بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وَالصَّلَاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
شرح الشيخ: في الحديث اللي مر بنا قبل، حديث عائشة: «إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري» المراد بالصلاة هنا: الصلاة النافلة كصلاة الليل، فَإِنَّهُ ينصرف حتى يأخذ نهمه من النوم، «إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري» هذا في صلاة النافلة، في صلاة الليل مثلًا، فَإِنَّهُ ينصرف حتى يأخذ نهمه من النوم، أما صلاة الفريضة فَإِنَّهُ لا ينصرف؛ لأن وقتها قصير وعليه أن ينظر في أسباب النوم فيُزيلها، إن كان ينام مثلًا من آخر الليل فَإِنَّهُ ينام مبكر، في الفريضة ليس له أن ينصرف فعليه أن يعالج نفسه حتى يؤدي الفريضة، وهي وقتها قصير، لكن المراد صلاة النافلة، لو كان يصلي النافلة وينعس فإن عليه أن ينصرف، أما صلاة الفريضة لابد أن يعالج نفسه وليس له أن ينصرف وعليه أن يعالج نفسه في المستقبل فلا ينام متأخر حتى يؤدي فريضة الصلاة.
قارئ المتن: يقول الإمام النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
باب الوضوء مما غيرت النار.
171 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا إسماعيل وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عمر بن عبد العزيز، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار».
172 - أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد يعني: ابن حرب قال: حدثني الزبيدي، عن الزهري، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، أن عبد الله بن قارظ أخبره، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار».
173 - أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن بكر وهو ابن مضر قال: حدثني أبي، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن محمد بن مسلم، عن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ على ظهر المسجد فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار».
174 - أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي، عن حسين المعلم قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب يقول: قال ابن عباس: أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالًا لأن النار مسته، فجمع أبو هريرة حصى فقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما مست النار».
175 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما مست النار».
176 - أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: أنبأنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو قال محمد: القاري، عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «توضئوا مما غيرت النار».
177 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا حرمي وهو ابن عمارة بن أبي حفصة قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت يحيى بن جعدة يحدث، عن عبد الله بن عمرو القاري، عن أبي طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما غيرت النار».
178 - أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا حرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن ابن شهاب، عن ابن أبي طلحة، عن أبي طلحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما أنضجت النار».
179 - أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الزبيدي قال: أخبرني الزهري، أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره، أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره، أن زيد بن ثابت: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار».
180 - أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا ابن حرب قال: حدثنا الزبيدي، عن الزهري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق أنه أخبره، أنه دخل على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته فسقته سويقًا، ثم قالت له: توضأ يا ابن أختي؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما مست النار».
181 - أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود قال: حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر قال: حدثني بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن محمد بن مسلم بن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت له وشرب سويقًا: يا ابن أختي توضأ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار».
باب ترك الوضوء مما غيرت النار.
182 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفًا فجاءه بلال فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء».
183 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا ابن جريج، عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار قال: دخلت على أم سلمة فحدثتني، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من غير احتلام، ثم يصوم» وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: أنها «قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ».
184 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني محمد بن يوسف، عن ابن يسار، عن ابن عباس قال: «شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزًا ولحمًا، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ».
185 - أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا شعيب، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار».
شرح الشيخ: بسم الله، والحمد لله، وَالصَّلَاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
الترجمة الأولى: (باب الوضوء مما غيرت النار) سرد المؤلف أحاديث فيها ترك الوضوء مما غيرت النار، ثُمَّ الترجمة الثانية قال: (باب ترك الوضوء مما غيرت النار) وَهَذِهِ الترجمة أدق من الترجمة الكبرى، في الكبرى نسخ ذلك، وَهَذِهِ الترجمة تشمل النسخ والاستحباب، وذكر فيها أحاديث أن النبي r لم يتوضأ.
- جمع العلماء بينهما بأحد جمعين:
الأول: أن الوضوء مما مست النار كان هذا في أول الإسلام ثُمَّ نُسخ، فإذا مثلًا شرب الإنسان مرقًا أو قهوة مثلًا أو شاي مما مست النار فَإِنَّهُ يتوضأ، ثُمَّ نُسخ ذلك.
الثاني: أنه ليس بمنسوخ ولكنه مستحب، نُسخ الوجوب وبقي الاستحباب، وهذا هو الأرجح بينهما.
فالوضوء كان واجبًا مما مست النار، من كل ما مست النار: طعام، مرق، شاي، قهوة، كان في أول الإسلام واجب الوضوء، ثُمَّ نُسخ الوجوب وبقي الاستحباب، وقال بَعْض العلماء: إنه منسوخ حتى الاستحباب يعني لا يُستحب، والصواب: أنه مستحب، الاستحباب باقي، ولهذا قال: «كان آخر الأمرين من الرسول r ترك الوضوء مما مست النار» فهذه تدل على أن الأمر بالوضوء مما مست النار إما منسوخ أو مندوب أو أنه للندب.
ما عدا لحم الإبل فَإِنَّهُ يجب الوضوء منه مطلقًا، لحم الإبل سواء كان أكله نيئًا أو مطبوخًا؛ لأن فيه أدلة خاصة حديثان عن النبي r: «توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم»، سُئل النبي r قيل له: «أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم» ولأن لحم الإبل يُتوضأ منه سواءٌ أكله مطبوخًا أو نيئًا، بخلاف غيره فَإِنَّهُ يُستحب الوضوء مما مست النار وليس بواجب، وقال بَعْض العلماء: إنه منسوخ فلا يُستحب، والصواب: أن الاستحباب باقي.
قارئ المتن: المضمضة من السويق.
186 - أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن سويد بن النعمان أخبره: «أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من أدنى خيبر صلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ».
شرح الشيخ: وقيل: ويؤيد أنه للندب قوله r لما سُئل عن الوضوء من لحم الغنم، قال: «إن شئت» وهو الأرجح؛ لأنه لو كان للندب لقال: لا، ولم يقل: «إن شئت» دل على أنه للاستحباب، أن الاستحباب باقي، والسويق هو: حب الدقيق المحموص، مسته النار، أكل فقام تمضمض ولم يصلي، تمضمض حتى يُزيل ما بقي في فمه وفي أسنانه.
قارئ المتن: المضمضة من اللبن.
187 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا، ثم دعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسمًا».
شرح الشيخ: وَهَذِهِ المضمضة للإباحة من السويق ومن اللبن للإباحة، بخلاف الوضوء فَإِنَّهُ للاستحباب.
قارئ المتن: ذكر ما يوجب الغُسل وما لا يوجبه.
غُسل الكافر إذا أسلم.
188 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان، عن الأغر وهو ابن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم، أنه أسلم «فأمره النبي صلى الله عليه وسلم: أن يغتسل بماء وسدر».
شرح الشيخ: الصبّاح، تكلم عليه؟
الطالب: التميمي الكوفي مولى آل قيس بن عاصم والد الأبيض ثقة.
الشيخ: الصبّاح تكلم عليه؟
الطالب: (11:32) ثقة، في التقريب.
الشيخ: ما ضبط الصبّاح؟.
الطالب: الصبّاح كذا، مشددة.
الشيخ: هو المعروف.
الطالب: (أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان، عن الأغر وهو ابن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم، أنه أسلم «فأمره النبي صلى الله عليه وسلم: أن يغتسل بماء وسدر»).
الشيخ: هذه مشهورة عند جمهور العلماء أن هذا الغُسل للاستحباب؛ لأنه أسلم يوم فتح مكة خلقٌ كثير ولم يأمرهم النبي r بالغُسل، فيكون عدم أمره للغُسل صارفًا أمره لقيس بن عاصم عن الوجوب إلى الاستحباب، وسواءٌ تقدم الغُسل على الإسلام أو لا كما في الحديث الآتي أنه أمر مًن أسلم بالغُسل بعد إسلامه، وفي هذا الحديث الآتي حديث ثمامة أنه قدم الغُسل ثُمَّ أسلم، اغتسل ثُمَّ أسلم، وذهب الإمام أحمد إلى وجوبه، إلى وجوب الغُسل وأم مَنْ أسلم أنه واجب.
- فالمسألة فيها قولان:
قيل: يجب الغُسل للإسلام وهو من موجبات الغُسل.
وقيل: مستحب، والأقرب أنه مستحب.
قارئ المتن: تقديم غُسل الكافر إذا أراد أن يسلم.
189 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة يقول: إن ثمامة بن أثال الحنفي انطلق إلى نجل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ «فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر» مختصر.
شرح الشيخ: (مختصر) يعني: الحديث مختصر، وهذا الحديث حديث ثمامة بن أُثال في الصحيحين أن خيل النبي r أخذته وهو سيد بني حنيفة في نجد هنا، سيد كبير من السادة من الرؤساء الكبار أخذته خيل رسول الله r وهو يريد العمرة وذاهب للعمرة في مكة فأخذته فأمر النبي r فرُبط في سارية المسجد ثلاثة أيام، وفي كل يوم يمر عليه النبي r يقول: «ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: يا محمد إن تقتُل تقتل ذا دم وإن تُنعِم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل ما بدا لك»، «إن تقتُل تقتل ذا دم» يعني: رجل له قيمته رئيس، «وإن تُنعِم تُنعم على شاكر» يقدر المعروف، «وإن كنت تريد المال فسل ما بدا لك» فتركه، وفي اليوم الثاني قال له مثل ذلك فرد عليه مثل ذلك، قال: «إن تقتُل تقتل ذا دم وإن تُنعِم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل ما بدا لك» فتركه.
وفي اليوم الثالث كذلك، فَقَالَ النبيr: «أطلقوا ثمامة» فأطلقوه فذهب إلى نخلٍ قريب واغتسل ثُمَّ جاء وأسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أن محمدًا رسول الله، وقال كما في هذا الحديث: «يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك» يعني: قبل أن يُسلم، «فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي» الإسلام غيره، كان أبغض الناس إليه فصار أحب الناس إليه، مثل عمرو بن العاص قبل أن يُسلم قال: لو تمكنت منه لقتلته، ولما أسلم يقول: ما أستطيع النظر إليه، ما أُطيق النظر إليه، النظر الكامل، ولو قيل: صفه، ما استطعت؛ من توقيره واحترامه.
قال: «وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟» ذكر أيضًا في الصحيح أنه قال: «ما كان على وجه الأرض بلدٌ أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ»، قوله: «فذهب إلى نخل قريب» نخل روي نجل بالجيم وهو الماء القليل، أو الجاري، في السنن الكبرى: نخل، هنا: نجل قريب؛ يعني: ماء قريب، روي نجل بالجيم، وفي نخل، في السنن الكبرى: نخل، هنا: نجل قريب.
وقال: «والله ما كان على وجه الأرض دنٌ أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الأديان إليّ» انظر كيف غيره الإسلام، في الأول لما كان كافرًا كان النبي أبغض الناس إليه فصار أحب الناس إليه، وبلاده كانت أبغض البلاد إليه فصارت أحب البلاد إليه، والدين كان أبغض شيء فكان الدَّين أحب شيء إليه؛ غيره الإسلام، ولم يأمره النبي r بالغُسل بعد أن أسلم فدل على عدم وجوبه، هو اغتسل قبلًا ثُمَّ جاء فأسلم ولم يأمره النبي r بالغُسل فدل على عدم الوجوب.
في هذا الحديث: بيان ما يحصل للإنسان من الانقلاب والتغير في ساعةٍ واحدة، وفيه: أن النبي r أمره أن يمضي لعمرته لاستحباب إمضاء ما نواه الكافر من الخير بعد إسلامه، هنا يريد العمرة، فلما ذهب للعمرة قالت له قريش: صبوت يا ثمامة؟ قال: بل أسلمت لله رب العالمين، والله ما تأتيكم حبةٌ من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله r، حصار اقتصادي وهو السيد، ما يأتيكم حبوب من نجد إلا إذا أذن فيها النبي r.
الطالب: قال الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ: قوله: «إلى نخل» في أكثر الروايات بالخاء المعجمة، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم وصوبها بعضهم وقال: النجل: الماء القليل النابع.
الشيخ: نعم، ذكره في الحاشية النجل بجيم ساكنة "وهو الماء القليل النابع، وقيل: هو الماء الجاري، أو بخاء معجمة جمع نخلة؛ أي: بستان؛ لأن البستان لا يخلو عن الماء عادةً، قال: فما قيل الجيم هو الصواب ليس بشيء، كيف وَقَدْ صرحوا أن الخاء روايات أكثر، قال عياض: الرواية بالخاء وذكره الموردي بالجيم" على كل حال روايتين: رواية بالجيم، والخاء، نجل ونخل.
قارئ المتن: الغُسل من مواراة المشرك.
190 - أخبرنا محمد بن المثنى، عن محمد قال: حدثني شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت ناجية بن كعب، عن علي رضي الله عنه: «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: اذهب فواره، قال: إنه مات مشركًا، قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه، فقال لي: اغتسل».
شرح الشيخ: وهذا الغُسل للاستحباب، والحديث في سنده ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع، صرح بالسماع هنا قال: (سمعت) يصير صحيح، في الكبرى المؤلف في هذا الحديث عنعن عن ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع فلا يضر؛ لأنه صرح هنا وزال ما يُخشى من تدليسه وهو ثقة إمام، فدل على أن هذا الغُسل لمواراة الكافر للاستحباب، فالكافر يُوارى والمسلم يُدفن، الكافر يُوارى يُدفن هكذا؛ يعني: جثته توارى والمسلم يُدفن دفنًا شرعيًا، ويُستحب الغسل بعد مواراة الكافر وبعد دفن المسلم، ولعل الحكمة أنه يحصل للإنسان ضعف إذا وارى أباه أو قريبه الكافر فَإِنَّهُ يحصل له تألم، والغُسل يحصل به جبر لهذا الضعف وقوة نشاط، كما يغتسل من غُسل الميت جبرًا لما يحصل له من الضعف في تغسيله.
وفي الكبرى الحديث بلفظ: «إن عمك الشيخ الضال مات» يعني: مات على الكافر، وهذا تصريح بأن أبا طالب مات على الشرك، قال: «إنه مات مشركًا»، والحديث في الكبرى: «إن عمك الشيخ الضال مات» وفي هذا تصريح بأن أبا طالب مات على الشرك، وفيه: رد على الرافضة الذين يدعون إيمان أبي طالب، فَهُم كفرة مثله، فهم يزورونه ويتوسلون به، نسأل الله السلامة والعافية.
قارئ المتن: باب وجوب الغُسل إذا التقى الختانان.
191 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدث، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغُسل».
192 - أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني قال: حدثني عبد الله بن يوسف قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا أشعث بن عبد الملك، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغسل» قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ والصواب أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة. وقد روى الحديث عن شعبة، النضر بن شُميل، وغيره كما رواه خالد.
شرح الشيخ: يعني: الصواب السند الأول الذي ذكره المؤلف لا السند الثاني، السند الأول هو الذي ذكره خالد بسنده الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة، والمعنى: «إذا جلس بين شعبها الأربع» يعني: إذا أولج الحشفة في الفرج، فَإِنَّهُ يجب الغُسل، (إذا التقى الختانان) المراد: إيلاج الحشفة في الفرج، فإذا أولج الحشفة في الفرج فَإِنَّهُ يجب الغُسل، وليس المراد يعني المس من غير إيلاج، المراد: إيلاج الحشفة، فإذا أولج الحشفة غيب الحشفة في الفرج «فقد وجب الغُسل» سواءٌ أنزل أو لم يُنزل، هذا من موجبات الغُسل، من موجبات الغُسل: الإيلاج، الموت، الحيض، وخروج المني كما سيأتي أيضًا، والحيض والنفاس؛ هذه موجبات الغُسل.
قارئ المتن: الغُسل من المني.
193 - أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر واللفظ لقتيبة قالا: حدثنا عبيدة بن حميد، عن الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة، عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل».
194 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن زائدة، ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم واللفظ له، أنبأنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، عن حصين بن قبيصة، عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل».
شرح الشيخ: قوله هنا: «وإذا فضخت الماء فاغتسل» في الكبرى للمؤلف: «أفضخت» وبعد مراجعة القاموس لم يتبين معناها، ومعنى: «فضخت الماء» يعني: خرج المني بدفق في اليقظة أو الاحتلام، أما إذا خرج بدون ذلك فلا يوجب الغُسل، إذا خرج بدفق ولذة فيوجب الغُسل، أما إذا خرج المذي للمرض، يخرج المذي مثلما يخرج البول تسمى الأبردة؛ هذا لا يوجب الغُسل، إنما المراد خروج المني بلذة وشهوة بقوة، هذا هو الذي يوجب الغُسل، أما إذا خرج من المرض مذي بسبب المرض فهذا لا يوجب الغُسل، ولهذا قال: «وإذا فضخت» يعني: فضخت الماء وخرج المني بدفقة في اليقظة، أو الاحتلام كذلك، أما إذا خرج بدون لذة فلا.
وكذلك في النوم إذا خرج المني فَإِنَّهُ يجب الغُسل، أما المذي وهو ما يحصل على رأس الذكر بسبب الشهوة فهذا يوجب الوضوء، غسل الذكر والأنثيين، كما في الحديث الآخر: «اغسل ذكرك وأنثييك» يغسل الذكر والأنثيين؛ الخصيتين، ولعل الحكمة لعله يتقلص للخارج ولا يوجب الغُسل، المذي ما يوجب الغُسل، والمني يوجب الغُسل.
قارئ المتن: غُسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
195 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبدة، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس: «أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل قال: إذا أنزلت الماء فلتغتسل».
196 - أخبرنا كثير بن عبيد، عن محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، أن عائشة أخبرته: «أن أم سليم كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة جالسة فقالت له: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل أفتغتسل من ذلك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت عائشة فقلت لها: أفٍ لك، أو ترى المرأة ذلك؟ فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينكِ فمن أين يكون الشبه؟».
شرح الشيخ: لعل بَعْض النساء تُنكر هذا فلعله قليل فيهن؛ يعني: الاحتلام لكنه موجود، ولهذا قالت عائشة: «أفٍ لك أو ترى المرأة ذلك؟» يعني: كَأَنَّهُ قليل في النساء.
قارئ المتن:
197 - أخبرنا شعيب بن يوسف قال: حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، أن امرأة قالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيمَ يشبهها الولد».
198 - أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج، عن شعبة قال: سمعت عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، عن خولة بنت حكيم قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها؟ فقال: إذا رأت الماء فلتغتسل».
شرح الشيخ: ذكر السيوطي أن أمهات المؤمنين وأزواج النبي r لا يقع لهن احتلام؛ لأنه من الشيطان فعُصمن منه تكريمًا له r كما عُصم هو منه، يقول: ثُمَّ ثُمَّ بلغني أن بَعْض أصحابنا بحث في الدرس منع وقوع الاحتلام من أزواج النبي r؛ لأنهن لا يُطعن غيره لا يقظةً ولا نومًا، والشيطان لا يتمثل به، قال: فسررت بذلك كثيرًا، ولهذا عائشة قالت: «أوتحتلم النساء؟».
السند الأول قال: أخبرنا شعيب بن يونس، لا يوجد في التقريب إلا شعيب بن يوسف لا يونس، وفي الهندية ذكر: أنه شعيب بن يوسف وهو الصواب، شعيب بن يونس في التقريب عندك؟ التقريب شعيب بن يوسف وهنا شعيب بن يونس، والصواب شعيب بن يوسف.
الطالب: ما في.
الشيخ: الأصح شعيب بن يوسف، ومكتوب هنا شعيب بن يونس.
الطالب: عندي ابن يوسف.
الشيخ: عندي النسخة شعيب بن يونس.
قارئ المتن: باب الذي يحتلم ولا يرى الماء.
199 - أخبرنا عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، عن عمرو، عن عبد الرحمن بن السائب، عن عبد الرحمن ابن سعاد، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الماء من الماء».
شرح الشيخ: (الذي يحتلم ولا يرى الماء) لا يجب عليه الغُسل، إذا احتلم في الليل ورأى أنه يجامع لكن ما خرج منه مني لا يجب عليه، وإذا جامع زوجته ولم يخرج منه مني وجب عليه؛ فرقٌ بينهما، إذا جامع في اليقظة يجب عليه الغُسل وفي حديث مسلم: «إذا جهدها فقد وجب الغُسل وإن لم يُنزل» وإذا رأى أنه يجامع في النوم ولم يرى الماء فلا، لهذا الحديث: «الماء من الماء» (الماء) هذا الماء الأول هذا من جناس، الغُسل ماء الغُسل، (من الماء) ماء المني، الماء؛ يعني: وجوب الماء والغُسل بالماء إنما يكون (من الماء) من نزول الماء وهو المني، الماء الاول ماء الغُسل، والماء الثاني ماء المني.
والحديث هذا في الصحيحين، وعبد الرحمن بن السائب هذا أصل الحديث في الصحيح، والحديث في التقريب مقبول، والحديث أخرجه في الصحيحين، لكن سند النسائي هنا هذا فيه مقبولان، عبد الرحمن بن السائب، والمقبول لا يحتج به في الأصول وَإِنَّمَا يُذكر متابعًا لا أصلًا، وقوله: «الماء من الماء» هذا من الجناس، متجانسان؛ يعني: ماء الغُسل من الماء، كان في أول الإسلام: أنه إذا جامع ولم يُنزل لا يجب عليه الغُسل، ثُمَّ استقرت الشريعة بوجوب الغُسل من الجماع.
الطالب: قال: عبد الرحمن بن السائب، ويقال: ابن السائبة، مقبول، قال: روى عبد الرحمن بن سعاد، وأبو هريرة، وعنه عن عمرو بن دينار قال: ذكره ابن حبان في الثقات، روى له المصنف وابن ماجة هذا الحديث فقط، وجزم ابن حبان تبعًا للبخاري وغيره أنه ابن السائبة.
الشيخ: فعليه يكون هذا الحديث بهذا السند متابع للحديث الذي في الصحيحين، فإن الحديث أخرجه في الصحيحين لكن سند النسائي هنا فيه مقبول والمقبول لا يُحتج به في الأصول، قوله: «الماء من الماء» يعني: من المني، وهذا كان في أول الإسلام لا يجب، ثُمَّ استقرت الشريعة على أن الجماع يوجب الغُسل إذا غيب الحشفة ولم يُنزل كما سبق في الترجمة السابقة في الأحاديث، أما الاحتلام في النوم فَإِنَّهُ لا يوجب الغُسل إلا إذا رأى المني في ثوبه أو بدنه ولو لم يكن احتلم، إذا رأى في ثوبه أو في فخذيه آثار المني فَإِنَّهُ يجب الغُسل حتى ولو لم يذكر احتلامًا، العبرة: ولو لم يذكر احتلامًا، وإذا ذكر احتلامًا ولم يجد منيًا لا في ثوبه ولا فخذه فلا يجب الغُسل.
قارئ المتن: باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة.
200 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبدة قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق كان الشبه».
شرح الشيخ: هذا الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة، ماء الرجل غليظ، وماء المرأة رقيق، فإذا سبق ماء الرجل كان الشبه له وإذا سبق ماء المرأة كان الشبه لها.
قارئ المتن: ذكر الاغتسال من الحيض.
201 - أخبرنا عمران بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله العدوي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني هشام بن عروة، عن عروة، عن فاطمة بنت قيس من بني أسد قريش: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أنها تُستحاض، فزعمت أنه قال لها: «إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنكِ الدم، ثم صلى».
شرح الشيخ: وَهَذِهِ المعتادة تجلس عادتها ثُمَّ تغتسل وتصلي، قال: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» يعني: الذي لها عادة تعمل بعادتها، واستمر عليه الدم ولها عادة مثلًا ستة أيام أو سبعة أيام من أول الشهر أو وسطه تجلس عادتها، ثُمَّ إذا انتقضت عادتها تغتسل ثُمَّ تُلجم وتتحفظ وتصلي ولو كان معها الدم، هذه المعتادة تعمل بعادتها، وإذا كانت غير معتادة ولها تمييز تعمل بالتمييز، التمييز يعني: إذا نسيت عادتها أو لم يكن لها عادة واستمر معها الدم ماذا تعمل؟ إن كان لها تمييز تعمل بالتمييز، تمييز إذا رأت كان الدم أسود تخين له رائحة هذا نجس، وإذا كان دم رقيق، أو أصفر، أو أحمر؛ تجلس، يوم تجده غليظ تجلس، يوم تجده خفيف تصلي.
لكن لو كان لها عادة تعمل بالعادة، العادة مقدمة، تحفظ العادة وتعلم عادتها ستة أيام سبعة أيام تجلس هذه الأيام، فإذا لم يكن لها عادة أو نسيت العادة تعمل بالتمييز، فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز هذه تسمى متحيرة، تسمى متحيرة تجلس ستة أيام أو سبعة أيام من أول يوم جاءها الدم، فإن كانت لا تعلم فإنها تجلس من أول كل شهرٍ هلالي على عادة النساء ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها أخواتها، أو خالاتها، إن كن سبعة أيام تجلس سبعة أيام، ولو ستة أيام فستة أيام.
قارئ المتن:
202 - أخبرنا هشام بن عمار قال: حدثنا سهل بن هاشم قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي».
203 - أخبرنا عمران بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش سبع سنين، فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي، ثم صلي».
204 - أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معيد وهو حفص بن غيلان، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن بن عوف وهي أخت زينب بنت جحش، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة» قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تغتسل أحيانًا في مركن في حجرة أختها زينب وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أن حمرة الدم لتعلو الماء وتخرج فتصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يمنعها ذلك من الصلاة.
شرح الشيخ: (فكانت تغتسل لكل صلاة) هذا اجتهاد منها للنظافة والنشاط ولم يأمرها به النبي r، هذا دليل على أن المستحاضة هذا يسمى نزيف؛ يعني: هذا مرض، تُلجم وتتحفظ وتصلي ولا يمنعها، ولا تُمنع من زوجها، إنما أيام العادة هي التي تمتنع من الصلاة ويُمنع منها زوجها، أما أيام الاستحاضة والنزيف هذا تتحفظ وتُلجم وتصلي، فإذا استمر الدم معها وأطبق الدم معها فإنها تجلس العادة اللي تعرفها قبل أن يأتيها النزيف تجلس عادتها، فإذا انتهت العادة اغتسلت وتلجمت وحفظت وصلت، فإن نسيت العادة أو لم يكن لها عادة عملت بالتمييز إذا كان الدم تخين ومنتن جلست، وإذا كان الدم خفيف صلت، فإن لم يكن لا هذا ولا هذا هذه تسمى متحيرة، تجلس ستة أيام أو سبعة أيام من أول يومٍ جاءها الحيض، إن كان جاءها من أول الشهر فمن أول الشهر، وسط الشهر كذلك، فإن لم تعلم جلست من أول كل شهرٍ هلالي.
وذكر السيوطي أن النساء يستحضن على عهد رسول الله r، قال الشيخ ولي الدَّين العراقي: وليعلمن اللاتي ذُكر أنهن يستحضن على عهد رسول الله r تسع: فاطمة، وأم حبيبة بنت جحش، وأختها حمنة، وأختها زينب أم المؤمنين، بنات جحش الثلاث كلهن يستحضن، زينب زوج النبي r، وأم حبيبة، حمنة، أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وسهلة بنت سهل، وسودة أم المؤمنين، وأسماء بنت مرثد الحارثية، وزينب بنت أبي سلمة، وبادية بنت غيلان الثقفية، قال: وَقَدْ نظمتهن في بيتين وهما:
قد أُستحيضت في زمان المصطفى |
|
تسع نساء قد رواها الراوية |
بنات جحشٍ سودة والفاطمة |
|
زينب وأسماء وسهلة وبادية |
قارئ المتن:
205 - أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة، أن أم حبيبة - ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن بن عوف -.
شرح الشيخ: (ختنة) يعني: أخت زوجته.
قارئ المتن: استحيضت سبع سنين استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي».
206 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أستحاض. فقال: «إنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي» فكانت تغتسل لكل صلاة.
شرح الشيخ: اجتهادٌ منها.
قارئ المتن:
207 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم قالت: عائشة رضي الله عنها: رأيت مركنها ملآن دمًا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي».
شرح الشيخ: يعني: تجلس عادتها ثُمَّ تغتسل وتصلي.
قارئ المتن:
207 - أخبرنا قتيبة مرة أخرى ولم يذكر جعفرًا.
208 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة تعني، أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصلي».
شرح الشيخ: النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ يسوق الأحاديث والأسانيد في مكانٍ واحد على طريقة مسلم، وكذلك يسوق التراجم على طريقة البخاري، واستفاد من الطريقتين، الشيخ البخاري تراجم وفقه، يكرر التراجم ففيها فقه عظيم، وكذلك يذكر الأسانيد في مكانٍ واحد كلها على طريقة مسلم، فاستفاد من الشيخين، استفاد من البخاري في التراجم واستفاد من مسلم في جمع الطرف بمكانٍ واحد رَحِمَهُ اللَّهُ.
قارئ المتن: ذكر الأقراء.
209 - أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم قال: حدثنا إسحاق بن بكر قال: حدثني أبي، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنها ليست بالحيضة، ولكنها ركضةٌ من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة، ثم تنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة».
