شعار الموقع

قراءة من سنن النسائي - كتاب الجمعة

00:00
00:00
تحميل
23

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قارئ المتن: وبأسانيدكم إلى الإمام النسائي رحمه الله تعالى:

كتاب الجمعة: إيجاب الجمعة.

أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وابن طاووسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجل عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله عز وجل له -يعني يوم الجمعة- فالناس لنا فيه تبع اليهود غدًا والنصارى بعد غد».

أخبرنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وعن ربعي بن حراشٍ، عن حذيفة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله عز وجل بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبعٌ يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق».

شرح الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الكتاب: (كتاب الجمعة) بوب المؤلف على إيجاب الجمعة وهو وجه الدلالة من قوله الذي كتب الله عز وجل عليه، فكتب بمعنى: أوجب؛ دل على وجوب الجمعة، وفي فضيلة هذه الأمة المحمدية على الأمم السابقة، وأنهم الآخرون زمنًا السابقون في الحساب وفي دخول الجنة، وفيه: ومن فضل هذه الأمة أنّ الله تعالى هداهم ليوم الجمعة وأضل عنها النصارى واليهود.

ومن فضل هذه الأمة أنّ اليهود والنصارى تبعٌ لهذه الأمة فالأمم السابقة تبعٌ لها، ومن فضائلهم كما سيأتي أنهم أكثر أهل الجنة، أول أهل الجنة دخولًا وأكثر أهل الجنة دخولًا، هذا الحديث معروف، هذا يمكن ذكره المصنف وغيره في أبوابٍ سابقة وفي أبوابٍ لاحقة.

 

 

قارئ المتن: باب التشديد في التخلف عن الجمعة.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن عمروٍ، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي الجعد الضمري، وكانت له صحبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله على قلبه».

أخبرنا محمد بن معمرٍ، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا أبان، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن الحضرمي بن لاحقٍ، عن زيدٍ، عن أبي سلام، عن الحكم بن ميناء، أنه سمع ابن عباسٍ، وابن عمر يحدثان: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، وليكونن من الغافلين»

أخبرني محمود بن غيلان، قال: حدثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدثني المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباسٍ، عن بكير بن الأشج، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن حفصة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رواح الجمعة واجبٌ على كل محتلم».

شرح الشيخ: هنا قال: «طبع الله على قلبه»، قوله: «طبع الله على قلبه» هذا حكم غير الحكم عليه بالكفر، فإنّ من ترك الصلاة كفر وهذا في غير الجمعة، فكيف بالجمعة؟ ولا يفيده صلاتها ظهرًا إلا إذا صلت الجمعة وفاتت على قول بعض المتأخرين بأنها تُقضى بأنهم لا يحكمون بكفره، أما الصحابة فإنما يحكمون بكفر تارك الصلاة، وإنما هذه العقوبة في الحديث بالطبع على قلبه تدل على أنه قد لا يُوفق للتوبة فيُحال بينه وبينها، بخلاف تارك الصلاة فإنه قد يتوب.

قارئ المتن: باب كفارة من ترك الجمعة من غير عذرٍ.

أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن قدامة بن وبرة، عن سمرة بن جندبٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك الجمعة من غير عذرٍ فليتصدق بدينارٍ، فإنْ لم يجد فبنصف دينار».

شرح الشيخ: هذا الحديث ضعيف، فإنّ قدامة بن وبرة مجهول، ابن وبرة بفتحها ثلاث، وفي متنه نكارة، أما ضعفه فإنّ فيه أيضًا قتادة وعنعن وقد دلّس، وأما عن نكارة المتن فلأنْ تارك الجمعة من غير عذر فوق ما ذُكر فإنّ ذنبها أعظم من أنْ تكفره دينار أو نصف دينار، ماذا تكلم عليه الشيخ محمد علي الأثيوبي تكلم على الحديث؟

مداخلة: شرح الحديث واضح وهو حديثٌ ضعيف، بدلالة قدامة بن وبرة وعدم صحة سماعه من سمرة، وعنعنة قتادة وهو مدلس كما أشار إليه ابن خزيمة.

الشيخ: إذًا هو مجهول، وكذلك في سماعه من سمرة كذلك نظر، وكذلك أيضًا عن قتادة، كل هذه علل في السند.

مداخلة: قال: وقوع الاضطراب فيه كما أشار إليه الإمام أحمد.

الشيخ: وزد على هذا أنّ فيه نكارة من جهة المتن فإنّ ذنبها عظيم، ما يكفره دينار ونصف دينار تارك الجمعة.

قارئ المتن: باب ذكر فضل يوم الجمعة.

أخبرنا إسحق بن منصورٍ، قال: حدثنا حسين الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم عليه السلام، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة، فإنّ صلاتكم معروضةً علي».

قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت أي يقولون قد بليت؟ قال: «إنّ الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام».

شرح الشيخ: وهذا من خصائص الأنبياء أنّ الأرض لا تأكل أجسادهم، أما الشهداء فوُجد منه من تطول مدته وهو جسه باقٍ لكن قد يبلى، وكأن ما كلما كان الشهادة أعظم وأعلى كلما كان بقاء جسده أطول.

وهذا التحريم أنه حرّم على الأرض تأكل هذا تحريمٌ قدري، لأنّ التحريم نوعان: تحريمٌ شرعي يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، وتحريمٌ قدري من قوله تعالى عن بني إسرائيل فقال: «فإنه مُحرمةٌ عليهم أربعين سنة» يعني: تحريم قدري، يقول في موسى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القصص: 12] هذا تحريم قدري.

يعني منعها الأرض من أنْ تأكل أجساد الأنبياء، أما غير الناس فإنّ الأجساد تأكلها الأرض، فتستحيل شاربًا ثم يعيدها الله خلقًا جديدًا في البعث، قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4].

قارئ المتن: باب الأمر بالسواك يوم الجمعة.

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أنّ سعيد بن أبي هلالٍ، وبكير بن الأشج حدثاه، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليمٍ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيدٍ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الغسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه»، إلا أنّ بكيرًا لم يذكر عبد الرحمن، وقال في الطيب: «ولو من طيب المرأة».

باب الأمر بالغسل يوم الجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل».

باب إيجاب الغسل يوم الجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم».

أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشرٌ، قال: حدثنا داود بن أبي هندس، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كل رجلٍ مسلمٍ في كل سبعة أيام غسل يومٍ وهو يوم الجمعة».

باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.

 أخبرنا محمود بن خالدٍ، عن الوليد، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء، أنه سمع القاسم بن محمد بن أبي بكر، أنهم ذكروا غسل يوم الجمعة عند عائشة، فقالت: إنما كان الناس يسكنون العالية، فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح، سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أو لا يغتسلون».

أخبرنا أبو الأشعث، عن يزيد بن زريعٍ، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»، قال أبو عبد الرحمن: «الحسن، عن سمرة كتابًا، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، والله تعالى أعلم».

شرح الشيخ: حسن عن سمرة فيه خلاف فيه ثلاثة أقول لأهل الأقوال:

أحدها: أنه سمع منه مطلقًا.

والثاني: أنه لم يسمع منه مطلقًا.

الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة كما ذكر النسائي رحمه الله، وقوله: «الحسن عن سمرة كتابًا» هذا يكون وجادة، والوجادة هي كتب له مروياته وقال له: اروه عني هذه الوجادة.

وقول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أولا يغتسلون» لا يلاقي كون الغسل واجب، والغسل غسل يوم الجمعة فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:

أحدها: وجوب الغسل وهو قولٌ قوي وأدلته قوية كقول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غُسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم».

الثاني: أنه يجب على أهل المهن والذين يعملون؛ لِأَنَّهَا تخرج منهم الريح كما في حديث عائشة: «فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح، سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس».

الثالث: أنه مُستحب متأكد وهذا هو قول الجمهور، ومن أدلتهم هذا الحديث حديث سمرة: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»، ولم يقل إنه ترك واجبًا.

قارئ المتن: فضل غسل يوم الجمعة.

أخبرنا عمرو بن منصورٍ، وهارون بن محمد بن بكار بن بلالٍ، واللفظ له، قالا: حدثنا أبو مسهرٍ، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غسّل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام ولم يلغ كان له بكل خطوةٍ عمل سنةٍ صيامها وقيامها».

شرح الشيخ: وهذا الحديث فيه فضلٌ عظيم للجمعة، وأنّ الخطوة إلى الجمعة مع الشروط المذكورة بعمل سنة صيامها وقيامها، ولكن هذا الحديث في سنده سعيد بن عبد العزيز وقد اختلط، قد خرّج له مسلم ولكن مسلم انتقل من مروياته ولم يخرج له البخاري ولكن ابن علي له متابع، ذكره المؤلف بعد بابين في فضل المشي إلى الجمعة، وللحديث أطراف وطرق عند أحمد والترمذي وأبي داود، ذكر ذلك مخرجون كشعيب في تخريج الأحاديث، الحديث بطرقه ومتابعته صحيح، قد أخرج له الإمام أحمد وسنده صحيح، هل تكلم الأثيوبي عن الحديث هذا «غسّل واغتسل»؟

مداخلة: قال: حديث أوس بن أوسٍ رضي الله عنه تعالى هذا صحيح، في بيان مواضع ذكر المصنف له وفيمن أخرجه، أخرجه هنا وفي الكبرى عن عمرو بن منصورٍ، وهارون بن محمد بن بكارٍ كلاهما عن أبي مسهرٍ عن سعيد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني.

وفيه والكبرى: وعن عمرو بن عثمان بن سعيدٍ عن الوليد بن مسلمٍ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابرٍ عن أبي الأشعث عنه، وفيه والكبرى: عن محمود بن خالد عن عمر بن عبد الواحد عن يحيى بن الحارث، وفي الكبرى عن عبد الرحمن بن محمدٍ عن عمروٍ بن محمدٍ عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن يحيى أبيه، وفيه عن موسى بن عبد الرحمن عن حسين بن عليٍ عن عبد الرحمن بن يزيد به، وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن خزيمة والله تعالى أعلم.

الشيخ: والحديث صحيح بطرقه وشواهده.

 

 

قارئ المتن: باب الهيئة للجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن عبد الله بن عمر، أنّ عمر بن الخطاب رأى حلةً، فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة».

شرح الشيخ: لأنها من حرير.

قارئ المتن: ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها فأعطى عمر منها حلةً، فقال عمر: يا رسول الله، كسوتنيها وقد قلت في حلة عطاردٍ ما قلت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أكسكها لتلبسها»، فكساها عمر أخًا له مشركا بمكة.

شرح الشيخ: هذا الحديث في النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه، قال: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له» الحرير؛ لأن الحرير مُحرم على الرجال، ولكن ما أنكر عليه قوله: «فلبستها يوم الجمعة وللوفد»، ففيه دليل على أن الجمعة وللوفد لا بأس بلبس الثياب الحسنة، ولما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير لعمر قال للرسول: كيف هديتني حرير وأنت قلت إنه يلبسه من لا خلاق له؟ قال: ما أعطيتكها لتلبسها.

الإنسان إذا أُعطي الشيء وهو لا يحل له ليس معناه إذنٌ له، يُعطى خاتم ذهب وهو ليس معناه أنه يلبسه هو، وإنما يستفيد منه يبيعه أو يعطيه أحدًا من محارمه من النساء التي تلبسها، ولهذا قال: «لم أكسكها لتلبسها»، فكساها عمر أخًا له مشركا بمكة؛ لأنّ المشركين ما يمتنعون ولا يفيدهم الامتناع مع الشرك بالله عزَّ وجلَّ.

قارئ المتن: أخبرني هارون بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن سوارٍ، قال: حدثنا الليث، قال: حدثنا خالد، عن سعيدٍ، عن أبي بكر بن المنكدر، أنّ عمرو بن سليم أخبره، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الغسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ، والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه».

شرح الشيخ: وهذا الحديث من أدلة الجمهور على أنّ غسل الجمعة مُستحب، وهو سبب استدلالهم أنهم قارنوا الغسل بالسواك والطيب، والسواك والطيب غير واجبين فدل على أنّ الغسل غير واجب.

قارئ المتن: فضل المشي إلى الجمعة.

أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثيرٍ، قال: حدثنا الوليد، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، أنه سمع أبا الأشعث حدثه، أنه سمع أوس بن أوسٍ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وغدا وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة».

شرح الشيخ: وهذا الحديث متابع لحديث أوسٍ قبل بابين، باب فضل غسل يوم الجمعة، وإنْ كان فيه زيادة: «ومشى ولم يركب».

قارئ المتن: باب التبكير إلى الجمعة.

أخبرنا نصر بن علي بن نصر، عن عبد الأعلى، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن الأغر أبي عبد الله، عن أبي هريرة، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد، فكتبوا من جاء إلى الجمعة، فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصحف»

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهجِّر إلى الجمعة كالمهدي بدنةً، ثم كالمهدي بقرةً، ثم كالمهدي شاةً، ثم كالمهدي بطة، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي بيضة».

شرح الشيخ: وهذا الحديث لا بأس بسنده وفي تقسيم الناس إلى ستة أقسام في ست ساعات: بدنة، ثم بقرة، ثم شاة، ثم بطة، ثم دجاجة، ثم بيضة، والحديث في الصحيحين ما فيها البطة فيه خمس ساعات: بدنة، ثم بقرة، ثم شاة، ثم الدجاجة، ثم البيضة، هذا في الصحيحين، والبطة أكبر من الدجاجة.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن منصورٍ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة كان على كل بابٍ من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم، الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طويت الصحف، واستمعوا الخطبة، فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنةً، ثم الذي يليه كالمهدي بقرةً، ثم الذي يليه كالمهدي كبشًا، حتى ذكر الدجاجة والبيضة».

شرح الشيخ: «المهجر» يعني: المبكر، المهجر الذي يأتي مبكرًا.

قارئ المتن: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا شعيب بن الليث، قال: أنبأنا الليث، عن ابن عجلان، عن سميٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم، فالناس فيه كرجلٍ قدم بدنةً، وكرجلٍ قدم بقرةً، وكرجلٍ قدم شاةً، وكرجلٍ قدم دجاجةً، وكرجلٍ قدم عصفورًا، وكرجلٍ قدم بيضة».

شرح الشيخ: وهذا الحديث جعل الساعات ست وفيه زيادة قدم عصفورًا، لكن الحديث ضعيف في سنده ابن عجلان، ابن عجلان فيه ضعف، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كما ذكر الحافظ في التقريب، ماذا قال عليه الحديث قوله: «عصفورًا»؟

مداخلة: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: هذا مُتفقٌ عليه، ثم ذكر في الحاشية: وقد عرفت أنّ زيادة العصفور شاذة والله قد عُلم.

الشيخ: ما فيه إشكال في الصحيح أنه ذكر قبل أنْ تذكر.

مداخلة: وقوله: «قدّم عصفورًا» هكذا وقع في رواية ابن عجلان عن سميٍ زيادة عصفورٍ بين الدجاجة والبيضة، وهي زيادةٌ شاذةٌ لمخالفة ابن عجلان في الحفاظ الذين تقدمت رواياتهم.

الشيخ: ابن عجلان فيه ضعف اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.

مداخلة: يقول: حديث أبي هريرة مُتفق عليه.

الشيخ: في أصل الحديث في ذكر الساعات الخمس، وزيادة العصفور هذه شاذة.

قارئ المتن: وقت الجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن سميٍ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

شرح الشيخ: هذا الحديث في الصحيحين خمس ساعات، خمس ساعات من طلوع الفجر أو من طلوع الفجر، والإمام يخرج في الساعة السادسة، والمراد بالساعة جزءٌ من الزمن: قد تكون الساعات الخمس طويلة في الصيف وتكون قصيرة في الشتاء، قد تزيد على الساعة في الصيف وقد تنقص عن الساعة في الشتاء، فليس المراد الساعة المعروفة ستون دقيقة لا، المراد جزءٌ من الزمن.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما فُتحت مكة: «حُلت لي ساعةً من نهار» وكانت الساعة من الضحى إلى العصر سماها ساعة.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، والحارث بن مسكينٍ، قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن الجلاح، مولى عبد العزيز، أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبدٌ مسلم يسأل الله شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعةٍ بعد العصر».

شرح الشيخ: والجُلاح هذا بالضم صدوق لا بأس به, وهذا ليس خاصًا بيوم الجمعة بل كل يوم اثنا عشر ساعة، كانت العرب تجزئ اليوم اثنا عشر جزءًا.

قارئ المتن: أخبرني هارون بن عبد الله، قال: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا حسن بن عياش، قال: حدثنا جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجع فنريح نواضحنا»، قلت: أية ساعةٍ؟ قال: «زوال الشمس».

أخبرنا شعيب بن يوسف، قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن يعلى بن الحارث، قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث، عن أبيه، قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع وليس للحيطان فيءٌ يستظل به».

شرح الشيخ: هذا فيه دليل على أنّ النبي كان يبكر الجمعة من أول الزوال، أما غير الجمعة فإنه يتأخر بعض الشيء وهو في شدة الحر يبرد، لكن في يوم الجمعة يبادر من حين زوال الشمس.

قارئ المتن: باب الأذان للجمعة.

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني السائب بن يزيد، «أنّ الأذان كان أول حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمر»، فلما كان في خلافة عثمان، وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك.

أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهاب، أن السائب بن يزيد أخبره قال: إنما أمر بالتأذين الثالث عثمان حين كثر أهل المدينة «ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذنٍ واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام».

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: «كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما».

شرح الشيخ: كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعمر وأول خلافة عثمان ما يوجد إلا أذان واحد، حينما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم يوم الجمعة يؤذن، والأذان الثاني الإقامة، هذا إعلام بدخول الوقت والإقامة إعلام بإقامة الصلاة.

والأذان الثالث ذا قال: يوم الجمعة (كثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث) سُمي الأذان الثالث لأنه بعده أذانان: الأذان الأول حينما يدخل الخطيب، والأذان الثاني الإقامة، الأول حين يجلس الخطيب على المنبر ثم الإقامة بعد الخطبة، وعثمان زاده لما كثر الناس، كثر الناس في المدينة صاروا ينشغلون بالأسواق، منادي ينادي على الزورة: مكان قرب السوق لتنبيه الناس، وأجمع عليه الصحابة فكانت سنة الخليفة الراشد، وقد قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليكم بسنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي»، فهذه عمل المسلمين إلى اليوم، لكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجد إلا أذان واحد، في زمن أبي بكر وزمن عمر وأول خلافة  عثمان ما يوجد إلا أذان واحد.

قارئ المتن: باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم وقد خرج الإمام فليصل ركعتين»، قال شعبة: يوم الجمعة.

شرح الشيخ: وهذا يدل على تركه لهاتين الركعتين وأنهما تُفعلان في وقت النهي، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الداخل في حال الخطبة في صلاة الجمعة يفعلها مع أنّ الوقت وقت استماع الخطبة، دلّ على تأكدها، وليستا واجبتين عند الجمهور لحديث النبي لما سُئل عن الصلوات الخمس قال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أنْ تطوع»، وذهب الظاهرية وجماعة إلى وجوبها.

وقول إنّ هذه واجبة بسبب، الصلوات الخمسة هذه واجبة على الناس كلهم وهذه واجبة بسبب وهو قولٌ قوي قول الظاهرية هنا ويكون دليل وجوبها خاص، والجمهور استدلوا بحديث: «خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد»، وحديث: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أنْ تطوع»، قالوا هذا يدل على أنهما ليستا واجبتين.

قارئ المتن: مقام الإمام في الخطبة.

أخبرنا عمرو بن سوادٍ بن الأسود، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: أنبأنا ابن جريجٍ، أنّ أبا الزبير أخبره، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلةٍ من سواري المسجد، فلما صنع المنبر واستوى عليه، اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكتت».

شرح الشيخ: هذا من الآيات والدلائل وقدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، ومن الكرامات ومميزات النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حنين الجذع يحن كحنين الناقة، قال الحسن: إذا كان الجذع وهو جماد بكى فالآدمي أولى.

قارئ المتن: قيام الإمام في الخطبة.

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصورٍ، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن كعب بن عجرة، قال: دخل المسجد وعبد الرحمن ابن أم الحكم يخطب قاعدا، فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعدًا، وقد قال الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11].

شرح الشيخ: الشاهد: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، فالخطبة قاعدًا خلاف الأولى.

قارئ المتن: باب الفضل في الدنو من الإمام.

أخبرنا محمود بن خالدٍ، قال: حدثني عمر بن عبد الواحد، قال: سمعت يحيى بن الحارث يحدث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوسٍ الثقفي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غسّل واغتسل، وابتكر وغدا، ودنا من الإمام وأنصت، ثم لم يلغ، كان له بكل خطوة ٍكأجر سنةٍ صيامها وقيامها».

شرح الشيخ: وهذا فضلٌ عظيم، هذا كحديث أوس لا بأس بسند الحديث سبق له طريقان، كل هذه الطرق عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس.

قارئ المتن: النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة.

أخبرنا وهب بن بيان، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: سمعت معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن عبد الله بن بسر، قال: كنت جالسًا إلى جانبه يوم الجمعة، فقال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي اجلس فقد آذيت».

شرح الشيخ: وهذا يدل على تحريم تخطي رقاب الناس وأنه من الأمور المحرمة، وإذا كان هذا في يوم الجمعة فالذي يتخطى رقاب الناس في الجنائز وهم يعزون أشد وأشد أعظم وأعظم، هذه من المصائب الآن: المعزون يتخطون رقاب الناس ويؤذون الناس ويشوشون على المصلين ويؤذونهم ويسخطون عليهم، هذه كذا من العظائم، هذه ينبغي أنْ تُحل.

قارئ المتن: باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب.

أخبرنا إبراهيم بن الحسن، ويوسف بن سعيدٍ، واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة فقال له: «أركعت ركعتين؟»، قال: لا، قال: «فاركع».

شرح الشيخ: وهذا يدل على تركه تحية المسجد، فإذا أمر بها من جاء والإمام يخطب مع أنّ الاستماع للخطبة واجب فهذا من باب أولى، من دخل حلقة يجلس في حلقة في العلم يتأكد في حقه أنْ يصلي الركعتين.

قارئ المتن: باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة.

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا».

أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعدٍ، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، عن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظٍ، وعن سعيد بن المسيب أنهما حدثاه، أنّ أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت».

شرح الشيخ: و«مَن لغا فلا جمعة له»، لا يتكلم وإنما يشير له بيده، فالخطبة لا يفعل فيها إلا ما يُفعل في الصلاة، ولا يتسوك ولا يتكلم كما أنه في الصلاة كذلك، لكن يشير إليه بيده وتكون النصيحة بعد الصلاة.

قارئ المتن: باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي معشر زياد بن كليبٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن القرثع الضبي، وكان من القُراء الأولين، عن سلمان، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجلٍ يتطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارًة لما قبله من الجمعة».

باب كيفية الخطبة.

 أخبرنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشارٍ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث، عن أبي عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: علمنا خطبة الحاجة: "الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يقرأ ثلاث آياتٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]"، قال أبو عبد الرحمن: «أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر».

شرح الشيخ: هذه خطبة الحاجة، خطبة سُنَّة قبل عقد النكاح يقرأ هذه الخطبة الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، ثم يقرأ الآيات الثلاث، ولكن الحديث فيه أنّ النبيّ قرأ الآيات ولم يقل: قال الله تعالى؛ لأنه لا يريد القراءة وإنما للاستشهاد.

والحديث فيه أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو منقطع، وكذلك عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود، وكذلك عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه شيئًا كما قال المؤلف كالنسائي، فالحديث يمكن له طرق ماذا قال عليه الشيخ الأثيوبي؟

قارئ المتن: قال: حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- هذا صحيح، فإن قيل: كيف يصح وفيه انقطاعٌ كما بيَّنه المصنِّف؟ أجيب بأنه موصولٌ من طريقٍ آخر صحيح، فقد أخرجه المصنِّف عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه وله طريقٌ أخرى عن عمران القطان عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياضٍ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله، نستعينه ونستغفره، الحديث إلى قوله: عبده ورسوله، وزاد أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، مَن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومَن يعصيهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا، أخرجه أبو داود والبيهقي والطبراني في الكبير، وسنده ضعيف.

 فأبو عياضٍ مدنيٌ مجهولٌ كما في التقريب، وله شواهد من حديث أبي موسى الأشعري، وابن عباسٍ وجابر ونبيط بن شريطٍ وعائشة رضي الله تعالى عنهم.

شرح الشيخ: الحاصل أن الحديث ضعيف لكن صحيح بطرقه وشواهده.

قارئ المتن: باب حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة.

أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل».

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهبٍ، عن إبراهيم بن نشيطٍ، أنه سأل ابن شهابٍ، عن الغسل يوم الجمعة، فقال: «سُنَّة»، وقد حدثني به سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بها على المنبر».

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهابٍ، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائمٌ على المنبر: «مَن جاء منكم الجمعة فليغتسل»، قال أبو عبد الرحمن: «ما أعلم أحدًا تابع الليث على هذا الإسناد غير ابن جريجٍ»، وأصحاب الزهري يقولون: عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، بدل عبد الله بن عبد الله بن عمر.

شرح الشيخ: وهذا فيه الحض على الغسل، حض الإمام على الغسل الجمعة، يقولون: من النسائي هذا من النسائي تنبيه على فائدة حديثية وإلا فكلٌ من السندين لا بأس به، الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعن عبد الله بن عمر، أو الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر.

قارئ المتن: باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن عياض بن عبد الله، قال: سمعت أبا سعيدٍ الخدري رضي الله عنه يقول: جاء رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئةٍ بذة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصليت؟» قال: لا، قال: «صلِّ ركعتين، وحث الناس على الصدقة»، فألقوا ثيابًا فأعطاه منها ثوبين، فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فحث الناس على الصدقة، قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاء هذا يوم الجمعة بهيئةٍ بذة، فأمرت الناس بالصدقة، فألقوا ثيابًا، فأمرت له منها بثوبين، ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة، فألقى أحدهما»، فانتهره وقال: «خذ ثوبك».

شرح الشيخ: (انتهره) يعني: أحد الثوبين، في الخطبة الأولى جاء حث الناس على الصدقة، فأعطاه ثوبين ما يملك غيرهما، ولما جاءت الخطبة الثانية وحث على الصدقة ألقى بأحد الثوبين، فانتهره قال: «خذ ثوبك»، يعني أحد الثوبين الذي تصدق عليه بهما يوم الجمعة الأولى، فلذلك انتهره ثم قال: «خذ ثوبك»، ولعله رداء والآخر إزار، الإزار يُسمى ثوبًا، لكن ما يملك إلا اثنين إزار ورداء، فلما حث على الصدقة ألقى رداءه وبقي كتفه مكشوف، فلهذا انتهره وبقي كتفه مكشوف، انتهره وقال: «خذ ثوبك».

وفيه أنّ الإنسان ينبغي له أنْ يبدأ بنفسه، ولا يتصدق بشيء وهو محتاج إليه ليس له غيره، بل يتصدق على نفسه بإبقائه له وهذا ورد في الحديث الآخر «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»، والحديث في سنده ابن عجلان وابن عجلان إنما حصل اختلاط في أحاديثه عن أبي هريرة وهنا الحديث عن أبي سعيد.

قارئ المتن: مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر.

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيدٍ، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاءه رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «صليت؟» قال: لا، قال: «قم فاركع».

أخبرنا محمد بن منصورٍ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو موسى إسرائيل بن موسى، قال: سمعت الحسن، يقول: سمعت أبا بكرة رضي الله عنه يقول: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن معه وهو يقبل على الناس مرةً وعليه مرة، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين».

شرح الشيخ: وهذا قوله فيه أنّ ابن البنت ابن، قال: «إنّ ابني هذا سيد» وهو ابن ابنته فاطمة، قوله: «ولعل الله أن يصلح به بين فئتين» تحقق هذا الرجاء من النبي صلى الله عليه وسلم، فتنازل الحسن بن علي -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنًا لدماء المسلمين، وسُمي هذا العام وهو عام إحدى وأربعين من الهجرة عام الجماعة بعد حروبٍ دامت خمس سنوات بين أهل العراق وأهل الشام.

وإنْ كان هذا التنازل أغضب الشيعة، الشيعة أغضبهم هذا التنازل ولكن النبي صلى الله عليه وسلم مدح وأثنى عليه بهذا.

قارئ المتن: باب القراءة في الخطبة.

أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا هارون بن إسماعيل، قال: حدثنا عليٌّ وهو ابن المبارك، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ابنة حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: «حفظت ق والقرآن المجيد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يوم الجمعة».

شرح الشيخ: يعني: يخطب بها، والظاهر والله أعلم أنه يبدأ بالحمد والثناء عليه ثم يقرأ السورة يخطب بها؛ لأنها سورة عظيمة فيها الحث على الميعاد وفيها ذكر الجنة والنار والموت، وفيها يفطن ظاهر الناس إلى ما خلق الله في السماوات وفي الأرض، فلهذه المعاني العظيمة خطب بها النبي صلى الله عليه وسلم جعلها خطبة.

قارئ المتن: باب الإشارة في الخطبة.

أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيعٌ، قال: حدثنا سفيان، عن حصينٍ، أن بشر بن مروان، رفع يديه يوم الجمعة على المنبر، فسبه عمارة بن رويبة الثقفي، وقال: «ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا»، وأشار بإصبعه السبابة.

شرح الشيخ: يشير بها إلى الوحدانية، ومروان بن الحكم بشر بن مروان كان أمير على المدينة، فكان يرفع يديه يوم الجمعة فسبه عمارة بن رويبة الثقفي، جاء في اللفظة أنه قال: "قبح الله هاتين اليدين، «ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا»، وأشار إلى إصبعه" فلا تُرفع اليدين في الخطبة في الدعاء لا من الإمام ولا من المأموم إلا إذا استسقى الإمام، إذا استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه ويرفع الناس أيديهم، أما في الدعاء غير الاستسقاء فلا تُرفع الأيدي.

قارئ المتن: باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة.

أخبرنا محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن حسين بن واقدٍ، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعليهما قميصان أحمران يعثران فيهما، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع كلامه، فحملهما ثم عاد إلى المنبر، ثم قال: «صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15]، رأيت هذين يعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما».

شرح الشيخ: وهذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه تلاوة الآية وقول: صدق الله أو صدق رسول الله، ثم تلاوة الحديث إذا وجد ما ظهر به صدق الآية أو الحديث، وفيه أنّ نزول النبي عن المنبر وقطعه كلامه وحمله الحسن والحسين من الفتنة في الأولاد، لكنها من الفتنة في المباح، فيه دليل على جواز النزول عن المنبر، وقطع الخطبة للحاجة فاعرضوا لها، ثم ارجعوا إلى المنبر وإكمال الخطبة، وهذا في خطبة الجمعة.

وفيه ما أوتي صلى الله عليه وسلم من القوة، حيث حمل الحسن والحسين جميعًا حملهم وهو يخطب، النبي أوتي قوة، فالأنبياء أوتوا قوة.

قارئ المتن: باب ما يستحب من تقصير الخطبة.

أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، قال: أنبأنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، قال: حدثني يحيى بن عقيلٍ، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويُقصِّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين فيقضي له الحاجة».

شرح الشيخ: عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقًا عليه الصلاة والسلام يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويُقصِّر الخطبة، ويمشي مع الأرملة والمسكين، الأرملة التي ليس لها أحد، والمسكين يقضي له الحاجة عليه الصلاة والسلام، على خلاف عادة المتكبرين الذين يأنفون من الضعفاء والمساكين والأرامل.

قارئ المتن: باب كم يخطب.

أخبرنا علي بن حجرٍ، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «جالست النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيته يخطب إلا قائمًا ويجلس، ثم يقوم فيخطب الخطبة الآخرة».

شرح الشيخ: عندك إسرائيل.

القارئ: (إسرائيل، عن سماك).

الشيخ: نعم، في بعض النسخ شريك تكلم عليه الأثيوبي عن إسرائيل في عندكم النسخة شريك، في نسخة شريك ما كلامه عليه.

القارئ: قال هنا: حدثنا شريك وفي بعض النسخ حدثنا إسرائيل، والصواب هو الأول.

الشيخ: إسرائيل فقط.

مداخلة: شريك.

الشيخ: الصواب الأول.

مداخلة: نعم، شريك أحسن الله عملك.

الشيخ: ما الإشكال وهو عند الأثيوبي؟

مداخلة: قال أحسن الله عملك الأثيوبي قال: شريك بن عبد الله النخعي الكوفي صدوقٌ يخطأ كثيرًا قد تغير حفظه منذ ولي القضاء، كان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع، تنبيه هكذا وقع في النسخة الهندية: شريك، وهو الذي في [الكبرى] و[تحفة الأشراف]، ووقع في النسخة المطبوعة إسرائيل بدل شريك، وهو تصحيفٌ بلا شك؛ لأنّ علي بن حجرٍ ولد سنة أربعٍ وخمسين ومائة على ما ذكر الباشني ومات إسرائيل سنة مائةٍ وستين أو بعدها.

 فيبعد جدًّا أنْ يكون علي بن حجرٍ مَن يروي عنه؛ لأنه يكون وقت موت إسرائيل ابن ست سنينٍ أو سبع، وهو مروزي المولد وإسرائيل كوفي والله تعالى أعلم.

الشيخ: نعم شريك صحح شريك، علي بن حجر عن شريك يعني علي بن حجر ما أدرك إسرائيل.

قارئ المتن: باب الفصل بين الخطبتين بالجلوس:

أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب الخطبتين وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس».

شرح الشيخ: هذا هو الذي عليه العمل ولا بأس بإسناد الحديث.

قارئ المتن: باب السكوت في القعدة بين الخطبتين.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيعٍ، قال: حدثنا يزيد يعني ابن زريعٍ، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا، ثم يقعد قعدةً لا يتكلم، ثم يقوم فيخطب خطبةً أخرى»، فمَن حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قاعدًا فقد كذب.

شرح الشيخ: ثم يقعد قعدةً، قعدة بفتح القاف المرة وأما القِعدة فالمراد الهيئة، وليس المراد الهيئة وإنما المراد المرة، يقعد مرة ثم يقعد قعدةً، قعدة بفتح القاف المرة الواحدة والقعِدة الهيئة، والحديث رواه مسلم في صحيحه قال: (فمَن حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قاعدًا فقد كذب)، ما كان يخطب إلا قائمًا عليه الصلاة والسلام.

القارئ: هذا هو الحديث السابق أحسن الله عملك؟ إسرائيل عن سماك أيضًا.

الشيخ: نعم، قال: حدثنا إسرائيل.

القارئ: عن سماك.

الشيخ: نعم، لكن الراوي هناك علي بن حُجر ما أدرك إسرائيل.

القارئ: هناك.

الشيخ: هناك علي بن حجر، الإشكال في علي بن حُجر ما سمع عن إسرائيل.

قارئ المتن: باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها.

أخبرنا عمرو بن عليٍ، عن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سماكٍ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آياتٍ ويذكر الله عز وجل، وكانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا».

شرح الشيخ: لا بأس في سند الحديث، ومعنى «خطبته قصدًا» يعني متوسطة معتدلة وصلاته معتدلة، والقصد التوسط والاعتدال.

قارئ المتن: الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر.

أخبرني محمد بن علي بن ميمون، قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا جرير بن حازمٍ، عن ثابت البناني، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر فيعرض له الرجل، فيكلمه فيقوم معه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقضي حاجته، ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي».

شرح الشيخ: سند الحديث صحيح فيه جواز الكلام والقيام مع الشخص بعد الخطبتين وقبل الصلاة عند الحاجة من الإمام مع غيره لهذا الحديث الصحيح، لا بأس أنْ يتكلم الإمام مع غيره بعد نزوله من الخطبتين ويقف معه ويقضي حاجته لا بأس كما في هذا الحديث، فيعرض له الرجل، يكلمه ويقوم معه، ثم إذا قضى حاجته يتقدم من المصلى فصلى بالناس.

قارئ المتن: عدد صلاة الجمعة.

أخبرنا علي بن حجرٍ، قال: حدثنا شريكٌ، عن زبيدٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال عمر رضي الله عنه: «صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمامٌ غير قصر على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم»، قال أبو عبد الرحمن: «عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يُسمع من عمر رضي الله عنه».

شرح الشيخ: ومعنى «تمام» يعني: أجرها تام وإنْ كانت مقصورة العدد تفضل من الله تعالى وإحسان، (قال أبو عبد الرحمن: «عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يُسمع من عمر)، يعني الحديث منقطع لكن معنى الحديث صحيح، كل هذه المذكورات ركعتان وورد الحديث موصولًا من طريقٍ أخرى.

 

 

قارئ المتن: القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني مخولٌ، قال: سمعت مسلمًا البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح الم تنزيل وهل أتى على الإنسان، وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين».

شرح الشيخ: مخول على وزن محمد.

قارئ المتن: القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، عن شعبة، قال: أخبرني معبد بن خالدٍ، عن زيد بن عقبة، عن سمرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية».

ذكر الاختلاف على النعمان بن بشيرٍ في القراءة في صلاة الجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن ضمرة بن سعيدٍ، عن عبيد الله بن عبد الله، أن الضحاك بن قيسٍ سأل النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ قال: «كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية».

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، عن شعبة، أن إبراهيم بن محمد بن المنتشر أخبره، قال: سمعت أبي يحدث، عن حبيب بن سالمٍ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمع العيد والجمعة، فيقرأ بهما فيهما جميعًا».

شرح الشيخ: هذا الحديث رواه الإمام مسلم، فيه دليل على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسبح والغاشية في الجمعة، وإذا وافق يوم الجمعة يوم العيد قرأ بها في العيد وقرأ بها في الجمعة يكررها لما فيهما من المواعظ، فالسُنَّة قراءة الجمعة والمنافقون ينبغي أنْ يعتادها الخطيب ويقرأ بعضها بعض الأحيان، لكن بعض الخطباء يمر عليه الوقت الطويل ما قرأ سبح والغاشية، هذا فيه هجر للسُنَّة، سبح والغاشية أو الجمعة والمنافقون، الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم سبح والغاشية، والجمعة والمنافقون، الجمعة والغاشية، ثلاث سنن.

قارئ المتن: مَن أدرك ركعةً من صلاة الجمعة.

 أخبرنا قتيبة، ومحمد بن منصورٍ، واللفظ له، عن سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي َصلى الله عليه وسلم قال: «مَن أدرك من صلاة الجمعة ركعةً فقد أدرك».

شرح الشيخ: هذا الحديث سندٌ عظيم أخرجه الشيخين، وهو دليل صريح على أنّ مَن أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة، يعني مَن يضيف إليها ركعة أخرى فتتم له الجمعة.

قارئ المتن: عدد الصلاة بعد الجمعة في المسجد.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جريرٌ، عن سهيلٌ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعًا».

صلاة الإمام بعد الجمعة.

أخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين».

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمرٌ، عن الزهري، عن سالمٍ، عن أبيه رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته».

شرح الشيخ: المؤلف ترجم قال: (عدد الصلاة بعد الجمعة في المسجد)، ثم قال: (صلاة الإمام بعد الجمعة)، فترجم المؤلف بهاتين الترجمتين على هذين الحديثين بصيرةٌ منه وذهاب إلى أحد وجوه الجمع بين الحديثين وهو أنه إذا صلى في المسجد صلاها أربعًا، وإذا صلى في بيته صلاها ركعتين، هذا أحد الأقوال.

والوجه الثاني: أنّ الصلاة يوم الجمعة أقلها ركعتان وأكثرها أربع، فحديث ابن عمر أخبر عن أقلها، وحديث أبي هريرة أخبر عن أكثرها.

والوجه الثالث: أنّ الله شرع لنبيه أولًا ركعتين، ثم زاده الله خيرًا فجعلها أربعًا، وبكل حال فصارت الأربع ركعات مقدمة على صلاة الركعتين وهي أولى؛ لأنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم، النبي قال: «وصلاة الركعتين من فعله»، والقول مقدم على الفعل، «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعًا» هذا قول.

 وفي حديث ابن عمر صلى في بيته ركعتين فعل، والقول مقدم على الفعل؛ لأنّ الفعل يدخله الاحتمالات فيحتمل أنه كان أول أو أنه خاصٌ بالبيت أو أنّ هذا أقله.

قارئ المتن: باب إطالة الركعتين بعد الجمعة.

أخبرنا عبدة بن عبد الله، عن يزيد وهو ابن هارون، قال: أنبأنا شعبة، عن أيوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين يطيل فيهما، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله».

ذكر الساعة التي يُستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا بكرٌ يعني ابن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتيت الطور فوجدت ثم كعبًا، فمكثت أنا وهو يومًا أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثني عن التوراة، فقلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، ما على الأرض من دابةٍ إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخةً، حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا ابن آدم».

شرح الشيخ: لأنها تطلع الشمس الساعة تقوم يوم الجمعة بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، ففي هذا الوقت تكون الدابة مصيخة حتى تطلع الشمس تخشى أن تقوم الساعة، فإذا طلعت الشمس أمنت وزال خوفها.

قارئ المتن: «ما على الأرض من دابةٍ إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخةً، حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا ابن آدم، وفيه ساعةٌ لا يصادفها مؤمنٌ وهو في الصلاة يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه إياه» فقال كعبٌ: ذلك يومٌ في كل سنةٍ، فقلت: بل هي في كل جمعة، فقرأ كعبٌ التوراة، ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في كل جمعة.

فخرجت فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه، فقال: من أين جئت؟ قلت: من الطور، قال: لو لقيتك من قبل أن تأتيه لم تأته، قلت له: ولمَ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس»، فلقيت عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه، فقلت: لو رأيتني خرجت إلى الطور فلقيت كعبًا فمكثت أنا وهو يومًا أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن التوراة، فقلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، ما على الأرض من دابةٍ إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخةً حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا ابن آدم، وفيه ساعةٌ لا يصادفها عبدٌ مؤمنٌ وهو في الصلاة يسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إياه» قال كعبٌ: ذلك يومٌ في كل سنةٍ، فقال عبد الله بن سلامٍ: كذب كعب، قلت: ثم قرأ كعبٌ، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو في كل جمعة»، فقال عبد الله: صدق كعبٌ إني لأعلم تلك الساعة، فقلت: يا أخي، حدثني بها، قال: «هي آخر ساعةٍ من يوم الجمعة قبل أن تغيب الشمس» فقلت: أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصادفها مؤمنٌ وهو في الصلاة»، وليست تلك الساعة صلاة، قال: أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن صلى، وجلس ينتظر الصلاة لم يزل في صلاته حتى تأتيه الصلاة التي تلاقيها» قلت: بلى، قال: فهو كذلك.

شرح الشيخ: وهذا حديثٌ عظيم حديث طويل، وفيه محاورة بين أبي هريرة وبين كعب الأحبار، كعب من بني إسرائيل ممن أسلم وعنده كتب التوراة، فالحديث سنده صحيح وهذا أخرجه مسلم إلا قصة بصرة بن أبي بصرة، وفي هذا الحديث أن أبى بصرة أنكر على أبي هريرة سفره إلى الطور الذي كلم الله فيه موسى للزيارة والتعبد، واستدل بالحديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد»، فالرحال لا تشد إلى الطور.

فأبى بصرة أنكر على أبي هريرة كونه شد الرحيل إلى الطور ليس من الأمور الثلاثة، وفيه فقه عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه لما قال له كعب: إنها الساعة في السنة مرة، قال: كذب، يعني أخطأ فلما قرأ مرة ثانية كعب ما معه من الكتب قال: «في كل جمعة فقد صدق».

وفيه أنّ ساعة الإجابة آخر ساعةٍ من يوم الجمعة وهذا أحد الأقوال في ساعة الجمعة، وهو أحد قولين راجحين.

والقول الثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر حتى تقوم الصلاة، وورد حديث في مسلم من حديث أبي بردة لكن قيل إنه موقوف على أبي بردة، والجواب أن الموقوف لا ينافي المرفوع، والراوي ينشط أحيانًا فيرفع الحديث وأحيانًا يكسل فلا يرفعه.

وقيل: إنها ساعة مبهمة في جميع اليوم ليجتهد العباد في الدعاء طوال اليوم، الحاصل أن ساعة الاستجابة في يوم الجمعة من طلوع الشمس إلى غروبها، وذكر الحافظ رَحِمَهُ الله في [فتح الباري] أربعين قولًا، أربعين قول في ساعة الجمعة أرجحها قولان:

القول الأول: أنها من حين دخول الخطيب حتى تقوم الصلاة.

والثاني: أنها آخر ساعةٍ بعد العصر كما في هذا الحديث.  

والحكمة من إخفائها حتى يجتهد العباد في اليوم، الله تعالى أخفاها حتى يجتهد العباد في الدعاء في هذا اليوم كله في اليوم كله من أوله إلى آخره.

قارئ المتن: أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن حنبلٍ، قال: حدثنا إبراهيم بن خالدٍ، عن رباحٍ، عن معمرٍ، عن الزهري، قال: حدثني سعيدٌ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه إياه».

أخبرنا عمرو بن زرارة، قال: أنبأنا إسماعيل، عن أيوب، عن محمدٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ قائمٌ يصلي يسأل الله عز وجل شيئًا إلا أعطاه إياه» قلنا: يقللها يزهدها، قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحدًا حدث بهذا الحديث غير رباحٍ، عن معمرٍ، عن الزهري، إلا أيوب بن سويد، فإنه حدث به عن يونس، عن الزهري، عن سعيدٍ، وأبي سلمة، وأيوب بن سويدٍ متروك الحديث.

شرح الشيخ: يعني فقوله: (لا نعلم أحدًا حدث بهذا الحديث غير رباحٍ) يعني فردًا من أفراده، (حدث به عن يونس، عن الزهري) يعني: في بعض طرق الحديث غير ما ذكر هنا.

قارئ المتن: كتاب تقصير الصلاة في السفر.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد الله بن إدريس، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن ابن أبي عمار، عن عبد الله بن بابيه، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ} [النساء: 101]، فقد أمن الناس، فقال عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صدقةٌ تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد الله بن خالدٍ أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا نجد صلاة الحضر، وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: «يا ابن أخي، إن الله عز وجل بعث إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، وإنما نفعل كما رأينا محمدًا صلى الله عليه وسلم يفعل».

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا هشيمٌ، عن منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين يصلي ركعتين».

 أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، قال: حدثنا ابن عونٍ، عن محمد، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «كنا نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة لا نخاف إلا الله عز وجل نصلي ركعتين».

شرح الشيخ: هذا يعلى بن أمية قال لعمر الله تعالى يقول: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}، فاشترط لقصر الصلاة الخوف، ونحن آمنون كيف نقصر؟ قال عمر: «عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صدقةٌ تصدق الله بها عليكم»، يعني أنّ القصر في السفر جاء في القرآن مقيد بالخوف، وجاء في السُنَّة بدون الخوف صدقة من الله.

فالسُنَّة جاءت بالقصر في الصلاة ولو لم يكن هناك خوف، والقرآن اشترط الخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}، مفهومه أن عند عدم الخوف لا يقصر الصلاة، لكن هذا المفهوم جاءت السُنَّة بإلغائه، ولهذا قال: «صدقةٌ تصدق الله بها عليكم» تصدق الله عليكم بتقصير الصلاة ولو في الأمن، ولو ما في خوف.

قال: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين يصلي ركعتين» ما في خوف.

قارئ المتن: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا النضر بن شميلٍ، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت حبيب بن عبيدٍ يحدث، عن جبير بن نفير، عن ابن السمط، قال: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يصلي بذي الحليفة ركعتين، فسألته عن ذلك، فقال: «إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل».

شرح الشيخ: يعني: يصلي الرباعية يصليها ركعتين.

قارئ المتن: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فلم يزل يقصر حتى رجع فأقام بها عشرًا».

شرح الشيخ: عشرة أيام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام خرج من المدينة في حجة الوداع في يوم السبت يوم الخامس والعشرين من ذو القعدة ووصل إلى مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة، تسعة أيام مدة السفر من المدينة إلى مكة على الإبل، ثم أقام باليوم الرابع من ذي الحجة أقام إلى الثامن في الأبطح، والأبطح هو ما بين مكة ومنى، كان بطحاء ما فيه بيوت في ذلك الوقت، وانتقل إلى المدينة صباح الرابع عشر من ذي الحجة، فصارت مدة الإقامة عشرة أيام من أربعة ذي الحجة إلى أربعة عشر، ولهذا قال: «أقام بها عشرًا».

 قارئ المتن: أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيقٍ، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرنا أبو حمزة وهو السكري، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكرٍ ركعتين، ومع عمر ركعتين رضي الله عنهما».

أخبرنا حميد بن مسعدة، عن سفيان وهو ابن حبيب، عن شعبة، عن زبيدٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر رضي الله عنه قال: «صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والنحر ركعتان، والسفر ركعتان تمامٌ غير قصرٍ»، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح الشيخ: «تمام» يعني: أجرها تام غير ناقص، في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر خلاف كما في [التقريب]، ولكن هذا ثابت في النصوص كثيرًا صلاة الجمعة ركعتان وصلاة عيد الفطر ركعتان، وصلاة عيد الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، هذا ثابت في الأحاديث الأخرى.

 قارئ المتن: أخبرني محمد بن وهبٍ، قال: حدثنا محمد بن سلمة، قال: حدثني أبو عبد الرحيم، قال: حدثني زيدٌ، عن أيوب وهو ابن عائذٍ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ أبي الحجاج، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم أربعًا، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة».

أخبرنا يعقوب بن ماهان، قال: حدثنا القاسم بن مالكٍ، عن أيوب بن عائذٍ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة».

شرح الشيخ: لا بأس في سند الحديث، وفيه أنّ أقل صلاة الخوف ركعة، جاء ما يدل على أنّ صلاة الخوف ستكون تكبيرة عند المسايفة، عند المسايفة، بينه وبين العدو قتل بالسيوف ما يتمكن من إتمام ركعة، يكبر تكبيرة وتكفيه، هنا دل على أنّ أقل صلاة الخوف ركعة.

قارئ المتن: باب الصلاة بمكة.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، في حديثه، عن خالد بن الحارث، قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت موسى وهو ابن سلمة، قال: قلت لابن عباسٍ رضي الله عنهما: كيف أصلي بمكة إذا لم أصلِ في جماعة؟ قال: «ركعتين سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم».

أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدثنا سعيدٌ، قال: حدثنا قتادة، أن موسى بن سلمة حدثهم، أنه سأل ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قلت: تفوتني الصلاة في جماعةٍ وأنا بالبطحاء، ما ترى أن أصلي؟ قال: «ركعتين سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: لأنه مسافر، والمراد الرباعية، والمسافر يصلي ركعتين إذا فاتته الصلاة ولم يصلِ مع الجماعة.

 قارئ المتن: باب الصلاة بمنى.

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنًى آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين».

شرح الشيخ: يعني الأمان يعني وقت الأمان فلا يشترط الخوف كما في الآية، الآية تشترط الخوف والسُنَّة جاءت بالصلاة مع الأمن.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو إسحاق، ح وأنبأنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدثنا سفيان، قال: أخبرني أبو إسحاق، عن حارثة بن وهب، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين».

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن بكيرٍ، عن محمد بن عبد الله بن أبي سليمان، عن أنس بن رضي الله عنه، أنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، ومع أبي بكر، وعمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدرًا من إمارته».

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الواحد، عن الأعمش، قال: حدثنا إبراهيم، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، ح وأخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله رضي الله عنه قال: «صليت بمنًى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين».

أخبرنا علي بن خشرم، قال: حدثنا عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: صلى عثمان بمنًى أربعًا حتى بلغ ذلك عبد الله، فقال: «لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين».

أخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، قال: أخبرنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنًى ركعتين، ومع أبي بكرٍ رضي الله عنه ركعتين، ومع عمر رضي الله عنه ركعتين».

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهبٍ، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى ركعتين، وصلاها أبو بكر ركعتين، وصلاها عمر ركعتين، وصلاها عثمان صدرًا من خلافته».

شرح الشيخ: لأنه مسافر، عثمان رضي الله عنه اجتهد بعد ذلك وصلى بمنى أربعًا كما سيأتي اجتهد في أول خلافته كان يصلي أربع ركعتين، كما سيأتي في أقوال لأهل العلم بأنه اجتهد؛ لأنه تأول وتأهل، وقيل إنه أراد أنْ يعلم الأعراب أنّ الصلاة رباعية، وقيل غير ذلك من الأقوال، وصلى الصحابة خلفه فدل على جواز إتمام المسافر وأنه لا بأس به، لو أنه غير جائز ما صلى الصحابة خلفه، وأجمعوا على ألا يصلوا خلفه.

وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما بلغه الحلقة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، صليتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان منى ركعتين، وصليتم خلف أبي بكر ركعتين، وصليتم خلف عمر ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان، قيل: لو تصلي خلفه قال: الخلاف شر، ما يجب أنْ يخالف، ولو كان يخالف في الاجتهاد، الصحابة ربما يصلون خلفه محافظةً على الاجتماع والإتلاف وعدم الفرقة والخلاف.

قارئ المتن: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.

أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: أخبرنا يزيد، قال: أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا»، قلت: هل أقام بمكة؟ قال: نعم، أقمنا بها عشرًا.

شرح الشيخ: من رابع ذي الحجة إلى الرابع عشر وهذا في حجة الوداع.

قارئ المتن: أخبرنا عبد الرحمن بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين».

شرح الشيخ: وهذا في فتح مكة والصواب أنه أقام تسعة عشر بمكة، ففي فتح مكة أقام تسعة عشر يومًا، وفي الحج عشرة أيام، وتبويب المؤلف (المقام الذي يقصر بمثله الصلاة) يدل على أنه يرى أنّ إقامة هذه المدة تقصر بمثله الصلاة، والمدة التي تقصر فيها الصلاة مختلفٌ فيها بين العلماء اختلافًا كثيرًا على أقوالٍ كثيرة حتى وصلت إلى عشرة، أو اثنا عشر، أرجحها قول الجمهور أنّ المسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يكون مقيمًا، أما إذا كان لم ينوِ الإقامة فإنه ما ينوي الإقامة متى تنقضي حاجته فإنه لا يزال مسافرًا.

إذا كان أقام في مكان وهو ما يعلم ما حدد مدة له حاجة إذا انتهت اليوم مشى، فهذا لا يزال يقصر ولو أقام مدةً طويلة، كما روي عن ابن عمر أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر منعته الثلوج يقصر الصلاة، أما إذا حدد المدة فهذا فيه خلاف، قيل: إذا نوى إقامة عشرة أيام كما فعل النبي في حجة الوداع، قيل: إذا نوى تسعة عشر يومًا كما في فتح مكة، وقيل: عشرين يومًا كما فعل في تبوك، وقيل: ثلاثة أيام، أقوال كثيرة.

لكن الراجح قول الجمهور أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، إذا نوى أكثر من عشرين صلاة، واستدل الجمهور بدليلين:

الدليل الأول: أنّ المسافر هو الذي يرحل ويظعن هذا هو الأصل، فالمقيم لا يقصر، واُستثني أربعة أيام لفعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.

شيخ الإسلام رحمه الله ذهب إلى أنه لا يزال يقصر حتى يرجع إلى بلده، وقال هذه حالات كونه جلس في مكة عشرة أيام، في تبوك عشرين يومًا، في حجة الوداع خمسة عشرًا هذه وقائع ليس فيها تحديد، ولا في دليل يدل على تحديد المدة هكذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفتي بهذا وتبعه في هذا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله وقال المسافر يقصر حتى يرجع إلى بلده، ولو أقام سنين طويلة، لكن هذا فيه إشكال كبير.

وعلى هذا يكون الطلاب الذين يدرسون عشر سنوات لهم أنْ يقصرون، والعمال الذين يقيمون عشر سنين أو أكثر يقصرون على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله، والصلاة أمرها عظيم خطرها جسيم لا بد أنْ يكون فيها عناية، ولهذا رأى جمعٌ من المحققين رجَحوا مذهب الجمهور في هذا وهو الذي يفتي به سماحة الشيخ ابن باز وهو ما نفتي به ونراه، وأما ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله والشيخ محمد غير معتمد الآن وليس عليه الفتوى.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، عن عبد الرزاق، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره، أن السائب بن يزيد أخبره، أنه سمع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا».

 أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكينٍ، قراءةً عليه وأنا أسمع، في حديثه، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن حميدٍ، عن السائب بن يزيد، عن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يمكث المهاجر بمكة بعد نسكه ثلاثًا».

شرح الشيخ: وهذا فيه أنه لا يجوز للمهاجر من مكة إلى المدينة أنْ يمكث في مكة بعد قضاء النسك أكثر من ثلاثة أيام، يعني: إذا جاء للعمرة أو جاء للحج ما يزيد عن ثلاثة أيام؛ لأنه تركها لله فلا يمكث فيها، ولهذا الصحابة لما مُرِض جابر خاف أنْ يموت في مكة وهو تركها لله ولا يريد أن يموت في مكة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم قال: «اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم».

ولكن البائس سعد بن خولة يرثى له أن مات بمكة؛ لأنه تركها لله وهم لا يريدون البقاء فيها، تركوها لله فلهذا لا يمكث الناسك لحجٍ أو عمرة أكثر من ثلاثة أيام. 

قارئ المتن: أخبرني أحمد بن يحيى الصوفي، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا العلاء بن زهير الأزدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة، قالت: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمي قصرت، وأتممت، وأفطرت، وصمت»، قال: «أحسنتِ يا عائشة»، وما عاب علي.

شرح الشيخ: هذا فيه أنّ عائشة أتمت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، (حتى إذا قدمت مكة، قالت: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمي»)، يعني أفديك بأبي وأمي، قصرت أنت وأتممت أنا، أنت تقصر الصلاة ركعتين وأنا أصليها أربعًا، وأفطرت أنت وصمت، أنت أفطرت في السفر وأنا أصوم، قال: («أحسنتِ يا عائشة»، وما عاب علي)، والحديث لا بأس بسنده وهو يدل على جواز الإتمام في السفر، والرد على مَن شدد في ذلك وقال إنه لا يجوز، والصواب الجواز إلا أنّ القصر أفضل.

 وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها أتمت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أتمت الصلاة، وهذا الحديث فيه أنها أتمت مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله في [زاد الميعاد]: قال شيخ الإسلام رحمه الله إنّ حديث عائشة «بأبي أنت وأمي قصرت، وأتممت»، أنه كذبٌ على عائشة وغلط من بعض الرواة، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة معه تتم الصلاة وهو يقصر، نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام أنّ هذا الحديث غير صحيح منكر متنه؛ قال: لأنّ ما يمكن عائشة تخالف النبي صلى الله عليه وسلم، كيف النبي قصر وهي أتممت.

قال شيخنا سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: هذا الحديث ثابت وتغليط الثقات والعدول وتوهيمهم أمرٌ صعب، وإنْ كان شيخ الإسلام واسع الاطلاع والحفظ لكن يحتمل أنه لم يطلع على حديث النسائي هذا.

قارئ المتن: ترك التطوع في السفر.

أخبرني أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو نعيمٍ، قال: حدثنا العلاء بن زهير، قال: حدثنا وبرة بن عبد الرحمن، قال: كان ابن عمر «لا يزيد في السفر على ركعتين، لا يصلي قبلها، ولا بعدها»، فقيل له: ما هذا؟ قال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع».

أخبرنا نوح بن حبيبٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدثنا عيسى بن حفص بن عاصمٍ، قال: حدثني أبي، قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في سفرٍ، فصلى الظهر والعصر ركعتين، ثم انصرف إلى طنفسةٍ له فرأى قومًا يسبحون، قال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مصليًا قبلها أو بعدها لأتممتها، «صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على الركعتين»، وأبا بكرٍ حتى قبض، وعمر وعثمان رضي الله عنهم كذلك.

شرح الشيخ: وهذا الحديث لا بأس بإسناده، وهو دليل على أنّ المشروع ألا يتنفَل المسافر السنن الرواتب، مشروع أنه لا يتنفل؛ لأنه يقصر الصلاة، فإذا أراد أنْ يتنفل يتم الصلاة، فيكون المسافر يترك سُنَّة الظهر القبلية والبعدية، وسنة الظهر القبلية وسنة الظهر البعدية، وسنة المغرب وسنة العشاء وسنة الفجر.

أما ما عداه فلا بأس، المسافر يصلي صلاة الليل، يصلي صلاة الضحى، يصلي تحية المسجد، يصلي سنة الوضوء، يصلي الوتر، كل هذا لا بأس به، وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بأس بأنْ يتنفل المسافر.

قارئ المتن: كتاب الكسوف: كسوف الشمس والقمر.

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حمادٌ، عن يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن الله عز وجل يخوف بهما عباده».

شرح الشيخ: فيه بيان الحكمة من كسوف الشمس والقمر وهي التخويف، تخويف الله عباده، وكذلك الزلازل والعواصف والرياح كل هذا آيات للتخويف، الزلازل والكسوف والخسوف كلها تخويف من الله لعباده، لها أسبابٌ حسية وأسبابٌ شرعية السبب الشرعي الكسوف، ولها أسبابٌ حسية تدرك بالحساب، وكونها تدرك بالحساب لا ينافي الحكمة وهو التخويف من الله، فالحكمة التخويف من الله تعالى، وإنْ كان لها أسبابٌ حسية يعرفها الناس ويعلمونها.

قارئ المتن: التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا أبو هشامٍ هو المغيرة بن سلمة، قال: حدثنا وهيبٌ، قال: حدثنا أبو مسعودٍ الجريري، عن حيان بن عميرٍ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سمرة، قال: بينا أنا أترامى بأسهمٍ لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس، فجمعت أسهمي، وقلت: لأنظرن ما أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس، فأتيته مما يلي ظهره، وهو في المسجد «فجعل يسبح، ويكبر، ويدعو حتى حسر عنها»، قال: «ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات».

شرح الشيخ: فيه مشروعية التسبيح والتكبير والدعاء والصلاة والصدقة والعتق عند الكسوف جاءت الأحاديث بهذا:

أولًا: يُشرع التسبيح.              

ثانيًا: التكبير.

ثالثًا: الدعاء.

رابعًا: الصلاة.

خامسًا: الصدقة.

سادسًا: العتق.

كل هذا مشروع عند الكسوف والخسوف عتق الرقاب والصدقات والصلاة، كل هذا جاء في الأحاديث.

وقوله: «ثم قام فصلى ركعتين»، ظاهره أنه صلى بعد انجلاء الشمس، حيث بدأ بكلمة «ثم» هذه تفيد الترتيب، والأقرب أنّ كلمة «ثم» وهم من بعض الرواة، قوله: «ثم قام فصلى ركعتين»، وقال الشارح: أنه محمول على أنه وجده في الصلاة، قال: وتأوله المزاني على صلاة ركعتين تطوعًا، مستقلًا بعد انجلاء الشمس لا أنها صلاة كسوف، هذا بعيد.

قارئ المتن: الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس.

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى، فإذا رأيتموهما فصلوا».

باب الأمر بالصلاة عند كسوف القمر.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى، عن إسماعيل، قال: حدثني قيسٌ، عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل، فإذا رأيتموهما فصلوا».

شرح الشيخ: وذلك أنّ كسوف الشمس وافق موت ابن النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم ابنٌ له صغير، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس لا تنكسف لموت أحد ولا لحياته، وكانوا في الجاهلية يعتقدون هذا أنّ الشمس تنكسف لموتٍ عظيم أو لولادةٍ عظيم أو ما أشبه ذلك، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها حكمة وأنها تخويف لا لموت أحد ولا لحياته.

قارئ المتن: باب الأمر بالصلاة عند الكسوف حتى تنجلي.

أخبرنا محمد بن كامل المروزي، عن هشيمٍ، عن يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، وإنهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا حتى تنجلي».

أخبرنا عمرو بن عليٍ، ومحمد بن عبد الأعلى، قالا: حدثنا خالدٌ، قال: حدثنا أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: «كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكسفت الشمس، فوثب يجر ثوبه، فصلى ركعتين حتى انجلت».

شرح الشيخ: «وثب يجر ثوبه» يعني: قام سريعًا من الخوف، في لفظة «يجر ردائه».

قارئ المتن: باب الأمر بالنداء لصلاة الكسوف.

أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيدٍ، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي: أن الصلاة جامعة، فاجتمعوا واصطفوا، فصلى بهم أربع ركعاتٍ في ركعتين وأربع سجدات».

شرح الشيخ: فيه النداء لصلاة الكسوف ينادي (الصلاة جامعة، الصلاة جامعة)، وأما الفرائض يُنادى لها بالأذان، والكسوف بالصلاة الجامعة وما عداه فلا ينادي، صلاة الاستسقاء ما في نداء، وصلاة التراويح ما فيها نداء، صلاة الجنازة ما فيها نداء، إنما هذا النداء خاص بصلاة الكسوف، لكن لا مانع من التنبيه يُنبه الناس يُقال: صلوا على الجنازة حتى ينتبهوا فلا بأس.

وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات في كل ركعة ركوعان، هذا هو الذي أتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم أنّ الصلاة ركعتان في كل ركعةٍ ركوعان وسجدتان، فتكون أربع ركعات بأربع سجدات، هذا هو الذي أتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم.

قارئ المتن: باب الصفوف في صلاة الكسوف.

أخبرنا محمد بن خالد بن خليٍ، قال: حدثنا بشر بن شعيبٍ، عن أبيه، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر، وصف الناس وراءه، فاستكمل أربع ركعاتٍ، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف».

شرح الشيخ: وهذا النوع وهذه الكيفية من صلاة الكسوف وهي أربع ركعات وأربع سجدات أخرجها الشيخان البخاري ومسلم فهي متفقٌ عليها، وورد في صحيح مسلم وفي السنن كيفيات أخرى لصلاة الكسوف، كما سيأتينا في الأحاديث الآتية وكما أخرجها مسلم كيفيات، ورد خمس ركوعات وأربع سجدات، وورد ست ركعات في أربع سجدات، وورد ثمان ركعات وأربع سجدات.

فاختلف العلماء في الجمع بينها، فالجمهور على ترجيح الكيفية التي أخرجها الشيخان واتفقا عليها وهي أربع ركعات في أربع سجدات، قالوا: وما سواها من الكيفيات فهي وهمٌ وغلطٌ من بعض الرواة؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِ الكسوف إلا مرة واحدة حين كسفت الشمس يوم مات ابنه إبراهيم.

وقال آخرون من أهل العلم من هذه الكيفيات والأنواع لصلاة الكسوف ثابتة بأسانيد صحيحة، وتغليط الرواة والعدول وتوهيمهم أمرٌ صعب إلا بدليل، والأصل سلامة العدل من الغلط والوهم، قالوا: ويُجمع بين الأحاديث بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف بكيفياتٍ مختلفة في أوقاتٍ متعددة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة مدة طويلة عشرة سنوات، ولا مانع من تعدد الكسوف مرات.

قال آخرون من أهل العلم: قيل هذا هو الراجح إلا إنْ ثبت في كل حديثٍ من هذه الكيفيات أنّ هذا الكسوف هو كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم.

 فحينئذٍ يُرجح قول الجمهور وأنها كيفيةٌ واحدة أربع ركعات وأربع سجدات، وما سواها يكون غلط ووهم من بعض الرواة، والله أعلم بالصواب.  

 قارئ المتن: باب كيف صلاة الكسوف.

 أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن إسماعيل ابن علية، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عند كسوف الشمس ثماني ركعاتٍ، وأربع سجدات».

شرح الشيخ: ثمان ركعات هذه من الكيفيات، ثمان ركعات يعني في كل ركعة أربع ركوعات.

 قارئ المتن: وعن عطاءٍ مثل ذلك.

أخبرنا محمد بن المثنى، عن يحيى، عن سفيان، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابتٍ، عن طاووسٍ، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «صلى في كسوفٍ فقرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها».

شرح الشيخ: يعني أربع ركعات.

 قارئ المتن: نوعٌ آخرٌ من صلاة الكسوف عن ابن عباس.

 أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيدٍ، قال: حدثنا الوليد، عن ابن نمرٍ وهو عبد الرحمن بن نمرٍ، عن الزهري، عن كثير بن عباس، ح وأخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: أخبرني كثير بن عباس، عن عبد الله بن عباسٍ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم كسفت الشمس أربع ركعاتٍ في ركعتين وأربع سجدات».

شرح الشيخ: وهذا أخرجه الشيخان البخاري ومسلم.

قارئ المتن: نوعٌ آخرٌ من صلاة الكسوف.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرني ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: سمعت عبيد بن عميٍر يحدث، قال: حدثني مَن أصدق، فظننت أنه يريد عائشة، أنها قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بالناس قيامًا شديدًا، يقوم بالناس، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، فركع ركعتين في كل ركعةٍ ثلاث ركعات، ركع الثالثة، ثم سجد حتى إن رجالًا يومئذٍ يُغشى عليهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم مما قام بهم، يقول إذا ركع: «الله أكبر»، وإذا رفع رأسه: «سمع الله لمن حمده»، فلم ينصرف حتى تجلت الشمس، فقام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن آيتان من آيات الله يخوفكم بهما، فإذا كسفا فافزعوا إلى ذكر الله عز وجل حتى ينجليا».

شرح الشيخ: قوله: (حتى إن سجال الماء) يعني: زلع الماء تصب عليهم من الغشيان الذي أصابهم.

قارئ المتن: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدثني أبي، عن قتادة في صلاة الآيات عن عطاءٍ، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعاتٍ في أربع سجداتٍ»، قلت لمعاذٍ: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا شك ولا مرية.

نوعٌ آخر منه عن عائشة.

أخبرنا محمد بن سلمة، عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءةً طويلة، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد»، ثم قام فاقترأ قراءةً طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعاتٍ، وأربع سجداتٍ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس، فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا حتى يفرج عنكم»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت في مقامي هذا كل شيءٍ وعدتم، لقد رأيتموني أردت أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحيٍ وهو الذي سيب السوائب».

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان، وفيه دليل على أنّ ابن لحي بلغته دعوة إبراهيم عليه السلام فغير وأشرك فكان في النار، عمرو بن لحي وهو الذي سيب السوائب في النار.

قارئ المتن: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي: الصلاة جامعةٌ، فاجتمع الناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعاتٍ في ركعتين وأربع سجدات».

أخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، ثم فعل ذلك في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه»، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل وكبروا وتصدقوا»، ثم قال: «يا أمة محمد، ما مَن أحدٍ أغير من الله عز وجل أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمدٍ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا».

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان، وقوله: «ما مَن أحدٍ أغير من الله عز وجل أنْ يزني عبده أو تزني أمته»، قال العلماء: الحكمة من ذكر الزنا التحذير منه عند كسوف الشمس، التنبيه على أنّ الذي كسف نور الشمس قادرٌ على كسف نور الإيمان في القلب؛ بسبب الإقدام على المعاصي، فيه التحذير من المعاصي وبأنها سببٌ في طمس نور الإيمان ونور القلب وخصوصًا الزنا، نسأل الله السلامة والعافية.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن سلمة، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن يحيى بن سعيدٍ، أن عمرة حدثته، أن عائشة حدثتها، أن يهودية أتتها فقالت: أجاركِ الله من عذاب القبر، قالت عائشة: يا رسول الله، إن الناس ليعذبون في القبور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عائذًا بالله»، قالت عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجًا فخسفت الشمس، فخرجنا إلى الحجرة، فاجتمع إلينا نساءٌ، وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضحوة فقام قيامًا طويلًا، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه، فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد، ثم قام الثانية، فصنع مثل ذلك، إلا أن ركوعه وقيامه دون الركعة الأولى، ثم سجد وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر، فقال فيما يقول: «إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال»، قالت عائشة: «كنا نسمعه بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر».

نوعٌ آخر.

أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ هو الأنصاري، قال: سمعت عمرة، قالت: سمعت عائشة تقول: جاءتني يهودية تسألني، فقالت: أعاذكِ الله من عذاب القبر، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، أيعذب الناس في القبور؟ فقال: «عائذًا بالله»، فركب مركبًا, يعني: وانخسفت الشمس، فكنت بين الحجر مع نسوةٍ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من مركبه فأتى مصلاه، فصلى بالناس فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام قيامًا أيسر من قيامه الأول، ثم ركع أيسر من ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فقام أيسر من قيامه الأول، ثم ركع أيسر من ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فقام أيسر من قيامه الأول، فكانت أربع ركعاتٍ وأربع سجداتٍ وانجلت الشمس، فقال: «إنكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال»، قالت عائشة: «فسمعته بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر».

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان.

قارئ المتن: أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عمرة، عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوفٍ في صفة زمزم أربع ركعات في أربع سجدات».

شرح الشيخ: هذا أصل الحديث في الصحيحين أنه صلى الكسوف، هنا فيه أنه صلى الكسوف بمكة، قالت: «في صفة زمزم»، ففيه دليل لمن قال: إنّ الكسوف وقع مرات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في أوقاتٍ مختلفة، وأنه صلى الكسوف بكيفياتٍ مختلفة.

قال الحافظ ابن كثير: إنّ عبدة شيخ النسائي وَهِم في هذا، قال: أنه صلى في صفة زمزم، أن ما صلى النبي في مكة إنما في المدينة، وأنّ عبدة شيخ النسائي فيه نظر؛ لأنّ قال: إنه وهم، كما نقل الشيخ قال الحافظ ابن كثير: تفرد النسائي عن عبدة بقوله: «في صفة زمزم» وهو وهمٌ بلا شك، فإنما الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلِ الكسوف إلا مرةً واحدة في المدينة في المسجد، وهذا هو الذي ذكره الشافعي وأحمد والبخاري والبيهقي وابن عبد البر.

وأما هذا الحديث بهذه الزيادة فيُخشى أنْ يكون الوهم من عبدة بن عبد الرحيم، هذا فإنّ المروزي نزل دمشق ثم صار إلى مصر، فيحتمل أنّ النسائي سمعه منه في مصر فدخل عليه الوهم؛ لأنه لم يكن معه كتاب، هذا أخرجه البخاري ومسلم والنسائي أيضًا بطريقٍ آخر من غير هذه الزيادة.

وعُرِض هذا على الحافظ جمال الدين المزي والشيخ الحافظ ابن كثير، فاستحسنه وقال: قد أجاد وأحسن الانتقاد، هذا كلام الشارح، هذا ليس ببعيد يكون قوله: «في صفة زمزم» هذا وهم، النبي ما صلى الكسوف في مكة إنما صلى في المدينة.

قارئ المتن: أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا أبو علي الحنفي، قال: حدثنا هشام، صاحب الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحوًا من ذلك، وجعل يتقدم، ثم جعل يتأخر فكانت أربع ركعاتٍ، وأربع سجدات»، كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيمٍ من عظمائهم، وإنهما آيتان من آيات الله يريكموهما، فإذا انخسفت فصلوا حتى تنجلي.

شرح الشيخ: قال: (كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيمٍ من عظمائهم).

قارئ المتن: نوعٌ آخر.

أخبرني محمود بن خالدٍ، عن مروان، قال: حدثني معاوية بن سلامٍ، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثيٍر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، قال: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر فنودي: الصلاة جامعة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ركعتين وسجدةً، ثم قام فصلى ركعتين وسجدةً»، قالت عائشة: «ما ركعت ركوعًا قط ولا سجدت سجودًا قط كان أطول منه».

شرح الشيخ: هنا قال: سجدة واحدة لعل المراد جنس السجود، فالأحاديث جاءت بسجدتين لكل ركعة، ماذا قال على قوله في السجدة؟ هنا قال: الحديث سجدتان هنا قال سجدة، «صلى بالناس ركعتين وسجدة».

قارئ المتن: قال: أي من السجود الذي سجده النبيّ صلى الله عليه وسلم في تلك وهو ظاهرٌ في أن السجود في الكسوف يطول.

شرح الشيخ: لا، قوله: وسجدة فقط، ماذا قال في قوله: «وإن صلى بالناس ركعتين وسجدة».

مداخلة: الركعة بتمامها كما يدل عليها الرواية الآتية ... ركعتين الضحى.

الشيخ: مَن يقول هذا؟

مداخلة: هذا ذكره في [الفتح]، نقله عن [الفتح].

الشيخ: مَن الذي نقله؟

مداخلة: هذه النسخة التي جمعت عدة شروح.

الشيخ: قال: نقله عن الفتح يقول: المراد بالسجدة، يعني: ركعة كاملة.

القارئ: قال هنا: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ركعتين وسجدة هكذا رواية المصنِّف هنا، وفي [الكبرى] والسجدةً بالواو وهو مشكلٌ، إذا يقتضي أنه سجد سجدةً واحدة، والذي في الصحيحين «فركع ركعتين في سجدة» بفي، قال في [الفتح]: قوله: «ركعتين في سجدة» المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها، وبالركعتين الركوعان وهو موافقٌ لروايتي عائشة وابن عباسٍ رضي الله عنهم المتقدمتين في أن في كل ركعةٍ ركوعين وسجودين.

الشيخ: «في سجدة» يعني: المراد في ركعة، أطلق على الركعة سجدة.

القارئ: ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود، ولم يصير إليه أحدٌ فتعين تأويل. انتهى.

الشيخ: ولم ماذا؟ ولم يصير؟

مداخلة: ولم يصير إليه أحدٌ، يصير بالراء.

الشيخ: يصير أي ما صار.

القارئ: قال الجامع: وهو الموافق لرواية محمد بن حمير الآتية بعد هذا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وسجد سجدتين.

قارئ المتن: نوعٌ آخر.

أخبرنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا ابن حمير، عن معاوية بن سلامٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي طعمة، عن عبد الله بن عمرو قال: «كسفت الشمس، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وسجدتين، ثم قام فركع ركعتين وسجدتين، ثم جلي عن الشمس»، وكانت عائشة تقول: «ما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجودًا، ولا ركع ركوعًا أطول منه»، «خالفه علي بن المبارك».

أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، قال: حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدثني أبو حفصة، مولى عائشة، أن عائشة أخبرته، أنه لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، وأمر فنودي: أن الصلاة جامعةٌ، فقام فأطال القيام في صلاته، قالت عائشة: فحسبت قرأ سورة البقرة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام مثل ما قام ولم يسجد، ثم ركع فسجد، ثم قام فصنع مثل ما صنع، ركعتين وسجدة، ثم جلس وجلي عن الشمس.

شرح الشيخ: وهذا كالحديث الأول منه «سجدة لكل ركعة»، هنا قال: (فصنع مثل ما صنع، ركعتين وسجدة)، كمثل ما سبق.

قارئ المتن: نوعٌ آخر.

أخبرنا هلال بن بشرٍ، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن عطاء بن السائب، قال: حدثني أبي السائب، أن عبد الله بن عمروٍ حدثه، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقام الذين معه، فقام قيامًا فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه وسجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه وقام فصنع في الركعة الثانية مثل ما صنع في الركعة الأولى من القيام والركوع والسجود والجلوس، فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية، ويبكي ويقول: «لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك»، ثم رفع رأسه وانجلت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله عز وجل، والذي نفس محمدٍ بيده لقد أدنيت الجنة مني، حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت النار مني، حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم، حتى رأيت فيها امرأةً من حمير تعذب في هرةٍ ربطتها، فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتى ماتت، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولت تنهش أليتها، وحتى رأيت فيها صاحب السبتيتين أخا بني الدعداع يدفع بعصًا ذات شعبتين في النار، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن، الذي كان يسرق الحاج بمحجنه متكئًا على محجنه في النار، يقول: أنا سارق المحجن».

شرح الشيخ: الحديث فيه عطاء بن السائب وهذا اختلط في آخره، وحديث عبد العزيز بن عبد الصمد ليس ممن روى عنه قبل الاختلاط، فيكون الحديث ضعيف وفي متنه غرابة في موضعين:

أحدهم: أنه لم يذكر في كل ركعة إلا ركوعًا واحدًا، والأحاديث دلت على أنّ لكل ركعة أكثر ركوع، فنقول: في آخر السجود جعل يبكي ويقول: «لم تعدني وأنا فيهم، ونحن نستغفرك».

إذًا أن هذا ليس فيه عذاب، فيكون فيه ضعف جاءت أنه ما في إلا ركعة واحدة هذا معروف، هذا يوافق مذهب الأحناف يقولون إنّ صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوع واحد هذا المذهب، لكن الحديث هذا شاذ يخالف الأحاديث الصحيحة، وكونه قال: «لم تعذبني وأنا فيهم»، هذا فيه عذاب الآن؟

مداخلة: كأنه خشي من نزول العذاب.

 

 

شرح الشيخ: محتمل هذا، لكن الأول قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «في كل ركعةٍ ركوع»، قوله: «فاسعوا إلى ذكر الله» المراد بالسعي الذهاب لا الركض والإسراع والعدو، وهو قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، الإشكال تكلم عليه الشيخ الأثيوبي؟

القارئ: قال: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما هذا صحيح، فإنْ قلت: كيف يصح وفي إسناده عطاء بن السائب وهو مختلط؟ قلت: قد ثبت من رواية مَن رواه عنه قبل الاختلاط، فقد رواه عنه سفيان الثوري وشعبة وزائدة بن قدامة، فهؤلاء ممن رووا عنه قبل الاختلاط، فرواية السفيان عند أحمد ورواية الشعبة تأتي للمصنف، ورواية زائدة عند أحمد.

وتابع عطاء أبو إسحاق السبيعي عند السائب عند المصنِّف بالكبرى عن محمد بن عبد الأعلى وعن أحمد عن يحيى بن آدم كلاهما عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق، والحاصل أن الحديث صحيحٌ، والله تعالى أعلم.

الشيخ: والغرابة في المتن (ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه وسجد)، ما في إلا ركوع واحد، ما تكلم عليه؟

القارئ: تنبيه: قال: هذا الحديث يدل على أن صلاة الكسوف تُصلى بركوعٍ واحدٍ في كل ركعة، وهو حُجَّةٌ لمن قال إنها مثل صلاة الصبح.

الشيخ: وهم الأحناف حجة للأحناف.

القارئ: وهو مخالفٌ للأحاديث التي أخرجها الشيخان وغيرهما من أنها بركوعين، فترجح تلك الأحاديث عليه، ومن العلماء مَن رأى أن هذا من الاختلاف المباح فجمع بأنه صلى الله عليه وسلم فعل بهذا وبهذا، وهذا غير صحيح، فإن في بعض طرق حديث ابن عمروٍ هذا أنّ ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.

والأحاديث الصحيحة الكثيرة متفقةٌ على أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف في ذلك اليوم بأربع ركوعاتٍ وأربع سجدات، فلا يصح الجمع المذكور والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

شرح الشيخ: وماذا الذي يصح؟ وماذا الذي يصح إذا ذلك لا يصح؟ ماذا يصير الصواب؟

مداخلة: أنّ حديث الشيخان نرجح حديث.

الشيخ: إي ما خالف، وماذا يصير الجواب عن الحديث؟ أنه ما صلى إلا بركوع واحد؟

مداخلة: بأربع ركوعات أحسن الله إليك.

الشيخ: نعم؟

مداخلة: بأربع ركوعات ذكر في هذا.

الشيخ: لا، لا، هذا الحديث ليس فيه إلا ركوع واحد، ما الجواب عنه؟ ما أجاب.

مداخلة: يكون شاذ أحسن الله إليك.

الشيخ: يكون شاذ والشاذ ضعيف، فيكون ضعيف يرجع إلى أنه ضعيف.

مداخلة: مع أنه صححه.

الشيخ: صحح في السند لكن في المتن من شروط الصحيح، ما يكفي؟

مداخلة: عدم المخالفة.

الشيخ: يعني اتصال السند، وعدول الرواة وضبطهم، هذا الذي قال عنه الصحيح هذا الفقهاء والأصوليون مشوا على هذا، لكن الشذوذ والعلة ما يذكرونها، فيرجع إلى أنه ضعيف كما قلنا. 

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن عبد العظيم، قال: حدثني إبراهيم سبلان، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي.

الشيخ: سَبَلان عندك وسبَلان؟ لأن المعروف أنها بفتح الباء.

القارئ: عندي سَبلان شيخ.

الشيخ: معروف أنه سَبلان.

القارئ: قال: ضبط هذا الاسم في النسخة النظامية، وفي نسخة المصرية بإسكانٍ موحدًا وهو خطأ والصواب فتحها.

الشيخ: سَبلان معروف.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن عبد العظيم، قال: حدثني إبراهيم سَبلان، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن محمد بن عمروِ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى للناس فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود وهو دون السجود الأول، ثم قام فصلى ركعتين وفعل فيهما مثل ذلك، ثم سجد سجدتين يفعل فيهما مثل ذلك حتى فرغ من صلاته، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله عز وجل وإلى الصلاة».

نوعٌ آخر.

أخبرنا هلال بن العلاء بن هلالٌ، قال: حدثنا الحسين بن عياشٍ، قال: حدثنا زهيرٌ، قال: حدثنا الأسود بن قيسٍ، قال: حدثني ثعلبة بن عبادٍ العبدي من أهل البصرة أنه شهد.

شرح الشيخ: ثعلبة بن عباد بكسر العين وتخفيف الموحدة، ثعلبة بن عباد العبدي هذا على غير الجادة ومثله قيس بن عباد فإنها بضم العين وتخفيف الموحدة مفتوحة، وما عدا فعلى الجادة عباد هو فتح وتشديد الموحدة المفتوحة مثل بشر بن عباد، هذا على غير الحادة ثعلبة بن عباد.

قارئ المتن: قال: حدثني ثعلبة بن عبادٍ العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبةً يومًا لسمرة بن جندبٍ، فذكر في خطبته حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سمرة بن جندبٍ: بينا أنا يومًا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثةٍ في عين الناظر من الأفق اسودت، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثًا، قال: فدفعنا إلى المسجد، قال: فوافينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الناس، قال: «فاستقدم فصلى، فقام كأطول قيامٍ قام بنا في صلاةٍ قط، ما نسمع له صوتًا، ثم ركع بنا كأطول ركوعٍ ما ركع بنا في صلاة قط، ما نسمع له صوتًا، ثم سجد بنا كأطول سجودٍ ما سجد بنا في صلاةٍ قط، لا نسمع له صوتًا، ثم فعل ذلك في الركعة الثانية مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، فسلم فحمد الله، وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبد الله ورسوله» مختصر.

شرح الشيخ: وهذا الحديث في متنه غرابة وهو قوله: «ما نسمع له صوتًا»، والمعروف في الأحاديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة، ويحتمل أنْ يكون هذا نوعًا من صلاة الكسوف وهو الإسرار بالقراءة، لكن المعروف في الأحاديث أنه يجهر بالصلاة، وماذا قال عليه؟ تكلم عليه قال: «ما نسمع له صوتًا»؟

الشارح يقول: لا يدل على أنه قرأ سرًا لجواز أنه قرأ جهرًا ولم يسمعه هؤلاء لبعدهم، وظاهر الحديث أنه ركع ركوعًا واحدًا، والله تعالى أعلم، «ثم ركع بنا كأطول ركوعٍ».

القارئ: قوله: «لا نسمع له صوتًا» هذا لا يدل على أنه لم يجهر في القراءة فلا ينافي.

شرح الشيخ: إي، نقل مثل ما قال المؤلف في الحاشية نقل عنه.

القارئ: فلا ينافي حديث عائشة وجهر فيها بالقراءة لإمكان حمله على أنه لم يسمعه سمرة ومَن معه لبعدهم عنه صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه: بعد أن أخرج حديث سمرة هذا ما نصه: هذه اللفظة التي في هذا الخبر لا يسمع له صوتٌ من الجنس الذي أعلمنا أن الخبر الذي يجب قوله يجب قبوله خبر مَن يخبر بكون الشيء لا من ينفيه، وعائشة قد أخبرت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة، فخبر عائشة يجب قبوله؛ لأنها حفظت جهر القراءة، وإنْ لم يحفظها غيرها، وجائزٌ أنْ يكون سمرة كان في صفٍ بعيدٍ من النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة، فقوله: لا يسمع له صوت؛ أي: لم أسمع صوتًا على ما بينته أنّ العرب تقول: لم يكن كذا، لما لم تعلم كونه. انتهى.

شرح الشيخ: على كل حال محتمل هذا.

مداخلة: الشيخ الأثيوبي ضعف الحديث لجهالة ثعلبة بن عباد.

الشيخ: الأثيوبي، هذا كلام الأثيوبي.

مداخلة: نعم، هذا كلامه لكن في معنى (02:08:58)

الشيخ: ضعفه، ماذا قال؟

قارئ المتن: قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث سمرة بن جندبٍ هذا ضعيفٌ لجهالة ثعلبه بن عباد، أخرجه المصنِّف هنا وفي [الكبرى] بالإسناد المذكور والكبرى عن عمرو بن منصورٍ عن أبي نعيمٍ عن سفيان الثوري، عن الأسود بن قيسٍ مختصرًا، والكبرى عن أحمد بن سليمان عن أبي داود الحفري عن الثوري به مختصرٌ، وأخرجه داود والترمذي.

الشيخ: على هذا يكون في سنده ضعف.

مداخلة: البخاري في أفعال العباد وابن خزيمة، والله تعالى أعلم.

الشيخ: والغالب أنه إذا كان في متنه غرابة لا بد أنْ يكون في السند شيء، قوله: «ما نسمع له صوتًا» الجهر بالقراءة قريبًا من قراءة سورة البقرة.

قارئ المتن: نوعٌ آخر.

أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا خالدٌ، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشيٍر، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يجر ثوبه فزعًا، حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي بنا حتى انجلت، فلما انجلت، قال: «إن ناسًا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيمٍ من العظماء، وليس كذلك إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل، إن الله عز وجل إذا بدا لشيءٍ من خلقه خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاةٍ صليتموها من المكتوبة».

 شرح الشيخ: الحديث فيه أنه يصلي الكسوف كأحدث صلاةٍ صليت، فإذا كان الكسوف بعد المغرب مثلًا صلي ثلاث ركعات، وإذا كان بعد العشاء صليت أربع ركعات، على كل حال هذا غرابة، ماذا قال عليه في السند؟ «كأحدث صلاةٍ صليتموها»، هذا في إشكال في الحاشية أطال الكلام عليه، ذكر صفحتين في الحاشية.

قارئ المتن: قال: حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله تعالى عنهما هذا ضعيفٌ لعلتين:

إحداهما: كون أبي قلابة مدلسًا وقد عنعنه في كل طرقه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه العلة فيها نظرٌ؛ لأن أبي قلابة لم يصفه المتقدمون بالتدليس، بل صرح أبو حاتمٍ بأنه لا يعرف له تدليس، انظر ترجمته في [تهذيب التهذيب]، وإنما وصفه الذهبي من المتأخرين، ولم يذكر لذلك مستندًا فالعلة الثانية هي المعتبرة في تضعيف هذا الحديث، فتبصر، والله تعالى أعلم.

الثانية: الاضطراب في إسناده، وذلك أنه روي عن أبي قلابة عن النعمان وروي عنه عن رجلٍ عن النعمان، وروي عنه عن قبيصة بن مخارقٍ الهلالي، قال: فذكر الحديث، وروي عنه عن هلال بن عبادٍ أن قبيصة الهلالي حدث.

شرح الشيخ: فعلى هذا يكون الحديث.

والحاصل أنّ حديث النعمان هذا لا يصح كما ذُكر والله تعالى أعلم، ضعيف، ضعيف، ضعيف السند ومنكر المتن قوله: «كأحدث صلاةٍ».

مداخلة: (02:12:30).

قارئ المتن: وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا عمرو بن عاصمٍ، أن جده عبيد الله بن الوازع حدثه، قال: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: كسفت الشمس ونحن إذ ذاك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فخرج فزعًا يجر ثوبه، فصلى ركعتين أطالهما، فوافق انصرافه انجلاء الشمس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم من ذلك شيئًا فصلوا كأحدث صلاةٍ مكتوبةٍ صليتموها».

شرح الشيخ: مثل ما سبق هذا الحديث ضعيف بأنه صلاة الكسوف كأحدث صلاة، كما سبق.

مداخلة: هذا من الاضطراب الظاهر لي، أنه عن قبيصة.

الشيخ: قال: الاضطراب.

مداخلة: الذي ذكر الأثيوبي قبل.

الشيخ: في عنعنة قتادة وفيه متنه غرابة.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا معاذٌ وهو ابن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن قبيصة الهلالي، أن الشمس انخسفت، فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين حتى انجلت، ثم قال: «إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولكنهما خلقان من خلقه، وإن الله عز وجل يحدث في خلقه ما شاء، وإن الله عز وجل إذا تجلى لشيءٍ من خلقه يخشع له، فأيهما حدث فصلوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمرًا».

شرح الشيخ: ظاهر الحديث أنه يكرر صلاة الكسوف حتى تنجلي، وهذا في الحديث فيه عن قتادة تكلم عليه؟

مداخلة: قال الجامع: وكذا الكلام على الحديث، والله تعالى أعلم، يعني أحال الحديث السابق.

الشيخ: نعم؟

مداخلة: أحال للحديث السابق، قال: حديث قبيصة بن مخارق -رضي الله عنه- هذا ضعيف لجهالة عبيد الله بن الوازع.

الشيخ: جهالة ماذا؟

مداخلة: عبيد الله بن الوازع.

الشيخ: عبيد الله بن الوازع.

مداخلة: هذا الذي قبله.

الشيخ: الذي قبله؟

مداخلة: نعم، ثم قال في هذا.

الشيخ: وهذا فيه ابن وازع؟ ما فيه ابن وازع هذا.

مداخلة: الذي قبله.

الشيخ: الذي قبله، كيف؟

مداخلة: من الاضطراب الأحاديث ضعيفة للاضطراب.

الشيخ: فيكون ضعيف هذا وكما دل على أنه كرر صلاة الكسوف ليس بصحيح.

مداخلة: كلها الأحاديث الآتية عن أبي قلابة وهي مضطربة.

الشيخ: مضطربة، أحاديث أبي قلابة كلها مضطربة «كأحدث صلاةٍ صليتموها» كلها على هذا.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشامٍ، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا كأحدث صلاةٍ صليتموها».

شرح الشيخ: هذا أبي قلابة هذا من الاضطراب ضعيف.

قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، قال: حدثنا أبو نعيمٍ، عن الحسن بن صالح، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا يركع ويسجد».

أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه خرج يومًا مستعجلًا إلى المسجد وقد انكسفت الشمس، فصلى حتى انجلت، ثم قال: «إن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلا لموت عظيمٍ من عظماء أهل الأرض، وإن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما خليقتان من خلقه، يحدث الله في خلقه ما يشاء، فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمرًا».

أخبرنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب إليه الناس، فصلى بنا ركعتين، فلما انكشفت الشمس، قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله عز وجل بهما عباده، وإنهما لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى يُكشف ما بكم»، وذلك أن ابنًا له مات يُقال له: إبراهيم، فقال له ناسٌ في ذلك.

أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدثنا خالدٌ، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة -رضي الله عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين مثل صلاتكم هذه، وذكر كسوف الشمس».

شرح الشيخ: كل هذا من الاضطراب.

قارئ المتن: قدر القراءة في صلاة الكسوف.

أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن القاسم، عن مالكٍ، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: خسفت الشمس، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قيامًا طويلًا، قرأ نحوًا من سورة البقرة قال: ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله عز وجل» قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، قال: «إني رأيت الجنة -أو أريت الجنة- فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء».

شرح الشيخ: وهذا فيه كل ركعة في دون الركوع الذي قبله، وفيه أنّ كل قراءة دون القراءة التي قبلها إلا السجود.

قارئ المتن: قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، قال: «إني رأيت الجنة -أو أريت الجنة- فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء»، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهن»، قيل: يكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط».

شرح الشيخ: والعشير هو الزوج.

قارئ المتن: باب الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا الوليد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن نمر، أنه سمع الزهري يحدث، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه صلى أربع ركعاتٍ في أربع سجدات، وجهر فيها بالقراءة كلما رفع رأسه قال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد».

ترك الجهر فيها بالقراءة.

أخبرنا عمرو بن منصورٍ، قال: حدثنا أبو نعيمٍ، قال: حدثنا سفيان، عن الأسود بن قيس، عن ابن عبادٍ، رجلٍ من بني عبد القيس، عن سمرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس لا نسمع له صوتًا».

شرح الشيخ: هذا كما سبق أنه فيه نكارة، والجاد في عُباد أنه بضم العين وتخفيف الموحدة مفتوحة ابن قيس بن عبادة، وهذا ابن عباد رجلٌ من بني عبد القيس يعني كان فيه جهالة، والحديث ضعيف يقول: «لا نسمع له صوتًا»، النبي جهر بالقراءة في صلاة الكسوف، يكون هذا النوع من أنواع صلاة الكسوف على القول بالتعدد، والصواب أنه وهم وأنّ سمرة لم يسمع صوت.

قارئ المتن: باب القول في السجود في صلاة الكسوف:

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري، قال: حدثنا غندرٌ، عن شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال -قال شعبة: وأحسبه قال: في السجود نحو ذلك- وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول: «ربِ لم تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا وأنا فيهم»، فلما صلى قال: «عرضت عليَّ الجنة حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها، وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت فيها أخا بني دعدعٍ سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن، ورأيت فيها امرأةً طويلةً سوداء تعذب في هرةٍ ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت، وإن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت إحداهما -أو قال: فعل أحدهما شيئًا من ذلك- فاسعوا إلى ذكر الله عز وجل».

شرح الشيخ: وهذا كما سبق قوله جاء قال: «لم تعذبني» سبب من الاضطراب.

قارئ المتن: باب التشهد والتسليم في صلاة الكسوف.

أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثيرٍ، عن الوليد، عن عبد الرحمن بن نمر، أنه سأل الزهري، عن سُنَّة صلاة الكسوف، فقال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فنادى: أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر، ثم قرأ قراءةً طويلة، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا مثل قيامه أو أطول، ثم رفع رأسه، وقال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قرأ قراءةً طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده»، ثم كبر فسجد سجودًا طويلًا مثل ركوعه أو أطول، ثم كبر فرفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم كبر، فقام، فقرأ قراءةً طويلةً هي أدنى من الأولى، ثم كبر، ثم ركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قرأ قراءةً طويلةً وهي أدنى من القراءة الأولى في القيام الثاني، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا دون الركوع الأول، ثم كبر فرفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده»، ثم كبر فسجد أدنى من سجوده الأول، ثم تشهد، ثم سلم فقام فيهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فأيهما خسف به أو بأحدهما فافزعوا إلى الله عز وجل بذكر الصلاة».

أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا موسى بن داود، قال: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها قالت: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم انصرف».

شرح الشيخ: أربع ركعات في أربع سجدات، كل واحد من الركوع والسجود والقراءة دون الذي قبله.

قارئ المتن: باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف.

أخبرنا محمد بن سلمة، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن يحيى بن سعيدٍ، أن عمرة حدثته، أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجًا فخسف بالشمس، فخرجنا إلى الحجرة فاجتمع إلينا نساء، وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ضحوة، فقام قيامًا طويلًا، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد، ثم قام الثانية فصنع مثل ذلك إلا أن قيامه وركوعه دون الركعة الأولى، ثم سجد وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر، فقال فيما يقول: «إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال» مختصر.

بابٌ كيف الخطبة في الكسوف.

 أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبدة، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فصلى، فأطال القيام جدًّا، ثم ركع، فأطال الركوع جدًّا، ثم رفع، فأطال القيام جدًّا وهو دون القيام الأول، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم رفع رأسه، فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ففرغ من صلاته وقد جلي عن الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا، واذكروا الله عز وجل»، وقال: «يا أمة محمد، إنه ليس أحدٌ أغير من الله عز وجل أن يزني عبده أو أمته، يا أمة محمد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا».

شرح الشيخ: فيه الأمر بالصدقة في الكسوف.

قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو داود الحفري.

شرح الشيخ: الحَفري اسمه عمرو بن سعيد كنيته أبو داود لقبه الحفري، الحاء مهملة ومفتوحة بعدها فاء مفتوحة الحَفَري.

قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن الأسود بن قيسٍ، عن ثعلبة بن عباد، عن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين انكسفت الشمس فقال: «أما بعد».

شرح الشيخ: يُقال: عِباد وعَباد.

قارئ المتن: الأمر بالدعاء في الكسوف.

أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يزيد ابن زريع، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة، فقام إليه الناس، فصلى ركعتين كما يصلون، فلما انجلت خطبنا فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم».

شرح الشيخ: يعني: فيه الأمر بالدعاء عند الكسوف، والترجمة: قوله فيه كيفية الخطبة في الكسوف أنه خطب الناس وحمد الله وأثنى عليه، قال: وكذا وكذا وكذا.

قارئ المتن: الأمر بالاستغفار في الكسوف.

أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، عن أبي أسامة، عن بريدٍ، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة، فقام حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ ما رأيته يفعله في صلاته قط، ثم قال: «إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئًا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره».

شرح الشيخ: الآيات الكسوف والخسوف وفيه دليل لمن قال إنه يصلى عند الزلزلة وغيرها من الآيات، وقال بعض العلماء: يُصلى أيضًا عند الأعاصير وغيرها، المشروع عند الحنابلة أنه يصلى عند الكسوف والزلزلة خاصة.

قارئ المتن: كتاب الاستسقاء.

شرح الشيخ: وفق الله الجميع لطاعته، رزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وفق الله الجميع، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أنّ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد