذكره ابن حبان في صحيحه انتهى في المنهل بتصرف يصير والحديث سكت عنه أبو داود المنذري، وقال الجامع: سنذكر الطرق الَّتِي أشار إليها صاحب المنهل إن شاء الله تعالى والله أعلم.
الشيخ: لا تزال الجهالة هنا، يعني هَذَا الأمر مخالف لعادته صلى الله عليه وسلم كونه يضع قدح من عيدان، لا تزال الجهالة فيها، فهي مجهولة، الأقرب أن الحديث ضعيف.
الطالب: قال أحسن الله إليك: وحكم عليه العلامة ناصر الدين الألباني في سلسة الأحاديث الضعيفة بوضعه.
الشيخ: الوضع؟
الطالب: نعم أحسن الله إليك.
الشيخ: عَلَى كُلّ حال القول الصواب: أَنَّهُ لا تزال الجهالة موجودة.
قارئ المتن: البول في الطست
33 - أخبرنا عمرو بن علي قال: أنبأنا أزهر، أنبأنا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر فإلى من أوصى»، قال: الشيخ أزهر هو ابن سعد السمان.
شرح الشيخ: فانخنثت يعني انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت، الشاهد: أَنَّهُ ذكر أَنَّهَا شربت البول، أن الجارية .. قال ابن عبد البر: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه، ويضعه تحت السرير» أتمه ابن عبد البر في الاستيعاب فقال: «فبال ليلة فوضع تحت سريره فجاء فإذا القدح فيه شيء، فسأل المرأة يقال لها بركة، كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من الحبشة فقال: «أن البول الَّذِي كان في هَذَا القدح؟ فقالت: شربته يا سول الله» قال الحاكم في المستدرك: هَذِهِ سنة غريبة، وعَلَى كُلّ حال هَذَا لا يثبت لِأَنَّ أصل الحديث ضعيف، فلا يثبت إِلَّا بثبوت أصله وهو البول في الإناء، وشربه للنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في الأصل؛ لِأَنَّهُ نجس كغيره؛ لِأَنَّ الأصل في ذلك أَنَّهُ كغيره إِلَّا بدليل خاص له عليه الصلاة والسلام.
وقوله: (قال الشيخ) يعني النسائي، أزهر هُوَ ابن سعد، تعرض للقصة هَذِهِ؟ طيب نعم.
قارئ المتن: كراهية البول في الجحر
34 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أنبأنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن سرجس، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في جحر» قالوا لقتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال إنها مساكن الجن.
النهي عن البول في الماء الراكد
35 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى عن البول في الماء الراكد».
كراهية البول في المستحم
36 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا ابن المبارك، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في مستحمه؛ فإن عامة الوسواس منه».
شرح الشيخ: البول في الجحر .. الحديث في سنده قتادة وفيه سماع من عبد الله بن سرجس خلاف، فيكون منقطع، إِلَّا إذا كان له شاهد، والنهي عن البول في الجحر قالوا: لِأَنَّهُ يؤذي غيره مِمَّا فيه من حشرات أو من سكن من الجن، وقد يتأذى هُوَ بخروج شيء من الدواب والحشرات فتؤذيه، وقصة سعد بن عبادة في بوله بالجحر وقتل الجن له مشهورة، وذَلِكَ أن سعد بن عبادة بال في جحر فقتله الجن، قالوا:
قتلنا سيد الخزرج سعد بن ... عبادة رميناه بسهم فلم يخطئ فؤاده
إن صحت القصة ففيه أَنَّهُ لا ينبغي أن يبول في الجحر، وفي حديث جابر في النهي عن البول في الماء الراكد يعني الَّذِي لا يجري لما فيه من تقذيره عليه وعَلَى غيره في الشرب والوضوء، لكن إذا كان كثيرًا قلتان فأكثر لا ينجس إِلَّا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة، أَمَّا القليل ففيه خلاف معروف، بكل حال ينبغي له أن يتجنب البول في الراكد مطلقًا.
وقوله: «لا يبولن أحد في مستحمه لِأَنَّ عامة الوسواس منه» لِأَنَّهُ إذا بال في المكان ثُمَّ صب عليه الماء قد يكون يتنجس الماء، وهَذَا كما قال العلماء: إذا لَمْ يذهب الماء، أَمَّا إذا كان هناك بالوعة كما هُوَ الموجود الآن فلا بأس، فَإِنَّهُ يزول تزول النجاسة، أَمَّا إذا كان المكان لا يذهب البول يبول في المكان ثُمَّ يصب عليه الماء هَذَا هُوَ المنهي عنه.
وفي رواية أبي داود: «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثُمَّ يغتسل منه» وفي رواية: «ثُمَّ يتوضأ منه» أشار عَلَى البول في الجحر وفي الماء الراكد؟
الطالب: قال: هَذَا الحديث وإن صححه ابن السكن وابن خزيمة قال الحافظ في التلخيص: وقيل: إن قتادة لَمْ يسمع من عبد الله بن سرجس حكاه حرب عن أحمد وأثبت السماع منه علي بن عبد الله المديني، وضعف الحديث الشيخ الألباني بعنعنة قتادة، وقال في البدر المنير: ثبت سماع قتادة من ابن سرجس وقال المنذري: رجال إسناده ثقات، وقال الطبراني: سمعت محمد بن أحمد بن البراء قال: علي بن المديني سمع قتادة من أبي سرجس، وعن أبي حاتم لَمْ يلق قتادة من الصَّحَابَة إِلَّا أنس وعبد الله بن سرجس، وقال الحاكم: إن الحديث صحيح عَلَى شرط الشيخين انتهى في المنهل، قال الجامع عفا الله عنه: علة الحديث كما سبق عن الشيخ الألباني رحمه الله عنعنة قتادة.
والحاصل: وأنه وإن ثبت سماع قتادة من سرجس إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يصرع بالسماع في هَذَا الحديث فيكون ضعيف لهذه العلة فتنبه والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
الشيخ: وكذلك القصة قصة سعد بن عبادة أَيْضًا تحتاج إِلَى ثبوت، ولكن عَلَى كُلّ حال ينبغي أن يتجنب البول في الجحر؛ لِأَنَّهُ قد تؤذيه الحشرات وقد تكون مساكن الجن، وقد يخرج شيء من الدواب والحشرات تؤذيه، فينبغي أن يتجنب البول في الجحر.
قارئ المتن: السلام على من يبول
37 - أخبرنا محمود بن غيلان، حدثنا زيد بن الحباب وقبيصة قالا: أنبأنا سفيان، عن الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر قال: «مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام».
رد السلام بعد الوضوء
38 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين أبي ساسان، عن المهاجر بن قنفذ، أنه «سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه حتى توضأ، فلما توضأ رد عليه».
شرح الشيخ: وهَذَا إذا كان حاضرًا ينتظره، أَمَّا إذا ذهب فَإِنَّهُ لا يجب الرد؛ لِأَنَّ من يقضي حاجته ليس محل للسلام، فلا يسلم عَلَى من لَمْ يقض حاجته، ولكن إذا جلس ينتظر ثُمَّ توضأ ورد عليه السلام فلا بأس كما في حديث المهاجر هَذَا.
وعَلَى هَذَا فعلى من يبول لا يُسلم عليه، ولهذا مر رجل عَلَى النَّبِيّ وهو يبول فلم يرد عليه السلام، ولكن إذا جلس ينتظره وتوضأ ورد عليه السلام فلا بأس.
قارئ المتن: النهي عن الاستطابة بالعظم
39 - أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي عثمان بن سنة الخزاعي، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يستطيب أحدكم بعظم أو روث».
النهي عن الاستطابة بالروث
40 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى يعنى ابن سعيد، عن محمد بن عجلان قال: أخبرني القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستنج بيمينه». وكان يأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة.
شرح الشيخ: والاستطابة هي الاستنجاء، الاستطابة والإطابة كناية عن الاستنجاء، والاستجمار يستجمر، فنهى النَّبِيّ عن الاستجمار والاستنجاء، الاستجمار بالعظم، وجاء في الحديث الآخر أَنَّهُ لا يطهر، وفي الحديث الآخر قال: «إِنَّهُ زاد إخوانكم من الجن» وكذلك الروث لا يستجمر به؛ لِأَنَّهُ علف لدواب الجن، لحديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الجن جاؤوا إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لكم كُلّ عظم ذكر اسم الله عليه يعود أوفر ما كان عليه لحمًا، وكل بعرة علفٌ لدوابكم يعود إليها حبها الَّذِي أكل منه» فهذه علة.
والعلة الثانية: أَنَّهُ لا يطهر وأنه لين فلا يطهر.
وقوله: «فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» هَذَا للتحريم إذا كان في الصحراء، أَمَّا في البنيان فكما سبق، والروثة معروفة والمراد روث ما يؤكل لحمه، وأَمَّا الَّذِي لا يؤكل لحمه نجس فلا، روث الإبل والبقر لا بأس، أَمَّا روث الحمار فلا يجوز لِأَنَّهُ نجس.
قارئ المتن: النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار
41 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال: قال له رجل: إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال: أجل. " نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار.
شرح الشيخ: وهَذَا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، أَمَّا إذا أراد أن يستعمل الماء فلا بأس أن يستجمر بحجر أو حجرين لا بأس، لكن إذا أراد الاكتفاء فلابد أن يكون ثلاثة أحجار، وَلَابُدَّ أن تكون الأحجار منقية، هَذَا شرط آخر، وَلَابُدَّ أن يكون يعني منقية فلا يبقى إِلَّا أثر يسير لا يزيله إِلَّا الماء فيعفى عنه، وَلَابُدَّ ألا يجاوز الخارج موضع العادة، هَذِهِ شروط.
إذا أراد أن يستنجي يكتفي بالاستجمار عن الماء لَابُدَّ أن تكون ثلاثة أحجار فأكثر، وَلَابُدَّ أن تكون منقية، وَلَابُدَّ ألا يتجاوز الخارج موضع العادة فلا ينتظر الغائط إِلَى الصفحة، صفحة الدبر أو القبل، وكذلك أَيْضًا لا يتجاوز البول حشفة الذكر، فإن تجاوز فلابد من الماء.
وَلَابُدَّ أن يكون ثلاثة أحجار فإن كان حجرين فلابد من الماء، وَلَابُدَّ أن تكون منقية فلا يبقى إِلَّا أثر يسير لا يزيله إِلَّا الماء، فإن لَمْ تكن منقية فلا، هَذَا إذا أراد أن يكتفي بها عن الماء.
قارئ المتن: الرخصة في الاستطابة بحجرين
42 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو نعيم، عن زهير، عن أبي إسحاق - قال: ليس أبو عبيدة ذكره - ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، وأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيت بهن النبي صلى اللهم عليه وسلم، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: «هذه ركس» قال أبو عبد الرحمن الركس: طعام الجن.
شرح الشيخ: الاكتفاء بحجرين هَذَا إذا لَمْ يرد الاكتفاء بهما، وجاء في رواية الإمام أحمد أَنَّهُ قال: «ائتني بغيرها ائتني بحجر» عَلَى هَذَا ما يكون الاكتفاء بحجرين، وقوله: «هَذِهِ ركس» الركس هُوَ طعام الجن، يعني نجس مردود إِلَى نجاستها، وفسره المصنف بطعام الجن، وفيه ثبوته في اللغة نظر؛ لِأَنَّهُ ليس فيه أَنَّهُ اكتفى بحجرين، بَلْ زاد ثالثًا، ولا يقال: إن الأحجار لَمْ تكن حاضرة، بَلْ في رواية أحمد أَنَّهُ قال: «ائتني بثالث».
وفسر الركس بطعام الجن أخذًا من قوله: «فَإِنَّهُ زاد إخوانكم من الجن» وهَذَا خاص بروث ما يؤكل لحمه.
قارئ المتن: باب الرخصة في الاستطابة بحجر واحد
43 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استجمرت فأوتر».
شرح الشيخ: وهَذَا مطلق يحمل عَلَى المقيد في الروايات الأخرى الدالة عَلَى أَنَّهُ لَابُدَّ من ثلاثة أحجار منقية فأكثر، إذا أراد الاكتفاء بها عن الماء، أتى المؤلف بهذا الحديث في الترجمة وهو الرخصة في الاستطابة بحجر واحد يعني لَابُدَّ فيه من التفصيل.
قارئ المتن: الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها
44 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن مسلم بن قرط، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار فليستطب بها؛ فإنها تجزي عنه».
شرح الشيخ: ومثل الأحجار كُلّ ما ينقي المحل من الخرق والمناديل والخشب والطين المتحجر ونحوها، وهَذَا إذا أراد الاكتفاء بها عن الماء فلابد أن تكون ثلاثة منقية كما سبق.
قارئ المتن: الاستنجاء بالماء
45 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر قال: أنبأنا شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء أحمل أنا وغلام معي نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء».
46 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة أنها قالت: «مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم منه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله».
شرح الشيخ: الاستنجاء بالماء هُوَ الأصل وهو الأفضل خلافًا لما ذكره بعضهم، أن العرب لا يستنجون بالماء، ولكن الصواب أن الأفضل هُوَ الماء، وإذا جمع بينهما فَهُوَ أفضل، الاستنجاء بالماء ثُمَّ الاستجمار بالحجارة، والحديث فيه عنعنة قتادة، عَلَى شرط الشيخين، والمدلسون في الصحيحين عنعنتهم يعني متحملة لأنهما انتقيا من أحاديثهم ما ثبتت معهم له، لكن حديث عائشة هَذَا متابع لحديث أنس.
قارئ المتن: النهي عن الاستنجاء باليمين
47 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: أنبأنا هشام، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في إنائه، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه».
48 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن يحيى بن أبى كثير، عن ابن أبي قتادة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه».
49 - أخبرنا عمرو بن علي، وشعيب بن يوسف واللفظ له، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن منصور، والأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال: قال المشركون: إنا لنرى صاحبكم يعلمكم الخراءة ؟ قال: أجل. نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة وقال: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار».
شرح الشيخ: نعم في هَذِهِ الأحاديث النهي عن الاستنجاء باليمين وأنه محرم، وكذلك مس الذكر باليمين وهو يبول، وكذلك التنفس في الإناء، قال: «إنا لنرى صاحبكم يعلمكم الخراءة» يعني الحدث وأحكام الحدث فقال سلمان: «أجل. نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار».
قارئ المتن: باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء
50 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا وكيع، عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «توضأ، فلما استنجى دلك يده بالأرض».
51 - أخبرنا أحمد بن الصباح قال: حدثنا شعيب يعني ابن حرب قال: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي قال: حدثنا إبراهيم بن جرير، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء فقضى الحاجة، ثم قال: «يا جرير هات طهورًا» فأتيته بالماء فاستنجى بالماء - وقال: بيده - فدلك بها الأرض قال أبو عبد الرحمن: هذا أشبه بالصواب من حديث شريك، والله سبحانه وتعالى أعلم ".
شرح الشيخ: قوله: (وهَذَا أشبه بالصواب) يعني كون الحديث من مسند جرير أو من كونه من أبي هريرة مسند أبي هريرة؛ لِأَنَّ رواية أبان مرجحة عَلَى رواية شريك، وهَذَا معارض عارضه بعضهم قال: شريك أعلى وأوسع رواية وأحفظ وقد أخرج له مسلم وَلَمْ يخرج لأبان، وفيه مشروعية دلك الأرض بعد الاستنجاء هَذَا لإزالة الرائحة، والآن وجد ما يقوم مقام .. الأرض الآن ما في، الأول كان يدلك بالأرض أو بالجدار لما كان من طين، الآن الجدار أملس والأرض ملساء، والآن المطهرات تقوم مقامه الصابون وأشبهه، يغسل يديه بعد الاستنجاء حَتَّى يزيل الرائحة.
قارئ المتن: باب التوقيت في الماء
52 - أخبرنا هناد بن السري، والحسين بن حريث، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع. فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث».
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث مختلف في صحته وضعفه والصواب أَنَّهُ صحيح، وفيه أ ن الماء الكثير يدفع عن نفسه، ولكنه ينجس بالتغير، إذا تغير أحد أوصافه اللون أو الطعم أو الرائحة ينجس، أَمَّا إذا لَمْ تتغير أحد أوصافه فَإِنَّهُ لا ينجس إذا كان كثيرًا، أَمَّا إذا كان قليلاً ففيه خلاف فهذا الحديث فيه توقيت أَنَّهُ إذا كان الماء قلتين فَإِنَّهُ ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لَمْ يتغير أحد أوصافه، ذهب إِلَى هَذَا الجمهور، وأَمَّا ما دون القلتين هُوَ الَّذِي فيه الخلاف.
والصواب: أَنَّهُ لا ينجس إِلَّا بالتغير كما ذهب إِلَى ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره عملاً بحديث أبي سعيد: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» هَذَا عام، يعني إذا لَمْ يتغير أحد أوصافه، وحديث القلتين مفهومه أَنَّهُ إذا كان الماء دون القلتين فَإِنَّهُ ينجس، لكن هَذَا المفهوم ألغاه منطوق حديث أبي سعيد «الماء طهور لا ينجسه شيء» ذهب إِلَى هَذَا محققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ومجموعة من أهل العلم واختاره سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وجمع من أهل العلم من المحققين أَنَّهُ لا ينجس إِلَّا بالتغير سواء كان قليلاً أو كثيرًا.
وأَمَّا جمهور الفقهاء يرون أن هَذَا الحديث يفيد التحريم وأنه إذا كان الماء قلتين فَإِنَّهُ ينجس بمجرد النجاسة سواء تغير أم لَمْ يتغير، وأَمَّا ما زاد عَلَى القلتين فَإِنَّهُ لا ينجس إِلَّا بالتغير، والقلتان تعادل سبع قرب؛ لِأَنَّ القلة تعادل قربتين ونصف.
قال بعضهم: إِلَّا إذا كان الماء قليلاً في الأواني فَإِنَّهُ يراق؛ لِأَنَّهُ ورد في حديث الكلب «فليرقه» فعلى ذلك يراق ما وقعت فيه النجاسة من القليل الَّذِي يكون في الأواني، وبعضهم حكم عَلَى هَذِهِ الرواية بالشذوذ لكن لها متابع فهي ليست شاذة.
قارئ المتن: ترك التوقيت في الماء
53 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أن أعرابيا بال في المسجد، فقام عليه بعض القوم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه لا تزرموه». فلما فرغ دعا بدلو فصبه عليه قال: أبو عبد الرحمن: يعني: لا تقطعوا عليه.
54 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبيدة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس قال: بال أعرابي في المسجد، «فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فصب عليه».
شرح الشيخ: عبيدة بفتح العين، عبيد بن حمد بالتصغير.
قارئ المتن:
55 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنسا يقول: جاء أعرابي إلى المسجد فبال فصاح به الناس فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتركوه». فتركوه حتى بال، ثم أمر بدلو فصب عليه.
56 - أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، عن عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال: لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأهريقوا على بوله دلوا من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين».
شرح الشيخ: وهَذَا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وأَيْضًا كذلك هُوَ من الحكمة، فإن هَذَا الرجل الصَّحَابَة أرادوا أن يزرموه، فَإِنَّهُ لو قام وهو يبول يحصل له أضرار كثيرة:
أولًا: يحصل قطع البول وهَذَا يضر بصحته.
ثانيًا: يلوث أمكنة متعددة من المسجد بدل ما يكون مكان واحد.
ثالثًا: أن يلوث ثيابه وفخذيه.
رابعًا: يؤدي إِلَى تنفيره.
والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تلافى هَذَا كله، قال: «لا تزرموه» دعوه، فقضى بوله في مكان واحد، ثُمَّ أمر بدلو من ماء فصب عليه وانتهى الأمر، ثُمَّ علمه وقال: «يا فلان إن هَذِهِ المساجد لا يصلح فيها من البول والقذر وإِنَّمَا ذكر الله» ويقال: إن هَذَا الرجل بعد ذلك قال: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمد ولا ترحم معنا أحدًا، وهَذَا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام.
والمصنف رحمه الله بوب قال: ترك التوقيت في الماء، أخذه المصنف من أن الماء لا ينجس وإن قل، وذَلِكَ لِأَنَّ الدلو من الماء قليل، وقد صب عَلَى البول، فيختلط به، فلو تنجس الماء باختلاط البول يلزم أن يكون هَذَا تكثيرًا للنجاسة لا إزالة لها وهو خلاف المعقول، فلزم أن الماء لا يتنجس باختلاط النجس وإن قل، وهَذَا فيه يعني فكرة أوضح بعضهم قال: إِنَّهُ صب الماء دفعًا لرائحة البول لا لتطهير المسجد، وقيل: هناك فرق بين ورود الماء عَلَى النجاسة أو ورود النجاسة عَلَى الماء، هنا الماء هُوَ الَّذِي ورد عليها فيطهر، بخلاف ما إذا وردت النجاسة عليه.
وأجاب بعضهم: أَنَّهُ يمكن أن تكون الأرض رخوة شربت الماء، لكن هنا هَذَا ليس بظاهر، والأفضل كما سبق أَنَّهُ كما فهم المؤلف قال: ترك التوقيت في الماء، وأن هَذَا من أدلة أن الماء القليل لا ينجس إِلَّا بالتغير، وأن الماء الكثير يطهره إذا زاد عَلَى البول.
قارئ المتن: باب الماء الدائم
57 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عيسى بن يونس قال: حدثنا عوف، عن محمد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه» قال: عوف: وقال: خلاس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
58 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل، عن يحيى بن عتيق، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه» قال أبو عبد الرحمن: كان يعقوب لا يحدث بهذا الحديث إلا بدينار.
شرح الشيخ: ويعقوب هَذَا بن إبراهيم من الأئمة ولعله كان محتاجًا ولا حرج في ذلك، لكن عدم الأخذ الأول، وهَذَا الحديث فيه تحريم البول في الماء الدائم، ثُمَّ يتوضأ منه، النهي للتحريم، وأنه يحرم عليه أن يبول في الماء الدائم؛ لِأَنَّهُ ينجسه عليه وعَلَى غيره، يقذرها.
قارئ المتن: باب ماء البحر
59 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، أن المغيرة بن أبي بردة من بني عبد الدار، أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته».
شرح الشيخ: وهَذَا من رحمة الله أن جعل البحر طهورًا ماؤه حلٌ ميتته؛ بأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زاده عَلَى سؤاله لِأَنَّهُ قد يحتاج إِلَى معرفة إذا ركب البحر لمعرفة حكم ميتته.
قارئ المتن: باب الوضوء بالثلج
60 - أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال أقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد».
شرح الشيخ: وهَذَا أصح حديث ورد في الاستفتاح؛ لِأَنَّهُ رواه الشيخان البخاري ومسلم، أصح ما ورد في الاستفتاحات هُوَ هَذَا، والمراد بهذا مغفرة الذنوب، والثلج إذا ماء بالشمس فَهُوَ طهور يتوضأ به.
قارئ المتن: الوضوء بماء الثلج
61 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس».
باب الوضوء بماء البرد
62 - أخبرني هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن جبير بن نفير قال: شهدت عوف بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ميت فسمعت من دعائه وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس».
شرح الشيخ: وماء البرد طهور يتوضأ به.
قارئ المتن: سؤر الكلب
63 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات».
64 - أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج، أخبرني زياد بن سعد، أن ثابتًا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره، أَنَّهُ سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات».
65 - أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال: ابن جريج: أخبرني زياد بن سعد، أنه أخبره هلال بن أسامة، أنه سمع أبا سلمة يخبر عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
الأمر بإراقة ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب
66 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات» قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحدًا تابع علي بن مسهر على قوله: فليرقه.
باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب
67 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن أبي التياح قال: سمعت مطرفا، عن عبد الله بن المغفل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورخص في كلب الصيد والغنم وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب ".
شرح الشيخ: حديث أبي هريرة أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وهو حديث صحيح، فيه أَنَّهُ يغسل الإناء من سؤر الكلب سبعًا وأن يعفر الثامنة التراب والأولى أن تكون الأولى فيها تراب، سماها ثامنة لِأَنَّهَا مع الماء، وفيه أَنَّهُ يراق ما في الإناء، ما في الإناء يراق، وفيه أن الأمر بقتل الكلاب هَذَا أولًا ثُمَّ نسخ، ثُمَّ نسخ النهي عن قتل الكلاب.
قارئ المتن: سؤر الهرة
68 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت كعب بن مالك، أن أبا قتادة دخل عليها - ثم ذكرت كلمة معناها - فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات».
شرح الشيخ: فيه أن سؤر الهرة طاهر، والسؤر هُوَ البقية بعدها، والعلة: كثرة دورانها وطوافها بالناس ويشق التحرز منها، ولذلك قال: «إِنَّهَا من الطوافين عليكم والطوافات» وقال العلماء: يقاس عليها كُلّ ما كان أقل منها كالفأرة كذلك وما أشبهها لكثرة دورانها ومشقة التحرز منها.
قارئ المتن: باب سؤر الحمار
69 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن محمد، عن أنس قال: أتانا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس».
شرح الشيخ: سؤر الحمار إذا شرب من ماء أكثر من قلتين فَإِنَّهُ لا ينجس بالاتفاق، إِلَّا بتغير أحد أوصافه الثلاثة، وإذا كان الماء أقل من القلتين فعند الجمهور ينجس عملاً بحديث القلتين «إذا بلغ الماء قلتين لَمْ يحمل الخبث» وعند شيخ الإسلام والجماعة والمحققين لا ينجس إِلَّا بالتغير عملاً بمنطوق حديث أبي سعيد: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» فَهُوَ مقدم عَلَى مفهوم حديث القلتين وهَذَا هُوَ الصواب المعتمد عند جمع من أهل العلم، وأظنه كان اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي وجمع من المحققين.
قارئ المتن: باب سؤر الحائض
70 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتعرق العرق «فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه حيث وضعت وأنا حائض، وكنت أشرب من الإناء فيضع فاه حيث وضعت وأنا حائض».
شرح الشيخ: العرق هُوَ العمروش العظم الَّذِي فيه شيء من بقية اللحم، فالنبي صلى الله عليه وسلم من حسن خلقه كان إذا تعرقت العرق يضع فاه حيث وضعت من العرق، وكذلك الإناء إذا شربت يضع فمه حيث وضعت فاها وهَذَا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام.
وفيه أن سؤر الحائض طاهر وكذلك بدنها وعرقها وريقها وثوبها إِلَّا الدم وما أصابه فَإِنَّهُ نجس، النجاسة خصوصية في الدم، أَمَّا بدنها وثوبها وعرقها كله طاهر، فهي تطبخ وتغسل وتخدم لا محظور في ذلك، خلافًا لليهود كانوا إذا حاضت المرأة جعلوها في غرفة مستقلة وهجروها وهَذَا من جهلهم وضلالهم، ولما قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة ناويليني الخمرة من المسجد، الخمرة سجادة صغيرة من سعف النخل، قالت: إني حائض، قال: «ليست حيضتك في يدك».
قارئ المتن: باب وضوء الرجال والنساء جميعًا
71 - أخبرني هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، ح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا ".
باب فضل الجنب
72 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها أخبرته: أنها كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد ".
شرح الشيخ: قوله: «كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا» هَذَا محمول عَلَى أَنَّهُ كان قبل الحجاب، والوضوء فيه غسل الأطراف، أو أن هَذَا كان مع المحارم دون الأجنبيات، وفي حديث عائشة الأخير أَنَّهَا كانت تغستل مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الإناء، لا بأس أن يغتسل مع زوجته لِأَنَّهَا حلٌ له، وهو حلٌ لها.
قارئ المتن: باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء
73 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمس مكاكي».
74 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد - ثم ذكر كلمة معناها - حدثنا شعبة، عن حبيب قال: سمعت عباد بن تميم يحدث، عن جدتي وهي أم عمارة بنت كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم " توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد - قال شعبة: فأحفظ أنه - غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ويمسح أذنيه باطنهما ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما ".
شرح الشيخ: جاء في الحديث الآخر أَنَّهُ مسح ظاهرهما وباطنهما، والمكوك مقدار المد فيه أَنَّهُ ينبغي تقليل ماء الوضوء والغسل، وفي حديث أمر عمارة أَنَّهُ توضأ بثلثي مد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط والصاع أربع أمداد أربع حفنات.
قارئ المتن: باب النية في الوضوء
75 - أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، حدثني مالك، ح وأخبرنا سليمان بن منصور قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك واللفظ له، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
شرح الشيخ: هَذَا الحديث رواه الشيخان وهو من أصح الأحاديث، والحديث مداره عَلَى يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب فَهُوَ غريب، ولكنه من أصح الأحاديث، ثُمَّ اشتهر الحديث عن يحيى بن أبي كثير، والحديث أعم من الترجمة؛ لِأَنَّهُ يشمل الوضوء وغيره «إِنَّمَا الأعمال بالنيات» ولهذا قال بَعْض أهل العلم: ربع العبادة أَنَّهُ يدخل في كُلّ شيء، قال بعضهم: نصف العلم، وقيل: ربع «إِنَّمَا الأعمال بالنيات» هَذَا في الأعمال الظاهرة، وكذلك النصف الثاني في الأعمال الباطنة.
الحديث أعم من الترجمة؛ لِأَنَّهُ يشمل الوضوء غيره «إِنَّمَا الأعمال بالنيات» فهذا المؤلف رحمه الله بوب (النية في الوضوء) لدخلوها في العموم، لدخولها في عموم الأعمال بالنية، لدخولها في العموم، فالوضوء في الخاصة والحديث عام، يشمل الأعمال بالنيات في الوضوء وفي الصَّلَاة وفي الصيام وفي كُلّ شيء، النية الآن هي الَّتِي تفرق بين صوم النفل وصوم التطوع، كذلك صلاة التطوع، كذلك الزَّكَاة زكاة الفرض والصدقة، كلها الفرق بينها في النية، إذا نويت فرض فهي فرض، نافلة فهي نافلة «إِنَّمَا الأعمال بالنيات» فالحديث عام وكذلك في الوضوء، إذا نويت وضوء يكون وضوء، وِإذا غسلت وجه ويديك ونويت التبرد ما صار وضوء؛ لأنك ما نويت.
شخص غسل وجه ثُمَّ غسل يديه ثُمَّ مسح رأسه ومسح أذنيه وغسل رجليه وقال: أنا ما نويت الوضوء نويت التبرد، ما صار وضوء، ما في نية؛ لَابُدَّ من النية.
قارئ المتن: الوضوء من الإناء
76 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضئوا، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم».
77 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا ماء، فأتي بتور فأدخل يده، فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه ويقول: «حي على الطهور والبركة من الله عز وجل» قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد قال: قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وخمسمائة.
شرح الشيخ: وهَذَا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، الماء نبع من بين يديه وما معهم إِلَّا ماء قليل، توضأ منه ألف وخمسمائة، هَذَا من دلائل النبوة، هَذَا حصل للنبي مرات عليه الصلاة والسلام، حصل للنبي مرات تكثير الماء ونبع الماء من بين أصابعه، هَذَا من دلائل النبوة ومن الآيات عَلَى صدقه عليه الصلاة والسلام وأنه رسول الله حَقّ، ودلائل النبوة كثيرة جمعها العلماء منهم البيهقي والقاضي عياض في الشفاء وغيرهم، جمعوا دلائل وعلامات عَلَى نبوته عليه الصلاة والسلام.
وفيه ما ترجم له المؤلف: (الوضوء من الإناء) وأنه لا بأس، قال: «حي عَلَى الطهور» أيْ أقبلوا عَلَى الطهور، فَهُوَ ماء طهور نبع من بين أصابع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، هَذَا دليل عَلَى أن الله عَلَى كُلّ شيء قدير، ماء ينبع من بين أصابع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يتوضأ منه ألف وخمسمائة، الله عَلَى كُلّ شيء قدير {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون} [النحل: 40]، وكذلك أَيْضًا هُوَ من دلائل نبوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حَقّ.
قارئ المتن: باب التسمية عند الوضوء
78 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن ثابت، وقتادة، عن أنس قال: طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل مع أحد منكم ماء؟» فوضع يده في الماء ويقول: «توضئوا بسم الله»، فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم؟ قال: نحوا من سبعين.
شرح الشيخ: هَذَا فيه سبعين وهَذَا من دلائل النبوة، والأحاديث فيها دليل عَلَى فضل التسمية، والمشروع عند العلماء أَنَّهَا سنة، جمهور العلماء عَلَى أن التسمية سنة، والأحاديث الَّتِي فيها تسمية فيها مقال، ساقها الحافظ ابن كثير في سورة المائدة، ولكن بعضها يشد بعضًا، وذهب جماعة إِلَى أَنَّهَا واجبة مع الذكر، مع التذكر، ذهب إِلَى هَذَا الحنابلة وجماعة إِلَى أَنَّهَا واجبة عند التذكر، وتسقط عند النسيان، والجمهور عَلَى أَنَّهَا سنة مستحبة؛ لِأَنَّ الأحاديث فيها مقال، لكن بعضها يشد بعضًا فيستحب للإنسان أن يسمي عند الوضوء، وإن أخذ بقول الحنابلة أَنَّهَا واجبة عند التذكر حسن، لا ينبغي تركها.
قارئ المتن: صب الخادم الماء على الرجل للوضوء
79 - أخبرنا سليمان بن داود، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب، عن مالك، ويونس، وعمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبرهم، عن عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، أنه سمع أباه يقول: «سكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توضأ في غزوة تبوك فمسح على الخفين» قال أبو عبد الرحمن: لم يذكر مالك عروة بن المغيرة.
شرح الشيخ: يعني سقط في رواية مالك، والحديث أخرجه الشيخان وفيه أَنَّهُ لا بأس بصب الماء عَلَى المتوضئ وإعانته، يصب عليه الماء وهو يتوضأ.
قارئ المتن: الوضوء مرة مرة
80 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: «ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ مرة مرة».
باب الوضوء ثلاثا ثلاثا
81 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا الأوزاعي قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب، أن عبد الله بن عمر «توضأ ثلاثا ثلاثا، يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: ذكر الوضوء مرةً مرة، والوضوء ثلاثًا ثلاثًا وَلَمْ يذكر الوضوء مرتين، قد ذكره البخاري، فأنواع الوضوء أربعة:
الأول: يتوضأ مرةً مرة يغسل كُلّ عضو مرة مرة.
الثاني: كُلّ عضو مرتين مرتين.
الثالث: كُلّ عضو ثلاث ثلاث.
والرابع: المخالفة بين الأعضاء، بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث، كُلّ هَذَا جائز، والأفضل ثلاثًا ثلاثًا.
قارئ المتن: صفة الوضوء غسل الكفين
82 - أخبرنا محمد بن إبراهيم البصري، عن بشر بن المفضل، عن ابن عون، عن عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة، وعن محمد بن سيرين، عن رجل حتى رده إلى المغيرة قال ابن عون: ولا أحفظ حديث ذا من حديث ذا، أن المغيرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقرع ظهري بعصا كانت معه، فعدل وعدلت معه حتى أتى كذا وكذا من الأرض، فأناخ ثم انطلق. قال: فذهب حتى توارى عني، ثم جاء فقال: «أمعك ماء؟» ومعي سطيحة لي فأتيته بها، فأفرغت عليه، فغسل يديه ووجهه وذهب ليغسل ذراعيه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأخرج يده من تحت الجبة، فغسل وجهه وذراعيه، وذكر من ناصيته شيئًا وعمامته شيئًا - قال ابن عون: لا أحفظ كما أريد - ثم مسح على خفيه، ثم قال: «حاجتك؟» قلت: يا رسول الله، ليست لي حاجة. فجئنا وقد أم الناس عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة من صلاة الصبح، فذهبت لأوذنه فنهاني، فصلينا ما أدركنا وقضينا ما سبقنا.
شرح الشيخ: قوله: (عن رجل) مبهم، لكن الحديث محفوظ من طرق أخرى أخرجه البخاري وفيه أن المغيرة صب عَلَى النَّبِيّ الماء وتوضأ وتأخر عَلَى الصَّحَابَة، ولما تأخر عليهم قدموا عبد الله بن عوف يصلي بهم، فجاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والمغيرة؛ لِأَنَّهُ أبعد، وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فصلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف، فلما سلم قام فقضى الركعة الَّتِي فاتته، وَلَمْ يصل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته غير عبد الرحمن بن عوف، وفي قصة أبي بكر معروف الاستخلاف.
وفيه أن الصَّحَابَة لما صلوا حصل لهم تكدر انزعجوا قال: «أحسنتم أو أصبتم» والمغيرة ذهب ليخبرهم بمجيء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فنهاه، قال: «فذهبت لأوذنه فنهاني، فصلينا ما أدركنا وقضينا ما سبقنا» شق عَلَى الصَّحَابَة أن عبد الرحمن يتقدم فأراد أن يخبرهم، قال النَّبِيّ له: اتركه، فصلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وصلى المغيرة الركعة الَّتِي بقيت، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقام المغيرة قضيا الركعة الَّتِي سبقا بها.
قارئ المتن: كم تغسلان
شرح الشيخ: كم تغسلان يعني اليدين.
قارئ المتن:
83 - أخبرنا حميد بن مسعدة، عن سفيان وهو ابن حبيب، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن ابن أوس بن أبي أوس، عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «استوكف ثلاثًا».
شرح الشيخ: يعني غسل يديه حَتَّى وكف منها الماء ثلاثًا، فإن اليدين تغسل ثلاثًا.
قارئ المتن: المضمضة والاستنشاق
84 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران بن أبان قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ، فأفرغ على يديه ثلاثًا فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي، ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه».
شرح الشيخ: المغفرة مشروطة بعدم حديث النفس بشيء، لو توضأ ثُمَّ صلى وَلَمْ يحدث نفسه بشيء غفر له، وقوله: « غسل يديه اليمنى إلى المرفق ثلاثًا» إِلَى بمعنى مع، والدَّلِيل عَلَى ذلك فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يعني غسل يده مع المرفق؛ لِأَنَّهُ غسل المرفقين مع اليدين، ونظير قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]. يعني مع أموالكم، وإِلَّا في الأصل ما بعد (إِلَى) لا يدخل فيما قبلها، قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة: 187]. فالليل غير داخل في الصيام.
وكقوله: «عورة الرجل من السرة إِلَى الركبة» يعني السرة والركبة غير داخلتين في العورة.
قارئ المتن: بأي اليدين يتمضمض؟
85 - أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال: حدثنا عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، عن شعيب هو ابن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني عطاء بن يزيد، عن حمران، أنه رأى عثمان دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء فتمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل من رجليه ثلاث مرات، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وضوئي هذا ثم قال: «من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر الله له ما تقدم من ذنبه».
اتخاذ الاستنشاق
86 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد، ح وحدثنا الحسين بن عيسى، عن معن، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر».
المبالغة في الاستنشاق
87 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، ح وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: «أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا».
الأمر بالاستنثار
88 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، ح وحدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر».
89 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأت فاستنثر، وإذا استجمرت فأوتر».
شرح الشيخ: فيه أَنَّهُ يتمضمض بيده اليمنى، اتخاذ الاستنشاق يعني اتخاذ الماء الاستنشاق، فيه المبالغة في الاستنشاق إِلَّا إذا كان صائمًا، وفيه الأمر بالاستنثار والأصل في الأمر للوجوب، الاستنشاق والاستنثار.
الاستنشاق: جذب الماء بيده.
والاستنثار: إخراج الماء.
فالمضمضة والاستنشاق واجبتان عَلَى الصحيح في الوضوء وفي الغسل، ومن العلماء من قال: إِنَّهُ سنة، ومن العلماء من أوجب الاستنثار دون الاستنشاق والصواب أنهما واجبتان في الوضوء وفي الاستنشاق.
قارئ المتن: باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم
90 - أخبرنا محمد بن زنبور المكي قال: حدثنا ابن أبي حازم، عن يزيد بن عبد الله، أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه».
بأي اليدين يستنثر
91 - أخبرنا موسى بن عبد الرحمن قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة قال: حدثنا خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: أنه «دعا بوضوء، فتمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى ففعل هذا ثلاثًا»، ثم قال: «هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: وهَذَا في نوم الليل، البيتوتة إِنَّمَا تكون في نوم الليل، وفي مسلم بدون «فتوضأ» وعليه فيكون الاستنثار قبل الوضوء، وهو عند الجمهور للاستحباب، يعني الاستنثار قبل الوضوء، قبل الوضوء إذا استيقظ من النوم أن يستنثر؛ لِأَنَّ الشيطان يبت عَلَى خيشومه، في مسلم بدون «فتوضأ» «إذا استيقظ أحدكم من منامة فليستنثر» فليراجع، لكن ينبغي أن يكون للمسلم عناية بالأوامر؛ لِأَنَّ الأصل فيها للوجوب، وإن قال الجمهور: إِنَّهُ للاستحباب.
والاستنثار إزالة الأذى فناسب أن يكون باليسار، قال: «ونثر بيده اليسرى» لِأَنَّهَا إزالة أذى، تراجع رواية مسلم «إذا استيقظ أحدكم من منامة فليستنثر» هنا فيها «فتوضأ» رواية مسلم بدون «فتوضأ» وعَلَى هَذَا يكون الاستنثار قبل الوضوء.
قارئ المتن: باب غسل الوجه
92 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير قال: أتينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور فقلنا: ما يصنع به وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست، «فأفرغ من الإناء على يديه فغسلها ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا من الكف الذي يأخذ به الماء، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، ويده الشمال ثلاثًا، ومسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا ورجله الشمال ثلاثًا» ثم قال: «من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا».
عدد غسل الوجه
93 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله وهو ابن المبارك، عن شعبة، عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه، أنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم " دعا بتور فيه ماء، فكفأ على يديه ثلاثًا، ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاث مرات، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، وأخذ من الماء فمسح برأسه - وأشار شعبة مرة: من ناصيته إلى مؤخر رأسه، ثم قال: لا أدري أردهما أم لا - وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا ". ثم قال: «من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا طهوره» وقال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة.
غسل اليدين
94 - أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة، عن يزيد وهو ابن زريع قال: حدثني شعبة، عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير قال: شهدت عليا دعا بكرسي فقعد عليه، ثم «دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثًا، ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا ثلاثًا، ثم غمس يده في الإناء فمسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا»، ثم قال: «من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا وضوءه».
شرح الشيخ: عبد خير هَذَا مخضرم لكن ليس له صحبة كما في التقريب، وقد أقر عَلَى هَذَا الاسم؛ لِأَنَّهُ سبق في الجاهلية كما أقر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عبد المطلب وإِنَّمَا في الإسلام التعبيد يكون لله، عبد الله، وعبد الرحمن.
قول المؤلف: (هَذَا خطأ) يعني هَذَا خطأ من شعبة وهو من أحفظ النَّاس؛ بَلْ هُوَ جبل في الحفظ، لكن الكمال لله، فأخطأ خالد بن علقمة وجعل بدله مالك بن عرفطة.
قارئ المتن: باب صفة الوضوء
95 - أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي قال: أنبأنا حجاج قال: قال ابن جريج، حدثني شيبة، أن محمد بن علي أخبره قال: أخبرني أبي علي، أن الحسين بن علي قال: دعاني أبي علي بوضوء، فقربته له " فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثًا، ثم اليسرى كذلك، ثم قام قائمًا، فقال: ناولني. فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائمًا ". فعجبت فلما رآني قال: «لا تعجب؛ فإني رأيت أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنع مثل ما رأيتني صنعت يقول لوضوئه هذا وشرب فضل وضوئه قائمًا».
شرح الشيخ: قال: «رأيت أباك» لِأَنَّ الحسين بن علي، يعني أباك الرَّسُوْل وهو جده سماه أبًا، والشرب قائمًا فعله لبيان الجواز، فعله لبيان جواز الشرب قائمًا، وأن ما ورد من النهي عن الشرب القائم فَهُوَ للتنزيه وأن الأفضل الشرب قاعدًا هَذَا هُوَ الأفضل، وهَذَا هُوَ الجمع بين الأحاديث.
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا في زمزم ناوله الدلو فشرب قائمًا، ونهى عن الشرب قائمًا.
والقاعدة عند أهل العلم: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثُمَّ فعله صرف النهي عن التحريم إِلَى الجواز، فيكون الشرب قائمًا جائز والشرب قاعدًا أفضل وأمرء، وهَذَا هُوَ الصواب الَّذِي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد إِلَى أَنَّهُ يحرم الشرب قائمًا، لكن هذا الصواب لِأَنَّ هَذَا فعله في حجة الوداع لعارض والصواب هُوَ هَذَا قاعدة معروفة.
وكذلك إذا أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بشيء ثُمَّ نهى ثُمَّ فعله صرف الأمر عن الوجوب إِلَى الاستحباب، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا» هَذَا أمر للوجوب، وثبت أن النَّبِيّ قعد، فدل عَلَى أن القيام للجنازة مستحب، وليس بواجب؛ لِأَنَّ النَّبِيّ قعد.
وفي لفظ أَنَّهُ ذكر الحكمة قالوا: «يا رسول الله هَذِهِ جنازة يهودي، قال: إِنَّمَا قمنا لله»، وفي لفظ: «إن للموت فزعًا» وفي لفظ: «إِنَّمَا قمنا للملائكة» فالأفضل القيام إذا رأينا جنازة وإن جلس فلا حرج جمعًا بين النصوص.
قارئ المتن: عدد غسل اليدين
96 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية وهو ابن قيس، قال: رأيت عليًا رضي الله عنه «توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم تمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم» ثم قال: «أحببت أن أريكم كيف طهور النبي صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: فيه أن الأعضاء تغسل ثلاثًا ثلاثًا إِلَّا الرأس فَإِنَّهُ يمسح مرة واحدة.
قارئ المتن: باب حد الغسل
97 - أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد عمرو بن يحيى: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد: «نعم. فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه».
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث في الصحيحين رواه البخاري ومسلم، إِلَّا أن فيه غسل اليدين قبل الوضوء ثلاثًا، وفيه جواز المخالفة بين أعضاء الوضوء في عدد الغسلات، بعضها مرة وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا.
قارئ المتن: باب صفة مسح الرأس
98 - أخبرنا عتبة بن عبد الله، عن مالك هو ابن أنس، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه: أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم - وهو جد عمرو بن يحيى - هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد: «نعم. فدعا بوضوء، فأفرغ على يده اليمنى فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه».
عدد مسح الرأس
99 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد الذي أري النداء قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثًا ويديه مرتين، وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين».
شرح الشيخ: قوله: « مسح برأسه مرتين» المراد أَنَّهُ بدأ من مقدم رأسه ثُمَّ بدأ بهما إِلَى قفاه ثُمَّ ردهما حَتَّى رجع إِلَى المكان الَّذِي بدأ منه، والنسائي ترجم عدد مسح الرأس تسامح وإِلَّا فَهُوَ مرة واحدة، ليس فيه عدد للمسح.
قارئ المتن: باب مسح المرأة رأسها
100 - أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن جعيد بن عبد الرحمن قال: أخبرني عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب قال: أخبرني أبو عبد الله سالم سبلان قال: وكانت عائشة تستعجب بأمانته، وتستأجره فأرتني كيف «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فتمضمضت واستنثرت ثلاثًا، وغسلت وجهها ثلاثًا، ثم غسلت يدها اليمنى ثلاثًا واليسرى ثلاثًا، ووضعت يدها في مقدم رأسها، ثم مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أمرت يدها بأذنيها، ثم مرت على الخدين» قال سالم: كنت آتيها مكاتبًا ما تختفي مني، فتجلس بين يدي وتتحدث معي حتى جئتها ذات يوم فقلت: ادعي لي بالبركة يا أم المؤمنين. قالت: وما ذاك؟ قلت: أعتقني الله. قالت: بارك الله لك، وأرخت الحجاب دوني، فلم أرها بعد ذلك اليوم.
شرح الشيخ: هَذَا الحديث منكر المتن وضعيف السند، أَمَّا نكارة المتن ففي موضعين أحدهما أشد من الآخر:
في الموضع الأول الأشد: هُوَ ما دَلَّ عليه من أن عائشة لَمْ تحتجب من سالم سبلان وهو ليس عبدًا لها، ولا من مِمَّا ملكت يمينها وهَذَا مخالف لنص الْقُرْآن، فإن الله أباح للمرأة إبداء زينتها لمن ملكت يمينها لا لمن ملكه غيرها، في آية النور في قول الله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} إِلَى قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31].
قد قال العلماء من أهل الحديث: إن من شرط الحديث الصحيح ألا يكون شاذًا، والشاذ هُوَ مخالف الثقة لمن هُوَ أوثق منه، فكيف إذا خالف نص الْقُرْآن؟!
الموضع الثاني: قوله: «ثُمَّ مرت عَلَى الخدين بعد مسح الرأس والأذنين» وهَذَا مخالف للأحاديث الصحيحة ليس فيها مسح الخدين بعد الأذنين.
وأَمَّا ضعف السند: فإن في سنده عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب، قال في التقريب: مقبول، والمقبول إِنَّمَا يقبل حديثه في المتابعات و الشواهد لا في الأصول الَّتِي تثبت بها الأحكام.
قال (01:46:01) الميزان: عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب الدوسي عن سعد بن سبلان تفرد عنه الجعيد بن عبد الرحمن، قال في التذهيب: ذكره ابن حبان في الثقات، ماذا قال عليه عندك؟
الطالب: أحسن الله عملك، قال: في درجته حسن الحديث، ثُمَّ علق هنا قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد قلت في سنده عبد الملك بن مروان، قال الترمذي: مقبول روى عنه الجعد بن حبان ووثقه ابن حبان، والظاهر في مثل هَذَا أن يكون حسن الحديث والله تعالى أعلم.
الشيخ: بس؟
الطالب: بس أحسن الله عملك.
الشيخ: ما انتبه للنكارة في المتن، الصواب: أَنَّهُ غير صحيح، ولا يصح، وأنه منكر المتن ضعيف السند.
قارئ المتن: مسح الأذنين
101 - أخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " توضأ فغسل يديه، ثم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه وأذنيه مرة - قال عبد العزيز: وأخبرني من سمع ابن عجلان يقول في ذلك: وغسل رجليه ".
باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس
102 - أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: «توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى، ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى».
103 - أخبرنا قتيبة وعتبة بن عبد الله، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له».
قال قتيبة: عن الصنابحي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
شرح الشيخ: هَذَا فيه فضل الوضوء وأنه يكفر الخطايا، وأن الخطايا تخرج من خطايا يديه وخطايا رجليه ورأسه، لكن هَذَا عند العلماء للصغائر، أَمَّا الكبائر فلابد لها من توبة، الصغائر هي الَّتِي يكفرها الوضوء، والوضوء إذا غسل يديه خرجت خطاياه وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه هَذِهِ الصغائر، أَمَّا الكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والتعامل بالربا وأكل الرشوة وظلم النَّاس في دمائهم وأموالهم فلابد له من توبة، لقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء: 31].
وفي حديث أبي هريرة: «الصلوات الخمس والجمعة إِلَى الجمعة ورمضان إِلَى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر» وفيه دليل عَلَى أن الأذنين من الرأس كما ترجم المؤلف رحمه الله، وأنهما تابعان للرأس ولا يأخذ لهما ماء جديد، يأخذ ماء جديد تمسح الرأس ولا تمسح الأذنين؛ لِأَنَّ الأذنان تابعان للرأس.
قارئ المتن: باب المسح على العمامة
104 - أخبرنا الحسين بن منصور قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، ح وأنبأنا الحسين بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار».
شرح الشيخ: الخمار: أيْ العمامة، سمت خمارًا؛ لِأَنَّهَا تخمر الرأس، أيْ تغطيه، سمي الخمر خمرًا؛ لِأَنَّهُ يستر العقل ويغطيه.
قارئ المتن:
105 - وأخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي.
شرح الشيخ: الجرجاني؟
الطالب: الجرجرائي.
الشيخ: تكلم عليه؟
الطالب: نعم أحسن الله إليك، قال: قد وقع في بَعْض النسخ الجرجاني يدل عَلَى الجرجرائي وأظنه تصحيفًا والله تعالى أعلم، والصحيح: الجرجرائي.
الشيخ: لكن ذكر المصدر؟ عند في التقريب؟ شوف التقريب.
الطالب: يقول: وقع في بعض النسخ الجرجاني وهو تصحيف والصحيح: الجرجرائي.
الشيخ: هَذَا من التقريب؟ طيب لا بأس، الجرجرائي نعدلها.
الطالب: الجرجرائي.
الشيخ: كذا عندكم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب عدلها إِلَى الجرجرائي.
قارئ المتن:
105 - وأخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي عن طلق بن غنام قال: حدثنا زائدة وحفص بن غياث، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين».
106 - أخبرنا هناد بن السري، عن وكيع، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخمار والخفين».
الشيخ: نعم.
الطالب: ذكر هنا أحسن الله إليك، قال في الخلاصة: الجراجرائي بجيمين ورائين الأولى ساكنة والثانية ممدودة نسبةً إِلَى جرجرايا بلدة بين بغداد وواسط.
الشيخ: ضبطها الآن بجيمين ورائين في الخلاصة.
قارئ المتن: باب المسح على العمامة مع الناصية
107 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثنا سليمان التيمي قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن المغيرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح ناصيته وعمامته وعلى الخفين» قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه.
108 - أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة، عن يزيد وهو ابن زريع قال: حدثنا حميد قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: «أمعك ماء؟» فأتيته بمطهرة «فغسل يديه وغسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه، فضاق كم الجبة، فألقاه على منكبيه، فغسل ذراعيه، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه».
شرح الشيخ: يعني مسح الناصية وهي مقدم الرأس ويكمل المسح عَلَى العمامة الَّتِي فوق الرأس، يمسح الناصية مقدم الرأس؛ لِأَنَّهَا مكشوفة ثُمَّ يمسح عَلَى العمامة، يمسح عَلَى العمامة الَّتِي فوق الرأس، وهي العمامة المداراة تحت الحنك، المداراة تحت الحنك هَذِهِ الَّتِي يشق نزعها، أَمَّا إذا كانت ما يشق نزعها فلا، هَذِهِ تشبه العقال هَذِهِ تزال ويمس الرأس، ولَابُدَّ عَلَى طهارة.
قارئ المتن: باب كيف المسح على العمامة
109 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد، عن ابن سيرين قال: أخبرني عمرو بن وهب الثقفي قال: سمعت المغيرة بن شعبة قال: " خصلتان لا أسأل عنهما أحدًا بعد ما شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنا معه في سفر، فبرز لحاجته، ثم جاء فتوضأ، ومسح بناصيته وجانبي عمامته، ومسح على خفيه قال: وصلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر فحضرت الصلاة، فاحتبس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأقاموا الصلاة وقدموا ابن عوف فصلى بهم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى خلف ابن عوف ما بقي من الصلاة فلما سلم ابن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم فقضى ما سبق به ".
شرح الشيخ: فيه من الفوائد: أن الإمام إذا تأخر عن الوقت المعتاد فَإِنَّهُمْ يقدمون من يصلي بهم، وأن الإمام لا ينكر عليهم ولا يغضب إذا صلوا؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ ينكر عليهم، كذلك لما تأخر عليه الصلاة والسلام في بنو عوف يصلح بينهم قدموا أبا بكر، فجاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأشار إِلَى أبا بكر أَنَّهُ يستمر، لكنه تأخر، فأقرهم وَلَمْ يأمرهم بإعادة الصَّلَاة كما يفعله بَعْض الجهال، بَعْض الجهلة إذا جاء الإمام وهو تأخر عليهم يقول: أعيدوا الصَّلَاة، يجمع بين السيئتين، بين التأخر وبين أمرهم، فيه جواز صلاة الإمام خلف رجل من رعيته، وأولى منه صلاة الإمام الحي خلف بَعْض المأمومين.
قارئ المتن: باب إيجاب غسل الرجلين
110 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن شعبة، ح وأنبأنا مؤمل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «ويل للعقب من النار».
111 - أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، ح وأنبأنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان واللفظ له، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون، فرأى أعقابهم تلوح فقال: «ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء».
شرح الشيخ: والعقب هُوَ مؤخر القدم.
قارئ المتن: باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل
112 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني الأشعث قال: سمعت أبي يحدث، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها وذكرت: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله» قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: يحب التيامن، فذكر شأنه كله، ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع.
شرح الشيخ: يعني يبدأ برجله اليمنى.
قارئ المتن: غسل الرجلين باليدين
113 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو جعفر المدني قال: سمعت ابن عثمان بن حنيف يعني عمارة قال: حدثني القيسي: «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتي بماء فقال على يديه من الإناء فغسلهما مرة، وغسل وجهه وذراعيه مرة مرة، وغسل رجليه بيمينه كلتاهما».
شرح الشيخ: يعني اليمين تساعد الشمال في غسل الرجل.
قارئ المتن: الأمر بتخليل الأصابع
114 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير وكان يكنى أبا هاشم، ح وأنبأنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن عاصم بن لقيط، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع».
عدد غسل الرجلين
115 - أخبرنا محمد بن آدم، عن ابن أبي زائدة قال: حدثني أبي، وغيره، عن أبي إسحاق، عن أبي حية الوادعي قال: رأيت عليا «توضأ فغسل كفيه ثلاثًا وتمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا»، ثم قال: «هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: يعني الرجلين تثلث ثلاثًا استحبابًا والواجب مرة.
قارئ المتن: باب حد الغسل
116 - أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أن عطاء بن يزيد الليثي، أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره: أن عثمان دعا بوضوء «فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك». ثم قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا». ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه».
باب الوضوء في النعل
117 - أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا ابن إدريس، عن عبيد الله ومالك وابن جريج، عن المقبري، عن عبيد بن جريج قال: قلت لابن عمر: رأيتك تلبس هذه النعال السبتية وتتوضأ فيها. قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها».
شرح الشيخ: والسبتية الَّتِي لا شعر فيها.
قارئ المتن: باب المسح على الخفين
118 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن جرير بن عبد الله: أنه توضأ ومسح على خفيه فقيل له: أتمسح؟ فقال: «قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح» وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير وكان إسلام جرير قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير.
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث فيه أن جرير مسح، وجرير إسلامه بعد نزول المائدة، كان يعجبهم هَذَا الحديث؛ لِأَنَّ جرير أسلم بعد نزول المائدة، والمائة فيها آية الوضوء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [المائدة: 6]. ففيه دليل عَلَى أن مسح الخفين باقي وَلَمْ ينسخ؛ لِأَنَّ المسح كان بعد نزول المائدة، والمائدة من آخر ما نزل، ولهذا كان يعجبهم هَذَا الحديث، أَنَّهُ مسح بعد نزل المائدة، فَهُوَ يَدُلَّ عَلَى أن المسح عَلَى الخفين باقٍ لَمْ ينسخ، وأحاديث المسح عَلَى الخفين من الأحاديث المتواترة فيها سبعون حديثًا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ومن قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفعله.
وأدخلها العلماء في كتب العقائد مخالفة للشيعة الرافضة الَّذِينَ أنكروا المسح عَلَى الخفين، ولهذا يقول العلماء في كتب العقائد: ونرى المسح عَلَى الخفين، معلوم أن المسح عَلَى الخفين هَذِهِ مسألة فقهية فرعية؛ لكن لماذا ذكرت وَلَمْ يذكر غيرها، ما ذكر الوضوء ولا ذكر كذا ولا ذكر الصَّلَاة في النعلين؟
لِأَنَّ الرافضة هنا يخالفون، فيرون أَنَّهُ لا يجوز المسح عَلَى الخفين، ولا يجوز غسل الرجلين؛ بَلْ يجب مسح ظهور القدمين إن كانت مكشوفتين، وإن كان فيهما خفان يجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، هَذَا مذهب الرافضة واستدلوا بقراءة: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) فيها قراءة، والآية (اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم) هَذِهِ قراءة حفص وأرجلكم، وأرجلكم معطوف عَلَى أيديكم فتكون ثلاثة مغسولة وواحد ممسوح، لكن قراءة الجر (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) استدل بها الرافضة عَلَى أن الرجلين تمسح، قال: اليدان والوجه تغسلان والرأس والرجلين تمسحان (وامسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم) هَذِهِ استدلال الرافضة في قراءة الجر وهي قراءة صحيحة.
- أجاب العلماء عنها بجوابين:
الأول: أن المراد (وامسحوا برؤوسكم) المسح الخفيف، والعرب تسمى الغسل الخفيف مسحًا، كما تقول العرب: تسمحت للصلاة.
الثاني: أن قراءة النصب محمولة عَلَى غسل الرجلين المكشوفتين، وقراءة الجر محمولة عَلَى مسح الخفين إذا كان فيهما خفان، وهَذَا هُوَ الجواب.
والعلماء يعجبهم هَذَا الحديث؛ لِأَنَّ إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، والَّذِينَ نقلوا وضوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين المكشوفين والمسح عَلَى الخفين أكثر من الَّذِينَ نقلوا الآية، متواتر هَذَا، نقل الوضوء غسل الرجلين المكشوفتين ومسحًا للرجلين الَّتِي فيهما الخفان أكثر من الَّذِينَ نقلوا لفظ الآية؛ لِأَنَّ الَّذِينَ يتوضئون كُلّ الصَّحَابَة يتوضئون، والَّذِينَ نقول الآية بَعْض الصَّحَابَة، ما كُلّ أحد يحفظ الآية، ما كانوا كلهم يحفظون الْقُرْآن، الَّذِينَ يحفظون الْقُرْآن أقل من الَّذِينَ توضئوا، والَّذِينَ توضئوا كُلّ الصَّحَابَة توضئوا ما في أحد لَمْ يتوضأ، ولذلك نقلوا وضوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غسلاً للرجلين المكشوفتين ومسحًا للخفين أكثر من الَّذِينَ نقلوا لفظ الآية، فتكون من الأحاديث المتواترة المسح عَلَى الخفين، ومع ذلك أنكرها الرافضة، ما في غسل للرجلين عند الرافضة، ولا في مسح عَلَى الخفين، وإِنَّمَا يمسح ظهور القدمين، فلهذا قال العلماء: أدخلوها في كتب العقائد، وقالوا: ونرى المسح عَلَى الخفين، للرد عَلَى الرافضة الَّذِينَ .. الآن صارت مسألة عقيدة، انتقلت من كونها مسألة فقهية إِلَى مسألة عقيدة.
نعتقد المسح عَلَى الخفين والرافضة لا يعتقدون المسح عَلَى الخفين نحن نخالفهم في هَذِهِ العقيدة، فأدخلها العلماء في كتب العقائد في الطحاوي وفي غيرها: ونرى المسح عَلَى الخفين.
قارئ المتن:
119 - أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم «توضأ ومسح على الخفين».
120 - أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وسليمان بن داود واللفظ له، عن ابن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق فذهب لحاجته، ثم خرج قال أسامة: فسألت بلالًا ما صنع؟ فقال بلال: «ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه ومسح على الخفين، ثم صلى».
121 - أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه مسح على الخفين».
122 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في المسح على الخفين أنه لا بأس به».
123 - أخبرنا علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع تلقيته بإداوة فصببت عليه «فغسل يديه، ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه فضاقت به الجبة، فأخرجهما من أسفل الجبة فغسلهما، ومسح على خفيه، ثم صلى بنا».
124 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه المغيرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه خرج لحاجته، فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حتى فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين».
شرح الشيخ: عبد الرحمن بن إبراهيم هَذَا لقبه دحيم كما ذكر المؤلف، وفيه من الفوائد جواز لبس ما جاء من الْكُفَّار من الثياب؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لبس الجبة والجبة شامية، وكانت الشام في ذلك الوقت بلاد كفر، فلبسها فلا بأس بلبس ما يرد من الْكُفَّار من الألبسة إذا كان ليس فيها نجاسة.
قارئ المتن: باب المسح على الخفين في السفر
125 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: سمعت إسماعيل بن محمد بن سعد قال: سمعت حمزة بن المغيرة بن شعبة يحدث، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: «تخلف يا مغيرة وامضوا أيها الناس» فتخلفت ومعي إداوة من ماء ومضى الناس، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع ذهبت أصب عليه، وعليه جبة رومية ضيقة الكمين، فأراد أن يخرج يده منها فضاقت عليه، فأخرج يده من تحت الجبة فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على خفيه.
شرح الشيخ: رومية يعني من بلاد الروم، من الشام في ذاك الوقت.
قارئ المتن: باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر
126 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسال قال: «رخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن».
127 - أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان الثوري ومالك بن مغول وزهير وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر قال: سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة».
شرح الشيخ: فيه توقيت المسح وأنه يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، وأنه بعد هَذِهِ المدة يجب النزع، وأن الطهارة تنتقض بمضي المدة، وكذلك لو خلع الخف أو الجورب انتقضت، هَذَا هُوَ الصواب الَّذِي عليه الجمهور، وإِلَّا ما الفائدة التوقيت؟!
وذهب بَعْض العلماء كالشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى إِلَى أَنَّهُ الطهارة باقية ولو تمت ثلاثة أيام حَتَّى يحدث، لكن ظاهر الحديث ما عليه الجمهور أن التوقيت يَدُلَّ عَلَى هَذَا، أَنَّهُ بعد هَذِهِ المدة يجب النزع، وأن الطهارة تنتقض بمضي المدة، وكذلك لو خلع الخف أو الجورب انتقضت.
قارئ المتن: التوقيت في المسح على الخفين للمقيم
128 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا الثوري، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، عن علي رضي الله عنه قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويومًا وليلة للمقيم - يعني في المسح -».
129 - أخبرنا هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: ائت عليا؛ فإنه أعلم بذلك مني. فأتيت عليا فسألته عن المسح، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأمرنا أن يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثًا».
صفة الوضوء من غير حدث
130 - أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة قال: رأيت عليًا رضي الله عنه صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتي بتور من ماء، فأخذ منه كفا فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله فشرب قائمًا، وقال: «إن ناسا يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وهذا وضوء من لم يحدث».
شرح الشيخ: الَّذِي ورد في تجديد الوضوء أَنَّهُ يسبغ الوضوء ويتوضأ وضوءًا كاملاً، وفي هَذَا الحديث أَن تجديد الوضوء لمن لَمْ يحدث يكون بمسح الأعضاء الأربعة، قال: « فأخذ منه كفا فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه» الوجه والذراعين والرأس والرجلين، إذا ثبت هَذَا الحديث وصح يكون هَذَا نوعًا آخر من تجديد الوضوء، لكن يحتاج إِلَى البحث هَذَا يحتاج إِلَى المراجعة.
الطالب: قال: حديث علي رضي الله عنه هَذَا أخرجه البخاري في الصحيح إِلَّا أَنَّهُ ليس فيه قول علي رضي الله عنه «وهَذَا وضوء من لَمْ يحدث» قال الحافظ بعد ذكره: أن هَذِهِ الزيادة وقعت في رواية النسائي والإسماعيلي عَلَى شرط الصحيح انتهى فتح الباري.
الشيخ: عَلَى هَذَا يكون تجديد الوضوء نوعان:
النوع الأول: أَنَّهُ يجدد الوضوء يتوضأ مثل الوضوء.
النوع الثاني: المسح؛ لِأَنَّهُ عَلَى طهارة، يمسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه إذا كان عَلَى وضوء ما في مانع.
وكذلك يمسح عَلَى النعلين؛ لِأَنَّهُ عَلَى وضوء، فليجدد الوضوء له حالتان:
الحالة الأولى: أَنَّهُ يجدد الوضوء يتوضأ مثل ما يتوضأ.
والحالة الثانية: أَنَّهُ يمسح وجهه ويمسح يديه ويمسح رجليه ويمسح بالنعلين، كما في هَذَا الحديث والحديث صحيح.
سؤال: ما يكون المراد بالمسح الغسل الخفيف كما سبق؟
الشيخ: محتمل ليس بالبعيد لكن الظاهر أَنَّهُ قال: هَذَا وضوء من لَمْ يحدث، ظاهره أَنَّهُ لو كان يغسل غسلاً خفيفًا ما احتاج إِلَى أن يقول: هَذَا وضوء من لَمْ يحدث، فقوله: هَذَا وضوء من لَمْ يحدث يَدُلَّ عَلَى أن المراد المسح.
الطالب: رواية البخاري فشرب وغسل وجهه ويديه؟
الشيخ: قبل ما فيه أَنَّهُ مسح عَلَى وجهه ويديه وذراعيه؟
الطالب: قال: فشرب وغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه.
الشيخ: ما فيه أَنَّهُ مسح، اذكر رواية البخاري عندك.
الطالب: قال: حديث علي رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح إِلَّا أَنَّهُ ليس فيه قول علي رضي الله عنه «وهَذَا وضوء من لَمْ يحدث».
الشيخ: ما في فمسح وجهه وذراعيه؟
الطالب: بدل مسح عندي وغسل، وغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه.
الشيخ: معناه ما في مسح، لكن الحديث هَذَا إذا صح الحديث ولو لَمْ يكن في البخاري ما يكون أخرجه البخاري بهذا اللفظ، وقول الشيخ الأثيوبي أَنَّهُ أخرجه البخاري قد يكون في موضع آخر في البخاري، شوف قد يكون في موضع آخر في البخاري، في موضع أَنَّهُ غسل وجهه وموضع آخر مسح، يكون موضع آخر، سواء كان في البخاري أو لَمْ يكن في البخاري إذا صح الحديث، ما دام الحديث صحيح، الحديث صحيح سنده صحيح لا بأس به، سواء كان للبخاري أو لَمْ يكن يكون هَذَا النوع نوع من التجديد.
- التجديد نوعان:
النوع الأول: يتوضأ كما يتوضأ الإنسان.
والنوع الثاني: مسح الأعضاء الأربعة.
قارئ المتن: الوضوء لكل صلاة
131 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس أنه ذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء صغير فتوضأ، قلت أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: «نعم» قال: فأنتم؟ قال: «كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث». قال: «وقد كنا نصلي الصلوات بوضوء».
132 - أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فقرب إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة».
133 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثنا علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر: فعلت شيئًا لم تكن تفعله . قال: «عمدًا فعلته يا عمر».
شرح الشيخ: يعني بيان الجواز، صلى يوم الفتح خمس صلوات في يوم واحد، الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي رواية ست صلوات، من يستطيع هَذَا ؟ قليل، هَذَا يحصل للإنسان يتقلل من الماء من الشرب ومن الأكل وكذا يكون متيقظ الصلوات الخمس كلها أربعة وعشرين ساعة، فعل لبيان الجواز
لذلك قال عمر: فعلت شيء لَمْ تفعله، يعني لَمْ تكن تفعله، قال: «عمدًا فعلته يا عمر» يعني لبيان الجواز.
قارئ المتن: باب النضح
134 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا «توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها - هكذا ووصف شعبة - نضح به فرجه» فذكرته لإبراهيم فأعجبه. قال الشيخ ابن السني: قال أبو عبد الرحمن: الحكم هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه.
شرح الشيخ: قال أبو عبد الرحمن؟ في النسخة الثانية ما في.
الطالب: عندي قال أبو عبد الرحمن.
الشيخ: لا بأس.
قارئ المتن:
135 - أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا الأحوص بن جواب، حدثنا عمار بن رزيق.
شرح الشيخ: زريق أم رزيق عندك؟
الطالب: رزيق يا شيخ.
الشيخ: ضبطها عندك؟ تَقَدَّمَ الراء أو تقديم الزاي، لَابُدَّ أن تضبط هَذِهِ بالحروف، وإِلَّا يكثر الغلط فيها، لَابُدَّ أن تراجع رزيق، الظاهر رزيق.
قارئ المتن: حدثنا عمار بن رزيق عن منصور، ح وأنبأنا أحمد بن حرب قال: حدثنا قاسم وهو ابن يزيد الجرمي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه» قال أحمد: فنضح فرجه.
شرح الشيخ: وهَذَا ليدفع به الوسوسة وهَذَا لمن يحصل له خواطر وترد عليه الوساوس، أَمَّا من لَمْ يجد وسوسة فلا حاجة إليه، فعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، انظر الحديث هَذَا أَنَّهُ نضح فرجه صحت الحديث.
قارئ المتن: باب الانتفاع بفضل الوضوء
136 - أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي حية قال: رأيت عليا رضي الله عنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قام فشرب فضل وضوئه وقال: «صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت».
137 - أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وأخرج بلال فضل وضوئه، فابتدره الناس، فنلت منه شيئًا، وركزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه ".
شرح الشيخ: يعني من رواء السترة.
الطالب: قال: حديث الحكم بن سفيان هَذَا ضعفوه لاضطراب المذكور، لكن قدمنا أن الأصح في اسمه أَنَّهُ الحكم بن سفيان، وأن ابن معين وأبا زرعة وإبراهيم الحربي وابن حبان وابن عبد البر أثبتوا صحبته، وقد ورد في الباب أحاديث تشهد له، وهي وإن كانت كلها ضعيفة إِلَّا أَنَّهُ يتقوى بعضها ببعض، والظاهر من صنيع المصنف ترجيح رواية سفيان حيث ذكر له متابعة فيصح الحديث، وقال المباركوري في التحفة: قلت حديث الباب ضعيف وفي الباب أحاديث عديدة مجموعها يَدُلَّ عَلَى أن له أصلاً، ثُمَّ ذكر الأحاديث الَّتِي أشار إليها الترمذي، فارجع إليها تزدد علمًا، وصححه الشيخ الألباني انظر صحيح النسائي والله تعالى أعلم.
الشيخ: عَلَى كُلّ حال يكون هَذَا لدفع الوسوسة، وفعله لبيان الجواز.
قارئ المتن:
138 - أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابرا يقول: «مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب علي وضوءه».
شرح الشيخ: هَذَا فيه الانتفاع بفضل الوضوء، بالشرب كما في الحديث الأول، أن عليًا شربه، وبالتبرك هَذَا خاص بفضل وضوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما جعل الله فيه من البركة، فلا يقاس عليه غيره، وبالصب عَلَى المغمى عليه والمريض كما في الحديث الأخير، هنا يصب أيْ ماء سواء كان فضل وضوء أو غيره، أَمَّا تخصيص صب الوضوء فهذا لما جعل الله فيه من البركة فلا يقاس عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غيره.
قارئ المتن: باب فرض الوضوء
139 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول».
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث أخرجه مسلم.
قارئ المتن: الاعتداء في الوضوء
140 - أخبرنا محمود بن غيلان، حدثنا يعلى قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم».
شرح الشيخ: والمراد بالمرة الَّتِي تعم العضو بقطع النظر عن الغرفات، إذا عمم العضو هَذِهِ مرة، وفيه أَنَّهُ من زاد عَلَى ثلاث فقد أساء وتعدي وظلم ولا يجوز الزيادة عن ثلاث.
قارئ المتن: الأمر بإسباغ الوضوء
141 - أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا حماد، حدثنا أبو جهضم قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنا جلوسا إلى عبد الله بن عباس فقال: " والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء: فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل ".
142 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسبغوا الوضوء».
شرح الشيخ: إسباغ الوضوء ليس خاصًا بأهل البيت، ولكن خصهم به لمزيد التأكيد، وكذلك إنزاء الحمر عَلَى الخيل ممنوع لما فيه من قطع نسل الخيل أو تقليله، والبغل المتولد من الحمار ومن الفرس ليس كالخيل في القوة والجلد والخفة، فخصوصية أهل البيت مزيد للتأكيد، وأَمَّا ركوب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم البغل فَهُوَ ممن منّ الله عَلَى عباده به، فهذا استعمال له إذا وجدت بسبب إنزاء العاصي أيْ الكافر والحمر وعَلَى الخيل، قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون} [النحل: 8]. ممنوع لكن إذا أنزى عاصي أنزى الخيل عَلَى الحمر فولدت منها البغل فلا بأس بركوبه.
والمراد بالزكاة الصدقة لأهل البيت ممنوعة، لا يأكلوا الصدقة، المراد الزَّكَاة دون صدقة التطوع كما قرر بعضهم، والَّذِي يظهر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تحرم عليه صدقة الفريضة والتطوع؛ لِأَنَّهُ من وصفه عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ لا يأكل الصدقة، وأَمَّا آل البيت فَإِنَّهُمْ يجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض، تكلم عن الصدقة أم لَمْ يتعرض لها؟
الطالب: ذكر أنه في باب الصدقة وباب القلة.
الشيخ: أحال طيب.
قارئ المتن: باب الفضل في ذلك
143 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ".
شرح الشيخ: سنده عَلَى شرط مسلم وليس المراد بالمرابطة أَنَّهُ لا يخرج من المسجد؛ بَلْ المراد أَنَّهُ يراقب أوقات الصلوات ويعنى بها، وإذا خرج من المسجد فقلبه معلق بالمسجد كما في الحديث الآخر: «ورجل معلق قلبه بالمساجد» فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما كان يجلس في المسجد؛ بَلْ يخرج لقضاء حوائج المسلمين، وتبليغ الإسلام والدين، والإنسان مأمور بالكسب وزيارة إخوانه وأقاربه وقضاء حوائج أهله، فإذا جلس في المسجد فاتته هَذِهِ المصالح، المراد أَنَّهُ ينتظرها ويرتقبها، فإذا جاء وقتها بادر، وليس أَنَّهُ يلزم المسجد ولا يخرج منه.
قارئ المتن: ثواب من توضأ كما أمر
144 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن سفيان بن عبد الرحمن، عن عاصم بن سفيان الثقفي: أنهم غزوا غزوة السلاسل ففاتهم الغزو فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر.
شرح الشيخ: ضبط السلاسل عندك السُلاسل أو السَلاسل؟
الطالب: عند بالضم بس ما ضبطها.
الشيخ: أريد ضبط بالحروف.
الطالب: قال: بضم السين الأولى، وكسر الثانية وهي ماء بأرض.
الشيخ: من الَّذِي يقول هَذَا؟
الطالب: طاووس، قال بضم السين الأولى.
الشيخ: ولا ذكر وجه ثاني؟ ما ذكر بفتح السين الأولى؟
طالب آخر: ذكر عندي يا شيخ بَعْض الكلام.
الشيخ: في تعليق عندك؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: لمن؟
الطالب: للنووي وابن حجر.
الشيخ: ماذا يقول؟
الطالب: قال: وذكر النووي وابن حجر أن المشهور فتح السين الأول وقال ابن القيم بالفتح والضم لغتان.
الشيخ: هَذَا أَيْضًا ما ذكر، عندك تقصير، جاز الوجهان السُلاسل والسَلاسل طيب.
قارئ المتن: فقال عاصم: يا أبا أيوب فاتنا الغزو العام، وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه. فقال: يا ابن أخي، أدلك على أيسر من ذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل» أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم.
شرح الشيخ: في الأول عاصم يقول: من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، هَذَا من قول عاصم بن سفيان وليس صحابيًا، فَهُوَ مرسل، سفيان ضعيف، وأبو الزبير مدلس وقد عنعن، فلا حجة في قوله: المساجد الأربعة، المعروف المساجد الثلاثة الَّتِي جاء الفضل فيها، المسجد الحرام ومسجد النَّبِيّ والمسجد الأقصى، أَمَّا قول عاصم: المساجد الأربعة هَذَا ضعيف مرسل، والزبير في سنده مدلس وقد عنعن، وأَمَّا قول عقبة أَنَّهُ غفر له ما تَقَدَّمَ من ذنبه هَذَا من قول أبي أيوب وعقبة مرفوعًا وهو أن الوضوء سبب المغفرة، وإن كان في سنده سفيان وأبي الزبير إِلَّا أن المغفرة سبب الوضوء معروفة من الأحاديث الأخرى كحديث حمران وغيره.
الطالب: قال: وغزاة السَلاسل كانت في أيام معاوية، وغزاة السُلاسل كانت في أيام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وباللسان هُوَ بضم السين الأولى وكسر الثانية، ماء بأرض جُذام، وبها سميت الغزوة، وهو في اللغة الماء السلال وقيل بمعنى: السّلال.
الشيخ: عَلَى كُلّ حال فيها الوجهان.
قارئ المتن:
145 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، عن شعبة، عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان أخبر أبا بردة في المسجد أنه سمع عثمان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن».
شرح الشيخ: والمراد تكفير الصغائر عند جمهور العلماء وهَذَا مقيد باجتناب الكبائر.
قارئ المتن:
146 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حمران مولى عثمان، أن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها».
147 - أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا الليث - هو ابن سعد، حدثنا معاوية بن صالح قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت عمرو بن عبسة يقول: " قلت: يا رسول الله كيف الوضوء؟ قال: «أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك، فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك». قال أبو أمامة فقلت: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال: أما والله لقد كبرت سني ودنا أجلي وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح الشيخ: الحديث سنده جيد لا بأس به، وفيه فضل الوضوء وأنه يكفر الخطايا والمراد الصغائر.
قارئ المتن: القول بعد الفراغ من الوضوء
148 - أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن عقبة بن عامر الجهني، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء».
شرح الشيخ: وهكذا رواه مسلم بهذا اللفظ، وزاد الترمذي: «وحده لا شريك له» بعد قوله: «أشهد ألا إله إِلَّا الله» وزاد الترمذي في حديث آخر بسند جيد: «اللَّهُمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» وفي حديث آخر عند الترمذي ذكر آخر بعد الوضوء وهو «سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك أشهد ألا إله إِلَّا أنت أستغفرك وأتوب إليك» كما في كفارة المجلس سواء، لكن فيه ضعف.
قارئ المتن: حلية الوضوء
149 - أخبرنا قتيبة، عن خلف وهو ابن خليفة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه فقلت: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال لي: يا بني فروخ أنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء».
شرح الشيخ: وهَذَا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه كونه يتجاوز المرفقين حتى يكاد يصل إِلَى الإبط، وفي الرجلين حَتَّى يكاد يصل إِلَى الركبة هَذَا عن اجتهاد، وإِلَّا فقد روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ غسل يديه مع المرفقين، وهَذَا دليل عَلَى أن إِلَى في الآية والحديث بمعنى مع، والمراد أن ما بعدها داخل فيما قبلها يعني في الغاية، والصحيح أَنَّهُ لا تشرع الزيادة، لكن هَذَا اجتهاد من أبي هريرة، ولهذا هنا قال: أنتم هنا يا بني فروخ، لو علمت ما توضأت هَذَا الوضوء، فالحجة في فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ما كان يغسل يديه إِلَى الكتفين، وما كان يغسل رجليه إِلَى الركبتين.
لكن اجتهاد رضي الله عنه من أبي هريرة، يقول: حَتَّى يحلى في الْجَنَّةَ، يحلى في الْجَنَّةَ يصير عليه حلية والذهب، يحل في الْجَنَّةَ قيل إِلَى المكان الَّذِي يصل إليه الوضوء، فَهُوَ يريد أن يزيد حَتَّى تزيد الحلية، وهَذَا اجتهاد منه رضي الله عنه.
قارئ المتن:
150 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا». قالوا يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض». قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيت لو كان لرجل خيلة غر محجلة في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض».
شرح الشيخ: والفرط: السابق الَّذِي يتقدمهم وينتظرهم ويهيئ لهم ما يحتاجون.
قارئ المتن: باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين
151 - أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي: قال حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية بن صالح قال: حدثنا ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة».
شرح الشيخ: وهَذَا إسناده عَلَى شرط مسلم وفي معناه ما رواه مسلم أَنَّهُ لا يحدث نفسه فيهما بشيء، ويَدُلَّ عَلَى ذلك قوله: «يقبل عليهما بقلبه ووجه» فَهُوَ حديث عظيم يَدُلَّ عَلَى عظم فضل الله تعالى وجوده في هَذَا العمل القليل، وأن دخول الْجَنَّةَ هنا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، جمع بين النصوص، هَذَا سبب موجب لدخول الْجَنَّةَ، فلابد له من أسباب أخرى، وهي الإيمان وأداء الفرائض، وَلَابُدَّ من انتفاء الموانع وهي الكبائر لَابُدَّ من هَذَا.
قارئ المتن: باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي
152 - أخبرنا هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن قال: قال علي: كنت رجلا مذاء، - وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي - فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله. فسأله فقال: «فيه الوضوء».
153 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: قلت للمقداد: إذا بنى الرجل بأهله فأمذى، ولم يجامع - فسل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فإني أستحي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي - فسأله فقال: «يغسل مذاكيره، ويتوضأ وضوءه للصلاة».
154 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائش بن أنس، أن عليًا قال: كنت رجلا مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي فقال: «يكفي من ذلك الوضوء».
155 - أخبرنا عثمان بن عبد الله قال: أخبرنا أمية قال: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا روح بن القاسم، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن إياس بن خليفة، عن رافع بن خديج، أن عليًا أمر عمارا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال: «يغسل مذاكيره ويتوضأ».
156 - أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي، عن مالك وهو ابن أنس، عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود، أن عليًا أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ - فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله - فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة».
157 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، عن شعبة قال: أخبرني سليمان قال: سمعت منذرا، عن محمد بن علي، عن علي قال: استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي - من أجل فاطمة - فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: «فيه الوضوء».
شرح الشيخ: هَذِهِ الأحاديث تدل عَلَى أحكام وفوائد:
أولًا: منها أن المذي نجس.
ثانيًا: أن نجاسته مخففة، يكفي فيها النضح من دون المرش والغسل.
ثالثًا: أَنَّهُ يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.
رابعًا: أَنَّهُ يوجب غسل الأنثيين قيل: احتياطًا وقيل: لتقليل المذي، وَلَاسِيَّمَا إذا كان الماء باردًا فَإِنَّهُ يضعفه، في الحديث الآخر: «اغسل ذكرك وأنثييك» الأنثيين الخصيتين.
قارئ المتن: باب الوضوء من الغائط والبول
158 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن عاصم، أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: أتيت رجلا يدعى صفوان بن عسال: فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم. قال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين. قال: «كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا أن لا ننزعه ثلاثًا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم».
شرح الشيخ: استدراك، ولكن يعني لكن لا ننزع من غائط وبول ونوم، وهَذَا من قول صفوان بن عسال، وهو مِمَّا لا مجال للرأي فيه؛ لِأَنَّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، فله حكم الرفع؛ لِأَنَّ القاعدة: أن الصحابي إذا قال قولًا لَمْ يجعل للرأي فيه وهي ليس معروفًا بالأخذ عن بني إسرائيل فله حكم الرفع، وصفوان بن عسال ليس معروفًا بالأخذ عن بني إسرائيل، وأبلغ منه قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل الله له به طريقًا إِلَى الْجَنَّةَ».
قارئ المتن: الوضوء من الغائط
159 - أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود قالا: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن زر قال: قال صفوان بن عسال: «كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا أن لا ننزعه ثلاثا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم».
الوضوء من الريح
160 - أخبرنا قتيبة، عن سفيان، عن الزهري، ح وأخبرني محمد بن منصور، عن سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخبرني سعيد يعني: ابن المسيب، وعباد بن تميم، عن عمه وهو عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة قال: «لا ينصرف حتى يجد ريحًا أو يسمع صوتًا».
شرح الشيخ: وهَذَا الحديث أخذ العلماء منه قاعدة عظيمة وهي البناء عَلَى اليقين، وعَلَى الأصل؛ حَتَّى يأتي ما ينقل عنه يقينًا، والوضوء من الريح غسل الأعضاء الأربعة ما يحتاج غسل الفرجين، ومثله النوم وأكل لحم الجزور ما يحتاج غسل الفرجين كما يفعله بَعْض العامة، غسل الفرجين هَذَا ليس من الوضوء، تطهير للمحل.
قارئ المتن: الوضوء من النوم
161 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود وحميد بن مسعدة قالا: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري أين باتت يده».
باب النعاس
162 - أخبرنا بشر بن هلال قال: حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري».
الوضوء من مس الذكر
163 - أخبرنا هارون بن عبد الله، حدثنا معن، قال: أنبأنا مالك، ح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قالا: أنبأنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء. فقال مروان: من مس الذكر الوضوء. فقال عروة ما علمت ذلك. فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ».
164 - أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك، وقلت: لا وضوء على من مسه فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويتوضأ من مس الذكر» قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه فأرسله إلى بسرة فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان.
باب ترك الوضوء من ذلك
165 - أخبرنا هناد، عن ملازم قال: حدثنا عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه قال: خرجنا وفدا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: «وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك».
شرح الشيخ: وهَذَا البدوي هُوَ طلق بن علي، اختلف العلماء في الجمع بين حديث بسرة بن صفوان وحديث طلق بن علي، حديث بسرة «الوضوء من مس الذكر» وحديث طلق لا يتوضأ «بضعةٌ منك» فذهب بَعْض العلماء إِلَى أن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة، ولكن النسخ يحتاج إِلَى معرفة التاريخ، قالوا: إن طلق بن علي جاء والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يبني مسجده في أول الهجرة، وحديث بسرة متأخر، وذهب بعضهم إِلَى الترجيح وأن حديث بسرة أرجح؛ لِأَنَّهُ أصح سندًا من حديث طلق بن علي.
قال البخاري: حديث بسرة أصح شيء في هَذَا الباب، ويؤيده أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق بن علي مبقٍ عَلَى الأصل، والشريعة ناقلة وهَذَا هُوَ الصواب، وهو الَّذِي عليه الفتوى أن مس الذكر ينقض الوضوء، كما يقال: إذا أفضى الرجل بيده يعني بدون حائل، كما الحديث أن يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، يعني إذا كان مس اللحم اللحم سواء كان بظاهر الكف أو بطنها إِلَى الكف فقط، أَمَّا إذا مسه برجله أو بذراعه فلا، هَذَا هُوَ الصواب سواء كان صغيرًا أو كبيرًا؛ حَتَّى المرأة إذا غسلت طفلها غسلته فإنها تتوضأ هَذَا هُوَ الصواب أن حديث بسرة مقدم، وحديث طلق إِمَّا أَنَّهُ منسوخ أو مرجوح، وهَذَا الَّذِي عليه الفتوى.
وقيل: يجمع بينهما بأن الوضوء من مس الذكر مستحب، وعدم الوضوء جائز وهَذَا ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن الصواب الأول الَّذِي عليه الجمهور أن مس الذكر ينقض الوضوء مطلقًا.
قارئ المتن: ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة
166 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم، عن شعيب، عن الليث قال: أنبأنا ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله».
167 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث، عن عائشة قالت: «لقد رأيتموني معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي، ثم يسجد».
168 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح».
169 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ونصير بن الفرج واللفظ له قالا: حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
ترك الوضوء من القبلة
170 - أخبرنا محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: أخبرني أبو روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ» قال أبو عبد الرحمن: ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا وقد روى هذا الحديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. قال يحيى القطان: «حديث حبيب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها هذا، وحديث حبيب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها» تصلي وإن قطر الدم على الحصير «لا شيء».
باب الوضوء مما غيرت النَّارِ
شرح الشيخ: قف عَلَى باب الوضوء، هَذَا الحديث الأول في ترك الوضوء من مس الرجل امرأة من غير شهوة، وذكر المؤلف أحاديث عدة، هَذِهِ تدل عَلَى أن مس المرأة من غير شهوة ولا ينقض الوضوء، وفي المسألة ثلاثة أ قوال لأهل العلم:
أحدها: أن مس المرأة ينقض مطلقًا بشهوة وبغير شهوة، وهَذَا هُوَ المشهور من مذهب الشافعية، الشافعي يقول: إذا مس الرجل المرأة عليه أن يتوضأ، وقالت الشافعية: وليحرص الإنسان إذا كان يطوف بالبيت ألا تمس يده يد امرأة، كيف يحرص؟ ماذا يستطيع؟ وَلَاسِيَّمَا مع الزحام الآن، في زمنهم ما في زحام، تروح تتوضأ وإذا خرجت من الحمام لَابُدَّ أن تمس يدك امرأة من الزحام، كله زحام، تريد أن ترجع مرة ثانية وترجع فتمس يدك امرأة، ولا تزال تتوضأ هَذَا فيه حرج، هَذَا مذهب الشافعية.
الثاني: ينقض بشهوة، إذا مسها بشهوة فلا بأس، أَمَّا إذا مست بغير شهوة مثل ما يقول البعض والقلب سليم ما فيه الوضوء، هَذَا هُوَ المشهور من مذهب الحنابلة.
الثالث: أَنَّهُ لا ينقض مطلقًا بشهوة أو بغير شهوة، وهَذَا هُوَ الصواب، ويؤيده الترجمة الَّتِي بعد هَذِهِ الوضوء من القبلة، وفيه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قبل وصلى، فيه الصَّلَاة بعد التقبيل بدون وضوء، والتقبيل لا يخلو عن المس بشهوة عادة.
ودَلَّ حديث عائشة عَلَى أَنَّهُ اعتراض المرأة أمام الرجل لا تسمى مرورًا ولا تقطع الصَّلَاة، يصلي بينما المرأة معترضة بين يديه، اعتراض المرأة أمام الرجل لا يسمى مرورًا ولا يقطع الصَّلَاة.
الترجمة (ترك الوضوء من القبلة) القبلة تكون بالفم، الحديث دليل عَلَى أن مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء، والحديث وإن كان مرسلاً كما قال أبو عبد الرحمن وهو مؤلف النسائي، فإن إبراهيم التيمي لَمْ يسمع من عائشة، لكنه جاء موصولًا عن إبراهيم عن أبيه عن عائشة ذكره الدارقطني ورواه البزار بإسناد حسن، فالحديث حجة وهو أحسن شيء في هَذَا الباب كما قاله المؤلف.
وأجاب بَعْض الشافية: بأن عدم النقض بالمس من خصائصه صلى الله عليه وسلم ويجاب عنه بأن دعوى الخصوصية لا تقبل إِلَّا بدليل؛ لِأَنَّ الأصل عدم الخصوصية.
نقف عَلَى هَذَا، الدرس القادم إن شاء الله يكون قراءة في الدروس ولا يحتاج تنبيه إن شاء الله، أسبوع يكون للنسائي وأسبوع .. وفق الله الجميع لطاعته، وزرق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله عَلَى محمد وآله وسلم.
الطالب: أحسن الله إليك مس الذكر وقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وهو بضعةٌ منك» يكون في الصَّلَاة؟
الشيخ: من الَّذِي يقوله؟
الطالب: الحديث ذكر أحسن الله إليك قال: «هُوَ بضعة منك».
الشيخ: وفي أحاديث أخرى ما فيها التقييد بالصلاة، المقصود: أن الجمع بين الأحاديث معروف سواء في الصَّلَاة أو في غير الصَّلَاة، في الصَّلَاة يكون من وراء حائل، هَلْ يستطيع أن يمسحه من دون حائل؟ لا، لَابُدَّ أن يستر العورة هَذَا معروف.
وفق الله الجميع لطاعته.