شرح الشيخ: وهذا الأمر للاستحباب؛ لأنه لم يأمر بذلك غيرها من المستحاضات، والأقراء: جمع قَرء أو قُرء، بفتح القاف وضمها كما في القاموس وقدم الفتح مثل: فلس وأفلاس، اُختلف في الأقراء هل الأقراء: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] جمع قرء، هل الأقراء الحيض أو الأطهار؟ عند الشافعية الأقراء هي الأطهار، وعند الحنابلة والأحناف الأقراء هي الحيض، وَهَذِهِ الأحاديث تدل على أي شيء؟ تدل على أن القرء الحيض، الأقراء الحِيض، تدل على أن الأقراء هي الحِيض كما التصريح فيها.
قارئ المتن:
210 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة بنت جحش كانت تستحاض سبع سنين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ليست بالحيضة إنما هو عرق، فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها».
شرح الشيخ: «قدر أقرائها وحيضتها» تسمى الحيضة أقراء، والمسالة مختلفٌ فيها في اللغة، وكذلك العلماء هل الأقراء الحيض أو الطُهر؟ على قولين، والأحاديث تؤيد أن الأقراء الحيض، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ثلاثة حيضات، وفيه: ثلاثة أطهار.
قارئ المتن: «فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلي» فكانت تغتسل عند كل صلاة.
211 - أخبرنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثت، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلى، فإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء» هذا الدليل على أن الأقراء حيض.
شرح الشيخ: المؤلف يقول: (هذا الدليل على أن الأقراء حيض) هذا يؤيد أن الأقراء الحِيض.
قارئ المتن: قال أبو عبد الرحمن: وقد روى هذا الحديث هشام بن عروة، عن عروة، ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر.
212 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبدة ووكيع وأبو معاوية قالوا: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي».
ذكر اغتسال المستحاضة.
213 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها: «أنه عرق عاند، فأُمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غُسلًا واحدًا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غُسلًا واحدًا، وتغتسل لصلاة الصبح غُسلًا واحدًا».
شرح الشيخ: هذا السند لا بأس به، قال: (حدثنا محمد) هو محمد بن جعفر، قوله: «فأُمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر» الآمر هو النبي r، وهذا الغُسل على سبيل الندب والاستحباب لا الوجوب؛ لأنه r لم يأمر المستحاضات كُلهن؛ دل على أن الأمر بالغُسل للاستحباب، وفيه: دليل على جواز الجمع بين الصلاتين للعذر؛ لأن المستحاضة مريضة، هذا نوعٌ من المرض، فأمرها النبي r أن تجمع بين الصلاتين، تؤخر الظهر إلى آخر وقتها، وتعجل العصر في أول وقتها، تغتسل ثُمَّ تصلي الظهر، ثُمَّ تصلي العصر، في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، وتؤخر المغرب في آخر وقتها وتعجل العشاء قبل ذلك، فتصلي المغرب ثُمَّ تصلي العشاء، وتغتسل لصلاة الصبح، هذا من باب الاستحباب وإلا فلا يجب الغُسل إلا من الحيض.
قارئ المتن: باب الاغتسال من النفاس.
214 - أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله: في حديث أسماء بنت عميس حين نُفست بذي الحليفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «مرها أن تغتسل وتُهل».
شرح الشيخ: وهذا الحديث في الصحيح، لو قال المؤلف: "باب غُسل النُفساء للإحرام" لكان أولى فيكون مطابق للحديث، فَإِنَّهُ ليس فيه غُسل من النفاس، ما في غُسل للنفاس، نُفست فأمرها أن تغتسل، وهي ما زالت نُفساء، تغتسل للإحرام، فليس الغُسل للنفاس وَإِنَّمَا الغُسل للإحرام، لو قال المؤلف: "باب غُسل النُفساء للإحرام" لكان أولى فيكون مطابق للحديث، أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة، فأرسلت إلى النبي r ماذا تفعل؟ فَقَالَ لأبي بكر: «مرها أن تغتسل وتُهل» تستتر بثوب وتغتسل وتُحرم، وعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كذلك لما حاضت أمرها أن تغتسل؛ دل على أن النُفساء والحائض إذا أرادت الإحرام لحجٍ أو عمرة تغتسل، ولو كان عليها العادة، ولو كانت لا تصلي؛ تغتسل للإحرام، والرجل كذلك، وكذلك المرأة من باب أولى، وهذا غُسل سُنة للإحرام ليس بواجب.
قارئ المتن: باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة.
215 - أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد وهو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تُستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعرف فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق».
216 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي من حفظه قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دم الحيض دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي» قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد لم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عدي، والله تعالى أعلم.
شرح الشيخ: على التفصيل في المتن (الفرق بين دم الحيض والاستحاضة) ما ذكر التفصيل، وقوله: «يُعرَف» بفتح الراء هذه الرواية المشهورة؛ أي: تعرفه النساء، وروي يُعرِف بكسر الراء؛ أي: له عُرف وهو الرائحة المنتنة، «إن دم الحيض دم أسود يُعرَف» يعني: تعرفه النساء، أو يُعرِف؛ يعني: له عَرف وهو النتن والرائحة، قوله: «فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق» وهذا في المبتدئة المستحاضة المميزة وكذلك الناسية لعادتها، المميزة فإنها تعمل بالتمييز، إذا كان دمٌ أسود يُعرف له رائحة تجلس، وإن كان الآخر تصلي، هذا على المبتدئة المستحاضة المميزة، وكذلك الناسية لعادتها، المميزة تعمل بالتمييز، أما التي تعرف عادتها فإنها تجلس العادة، العادة مقدمة.
قارئ المتن:
217 - أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد وهو ابن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي؛ فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة، قيل له: فالغُسل؟ قال: ذلك لا يشك فيه أحد» قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث «وتوضئي» غير حماد بن زيد.
شرح الشيخ: وهو ثقة، (حماد بن زيد) ثقة.
قارئ المتن: وقد روى غير واحد عن هشام، ولم يذكر فيه «وتوضئي».
شرح الشيخ: هذه هي المعتادة تجلس عادتها ثُمَّ تغتسل وتصلي.
قارئ المتن:
218 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش يا رسول الله، لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي».
219 - أخبرنا أبو الأشعث قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: سمعت هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: «أن بنت أبي حُبيش قالت: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأترك الصلاة؟ قال: لا، إنما هو عرق» قال خالد فيما قرأت عليه: «وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي».
شرح الشيخ: زيادة: «وتوضئي في الصلاة» هذه رواها حماد بن زيد، وحماد بن زيد ثقة والثقة مقبول عند المتأخرين، يقول: زيادة الثقة مقبولة، فأخذ بها جمع وَقَالُوا: تتوضأ لكل صلاة، وَأَمَّا الجمهور فقالوا: يُعمل بالقول الأكثر، وقال بعضهم: بالقول الأحفظ، وَهَذِهِ الزيادة من حماد هي ثقة عند المتأخرين وأخذ بها الأصوليون، قَالُوا: لِأَنَّهَا لا تخالف رواية مَنْ لم يذكرها.
- وَقَالُوا فيها فائدتان:
أحدهما: أن الغُسل لا يجب على المستحاضة.
والثانية: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة.
لكن بعضهم قال: إن هذه ولو كان من الثقة الجمهور قال بعضهم: شاذة، هذه شاذة، وإذا كانت شاذة فلا يجب الوضوء لكل صلاة، على قول الجمهور ما تتوضأ لكل صلاة، وَإِنَّمَا إذا خرج منها حدث غير الدم، ماذا قال عندك على الحديث: «وتوضئي لكل صلاة» تكلم على الزيادة هذه؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: «وتوضئي» مفعولٌ ذُكر محكيٌ لقصد لفظه غير حماد بن زيد؛ يعني: أنه انفرد بزيادة الأمر بالوضوء عن هشام، وَقَدْ روى بالبناء للفاعل، والفاعل قوله غير واحد؛ أي: نقل جماعةٌ من الرواة هذا الحديث عن هشام بن عروة ولم يذكر فيه «وتوضئي»، بل ذكر الأمر بغسل الدم وَالصَّلَاة، والحاصل: أن المصنف زعم أن حماد بن زيد انفرد بذكر الأمر بالوضوء في هذا الحديث؛ لأن الرواة عن هشام ما ذكروا ذلك.
وَقَدْ أشار مسلم في صحيحه إلى ما ذكره المصنف حين قال بعد ذكر الحديث عن طريق أبي معاوية، وجرير، وعبد الله بن نُمير، وحماد بن زيد كلهم عن هشام بن عروة ما نصه، وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره، وأراد بالحرف الذي تركه قوله: «وتوضئي» وَذَلِكَ لانفراد حمادٍ به عن الرواة الآخرين، والذي قاله المصنف وأشار إليه مسلم من انفراد حماد بالزيادة غير صحيح، فقد زادها أبو معاوية عن هشام عن البخاري في الصحيح، قال بعد ذكر الحديث ما نصه، قال: يعني هشامًا.
وقال أبي: «ثُمَّ توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» قال الحافظ: وادعى بعضهم أن هذا معلق وليس بصواب بل هو بالإسناد المذكور عن محمد؛ يعني: ابن سلام، عن أبي معاوية، عن هشام، وَقَدْ بين ذلك الترمذي في روايته وادعى آخر أن قوله: «ثُمَّ توضئي» من كلام عروة موقوفًا عليه وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: ثُمَّ تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي فيه المرفوع وهو قوله: «فاغسلي».
وكذلك زادها حماد بن سلمة ويحي بن سُليم فقد رواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحي بن سُليم كلاهما عن هشام بن عروة؛ قاله الحافظ في الفتح، وكذا زادها أبو حمزة السكري عن هشام فقد رواه ابن حبان من طريقه في صحيحه، وفيه: «فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة» والحاصل: أن ذكر الأمر بالوضوء في حديث فاطمة من طريق هشام ثابتٌ عن حماد بن زيد عن المصنف، وأشار إليه مسلم وأبي معاوية عند البخاري، والترمذي، وحماد بن سلمة عند الدارمي، ويحي بن سُليم عند السراج، وأبي حمزة عند ابن حِبان، فتفطن والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الشيخ: على هذا يكون ما انفرد بها حماد بن زيد كما ذكر المصنف فتكون مقبولة؛ يعني: له متابع، قول المؤلف هنا ذكر قال: «وتوضئي» قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث «وتوضئي» غير حماد بن زيد، وذكر المؤلف عن حماد بن سلمة وغيره فيكون متابع، وعلى هذا تكون ليست شاذة، فيكون لها متابع تُعتمد؛ فتكون المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وتدل أيضًا على أن الغُسل لا يجب على المستحاضة، وثانيًا: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة.
النسائي وكذلك مسلم قَالُوا: إنه انفرد بها، والواقع أنه له متابع فتُعتمد، لكن لو لم يكن له متابع تكون شاذة على قول الجمهور ولا تُعتمد، فتكون المستحاضة ما يلزمها الوضوء، وَإِنَّمَا يلزمها الوضوء إذا خرج منها ريح أو خرج منها بول، أما الدم فلا، ولكن هذه الزيادة رواها عدد فتُعتمد؛ فيكون خروج الدم من الفرج ناقض للوضوء مثل البول، ناقض للوضوء ولكن لا يجب الغُسل، فتتوضأ لكل صلاة، كل صلاة تتوضأ لها؛ لأن الدم مستمر بالخروج.
قارئ المتن: باب النهي عن اغتسال الجُنب في الماء الدائم.
220 - أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، أن أبا السائب أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنب».
باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه.
221 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ثم يغتسل منه».
شرح الشيخ: لأنه يقدره على غيره، ورُبَّمَا تغير إذا كان الماء قليل أو حتى الكثير قد يتغير فينجس، فلا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد، أما إذا كان جاريًا فَإِنَّهُ يذهب والأمر واسع، وكذلك لا يغتسل في الماء الدائم وهو جُنب إنما يغتسل منه، يغترف منه، أما أن ينزل في الماء الدائم ويغتسل هذا قد يكدره على غيره.
قارئ المتن: باب ذكر الاغتسال أول الليل.
222 - أخبرنا عمرو بن هشام قال: حدثنا مخلد، عن سفيان، عن أبي العلاء، عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث: أنه سأل عائشة رضي الله عنها: أي الليل كان يغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره» قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
الاغتسال أول الليل وآخره.
223 - أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد، عن بُرد، عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها قلت: «أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك، ربما اغتسل من أوله، وربما اغتسل من آخره، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة».
شرح الشيخ: وبُرد هذا ابن سنان على وزن قُرب، تكلم فيه ووُثق والأقرب توثيقه، والحديث ثابت من طرق أخرى، فلا بأس الإنسان إذا كان عليه جنابة أن يغتسل أول الليل ثُمَّ ينام، أو يتوضأ وضوئه للصلاة ثُمَّ ينام ويغتسل آخر الليل لكنه يتوضأ من الجنابة كما سيأتي.
قارئ المتن: باب ذكر الاستتار عند الاغتسال.
224 - أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثني يحيى بن الوليد قال: حدثني محل بن خليفة قال: حدثنى أبو السمح، قال: «كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي فأستره به».
225 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن مالك، عن سالم، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ رضي الله عنها: «أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب، فسلمت فقال: مَن هذا؟ قلت: أم هانئ، فلما فرغ من غُسله قام، فصلى ثماني ركعات في ثوب ملتحفًا به».
شرح الشيخ: وَهَذِهِ تسمى صلاة الفتح، سماها بعضهم صلاة الفتح، وهي صلاة الضحى، ثمان ركعات «في ثوب» ثوبٍ واحد قطعة واحدة «ملتحفًا به» يعني: شرشف أو فوطة كبيرة ستر بها العورة، في الحديث: «إذا كان واسعًا فالتحف به وإن كان ضيقًا فاتزر به» إذا كان ضيق يشد به النصف الأسفل لستر العورة، وإذا كان واسع يجعل طرفيه على كتفيه، والأقرب: أن هذا في السفر، وَأَمَّا في الحضر فَإِنَّهُ يستتر عند أهله لا يُستر، لكن هذا في السفر، قصة أم هانئ هذه في السفر، وكذلك في قصة أنه قال: «ولني قفاك، فأوليه قفاي فأستره به» هذا في السفر.
قارئ المتن: باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغُسل.
226 - أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن موسى الجُهني قال: أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال: حدثتني عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا».
شرح الشيخ: وليته قال: صاع ونصف؛ لأن الصاع خمسة أرطال ونصف رطل عراقي، والصاع: ملئ كفي الرجل المتوسط أربع مرات، أربع حفنات، كل حفنة هذه مُد، أربعة أمداد، والصاع أربعة حفنات.
قارئ المتن:
227 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص سمعت أبا سلمة يقول: «دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غُسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع، فسترت سترا، فاغتسلت فأفرغت على رأسها ثلاثًا».
228 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح - وهو الفرَق - وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد».
شرح الشيخ: (والفَرَق) قدر ثلاثة آصع، والحديث الأول في متنه غرابة؛ لأنه يمكن أن تعلمه بدون أن تغتسل لكن قد يُقَالُ: أنها سترت سترًا ووارت أخاها فعلى هذا يزول المحظور.
قارئ المتن:
229 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمسة مكاكي».
شرح الشيخ: والمكوك هو: مقدار مُد، وهو المُد وهو ربع الصاع.
قارئ المتن:
230 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي جعفر قال: تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله، فقال جابر: «يكفي من الغُسل من الجنابة صاع من ماء» قلنا: ما يكفي صاع ولا صاعان، قال جابر: «قد كان يكفي من كان خيرًا منكم وأكثر شعرًا».
شرح الشيخ: وهو رسول الله r، شعر رأسه جُمة إلى الكتف ومع ذلك يكفيه صاع.
قارئ المتن: باب ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك.
231 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، ح وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر وابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهو قدر الفَرَق».
شرح الشيخ: وهو ثلاثة آصع، فدل على عدم التوقيت في التحديد، ما في شيء محدد، لكن ما ينبغي أن يكون بإسراف.
قارئ المتن: باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد.
232 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن هشام بن عروة، ح وأنبأنا قتيبة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعًا».
شرح الشيخ:
- وهذا الاغتسال جميعًا في فوائد:
منها: جواز مثل هذا العمل.
وَمِنْهَا: تعلم أحدهما من الآخر.
وَمِنْهَا: جواز نظر كلٌ من الزوجين إلى فرج الآخر، وهذا دليل على عدم صحة حديث عائشة: «ما رأيت منه ولا رأى مني» العورة، تقول: «ما رأيت منه ولا رأى مني» هذا غير صحيح، ويرده هذا الحديث: «كان النبي r وعائشة يغتسلوا من إناءٍ واحد» لِأَنَّهَا حِلٌ لها وهو حِلٌ لها.
وَمِنْهَا: جواز غُسل الرجل بفضل المرأة، فإنها إذا اغترفت صار فضلًا لها، دل على أن النهي عن الغُسل بفضل المرأة فيه كراهة تنزيه، وإذا لم يوجد غيره زال الكراهة.
(أنبأنا عبد الله) هو ابن المبارك، إذا أطلقه سويد فالمراد عبد الله بن المبارك.
قارئ المتن:
233 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم قال: سمعت القاسم يحدث، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة».
234 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عَبيدة بن حميد.
شرح الشيخ: عَبيدة بفتح العبيد، ما في النسائي عُبيدة.
الطالب: قال: عَبيدة بن حُميد الأول بالتكبير والثاني بالتصغير، الكوفي المعروف بالحذاء التيمي أو الليثي أو الضبي، وثوق نحوي ربما أخطأ مات سنة تسعين ومئة.
قارئ المتن:
234 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عَبيدة بن حميد، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود ،عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه».
235 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد».
236 - أخبرنا يحيى بن موسى، عن سفيان، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: أخبرتني خالتي ميمونة أنها كانت «تغتسل ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد».
237 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله، عن سعيد بن يزيد قال: سمعت عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: حدثني ناعم مولى أم سلمة رضي الله عنها، أن أم سلمة سُئلت أتغتسل المرأة مع الرجل؟ قالت: «نعم، إذا كانت كيسة رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركن واحد نفيض على أيدينا حتى ننقيهما، ثم نفيض عليها الماء» قال الأعرج: لا تذكر فرجًا ولا تُباله.
شرح الشيخ: وناعم هذا هو ابن هُجين ثقةٌ فقيه كما في التقريب، قولها: «إذا كانت كيسة» يعني: حسنة الأدب في استمال الماء، فسرها الأعرج بقوله: (لا تذكر فرجًا ولا تُباله) لا تُباله يعني: لا تهتم، تكلم عليه عندك؟
الطالب: قوله: (تُباله) لا أكترث له ولا أبالي، ولن أبل بالتخفيف كما حذفوا الياء من المصدر، فقالوا: يائها باهية، والأصل بانية مثل عافاه معافاة وعافية، قَالُوا: ولا يُستعمل إلا مع الجهل، والأصل فيه قولهم: تبالي القوم، إذا تبادروا إلى الماء القليل فاستقوا، فمعنى: لا أبالي؛ أي: لا أبادر إهمالًا له، وقال أبو زيد: ما باليت فيه مبالاة، واسمه البلاء، البِلاء وِزان كتاب وهم الهم الذي تحدث به نفسه.
الطالب: تحت في الهامش: (ولا تَباله) بفتح التاء أصله: تتبالى بتائين.
الشيخ: هذا كلام مَنْ؟ السندي؟ ماذا قال؟ لا تُباله؟
الطالب: قال: ولا تباله بفتح التاء أصله تتبالي بتائين حُذفت أحداهما من تباله الرجل إذا أراد لنفسه ذلك، وليس به، أي ولا تأثير لأفعاله، المرأة البلهاء، والأبله خلاف الكيس، والمرأة.
الشيخ: صفحة كم؟
الطالب: صفحة مائة وتسعة وعشرين.
الشيخ: أعد ما قال؟
الطالب: الطالب: قال: ولا تباله بفتح التاء أصله تتبالي بتائين حُذفت أحداهما من تباله الرجل إذا أراد لنفسه ذلك، وليس به، أي ولا تأثير لأفعاله، المرأة البلهاء، والأبله خلاف الكيس، والمرأة.
الشيخ: بلهاء؛ حمراء.
الطالب: الشيخ الأثيوبي علق عليه.
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: في تعليق للشيخ للأثيوبي، قال: وهذا التفسير غير سديد ويرد قوله مضارع تَباله كون النسخة الهندية والكبرى بإثبات الياء؛ لأنه نص على أنه مضارعٌ بال وليس مضارع تباله، فالتفسير الواضح هو ما ذكرناه، والله تعالى أعلم بالصواب.
الشيخ: قوله: (إذا تباله الرجل) إذا رأى من نفسه ذلك، (ولا تُباله) كأنه يرجع إلى عدم الاهتمام، (إذا تباله الرجل إذا رأى من نفسه ذلك) يعني: يرجع إلى المعنى.
قارئ المتن: باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجُنب.
238 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن داود الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعًا».
شرح الشيخ: والنهي عن الامتشاط للتنزيه، الامتشاط لما فيه من الترفه والتنعم، إن كان الامتشاط بعد يومين أو ثلاثة أيام كان أولى، إذا كان له شعر كل يوم يمشط شعره، كل يوم يدهن، هذا ترفه وتنعم، فالنهي للتنزيه يعني، بَعْض الناس ما له هم إلا هكذا، مثل بعضهم تعديل الغُترة وتعديل كذا، كل هذا من الترفه، فينبغي للإنسان ألا يبالغ في هذا، فهذا النهي عن التمشيط كل يوم، لكن بعد يومين ثلاثة، كل يوم يدهن شعره، كل يوم يمشط، كل يوم كذا، كل ساعة يكوي ثوبه ويكوي شماغه؛ كل هذا من الترفه، ينبغي للإنسان بعد يومين ثلاثة بدل ما كل يوم.
«أو يبول في مغتسله» هذا إذا لم يكن فيه مخرج، أما إذا كان فيه مخرج يذهب إلى البلاعة ما في إشكال، لكن إذا كان يبول في مغسله ثُمَّ يصب الماء عليه؛ لأن هذا يسبب الوسواس بتنجيس الماء، لا يبول في مغتسله ويبول في مكان آخر، أما إذا كان في بالوعة كما الآن الحمامات هذا ما فيه إشكال ويذهب، الإشكال إذا لم يكن البول يذهب.
«أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعًا» هذا نهي للتنزيه كما سبق أن النبي r كان يغتسل بفضل ميمونة إذا لم يوجد غيره.
- فيُجمع بين الحديثين بأحد وجهين:
أحدهما: أن أحاديث النهي عن الاغتسال بفضل المرأة إما منسوخ بحديث عائشة في اغتسالها مع النبي r.
الثاني: النهي عن الاغتسال بفضل المرأة محمول على التنزيه، وهذا هو الأقرب عند عدم الحاجة إليه، وعند الحاجة تزول الكراهة، حديث عائشة محمول على الجواز، وهذا أولى؛ لأن النسخ لا يُسار عليه إلا عند عدم إمكان الجمع، والجمع ممكن يُحمل على التنزيه؛ النهي.
قارئ المتن: باب الرخصة في ذلك.
239 - أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، ح وأخبرنا سويد بن نصر، أنبأنا عبد الله، عن عاصم، عن معاذة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يبادرني وأبادره، حتى يقول: دعي لي، وأقول أنا: دع لي»، قال سويد: «يبادرني وأبادره فأقول: دع لي. دع لي».
شرح الشيخ: هذا الجمع بينهما؛ يعني: اغتسال الرجل مع المرأة جائز بفضل المرأة، والنهي محمول على التنزيه.
قارئ المتن: باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يُعجن فيها.
240 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين».
شرح الشيخ: (عبد الرحمن) هذا هو عبد الرحمن بن مهدي وهو الإمام المشهور، والاغتسال في إناء به أثر العجين لا حرج فيه؛ حتى لو غير أثر العجين الماء، ومثله التراب وغيره من الطاهرات فلا يؤثر ما دام اسم الماء باقيًا، فإذا زال اسم الماء فَإِنَّهُ لا يتوضأ به، صب عليه شيء فصار شاي وقريب، أو عصير شجر، هذا ليس ماء ولا يسمى ماء، يسمى ماء عصير، ماء شاي، أو كذلك صب عليه لبن فصار لبن، فلا يتطهر به، يتوضأ بماء اللبن أو ماء العصير، أو ماء الشاي لا، لكن لو وقع فيه شيء واسم الماء باقي فلا بأس، وقع فيه أثر العجين ولم يغيره هذا لا يزال اسم الماء باقيًا.
قارئ المتن: باب ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة.
241 - أخبرنا سليمان بن منصور، عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضَفر رأسي أفأنقضها عند غسلها من الجنابة؟».
شرح الشيخ: يُقَالُ: ضَفر وضُفر، بالوجهان.
قارئ المتن: قال: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تُفيضين على جسدك».
شرح الشيخ: فيه: أن المرأة لا تنقض شعر رأسها إذا كان مضفورًا مشدودًا عند غُسل الجنابة، أما غُسل الحيض فإن الأفضل أنها تنقضه ولو لم تنقضه أجزأها، لكن الأفضل تنقضه في غُسل الحيض، وهذا من رحمة الله تعالى، فإن الجنابة تتكرر بخلاف الحيض فَإِنَّهُ يكون في الشهر مرة، فالحيض يتأكد فيه نفض الشعر، والجنابة لا يحتاج إلى أن تنقض الشعر.
قارئ المتن: باب ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام.
242 - أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا أشهب، عن مالك، أن ابن شهاب وهشام بن عروة، حدثاه عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللت بالعمرة، فقدمت مكة، وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج ودعي العمرة». ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت فقال: «هذه مكان عمرتك» قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث غريب من حديث مالك، عن هشام بن عروة لم يروه أحد إلا أشهب.
شرح الشيخ: وإذا كانت تنقضه في غُسل الإحرام وهو غُسل ليس بواجب فتنقضه في غُسل الحيض وهو واجب أولى.
قارئ المتن: ذكر غَسل الجُنب يديه قبل أن يُدخلهما الإناء.
243 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا حسين، عن زائدة قال: حدثنا عطاء بن السائب قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة وضع له الإناء، فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء، حتى إذا غسل يديه أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم صب باليمنى وغسل فرجه باليسرى، حتى إذا فرغ صب باليمنى على اليسرى فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات، ثم يُفيض على جسده».
شرح الشيخ: فيه: أن الجُنب يغسل يديه ثلاثًا قبل أن يُدخلهما الإناء؛ حتى يرفع الحدث عنهما، ثُمَّ يصب الماء بيده اليمنى ويغسل فرجه باليسرى، وهذا إذا كان من الإناء، وإذا كان من الصنبور فالأمر واسع الآن، وبعد ذلك يغسل يده اليسرى ليُزيل ما علق بها ثُمَّ يتمضمض ويستنشق، ثُمَّ يُفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ثُمَّ يُفيضه على جسده.
قارئ المتن: باب ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء.
244 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فقالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفرغ على يديه ثلاثًا، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه، ثم يمضمض ويستنشق، ثم يفرغ على رأسه ثلاثًا، ثم يفيض على سائر جسده».
شرح الشيخ: عطاء بن السائب ثقة إلا أنه اختلط في آخره، لكن شعبة ممَن روى عنه قبل أن يختلط فلا بأس في السند.
قارئ المتن: إزالة الجُنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه.
245 - أخبرنا محمود بن غيلان، أنبأنا النضر قال: أنبأنا شعبة قال: أنبأنا عطاء بن السائب قال: سمعت أبا سلمة، أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة. فقالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء فيصب على يديه ثلاثًا فيغسلهما، ثم يصب بيمينه على شماله، فيغسل ما على فخذيه، ثم يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق، ويصب على رأسه ثلاثًا، ثم يفيض على سائر جسده».
شرح الشيخ: فيه: استحباب غسل اليدين بعد غسل الفرج أو الدبر بالصابون لإزالة آثار الغائط.
قارئ المتن: باب إعادة الجُنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده.
246 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عمر بن عبيد، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: وصفت عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة. قالت: «كان يغسل يديه ثلاثًا، ثم يُفيض بيده اليمنى على اليسرى، فيغسل فرجه وما أصابه» قال عمر: ولا أعلمه إلا قال: «يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات، ثم يتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ثم يفيض على رأسه ثلاثًا، ثم يصب عليه الماء».
شرح الشيخ: (عمر بن عبيد) هو الطنافسي، وفيه: أن يغسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده.
قارئ المتن: ذكر وضوء الجُنب قبل الغُسل.
247 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يُفيض الماء على جسده كله».
شرح الشيخ: لكن إذا أحدث بعد وضوئه كان يخرج منه ريح أو مس فرجه فَإِنَّهُ يُعيد الوضوء، وإذا اغتسل بنية رفع الحدثين ولم يتوضأ قبل ذلك أجزأ عند جمع من أهل العلم، أما إذا لم ينوهما فعليه أن يتوضأ منه لاندراج الأصغر في الأكبر، إذا نوى إذا اغتسل بنية رفع الحدثين اندرج الأصغر في الأكبر، وارتفع، بعد أن يستنجي ينوي رفع الحدثين، ولكن الأفضل كونه يتوضأ وضوئه للصلاة ثُمَّ يكمل الوضوء، أما إذا لم ينوهما فعليه أن يتوضأ.
قارئ المتن: باب تخليل الجُنب رأسه.
248 - أخبرنا عمرو بن علي قال: أنبأنا يحيى قال: أنبأنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها عن غُسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة: «أنه كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره، ثم يُفرغ على سائر جسده».
249 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُشَرب رأسه، ثم يحثي عليه ثلاثًا».
باب ذكر ما يكفي الجُنب من إفاضة الماء على رأسه.
250 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد، عن جبير بن مطعم قال: تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: إني لأغسل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فأُفيض على رأسي ثلاث أكف».
باب ذكر العمل في الغُسل من الحيض.
251 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن منصور وهو ابن صفية، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأخبرها كيف تغتسل، ثم قال: «خذي فِرصة من مسك فتطهري بها» قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا، ثم قال: «سبحان الله تطهري بها» قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة، وقلت: تتبعين بها أثر الدم.
شرح الشيخ: «خذي» استحباب، «فِرصة من مسك»، (قالت: وكيف أتطهر بها؟) ما عرفت، قالت عائشة: (فجذبت المرأة، وقلت: تتبعين بها أثر الدم).
قارئ المتن: باب ترك الوضوء من بعد الغُسل.
252 - أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا أبي، أنبأنا الحسن وهو ابن صالح، عن أبي إسحاق، ح وحدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغُسل».
شرح الشيخ: يعني: يتوضأ قبل الغُسل، يستنجي ثُمَّ يتوضأ ثُمَّ يغتسل، والحديث الثاني فيه أبو إسحاق، وأبو إسحاق مدلس لكنه قليل في التدليس لاسيما في روايته عن الأسود عن عائشة، ماذا قال عن الحديث هذا؟ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغُسل» يستنجي ثُمَّ يتوضأ ثُمَّ يكمل الغُسل ولا يتوضأ بعد الغُسل، الحديث في سنده أبو إسحاق، وهو أبو إسحاق السبيعي مدلس، ماذا قال على الحديث هذا؟
الطالب: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغُسل» أي: يصلي بعد الاغتسال وقبل الحدث بلا وضوء جديد اكتفاءً بالوضوء الأول الذي كان قبل الاغتسال، أو بما كان في ضمن الاغتسال.
الشيخ: ما تكلم على سند الحديث هذا أبو إسحاق السبيعي؟
الطالب: ذكر أحسن الله إليك قال: ورد في الباب عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا أنه لما سُئل عن الوضوء بعد الغُسل أي الوضوء الأعم من الغُسل رواه ابن أبي شيبة وروي عنه أنه قال له: «إني أتوضأ بعد الغُسل، قال: قد تعمقت» وروي عن حذيفة أنه قال: أما يكفي أحدكم أن يغتسل من قرنه إلى قدمه حتى يتوضأ، وَقَدْ روي نحو ذلك عن جماعةٌ من الصحابة، ومَن بعدهم، قال أبو بكر بن عربي: إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخلٌ تحت الغُسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحديث وتقضي عليه؛ لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث فدخل الأقل في نية الأكثر، وأجزءت نية الأكبر عنه.
الشيخ: ما تكلم عن سند أبو إسحاق السبيعي في روايته عن الأسود؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: حديث الباب صحيح.
الشيخ: يعني: تدليس أبي إسحاق تدليس قليل وَلَاسِيَّمَا عن الأسود.
قارئ المتن: باب غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه.
253 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا عيسى، عن الأعمش، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس قال: حدثتني خالتى ميمونة قالت: "أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غُسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا، ثم أدخل بيمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه، ثم غسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه، فغسل رجليه، قالت: ثم أتيته بالمنديل فرده".
شرح الشيخ: فيه: هنا أنه غسل رجليه، فيه: أنه «ضرب بشماله الأرض دلكًا شديدًا» يعني: بعدما غسل فرجه، وكانت الأرض فيها تراب، لكن الآن ما في تراب الآن لا في الأرض ولا في الجدران يوجد بدلها الصابون، يغسل بالصابون لتنظيف اليد بعد مس الفرج وبعد أثر الغائط.
وفيه: أنه «تنحى عن مقامه، فغسل رجليه» قال العلماء: هذا التنحي لإزالة ما يعلق بها من الطين ونحوه، فإن كانت الأرض صلبة لكونها مبلطة مثل الآن فلا حاجة إلى التنحي عن مكانه، في الأول تنحى عن مكانه؛ لأن الأرض تراب وطين، فَهُوَ ينتقل إلى مكانٍ آخر ثُمَّ يغسل رجليه حتى ينظفها من الطين، الآن ما في طين فلا حاجة، الآن مبلط وعليه حذاء فما في حاجة إلى هذا.
قالت: «ثم أتيته بالمنديل فرده» لكنه لم يمنع عنه فدل على أنه مباح، وفي الحديث الآخر: «أنه جعل ينفض الماء بيديه»، «فأتيته بخِرقة فلم يُردها وجعل ينفض الماء بيديه» هذا في الغُسل؛ يعني: الأفضل ألا يتنشف بل يدع الماء يتساقط، وإن تنشف فلا حرج، لكن الأفضل عدم التنشف.
قارئ المتن: باب ترك المنديل بعد الغُسل.
254 - أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن سالم، عن كُريب، عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتي بمنديل، فلم يمسه وجعل يقول بالماء: هكذا».
شرح الشيخ: لعل ترك المنديل أولى لما فيه من استمرار نزول قطرات الماء، في الحديث الذي قبله عن ابن عباس وخالته ميمونة، فيكون هذا الحديث من مراسيل الصحابة؛ لأنه يروي ما قبله عن خالته ميمونة.
قارئ المتن: باب وضوء الجُنب إذا أراد أن يأكل.
255 - أخبرنا حميد بن مسعدة، عن سفيان بن حبيب، عن شعبة، ح وحدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، عن شعبة.
شرح الشيخ: المؤلف ينوع التراجم لاستنباط الأحكام، فقهه رَحِمَهُ اللَّهُ، على طريقة البخاري.
قارئ المتن: باب وضوء الجُنب إذا أراد أن يأكل.
255 - أخبرنا حميد بن مسعدة، عن سفيان بن حبيب، عن شعبة، ح وحدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمرو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ" زاد عمرو في حديثه: "وضوءه للصلاة".
شرح الشيخ: هذا هو السنة: إذا أراد أن ينام فَإِنَّهُ يتوضأ، أما إذا أراد الأكل فسيأتي أنه له أن يقتصر على غسل اليدين، لكن في النوم يتوضأ، سأله عمر كما في الصحيح: «أينام أحدنا وهو جُنب؟ قال: نعم إذا توضأ»، وهنا إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنب توضأ وضوئه للصلاة.
قارئ المتن: باب اقتصار الجُنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل.
256 - أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جُنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه».
باب اقتصار الجُنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب.
257 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب -قالت-: غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب".
شرح الشيخ: ولعل الجمع بينه وبين الحديث السابق أنه يتوضأ في بَعْض الأحيان ويكتفي بغسل يديه في بعض الأحيان.
قارئ المتن: باب وضوء الجُنب إذا أراد أن ينام.
258 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جُنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام».
259 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر قال: «يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ».
شرح الشيخ: فيه: أنه إذا أراد أن ينام وهو جُنب يتوضأ وضوئه للصلاة، أما إذا أراد الأكل أو الشرب فله أن يتوضأ وضوئه للصلاة، وله أن يكتفي بغسل يديه.
قارئ المتن: باب وضوء الجُنب، وغسل ذكره إذا أراد أن ينام.
260 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: ذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضأ واغسل ذكرك، ثم نم».
شرح الشيخ: والواو لا تفيد الترتيب بل هي مطلقة للجمع، والمعنى: اغسل ذكرك ثُمَّ توضأ، الواو ما تفيد الجمع، يغسل ذكره أولًا ثُمَّ يتوضأ ثُمَّ ينام.
قارئ المتن: باب في الجُنب إذا لم يتوضأ.
261 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا هشام بن عبد الملك قال: أنبأنا شعبة، ح وأنبأنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة واللفظ له، عن علي بن مدرك، عن أبي زُرعة، عن عبد الله بن نُجي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جُنب».
شرح الشيخ: المراد بالملائكة: ملائكة الرحمة لا الحفظة ولا الكتبة فَإِنَّهُمْ لا يفارقونه، والمراد بالصورة هنا: الصورة غير الممتهنة، كالتي في البُسط والفُرش هذه لا تمنع من دخول الملائكة؛ غير ممتهنة، فهي لا تمنع دخول الملائكة فَهُوَ عامٌ مخصوص، والمراد بالكلب: غير المأذون فيه وهو كلب الصيد والزرع والماشية فَإِنَّهُ لا يمنع دخول الملائكة، والمراد بالجُنب: الجُنب الذي لم يتوضأ، فإن النبي r كان ينام وهو جُنب، وهذا بعد صحة الحديث، فإن الحديث فيه ابن نُجي، قال في التقريب: مقبول، والمقبول لا يُقبل حديثه إلا بمتابع فإن جاء له من طريق أخرى متابع قُبل وإلا فلا.
وَهَذِهِ اللفظة: «لا جُنب» شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة، بخلاف قوله: «صورة ولا كلب» فإنها ثبتت في الصحيحين، لكن هذه اللفظة: «ولا جُنب» ليست في الصحيح، لكن وُجد شاهد عند أحمد في المسند من رواية،، فيكون الحديث حسنًا لغيره، يحتمل أن يكون الحديث ضعيف لشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة؛ لأن النبي r كان ينام وهو جُنب وأنها لا تمنع دخول الملائكة، ويحتمل أنه إذا لم يتوضأ يعني أن الله تعالى يعلم الوقت الذي يُجنب فيه النبي r فلا يرسل الملائكة إليه في وقت الجنابة، لكن لو صحت تُحمل على ما إذا لم يتوضأ، «بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جُنب» يعني: إذا لم يتوضأ، ماذا قال عليه عندك؟.
الطالب: في درجة الحديث في سنده عبد الله بن نُجي وثقه النسائي وضعفه غيره، وذكره ابن حبان في الثقات، وفيه أبوه نُجي وثقه العُجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
الشيخ: هو وأبوه مقبولان.
الطالب: وهذا الحديث مما انفرد هو به، وقال في الترمذي: مقبول، وإذا أطلق الحافظ مقبولًا فمراده أنه يُقبل حديثه إذا وُجد متابع.
الشيخ: وإذا لم يوجد متابع فلا يُقبل.
الطالب: وإلا فَهُوَ لين الحديث وتبين بهذا ضعف هذا الحديث، وَقَدْ ذكروا له شاهدًا من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ أخرجه في المسند عن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة، أنبأنا عطاء الخُرساني، عن يحي بن يعمر أن عمارًا قال: «قدمت على أهلي ليلًا وَقَدْ تشققت يداي».
الشيخ: أعد من الأول.
الطالب: في درجة الحديث في سنده عبد الله بن نُجي وثقه النسائي وضعفه غيره، وذكره ابن حبان في الثقات، وفيه أبوه نُجي وثقه العُجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وهذا الحديث مما انفرد هو به، وقال في الترمذي: مقبول، وإذا أطلق الحافظ مقبولًا فمراده أنه يُقبل حديثه إذا وُجد متابع، وإلا فَهُوَ لين الحديث وتبين بهذا ضعف هذا الحديث، وَقَدْ ذكروا له شاهدًا من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ أخرجه في المسند عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، أنبأنا عطاء الخُرساني، عن يحي بن يعمر أن عمارًا قال: «قدمت على أهلي ليلًا وَقَدْ تشققت يداي فضمخوني بالزعفران فغدوت على رسول الله r فسلمت عليه فلم يرد عليّ ولم يرحب بي، فَقَالَ: اغسل هذا، قال: فذهبت فغسلته ثُمَّ جئت وَقَدْ بقي عليّ منه شيء فسلمت عليه فلم يرد عليّ ولم يرحب بي، وقال: اغسل هذا عنك، فذهبت فغسلته ثُمَّ جئت فسلمت عليه فرد عليّ ورحب بي وقال: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر، ولا المتمخض بالزعفران، ولا الجُنب، ورخص للجُنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ».
قال: لكن في سنده عطاء الخُرساني صدوق يهم كثيرًا، ويُرسل، ويدلس، وَقَدْ عنعن وقال أبو داود: بين يحي بن يعمر وعمار رجل؛ يعني: أن في إسناده مجهولًا.
الشيخ: يعني الثاني هذا.
الطالب: وذكروا له أيضًا شاهدًا آخر أخرجه أبو داود بسنده عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله r: «ثلاثٌ لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخَلوق، والجُنب؛ إلا أن يتوضأ» ورجال هذا الحديث ثقات لكنه منقطع بين الحسن البصري وعمار فَإِنَّهُ لم يسمع منه كما قال المنذري رَحِمَهُ اللَّهُ.
والحاصل: أن الحديثين ضعيفان فلا يعتضد بهما حديث الباب فَهُوَ ضعيف، وَقَدْ حكم الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللَّهُ على حديث الباب بأن سنده ضعيف.
الشيخ: لماذا لم يعتضد بهما؟ هذا ليس بضعف شديد، الأصل أن يعتضد إذا كان مرسل أو منقطع يُعتضد به، إذا كان فيه ضعف شديد الضعف ما يُعتضد به.
الطالب: والحاصل: أن الحديثين ضعيفان فلا يعتضد بهما حديث الباب فَهُوَ ضعيف، وَقَدْ حكم الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللَّهُ على حديث الباب بأن سنده ضعيف فيه اضطراب وجهالة، والله تعالى أعلم.
الشيخ: على كل حال يعني هو في سنن البخاري في الأحاديث الصحيحة لكن يعني الشاهد يحتمل يكون الحديث حسن، بهما يكون الحديث حسن لغيره، ويحتمل أن يكون الحديث ضعيف لشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة من أن النبي r كان ينام وهو جُنب، ويُحتمل أن يُقَالُ بثبوتها وأنها تمنع دخول الملائكة، ويُحمل على ما إذا لم يتوضأ كما ترجم النسائي (باب إذا لم يتوضأ الجُنب) والله تعالى يعلم الوقت الذي يُجنب فيه النبي r فلا يُرسل الملائكة إليه في وقت الجنابة، على كل حال محتمل أن يكون الحديث حسن، ويُحمل الجنب على ما إذا لم يتوضأ محتمل أن يكون شاذ، والملائكة هم ملائكة الرحمة، والصورة غير الممتهنة، والجُنب الذي لم يتوضأ، أما إذا توضأ فلا بأس، محتمل على هذا إذا كان القول بِأَنَّهُ حسن، أما إذا قيل: إنه شاذ مخالف للأحاديث فلا إشكال فيه.
قارئ المتن: باب في الجُنب إذا أراد أن يعود.
262 - أخبرنا الحسين بن حُريث قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ».
باب إتيان النساء قبل إحداث الغُسل.
263 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم واللفظ لإسحاق قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغُسلٍ واحد».
264 - أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا معمر، عن قتادة، عن أنس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غُسل واحد».
شرح الشيخ: وَلَابُدَّ من الوضوء بعد جِماع كل واحدة؛ لأنه إذا كان يتوضأ إذا أراد أن يعود في الجماع لزوجته فوضوئه بعد جماع كل واحدة من باب أولى، وفيه: جواز جماع زوجاته في وقتٍ واحد يخصصه، وأن هذا ليس من الجور؛ لأنه عدل بينهن، فَهُوَ عدل، في الحديث: ما أعطى الله نبيه من القوة والقدرة على الجماع، تسع نسوة في وقتٍ واحد، كذلك الأنبياء السابقون أُعطوا قوة، فإن سليمان عليه السلام طاف على تسعين امرأة في ليلة واحدة، تسعين امرأة جامعها في ليلة واحدة، قوة أعطاها الله الأنبياء، والنبي r طاف على نسائه في وقتٍ واحد، تسع.
قارئ المتن: باب حجب الجُنب من قراءة القرآن.
265 - أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: أتيت عليا أنا ورجلان فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة».
266 - أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال إلا الجنابة».
شرح الشيخ: فالحديث فيه: منع الجُنب من قراءة القرآن، أما الحائض والنُفساء فاختلف العلماء: هل تُمنعان من قراءة القرآن؟ قال بذلك الجمهور، واستدلوا بأحاديث ضعيفة، قَالُوا: الحائض لا تقرأ وكذلك الجُنب، وقال آخرون من أهل العلم: لا تُمنعان؛ لأن مدتهما تطول، النفاس قد يكون أربعين يوم وَقَدْ تنسى حفظها، مدة طويلة وليس الغُسل بيدهما، قد تنسى القرآن، والحديث في ذلك لا يصح: منع الحائض، بخلاف الجُنب فقد صح الحديث في منعه، ولأن مدة الجُنب قصيرة وغُسله بيده، متى ما فرغ من حاجته اغتسل، (الصيدلاني الرَقي أو الرِقي) ضبطها وينبغي أن يُراجع: الرِقي أو الرَقي، بفتح الراء أو كسرها، ما ضبطها عندك؟ ما تكلم عليه؟ تكلم على قراءة الجُنب؟ الرِقي ولا الرَقي عندك؟.
الطالب: قال أحسن الله إليك: بفتح الراء وتشديد القاف، نسبةٌ إلى الرَقة، مدينةٌ على طرف الفرات قاله في "اللُباب".
الشيخ: تكلم على قراءة القرآن للنفساء والحائض؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: فيه فوائد:
يُستفاد من الحديث جواز قراءة القرآن للمحدث حدثًا أصغر من غير أن يتوضأ، وكذا أكله اللحم ونحوه، وشربه الشراب، وعدم جواز التلاوة للجُنب حتى يغتسل.
وهو موضع الترجمة للمصنف من الحديث: وَلَقَدْ عرفت ضعفه ولئن سلمنا صحته فلا يدل على المنع لما عرفت من كونه حكاية فعلٍ لا تصلح متمسكًا للتحريم، فتنبه والله تعالى أعلم بالصواب.
شرح الشيخ: (وَلَقَدْ عرفت ضعفه) ماذا الضعف اللي فيه؟ تكلم عليه الأثيوبي؟ درجة الحديث؟
الطالب: في درجته: هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الله بن سلمة كان قد تغير، وروى هذا بعدما كبر كما قال شعبة، وصححه الترمذي وابن السكن، وعبد الحق والبغوي في شرح السنة، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي، وقال الدارقطني: قال شعبة: ما أُحدث بحديثٍ أحسن منه، وقال البزار: لا يُروى من حديث علي إلا عن عمرو بن مرة.
الشيخ: عبد الله بن سلمة تغير بآخره فيكون الحديث ضعيف.
الطالب: قال: وروى هذا بعدما كبر كما قال شعبة، وصححه الترمذي وابن السكن، وعبد الحق والبغوي في شرح السنة، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي، وقال الدارقطني: قال شعبة: ما أُحدث بحديثٍ أحسن منه، وقال البزار: لا يُروى من حديث علي إلا عن عمرو بن مرة.
الشيخ: ارجع إلى (وَقَدْ عرفت).
الطالب: وَلَقَدْ عرفت ضعفه ولئن سلمنا صحته فلا يدل على المنع لما عرفت من كونه حكاية فعلٍ لا تصلح متمسَكًا للتحريم، فتنبه والله تعالى أعلم بالصواب.
الشيخ: يعني: يرى أنه ما يُمنع الجنب من قراءة القرآن؛ لأنه قال: «لم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس جنابة».
الطالب: ولئن سلمنا صحته فلا يدل على المنع لما عرفت من كونه حكاية فعلٍ لا تصلح متمسَكًا للتحريم، فتنبه والله تعالى أعلم بالصواب، تريد مذهب العلماء في قراءة الجُنب للقرآن؟
الشيخ: ذكر المذاهب؟
الطالب: قال الحافظ أبو بكر ابن المنذر رَحِمَهُ اللَّهُ: اختلف أهل العلم في قراءة الجُنب والحائض للقرآن فكرهت طائفة أن يقرأ الجُنب شيئًا من القرآن وممن روي عنه أنه كره ذلك عمر وعلي والحسن وإبراهيم والزهري وقتادة، وروي وجابر، وقال أبو عبيدة: الجُنب مثل الحائض، وقال عطاء: الحائض لا تقرأ شيئًا والجُنب، الآية يُنفذها.
وقال أبو العالية وإبراهيم والزُهري وابن زُبير: الحائض لا تقرأ من القرآن، وقال جابر بن زيد: الحائض لا تُتم الآية، واُختلف في قراءة الحائض عن الشافعي فحكى أبو ثور عنها أنه قال: لا بأس أن تقرأ، وحكي الربيع عنه أنه قال: لا يقرأ الجُنب ولا الحائض، ولا يحملان المصحف، قال النووي: مذهبنا أنه يَحرم على الجُنب والحائض القراءة قليلها وكثيرها حتى بَعْض الآية، وكان أحمد يكره أن تقرأ الحائض، وَأَمَّا الجُنب فاختلف النقل عنه، وقال أبو ثور: لا تقرأ الحائض ولا الجُنب القرآن.
ورخصت طائفة للجُنب في القرآن منهم: ابن عباس وكان يقرأ وِرده وهو جُنب، فقيل له في ذلك فَقَالَ: ما في جوفي أكثر من ذلك، ومنهم عكرمة، ومنهم ابن المسيب فقد قيل له: أيقرأ الجُنب؟ قال: نعم، أليس في جوفه؟!، وقال مالك: لا يقرأ الجُنب القرآن إلا أن يتعوذ بالآية والآيتين عند منامه، ولا يدخل المسجد إلا عابر سبيل وكذلك الحائض، وقال الأوزاعي: لا يقرأ الجُنب شيئًا من القرآن إلا آية الركوب إذا ركب، قال: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 13-14]، {وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [المؤمنون: 29].
وفيه قولٌ ثالث: قال محمد بن سلمة: كره للجُنب أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، وَقَدْ أرخص في الشيء الخفيف مثل الآية والآيتين يتعوذ بهما، وَأَمَّا الحائض ومَن سواها فلا يُكره لها أن تقرأ القرآن؛ لأن أمرها يطول فلا تدع القرآن، والجُنب ليس كحالها، قال ابن المنذر رَحِمَهُ اللَّهُ: احتج الذي كرهوا للجُنب قراءة القرآن بحديث علي، ثُمَّ ذكر بسنده حديث الباب.
قال: واحتج مَنْ سهل للجُنب أن يقرأ القرآن بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثُمَّ ساق بسنده حديثها: «كان النبي r يذكر الله على كل أحيانه» وهو حديثٌ صحيح علقه البخاري وأخرجه مسلم، وقال ابن المنذر: فَقَالَ بعضهم: الذكر قد يكون بقراءة القرآن وغيره، فَكُلُّ ما وقع عليه اسم ذكر الله فغير جائز أن يُمنع منه أحد، إذ كان النبي r لا يمتنع من ذكر الله على كل أحيانه، وحديث عليٍ لا يثبت إسناده؛ لأن عبد الله بن سلمة تفرد به، وَقَدْ تكلم فيه عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن سلمة وإنا لنعرف ونُنكر، فإذا كان هو الناقل لخبره فجُرحه باطل الاحتجاج به.
ولو ثبت خبر علي لم يوجب الامتناع من القراءة من أجله؛ لأنه لم ينهى عن القراءة فيكون الجُنب ممنوعًا منه، كلام ابن المنذر في الأوسط انتهى.
الشيخ: أعد.
الطالب: ولو ثبت خبر علي لم يوجب الامتناع من القراءة من أجله؛ لأنه لم ينهى عن القراءة.
الشيخ: ما في نهي، يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة؛ يعني: حكاية حال، هذا لو صح.
الطالب: قال الجامع عفا الله عنك: هذا الذي حققه ابن المنذر رَحِمَهُ اللَّهُ هو الحق، كأنه يرى أن الجُنب يجوز له قراءة القرآن، والحاصل: أنه لم يثبت في منع الجُنب عن القرآن شيءٌ يُعتد به كما أوضحه العلماء ومنهم البيهقي والنووي، فَإِنَّهُ ضعف الأحاديث التي احتج بها المانعون، ومن غريب ما اتفق له في المجموع في هذا الباب أنه بعدما ضعف حديث الباب وحديثًا آخر احتج به المانعون أنه قال: واحتج أصحابنا أيضًا بقصة عبد الله بن رواحة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ المشهور أن امرأته رأته يواقع جاريةً له فذهبت وأخذت سكينًا وجاءت تريد قتله، فأنكر أنه واقع الجارية وقال: أليس قد نهى رسول الله r الجُنب أن يقرأ القرآن؟ قالت: بلى، فأنشدها الأبيات المشهور فتوهمتها قرآنًا فكفت عنه، فأُخبر رسول الله r بذلك فضحك ولم يُنكر عليه، ثُمَّ ذكر بعده وجه الاستدلال منه ثُمَّ قال: ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع.
ثُمَّ أخذ في الجواب عما استدل به المجيزون من حديث عائشة المذكور ومحل العجب من هذا: أنه بعدما اعترف أن حديثهم الذي استندوا إليه ضعيفٌ لا يصح الاستدلال به أخذ يدفع دليل الآخرين الصحيح فهذا أعجب وأغرب، وخلاصة القول: أن الراجح قول مَنْ قال بجواز القراءة للجُنب وهو كما في الفتح مذهب البخاري والطبري وابن المنذر، واحتجوا بعموم حديث عائشة المذكور «كان رسول الله r يذكر الله على كل أحيانه» لكن يُكره له كما قال الشيخ الألباني لحديث: «إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهرٍ» قاله في رد السلام، وَالْقُرْآن أولى من السلام لكنه لا ينافي الجواز.
ومثل الجُنب الحائض لعموم الدليل، ويتأيد أيضًا بالبراءة الأصلية فما لم يصح دليلٌ يخصص هذا العموم وينقله عن هذه البراءة لا يصح العدول إلى غيره، انظر "نيل الأوطار".
وَأَمَّا حديث ابن مر مرفوعًا: «لا يقرأ الجُنب ولا الحائض شيئًا من القرآن» رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، فضعيف؛ لأنه ن رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، وهو حجازي وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وكذا حديث جابر مرفوعًا: «لا يقرأ الحائض ولا النفساء شيئًا» رواه الدارقطني، ففيه محمد بن الفضيل وهو متروكٌ، أو منسوبٌ إلى الوضع، وَقَدْ روي موقوفًا، وفيه: يحي بن أبي أُنيسة كذاب، فلا يصلح شيءٌ من هذه الأحاديث للاحتجاج بها، فبقي الجُنب والحائض والنفساء على أصل الجواز، والله أعلم.
الشيخ: مذهب البخاري يقول ابن المنذر؟
الطالب: نعم، يقول البخاري والطبري وابن المنذر.
الشيخ: الرَقي نسبة إلى بلدة في العراق.
الطالب: على طرف الفرات.
قارئ المتن: باب مماسة الجُنب ومجالسته.
267 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن الشيباني، عن أبي بردة، عن حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له. قال: فرأيته يومًا بكرة فحدت عنه، ثم أتيته حين ارتفع النهار فقال: «إني رأيتك فحدت عني» فقلت: إني كنت جُنبًا فخشيت أن تمسني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسلم لا ينجس».
268 - أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا يحيى قال: حدثنا مسعر قال: حدثني واصل، عن أبي وائل، عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إلي. فقلت: إني جنب. فقال: «إن المسلم لا ينجس».
269 - أخبرنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر وهو ابن المفضل قال: حدثنا حميد، عن بكر، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل عنه فاغتسل، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: «أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله، إنك لقيتني وأنا جُنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس».
شرح الشيخ: وهذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، (ماسحه) يعني: مسه وصاحبه من باب الإناس، فيه: دليل على أنه لا بأس من سلام الجُنب ومماسته هذه لا حرج فيها ولا إشكال.
قارئ المتن: باب استخدام الحائض.
270 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم قال: قال أبو هريرة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: «يا عائشة ناوليني الثوب، فقالت: إني لا أصلي، قال: إنه ليس في يدك» فناولته.
271 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن عَبيدة، عن الأعمش، ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليست حيضتك في يدك».
272 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش بهذا الإسناد مثله.
شرح الشيخ: عَبيدة بفتح العين، والصواب: أنه ليس في الصحيحين ولا في النسائي عُبيدة بضم العين بل فتح العين، أما عُبيدة بالضم سيأتي داود والترمذي وابن ماجة، (الخُمرة) قطعة من الحصير يُصلى عليها تكون على قدر المصلي، على قدر يديه ورأسه، قطعة سجادة صغيرة من الحصير تكون على قدر يديه ووجهه، سُميت خُمرة لِأَنَّهَا تستر الأرض، ومنه الخمر سمي خمرًا؛ لأنه يغطي العقل.
وفيه: دليل على طهارة الجُنب والحائض، وأن عرقه وبدنه طاهر، وأن النجاسة في خصوصية الدم.
قارئ المتن: باب بسط الحائض الخُمرة في المسجد.
273 - أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان، عن منبوذ، عن أمه، أن ميمونة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخُمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض».
باب في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض.
274 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر واللفظ له، أنبأنا سفيان، عن منصور، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض، وهو يتلو القرآن».
شرح الشيخ: هذا الحديث فيه مقبولان، والمقبول لا يُقبل إلا بمتابع، ولكن الحديث حسن بشواهده، فالحديث له شاهد عن البخاري مختصرًا، ولو لم يكن له شاهد ما قُبل إلا في الشواهد، فمنبوذ مقبول، وكذلك أمه مقبولة، تسميته بالمنبوذ جائز، لكن غيره أحسن فالمقبول أحسن من المنبوذ، والحديث فيه: حُسن معاشرة النبي r وملاطفته لأهله r وإناسه أهله، قال r: «خيركم خَيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» وضع الرأس في حجرها والاستناد إليها من باب الإناس.
قارئ المتن: باب غسل الحائض رأس زوجها.
275 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إليّ رأسه وهو معتكف فأغسله، وأنا حائض».
276 - أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، وذكر آخر، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخرج إلي رأسه من المسجد وهو مجاور فأغسله وأنا حائض».
277 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض».
278 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، ح وأنبأنا علي بن شعيب قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مثل ذلك.
شرح الشيخ: وهذا فيه: دليل أنه لا بأس بغسل الحائض رأس زوجها، فلا بأس، «وهو مجاور» يعني: معتكف، فكان النبي r معتكف في المسجد وبيته وحجرته على المسجد، لها باب على المسجد، فكان يعطيها رأسه وتغسله، وهو في المسجد وهي في حجرتها، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخرج إلي رأسه من المسجد وهو مجاور» يعني: معتكف، هو في المسجد وهي في بيتها، بيت الرسول r جرة لها باب على المسجد، والنبي r معتكف في المسجد، فَهُوَ في المسجد ويعطيها رأسه وهي في البيت فتغسله وتُرجله وتسرحه r.
قارئ المتن: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها.
279 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يزيد وهو ابن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، عن شريح، عن عائشة رضي الله عنها سألتها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم ، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيُقسم عليّ فيه فأعترق منه، ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيُقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح».
280 - أخبرنا أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن الأعمش، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري، وأنا حائض».
شرح الشيخ: (العارك) هي الحائض، والطامث كذلك، قولها: «وأنا عارك» يعني: حائض، والعرق هو: عُرنوس اللحم، العظيم اللي فيه بقية لحم، كان يُقسم عليها أن تأخذ عُرنوس اللحم يحلف عليها، فتأخذه وتأكل منه ثُمَّ تضعه، ثُمَّ يأخذه r ويضعه يأكل منه، فيضع فمه حيث وضعت فمها من العظيم، «ويدعو بالشراب فيُقسم علي فيه قبل أن يشرب منه» فتشرب ثُمَّ تضع القدح ثُمَّ يأخذه فيشرب من الموضع الذي وضعت فمها فيه، فهذا من حُسن خُلقه r وحُسن معاشرته لأهله ومؤانستهم، وملاطفتهم، وفيه: تواضع النبي r وبعده عن الكِبر عليه الصلاة والسلام.
(المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه) الحديث أخرجه النسائي في الكبرى وابن ماجة وأبو داود يحتاج إلى نظر في مرجع أبيه، (المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه) تكلم عليه؟ المقدام بن شريح يزيد ابن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه، (عن أبيه) الضمير يعود إلى شُريح أو يعود إلى المقدام؟ الحديث اللي بعده الحديث الثاني قال: (عن الأعمش، عن المقدام بن شريح، عن أبيه) وظاهره أنه المقدام، ما تكلم عليه؟
الطالب: لا.
قارئ المتن: باب الانتفاع بفضل الحائض.
281 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان، عن مسعر، عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي ، فيضعه على فيه».
282 - أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا مسعر وسفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أشرب وأنا حائض وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ، فيشرب وأتعرق العرق وأنا حائض، وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع في».
شرح الشيخ: يعني: جواز مضاجعتها.
قارئ المتن: باب مضاجعة الحائض.
283 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام، ح وأنبأنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له قال: حدثني أبي، عن يحيى قال: حدثنا أبو سلمة، أن زينب بنت أبي سلمة حدثته، أن أم سلمة حدثتها قالت: «بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست؟ قلت نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة».
284 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاسا يحدث، عن عائشة قالت: «كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث أو حائض، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، ولم يعده وصلى فيه، ثم يعود فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك، ولم يعده وصلى فيه».
شرح الشيخ: يعني: لا يزيد عن المكان الذي أصابه الدم، الحديث جائز في مضاجعة الحائض والنوم معها في الثوب الواحد والشعار الواحد، وجواز مس بشرته بشرتها، وصدره صدرها، وأن بدن الحائض وعرقها ولُعابها طاهر، تغسل الثياب وتعجن وتخبز وتطبخ، ويضاجعها زوجها، لنجاسة تخص الدم فقط، ما أصاب من الدم غسله إلا كلها طاهر، لُعابها وفمها وثيابها طاهرة إلا ما أصابها الدم، يأكل معها ويشرب، وتعجن وتغسل، وتعجن وتخبز وتطبخ، ويضاجعها ويُقبلها ويفعل كل شيء إلا النكاح، والدم النجاسة تخص الدم فقط.
قارئ المتن: باب مباشرة الحائض.
285 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تشد إزارها، ثم يباشرها».
286 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر، ثم يباشرها».
287 - أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب، عن يونس والليث، عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، عن بدية - وكان الليث يقول: ندبة مولاة ميمونة - عن ميمونة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين في حديث الليث - محتجزةً به».
شرح الشيخ: في الحديث: جواز مباشرة الحائض ولو بدون إزار لحديث مسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» يعني: الجماع، فالممنوع الجماع في الفرج، لكن إذا اتزرت فَهُوَ أحوط، وأبعد عن الخطر وهو الجواز، وفي هذا الحديث: أن الإزار يبلغ أنصاف الفخذين، لكن الإزار الكامل إلى الركبتين أكمل وأولى.
قارئ المتن: باب تأويل قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].
288 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابث، عن أنس قال: كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولم يشاربوهن ولم يجامعوهن في البيوت، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]، «فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع».
شرح الشيخ: معناه: أن الحائض تؤاكل وتُشارب، ويُجلس معها تعجن وتخبز وتخدم، وتباشر زوجها وينام معها في الفراش ولحاف واحد، ويصنع كل شيء إلا الجماع.
قارئ المتن: باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها.
289 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار».
شرح الشيخ: هذا الحديث أخرجه الخمسة كما قال الحافظ في "البلوغ" وصححه الحاكم وابن القطان، ورجح غيرهما وقفه، ومَن وصل ورفع مقدم على مضن قطع ووقف من المتأخرين، والتخيير بين الدينار ونصفه له نظائر، كالتخيير في كفارة اليمين بين العتق والإطعام والكسوة، والتخيير فيمَن حلق رأسه وهو مُحرم بين الصيام والصدقة والنُسك، فَهُوَ مخير بين الدينار ونصف الدينار، والدينار مثقال من الذهب وهو أربعة أسهم من سبعة من الجنيه السعودي، ونصف الدينار سهمان من ستة أسهم من الجنيه، فإذا كان الجنيه مثلًا سبعمائة فالدينار أربعمائة، ونصف الدينار مائتان، والجنيه السعودي ديناران إلا ربع دينار، والدينار مثقال، والجنيه مثقالين إلا ربع.
ذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ هذا الحديث في "إعلام الموقعين" وأطال عليه، وقال: إنه موافق لما استقرت عليه الشريعة في أن مَنْ فعل محرمًا مؤقتًا فعليه الكفارة، كمَن جامع في نهار رمضان، أو فعل محظورًا من محظورات الإحرام فعليه كفارة، بخلاف مَنْ فعل محرمًا كالزنا هذا ليس عليه كفارة بل عليه التوبة.
بَعْض العلماء قال: ليس على مَنْ وطئ الحائض شيء بل يستغفر الله؛ لأن هذا الحديث مضطرب، لكن هذا ليس بوجيه، إسناد الحديث تكلم عليه عندك؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما هذا حديثٌ صحيح على الراجح، قال: اعلم أنه تكلم العلماء في صحة هذا الحديث فمنهم مَنْ أعله بعدة أشياء، منها: أن جماعةً رووه عن شعبة موقوفًا على ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما وأن شعبة رجح رفعه، وَمِنْهَا: أنه روي مرسلًا، وَمِنْهَا: أنه روي معضلًا، وَمِنْهَا: أن في متنه اضطرابًا؛ لأنه روي «بدينار أو بنصف دينار» بالشك، وروي: «يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار»، وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في أول الدم أو في انقطاعه، وروي «يتصدق بخمسي دينار»، وروي «يتصدق بنصف دينار»، وروي «إن كان دمًا عبيطًا فليتصدق بدينار وإن كان صُفرة فنصف دينار».
ومنهم مَنْ صححه منهم: الحاكم، والذهبي، وابن القطان، وابن دقيق العيد، والحافظ والشوكاني، وصاحب المنهل، وأبو الأشبال أحمد محمد شاكر، والشيخ الألباني، وقال الخلال عن أبي داود عن أحمد: ما أحسن حديث عبد الحميد عن مِقسم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما، فقيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، وقال أبو داود: هي الرواية الصحيحة، ورُبَّمَا لم يرفعه شعبة، وقال أبو الحسن بن القطان: إن الإعلال بالاضطراب خطأ، والصواب: أن يُنظر إلى رواية كل راويٍ بحسبها.
ويُعلم ما خرج عنه فيها، فإن صحيح من طريقٍ قُبل، ولا يضره أن يُروى من طرقٍ أُخر ضعيفة، وأقر ابن دقيق العيد ابن القطان في تصحيحه، وقواه في "الإمام"، كما قال الحافظ وقال الخطابي: وأكثر أهل العلم زعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما، والأصح أنه متصلٌ مرفوع.
قوله: (باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها) أي: بالعلم، (بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها) مفهومه: أنه إذا لم يعلم فليس عليه شيء.
قارئ المتن: باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت.
290 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نُرى إلا الحج، فلما كان بسرف حضت، فدخل عليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما لكِ؟ أنفستِ؟ فقلت: نعم، قال: هذا أمرٌ كتبه الله عز وجل على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر».
شرح الشيخ: الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه: بيان ما تفعله المحرمة إذا حاضت، وأنها تغتسل وتلبي بالحج وتؤدي المناسك ما عدا الطواف بالبيت، قوله: «وضحى عن نسائه بالبقر» هذه لأنهم محرمات متمتعات، وهذا الحديث يُعيده المؤلف، المؤلف يعيد نفس الحديث والترجمة، سيعيدها في روايته وهي حائض.
قارئ المتن: باب ما تفعل النفساء عند الإحرام.
شرح الشيخ: هذا سبق أنها ماذا تفعل، كررها.
قارئ المتن: باب ما تفعل النفساء عند الإحرام.
291 - أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له قال: أخبرنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثني أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي واستثفري، ثم أهلي».
شرح الشيخ: والحديث في مسلم، هذا من رحمة الله أن قدر أن أسماء تلد وعائشة تحيض فيكون في فعلهن ما أمر به النبي r تشريع لِلْأُمَّة.
قارئ المتن: باب دم الحيض يصيب الثوب.
292 - أخبرنا عُبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: حدثني أبو المقدام ثابت الحداد، عن عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: «حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر».
293 - أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر وكانت تكون في حجرها: أن امرأة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال: «حتيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه وصلي فيه».
شرح الشيخ: والقرص والدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء، وهذا يدل على المبالغة في التنظيف والتطهير، والحديث دليل على أن النجاسة في الدم مع قول الله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] حكى بعضهم الإجماع على نجاسة الدم، فيه: دليل على أن دم الحيض، وكذلك ما يخرج من أحد السبيلين لا يُعفى عن يسيره، بخلاف الدم المسفوح من غير السبيلين كدم يسير من جُرحٍ أو من الأنف فَإِنَّهُ يُعفى عن يسيره، قال: «حكيه بضلع» يعني: بعود، « واغسليه بماء وسدر» السدر والصابون مستحب، والماء كافي بدليل اقتصاره على الماء في بَعْض الأحاديث.
قارئ المتن: باب المني يصيب الثوب.
294 - أخبرنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حُديج، عن معاوية بن أبي سفيان: "أنه سأل أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم. إذا لم ير فيه أذى".
شرح الشيخ: أذىً من نجاسة وقذر غير المني، أما المني فطاهر وهو أصل خِلقة الإنسان، ولكن يُستحب غسل رطبه وفرك يابسه كما في الأحاديث الآتية في الأبواب من باب النظافة، المني يُغسل الرُطب ويُفرك اليابس نظافةً، (معاوية بن حُديج) هذا صحابي صغير، وَقَدْ اشتبه على بَعْض الناس برافع بن خَديج، بالخاء المعجمة مُكَبر.
قارئ المتن: باب غسل المني من الثوب.
295 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله، عن عمرو بن ميمون الجزري، عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: «كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه».
شرح الشيخ: وهذا من باب النظافة وإلا فالمني طاهر، يُستحب غسل رطبه وفرك يابسه.
قارئ المتن: باب فرك المني من الثوب.
296 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن الحارث بن نوفل، عن عائشة قالت: «كنت أفرك الجنابة - وقالت مرة أخرى - المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم».
297 - أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز قال: حدثنا شعبة، قال: الحكم أخبرني، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن عائشة قالت: «لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم».
298 - أخبرنا الحسين بن حريث، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة قالت: «كنت أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم».
299 - أخبرنا شعيب بن يوسف، عن يحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة قالت: «كنت أراه في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحكه».
300 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم».
301 - أخبرنا محمد بن كامل المروزي قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحُته عنه».
شرح الشيخ: من باب النظافة.
قارئ المتن: باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام.
302 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن: «أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، دعا بماء فنضحه ولم يغسله».
303 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه».
شرح الشيخ: قوله: (لم يأكل الطعام) يعني: يكتفي باللبن سواءٌ كان من أمه أو من الحليب المعلب، أما إذا أُكل طعامًا وهو لا يكتفي به فلا تأثير للبن بل لابد من غسل ما أصابه البول، ولا يكفي النضح، لو كان يأكل الطعام ولو لم يكتفي به، لكن إذا كان يكتفي باللبن فقط ولا يأكل الطعام سواءٌ من لبن امه أو من غيره فيكفي النضح، وإذا أكل الطعام واللبن فَإِنَّهُ لابد من الغسل.
قارئ المتن: باب بول الجارية.
304 - أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا يحيى بن الوليد قال: حدثني مُحل بن خليفة، قال: حدثني أبو السمح قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «يُغسل من بول الجارية ويُرش من بول الغلام».
شرح الشيخ: (مُحل بن خليفة) هذا في التقريب ثقة من الرابعة، قال حديث بول الجارية هذا صحيح؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: هذا الحديث صحيح أخرجه المصنف هنا وفي الكبرى، وأخرجه أبو داود وابن ماجة، والبزار وابن خزيمة والحاكم، والدارقطني، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
الشيخ: فيه (مُحل بن خليفة) ثقة، ما فيه إشكال.
قارئ المتن: باب بول ما يؤكل لحمه.
305 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا يزيد بن زُريع قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم: أن أناسًا أو رجالًا من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلموا بالإسلام فقالوا: يا رسول الله، إنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، «فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا - وكانوا بناحية الحرة - كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث لطلب في آثارهم، فأتي بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا».
شرح الشيخ: الحديث يدل على طهارة بول ما يؤكل لحمه كما هو أصح قولي العلماء، الشافعية يقولون: بول ما يؤكل لحمه نجس، والصواب: أنه طاهر، ولأن النبي r ما أمرهم بغسلها، قال: «وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها» فدل على طهارة البول هذا هو الصواب، بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر في الإبل والبقر والغنم والصيد، أما ما لا يؤكل لحمه كالحُمر والخيل والهرة كلها نجس، هذا هو الصواب، وهؤلاء العُرنيين لما صحوا خرجوا إلى البادية؛ لأنهم قَالُوا: «نحن أهل برى» يعني: نحن أهل البادية، لما دخلوا المدينة مُرضوا، فأمرهم النبي r أن يخرجوا إلى البر ويشربوا من إبل الصدقة، ثُمَّ لما صحوا كفروا بعد إسلامهم، وسرقوا الإبل، وقتلوا راعي النبي r، جمعوا شرًا كثيرًا: كفروا، وقتلوا، وسرقوا، وقطعوا الطريق، فبعث النبي r في آثارهم فأُتي بهم في منتصف النهار، فأمر بهم «فسمروا أعينهم» كما فعلوا بالرعي، «وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا» نسأل الله السلامة والعافية؛ لكفرهم وضلالهم وردتهم عن الإسلام.
قارئ المتن:
306 - أخبرنا محمد بن وهب، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن طلحة بن مصرف، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: «قدم أعراب من عرينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم، فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا، فقتلوا راعيها واستاقوا الإبل، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم» قال أمير المؤمنين عبد الملك لأنس وهو يحدثه هذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ قال: بكفر. قال أبو عبد الرحمن: "لا نعلم أحدًا قال عن يحيى، عن أنس في هذا الحديث غير طلحة، والصواب عندي - والله تعالى أعلم - يحيى، عن سعيد بن المسيب مرسل".
شرح الشيخ: يعني: الصواب أنه مرسل يحي عن سعيد، ولا يلزم منه عدم سماع يحي من أنس، فإني يحي تابعيٌ صغير، وأنس طالت حياته إلى زمن الحجاج فيمكن سماعه منه، تكلم على هذا الحديث؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: هذا الحديث بهذا السند من أفراد المصنف عن أصحاب الأصول أخرجه هنا، والكبرى بالسند المذكور وهو عندي صحيح وإن رجح المصنف إرساله لما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
الشيخ: أنس طالت حياته.
الطالب: الثاني أحسن الله إليك قال: رواية المسيب التي أشار إليها المصنف هنا أخرجه هو في المحاربين من المجتبى عن أحمد بن عمرو بن سرح عن ابن وهبٍ عن يحي بن أيوب، ومعاوية بن صالح كلاهما عن يحي بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: «قدم ناسٌ من العرب على رسول الله r فأسلموا ثُمَّ مرضوا، فبعث بهم رسول الله r إلى لقاح ليشربوا من ألبانها فكانوا فيها، ثُمَّ عمدوا إلى الراعي غلام رسول الله r فقتلوه واستاقوا اللقاح فزعموا أن رسول الله r».
الشيخ: سيأتي هذا.
قارئ المتن: باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب.
307 - أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا خالد يعني ابن مخلد قال: حدثنا علي وهو ابن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: حدثنا عبد الله في بيت المال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس وقد نحروا جزورًا فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه، ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجدا فيضعه؟ - يعني على ظهره - قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به، ثم أمهله، فلما خر ساجدًا وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: «اللهم عليك بقريش - ثلاث مرات - اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط» حتى عد سبعة من قريش قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليبٍ واحد.
شرح الشيخ: والحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم، وفيه ترجمة قال: (باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب) فرث ما يؤكل لحمه طاهر، لكن فرث الميتة بعد موتها نجس، وذبيحة المشركين ميتة؛ يعني: المشركون الآن أتوا وَهَذِهِ ميتة ما يؤكل لحمه، فرث ما يؤكل لحمه طاهر، لكن هذه القصة ماذا؟ كان النبي r يصلي، فقالت قريش: مَنْ يأتي بسلا الجزور الناقة التي ذُبحت ويضعه على كتف محمد إذا سجد، فانبعث أحد القوم وجاء به ووضعه، (فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية) كانت صغيرة، (فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته) دعا عليهم، قال: «اللهم عليك بقريش - ثلاث مرات - اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط» حتى عد سبعة من قريش قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليبٍ واحد.
فالترجمة: (فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب) المؤلف ذكر الحديث، هذه ميتة فرث الميتة بعد موتها نجس، ذبيحة المشركين ميتة، واستمرار النبي r في صلاته؛ لأنه يحتمل أنه لم تستقر الأحوال في مكة وَإِنَّمَا استقرت في المدينة ونزل تحريم الميتة، هذا في أول الإسلام في مكة قبل أن تُشرع الأحكام، فالأحكام لم تستقر في مكة ما نزلت الأحكام وإنما نزلت في المدينة، ولذلك استمر عليه الصلاة والسلام، ولذلك ترجمة المؤلف: (فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب) ليس بجيد، القصة والحديث ما يناسب؛ لأن هذه الميتة ذبيحة مشرك.
سؤال: عموم الترجمة؟
الشيخ: لكن قصد المؤلف العموم، يؤخذ من عموم ما يؤكل؛ يعني: يُفهم، إذا كانت هذه ميتة، فمعناه أنه إذا كانت ليست ميتة ففرثها طاهر، هذا مقصود المؤلف؛ يعني: ليس مقصوده المباشرة وإنما يؤخذ الفقه من المؤلف من بعيد، يشير إليها من بعيد؛ يعني: هذه الحادثة فرثها نجس، لكن إذا كانت يؤكل لحمه فَهُوَ طاهر، هذا مقصود المؤلف.
قارئ المتن: باب البزاق يصيب الثوب.
308 - أخبرنا علي بن حُجر قال: حدثنا إسماعيل، عن حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «أخذ طرف ردائه فبصق فيه فرد بعضه على بعض».
309 - أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد قال: حدثنا شعبة قال: سمعت القاسم بن مهران يحدث، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه» وإلا فبزق النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في ثوبه ودلكه.
شرح الشيخ: والحديث في الصحيحين، فيه: دليل على طهارة البزاق، قوله: «تحت قدمه» إذا كان في غير المسجد، يصلي في البرية تحت قدمه أو عن يساره، أما إذا كان في مسجد فيبصق في منديل أو في ثوبه.
قارئ المتن: باب بدء التيمم.
310 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو ذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي فما معنى من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، «فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التيمم» فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
شرح الشيخ: وهذا الحديث في الصحيح، وفيه فوائد عظيمة، منها: الإقامة لالتماس ما ضاع من ماله بثمن، وأن الإمام يهتم بشئون رعيته ويتفقد لحاجاتهم، وفيه: أن المؤمنين إخوة يتعاونون في قضاء حوائج بعضهم، ويُعين بعضهم بعضًا، كما في صحيح مسلم: «مَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، وفي الصحيحين: «كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» فإذا أعان إنسان على إصلاح سيارته إذا وقفت، أو دابته، أو متاعه؛ كان له هذا الأجر.
وفيه: جواز معاتبة الرجل بنته وإن كانت كبيرة، أو ابنه، فأبو بكر يعاتب ابنته ويطعنها في خاصرتها؛ لِأَنَّهَا حبست الناس، وهي تقول: ما تحركت؛ لأن رأس الرسول على فخذها، وهذا كان فيه خير للناس؛ حبس الناس، كما قال أُسيد، وفيه: دليل على أن بَعْض الناس مبارك وأن آل أبو بكر مباركون، أبو بكر مبارك في أول الإسلام وبعده، وفيه وهذا من أهم الفوائد: أن النبي r لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله حيث لم يعلم بالعقد، بحث وبحث الناس ووجدوا العقد تحت الجمل، وكذلك الصحابة لو كان أحدٌ من الأولياء يعلم الغيب لعلمه الرسول r أفضل الناس، ولعلمه الصحابة أفضل الناس، وهذا من أهم الفوائد، في طائفة في الهند يسمون البريوية يرون أن الرسول يعلم الغيب، فهم كفرة والعياذ بالله، لو كان يعلم الغيب ما أرسل ناس ليبحثوا عن العقد، العقد تحت الجمل، وهو أرسل ناس يبحثون وذهبوا يبحثون حتى إنهم أدركتهم الصلاة فصلوا على غير ماء.
فيه من الفوائد: جواز الإقامة على غير ماء، وفيه: أن مَنْ فقد الماء والتراب صلى ولا إعادة عليه؛ لأن الصحابة الذين التمسوا عقد عائشة صلوا بغير ماء ولا تراب قبل أن يُشرع التيمم ولم يؤمروا بالإعادة، وَهَذِهِ من أهم الفوائد: الرسول r لا يعلم الغيب، وأن من حُبس في مكان ليس فيه ماء ولا تراب فَإِنَّهُ يصلي على حسب حاله، لقوله r: «اتقوا الله ما استطعتم» ولا يُعيد على الصحيح، قال بَعْض العلماء: يُعيد، والصواب: أنه لا يُعيد؛ لأن النبي r ما أمرهم بالإعادة.
وفيه: جواز قوله: هذا من بركتك، أُسيد بن حُضير قال: (ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر) فيه: أن بَعْض الناس فيهم بركة، مباركون، تقول: هذه من بركتك يا فلان؛ يعني: جعلها الله فيك، إذا كان شخص مبارك فيه خير ينفع الناس بماله أو ببدنه، أو بشفاعته، أو بتوجيهه وإرشاده، أو بماله أو بجسمه ينفع الناس يسمى: هذه من بركته، هذا شخص مبارك، قال الله تعالى عن عيسى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31].
قارئ المتن: باب التيمم في الحضر.
311 - أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر الجمل، ولقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام".
شرح الشيخ: هذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، (بئر جمل) موضع بوادي عقيل، وأن النبي r "لقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار" ولعل الماء كان بعيداً ولو كان في الحضر للنصوص التي فيها اشتراط فقد الماء للتيمم محكمة، قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فلابد أن يُحمل هذا الحديث على ما توافقه النصوص، وإلا لا يلزم من ذلك القول بالتيمم عند خوف فوات الجمعة أو فوات الجنازة كما قال بعضهم ونُسب لشيخ الإسلام، الأصل: عدم التيمم إلا إذا فُقد الماء، ولو فاتته الجمعة والجنازة، ففيه: مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، هذا يُحمل على هذا، يُحمل على مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء إذا كانت البئر قريبة.
ويفوت هذا المندوب بالوضوء، لكن ترك التيمم لا بأس به، كما في حديث عائشة: «كان النبي r يذكر الله على جميع أحواله» فهذا يُحمل على التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، أما إذا كان الماء موجود فلا، ليس له أن يتيمم ويصلي والماء قريب، لكن إذا كان مندوب فلا بأس، النبي r ما رد عليه حتى أقبل على الجدار ومسح؛ لأن الجدار من طين، "فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام" وقال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة، فهذا في التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء إذا كانت البئر قريبة، ويفوت هذا المندوب بالوضوء، ولو رد عليه السلام فلا حرج، لكن هذا من باب الأفضل، من باب الندب.
قارئ المتن: التيمم في الحضر.
312 - أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن رجلًا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء. قال عمر: لا تصل. فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين، أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: «إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه -وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين-» فقال عمر: نوليك ما توليت.
313 - أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن خفاف، عن عمار بن ياسر قال: أجنبت وأنا في الإبل فلم أجد ماء، فتمعكت في التراب تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: «إنما كان يجزيك من ذلك التيمم».
شرح الشيخ: الحديث أخرجه البخاري، نقف على هذا، في هذا الحديث: أن عمر نسي هذه القصة، كيف نسي عمر هذه الحادثة مع شهرتها ووقوعها له؟ وكذلك حصل لابن مسعود مع أبي موسى الأشعري؛ يعني: عمار وعمر كانا في سرية فأصابتهم جنابة، فأما عمر قال: ما أصلي، وَأَمَّا عمار تمعك كما تتمعك البعير، فلما حصل قال: أتذكر يا أمير المؤمنين القصة هذه، أما أنت فلم تصلي وَأَمَّا أنا تمعكت التراب فصليت، قوله: «ثم نفخ فيهما» النفخ للتخفيف؛ لأن المقصود الامتثال، ومع ذلك نسي.
قوله: «لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين» جاء في الأحاديث الصحيحة أنه إلى الكفين وهي اليد عند الإطلاق، وكذلك السرقة بقطع اليد، ونفخ التراب للتخفيف؛ لأن المقصود الامتثال، فيه: استحباب نفخ التراب إذا كان كثيرًا، فهذه الحادثة نسيها عمر، كيف نسيها؟ حتى يذكره عمار قال: أنسيت؟ قال عمر: (نوليك ما توليت) ما دام تذكر أنت المسئول، كَأَنَّهُ قال: أنت المسئول عنها، (نوليك ما توليت)، وفيه: أن عمر نسي هذه الحادثة.
وكذلك حصل لابن مسعود مع أبي موسى نفس الشيء، نسي ابن مسعود، وفيه: أن العالم الكبير قد يخفى عليه شيءٌ من العلم، وَقَدْ ينسى أمرًا واضحًا، والحق هو ما دلت عليه أحاديث عمار، والآية واضحة فيها: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] عمر أشكل عليه، وكذلك ابن مسعود: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، يقول عمر: إذا لم يجد يجلس ولا يتيمم ولا يصلي، وكذلك ابن مسعود، فيه: دليل على أن العالم الكبير قد يخفى عليه شيءٌ من العلم وَقَدْ ينسى أمرًا واضحًا.
وفي الحديث: أن مَنْ لم يجد الماء فَإِنَّهُ يتيمم بالتراب ويصلي ولا يؤجل الصلاة، وكان مَنْ قبلنا يؤجلون الصلاة إذا لم يجدوا الماء، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، ففي هذا الحديث: أم مَنْ لم يجد الماء فَإِنَّهُ يتيمم لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فهذه القصة أن عمار لم يجدوا ماءً، قال: فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: «إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، وقال: إنما كان يجزئك من ذلك التيمم» فالحديث صحيح ودليل على أن التيمم بالتراب يكون عند فقد الماء، وَأَمَّا كون عمر نسي فهذا من آيات الله والآية واضحة ولا إشكال فيها: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43].
نقف على هذا، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.