شعار الموقع

قراءة من سنن النسائي - كتاب المواقيت + كتاب الأذان + كتاب المساجد

00:00
00:00
تحميل
13

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وَالصَّلَاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قارئ المتن: قال الإمام النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ:

آخر وقت العشاء.

535 - أخبرني عمرو بن عثمان قال: حدثنا ابن حِمير قال: حدثنا ابن أبي عبلة، عن الزهري، وأخبرني عمرو بن عثمان قال: حدثني أبي، عن شعيب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: «أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة، فناداه عمر رضي الله عنه نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما ينتظرها غيركم، ولم يكن يُصَلي يومئذ إلا بالمدينة، ثم قال: صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل» واللفظ لابن حِمير.

536 - أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج، وأخبرني يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال أخبرني المغيرة بن حكيم، عن أم كلثوم ابنة أبي بكر أنها أخبرته، عن عائشة أم المؤمنين قالت: «أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي».

537 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر قال: «مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دينٍ غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام ثم صلى».
538 - أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم لم يخرج إلينا حتى ذهب شطر الليل، فخرج فصلى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا، وأنتم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف وسُقم السقيم لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل».

539 - أخبرنا علي بن حُجر قال: حدثنا إسماعيل، وأنبأنا محمد بن المثنى قال: حدثنا خالد قالا: حدثنا حميد قال: «سُئل أنس هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا؟ قال: نعم. أخر ليلة صلاة العشاء الآخرة إلى قريب من شطر الليل، فلما أن صلى أقبل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بوجهه، ثم قال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها» قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه في حديث علي إلى شطر الليل.

شرح الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وَالصَّلَاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أما بعد: هذه الأحاديث فيها آخر وقت العشاء، وأن آخر وقت العشاء هو نصف الليل، وقوله: والنبي r أخرها وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» يعني: لوقتها المختار والفاضل، وقوله: «آخرها إلى شطر الليل» يعني: إلى قريب من شطر الليل وهو نصف الليل، وفي الحديث الآخر في الصحيح: «ووقت العشاء إلى نصف الليل».

وَأَمَّا قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وقال: «ما ينتظرها غيركم، ولم يكن يُصَلي يومئذ إلا بالمدينة» هذا اجتهاد من عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وهو قولها: «ولم يكن يُصَلي يومئذ إلا بالمدينة» لأن في مكة مسلمين فهم يصلون العشاء، وكذلك مَن أسلم من غير أهل المدينة في البوادي، والظاهر والله أعلم أن النبي r قال هذا بوحيٌ من الله، وأن حتى صلى أهل مكة، وحتى غيرهم مَنْ أسلم ولم يبقى ينتظر هذه الصلاة إلا أهل المدينة وإلا الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَم، قال ذلك بوحيٌ من الله؛ لأن الإسلام انتشر في المسلمين، وفي البوادي، وفي مكة، وهم يصلون، فكونه ما ينتظرها إلا الصحابة هذا قاله النبي بوحيٌ من الله، وَأَمَّا قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «ولم يكن يُصَلي يومئذ إلا بالمدينة» اجتهادٌ منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

وقوله: «آخرها إلى شطر الليل» يعني: إلى نصف الليل، فآخر وقت العشاء هو نصف الليل، ووقتها المختار هو ثلث الليل، ولهذا يقول الحنابلة وغيرهم: ووقت العشاء وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهُل، فإذا يعني اتفقوا على تأخيرها فلا بأس، إذا كان ناس في مزرعة أو في استراحة أو في سفر واتفقوا على تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل، أما في المدن والقرى فلا تؤخر؛ لأن فيه مشقة على الناس، تُصلى في وقتها لكن لو كانوا جماعة محدودين في مكان في البرية، في السفر أو في المزرعة، أو استراحة واتفقوا على تأخيرها إلى ثلث الليل فهذا هو الأفضل.

قارئ المتن: الرخصة في أن يقال للعشاء العتمة.

540 - أخبرنا عتبة بن عبد الله قال: قرأت على مالك بن أنس والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا».

الكراهية في ذلك.

541 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو داود هو الحَفري، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه؛ فإنهم يعتمون على الإبل وإنها العشاء».

542 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء».

شرح الشيخ: وَهَذِهِ الأحاديث، الحديث الأول فيه: أن النبي r سماها العتمة، والأحاديث الأخرى فيها النهي، فالنهي محمول على كثرة الاستعمال، النهي محمول على كثرة استعمال العتمة لما فيه من غلبة الأعراب عليه، بل يمكن استعمال اسم العشاء موافقةً للقرآن، وهذا هو الجمع بين الأحاديث، والحديث السابق: «ولو يعلم ما في العتمة والصبح» فالنهي محمول عن الإكثار من اسم العتمة لا على استعماله أصلًا، فاندفع ما يُتوهم من التنافي بين الأحاديث في البابين.

فالأحاديث التي فيها تسميتها بالعتمة هذا في بَعْض الأحيان، والأحاديث التي فيها النهي هذا على الغلبة يعني فيكون يغلب عليه يسميها العتمة، يسميها في بعضها لكن الأكثر يسميها العشاء كما سماها القرآن، وإن سماها عتمة في بَعْض الأحيان فلا بأس، ولهذا قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه؛ فإنهم يعتمون على الإبل وإنها العشاء» فتسمى العتمة ولكن تسميتها العشاء هو الأكثر والأغلب، أما تسميتها العتمة فهذا يكن قليل، استعمالها قليل ويكون استعماله للعشاء أكثر، هذا هو الجمع بين الأحاديث، ولهذا قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم» الغلبة، المراد: الغلبة، كثرة تسميتها بالعتمة هذا مكروه، أما استعمالها أحيانًا فلا بأس به.

قارئ المتن:

أول وقت الصبح.

543 - أخبرنا إبراهيم بن هارون قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، أن جابر بن عبد الله قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح حين تبين له الصبح».

544 - أخبرنا علي بن حُجر قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا حميد، عن أنس: «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الغداة، فلما أصبحنا من الغد أمر حين انشق الفجر أن تقام الصلاة فصلى بنا، فلما كان من الغد أسفر، ثم أمر فأقيمت الصلاة فصلى بنا، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ ما بين هذين وقت».

شرح الشيخ: قوله: «ثُمَّ أسفر» يعني: إسفار لكنه قبل طلوع الشمس، «ما بين هذين» يعني: ما بين انشقاق الفجر وتبين الصبح، وبين الإسفار الذي قبل طلوع الشمس هو وقت الصبح، «ما بين هذين» ما بين انشقاق الفجر وتبين الصبح، وبين الإسفار الذي قبل طلوع الشمس هذا وقت صلاة الصبح.

قارئ المتن: التغليس في الحضر.

545 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس».

546 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: «كن النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح متلفعات بمروطهن، فيرجعن فما يعرفهن أحد من الغلس».

شرح الشيخ: والغلس: اختلاط ضوء الصبح بظلمة الليل، والمعنى: أن النبي r كان يبكر بصلاة الفجر، أول انشقاق الفجر، يصليها بغلس، ولكنه يطيل القراءة r، فإذا انصرف حصل الإسفار، والنساء يصلين مع النبي r ويخرجن «ما يعرفهن أحدٌ من الغلس» من الظلمة، ظلمة الليل المختلطة بضوء الصبح.

قارئ المتن: التغليس في السفر.

547 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر صلاة الصبح بغلس وهو قريب منهم، فأغار عليهم، وقال: الله أكبر خَرِبت خيبر مرتين، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».

شرح الشيخ: ومعنى: (خَرِبت) يعني: خربت على أهلها وهم اليهود.

قارئ المتن: الإسفار.

548 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن ابن عجلان قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسفروا بالفجر».

549 - أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من قومه من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم بالأجر».

شرح الشيخ: أحاديث الإسفار صحيحة، والمراد بالإسفار على الصحيح: أن ينتظر بالصلاة حتى يتبين وينكشف ضوء الصبح ويتيقن طلوع الفجر، قال بعضهم: يُخص هذا بالليالي المقمرة، أو على تطويل الصلاة.

قارئ المتن: باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح.

550 - أخبرنا إبراهيم بن محمد ومحمد بن المثنى واللفظ له قالا: حدثنا يحيى، عن عبد الله بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها».

551 - أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: أنبأنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها».

شرح الشيخ: المراد بالسجدة: الركعة، والمراد بالإدراك: إدراكها في الوقت، والمراد بالشخص المدرك: غير المعذور، أما المعذور وهو النائم والناسي فإن وقتها في حقه حين يذكرها وحين ينتبه، لحديث: «مَنْ نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» فالوقت يُدرك بالركعة، والجماعة تُدرك بالركعة، والجمعة تُدرك بالركعة، مَنْ أدرك من الجمعة ركعة يضيف إليها أخرى فتكون له جمعة، فإذا أدرك أقل من ركعة فَإِنَّهُ إذا سلم الإمام يأتي بأربع ركعات إذا كان الوقت قد دخل، يصليها ظهر، وكذلك إذا أدرك ركعة من الجماعة فقد أدرك الجماعة، وإذا أدرك ركعةً من الفجر وقبل طلوع الشمس فقد أدركها، ركعةً من العصر قبل غروب الشمس فقد أدركها في الوقت.

قارئ المتن:

آخر وقت الصبح.

552 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا خالد، عن شعبة، عن أبي صدقة، عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غربت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشفق ،ثم قال على إثره: ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر».

شرح الشيخ: يعني: اتساع البصر وهو الإسفار الذي قبل طلوع الشمس.

قارئ المتن:

من أدرك ركعة من الصلاة.

553 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة».

554 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها».

555 - أخبرني يزيد بن محمد بن عبد الصمد قال: حدثنا هشام العطار قال: حدثنا إسماعيل وهو ابن سماعة، عن موسى بن أعين، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة».

556 - أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها».

557 - أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم قال: حدثنا بقية، عن يونس قال: حدثني الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته».

558 - أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال: حدثنا أيوب بن سليمان قال: حدثنا أبو بكر، عن سليمان بن بلال، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته».

شرح الشيخ: وَهَذِهِ الأحاديث فيها: دليل على أن إدراك الصلاة يكون بإدراك الركعة، لكن إذا تأخر لعذر ثُمَّ جاء إلى المسجد وأدرك أقل من ركعة فَإِنَّهُ على خير وإن لم يُدرك الصلاة، ولا فضيلة الجماعة، إذا كان معذور فهذا يُكتب له أجره، وكذلك إذا أدرك ركعةً من الجمعة فَإِنَّهُ يُدركها وإن أدرك أقل من ركعة يصليها ظهرًا إذا سلم الإمام، يصلي أربع، يقضي أربع ركعات إذا كان الوقت دخل، فإن كان الوقت لم يدخل يصلي ركعتين تحية المسجد ثُمَّ إذا انتهى من تحية المسجد صلى الظهر أربعًا، وهذا إذا كان الإمام يبكر مثلًا بصلاة الجمعة قبل دخول الوقت.

وهذا يجوز عند الحنابلة وجماعة أن تُبكر صلاة الجمعة؛ لأن وقتها مثل وقت صلاة الضحى، ولكن الأحاديث الكثيرة كلها تدل على أنه ينبغي أن تكون صلاة الجمعة بعد دخول الوقت، أذان الجمعة مثل أذان الظهر، وهذا ما كان يفعله النبي r وأبو بكر وعمر وهذا هو الأحوط، لكن لو كان الإمام بَكر قبل دخول الوقت وانتهى من الصلاة قبل أن يدخل الوقت وجاء إنسان وأدرك أقل من ركعة فَإِنَّهُ يصلي ركعتين تحية المسجد، ثُمَّ ينتظر فإذا دخل الوقت صلى الظهر أربعًا.

قارئ المتن: الساعات التي نُهي عن الصلاة فيها.

559 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصُنابحي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان».

شرح الشيخ: عبد الله الصُنابحي؟ عبد الله ولا عبد الرحمن الصُنابحي، شوف التقريب؟ المعروف أنه عبد الرحمن هنا قال: عبد الله الصُنابحي.

قارئ المتن: أن رسول الله r قال: «الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها» ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات.

560 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله، عن موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب».

شرح الشيخ: والمراد ب(قرن الشيطان) جانبه، موسى بن علي يُقَالُ له: موسى بن عُلي عند أهل العراق لئلا يشتبه بموسى بن علي، وَهَذِهِ الساعات الثلاث وفيها وقت النهي المغلظ، لا يُصلى فيها ولا يُدفن فيها الموتى: «حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة» يعني: قُبيل الظهر؛ يعني: عشر دقائق بعد طلوع الشمس حتى ترتفع أو ربع ساعة، وكذلك إذا وقفت الشمس قُبيل الظهر عشر دقائق أو ربع ساعة هذا وقت تُسجر فيه جهنم، وكذلك «حين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» قبل الغروب بعشر دقائق أو ربع ساعة، هذه الأوقات الضيقة لا يُصلى فيها ولا يُدفن فيها الموتى، أما بعد العصر إلى قرب الغروب وبعد الفجر إلى طلوع الشمس هذا وقتٌ موسع تُفعل فيه ذوات الأسباب في أصح قولي العلماء.

سؤال: وقضاء الفرائض؟

الشيخ: قضاء الفرائض في كل وقت، لكن قد يُقَالُ: وقتٌ قليل هذا لو يُنتظر حتى الفريضة.

الطالب: عبد الرحمن بن عُسيلة بمهملتين مصغر المرادي أبو عبد الله الصُنابحي ثقة من كبار التابعين قدم المدينة بعد موت النبي r بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك، خرج له الجماعة.

الشيخ: إذًا يُقَالُ: عبد الرحمن أو نقول: عن أبي عبد الله الصُنابحي.

الطالب: ذكره أيضًا في "التقريب" عبد الله الصُنابحي، قال: مختلفٌ في وجوده فقيل: صحابيٌ مدني، وقيل: هو أبو عبد الله الصُنابحي عبد الرحمن بن عُسيلة الآتي.

الشيخ: منهم مَنْ قال: عن أبي عبد الله، ومنهم مَنْ قال: عبد الرحمن.

قارئ المتن: النهي عن الصلاة بعد الصبح.

561 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حِبان.

شرح الشيخ: حَبان، بفتح الحاء المهملة، هذا اسم، يعني: إذا جاء حِبان بكسر الحاء ما عدا اثنان وهما: محمد بن يحي بن حَبان الذي في هذا الحديث، وحفيده: حَبان بن واسع، حَبان بن منقل بن عمرو، هذا بفتح الحاء، والباقي بالكسر؛ يعنيك حَبان اثنان: محمد بن يحيح بن حَبان الذي في هذا الحديث، وحفيده: حَبان بن واسع بن حَبان بن منقل بن عمرو الأنصاري ثُمَّ المازني المدني، وما عدا ذلك فَهُوَ حِبان بكسر الحاء، حَبان بن منقل بن عمرو الأنصاري المدني ثقةٌ فقيه من الراوية، حَبان بن منقل هذا أصابه سفعٌ في رأسه فكان يُخدع في البيوع، ضربة في رأسه فكان يُخدع في البيوع، قال له النبي: لا تبيع، قال: يا رسول الله ما أصبر عن البيع، ولكنه يُخدع؛ لأنه أصابه ضربةٌ في رأسه فصار ما يضبط، ويُخدع، فَقَالَ له النبي r: «إذا بايعت فقل: لا خِلابة» يعني: لا تخدعوني، فكان يقول: لا خِلابة، لا خِلابة.

قارئ المتن:

561 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حِبان عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس».

562 - أخبرنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أنبأنا منصور، عن قتادة قال: حدثنا أبو العالية، عن ابن عباس قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وكان من أحبهم إليّ، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس».

باب النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس.

563 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها».

564 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود، أنبأنا خالد، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يصلى مع طلوع الشمس أو غروبها».

النهي عن الصلاة نصف النهار.

565 - أخبرنا حُميد بن مسعدة قال: حدثنا سفيان وهو ابن حبيب، عن موسى بن علي، عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف للغروب حتى تغرب».

شرح الشيخ: وهذا رواه مسلم في الصحيح.

قارئ المتن: النهي عن الصلاة بعد العصر.

566 - أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا ابن عيينة، عن ضمرة بن سعيد، سمع أبا سعيد الخدري يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى الطلوع، وعن الصلاة بعد العصر حتى الغروب».

567 - أخبرنا عبد الحميد بن محمد قال: حدثنا مخلد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس».

568 - أخبرني محمود بن غيلان، حدثنا الوليد قال: أخبرني عبد الرحمن بن نمر، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.

569 - أخبرنا أحمد بن حرب قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الصلاة بعد العصر».

570 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا الفضل بن عنبسة قال: حدثنا وهيب، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «أوهم عمر رضي الله عنه، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان».

 

 

شرح الشيخ: عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تقول: «أوهم عمر» يعني: غلط، والصواب: أن الوهم من عائشة لا من عمر، فإن النبي r نهى عن هذا وعن هذا؛ يعني: عائشة تقول: عمر وهم، الرسول ما نهى عن الصلاة بعد العصر، إنما نهى عن التحري بطلوعها، يتحرى بطلوع الشمس، والصواب: أن النبي r نهى عن هذا وهذا، قال: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس»، وقال: «ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس»، وقال: «لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها» فعائشة وهمت عمر، والصواب: أن الوهم من عائشة لا من عمر، فإن رسول الله r نهى عن هذا وعن هذا، نهى عن الصلاة بعد العصر، ونهى عن تحري الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها.

فوهمت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وظنت أن النهي إنما هو عن التحري للصلاة في هذه الأوقات لا عن فعلها، للتحري، فخفي عليها مع كثرة الأحاديث في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، والتحري هو: قصد إيقاع الصلاة في هذه الأوقات.

قارئ المتن:

571 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: أخبرني ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تشرق، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب».

572 - أخبرنا عمرو بن منصور قال: أنبأنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثنا معاوية بن صالح قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر، وضُمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت عمرو بن عَبسة يقول: «قلت: يا رسول الله، هل من ساعة أقرب من الأخرى أو هل من ساعة يُبتغى ذكرها؟ قال: نعم، إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار؛ فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر فدع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس؛ فإنها تغيب بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار».

شرح الشيخ: وهذا فيه: أن الأوقات الثلاثة هذه لا يُصلى فيها.

قارئ المتن: الرخصة في الصلاة بعد العصر.

573 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعة».

شرح الشيخ: وهذا المفهوم: «إلا أن تكون الشمس بيضاء» غير معتبر، المفهوم: أن الصلاة تجوز بعد العصر إذا كانت الشمس بيضاء مرتفعة غير معتبر فلا يُعمل بها؛ للحديث السابق: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» الرسول r «نهى عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعة» معناه ماذا؟ أنه إذا كانت الشمس بيضاء مرتفعة لا باس، وهذا غير معتبر لا يُعمل به، هذا المفهوم للحديث السابق: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس».

قارئ المتن:

574 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي قال: قالت عائشة: «ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط».

575 - أخبرني محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «ما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إلا صلاهما».

576 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت مسروقًا، والأسود قالا: نشهد على عائشة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندي بعد العصر صلاهما».

577 - أخبرنا علي بن حُجر قال: أنبأنا علي بن مسهر، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: «صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي سرًا ولا علانية: ركعتان قبل الفجر، وركعتان بعد العصر».

578 - أخبرنا علي بن حُجر قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة، عن أبي سلمة، أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر، فقالت: «إنه كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شُغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، وكان إذا صلى صلاة أثبتها».

579 - أخبرني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت معمرًا، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة، وأنها ذكرت ذلك له فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشُغلت عنهما حتى صليت العصر».

580 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم سلمة قالت: «شُغل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الركعتين قبل العصر فصلاهما بعد العصر».

شرح الشيخ: المراد بالسجدتين: الركعتين، وفيه: أن النبي r كان يصلي ركعتين بعد العصر؛ لأنه شُغل عن الركعتين قبل الظهر فقضاهما بعد العصر، وهذا من خصائصه r، من خصوصياته أنه قضى الركعتين بعد العصر لما شُغل عنهما بعد الظهر، ومن خصوصياته: المداومة عليهما أيضًا، هذا وهذا، جاء في مسند الإمام أحمد عن ا مسلمة أنها أرسلت الجارية تسأل النبي r قالت: قولي له: «يا رسول الله إنك تنهى عن الصلاة بعد العصر وأنت تصلي، وإذا قال: استأخري فاستأخري، فأشار إليها فاستأخرت ثُمَّ قال: يا ابنة أبي أمية تسألي عن الصلاة بعد العصر إني شُغلت عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان».

وجاء أيضًا في مسند الإمام أحمد أنها قالت: «يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا» فهذا من خصائصه r: كونه صلي بعد العصر، وكونه يداوم بعد العصر.

قارئ المتن: الرخصة في الصلاة قبل غروب الشمس.

581 - أخبرنا عثمان بن عبد الله قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: أنبأنا أبي قال: حدثنا عمران بن حدير قال: سألت لاحقًا عن الركعتين قبل غروب الشمس فقال: كان عبد الله بن الزبير يصليهما، فأرسل إليه معاوية: ما هاتان الركعتان عند غروب الشمس؟ فاضطر الحديث إلى أم سلمة، فقالت أم سلمة: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين قبل العصر فشُغل عنهما، فركعهما حين غابت الشمس، فلم أره يصليهما قبل ولا بعد».

شرح الشيخ: يعني: قبل ذلك اليوم، ولا بعده، صلاة ابن الزبير لها اجتهادٌ منه، اجتهادٌ خفيت فيه السنة، (كان عبد الله بن الزبير يصليهما) اجتهاد من عبد الله بن الزبير، وَقَدْ خفيت هذه السنة، والصواب: أنها لا تُصلى وأن هذا خاصٌ بالنبي r.

قارئ المتن: الرخصة في الصلاة قبل المغرب.

582 - أخبرنا علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نُفيل قال: حدثنا سعيد بن عيسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال: حدثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن أبا الخير حدثه: «أن أبا تميم الجيشاني قام ليركع ركعتين قبل المغرب، فقلت لعقبة بن عامر انظر إلى هذا أي صلاة يصلي؟ فالتفت إليه فرآه فقال: هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: فيه: مشروعية ركعتين قبل المغرب، بعد الآذان وقبل المغرب، فيه: الرد على مَنْ منعهما من متعصبة الحنفية، بَعْض الأحناف يقول: ما في صلاة بعد المغرب على طول، مجرد ما يقول المؤذن: لا إله إلا الله يُكبر للمغرب، هذا تعصب منهم، الأحاديث فيها دليل أن الصحابة بعد أذان المغرب يبتدرون السواري يصلون الركعتين، ووقتها موسع، الصواب: أن الوقت إلى مغيب الشفق، ساعة، تقريبًا ساعة أو ساعة وعشرة، أو ساعة وربع، بعضهم يرى أنه ما في وقت، بَعْض الأحناف يقول: وقت المغرب ما يتسع إلا لثلاثة ركعات فقط، مجرد ما ينتهي المؤذن يُكبر، وهذا غلط منهم، والحديث فيه ردٌ عليهم.

قارئ المتن: الصلاة بعد طلوع الفجر.

583 - أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن زيد بن محمد قال: سمعت نافعًا يحدث، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما، عن حفصة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين».

شرح الشيخ: وهذا الحديث فيه: النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر، وفيه: مشروعية تخفيف الركعتين، بَعْض الإخوان المجتهدين يطول، يصلي ركعتي الفجر تجده يطيل في الركوع، ويطيل في السجود، هذا خلاف السنة، السنة تخفيفهما.

قارئ المتن: إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح.

584 - أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان وأيوب بن محمد قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال: أيوب حدثنا، وقال حسن: أخبرني شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن يزيد بن طلق، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن عبسة قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟ قال: حرٌ وعبد، قلت: هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الآخر، فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس وما دامت» وقال أيوب: فما دامت، «كأنها حجفة حتى تنتشر، ثم صل ما بدا لك حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزول الشمس؛ فإن جهنم تسجر نصف النهار، ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر، ثم انته حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان».

شرح الشيخ: عبد الرحمن بن اليماني يُضعف ففي الحديث فلا دلالة فيما دل عليه من الصلاة حتى صلاة الصبح، على أن الحديث مجمل بينته الأحاديث الأخرى، ترجمته "إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح" الصواب: أنه بعد طلوع الفجر ما يُصلى إلا سنة الفجر فقط؛ هذا هو السنة.

 

 

قارئ المتن: إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة.

585 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: سمعت من أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن باباه يحدث، عن جبير بن مطعم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار».

شرح الشيخ: ذهب الجمهور من العلماء إلى أن المراد بالصلاة هنا: ركعتي الطواف، «لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى» يعني: ركعتي الطواف لا عموم الصلاة، وعليه: فالنهي عن الصلاة في أوقات النهي شاملٌ لمكة وغيرها، وذهب بَعْض العلماء إلى أن المراد بالصلاة العموم وعليه فتكون مكة مستثناة من النهي، فيصح الصلاة في أوقات النهي بدون سبب، والراجح الأول، المؤلف النسائي مشى على القول المرجوح، قال: "إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة" هذا الفهم فهمه بَعْض العلماء وَقَالُوا: إن مكة ليس فيها وقت نهي بل يجوز أن يُصلى بعد العصر وبعد الفجر أخذًا من هذا الحديث.

لكن الحديث: «لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى» يعني: وصلى صلاة الطواف، هذا اللي فهمه الجمهور، «لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى» يعني: ركعتي الطواف بعد الصلاة، وفهم بَعْض العلماء عموم الصلاة، فأجاز الصلاة في أوقات النهي في مكة وهو مذهب الشافعية: جواز الصلاة في وقت النهي في مكة.

قارئ المتن: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر.

586 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا مفضل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب».

شرح الشيخ: هذا هو الأفضل للمسافر وهو أن يفعل ما هو الأرفق به، وإن فعل غير ذلك بأن قدم الجمع أو أخر الجمع، أو جمع بين الوقتين جاز ذلك؛ لأن وقتي الصلاة صار في حقه كالوقت الواحد، فله أن يجمع في وقت الأولى، وله أن يجمع في وقت الثانية، وله أن يجمع في وسط وقت الأولى، وله أن يجمع في وسط وقت الثانية، وله أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها من غير جمع، وله أن يُتم الرباعية، لكن الأفضل القصر.

قارئ المتن:

587 - أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن أبي الزبير المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، أن معاذ بن جبل أخبره: «أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء».

شرح الشيخ: وهذا فيه: دليل على جواز الجمع بين الظهرين وبين العشاءين للمسافر وهو نازل، خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ القائل: بأن الجمع للمسافر إنما يكون للحاجة، كالمسافر الذي جَد به السير لم يسافر النازل، فإن النبي r في هذا الحديث جمع في تبوك وهو نازل غير سائر، فعليه يجوز الجمع للمسافر وهو نازل، لكن الأغلب من فعل النبي r أنه لا يجمع وهو نازل كما في حديث الوداع، فإن الحجاج في منى يصلون كل صلاة في وقتها، وكما في غزوة الفتح، شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ: قرر أنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا جَد به السير، لكن هنا في تبوك جمع وهو نازل: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء» وهو نازل، «فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء».

الشيخ محمد بن عثيمين رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر قال: كنا نرى ما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجوز الجمع إلا إذا جَد به السير ثُمَّ تبين لا أنه جائز؛ لأن النبي r فعل ذلك في تبوك.

قارئ المتن: بيان ذلك.

588 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا كثير بن قاروندا قال: سألت سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر، وسألناه هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟ فذكر أن صفية بنت أبي عبيد كانت تحته، فكتبت إليه وهو في زُراعة له: أني في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من الآخرة.

شرح الشيخ: (زُراعة) يعني: مزرعة.

قارئ المتن: فركب فأسرع السير إليها حتى إذا حانت صلاة الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفت حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فقال: أقم، فإذا سلمت فأقم فصلى، ثم ركب حتى إذا غابت الشمس قال له المؤذن: الصلاة، فقال: كفعلك في صلاة الظهر والعصر، ثم سار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل، ثم قال للمؤذن: أقم، فإذا سلمت فأقم فصلى، ثم انصرف فالتفت إلينا فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته فليصل هذه الصلاة».

شرح الشيخ: فيه: جواز الجمع بين الصلاتين لمَن يجوز له الجمع؛ لأن الصلاتين في حقه وقتهما واحد، (كثير بن قاروندا).

 

 

قارئ المتن: الوقت الذي يجمع فيه المقيم.

589 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء».

590 - أخبرني أبو عاصم خُشيش بن أصرم قال: حدثنا حبان بن هلال، حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: «أنه صلى بالبصرة الأولى، والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل» وزعم ابن عباس «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى، والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء».

شرح الشيخ: والسجدات يعني: ركعات، وهذا رواه البخاري في الصحيح، قوله: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيًا جميعًا» ثمانيًا: الظهر والعصر، أربعة وأربعة جمع بينهما، «وسبعًا جميعًا» سبعًا: المغرب والعشاء، والمراد: أن النبي r جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة وهو مقيم غير مسافر، فاختلف العلماء في السبب، وجاء في غيرها: «أنه r صلى بالمدينة أربعًا وثمانيًا من غير خوفٍ ولا مطر»، في رواية النسائي الآن هنا يزول الإشكال، بَعْض العلماء قال: لعله لمرضٍ عام.

لكن هنا في رواية النسائي قال: «أخر الظهر وعجل العصر» يعني: صلى الظهر في آخر وقتها، لما بقي أربع ركعات يخرج الوقت صلاها، ثُمَّ صلى العصر في أول وقتها، ففي الصورة جمع وفي الواقع أن المغرب في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها، وأخر المغرب حتى بقي على مغيب الشفق مقدار ثلاثة ركعات فصلاها، ثُمَّ غاب الشفق فدخل وقت العشاء فصلى العشاء أربع ركعات.

ففي الصورة جمع، والواقع: أن المغرب في آخر وقتها والعشاء في آخر وقتها، وهنا فلا إشكال فيه؛ لأنه صلى كل صلاةٍ في وقتها، ولكن الإشكال في رواية البخاري له عن ابن عباس: «أن النبي r جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا سفر»، ولما سُئل ابن عباس عن ذلك قال: أراد النبي r ألا يُحرج أمته، قال العلماء: إن هذا الجمع لحاجة، إما مرض وقع بالمدينة، أو لوحل، أو غير ذلك.

قال شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللَّهُ: وكان مشايخنا يُفتون للحفار الذي يحفر البئر إذا نزل الظهر أن يؤخر الظهر ويجمعه مع العصر ولا يخرج إلا بعد العصر عملًا بهذا الحديث؛ لأنه إذا خرج رجع الماء في المكان الذي حفره، ومثل ذلك أصحاب المناجم إذا كان يشق عليهم الخروج، مناجم الذهب؛ يعني: كان الناس في الأول يحفرون الآبار، فكان ينزل في البئر قبل الظهر ولا يستطيع يخرج إلا بعد العصر؛ لأنه لو خرج أولًا يعود الماء فأفتوه بِأَنَّهُ في هذه الحالة يستمر إلى بعد العصر ثُمَّ يخرج ويصلي الظهر والعصر، قَالُوا: إن هذا عملًا بهذا الحديث، وكذلك أصحاب المناجم في الذهب، ولها قال ابن عباس: أراد ألا يُحرج أمته.

أما في رواية النسائي هنا زال الإشكال، ولما قُرأ على شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللَّهُ رواية النسائي، قال: الآن زال الإشكال، صار الجمع صوري، الآن ما في إشكال، جمع صوري في الصورة والواقع أن كل صلاةٍ في وقتها.

قارئ المتن: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء.

591 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش قال: «صحبت ابن عمر إلى الحمى، فلما غربت الشمس هبت أن أقول له الصلاة فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء، ثم نزل فصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم صلى ركعتين على إثرها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل».

592 - أخبرني عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية، عن ابن أبي حمزة، وأنبأنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال: حدثنا عثمان واللفظ له، عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم، عن أبيه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء».

593 - أخبرنا المؤمل بن إهاب قال: حدثني يحيى بن محمد الجاري قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن مالك بن أنس، عن أبي الزبير، عن جابر قال: «غابت الشمس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فجمع بين الصلاتين بسرِف».

594 - أخبرني عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو قال: أنبأنا ابن وهب قال: حدثنا جابر بن إسماعيل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق».

595 - أخبرنا محمود بن خالد قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا ابن جابر قال: حدثني نافع قال: «خرجت مع عبد الله بن عمر في سفر يريد أرضًا له، فأتاه آت فقال: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها، فانظر أن تدركها، فخرج مسرعًا ومعه رجل من قريش يسايره، وغابت الشمس فلم يصل الصلاة، وكان عهدي به وهو يحافظ على الصلاة، فلما أبطأ قلت: الصلاة يرحمك الله فالتفت إليّ ومضى، حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب، ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا، ثم أقبل علينا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا».
596 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا العطاف، عن نافع قال: «أقبلنا مع ابن عمر من مكة، فلما كان تلك الليلة سار بنا حتى أمسينا، فظننا أنه نسي الصلاة فقلنا له: الصلاة فسكت وسار حتى كاد الشفق أن يغيب، ثم نزل فصلى، وغاب الشفق فصلى العشاء، ثم أقبل علينا فقال: هكذا كنا نصنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جَد به السير».

597 - أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم قال: حدثنا ابن شميل قال: حدثنا كثير بن قاروندا.

شرح الشيخ: قاروندا مقبول.

قارئ المتن: قال: سألنا سالم بن عبد الله عن الصلاة في السفر فقلنا: أكان عبد الله يجمع بين شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا، إلا بجمع، ثم أتيته فقال: كانت عنده صفية فأرسلت إليه: أني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فركب وأنا معه فأسرع السير حتى حانت الصلاة، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فقال للمؤذن: «أقم، فإذا سلمت من الظهر فأقم مكانك، فأقام فصلى الظهر ركعتين ثم سلم، ثم أقام مكانه فصلى العصر ركعتين، ثم ركب فأسرع السير حتى غابت الشمس، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن فقال: كفعلك الأول فسار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل فقال: أقم، فإذا سلمت فأقم فصلى المغرب ثلاثًا، ثم أقام مكانه فصلى العشاء الآخرة ثم سلم واحدة تلقاء وجهه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر أحدكم أمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة».

شرح الشيخ: قوله: «سلم تسليمةً واحدة» ظاهره: أنه اكتفى بتسليمة واحدة، لكن الحديث في سنده كثير بن قاروندا وهو مقبول، وَقَدْ ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنه اكتفى بتسليمة واحدة إلا أنها في النفل، ولكن هذا الحديث مقبول، والأحاديث كثيرة فيها أن النبي r كان يسلم تسليمتين.

قارئ المتن: الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين.

598 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جَد به السير جمع بين المغرب والعشاء».

599 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جَد به السير أو حزبه أمر جمع بين المغرب والعشاء».

شرح الشيخ: (حزبه أمر) يعني: نزل به أمرٌ مهم وهو في السفر كما حصل للنبي r في بوك.

 

 

قارئ المتن:

600 - أخبرنا محمد بن منصور قال: أنبأنا سفيان قال: سمعت الزهري قال: أخبرني سالم، عن أبيه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا جَد به السير جمع بين المغرب والعشاء».

الجمع بين الصلاتين في الحضر.

601 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا سفر».

602 - أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة واسمه غزوان قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، قيل له: لم؟ قال: لئلا يكون على أمته حرج».

603 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: «صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا».

شرح الشيخ: هذا في الصحيحين، وهذا الحديث أشكل على كثير من العلماء حتى قال الترمذي لما روى هذا الحديث: ما رأيت حديثًا صحيحًا ترك العلماء العمل به، أو أجمع العلماء على ترك العمل به سوى هذا الحديث.

قد أجاب العلماء عنه بأجوبة كما سمعنا أن الجمع صوري كما في حديث ابن عباس الأول، الحديث مخرجه واحد والصحابي أعرف بما رواه، وَقَدْ أخبروا أنه جمعٌ صوري.

الثاني: أنه جمعٌ لحاجة إما لمرض حمى أصابته في المدينة أو وحل ويقاس عليه الشغل الشديد كما سبق كالحفارين في الآبار، وأصحاب المناجم الذين ينزلون في الآبار والمناجم ويشق عليهم الخروج، وقال بَعْض العلماء: كالطلاب الذين يدرسون في الجامعات في البلدان في الخارج فإن أكثر المعلمين كفرة ولا يمكنونهم من الصلاة في وقتها؛ فيجمعون بين الظهرين وبين العشائين ويكون هذا شغلًا وحاجة مسوغة للجمع بين الصلاتين، هكذا رأى بَعْض العلماء، ولكن نقول: أنه لا ينبغي السفر للخارج إلا للحاجة وللضرورة.

 

 

قارئ المتن: الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.

604 - أخبرني إبراهيم بن هارون قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، أن جابر بن عبد الله قال: «سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا».

الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.

605 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، أن أبا أيوب الأنصاري أخبره، «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا».

606 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هُشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثنا أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عمر حيث أفاض من عرفات، فلما أتى جمعًا جمع بين المغرب والعشاء، فلما فرغ قال: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان مثل هذا».

607 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة».

608 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.

شرح الشيخ: (عبد الله) هو ابن مسعود؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد من أصحابه.

قارئ المتن: قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين إلا بجمع، وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها».

شرح الشيخ: لعله نسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ وإلا ثبت أن النبي r جمع في غير جمع، والمراد جمع مزدلفة، يقول: «ما رأيته جمع إلا بمزدلفة» نسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ، وثبت في الأحاديث الصحيحة أنه جمع في أسفاره في غير مزدلفة، وقوله: «وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها» يعني: قبل وقتها المعتاد، وَذَلِكَ بعد انشقاق الفجر مباشرة، في مزدلفة صلوا الفجر بعد مبادرة شديدة من حيث انشق الفجر حتى يتسع الوقت للوقوف، وَأَمَّا في غير مزدلفة فَإِنَّهُ يتأخر بَعْض الشيء وينتظر ويأتي بلال ثُمَّ يصلي ركعتين ثُمَّ يقيم الصلاة، لكن في مزدلفة بادر مبادرة شديدة، من حين انشق الفجر صلى حتى يتسع الوقت للوقوف، للوقوف بمزدلفة والدعاء ورفع اليدين بعد الفجر إلى الإسفار، فقوله: «وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها» يعني: قبل وقتها المعتاد، وليس معناه أنه صلاها قبل دخول الوقت؛ لِأَنَّهَا لا تصح.

قارئ المتن: كيف الجمع.

609 - أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة، عن كُريب، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد «وكان النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة، فلما أتى الشِعب نزل فبال، ولم يقل أهراق الماء قال: فصببت عليه من إداوة، فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت له: الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، فلما أتى المزدلفة صلى المغرب، ثم نزعوا رحالهم، ثم صلى العشاء».

فضل الصلاة لمواقيتها.

610 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل».

شرح الشيخ: في الحديث الآخر أنه قال: «الصلاة على وقتها ثُمَّ بر الوالدين ثُمَّ الجهاد في سبيل الله عز وجل» بكلمة ثُمَّ.

قارئ المتن:

611 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو معاوية النخعي سمعه من أبي عمرو، عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «إقام الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل».

612 - أخبرنا يحيى بن حكيم وعمرو بن يزيد قالا: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، «أنه كان في مسجد عمرو بن شرحبيل فأقيمت الصلاة فجعلوا ينتظرونه فقال: إني كنت أوتر، قال: وسُئل عبد الله هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم، وبعد الإقامة، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى» واللفظ ليحيى.

شرح الشيخ: الحديث سنده جيد لكن هذا من فعل ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ ومن اجتهاده حيث يرى أنه بعد الأذان يوتر، وحتى بعد الإقامة وهذا من فعله واجتهاده، والصواب: أنه ليس بعد الأذان وتر، وليس بعد الإقامة صلاة، لا وتر ولا غيره، يُروى عن أبي حنيفة جواز فعل ركعتي الفجر بعد الإقامة؛ لِأَنَّهَا صلاةٌ فيها طول في قراءتها، الأحناف يقولون: ما في مانع تصلي ركعتي الفجر بعدما تقام الصلاة؛ لأن الصلاة طويلة، وبعضهم رأى أن يصليها إما في المسجد أو في خارج المسجد ثُمَّ يلحق، وهذا ليس بصحيح، لقول النبي r: «إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة».

فليس بعد الإقامة لا وتر ولا ركعتي الفجر، وما يفعله بَعْض الأحناف فهذا خلاف للسنة، وعبد الله بن مسعود نسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ، «وسُئل عبد الله هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم، وبعد الإقامة، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى» هذا تختلف، إذا نام عن الصلاة ثُمَّ بعد ذلك توضأ ثُمَّ صلى ركعتين ثُمَّ صلى الفريضة، هذه تختلف عن كونه يصلي ركعتين والإمام يُقيم، وَقَدْ أُقيمت الصلاة.

قارئ المتن: فيمَن نسي صلاة.

613 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها».

فيمَن نام عن الصلاة.

614 - أخبرنا حميد بن مسعدة، عن يزيد قال: حدثنا حجاج الأحول، عن قتادة، عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها قال: «كفارتها أن يصليها إذا ذكرها».

615 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة، فقال: «إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها».

616 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله وهو ابن المبارك، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريط فيمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى حين ينتبه لها».

شرح الشيخ: إذا لم يكن من الشخص تفريط كأن ينام قُبيل الصلاة، مثلًا قبل العشاء، أو كان ينام ولا يجعل أسبابًا لليقظة كأن يجعل ساعة أو يأمر بَعْض أصحابه، أو جوال، أو أقاربه، أو جيرانه، فإذا جعل أسبابًا توقظه ثُمَّ نام ولم يستيقظ فهذا ليس فيه تفريط «إنما التفريط في اليقظة» أما إذا كان مهمل ينام قُبيل الفجر، ما بقي على الفجر إلا قليل ثُمَّ ينام أو لا يبالي ولا يجعل أسبابًا توقظه هذا مفرط، النبي r لما أراد أن ينام قُبيل الصبح وهو مسافر قال: «مَنْ يكلؤنا للصبح؟ فَقَالَ بلال: أنا» فلما التزم نام النبي r.

بَعْض الناس يجي قبل الفجر بنصف ساعة وينام يقول: أنا نائم، ما يصح هذا، هذا معلوم أنه ما يستطيع يستيقظ، لابد ما ينام متأخر، لا تنام حتى تصلي الفجر، أو يجعل أسبابًا توقظه: جوال، أو يأمر بَعْض أصحابه أو جيرانه، أما أن يُهمل فلا، فالنوم ليس فيه تفريط إذا لم يكن مفرط.

قارئ المتن: إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد.

617 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فليصلها أحدكم من الغد لوقتها».

شرح الشيخ: يعني: أن وقتها باقٍ بحاله ليس فيه تغيير، فإذا جاء الغد فليصلها لوقتها.

قارئ المتن:

618 - أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا يعلى قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسيت الصلاة فصل إذا ذكرت؛ فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه/14]» قال عبد الأعلى: حدثنا به يعلى مختصرًا.

619 - أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو قال: أنبأنا ابن وهب قال: أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه/14]».

620 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِلذِكْرِي} [طه/14]».

شرح الشيخ: قراءة، للذكرى قراءة، لذكري قراءة حفص.

قارئ المتن: قلت للزهري: هكذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

كيف يُقضى الفائت من الصلاة.

621 - أخبرنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن بريد بن أبي مريم، عن أبيه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس، فلم يستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن، فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائنٌ حتى تقوم الساعة».

شرح الشيخ: فيه: أنه إذا فاتت صلاة الفجر فَإِنَّهُ يصلي ركعتين قبل الفجر ولو بعد الشمس، ثُمَّ يصلي الفجر.

سؤال: (01:07:40)

الشيخ: ولو، الوقت في حقه حين ينتبه ما دام معذور.

قارئ المتن:

622 - أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله، عن هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحُبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاشتد ذلك علي فقلت في نفسي: نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأقام فصلى بنا الظهر، ثم أقام فصلى بنا العصر، ثم أقام فصلى بنا المغرب، ثم أقام فصلى بنا العشاء، ثم طاف علينا فقال: ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم».

شرح الشيخ: فيه: أنه صلى أربع صلوات فاتت، لكن هذا السرد فيه علتان:

إحداهما: تدليس أبي الزبير وَقَدْ عنعن.

الثانية: الانقطاع بين لأبي عبيدة بن عبد الله وبين أبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم يسمع من أبيه لصغره.

وعليه فلا يثبت أن النبي r حُبس عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، واللي ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي r شغله المشركون عن صلاة العصر يوم الأحزاب، قال: «شغلوني عن صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا».

سؤال: العلة الثانية؟

الشيخ: الأولى: تدليس أبي الزبير، والثانية: الانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه فَإِنَّهُ لم يسمع من أبيه.

قارئ المتن:

623 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى، عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة قال: «عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته؛ فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، قال: ففعلنا، فدعا بالماء فتوضأ، ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة».

شرح الشيخ: سجدتين يعني: ركعتين، ومعنى: عرس، التعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، يسمى تعريس، عرسنا: يعني: نزلنا لنستريح آخر الليل، إذا نزل المسافر ليستريح آخر الليل يسمى تعريس.

قارئ المتن:

624 - أخبرنا أبو عاصم خُشيش بن أصرم قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفر له: «من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟».

شرح الشيخ: شوف الأسباب: «من يكلؤنا الليلة لا نرقد» مَن يلتزم يكلؤنا للصبح، لابد أن يفعل الأسباب، مَنْ يكلأ، مَنْ يلتزم؟ قال بلال: أنا، فلما التزم نام النبي r، هذه الأسباب، الإنسان يجعل أسبابًا توقظه.

قارئ المتن: «من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟ قال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشمس، فضُرب على آذانهم حتى أيقظهم حر الشمس فقاموا فقال: توضئوا، ثم أذن بلال فصلى ركعتين وصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر».

625 - أخبرنا أبو عاصم قال: حدثنا حَبان بن هلال، حدثنا حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: «أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى».

شرح الشيخ: قوله: (وهي الصلاة الوسطى) هذا اجتهاد من ابن عباس، يعني: الفجر، والصواب: أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لا الفجر لما في بَعْض روايات الصحيح: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» بَعْض العلماء يراها صلاة الظهر، وبعضهم يراها الفجر، وابن عباس هنا يرى أنها الفجر، وهذا اجتهادٌ منه.

قارئ المتن:

كتاب الأذان: باب بدء الأذان.

626 - أخبرنا محمد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن قالا: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج، أخبرني نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم: بل قرنًا مثل قرن اليهود فقال: عمر رضي الله عنه: أولا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فناد بالصلاة».

تثنية الأذان.

627 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة».

628 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثني أبو جعفر، عن أبي المثنى، عن ابن عمر قال: «كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة».

خفض الصوت في الترجيع في الأذان.

629 - أخبرنا بشر بن معاذ قال: حدثني إبراهيم وهو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: حدثني أبي عبد العزيز، وجدي عبد الملك، عن أبي محذورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقعده فألقى عليه الأذان حرفا حرفًا، قال إبراهيم هو مثل أذاننا هذا قلت له: أعد علي، قال: "الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، ثم قال بصوت دون ذلك الصوت يسمع من حوله: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله".

كم الأذان من كلمة.

630 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن همام بن يحيى، عن عامر بن عبد الواحد، حدثنا مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة» ثم عدها أبو محذورة تسع عشرة كلمة وسبع عشرة.

شرح الشيخ: أذان بلال خمسة عشرة كلمة، وأذان ابن محذور تسعة عشرة كلمة، وهذا باختلاف النوع هذا وهذا، لكن الأفضل أذان بلال وهو الذي يؤذن به بين يدي النبي r، قوله هنا: «الله أكبر» مرتين، في الأحاديث الأخرى «الله أكبر» أربع مرات، الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، هذا أذان بلال خمسة عشرة كلمة.

وأذان أبي محذورة تسعة عشرة كلمة، يُزيد أربعة في الشهادتين، ترجيع، وَذَلِكَ أنه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثُمَّ يقول سرًا: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، ثُمَّ يرفع صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، هذا ثمان، ثُمَّ يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فهذه تسعة عشرة كلمة، هذا أذان أبي محذورة.

هنا ذكر أنه يصوط بها، وسيأتي في الحديث الآخر أن خفض الصوت أولًا، يخفض صوته بالشهادتين سرًا ثُمَّ يصوت يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، سرًا، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، ثُمَّ يصوت فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، سمي ترجيع؛ لأنه يعود إليهما، فهذه أربع زيادة في أذان أبي محذورة، زيادة ترجيع، خمسة عشرة كلمة أذان بلال، وأذان أبي محذورة تسعة عشرة كلمة زيادة ترجيع، الشهادتين أربع سرًا وأربعة جهرًا تكون زيادة تسعة عشر كلمة.

فيكون أذان بلال خمسة عشر كلمة، وأذان أبي محذورة تسعة عشرة كلمة، ويجوز هذا وهذا، النبي r علمها أبي محذورة وهو في مكة، وكان صبيًا كما سيأتي سمعه النبي وهم يصوتون يستهزئون، ثُمَّ جاء النبي سمع صوته، قال: مَنْ الذي سمعت صوته حسن، فقالوا: هذا أبي محذورة فألقى النبي عليه صوته وأسلم وجعله مؤذنًا في مكة، والإقامة سبعة عشر كلمة، الإقامة فرض، إقامة بلال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، إحدى عشرة كلمة، والإقامة عند أبي محذورة سبعة عشرة كلمة؛ لأن في تثنية: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، هذه إقامة أبي محذورة سبعة عشر كلمة: تكبير، شهادتين، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله؛ سبعة عشرة كلمة إقامة أبي محذورة، وإقامة بلال إحدى عشرة كلمة، وهذا من اختلاف التنوع.

سؤال: قلتم أن أبي محذورة رسول الله r علمه؟

الشيخ: علمه نعم.

الطالب: يقول: قال؟

الشيخ: قال ماذا؟

الطالب: قال الأذان تسعة عشر، في النُسخة التي عندي يقول: علمه الأذان تسعه عشرة.

الشيخ: في النُسخة يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان، نعم، الرسول علمه، علمه أولى، وليس المراد أنه قال له بل علمه، علمه أصح.

سؤال: في فرق في الأفضلية بين: الله أكبر الله أكبر؟

الشيخ: الأفضل يفصل كل تكبيرة وحدها، الله أكبر، الله أكبر، وإن وصلها فلا بأس، لكن ما في شك الأفضل فصل كل كلمة وهذا هو الأفضل.

قارئ المتن: كيف الأذان.

631 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فقال: «الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله». ثم يعود فيقول: «أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدًا رسول الله. حي على الصلاة. حي على الصلاة. حي على الفلاح. حي على الفلاح».

شرح الشيخ: هذه أربع ستة عشر.

قارئ المتن: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله».

شرح الشيخ: وثلاث تسعة عشرة كلمة، جملة هذا أذان أبي محذورة.

قارئ المتن:

632 - أخبرنا إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيمًا في حجر أبي محذورة حتى جهزه إلى الشام قال: قلت لأبي محذورة إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال له: خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه ونهزأ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟» فأشار القوم إلي وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني فقال: «قم فأذن بالصلاة» فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: «قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: ارجع فامدد صوتك، ثم قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال: أمرتك به، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: هذا المعروف في كيفية الترجيع أنه يُسر بالشهادتين أولًا ثُمَّ يمد بهما صوته ثانيًا كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، لكن سبق في الحديث السابق أنه يرفع صوته أولًا ثُمَّ يخفض، لكن هذا خلاف، أما ما سبق هذا لعله انقلاب على بَعْض الرواة، ويحتمل أنه علمه هذا تارة وهذا تارة ويكون هذا من باب التنوع، وفيه: أن هؤلاء الصبيان كانوا خرجوا من مكة يستهزئون لما سمعوا المؤذنين يسخرون، وجعلوا يقلدونه من باب السخرية، فسمع النبي r صوت أبي محذورة فَقَالَ: أيكم مَنْ سمعت صوته، ثُمَّ دعاه وأسلم وعلمه الأذان وجعله مؤذنًا في مكة.

قارئ المتن: الأذان في السفر.

633 - أخبرنا إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب قال: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت» فأرسل إلينا، فأذنا رجل رجل وكنت آخرهم، فقال حين أذنت: «تعال» فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي وبرك علي ثلاث مرات، ثم قال: «اذهب فأذن عند البيت الحرام» قلت كيف يا رسول الله؟ فعلمني كما تؤذنون الآن بها: «الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله».

شرح الشيخ: هذا الترجيع رفع الصوت.

قارئ المتن: «أشهد أن محمدًا رسول الله. أشهد أن محمدًا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح. حي على الفلاح. الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح» قال: وعلمني الإقامة مرتين: «الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله» قال ابن جريج، أخبرني عثمان هذا الخبر كله، عن أبيه، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ.

شرح الشيخ: فيه: أن التكبير أربع في الإقامة، ولكن المعروف في الأحاديث الصحيحة أن التكبير في الإقامة مرتين ليس أربع، وقوله: «الصلاة خيرٌ من النوم في الأولى» المراد في المناداة الأولى من الصبح وهو الأذان، والمناداة الثانية هي الإقامة، الأولى هي الأذان والثانية هي الإقامة، ومَن قال: إن المراد الأذان الأول في آخر الليل فقد أبدى أنه جاهل؛ لأن الأول للتنبيه، الأذان الأول اللي قبل الفجر، وَقَدْ لا تكون الصلاة خيرٌ من النوم، المحتاج قد يكون النوم خيرٌ له ويصعب عليه يقوم يصلي، لكن الفريضة هي اللي خيرٌ من النوم، الفريضة هي التي خيرٌ من النوم.

قارئ المتن: أذان المنفردين في السفر.

634 - أخبرنا حاجب بن سليمان، عن وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي -وقال مرة أخرى: أنا وصاحب لي- فقال: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما».

اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر.

635 - أخبرني زياد بن أيوب قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركناه من أهلنا، فأخبرناه فقال: «ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا عندهم وعلموهم، ومروهم إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم».

636 - أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة فقال لي أبو قلابة: هو حي أفلا تلقاه؟ قال أيوب فلقيته فسألته فقال: لما كان وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فذهب أبي بإسلام أهل حوائنا، فلما قدم استقبلناه فقال: جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فقال: «صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا».

شرح الشيخ: هذا يدل على أن الإمامة يُشترط لها ما لا يُشترط في الأذان، يُشترط أن يكون قارئًا، فقيًا؛ لأنه قد يحصل عليه في صلاته ما يحتاج إلى الفقه، أما الأذان فلا يشترط فيه شيئًا، قال: «فليؤذن أحدكم» فيكفي أنه يبلغ الصوت.

قارئ المتن: المؤذنان للمسجد الواحد.

637 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم».
638 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم».

شرح الشيخ: وهذا فيه دليل: أنه لا بأس بمؤذنين في مسجدٍ واحد، هما هنا مؤذنان: ابن أم مكتوم، وبلال.

قارئ المتن: هل يؤذنان جميعًا أو فُرادى.

639 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا حفص، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» قالت: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا.

شرح الشيخ: قولها: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا) المراد تقريب ما بينهما ولم يُراد التحديد، المراد أن الوقت قليل ليس بطويل، وليس المراد التحديد، ويحتاج إلى وقت يصعد للسطح وينزل ويستريح بعدما ينزل، يستريح بَعْض الشيء ثُمَّ يصعد؛ لأنهم ما كان عندهم مكبر صوت، يصعد إلى السطح يؤذن ثُمَّ ينزل؛ يعني المراد: التقليل وأن الوقت ليس بالطويل، وليس المراد التحديد.

قارئ المتن:

640 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم قال: أنبأنا منصور، عن خُبيب بن عبد الرحمن، عن عمته أُنيسة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا».

شرح الشيخ: لعل هذا انقلاب على الراوي، فإن المعروف في الأحاديث الصحية كما سبق أن بلال هو الذي يؤذن أولًا ثُمَّ ابن مكتوم هو الذي يؤذن ثانيًا، هذا انقلاب على الراوي: «إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا» لا، «إذا أذن بلال» بلال هو الأول، وابن أم مكتوم رجل أعمى كان لا يؤذن حتى يُقَالُ له: أصبحتَ أصبحت، هذا انقلاب من بَعْض الرواة.

قارئ المتن: الأذان في غير وقت الصلاة.

641 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالًا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم وليرجع قائمكم».

شرح الشيخ: يعني: يرد قائمكم.

قارئ المتن: «وليس أن يقول هكذا» يعني: في الصبح.

 

 

شرح الشيخ: هذا الصح، هنا بفتح الياء، «وليَرجع» ويصلح «وليُرجع» ومنه في سورة التوبة: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} [التوبة: 83] فإن ردك الله؛ يعني: يوقظ النائم، هذا يدل على أن أذان آخر الليل ليس بالطويل، وإن كان طويل ما حصلت منه الفائدة، إذا كان ساعتين ثلاث ما حصلت فائدة بخلاف إذا كان قليل، القليل يمكن ينبه النائم يوقظه يتوضأ ويستعد للصلاة، والذي يصلي يخبره أن الوقت قليل يستعد ويعلم أن الصبح قد قرب فيوتر: «ليوقظ نائمكم وليرجع قائمكم» لأن القائم اللي ما يدري ما كان معهم ساعات فإذا سمع الأذان الأول عرف أن الوقت قريب فلا يطيل الصلاة، والنائم يوقظه ويتوضأ ويستعد ويوتر.

سؤال: في الأذان يلتفت يمين ولا شمال؟

الشيخ: جاء في الحديث أنه قال: «يأتي يمينًا وشمالًا» ليُسمع هؤلاء وهؤلاء، وجاء وضع الأصابع في أذنيه في كلام لأهل العلم.

قارئ المتن: وقت أذان الصبح.

642 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا حُميد، عن أنس، أن سائلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصبح، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذن حين طلع الفجر، فلما كان من الغد أخر الفجر حتى أسفر، ثم أمره فأقام فصلى، ثم قال: «هذا وقت الصلاة».

كيف يصنع المؤذن في أذانه.

643 - أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج بلال فأذن فجعل يقول في أذانه هكذا: ينحرف يمينًا وشمالًا».

شرح الشيخ: وهذا الانحراف في الحيعلتين لإبلاغ النداء ويكون بالرأس فقط دون بقية الجسم.

قارئ المتن: رفع الصوت بالأذان.

644 - أخبرنا محمد بن سلمة قال: أنبأنا ابن القاسم، عن مالك قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني، عن أبيه أنه أخبره، أن أبا سعيد الخدري قال: له إني أراك تحب الغنم والبادية، «فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» قال: أبو سعيد: «سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم».

645 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا يزيد يعني ابن زريع قال: حدثنا شعبة، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبي يحيى، عن أبي هريرة سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤذن يغفر له بمد صوته ويشهد له كل رطبٍ ويابس».

646 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي إسحاق الكوفي، عن البراء بن عازب، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطبٍ ويابس، وله مثل أجر من صلى معه».

شرح الشيخ: فيه فضل الأذان، لكن الحديث الأخير فيه علتان: فيه عنعنة قتادة وهو مدلس، والثانية: أبو إسحاق الكوفي شيخٌ لأبي النضر، قال: مقبول، وليس هو عبد الله، رفع صوته مثل حديث: «ما يسمع صوته من جنٍ ولا إنس ولا شجرٍ ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة» مد الصوت ورفع الصوت، ولهذا يُشرع للمؤذن أن يرفع الصوت حتى كل ما رُفع الصوت امتد الصوت أكثر وسمعه أكثر فيزداد الأجر، كل مَنْ سمعه يشهد له، مد الصوت يعني: رفع الصوت.

قارئ المتن: التثويب في أذان الفجر.

647 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن أبي سلمان، عن أبي محذورة قال: «كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح. الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله».

648 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان بهذا الإسناد نحوه. قال أبو عبد الرحمن: وليس بأبي جعفر الفراء.

شرح الشيخ: «وكنت أقول في أذان الفجر الأول» المراد بالفجر الأول هو: الأذان الثاني لصلاة الفجر، وسمي أولًا؛ لأن الإقامة للصلاة هي الأذان الثاني فيتسمى أذان؛ لأن الأذان إعلامٌ بدخول الوقت والإقامة إعلامٌ بإقامة الصلاة، فسمى الفجر الأول بالنسبة للإقامة، الفجر الأول الأذان الأول هو إعلامٌ بدخول الوقت، والإقامة إعلامٌ بإقامة الصلاة فيتسمى أذان كما في الحديث: «بين كل أذانين صلاة» وليس المراد بأذان الفجر الأول الأذان الذي يكون في آخر الليل قبل الفجر؛ لأن أبا محذورة ما كان يؤذن الأذان الأول بل كان يؤذن الفجر فقط.

 

 

قارئ المتن: آخر الأذان.

649 - أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى قال: حدثنا الحسن بن أعين قال: حدثنا زهير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن بلال قال: «آخر الأذان: الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله».

650 - أخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود قال: «كان آخر أذان بلال، الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله».

651 - أخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود مثل ذلك.

652 - أخبرنا سويد قال: حدثنا عبد الله، عن يونس بن أبي إسحاق، عن محارب بن دثار قال: حدثني الأسود بن يزيد، عن أبي محذورة: "أن آخر الأذان: لا إله إلا الله".

شرح الشيخ: وهذا بالاتفاق أن آخر الأذان: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" وأن كلمة التوحيد مرة واحدة، هذا بالاتفاق متفقٌ عليه.

قارئ المتن: الأذان في التخلف عن شهود الجماعة في الليلة المطيرة.

653 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس يقول: أنبأنا رجل من ثقيف، أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في ليلة مطيرة في السفر - يقول: «حي على الصلاة. حي على الفلاح. صلوا في رحالكم».

654 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: «ألا صلوا في الرحال».

شرح الشيخ: وَالصَّلَاة في الرحال على سبيل الجواز والإباحة، وبينها وبين أن يصلي في المسجد فله الأجر، فعل ذلك ابن عباس في الطائف أمر مؤذنًا أن يقول: «صلوا في رحالكم» ولما استنكروا ذلك أخبر أن النبي r فعله، قال لهم: "إني كرهت أن أُحرجكم في الطين والدحر"، وقوله: «صلوا في الرحال» مخير بين أن يقولها بعد فراغه من الأذان أو بعد قول المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة، ثُمَّ يقول: صلوا في الرحال صلوا في الرحال، أو يكمل الأذان ثُمَّ يقول بعدما يكمل الأذان: صلوا في الرحال، وهذا يعني عذر في صلاة الجماعة، ومَن استطاع أن يصلي في المسجد فله أن يصلي في المسجد وله أجره.

وهذا في السفر فعله النبي r في السفر، وحى في الحضر إذا شق على الناس فلا بأس؛ لأن ابن عمر قال هذا في الطائف، قال: "إني كرهت أن أُحرجكم" وهم في الحضر، والنبي r فعلها في السفر، في السفر لما كان المخيمات في السفر متباعدة يشق عليهم أن يجتمعون ويصلون، «صلوا في الرحال» كل واحد يصلي في مخيمة، قد يكون عشر مخيمات مسافرين هذا مخيم بينه مسافة، وهذا مخيم بينه مسافة، قد يكون بينها كذا مسافة، مسافات طويلة، فإذا كان مطر لا يستطيعوا يجتمعون ويشق عليهم، فَقَالَ: «صلوا في الرحال» كل أهل خيمة يصلوا في رحالهم في السفر، وفي الحصر كذلك عن ابن عمر في المسجد إذا صار مشقة شديدة قال: «صلوا في الرحال».

قارئ المتن: الأذان لمن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما.

655 - أخبرنا إبراهيم بن هارون قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: أنبأنا جعفر بن محمد، عن أبيه، أن جابر بن عبد الله قال: «سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا».

شرح الشيخ: فيه: أن الصلاتين مجموعتين يؤذن للأولى فقط ولا يؤذن للثانية بل يقيم الصلاة للأولى ويقيم الصلاة للثانية.

قارئ المتن: الأذان لمن جمع بين الصلاتين بعد ذهاب وقت الأولى منهما.

656 - أخبرني إبراهيم بن هارون قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، أن جابر بن عبد الله قال: «دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل بينهما شيئًا».

657 - أخبرنا علي بن حُجر قال: أنبأنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: "كنا معه بجمع فأذن، ثم أقام فصلى بنا المغرب، ثم قال: الصلاة. فصلى بنا العشاء ركعتين" فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: «هكذا صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان».

شرح الشيخ: وفيه: أنه لا يُصلى بين المجموعتين، لا يُصلى بينهما نافلة ولا شيء، ولا يُفصل بينهما إلا بمقدار حط الرحال.

قارئ المتن: الإقامة لمن جمع بين الصلاتين.

658 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا شعبة، عن الحكم وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير أنه «صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة» ثم حدث، عن ابن عمر أنه صنع مثل ذلك وحدث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك.
659 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل وهو ابن أبي خالد، قال: حدثني أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه «صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع بإقامة واحدة».

660 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بالمزدلفة، وصلى كل واحدة منهما بإقامة، ولم يتطوع قبل واحدة منهما ولا بعد».

شرح الشيخ: هذا هو المعروف في السنة؛ صلى كل واحدة بإقامة، وهذا هو المعروف في السنة من أحاديث رسول الله r كل واحدة بإقامة، أما قوله في الحديث الأول والثاني: «بإقامة واحدة» هذه خفيت السنة في هذا على ابن عمر، وعلى سعيد بن جُبير، ولعل ابن عمر نسي في آخر عمره أن لكل صلاةٍ إقامة كما فعل النبي r في عرفة وفي مزدلفة، وكما في حديث جابر في حجة الوداع، وكما في حديث ابن عمر نفسه في البخاري، فلعله في هذا الحديث نسي ولعل هذا في آخر عمره رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ.

قارئ المتن: الأذان للفائت من الصلوات.

661 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام للعصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أذن للمغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها».

شرح الشيخ: الحديث سنده جيد، والمعروف في الأحاديث الصحيحة أنه شُغل عن صلاة العصر، ولكن يجوز أن تكون صلاة الظهر أيضًا شُغل عنها كما في هذا الحديث، وقال عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر، لأهميتها، ولكون الظهر يُجمع معها.

وقوله: (وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل) يحتمل أن يكون أبو سعيد قال هذا باجتهاده؛ يعني: قبل صلاة الخوف، وأن صلاة الخوف شُرعت قبل غزوة الخندق، ويحتمل أن صلاة الخوف شُرعت بعد الخندق كما قاله أبو سعيد في هذا الحديث وهو الذي عليه جمهور العلماء: أن صلاة الخوف بعد الخندق، قَالُوا: إنما أخر النبي r هذه الصلاة قبل أن تُشرع صلاة الخوف، فلما شُرعت كان يصليها في وقتها على الأوجه التي جاءت في شرعيتها، والصواب: أنه يجوز تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب إذا كان لا يتمكن من أدائها كما ينبغي بسبب الحرب.

وفعل النبي r يوم الخندق، فعل النبي r يوم الخندق يحتمل أن يكون بعد نزول صلاة الخوف، ويحتمل أن يكون قبل مشروعية صلاة الخوف، ومما يدل على جواز تأخير الصلاة عن وقتها في وقت القتال: أن الصحابة لما فتحوا تُستر وفي وقت ضوء الفجر وكان بَعْض الصحابة على الأسوار فلو صلوا لتأخر القتال، فأخروها حتى صلوها ضُحىً، فَقَالَ أنس: ما يسرني أن لي بها حُمر النعم، أو كما قال رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ؛ يعني: هم أخروها في الله وفي سبيل الله، فالصحابة لما فتحوا تُستر كان في وقت صلاة الفجر، وكانت الصحابة على الأبواب وعلى الأسوار، فلو نزلوا صلوا لفات الفتح، فأخروها حتى تم الفتح وفتحوا الأبواب وتم الفتح وصولها ضُحىً.

قال أنس: ما يسرني أني صليتها في وقتها؛ لأنهم أخروها في الله وفي سبيل الله، هذا ما تمكنوا منها، فوات الفتح أمرٌ خسارة عظيمة، فهم الآن في سبيل الله وفي الجهاد في سبيل الله فلهذا أخروها، فدل على أنه لا بأس بالتأخير ولو بعد شرعية صلاة الخوف إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

قارئ المتن: الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد، والإقامة لكل واحدة منهما.

662 - أخبرنا هناد، عن هُشيم، عن أبي الزبير، عن نافع بن جُبير، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: «إن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء».

شرح الشيخ: هذا الحديث ضعيف فيه أبو عبيدة منقطع لم يسمع من أبيه، ففيه انقطاع، واسم أبي عبيدة يُقَالُ: عامر، وقيل: اسمه كُنيته، فلا دلالة لما دل على أن النبي شُغل على صلاة أربع صلوات متوالية».

قارئ المتن: الاكتفاء بالإقامة لكل صلاة.

663 - أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة قال: حدثنا هشام، أن أبا الزبير المكي حدثهم، عن نافع بن جُبير، أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود حدثهم، أن عبد الله بن مسعود قال: «كنا في غزوة فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما انصرف المشركون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فأقام لصلاة الظهر فصلينا، وأقام لصلاة العصر فصلينا، وأقام لصلاة المغرب فصلينا، وأقام لصلاة العشاء فصلينا، ثم طاف علينا فقال: ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم».

شرح الشيخ: وهذا كالحديث السابق فيه أبو عبيدة منقطع، فيه ضعف فَهُوَ لم يسمع من أبيه، والمشروع الأذان أولًا ثُمَّ الإقامة لكل صلاة.

قارئ المتن: الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة.

664 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن سويد بن قيس حدثه، عن معاوية بن حُديج.

شرح الشيخ: (معاوية بن حُديج) صحابي صغير، قال أبو عبد الرحمن أبو نُعيم، وروى النسائي حديثه في الإقامة لمن نسي وركع، (معاوية بن حُديج) وهو ليس كرافع بن خَديج.

قارئ المتن: عن معاوية بن حُديج «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوما فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة فدخل المسجد وأمر بلالًا فأقام الصلاة، فصلى للناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس، فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ قلت: لا، إلا أن أراه، فمر بي، فقلت: هذا هو، قالوا: هذا طلحة بن عُبيد الله».

شرح الشيخ: هذا الحديث سنده جيد، وهو يدل على أن مَن نسي وهو يصلي فسلم وَقَدْ بقي عليه شيءٌ من صلاته ركعة فأكثر أن عليه أن يقيم الصلاة ثُمَّ يصلي ما بقي عليه، لكن في الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره لما سلم النبي r من ركعتين في إحدى صلاتي العشي ليس فيها أنه أقام الصلاة لصلاة ما بقي،’ ويُجمع بينه وبينها بأن هذا الحديث شاذ فلا يُعمل به لمخالفته للأحاديث الصحيحة، وَقَدْ يُقَالُ: إن هذه الزيادة لا تخالف الأحاديث بل تدل على أنه فعلها أحيانًا، والغالب عليه أنه لا يفعلها، فيدل على أنه يفعلها أحيانًا، والأحاديث تُترك أحيانًا، والأقرب أنها شاذة؛ لأن الأحاديث ما فيها أنه يُقيم، إذا ترك ركعة يُقيم، وهذا في حديث الصحيحين أن النبي r سلم عن ركعتين ثُمَّ صلى ما بقي ولم يُقم.

قارئ المتن: أذان الراعي.

665 - أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة: «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فسمع صوت رجل يؤذن فقال مثل قوله ثم قال إن هذا لراعى غنم أو عازب عن أهله فنظروا فإذا هو راعي غنم».
الأذان لمن يصلي وحده.

666 - أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن أبا عُشانة المعافري حدثه، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة».

شرح الشيخ: (شظية الجبل) يعني: قطعة مرتفعة في الجبل، (أبو عُشانة) هذا يُكنى: حي بم مؤمن، والحديث فيه: إثبات صفة العجب لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، وفيه: فضل الأذان لمَن يصلي وحده وأنه من أسباب المغفرة.

الطالب: في زيادة في الحديث؟

الشيخ: ما هي؟

الطالب: «حتى إذا بلغ: أشهد أن محمدًا رسول الله» قال الحكم: ولم أسمع هذا من ابن أبي ليلى، قال رسول الله r: «إن هذا لراعي غنم أو رجلٌ عازبٌ عن أهله فهبط الوادي فإذا هو براعي غنمٍ فإذا هو بشاةٍ ميتة قال: أترون هذه هينةً على أهلها؟ قَالُوا: نعم، قال: الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها».

الشيخ: هذا في الحديث الأول هذا موجود في الحاشية ووُجد لفظ هذا الحديث في بَعْض النسخ هكذا: (أذان الراعي): أخبرنا إسحاق بن منصور، قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة «أنه كان مع رسول الله r سفر فسمع صوت رجل يؤذن حتى إذا بلغ أشهد أن محمدًا رسول الله» قال الحكم: لم أسمع هذا من ابن أبي ليلى، ، قال رسول الله r: «إن هذا لراعي غنم أو رجلٌ عازبٌ عن أهله فهبط الوادي فإذا هو براعي غنمٍ فإذا هو بشاةٍ ميتة قال: أترون هذه هينةً على أهلها؟ قَالُوا: نعم، قال: الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» هذه وُجدت في بَعْض النسخ، هذا على الحديث الأول: أذان الراعي.

قارئ المتن: الإقامة لمن يصلي وحده.

667 - أخبرنا علي بن حُجر قال: أنبأنا إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «بينا هو جالس في صف الصلاة» الحديث.

كيف الإقامة.

668 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: حدثنا حجاج، عن شعبة قال: سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العريان، عن أبي المثنى، مؤذن مسجد الجامع قال: سألت ابن عمر، عن الأذان فقال: «كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة إلا أنك إذا قلت: قد قامت الصلاة قالها مرتين، فإذا سمعنا قد قامت الصلاة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة».

شرح الشيخ: هذا هو أذان بلال، أما أذان أبي محذورة فَإِنَّهُ يشمل الإقامة ويُرجع الشهادتين في الأذان كما سبق.

قارئ المتن: إقامة كل واحدٍ لنفسه.

669 - أخبرنا علي بن حُجر قال: أنبأنا إسماعيل، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولصاحب لي: «إذا حضرت الصلاة، فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أحدكما».

شرح الشيخ: (إقامة كل واحدٍ لنفسه) المؤلف النسائي فهم من الحديث حديث مالك بن الحويرث: «إذا حضرت الصلاة، فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أحدكما» كل واحد يقيم لنفسه؛ يعني: إذا كانوا اثنين كل واحد يقيم مرة، هذا يقيم وهذا يقيم، وهذا الفهم من الحديث غريب من النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ، بل المؤذن واحد والمقيم واحد، وَقَدْ سبق ترجمة مضت حديث: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم» سبق والحديث أخرجه البخاري.

والحديث مجمل يفسره الحديث السابق: «فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم» ففهم النسائي هنا غريب، فهم النسائي من الحديث: إذا كانوا اثنين فَكُلُّ واحد يقيم، هذا يقيم وهذا يقيم، كل واحد يقيم، إقامة كل واحدٍ لنفسه: «إذا حضرت الصلاة، فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أحدكما» يقول: كل واحد يقيم، هذا يقيم وهذا يقيم الاثنين، لكن هذا مجمل فسرته الأحاديث الأخرى: أن الذي يقيم واحد وهو الإمام، والثاني ما يقيم، والترجمة: (إقامة كل واحدٍ لنفسه) هذا فهم النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ وهذا بعيد هذا الفهم، والصواب: أن الذي يقيم واحد ما يقيم اثنين.

قارئ المتن: فضل التأذين.

670 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضي النداء أقبل حتى إذا ثُوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل المرء إن يدري كم صلى».

شرح الشيخ: (إن) نافية بمعنى: ما، «حتى يظل المرء إن يدري» يعني: ما يدري، «كم صلى» وهذا يدل على شدة عذاب الشيطان وحرصه على إفساد أعمال بني آدم، فينبغي للمسلم أن يأخذ حذره بإبعاد الوساوس عنه، وهذا شيءٌ مشاهد، فإن الإنسان إذا دخل في الصلاة ذكر أشياء لم يذكرها من قبل، وعلى الإنسان ألا يتشبه بالشيطان في إعراضه عن الأذان، بل عليه أن يُجيب المؤذن بصدقٍ وإخلاص، فإن ذلك من أسباب المغفرة.

قارئ المتن: الاستهام على التأذين.

671 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن سُمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا».

شرح الشيخ: «لاستهموا» يعني: لاقترعوا إليه، و«التهجير» التبكير إلى الصلوات.

قارئ المتن: اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا.

672 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت: «يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا».

شرح الشيخ: استدل به العلماء على جواز طلب الإمامة؛ لأنه قال: «اجعلني إمام قومي» استدل به العلماء على جواز طلب الإمامة إذا كان قصده الإصلاح، ومثله قول الله تعالى عن يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] ففيه: طلب الولاية إذا كان أهلًا ويرى أنه أصلح من غيره للولاية، وهذا مستثنى من قوله r لعبد الرحمن بن سمُرة: «لا تسأل الإمارة»، وقوله: «إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا طلبه وحرص عليه»، وقوله: «واقتد بأضعفهم» فيه: دليل على أن الإمام يراعي حال المأمومين فلا يشق على الضعيف بالإطالة.

وقوله في الحديث الآخر: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فَإِنَّهُ من ورائه الضعيف، والكبير، وذا الحاجة» والمراد: التخفيف المعروف في الشرع، وليس المراد التخفيف الذي يرجع إلى رغبة الإمام ولا رغبة المأمومين، التخفيف معروف من فعله r، كان يُحسب له بالتسبيحات في الركوع عشرة مع التدبر، وفي السجود عشرة، فيكون عشر تخفيف بالنسبة إلى عشرين وثلاثين.

وفيه: فضل المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا؛ يعني: لا يأخذ راتب، فإذا احتاج وأخذ أجرًا من بيت المال لتفرغه وانقطاعه عن طلب المعيشة فلا حرج ويُرجى له أن يأجره الله مع أخذه للأجرة.

قارئ المتن: القول مثل ما يقول المؤذن.

673 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن».

ثواب ذلك.

674 - أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن بكير بن الأشج حدثه، أن علي بن خالد الزُرقي حدثه، أن النضر بن سفيان حدثه، أنه سمع أبا هريرة يقول: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال ينادي، فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل هذا يقينًا دخل الجنة».

شرح الشيخ: فيه: فضل ثواب إجابة المؤذن، وأن مَنْ قال مثلما يقول عن يقين فَإِنَّهُ من أسباب دخول الجنة، ومثله حديث عمر في صحيح مسلم: «أن مَنْ قال كما يقول المؤذن عن إيمانٍ وصدقٍ وإخلاص دخل الجنة» في حديث ابن عمر الآتي: أن إجابة المؤذن وَالصَّلَاة على الرسول r بعدها، وسؤال الله الوسيلة من أسباب دخوله في شفاعة الرسول r.

قارئ المتن: القول مثل ما يتشهد المؤذن.

675 - أخبرنا سويد بن نصر، أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن مجمع بن يحيى الأنصاري قال: كنت جالسًا عند أبي أمامة بن سهل بن حنيف، فأذن المؤذن فقال: "الله أكبر. الله أكبر فكبر اثنتين، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فتشهد اثنتين، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله فتشهد اثنتين" ثم قال: «حدثني هكذا معاوية بن أبي سفيان، عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم».
676 - أخبرنا محمد بن قدامة، حدثنا جرير، عن مِسعر، عن مجمع، عن أبي أمامة بن سهل، قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: «سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع المؤذن فقال مثل ما قال».

القول الذي يقال المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح.

677 - أخبرنا مجاهد بن موسى وإبراهيم بن الحسن المِقسمي قالا: حدثنا حجاج قال: ابن جريج، أخبرني عمرو بن يحيى، أن عيسى بن عمر أخبره، عن عبد الله بن علقمة بن وقاص، عن علقمة بن وقاص قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه، فقال معاوية كما قال المؤذن حتى إذا قال: حي على الصلاة. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» فلما قال: حي على الفلاح. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل ذلك».

شرح الشيخ: فيه: أنه في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قارئ المتن: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان.

678 - أخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله، عن حيوة بن شريح، أن كعب بن علقمة سمع عبد الرحمن بن جبير مولى نافع بن عمرو القرشي يحدث، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول وصلوا علي؛ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله أرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة».

شرح الشيخ: فيه: أن مَنْ أجاب المؤذن ثُمَّ صلى على الرسول ثُمَّ سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعة الرسول r يوم القيامة، وهذا قولٌ عظيم.

قارئ المتن: الدعاء عند الأذان.

679 - أخبرنا قتيبة، عن الليث، عن الحُكيم بن عبد الله، عن عامر بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا غُفر له ذنبه».

شرح الشيخ: ورد القولان: قول: أشهد أن لا إله إلا الله، أو: وأنا أشهد، يُخير بين هذا وهذا، ولأحمد حديث: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول» يرجح الأول وهو قوله: أشهد.

قارئ المتن:

680 - أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا شعيب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمود الذي وعدته».

شرح الشيخ: المقام.

الطالب: عندي مقامًا.

الشيخ: المقام، هكذا ورد لفظ المقام معرف، ورواه البخاري منكر بلفظ: «وابعثه مقامًا محمودًا» وَقَدْ أورد إشكال على رواية تنكير مقام، «وابعثه مقامًا» وهو أنه وُصف بالذي، وهو معرفة، والوصف يطابق الموصوف، كيف: وابعثه مقامًا الذي وعدته، مقام نكرة، والذي معرفة، والوصف يطابق الموصوف، وأُجيب بِأَنَّهُ على تقدير معرفة، أو لأنه في حكم المعرفة؛ لأن هذا المقام خاصٌ بالنبي r، وفيه: فضل هذا الدعاء بعد الأذان وأنه من أسباب حلول شفاعة النبي r: : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته».

قارئ المتن: «وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إلا حلت له شفاعتي يوم القيامة».

الصلاة بين الأذان والإقامة.

681 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد، عن يحيى، عن كهمس قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاةٌ لمَن شاء».

شرح الشيخ: المراد بالصلاتين: الأذان والإقامة، قوله: «لمَن شاء» رفع الوجوب، لو لم تأتي «لمَن شاء» لصار واجب، «لمَن شاء» يعني بالخيار إن شاء صلى ركعتين وإن شاء لم يصلي، فيه: استحباب صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة.

قارئ المتن:

682 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عامر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن عامر الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: «كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبتدرون السواري يصلون حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، ويصلون قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء».

شرح الشيخ: (شيء) يعني: لم يكن وقتٌ كثير، ومع ذلك فكانوا يصلوا ركعتين قبل المغرب، وليس المراد أنها وقتها قصير بل هو إلى غروب الشفق، المراد: أن النبي r كان لا يؤخرها ولعل والله أعلم يتسع الوقت بينها وبين العشاء ليتمكن الناس من قضاء حوائجهم.

قارئ المتن: التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان.

683 - أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان، عن عمر بن سعيد، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه قال: «رأيت أبا هريرة ومر رجل في المسجد بعد النداء حتى قطعه فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم».

684 - أخبرنا أحمد بن عثمان بن حُكيم قال: حدثنا جعفر بن عون، عن أبي عميس قال: أخبرنا أبو صخرة، عن أبي الشعثاء قال: «خرج رجل من المسجد بعد ما نودي بالصلاة، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: في هذا: أنه لا يجوز الخروج بعد الأذان من المسجد إلا لحاجة، إذا احتاج توضأ، أو يكون إمام في مسجدٍ آخر، أما أن يخرج بدون سبب فهذا منهي عنه لا يجوز، لا يجوز الخروج إلا لحاجة؛ لأن خروجه قد يؤدي إلى تأخير الصلاة، أو تركها وَقَدْ تفوته الجماعة.

قارئ المتن: إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة.

685 - أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي ذئب ويونس وعمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبرهم، عن عروة، عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، ثم يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر ركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن بالإقامة، فيخرج معه» وبعضهم يزيد على بعض في الحديث.

شرح الشيخ: يعني: أن السجدة الواحدة في هذه الركعات قدر قراءة خمسين آية؛ صلاة الرسول r وهو دليل على أنه r كان يطيل في صلاته، السجدة قدر خمسين آية وهو ساجد، يصلي إحدى عشرة ركعة، والقيام طويل، والركوع طويل، وبين السجدتين.

قارئ المتن:

 686 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، عن الليث قال: حدثنا خالد، عن ابن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان، أن كريبًا مولي ابن عباس أخبره قال: سألت ابن عباس قلت: «كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فوصف: أنه صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفخ، وأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام فصلى ركعتين وصلى بالناس ولم يتوضأ».

شرح الشيخ: (إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة) يعني: يأتي المؤذن ويخبره بوقت الصلاة، وَأَمَّا كون النبي r صلى ولم يتوضأ؛ لأنه نومه r لا ينقض الوضوء، وهذا من خصائصه r؛ لأنه «تنام عينه ولا ينام قلبه» أما غيره، غير النبي فإن نومه إذا كان مستثقلًا فهذا ينقض وضوئه، لحديث صفوان بن عسال، وفيه: «ولكن من غائطٍ وبولٍ ونوم»، والخفقان الذي يسمع به كلام الناس لا ينقض الوضوء لما ورد أن الصحابة تخفق رؤوسهم قبل صلاة العشاء فيصلون ولا يتوضئون، خفقان، ما دام يسمع مَنْ حوله ولو خرج منه حدث لعلم به فهذا يعتبر خفيف، أما إذا استثقل نومه بحيث لا يُحس بمَن حوله ولو خرج منه حدث لم يعلم به فهذا نومه ثقيل ينقض الوضوء.

والمسألة فيها ما يقرب من ثمانية أقول:

من العلماء مَنْ قال: إذا كان راكع ينقض الوضوء، وإذا كان ساجد، وإذا كان متكئ، وإذا كان..، أقوال.

قارئ المتن: إقامة المؤذن عند خروج الإمام

687 - أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت».

شرح الشيخ: يعني: حتى لا يشق عليهم الوقوف.

 

 

قارئ المتن: كتاب المساجد: الفضل في بناء الم‍ساجد.

688 - أخبرنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عمرو بن عبسة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى مسجدًا يُذكر الله فيه بنى الله عز وجل له بيتًا في الجنة».

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ.

قارئ المتن: المباهاة في المساجد.

689 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط الساعة: أن يتباهى الناس في المساجد».

ذكر أي مسجد وُضع أولًا.

690 - أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كنت أقرأ على أبي القرآن في السكة، فإذا قرأت السجدة سجد، فقلت: يا أبت، أتسجد في الطريق؟ فقال: إني سمعت أبا ذر يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي مسجد وضع أولًا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عامًا، والأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل».

شرح الشيخ: فيه: أن أول المساجد هو المسجد الحرام حيث بنى الكعبة إبراهيم ويسمى مسجد إبراهيم، ثُمَّ المسجد الأقصى حيث بناه يعقوب حفيد إبراهيم وبينهما أربعون سنة، ثُمَّ آخرها مسجد النبي r؛ يعني: المسجد الحرام يسمى مسجد الكعبة ويسمى مسجد إبراهيم بناه إبراهيم r، والمسجد الأقصى بناه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم حفيد إبراهيم بعد أربعين سنة من بناء المسجد الحرام، ثُمَّ مسجد النبي r آخرها.

قارئ المتن: فضل الصلاة في المساجد.

691 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «من صلى في مسجد رسول الله؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة».
الصلاة في الكعبة.

692 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من ولج فلقيت بلالًا فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نعم، صلى بين العمودين اليمانيين».

شرح الشيخ: يعني: الرسول صلى بينهما، حديث ابن عباس أنه لم يصلي بينهما، خفيت عليه السنة، والمثبت مقدم على النافي، ابن عباس ما صلى في الكعبة ولا كبر، وهنا أسامة قال: أنه صلى بينهما، ذمر المحشي قال: فيه إشكال المسجد الحرام ثُمَّ المسجد الأقصى وبينهما أربعون عامًا، قال القرطبي: فيه إشكال وَذَلِكَ أن المسجد الحرام بناه إبراهيم بنص القرآن، والمسجد الأقصى بناه سليمان كما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر وسنده صحيح، وبين إبراهيم وسليمان أيامٌ طويلة، قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة، قال: ويرتفع الإشكال بأن يُقَالُ: الآية والحديث لا يدلان على بناء إبراهيم وسليمان لما بينا ابتداء وضعها بل ذلك تجديد لمَن كان أسسه وبدأه، وَقَدْ روي أن أول مَنْ بنى البيت آدم، وعلى هذا فيزول الإشكال.

بناء آدم لم يأتي في الأحاديث الصحيحة، وسواء يرتفع الإشكال بأن يُقَالُ: إن بناء سليمان بناء تجديد والذي بناه الأول هو يعقوب بعد بناء إبراهيم، هكذا يزول الإشكال، يعقوب هو الذي بنى بيت المقدس، ثُمَّ سليمان بعد ألف سنة جدده، تجديد، بناء سليمان تجديد، والذي بناه أولًا يعقوب، هذا اللي جاء الإشكال، أما قوله: أن آدم بناه فالله أعلم، وهذا جاء في آثار، المعروف في القرآن أن أول مَنْ بنى الكعبة هو إبراهيم عليه السلام، ويسمى المسجد الأقصى: مسجد الأنبياء، ومسجد الكعبة يسمى: مسجد إبراهيم.

قارئ المتن: فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه.

693 - أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن ابن الدَيلمي، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خِلالًا ثلاثة: سأل الله عز وجل حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه».

شرح الشيخ: الذهاب إلى المسجد وَالصَّلَاة فيه من أسباب المغفرة، فكيف بالمسجد الأقصى ومسجد الرسول r؟ أولى بهذا الفضل، قوله: «لما بنى بيت المقدس» يعني: بناء تجديد، والذي بناه هو يعقوب عليه السلام بعد بناء إبراهيم الكعبة بأربعين عامًا كما سبق.

قارئ المتن: فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.

694 - أخبرنا كثير بن عبيد قال: حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين وكانا من أصحاب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول: «صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء ، ومسجده آخر المساجد» قال أبو سلمة وأبو عبد الله: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمنعنا أن نستثبت أبا هريرة في ذلك الحديث ، حتى إذا توفي أبو هريرة ذكرنا ذلك وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه ، فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ ، فذكرنا ذلك الحديث ، والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني آخر الأنبياء ، وإنه آخر المساجد».

شرح الشيخ: يعني: آخر مساجد الأنبياء؛ لأنه سبقه المسجد الأقصى والمسجد الحرام.

قارئ المتن:

695 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة».

شرح الشيخ: «ما بين بيتي ومنبري» هذه الرواية الصحيحة، ومَن رواه: "ما بين قبري ومنبري" فهذا رواه بالمعنى، «ما بين بيتي ومنبري» ولو كان قبره معروفًا لقوله r لو كان ثابتًا لما اختلف الصحابة أين يُدفن، الصحابة اختلفوا أين يُدفن، لو كان معروف قبره ما اختلفوا، هذا يدل على أن الرواية الصحيحة: «ما بين بيتي ومنبري» وَأَمَّا "ما بين قبري ومنبري" هذا رواية بالمعنى.

قارئ المتن:

696 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن عمار الدهني، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة».

شرح الشيخ: يعني: ثبت في الحديث أن حوضه r في الأرض التي يُحاسب عليها الناس، ويصب فيه مرزبان من الجنة من نهر الكوثر، وأن منبره على حوضه، قيل: إن المعنى أن منبره يُنقل ويكون في الجنة، وقيل المعنى: أن العمل فيه وثوابه يؤدي إلى دخول الجنة.

قارئ المتن: ذكر المسجد الذي أُسس على التقوى.

697 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن عمران بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: «تمارى رجلان في المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا».

شرح الشيخ: والمعنى: أن مسجد الرسول r أُسس على التقوى كما أن مسجد يعقوب أُسس على التقوى، كلٌ منهما أُسس على التقوى.

قارئ المتن: فضل مسجد قباء والصلاة فيه.

698 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبًا وماشيًا».

699 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا مجمع بن يعقوب، عن محمد بن سليمان الكرماني قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى فيه كان له عدل عمرة».

شرح الشيخ: هذا في فضله.

قارئ المتن: ما تُشد الرحال إليه من المساجد.

700 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى».

شرح الشيخ: جمع بيعَة، والبِيعة هي: معبد النصارى أو اليهود.

قارئ المتن: اتخاذ البيَع مساجد.

701 - أخبرنا هناد بن السري، عن ملازم قال: حدثني عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي قال: خرجنا وفدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ وتمضمض، ثم صبه في إداوة وأمرنا فقال: «اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بِيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدًا، قلنا: إن البلد بعيد ، والحر شديد ، والماء ينشف، فقال: مدوه من الماء؛ فإنه لا يزيده إلا طيبًا» فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها ، واتخذناها مسجدًا، فنادينا فيه بالأذان ، قال: والراهب رجل من طيئ، فلما سمع الأذان قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد.

 

 

شرح الشيخ: والتلعة: مسيل الماء من على الوادي، قيل: التلعة (دعوة حق) قال الشارح: ألحقه الله تعالى برجال غيره، والله أعلم، يقول: سمعناه ولم نرى هذا الرجل، فيه: أنه ينبغي الأماكن التي يكون في الشرك يكون مكانًا يُعبد الله فيه، فهذا إزالة أسباب الشرك، ولهذا اتخذ موضع اللات في الطائف مسجدًا، وهو مسجد الطائف ويسمى مسجد العباس، ولهذا قال: اجعلوا مكان البِيعة معبد النصارى مسجدًا، فكسروا البيعة ونضحوا مكانها واتخذوها مسجدًا، وفيه: راهب لما سمع الأذان قال: دعوة الحق، ثُمَّ استقبل مسيل الوادي ولم يُرى.

قارئ المتن: نبش القبور ، واتخاذ أرضها مسجدًا.

702 - أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في عرض المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ من بني النجار فجاءوا متقلدي سيوفهم، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر رضي الله عنه رديفه، وملأ من بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يصلي حيث أدركته الصلاة فيصلي في مرابض الغنم، ثم أمر بالمسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاءوا فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» قالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال أنس: وكانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالنخل فقطعت، وبالخِرب فسويت فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه.

شرح الشيخ: يعني: جانبيه.

قارئ المتن: وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة.

شرح الشيخ: فيه: دليل أن الأعيان ووجهاء الناس ينبغي أن يشاركوا الناس في الأعمال المهمة لما في ذلك من حث الناس وتشجيعهم، فالنبي r كان معهم وهم ينقلون الصخر، وفيه: ما ترجم له المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ من أن تُنبش القبور ويتخذ أرضها مسجدًا، فمسجد الرسول r كان فيه قبور المشركين، وفيه خِرب ونخل، فأمر الرسول r بقبور المشركين فنُبشت، وبالنخل فقُطعت وبالخِرب فسويت، فصفوا النخل قِبلة المسجد وجعلوه مسجدًا، قوله: «ثامنوني بحائطكم» يعني: أخبروني بثمنه، قَالُوا: لا نطلب ثمنًا إلا من الله، لا نريد ثمن.

قارئ المتن: النهي عن اتخاذ القبور مساجد.

703 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن معمر ويونس قالا: قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عائشة وابن عباس قالا: «لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه قال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

شرح الشيخ: والأحاديث في الصحيحين وهو من أحاديث كتاب التوحيد، الحديثين: «لعن متخذين المساجد على القبور»، «وأنهم شرار الخلق».

قارئ المتن:

704 - أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي، عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولئكِ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا تيك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة».

شرح الشيخ: وَذَلِكَ أن أم حبيبة وأم سلمة هاجرتا إلى الحبشة رأينا التصاوير فيها، فأخبرهن أنهم من شرار الخلق: «إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا تيك الصور» فهم شرار الخلق؛ لأن هذا وسيلة للشرك.

قارئ المتن: الفضل في إتيان المساجد.

705 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده، فرجلٌ تكتب حسنة ورجلٌ تمحو سيئة».

شرح الشيخ: والمراد بالحسنة: الدرجة، ولهذا في الحديث: خطورة يحط بها سيئة وأخرى يرفع بها درجة، وهنا ذكر ثلاثة أشياء: الدرجة، الحسنة، السيئة.

قارئ المتن: النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد.

706 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها».

شرح الشيخ: فإذا منعها أثم، إلا إذا كانت تخرج متبرجة أو متطيبة فله منعها، قد قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لو علم رسول الله r ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المساجد» هذا اجتهاد من عائشة، ولكن يُقَالُ: هذا تشجيع لِلْأُمَّة إلى يوم القيامة والله يعلم ما يكون في آخر الدهر.

قارئ المتن: من يُمنع من المسجد.

707 - أخبرنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج قال: حدثنا عطاء، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أكل من هذه الشجرة - قال أول يوم: الثوم، ثم قال: الثوم والبصل والكراث - فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس».

من يُخرج من المسجد.

708 - أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا هشام قال: حدثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، أن عمر بن الخطاب قال: «إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأُخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخًا».

شرح الشيخ: والمراد خبيثتين يعني: رديئتين مكروهتين، الخبث للكراهة وليس هو للتحريم، منه قوله r: «وكسب الحجام خبيث» يعني: رديء، وفيه: أن مَنْ فيه رائحة كرات أو ثوم أو دخان فإن عليه أن يعالجها حتى يزول، ولا ينبغي أن يأتي المسجد وله رائحة كريهة: كرات، أو بصل، أو فجل، أو دخان، أو رائحة أسنان، أو إبطيه، وكذلك الروائح التي توجد في العمال، فإن زالت وإلا صلوا وحدهم ليس لهم أن يؤذوا الناس.

وفيه: أنه في عهد النبي r مَنْ وُجد فيه ريح يُخرج إلى البقيع، يُخرجه النبي لكن الآن إخراجه يترتب عليه مفسدة ولكن يُنصح، فإذا ترتب عليه مفسدة فلا، لكن على عهد النبي r فالنبي r هو المشرع وَالصَّحَابَة كذلك لهم سلطة على غيرهم، الصحابي قد يفعل ما لا يفعله غيره، فكان النبي r يأمر بالرجل إذا وجد منه ريح يُخرج من المسجد إلى البقيع، فمَن فيه رائحة كريهة لا يجوز دخوله المسجد: بصل، أو كرات، أو فجل، أو دخان، أو صنان روائح تنبعث من إبطيه.

قارئ المتن: ضرب الخِباء في المساجد.

709 - أخبرنا أبو داود قال: حدثنا يعلى قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عَمرة، عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الصبح ثم دخل في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه، فأراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فأمر فضُرب له خِباء، وأمرت حفصة فضرب لها خباء فلما رأت زينب خِباءها أمرت فضرب لها خِباء فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آلبر تردن فلم يعتكف في رمضان واعتكف عشرًا من شوال».
710 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش رمية في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب».

شرح الشيخ: فيه: جواز ضرب الخِباء في المسجد إذا كان فيه متسع للاعتكاف أو لمريضٍ ليُزار من قرب، أو لأنه لا مأوى له كالمرأة التي جاءت من قومها وأسلمت كان لها خِباءٌ في المسجد وهي التي تقول لعائشة:

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا
 

 

على أنه من بلدة الكفر نجاني
 

 

أما منع النبي r لضرب الخِباء فلأنه يُحتمل عدم الإخلاص، أو لأن الحامل عليه من المباهاة، لما النبي r أراد أن يعتكف ضرب خِباء، فأمرت حفصة فضُرب لها خِباء، وأمرت زينب فضُرب لها خِباء، وكذلك عائشة فلما أصبح الفجر رأى ثلاثة أخبية، قال: «لمَن هذا؟» قَالُوا: هذا لزينب، وهذا لحفصة، فَقَالَ: «آلبر يُردن» يردن البر والخير؟ ثُمَّ قال: عدلت عن الاعتكاف هذا العام، خاف عليهم من الغَيرة والمباهاة وعدم الإخلاص فلم يعتكف في تلك العام وقضاها في العشر الأول من شوال، قال: «آلبر يُردن»فمنعهن من ضرب الخِباء لاحتمال عدم الإخلاص أو لأنه حملٌ على المباهاة والغَيرة.

وفيه: دليل على جواز الاعتكاف في غير رمضان، اعتكف في شوال، بَعْض العلماء يقول: لا يجوز الاعتكاف إلا في رمضان.

قارئ المتن: إدخال الصبيان المساجد.

711 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عمرو بن سليم الزُرقي، أنه سمع أبا قتادة يقول: «بينا نحن جلوس في المسجد، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صبية يحملها فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه يضعها إذا ركع، ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها».

شرح الشيخ: يعني: وهو يصلي الفريضة بالناس، وفيه: أنه لا بأس بإدخال الصبيان المسجد وأن حملهم في الصلاة على الصفة التي فعلها النبي r لا بأس به، وأن ملامسة ثيابهم لا تؤثر، وكان النبي r يخفف في صلاته لبكاء الصبي فلا يمنعهم؛ لأن منعهم منعٌ لآبائهم، وفيه: شفقة النبي r وإناسه للأطفال، وهو إناسٌ لأهلهم، لكن إذا وُجد من الصبي أذىً في المسجد تشويش أو صوت أو تلويث للمسجد فإن قواعد الشريعة تقتضي منعه.

 

 

قارئ المتن: ربط الأسير بسارية المسجد.

712 - أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة يقول: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أُثال سيد أهل اليمامة فرُبط بسارية من سواري المسجد».

شرح الشيخ: وهو رئيس اليمامة في نجد، فيه: جواز ربط الأسير بالمسجد وإن كان كافرًا ليستفيد ويسمع القرآن، ويرى المصلين، وكان ثمامة رجلًا عاقلًا فتأثر وأسلم، رُبط ثلاثة أيام في سارية من سواري المسجد فيمر النبي r فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: عندي خير إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد مالًا فسل ما بدا لك» يقول: إن تقتل تقتل رجل عظيم له مكانته، رئيس في قومه، «وإن تُنعم تُنعم على شاكر» رجل عاقل يقدر المعروف، وإن تريد المال نعطيك ما تشاء، فتركه النبي r، ومر عليه النبي r اليوم الثاني قال: «ما عندك يا ثمامة؟» فَقَالَ مثلما قال: «عندي خير إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد مالًا فسل ما بدا لك» ثُمَّ تركه.

فجاء في اليوم الثالث فَقَالَ مثل ذلك فَقَالَ النبي r: «أطلقوا ثمامة، فأطلقوه فذهب إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد واغتسل فيه ثُمَّ جاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أن محمدًا رسول الله» توسم فيه النبي r ذلك، رجل عاقل واستفاد فأسلم، فَقَالَ: «يا رسول الله إن خيلك أخذتني وكنت أريد العمرة» يعتمر وهو كافر على طريقة المشركين، فبشره النبي وأمره أن يقضي عمرته، فلما جاء إلى مكة قَالُوا: «يا ثمامة صبوت؟» خرجت من دينك، قال: «بل أسلمت لله رب العالمين ووالله لا تجيئكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله» حصار اقتصادي، قال: ما يجيئكم حبوب من نجد إلا إذا أذن الرسول r، عقوبةً لهم لما عيروه.

هذا في دخول المسجد في المدينة، أما مكة فلا يجوز دخول الكافر، لقول الله تعالى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] هذا من خصائص المسجد الحرام؛ ما يدخله الكفار، ولهذا في خط يأتي من الطائف إلى جدة يسمونه خط النصارى، الخواجات غير المسلمين من الطائف إلى جدة ما يمرون بمكة، سموه خط النصارى، أما المدينة فلا بأس.

قارئ المتن: إدخال البعير المسجد

713 - أخبرنا سليمان بن داود، عن ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمِحجن».

شرح الشيخ: قيل: إن النبي r طاف راكبًا لمرض، أو لازدحام، لما الناس غشوه وإلا فلا يطوف راكبًا وهو قادر على المشي، وقيل: إنه ركب ليراه الناس ويتعلمون منه، وفيه: جواز الركوب وإن كان قادر على المشي وهذا هو الصواب، وإذا كان هذا في الطواف فالسعي من باب أولى، بل ثبت أنه سعى راكبًا، بَعْض العلماء يقول: لا يجوز السعي راكبًا إلا إذا عجز والنبي r فعل هذا لمرض أو لأنه غشيه الناس أو للتعليم، والصواب: أنه لا بأس بذلك.

قارئ المتن: النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صلاة الجمعة.

714 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وعن الشراء والبيع في المسجد».

شرح الشيخ: قيل: الحكمة في النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة؛ لأنه قد يتأخر في حلقتهم يتأخرون فيضعفون عن التبكير إلى الجمعة، وكان شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللَّهُ إذا ألقى أحد كلمة بعد الفجر يوم الجمعة يقول: مكانكم لا تتحلقون.

قارئ المتن: النهي عن تناشد الأشعار في المسجد.

715 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تناشد الأشعار في المسجد».

الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد.

716 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: مر عمر بحسان بن ثابت وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه فقال: قد أنشدت وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أجب عني اللهم أيده بروح القدس؟» قال: اللهم نعم.

شرح الشيخ: فيها الجمع: (النهي عن تناشد الأشعار في المسجد) الأشعار التي فيها سباب، أو غزل، أو قلب الحقائق، أو ترويج للباطل هذا ممنوع، أما الشعر الحسن فلا بأس به كما في الحديث الآخر: أن حسان كان يُنشد في مسجد النبي r ويقول له النبي r: «أجب عني اللهم أيده بروح القدس؟».

 

 

قارئ المتن: النهي عن إنشاد الضالة في المسجد.

717 - أخبرنا محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: «جاء رجل ينشد ضالة في المسجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وجدت».

شرح الشيخ: دعاءٌ عليه، «لا وجدت» يعني: لا وجدت ضالتك، فيه: دعاءٌ عليه مَنْ أنشد الضالة أو باع، قال: «مَنْ باع واشترى في المسجد لا أربح الله تجارته» ومَن أنشد قال: «لا وجدت ضالتك» عقوبةً له.

قارئ المتن: إظهار السلاح في المسجد.

718 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ومحمد بن منصور قالا: حدثنا سفيان قال: قلت لعمرو: أسمعت جابرًا يقول: مر رجل بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ بنصالها» قال: نعم.

شرح الشيخ: جمع نصل وهو حديدة السهم والرمح والسيف لئلا يجرح أحدًا، وكذلك إذا مر بسيارة فيها مواسير ولا فيها حديد ينبغي له أن يلاحظ هذا حتى لا يضر الناس.

قارئ المتن: تشبيك الأصابع في المسجد.

719 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: دخلت أنا وعلقمة على عبد الله بن مسعود فقال لنا: «أصلى هؤلاء؟» قلنا: لا. قال: «قوموا فصلوا». فذهبنا لنقوم خلفه، فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فصلى بغير أذان ولا إقامة، فجعل إذا ركع شبك بين أصابعه وجعلها بين ركبتيه وقال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل».

720 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر قال: أنبأنا شعبة، عن سليمان قال: سمعت إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله فذكر نحوه.

شرح الشيخ: قوله: «فجعل إذا ركع شبك بين أصابعه وجعلها بين ركبتيه» هذا يسمى التطبيق، إذا ركع جعل يديه بين ركبتيه بدل مال يجعلها فوق ركبتيه، كان في أول الإسلام ثُمَّ نُسخ وخفي على ابن مسعود، وكذلك صلاته بغير أذان ولا إقامة خفيت عليه السنة، وكذلك صلاته بينهما، إذا كانوا اثنين يكون خلفه ما يكون بينهما، والسنة: أن يكون خلفه إذا كانوا اثنين فإن كان واحدًا وقف عن يمين الإمام، فهذه ثلاث سنن خفيت على ابن مسعود: كونه صلى بغير أذان وإقامة، وكونه وضع يديه بين ركبتيه، وكونه صلى بينهما ولم يجعلهما خلفه، مع جلالة قدره.

وفيه: أن السنة قد تخفى على العالم وإن كان عظيمًا قد يخفى عليه شيءٌ من السنة.

قارئ المتن: الاستلقاء في المسجد.

721 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن تميم، عن عمه أنه، «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى».

شرح الشيخ: وهذا فيه: الاستلقاء في المسجد، وجاء في الأحاديث الأخرى النهي عن الاستلقاء في المسجد، والجمع بينهما: أنه يجوز الاستلقاء في المسجد إذا أمن من انكشاف العورة إذا كان عليه سراويل، وجاء النهي عن الاستلقاء وهو محمول على ما إذا لم يأمن من انكشاف العورة، فإذا كان ما عليه سروال ووضع إحدى الرجلين على الأخرى تكشف العورة، إذا مر أحد رأى عورته، أما إذا كان عليه سراويل فلا بأس، هذا هو الجمع بينهما.

قارئ المتن: النوم في المسجد.

722 - أخبرنا عُبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، «أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: فيه: أنه لا بأس بالنوم في المسجد؛ لأنه قد يحتاج الإنسان إلى النوم لكن ما ينبغي للإنسان أن يقصد مسجد النبي فقط، لكن يأتي ويصلي ما قُدر له، ويقرأ ما تيسر من القرآن ثُمَّ إذا احتاج إلى النوم نام، أما أن يأتي للنوم فقط هذا تركه أولى.

قارئ المتن: البصاق في المسجد.

723 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها».

شرح الشيخ: فيه: تحريم البصاق في المسجد وأن كفارتها دفنها إذا كان فيه تراب يتحمل وإلا حُكت ونُظف مكانها، لكن المساجد مفروشة الآن فلا يدفنها، لكن الأول كان في تراب وحصباء فهذا يتحمل تُدفن، لكن إذا كانت مفروشة فلا وَإِنَّمَا تُنظف وتُغسل حتى تزول.

قارئ المتن: النهي عن أن يتنخم الرجل في قِبلة المسجد.

724 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصقن قِبل وجهه؛ فإن الله عز وجل قِبل وجهه إذا صلى».

شرح الشيخ: هذا فيه: تحذير من البصاق من الأمام والإنسان يصلي، وكذلك عن اليمين حتى في غير الصلاة كما سيأتي.

قارئ المتن: ذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يبصق الرجل بين يديه أو عن يمينه وهو في صلاته.

شرح الشيخ: (بين يديه) يعني: أمامه.

قارئ المتن:

725 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة، ونهى أن يبصق الرجل بين يديه أو عن يمينه وقال: يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى».

شرح الشيخ: وهذا في غير المسجد؛ يعني: يبصق الإنسان تحت قدمه إذا كان في الصحراء أو في مكان، وَأَمَّا إذا كان في المسجد فيبصق في ثوبه أو في منديل، قال: «ويقول بها هكذا» في ثوبه هكذا ويرد بعضها على بَعْض.

قارئ المتن: الرخصة للمصلي أن يبصق خلفه أو تلقاء شماله.

726 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني منصور، عن ربعي، عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنت تصلي فلا تبزقن بين يديك ولا عن يمينك، وابصق خلفك أو تلقاء شمالك إن كان فارغًا وإلا فهكذا» وبزق تحت رجله ودلكه.

شرح الشيخ: «تلقاء شمالك» يعني: يتنحى قليل ثُمَّ يتفل، لكن قوله: «تلقاء خلفك» إن صحت هذه اللفظة معناه: أنه يلوي عنقه ثُمَّ يبصق لا أنه يلتفت بجسمه، وهذا في غير المسجد إذا كان في الصحراء.

قارئ المتن: بأي الرجلين يدلك بصاقه.

727 - أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن أبيه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تنخع فدلكه برجله اليسرى».

شرح الشيخ: هذه الأحاديث والتراجم دليل على أنه لا يبصق أمامه ولا عن يمينه، ولكن يبصق عن يساره أو تحت قدمه في غير المسجد، أما في المسجد فيبصق في ثوبه أو منديل ويدلك بعضه ببعض، والبصاق عن يساره والالتفات قليلًا أو البصاق في منديل حركاتٌ يسيرة لا تؤثر في الصلاة، ومثله مثل فتح النبي r الباب لعائشة، وحمله أمامة بنت زينب ووضعها على الأرض إذا سجد؛ كل هذه أعمال قليلة.

قارئ المتن: تخليق المساجد.

728 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عائذ بن حبيب قال: حدثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قِبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خَلوقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا».

شرح الشيخ: والخَلوق: الطيب، نوعٌ من الطيب، أنواع من الطيب يسمى خَلوق، قال: «ما أحسن هذا» حكت النخامة ووضعت مكانها طيب.

قارئ المتن: القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه.

729 - أخبرنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني بصري قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا سليمان، عن ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك».

شرح الشيخ: وهذا بعد قوله: بسم الله، وَالصَّلَاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، والخروج: فضلك، ويقول: اللهم أجرني من الشيطان، ومنه ما ورد أنه يصلي على النبي r ويقول: بسم الله العظيم من الشيطان الرجيم.

قارئ المتن: الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه.

730 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سُليم، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس».

الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة.

731 - أخبرنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس قال: ابن شهاب، وأخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال: وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلًا، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل حتى جئت، فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب، ثم قال: «تعال» فجئت حتى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟» فقلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه ولقد أعطيت جدلا، ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب لترضى به عني ليوشك أن الله عز وجل يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» فقمت فمضيت.

شرح الشيخ: (الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة) أخذه المصنف من قوله: «حتى جئت»، ومن قوله: «فمضيت» أنه خرج بلا صلاة، وليس بصريح، بل يحتمل أن يكون صلى تحية المسجد في ناحيةٍ من نواحي المسجد، فليُتأمل.

قارئ المتن: صلاة الذي يمر على المسجد.

732 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا الليث قال: حدثنا خالد، عن ابن أبي هلال قال: أخبرني مروان بن عثمان، أن عبيد بن حنين أخبره، عن أبي سعيد بن المعلى قال: «كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنمر على المسجد فنصلي فيه».

الترغيب في الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة.

733 - أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه».

734 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن مضر، عن عياش بن عقبة، أن يحيى بن ميمون حدثه قال: سمعت سهلا الساعدي رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن كان في المسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة».

ذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أعطان الإبل.

735 - أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى، عن أشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل».

الرخصة في ذلك.

736 - أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا سيار، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى».

شرح الشيخ: قوله: «أينما أدرك صلى» حمله المؤلف على العموم ويشمل معاطن الإبل، ولكن في هذا الاستدلال نظر كما قال السندي في الحاشية، قال: إن القاعدة الأصولية أن الخاص يقضي على العام ويخصصه به، فقوله: «أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى» فيُستثنى من ذلك معاطن الإبل، فليس استدلال النسائي رَحِمَهُ اللَّهُ هنا بالعموم واضح، بل النهي عن الصلاة في معاطن الإبل خاص، وقوله: «أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى» يعني: عام، والخاص يخصص العام ويقضي عليه.

قارئ المتن: الصلاة على الحصير.

737 - أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: «أن أم سُليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى، فأتاها فعمدت إلى حصير فنضحته بماء، فصلى عليه وصلوا معه».

شرح الشيخ: فيه: دليل على جواز الصلاة على الحصير والخُمرة وهي سجادة صغيرة من سعف النخل، وَالصَّلَاة على حائل بينه وبين الأرض؛ كل هذا لا بأس به.

قارئ المتن: الصلاة على الخُمرة.

738 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد، عن شعبة، عن سليمان يعني الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخُمرة».

شرح الشيخ: قطعة من سعف النخل على قدر الوجه واليدين تسمى خُمرة.

قارئ المتن: الصلاة على المنبر.

739 - أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو حازم بن دينار: أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إني لأعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة - قد سماها سهل -: «أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس» فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي فصلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي».

شرح الشيخ: وهذا فيه: دليل على أن مثل هذا العمل لا يُخل بالصلاة، يُكبر على المنبر ويركع وهو عليه، ثُمَّ ينزل القهقرى من الخلف ويسجد في أصل المنبر، ثُمَّ يعود ويصعد، وهذا فعله ليأتم به الناس ويتعلموا صلاته، هذا لا بأس به للتعليم، ولهذا ترجم هنا: (الصلاة على المنبر) يعني: المنبر الذي يخطب عليه، يعلم الناس الصلاة، رقي المنبر وصلى عليه، كبر وهو عليه وركع ثُمَّ لما جاء السجود نزل من الخلف تقهقر وسجد في المنبر، ثُمَّ لما قام من السجود صعد، هذا لا يُخل بالصلاة؛ لأنه للتعليم، ومثله ما فعله في صلاة الكسوف حيث تقدم لأخذ عنقودًا من عنب، مُثلت له الجنة فلما غُربت له النار تأخر وتأخرت الصفوف، تكعكع وتكعكعت الصفوف، ومثله فتح الباب لعائشة، ومثله حمل أمامة بنت زينت ووضعها إذا سجد، فهذه الأفعال وأشباهها لا تؤثر في الصلاة.

قارئ المتن: الصلاة على الحمار.

740 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن عمرو بن يحيى، عن سعيد بن يسار، عن ابن عمر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر».

741 - أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عمر قال: حدثنا داود بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك أنه، «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر والقبلة خلفه» قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحدًا تابع عمرو بن يحيى على قوله يصلي على حمار، وحديث يحيى بن سعيد، عن أنس الصواب موقوف، والله سبحانه وتعالى أعلم.

شرح الشيخ: فيه: جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت به؛ يعني: صلاة النافلة يصليها على الدابة، يصليها على السيارة، والطائرة، والباخرة حيث توجهت به سواءٌ للقبلة أو غير القبلة؛ لأن النافلة يُسامح فيها ما لا يُسامح في الفريضة، ولكن الأفضل أن يكبر للإحرام، الأفضل: أن يكبر للإحرام وهو متجه إلى القبلة احتياطًا وخروجًا من خلاف مَنْ أوجبه لما ورد في سنن أبي داود: «أن النبي r إذا صلى على دابته استقبل القبلة وكبر ثُمَّ يصلي حيث توجهت به راحلته» يعني: أول ما يكبر يُكبر جهة القبلة ثُمَّ ينحرف إلى جهة قبلته، ولكن لم يرد هذا من قوله في الأحاديث الصحيحة، فلم يأمر بتكبير الإحرام إلى القبلة فيكون هذا الحديث في سنن أبي داود شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة.

ويحتمل أنه يُحمل فعله r على الأفضل وهو أن يكبر للإحرام وهو مستقبل القبلة ثُمَّ يصلي حيث توجهت به راحلته لكن لا يجب، أما صلاة الفريضة فلا يجوز الصلاة على الدابة، ولا على الراحلة، ولهذا استدل البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ بأن الوتر ليس بواجب لكونه يصلي على راحلته، والأحناف يرون أن الوتر واجب، رد عليهم البخاري قال: النبي r كان يصلي على راحلته فلو كان فرض لنزل وصلى في الأرض، فالفريضة ينزل ويصلي في الأرض، أما النافلة والوتر، صلاة الليل، صلاة الضحى؛ يصلي على دابته، يصلي على راحلته.

وقول المؤلف: (وحديث يحيى بن سعيد، عن أنس الصواب موقوف) يعني: أن الصواب أنه جاء موقوفًا على أنس، وجاء مرفوعًا إلى النبي r ولا منافاة بينهما.

نسأل الله العلم النافع والعمل الصالح.

الطالب: جزاك الله خير، صلاة النافلة في الحضر والسفر؟

الشيخ: المعروف أن النبي r كان يصلي في السفر، أما في الحضر يصلي في البيت أو المسجد، هذا هو المعروف، بَعْض أهل العلم يُفتي بجواز صلاة النافلة في الحضر، لكن في الأحاديث الصحيحة أنه إنما كان يصلي النافلة في السفر؛ هذا هو المعروف.

وفق الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصادق، وصلى الله محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد