شعار الموقع

قراءة من سنن النسائي - كتاب الاستسقاء

00:00
00:00
تحميل
24

الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا وعملًا، وبأسانيدكم رحمكم الله إلى الإمام النسائي رحمه الله:

قارئ المتن: كتاب الاستسقاء:

متى يستسقي الإمام؟

أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمرٍ عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمُطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي، فقال: «اللهم على رءوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر» فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.

شرح الشيخ: بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف: (باب الاستسقاء) الاستسقاء طلب السقيا لنزول المطر، والهمزة والتاء والسين للطلب، استسقى استفهم طلب الفهم، استخرج طلب الاستخراج، استسقى طلب السقيا، متى يستسقي الإمام؟ يستسقي الإمام إذا وُجد سبب.

وهو في الحديث (هلكت المواشي وانقطعت السبل) يعني: وغارت المياه، ووُجد القحط، هذا هو السبب، إذا وجدت يستسقي الإمام، الإمام؛ إمام المسلمين، وهو: رئيس الدولة والملك وأمير المؤمنين على حسب الأسماء في اختلاف الأزمنة، هو الذي يستسقي بالناس أو يستسقي نائبه من الأئمة الذين يوظفهم.

وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وفيه دليل على قدرة الله، وأن الله يُوجد الشيء في الحال، مُطروا في الحال، ثُمَّ استمر المطر لمدة أسبوع، فجاء هذا الرجل أو غيره وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال: (تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم قال: («اللهم على رءوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر» فانجابت عن المدينة انجياب الثوب) في الحال استسقى وسُقي في الحال، واستصحى فاستصحي في الحال.

وهذا دليلٌ على قدرة الله، وأن الله لا يُعجزه شيء: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]، فيه علم من أعلام النبوة، وأنه رسول الله حقًا حيث استجاب الله دعاءه في الحالين، في المرة الأولى في المطر، وفي الثانية في الاستصحاء، وإمساك السماء عن المطر.

قارئ المتن: خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء:

أخبرني محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا المسعودي عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم، قال: سفيان فسألت عبد الله بن أبي بكر فقال: سمعته من عباد بن تميم يحدث أبيه أن عبد الله بن زيد الذي أُري النداء قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين، قال: أبو عبد الرحمن: هذا غلط من ابن عيينة وعبد الله بن زيد الذي أُري النداء هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم.

باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج.

شرح الشيخ: في هذا الحديث أن صلاة الاستسقاء تُصلى في كل حال، تصلى في الصحراء، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى في الصحراء ولم يصلي في مسجده، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة ومع ذلك خرج إلى مكان صحراء قريبة من البلد، هذا هو السنة أن تُصلى في المستسقيات ما عدا الحرم المكي فإنه يُصلى في الحرم المكي، وما عدا ذلك مكة الجبال، وما عدا ذلك من البلدان تُصلى في المصليات، تكون مصليات للاستسقاء والجنائز.

 ولكن الآن اتسعت البلاد، وصارت البلاد واسعة كالرياض وصار يشق على الناس أن يُصلى في المصليات بل هناك مصليات الآن، مصليات متعددة في العيدين وفي الاستسقاء، مصليات حول البلد والجوامع فنظرًا لكثرة الناس صار يُصلى في الجوامع، لكن إذا كان البلد غير واسع فإنهم يصلون في صحراء قريبة من البلد هذا هو السنة.

 وعبد الله بن زيد هذا ليس هو الذي أُري النداء، عبد الله بن زيد بن عبد ربه، هذا عبد الله بن زيد بن عاصم، هما اثنان المؤلف نبه على هذا، وعباد بن تميم هنا يروي عن عمه عن أبيه كما في الأحاديث الآتية، وهذا حديث عن أبيه فالأحاديث هذه كلها إنما رواية عن عمه لا عن أبيه.

قارئ المتن: باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج:

أخبرنا إسحق بن منصور ومحمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن هشام بن إسحق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متضرعًا متواضعًا متبذلًا فلم يخطب نحو خطبتكم هذه فصلى ركعتين.

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء.

 

 

شرح الشيخ: هذه الحال التي يُستحب للإمام أن يخرج عليها (متضرعًا متواضعًا متبذلًا).

 (متضرعًا) إلى الله عز وجل.

(متواضعًا) لله عز وجل.

(متبذلًا) يعني: لابسًا ثياب البذلة، ليس كالعيدين، ترك الزينة إنما يُصلي بثيابه العادية، الاستسقاء بخلاف العيدين والجمعة فإن السنة يلبس أحسن ثيابه الجميلة، وأما في الاستسقاء فإنه يكون متبذلًا يلبس ثيابه العادية، ولا يلبس ثياب الجمال والزينة.

وقوله: (لم يخطب خطبتكم هذه) يعني: أنه عليه الصلاة والسلام خطبته كانت الدعاء والاستغفار والتضرع؛ لأن هذا هو اللي يناسب الاستسقاء يكون أكثرها دعاء وتضرع واستغفار، وتذكير بالآيات التي فيها الاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10-11]، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [هود: 3]، هذا هو السنة.

قارئ المتن: باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء:

أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: سألت ابن عباس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلًا متواضعًا متضرعًا، فجلس على المنبر فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيدين.

شرح الشيخ: فيه أن صلاة الاستسقاء ركعتان كالعيدين.

قارئ المتن: تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء.

أخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم أن عمه حدثه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا ثم صلى ركعتين فقرأ فجهر.

تقليب الإمام الرداء عند الاستسقاء.

أخبرنا قتيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، وصلى ركعتين وقلب رداءه.

متى يحول الإمام رداءه؟

أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة.

شرح الشيخ: في هذه الأحاديث أن النبي خطب قبل الصلاة، وجاء عنه أنه صلى قبل ذلك، فالإمام مخير بين أن يخطب أولًا ثم يصلي، أو يُصلي أولًا كالعيدين ثم يخطب.

 ولكن الآن إذا صار أهل البلد أو الأئمة اختاروا أحد النوعين، فلا ينبغي للإنسان أن يُخالف حتى لا يكون هناك تشويش، وإلا فهذه الأحاديث فيها أن النبي خطب أولًا ثم صلى كالجمعة، لكنها خطبة واحدة والجمعة خطبتان وفي أحاديث أخرى أنه صلى أولًا فهو مخير الإمام.

 ولهذا قال: (خرج رسول الله يستسقي فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا ثم صلى) ثم، إذًا خطب ودعا ثم صلى؛ فيه أن الدعاء قبل الصلاة، وورد أن الصلاة أولًا ثم الخطبة والدعاء، فهذه يكون الإمام مخير بين تقديم الصلاة على الخطبة، أو الخطبة على الصلاة.

 وفيه مشروعية قلب الرداء أن الإمام يستسقي ويقلب رداءه ويجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، إذا كان عباءة يجعل ما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين، أو الغترة أو ما أشبه ذلك، وهذا تفاؤل بتحويل الحال وأن الله يغير الحال من الجدب إلى الخصب وإلى الرخاء فهذا تفاؤل وهذا حين يستقبل القبلة، يحول رداءه ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو، يستقبل القبلة ثم يحول رداءه ويدعو هذا هو السنة.

قارئ المتن: رفع الإمام يده:

أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي قال: حدثنا بقية عن شعيب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل القبلة وقلب الرداء ورفع يديه.

كيف يرفع؟

أخبرني شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.

شرح الشيخ: فيه مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء إذا استسقى الإمام فإنه يرفع يديه، في خطبة العيد، وكذلك خطبة الجمعة إذا استسقى يرفع يديه.

 أما الدعاء؛ الدعاء في خطبة الجمعة لا يرفع يديه إلا إذا استسقى، إذا استسقى رفع يديه، أما الدعاء غير الاستسقاء فلا يُشرع رفع اليدين.

 وقوله هنا: (لا يرفع يديه في شيء من الدعاء) يعني: لم يرفع رفعًا بليغًا؛ لأنه بالغ في رفع يديه حتى كأن ظهور اليدين إلى السماء، وأما بقية الأدلة فلا، وإلا فثبت أن النبي رفع يديه في الحج في عرفة وفي مزدلفة وعلى المروة وعلى الصفا وعند الجمرة الثانية رفع يديه في ست مواضع في الحج، فيحمل قوله (لا يرفع يديه) يعني: لا يرفع رفعًا بليغًا إلا في الاستسقاء.

قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى آبي اللحم عن آبي اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي، وهو مقنع بكفيه يدعو.

أخبرنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث عن سعيد وهو المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول: بينا نحن في المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقام رجل فقال: يا رسول الله تقطعت السبل وهلكت الأموال وأجدب البلاد، فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه فقال: «اللهم اسقنا» فوالله ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أوسعنا مطرًا، وأمطرنا ذلك اليوم إلى الجمعة الأخرى، فقام رجل لا أدري هو الذي قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم استسق لنا أم لا؟ فقال: يا رسول الله انقطعت السبل وهلكت الأموال من كثرة الماء فادع الله أن يمسك عنا الماء فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حوالينا ولا علينا ولكن على الجبال ومنابت الشجر».

 قال: والله ما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئًا.

شرح الشيخ: وهذا من دلائل النبوة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت وهو مقنع رأسه رافع يديه.

النبي صلى الله عليه وسلم استسقى في ثلاث حالات:

الحالة الأولى أنه وعد الناس يومًا فصلى ركعتين وخطب واستسقى، أو خطب واستسقى ثم صلى ركعتين في صحراء قريبة من البلد.

والحالة الثانية: أنه استسقى يوم الجمعة في الدعاء ورفع يديه.

الحالة الثالثة: أنه دعا عند أحجار الزيت، مكان عند أحجار الزيت استسقى ورفع يديه ودعا.

ثلاث حالات كلها يستسقي يوم الجمعة، ويوم خاص وعد الناس فيه في أول النهار، ودعا واستسقى في مكان في غير الجمعة وفي غير في النهار عند أحجار الزيت.

 (وهو مقنع بكفيه) يعني: رافع كفيه.

 

 

قارئ المتن: ذكر الدعاء:

أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثني أبو هشام المغيرة بن سلمة، قال: حدثني وهيب، قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اسقنا».

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله بن عمر وهو العمري عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام إليه الناس فصاحوا فقالوا: يا نبي الله قحطت المطر وهلكت البهائم فادع الله أن يسقينا، قال: «اللهم اسقنا اللهم اسقنا» قال: وأيم الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب قال: فأنشأت سحابة فانتشرت.

 ثم إنها أمطرت ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى وانصرف الناس فلم تزل تمطر إلى يوم الجمعة الأخرى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه فقالوا: يا نبي الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل فادع الله أن يحبسها عنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فتقشعت عن المدينة فجعلت تمطر حولها وما تمطر بالمدينة قطرة فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل.

أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك أن رجلًا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا» قال: أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار.

فطلعت سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت وأمطرت قال أنس: ولا والله ما رأينا الشمس سبتًا.

 قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله صلى الله وسلم عليك هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.

 قال: شريك: سألت أنسًا أهو الرجل الأول؟ قال: لا.

 

 

شرح الشيخ: وهذا فيه أن الله تعالى يبتلي بالشدة كما يبتلي بالرخاء، قد أبتلى بالقحط خيار الناس وهم الصحابة، وفيهم رسول صلى الله عليه وسلم، كما ابتلاهم بالشدة في زمن عمر بن الخطاب حتى سُمي عام الرمادة، وهذا ابتلاء من الله، واختبار لعباده.

وقوله: (أمطرت) الأغلب أن يُقال مطر في الخير من الثلاثي، وأمطرت في الشر من الرباعي، من قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء: 173].

ولكن قوله: (ثم أمطرت) هذا من غير الأغلب، وتمطر في الخير من الأغلب، مطر من الثلاثي.

وفيه يقول: (والله ما رأينا الشمس سبتًا) يعني: أسبوع. وفي اللفظ: سِبتًا يعني: ستة أيام، وهذه أسبوع كامل.

قارئ المتن: باب الصلاة بعد الدعاء:

 قال: الحرث بن مسكين: قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن ابن أبي ذئب، ويونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عباد بن تميم أنه سمع عمه، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يستسقى فحول إلى الناس ظهره يدعو الله، ويستقبل القبلة وحول رداءه، ثم صلى ركعتين قال: ابن أبي ذئب في الحديث: وقرأ فيهما.

شرح الشيخ: فيه أنه صلى بعد الخطبة، قوله: (فحول رداءه ثم صلى) ثم للترتيب والتعقيب، صارت الصلاة هنا قبل الخطبة، في حديثٍ آخر أنه صلى ثم خطب، فيكون الأمر مخير بين الخطبة أولًا كالجمعة وبين الصلاة أولًا كالعيد.

قارئ المتن: كم صلاة الاستسقاء؟

أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى، عن أبي بكر بن محمد، عن عباد ابن تميم، عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فصلى ركعتين واستقبل القبلة.

كيف صلاة الاستسقاء؟

أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء، فقال: ابن عباس ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله صلى الله عليه سلم متواضعًا متبذلًا متخشعًا متضرعًا فصلى ركعتين كما يصلى في العيدين ولم يخطب خطبتكم هذه.

 

 

شرح الشيخ: يعني: أنه دعا واستغفر وذكرهم بالآيات التي فيها الاستغفار، فالخطبة تكون هكذا دعاء واستغفار؛ لأن ابن عباس هنا يروي عن عمه لا عن أبيه هنا.

قارئ المتن: باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء:

أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فاستسقى، فصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة.

شرح الشيخ: إذًا صلاة الاستسقاء ركعتان وفيها تُجهر القراءة فيهما.

قارئ المتن: القول عند المطر:

 أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطر قال: «اللهم اجعله صيبًا نافعًا كراهية».

شرح الشيخ: وفي حديث أنس أنه حصر عن رأسه ليصيبه المطر، وفي حديثٍ آخر يقول: «مُطرنا بفضل الله ورحمته اللهم صيبًا نافعًا» كل هذا وُرد «مُطرنا بفضل الله ورحمته» هنا يقول: «اللهم اجعله صيبًا نافعًا» وفيه أنه حصر عن رأسه ليصيبه المطر وقال أنه حديث عهدٍ بربه» من جهة العلو يعني:، الله في العلو.

 فيه إثبات العلو والرد على الجهمية والمعتزلة، وأهل البدع الذين أنكروا علو الله على خلقه، وقالوا: إن الله في كل مكان، وهذا كفرٌ وضلال، نسأل الله السلامة والعافية.

قارئ المتن: كراهية الاستمطار بالكوكب:

أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال: الله عز وجل ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكوكب وبالكوكب».

 أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن صالح ابن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله، عن يزيد بن خالد الجهني قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ألم تسمعوا ماذا قال ربكم الليلة؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذاك الذي آمن بي وكفر بالكوكب ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب».

أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد الخدري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أمسك الله عز وجل المطر عن عباده خمس سنين ثم أرسله لأصبحت طائفة من الناس كافرين يقولون سقينا بنوء المجدح».

شرح الشيخ: وكراهية الاستمطار بالكوكب هذه كراهية تحريم، تحريم الاستمطار بالكوكب هذا محرم، وفيه أنه من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر، لكن إن اعتقد أن المغيث هو الكوكب فهو كفر أكبر مخرج من الملة، وإن اعتقد أنه سبب فهو الشرك الأصغر، إذا قال: مطرنا بنوء كذا فهو دائرٌ بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر، إن اعتقد أن المنزل للمطر هو الكوكب هذا كفر أكبر مخرج من الملة هذا شرك بالربوبية، وإن اعتقد أن المنزل للمطر هو الله ولكن الكوكب سبب هذا شركٌ أصغر؛ لأن الله لم يجعله سببًا.

 الحديث الآخر لما كانوا في الحديبية، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم على أثر سماء من الليل، فلما أصبح قال: «أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب» تفصيل، وهذا حديث قدسي قال الله عز وجل من كلام الله لفظًا ومعنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله قال: «قال الله عز وجل».

مداخلة: (24:13).

الشيخ: عن زيد نعم، عندي معدلة في النسخة، اللي عنده يزيد يعدلها.

قارئ المتن: مسألة: الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره:

 أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا حميد عن أنس قال: قحط المطر عامًا فقام بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة فقال: يا رسول الله قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال قال: فرفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه يستسقى الله عز وجل قال: فما صلينا الجمعة حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله فدامت جمعة، فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا رسول الله تهدمت البيوت واحتبس الركبان قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرعة ملالة ابن آدم وقال: «بيديه اللهم حوالينا ولا علينا فتكشطت عن المدينة».

شرح الشيخ: قوله: (فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه) لأنه رفعهما رفعًا بليغًا.

(حتى أهم الشاب القريب الرجوع) الشاب القريب القوي همه الوصول إلى بيته من الدحل والزلق وكثرة المطر.

 

 

(فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرعة ملالة ابن آدم) سرعة ملالة ابن آدم في الأول في الجمعة الأولى يقول: يا رسول الله انقطعت السبل وهلكت المواشي، وفي الجمعة الثاني: قال: تهدمت البيوت فتبسم النبي من سرعة ملالة وقال: (اللهم حوالينا ... فتكشطت نحو المدينة)، في اللفظ: (كالجوبة) صارت دائرة حول المدينة ما فيها مطر، والمدينة كأنها دائرة ما يأتيها شيء، ما ينزل عليها شيء هذا من دلائل قدرة الله وأن الله لا يعجزه شيء ومن دلالة النبوة.

أجاب الله دعاء نبيه في الحالين:

في الجمعة الأولى سُقوا في الحال وهو يخطب.

 وفي الجمعة الثانية أمسكت السماء في الحال وطلعت الشمس.

قارئ المتن: باب رفع الإمام يديه عند مسألة إمساك المطر:

 أخبرنا محمود بن خالد قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: أنبأنا أبو عمرو الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: أصاب الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما نرى في السماء قزعة، والذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى.

فقام ذلك الأعرابي أو قال: غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت حتى صارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي ولم يجئ أحد من ناحية إلا أخبر بالجود.

شرح الشيخ: (أخبر بالجود) بالمطر الواسع الغزير، أي ناحية الذي يجي من الشمال أو من الجنوب كله يخبر بالجُود أو بالجَود يعني: بالمطر الغزير، وفيه أن النبي كان يشير إلى السحاب فتنفرج (حتى صارت المدينة مثل الجوبة) دائرة حول المدينة ما يأتيها المطر، والمطر يأتي من وراءها.

 

 

قارئ المتن: كتاب صلاة الخوف:

أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاصي بطبرستان، ومعنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال: حذيفة أنا فوصف فقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة ركعة صفٍ خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة.

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني أشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاصي بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال: حذيفة رضي الله عليه أنا فقام حذيفة فصف الناس خلفه صفين صفًا خلفه، وصفًا موازي العدو، فصلى بالذي خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة حذيفة.

شرح الشيخ: صلاة الخوف مشروعة عند وجود سببها، وهو عند مواجهة العدو، صلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه، قال الإمام أبو حنيفة: "من ستة أوجه أو سبعة أوجه كلها جائزة" وهذه منها هذه الصلاة، منها هذه وجه من الوجوه وهو أنه يجعل الصف يقسم الجيش إلى قسمين:

قسمٌ يقف مواجه العدو، واقف مع العدو.

وقسمٌ يكون خلفه صف.

 ويصلي بهم صلاة ركعة، فإذا صلى ركعة انصرف الذين خلفه وصفوا أمام العدو، وجاء الذين صفوا وكانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فطائفة يُصلي بهم ركعة، الطائفة الأولى تقضي ركعة، والطائفة الثانية تقضي ركعة، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفةٍ ركعة.

 هذا يدل على أهمية صلاة الجماعة إذا كان صلاة الخوف في مواجهة العدو ومع ذلك يصلون جماعة؟! معهم السلاح وهم يقاتلون العدو، هذا يدل على صلاة الجماعة مهمة، لو لم تكن واجبة لرخص النبي صلى الله عليه وسلم كلٍ يُصلي وحده.

 ولكنه سيأتي إذا أشتد الخوف، وصاروا لا يستطيعون أو عند المسايفة كلٌ يُصلي وحده يصلي رجالًا وركبانًا، ماشي يشتد الخوف ولم يستطيعوا وخافوا تأخير الصلاة عن وقتها كلٌ يُصلي وحده الراكب والماشي كلٌ يُصلي وحده وهو راكب وهو ماشي.

 وكذلك عند المسايفة والقتال بالسيوف، هذا عند الحالات الشديدة، لكن عند الحالة التي فيها سعة تُصلى صلاة الخوف، وإذا كان العدو أمام القبلة تكون الصلاة للقبلة، وإذا كان العدو غير أمام القبلة يُصلون أمام العدو ولو لم تكن أمام القبلة، أنواع صلاة الخوف أنواع هذا نوع منها سيأتي.

قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعة.

 أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني أبو بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، وصف الناس خلفه صفين، صفًا خلفه وصفًا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.

شرح الشيخ: إذا خرج مكان.

قارئ المتن: أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير عن محمد عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام الناس معه فكبر وكبروا، ثم ركع وركع أناس منهم ثم سجد وسجدوا، ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه، وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وسجدوا، والناس كلهم في صلاة يكبرون، ولكن يحرس بعضهم بعضًا.

شرح الشيخ: هذا نوعٌ ثاني، أو وجهٌ ثاني من وجوه صلاة الخوف، النبي صلى الله عليه وسلم صفهم صفين خلفه، ثم كبر للإحرام وكبروا، ثم ركع وركعوا، ثم سجدوا وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس، فلما صلى ركعة تقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول، ثم ركع وركعوا جميعًا، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وكان هو الصف الثاني، وبقي الصف اللي خلفه يحرس، وهكذا، هذا وجه من وجوه صلاة الخوف، وكلهم يحرس بعضهم بعضًا وهم في صلاة.

 

 

قارئ المتن: أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم قال: حدثنا عمى قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة أخراسكم.

شرح الشيخ: أحراسكم بالحاء المهملة كالحراس.

قارئ المتن: قال: ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء، إلا أنها كانت عقبًا قامت طائفة منهم، وهم جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدت معه طائفة منهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه سلم وقاموا معه جميعًا، ثم ركع وركعوا معه جميعًا، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قيامًا أول مرة، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قيامًا لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسليم.

شرح الشيخ: يعني: صلى بكل واحدة ركعة، ثم يتمون لأنفسهم، الذين يقفون يسجدون فاتهم السجود، يقومون يسجدون والنبي ينتظرهم بالتسليم، ثم يسلم بالطائفتين جميعًا.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف فصف صفًا خلفه وصفًا مصافوا العدو، فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة.

شرح الشيخ: هذه إحدى الروايات، صف بهم صفًا خلفه وصفًا صف العدو، صلى بهم ركعة، ثم قاموا وذهبوا جهة العدو، ثم جاء أولئك وصلى بهم ركعة، ثم الطائفة الأولى قضت لنفسها ركعة، والثانية قضت لنفسها ركعة، يقومون ركعة ويسلموا لأنفسهم، والثانيين يقومون ركعة ويسلموا أيضًا لأنفسهم، هذا نوع أيضًا من أنواع صلاة الخوف.

قارئ المتن: أخبرنا قتيبة عن مالك عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

شرح الشيخ: هذه صلاة ذات الرقاع التي اختارها الإمام أحمد "صلاة الخوف جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم ست أوجه أو سبع أوجه وأنا أختار صلاة ذات الرقاع" وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صف معه، النبي صلى الله عليه وسلم  طائفة صفت معه وطائفة تحرس، قسم الجيش قسمين، قسم يحرس، وقسم يُصلي بهم، فلما صلى بالطائفة ركعة تموا لأنفسهم، جاء بركعة وتموا لأنفسهم، ثم ذهبوا يحرسون، وجاءت الطائفة الأخرى خلف النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، فلما وصل التشهد ثبت النبي جالسًا، وأتموا لأنفسهم، فلما وصلوا التشهد وتشهدوا سلم بهم.

قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد ابن زريع قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انطلقوا فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم.

شرح الشيخ: هذا أيضًا وضع آخر، لما كانوا صلوا كانوا مواجهين للعدو، طائفة أخرى صلى بطائفتين، صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة للعدو تحرس، ثم انطلقوا، ثم لما صلى بهم ركعة جاءوا مكان الطائفة الأولى، وجاء أولئك صلى بهم، فصلى بهم الركعة ثم سلم عليهم، لما سلم قام هؤلاء وقضوا ركعتهم، والطائفة بقت على ركعة بعد السلام.

قارئ المتن: أخبرني كثير بن عبيد عن بقية عن شعيب قال: حدثني الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو وصاففناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا فقامت طائفة منا معه، وأقبل طائفة على العدو، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا فكانوا مكان أولئك الذين لم يصلوا، وجاءت الطائفة التي لم تصل فركع بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين.

شرح الشيخ: وهذه في نجد، قِبل نجد قبل أن يُسلم بنو حنيفة، صلى بهم هذه الصلاة؛ صلاة الخوف.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن عبد الرحيم البرقي عن عبد الله بن يوسف قال: أنبأنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري قال: كان عبد الله بن عمر يحدث أنه صلى صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كبر النبي صلى الله عليه وسلم، وصف خلفه طائفة منا، وأقبلت طائفة على العدو، فركع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين، ثم انصرفوا وأقبلوا على العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل مثل ذلك ثم سلم، ثم قام كل رجل من الطائفتين فصلى لنفسه ركعة وسجدتين.

أخبرني عمران بن بكار قال: حدثنا محمد بن المبارك قال: أنبأنا الهيثم بن حميد عن العلاء وأبى أيوب عن الزهري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قام فكبر فصلى خلفه طائفة منا، وطائفة مواجهة العدو، فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا ولم يسلموا، وأقبلوا على العدو فصفوا مكانهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم ركعة وسجدتين،  ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتم ركعتين وأربع سجدات، ثم قامت الطائفتان فصلى كل إنسان منهم لنفسه ركعة وسجدتين.

 قال أبو بكر بن السني الزهري: سمع من ابن عمر حديثين ولم يسمع هذا منه.

شرح الشيخ: أبو بكر بن السني تلميذ النسائي، والذي روى عنه كتابه "عمل اليوم والليلة" وظاهر كلامه أن الزهري دلس هذا الحديث عن ابن عمر حيث لم يسمعه عنه، وإن كان الزهري ليس معروفًا بالتدليس، الحديث معروف.

وفيه أن كل طائفة أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم ثم قضت كل طائفة بعد سلام النبي صلى الله عليه وسلم، صلى الأولى ركعة، صلى بالثانية ركعة، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ولكل طائفة ركعة، سلم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه انتهى من الصلاة فقضت كل طائفةٍ ركعة لأنفسها وسلمت لأنفسها.

قارئ المتن: أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون، فصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة.

 أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الله بن يزيد المقرى ح وأنبأنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حيوة وذكر آخر قال: حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: نعم قال: متى قال: عام غزوة نجد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، وقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبروا جميعًا الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه ثم سجد وسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى، وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعًا، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان.

شرح الشيخ: في هذا الوجه أنهم كانت ظهورهم للقبلة للعدو، فكانوا استدبروا القبلة، سقط استقبال القبلة الآن في هذه الحالة، فصار القبلة العدو، وظهورهم إلى القبلة، يعني: خلف، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قسمهم قسمين، طائفة تحرس، وطائفة تُصلي معه، فصلى بالذين معه ركعة، ثم لما ركع قاموا، قاموا وذهبوا مكان أولئك يحرسون، وجاءت الطائفة الأولى وصلى بهم ركعة، ثم قامت الطائفة فركعت لأنفسها الركعة الثانية، وجاءت الركعة الثانية وصاروا خلفهم، والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظرهم، ثم سلم بهم جميعًا.

يعني: جاءت الطائفة الثانية وركعت أيضًا الركعة التي بقيت، والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظرهم، ثم سلم، وسلم بهم جميعًا.

قارئ المتن: أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني سعيد بن عبيد الهنائي قال: حدثنا عبد الله بن شقيق قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلًا بين ضجنان وعسفان محاصر المشركين فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأبكارهم أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة، فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين فيصلى بطائفة منهم، وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حذرهم وأسلحتهم، فيصلى بهم ركعة ثم يتأخر هؤلاء ويتقدم أولئك، فيصلى بهم ركعة تكون لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان.

 أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن حجاج بن محمد عن شعبة عن الحكم عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه، وصف خلفه صلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء، وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين، ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان ولهم ركعة.

 أخبرنا أحمد بن المقدام قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي قال: أنبأني يزيد الفقير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت خلفه طائفة، وطائفة مواجهة العدو فصلى بالذين خلفه ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم إنهم انطلقوا فقاموا مقام أولئك الذين كانوا في وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجد بهم سجدتين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم فسلم الذين خلفه وسلم أولئك.

شرح الشيخ: يزيد الفقير سُمي يزيد الفقير قيل لألمٍ في فقار ظهره، وليس من الفقر الذي هو ضد الغنى.

قارئ المتن: أخبرنا علي بن الحسن الدرهمي وإسماعيل ابن مسعود قالا.

شرح الشيخ: الحسين، بعض النسخ الحسن، الحسين.

قارئ المتن: أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي وإسماعيل ابن مسعود قالا: حدثنا خالد قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقمنا خلفه صفين، والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا ورفع ورفعنا.

 فلما انحدر للسجود سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يلونه وقام الصف الثاني حين رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذين يلونه، ثم سجد الصف الثاني حين رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمكنتهم، ثم تأخر الصف الذين كانوا يلون النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم الصف الآخر فقاموا في مقامهم وقام هؤلاء في مقام الآخرين قيامًا وركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا، ثم رفع ورفعنا فلما انحدر للسجود سجد الذين يلونه والآخرون قيام، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين يلونه سجد الآخرون ثم سلم.

شرح الشيخ: وهذا رواه الشيخان، وفيه أنهم في مكانٍ واحد صفهم صفين، لكن أحد الصفين يحرس، يركع فيركعون جميعًا، ثم يسجد فيسجد الصف الذي يليه ويبقى الصف الثاني يحرس، فإذا قام للركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول وهكذا، فإذا كبر للركوع ركعوا جميعًا، فإذا سجد وسجد الصف الذي يليه اللي كان الصف الثاني وهكذا، ثم ومن فاته شيء يقضيه.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعًا، ثم ركع فركعوا جميعًا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما قاموا سجد الآخرون مكانهم الذي كانوا فيه، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فركع فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذين يلونه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وجلسوا سجد الآخرون مكانهم ثم سلم، قال: جابر كما يفعل أمراؤكم.

شرح الشيخ: يعني: المعنى أن الصف المؤخر وقفوا يحرسونهم كما يفعل أمراؤكم حينما يقعدون والحراس من الجنود، الحراس على رؤوسهم، وليس هذا إنكار للحراسة، إذ لا بأس بالحراسة عند الحاجة فقد كان المغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بالسيف، فإذا جاء أحدٌ من المشركين مد يده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربه المغيرة بنعل السيف وقال: أخر يدك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد ابن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن أبي عياش الزرقي قال: شعبة كتب به إلى وقرأته عليه، وسمعته منه يحدث، ولكني حفظته قال: ابن بشار في حديثه حفظي من الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصاف العدو بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الظهر.

 قال المشركون: إن لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فصفهم صفين خلفه، فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، فلما رفعوا رؤوسهم سجد بالصف الذي يليه وقام الآخرون، فلما رفعوا رؤوسهم من السجود سجد الصف المؤخر بركوعهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تأخر الصف المقدم وتقدم الصف المؤخر، فقام كل واحد منهم في مقام صاحبه، ثم ركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، فلما رفعوا رؤوسهم من الركوع سجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون فلما فرغوا من سجودهم سجد الآخرون، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قال: حدثنا منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد فقال: المشركون لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة فنزلت يعنى صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر.

 ففرقنا فرقتين فرقة تصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وفرقة يحرسونهم، فكبر بالذين يلونه والذين يحرسونهم، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعًا، ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعًا الثانية بالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم، وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم فكانت لكلهم ركعتان، ركعتان مع إمامهم وصلى مرة بأرض بنى سليم.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل ابن مسعود واللفظ له قالا: حدثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين، ثم سلم ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين، ثم سلم فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا.

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه مسلم، هذا نوع من أنواع صلاة الخوف صلاها أربع ركعات، صلى بالطائفة ركعتين وسلم بهم، وجاءت الطائفة وصلى ركعتين ثم سلم بهم، فكانت الركعة الأولى للنبي فريضة والثانية نافلة.

 وفيه دليل على إتِمام المفترض بالمتنفل؛ لأن الطائفة الثانية أئتموا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتفل، وهو لهم فرض، هذا فيه دليل على أنه يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل كما يأتم المتنفل بالمفترض؛ لأنه صلى بهم أربع ركعات هنا، كل طائفة ركعتين، هذه نوع من أنواع صلاة الخوف.

قارئ المتن: أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضا ركعتين ثم سلم.

أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه في صلاة الخوف قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة قبل العدو ووجوههم إلى العدو فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك ويجئ أولئك فيركع بهم ويسجد بهم سجدتين، فهي له ثنتان ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ركعة ويسجدون سجدتين.

شرح الشيخ: هذا النوع فيه أنه يقسم قسمين طائفة تحرس وقسم يصلي خلفه، يصلي بهم ركعة ثم يثبت قائمًا فيقضون لأنفسهم الركعة الثانية ويسلمون ويذهبون إلى مكان أولئك، ويرجع أولئك فيصلي بهم ركعة، ثم يثبت جالسًا ثم يقضون الركعة الثانية لأنفسهم ثم يسلمون، هذا نوع من أنواع صلاة الخوف.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا يونس عن الحسن قال: حدث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف، فصلت طائفة معه وطائفة وجوههم قبل العدو، فصلى بهم ركعتين ثم قاموا مقام الآخرين، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين ثم سلم.

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف بالذين خلفه ركعتين، والذين جاؤوا بعد ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ولهؤلاء ركعتين ركعتين.

 

 

كتاب صلاة العيدين.

أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا إسماعيل قال: حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى».

شرح الشيخ: وهذا من فضل الله تعالى، أن الله تعالى أبدل عباده بأعياد الجاهلية أبدلها بأعياد إسلامية، كان لهم في الجاهلية يومان يلعبون فيهما فأبدلهم الله بيومين عيد الفطر، وعيد الأضحى، الأضحى بفتح الهمزة أَضحى، أما بكسرها يُقال مصدر الإضحى، وهنا الأضحى بالفتح.

قارئ المتن: باب الخروج إلى العيدين من الغد:

أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له أن قومًا رأوا الهلال، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعدما ارتفع النهار، وأن يخرجوا إلى العيد من الغد.

شرح الشيخ: فيه أنه إذا لم يُعلم بالعيد إلا بعد ارتفاع النهار فإنهم يفطرون ولكن يؤخرون صلاة العيد إلى الغد في الصباح، اليوم الأول يفطرون إذا ما جاء الخبر إلا بعد ارتفاع الظهر، أو قرب الظهر، أو جاء الخبر العصر فإنهم يفطرون ثم يصلون صلاة العيد من الغد أول النهار.

قارئ المتن: خروج العواتق وذوات الخدور في العيدين:

أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن حفصة قالت: كانت أم عطية لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبا، فقلت أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا؟ فقالت: نعم بأبا، قال: «ليخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ويشهدن العيد ودعوة المسلمين وليعتزل الحيض المصلى اعتزال الحيض مصلى الناس».

شرح الشيخ: (بأبا) لغة بأي يعني: أفديه بأبي بأبا لغة يُقال بأبا أو أبي.

فيه مشروعية خروج النساء للعيدين، (العواتق) جمع عاتق، وهي التي قاربت البلوغ.

(وذوات الخدور) المخدرة الشابة التي تُخدر، كانت في الأول تُخدر الشابات ما يخرجن، صارت الشابات تخرج ولا تبالي الآن، أخرجتها المدنية، كانت الشابة تُخدر ما تخرج إلا بعد الزواج إلا لحاجة، وكذلك العواتق.

(والحيض) كذلك، وهذا من أدلة من قال بفرضية صلاة العيد، هذا دليل على أن صلاة العيد فرض؛ لأنه أمر بإخراج العواتق والشابات، والحيض أيضًا، والحيض الحائض لا تصلي مع الناس تصلى خلف الناس لكنهم يكونون من وراءهم فيسمعون الخير والموعظة ويؤمنون على الدعاء، تكون الحيض خلف النساء يصلين، والحيض تكون خلفهم تسمع الموعظة، وكذلك تؤمن على الدعاء.

 وهذا يدل على أهمية صلاة العيد، ولما قالت امرأة: يا رسول الله المرأة منا ليس لها جلباب قال: «تلبسها أختها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» دل هذا على فرضية صلاة العيد وأنها فرضٌ سنوي كما ذهب إليه شيخ الإسلام وجماعة، والمشهور عند الجمهور أنها سنة مؤكدة صلاة العيد، وأنه ما أوجب الله إلا الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة.

قارئ المتن: اعتزال الحيض مصلى الناس:

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد قال: لقيت أم عطية فقلت لها: هل

سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكانت إذا ذكرته قالت: بأبا قال: «أخرجوا العواتق وذوات الخدور فيشهدن العيد ودعوة المسلمين وليعتزل الحيض مصلى الناس».

شرح الشيخ: يعني: النساء يكن خلف الرجال يُصلين، والحيض تكون خلف النساء، في الخلف فلا يصلين وإنما يؤمن على الدعاء ويسمعن الموعظة.

قارئ المتن: باب الزينة للعيدين:

أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد وعمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: وجد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حلة من إستبرق بالسوق فأخذها، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هذه لباس من لا خلاق له أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له».

 فلبث عمر ما شاء الله ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله قلت إنما هذه لباس من لا خلاق له ثم أرسلت إلى بهذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعها وتصب بها حاجتك».

شرح الشيخ: فيه دليل على مشروعية التجمل للعيدين والجمعة، وذلك لأنه أقره عمر بقوله: (تجمل بها للعيد) ولكن أنكر عليه أن يكون يشتري حلة حرير (استبرق) حرير، الاستبرق والديباج حرير أحدهما غليظ والآخر رقيق، وجد عمر حلة، والحلة مكونة من ثوبين، أحدهم من الأسفل والأعلى كالجبة يُقال لها حُلة، فحلة من حرير من استبرق، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه، قال: خذها يا رسول الله اشتر هذه تجمل بها للعيد.

 (للعيد والوفد) فيه مشروعية التجمل للعيدين وللوفود يتجمل، هذا ما أنكره عليه هذا، لكن أنكر عليه كونه يشتري الحلة كونها من حرير قال: «هذه لباس من لا خلاق له » وهم الكفار، أما المؤمن فالرجال محرمة عليهم، ثم بعد مدة جاء النبي صلى الله عليه وسلم حرير، جبة حرير ديباج فأرسل بها إلى عمر يعطيه منها، فجاء عمر فقال: يا رسول الله: أنت الآن أرسلت لي حرير جبة حرير، وأنت قلت في الأول: «هذه لباس من لا خلاق له» ما أعطيك لتلبسها، أعطيها من يلبسها أو تبيعها، فيه أن المسلم إذا أُهدي له هدية لا يحل استعمالها، ليس له استعمالها بل إما أن يهديها إلى من يحل له استعمالها أو يبيعها.

 ولهذا عمر أرسلها إلى أخٍ له مشرك بمكة، أخ له من الأم؛ لأن المشركين لا يمتنعون من لبس الحرير؛ لأنهم لا يفيدهم الامتناع من الحرير وهم مشركون بالله، ما ينفعهم مالٌ، ما ينفعهم إلا بعد الإيمان بالله ورسوله، فأرسل بها إليه.

 وفيه دليل على أنه أيضًا صلة الكفار غير المحاربين، وأنه لا بأس بصلتهم، الله تعالى قال: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 8-9]، ولما جاءت أم أسماء إليها وهي مشركة في الهدنة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين راغبة في رفدها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صلِ أمكِ» فلا بأس من صلة القريب، أو غير القريب الإحسان إلى الكافر، وإطعامه واسقاءه والهدية له إن لم يكن حربيًا، فإن كان محاربًا المسلمين فلا.

قارئ المتن: الصلاة قبل الإمام يوم العيد:

أخبرنا إسحق بن منصور قال: أخبرنا عبد الرحمن عن سفيان عن الأشعث عن الأسود ابن هلال، عن ثعلبة بن زهدم أن عليًا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود على الناس فخرج يوم عيد فقال: يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يُصلى قبل الإمام.

شرح الشيخ: يعني: الإنسان ما يصلي في بيته وفي مكان والإمام ما صلى والناس ما صلوا، إنما تكون الصلاة بعد صلاة الإمام إذا ما صلى مع الإمام فإذا انفتل صلى.

قارئ المتن: ترك الأذان للعيدين:

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، عن جابر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة.

شرح الشيخ: نعم، لأن العيد ليس لها أذان ولا إقامة ولا تنبيه، وكذلك الاستسقاء ليس لها أذان ولا إقامة، لكن الكسوف لها نداء يُنادى "الصلاة جامعة الصلاة جامعة" والكسوف لها نداء، والعيدين ليس لها نداء ولا أذان، والاستسقاء ليس لها نداء ولا أذان، والفريضة؛ صلاة الفريضة هي التي لها نداء أذان وإقامة.

قارئ المتن: الخطبة يوم العيد:

أخبرنا محمد بن عثمان قال: حدثنا بهز قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني زبيد قال: سمعت الشعبي يقول حدثنا البراء بن عازب رضي الله عنه عند سارية من سواري المسجد قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلى ثم نذبح فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم يقدمه لأهله» فذبح أبو بردة ابن نيار.

شرح الشيخ: في بعض النسخ ابن دينار، خطأ ابن نيار كما هو في الصحيحين وكما هو في الطبعة الهندية ابن نيار، هنا ابن دينار خطأ ابن نيار

قارئ المتن: فذبح أبو بردة ابن نيار، فقال: يا رسول الله عندي جذعة خير من مسنة قال: «أذبحها ولن توفى عن أحد بعدك».

شرح الشيخ: فيه أن الصلاة أولًا ثم الذبح بعد ذلك في الأضاحي يكون بعد الصلاة، والصلاة تكون بعد ارتفاع الشمس، إذا صلى الإمام فإن الناس يذبحون، وفي البوادي ما فيه صلاة عيد، لكن إذا ارتفعت الشمس، ومضى مقدار الصلاة والخطبة في المدن يذبح أهل البادية أضحيتهم.

 البوادي ما فيها، البادية البوادي والمخيمات، وما أشبه ذلك من الأمكنة التي يضعونها الشيك وغيرها وما أشبه ذلك ما يُصلى فيها لا جمعة ولا عيد، العيد والجمعة إنما يُصلى في المدن والأمصار، بعض الناس يُصلون الجمعة في البر، ويخبرني بعض الإخوان يقول: أنه في قصر الأفراح صلى بهم الجمعة وهذا خطأ ما تصح، كذلك في الحج بعض الناس يصلون في الحج  في المخيمات في منى وعرفة، كلها لا تصح الصلاة يعيدونها ظهرًا، صلاة الجمعة ما تكون إلا في المدن التي أهلها مستوطنون المدن والقرى، أما البوادي والمخيمات والبراري فليس فيها لا جمعة ولا عيد.

 وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلى ثم نذبح فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم يقدمه لأهله» يعني: ما يجزئه عن السنة، الذي يذبح قبل الصلاة هذه شاة لحم، أما بعد الصلاة يذبح أخرى.

فقام أبو بردة فقال يا رسول الله، في اللفظ الآخر قال أنه ذبح، أن أبا بردة قال: يا رسول الله إن لي جيران تعجلت وذبحت وأعمتهم، قال له: «لا تجزيك » (فقال: يا رسول الله عندي جذعة خير من مسنة) يعني: جذعة أقل من المعز، ما يحزئ من المعز إلا ما له سنة، ومن الظأن ما له ستة أشهر، قال أبو بردة: عندي جذعة لكنها شبابها طيب أحسن من اللي مضى عليها سنة، قال: «اذبحها ولن توفى عن أحد بعدك »، وفي اللفظ الآخر: «تجزيك ولا تجزي عن أحدٍ بعدك » هذه خصوصية لابن نيار خصه النبي بأنها يذبح جذعة من الماعز، وهي التي لم تتم السن، وهذا من خصائصه، قال: لن تجزئ عن أحد من بعده، وفي اللفظ الآخر «ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك ».

 

 

قارئ المتن: باب صلاة العيدين قبل الخطبة:

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة.

شرح الشيخ: وهو السنة، هذا السنة العيدين قبل الخطبة، بخلاف الجمعة فإن الخطبة أولًا ثم الصلاة، كان بعض خلفاء بني أمية مروان بن الحكم صلى مرة قدم الخطبة قبل صلاة العيد فأنكر عليه أبو سعيد، أبو سعيد صحابي، لما جاء مروان بن الحكم يريد أن يخطب قبل العيد جره أبو سعيد، فقال: دعنا يا أبو سعيد، قال: الصلاة قبل الخطبة، قال: إن الناس لا يجلسون لنا، قال: إذا صلينا ثم خطبنا الناس ما يجلسون لأنه يكون الخطبة غير مناسبة قد يكون فيها الناس فالناس ما يجلسون فأراد أن يُسمعهم الخطبة فقدم الخطبة على الصلاة، فقيل: أن هذا أدى ما عليه، يعني: أنكر.

قارئ المتن: باب صلاة العيدين إلى العنزة:

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج العنزة يوم الفطر ويوم الأضحى يُركزها فيصلي إليها.

شرح الشيخ: والعنزة عصا في طرفه حديدة، يحفر بها في الأرض، فتكون العصا والحديدة في الأرض فيصلي تكون سترة يعني:، النبي صلى الله عليه وسلم يخرج العنزة يوم الفطر ويوم الأضحى فيكون سترة له؛ لأنه يُصلي في الصحراء يخرج إلى الصلاة في بلد ما في سترة فيركز العنزة العصى في طرفها حديدة يركزها يُقال: يرَكزها ويُرِكزها، يرَكزها من الثلاثي بفتح المثنى وضم الكاف، ويُرِكزها من الرباعي، ويُرَكَّزها بتشديد الكاف، يُركِزها، يرَكزها من الثلاثي ويرِكزها، فالعنزة عصا في طرفها حديدة، يحفر لها الأرض، فيكون الحديدة جهة الأرض، ويكون العصا قائم ويكون سترة.

وبالمناسبة يعني: من فوائد بعض الناس صحف هذا الحديث، بعض الجُهال وكان يفتخر قال: نحن من عنزة يصلي إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، نحن من قبيلة عنزة، ظن يُصلي للعنزة قبيلة عنزة، يفتخر نحن من قبيلة عنزة يُصلي إلينا النبي صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن: عدد صلاة العيدين:

أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سفيان بن سعيد عن زبيدٍ الأيامي عند عبد الرحمن بن أبي ليلي ذكره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمامٌ غير قصرٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

شرح الشيخ: عبد الرحمن بن أبي ليلي مختلف سماعه من عمر والراجح سماعه.

فيه أن (صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر يعني: عيد الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام) يعني: أجرها تام على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن: باب القراءة بالعيدين بقاف واقتربت:

أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثني ضمرة بن سعيد عن عبيد الله ابن عبد الله قال: خرج عمر رضي الله عنه يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذا اليوم؟ فقال: بقاف واقتربت.

شرح الشيخ: يعني: في بعض الأحيان ق والقرآن المجيد في الركعة الأولى، والثانية اقتربت، وأحيانًا يقرأ بسبح والغاشية، قال هو ابن عيينه، خرج ابن عيينه.

قارئ المتن: باب القراءة في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية

 أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فيقرأ بهما.

شرح الشيخ: يعني: أحيانًا يقرأ بـ ق واقتربت، وأحيانًا يقرأ بسبح والغاشية، وإذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة يقرأ في يوم العيد في الصباح بق واقتربت ويقرأ في الجمعة بسبح والغاشية، بعض الأئمة الآن لهم مدة طويلة ما يقرأ سبح والغاشية في الجمعة ولا في العيدين هذا خلاف السنة، ينبغي أن يقرأها كثيرًا وإذا قرأ بعضها أحيانًا فلا بأس، لكن ينبغي أن يكون يقرأ كثيرًا بالسنة، وعبد الله بن عتبة لم يسمع من عمر فيكون منقطه ولكنه سمع من أبي واقد كما في صحيح مسلم من طريق يحي بن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله ابن عبد الله قال: سألني عمر فذكره.

قارئ المتن: باب الخطبة في العيدين بعد الصلاة:

أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: سمعت أيوب يخبر عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب.

 أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة.

 

 

شرح الشيخ: كل هذه الأدلة واضحة على أن الصلاة أولًا ثم الخطبة عكس الجمعة في العيدين.

وأما صلاة الاستسقاء فإنه سبق أنه مخير جاء ما يدل على هذا وهذا، لكن إذا كان الأئمة اعتادوا أن يقدموا الصلاة فلا ينبغي للإنسان أن يخالف حتى لا يحصل التشويش.

قارئ المتن: قال: التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين:

أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب قال: حدثنا الفضل بن موسى قال: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد قال: «من أحب أن ينصرف فلينصرف ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم».

شرح الشيخ: فيه دليل على أنه لا يجب الاستماع لخطبة العيد بخلاف خطبة الجمعة، خطبة الجمعة يجب الإنصات لها، ولا يتكلم، «ومن تكلم والإمام فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له». أما العيد فأمرها أخف يجوز للإنسان أن ينصرف، ويستمع للخطبة أفضل إذا صلى العيد فهذا أفضل، وإن صلى العيد فانصرف فلا حرج لكن فوت على نفسه الفضيلة والاستماع.

قارئ المتن: الزينة للخطبة للعيدين:

أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا عبيد الله بن أياد عن أبيه عن أبي رمثة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران.

شرح الشيخ: فيه جواز لبس الأخضر ولكن الأفضل للرجل لبس الأبيض، وفيه مشروعية الزينة للعيدين.

قارئ المتن: الخطبة على البعير:

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي كاهل الأحمسي رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة، وحبشي آخذ بخطام الناقة.

شرح الشيخ: الحبشي هو بلال، والخطبة على البعير حصل للنبي صلى الله عليه وسلم كما في خطبته في عرفة في حجة الوداع خطب على البعير.

قارئ المتن: قيام الإمام في الخطبة:

أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن سماك قال: سألت جابرًا رضي الله عنه أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يقعد قَعدة، ثم يقوم.

 

 

شرح الشيخ: فيه مشروعية قيام الإمام للخطبة، ومشروعية القعود بين الخطبتين، والله تعالى يقول: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، فالسنة أن يخطب الإمام وهو قائم؛ ولأن الخطبة ينبغي فيها أن تكون في حماس شجاعة، وهذا ينبغي أن يكون للقائم، ولا يكون للقاعد، القاعد يكون النبي إذا خطب أحمر وجهه وعلا صوته كأنه منذر الجيش صبحكم ومساكم، الخطبة يكون فيها نوع من الحماس لا يكون فيها تماوت، أو يلحنها، لا الخطة تحتاج إلى قوة وحماس، ما تُلحن مثل قراءة الحديث، وهذا يكون من القائم أولى، أما القاعد يكون حماسه أقل.

قارئ المتن: قيام الإمام في الخطبة متوكأً على إنسان:

أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: حدثنا عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذانٍ ولا إقامةٍ، فلما قضى الصلاة قام متوكأً على بلال، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ الناس وذكرهم وحثهم على طاعته، ثم مال ومضى إلى النساء ومعه بلال، فأمرهن بتقوى الله ووعظهن وذكرهن، وحمد الله وأثنى عليه ثم حثهن على طاعته، ثم قال: «تصدقن فان أكثركن حطب جهنم» فقالت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين: لم يا رسول الله؟

شرح الشيخ: في نسخة ثانية بمَ؟

قارئ المتن: لم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» فجعلن ينزعن قلائدهن وأقراطهن وخواتيمهن يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به.

شرح الشيخ: قوله: (من سفلة النساء) يعني: ساقطة من النساء.

(سفعاء الخدين) يعني: نوع من السواد، وهذا لعله كان قبل الحجاب عرف أنها سفعاء الخدين، بعد ذلك أمروا بالحجاب هذا كان أولًا، وفيه أن صلاة العيد كان ليس لها أذان ولا إقامة قال: (بغير أذان ولا إقامة).

فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ الرجال ثم وعظ النساء، لكن الآن فيه مكبر الصوت تسمعه النساء، مكبر الصوت يكون فيه موعظة تُوجه الموعظة للنساء وهو في مكانه، لكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان فيه الصوت خطب بعض الرجال ثم جاء إلى النساء ووعظهن ومعه بلال، أمرهن بتقوى الله ووعظهن، جعلت تتصدق، القلادة ما تكون على العنق.

 (وأقراطهن) ما تكون في الأذن، (والخواتيم) في الأصابع (يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به).

 فيه دليل على جواز صدقة المرأة من غير زوجها، إذا كانت رشيدة لها أن تتصدق من مالها، ولا يُشترط أن تستأذن زوجها، لكن إذا استأذنته من باب تطيب نفسه فلا بأس، وأما حديث أنه ليس للمرأة الصدقة إلا بإذن زوجها فهو حديث شاذ، أو يُحمل على أنه إذا كان من ماله فلابد أن تستأذنه، أما مالها فهي تتصرف إذا كانت رشيدة تتصرف، ولا يلزمها.

 ويدل ذلك على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت مولية لها ميمونة مولية لها، وقالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت موليتي؟ فقال: «لا، ولو أعطيتها أخوالكِ كان أعظم لأجرك» ولم يقل: لماذا ما استأذنتني.

 أما حديث «ليس للمرأة عطية إلا بإذن زوجها» فهو محمول إذا كان من ماله أو أنه شاذ، لكن كونه يحمل على أنه من مالها أولى، فيكون شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، مخالف للحديث هذا، أصح هذا، عمر عن أبيه عن جدها «لا يحل للمرأة عطية إلا بإذن زوجها» وهذا الحديث فيه أن تصدقت بغير إذن زوجها مقدمة، الأحاديث الصحيحة فيها أنها تتصدق بغير إذن زوجها إذا كانت رشيدة.

الساقطات من النساء يعني: ليست الحرائر أو من القبائل المعروفة. والذي في الصحيح من سبطة النساء بالطاء، قال بعضهم الذي في الصحيح من سبثة النساء قال: لعله تصحيف وفي رواية أخرى: "فقامت مرأة ليست من علية النساء" ليست يعني: لو صحت تكون ليست من علية النساء، من النساء، والأمر في هذا واسع، والمهم أنها سألت الأمر واسع، أي امرأة كانت سواء كانت من علية أو من غير علية.

قارئ المتن: استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة:

 أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز عن داود عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى، فيصلى بالناس فإذا جلس في الثانية وسلم قام فاستقبل الناس بوجهه والناس جلوس، فان كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثًا ذكره للناس، وإلا أمر الناس بالصدقة قال: «تصدقوا» ثلاث مرات فكان من أكثر من يتصدق النساء.

شرح الشيخ: وفيه أن الصدقة فيها وقاية من النار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» فتكون الصدقة أنها تمنع، تدفع البلاء وتدفع النار.

قارئ المتن: الإنصات للخطبة:

أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، واللفظ له عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت».

شرح الشيخ: وهذا في الجمعة، في خطبة الجمعة.

قارئ المتن: كيف الخطبة:

أخبرنا قتيبة بن عبد الله قال: أنبأنا ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله ثم يقول: «من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».

 ثم يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول صبحكم مساكم ثم قال: «من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإلى أو على وأنا أولى بالمؤمنين».

شرح الشيخ: فيه دليل على أنه ينبغي للخطيب أن يكون صوته قويًا مؤثرًا في السامعين لا يكون متماوت؛ ولذلك قال: (كان إذا خطب علا صوته وأشتد صوته كأنه نذير جيش يقول صبحكم ومساكم) العبارة فيها قوة، الخطبة ما يكون فيها تماوت، وفيه أن النبي يقول هذه الكلمة في الخطبة: «من يهده الله فلا مضل ومن يضلله فلا هادي له إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» هذه الزيادة في النسائي، الصحيح ما فيها «وكل ضلالةٍ في النار».

 وكان يقول: «من ترك مالًا فلأهله» يعني: تقتسمه الورثة «ومن ترك دينًا أو ضياعا فإلى أو على» وهذا كان بعدما فتحت الفتوح، بعدما وسع الله، وكان في الأول لا يُصلي على من عليه دين، ثم بعد ذلك كان يقضي الدين من بيت المال، قال: «من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينًا أو ضياعًا» يعني: الأيتام ونحوه «فإلى» يقوم بحاجتهم، أن بيت المال يقوم بكفالة القاصرين والعاجزين والأيتام وقضاء الديون إن كان فيه سعة، أما من ترك مالًا فإنه يكون لورثته يقتسمونه.

قارئ المتن: حث الإمام على الصدقة في الخطبة:

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا داود بن قيس قال: حدثني عياض عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلى ركعتين، ثم يخطب فيأمر بالصدقة، فيكون أكثر من يتصدق النساء، فان كانت له حاجة أو أراد أن يبعث بعثًا تكلم وإلا رجع.

 أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا يزيد وهو ابن هارون قال: أنبأنا حميد عن الحسن أن ابن عباس خطب بالبصرة فقال: أدوا زكاة صومكم، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض فقال: من ها هنا من أهل المدينة قوموا إلى إخوانكم فعلموهم، فإنهم لا يعلمون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى، نصف صاعٍ من بر أو صاعًا من تمر أو شعير.

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة ثم قال: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم».

 فقال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم قال: فإن عندي جذعة خير من شاتي لحم، فهل تجزى عني؟ قال: «نعم ولن تجزى عن أحد بعدك».

شرح الشيخ: هذا الأول من رواية حميد عن الحسن بن عباس، والحديث فيه ضعف، لأن الحسين لم يسمع عن ابن عباس فهو منقطع، والحسن البصري مدلس، له أشياخ يُحدث عنهم، يقول: حدثنا، والمراد حدثنا أشياخنا كما في التقريب، وعليه فقوله من الحديث: «نص صاعٍ من بر» لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ثبت عنه صاع وليس نصف صاع.

 والمعروف أن هذا اجتهاد من معاوية رضي الله عنه لما جاءت السمراء كانت بر جيدة قال معاوية، وُجد في عهده حطنة جيدة سمرة، قال: أرى أن نصف الصاع من هذا يعدل مدين، وعليه فتكون صدقة الفطر نص صاع.

 قال أبو سعيد الخدري: أما أنا فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، فيكون الحديث هنا ضعيف، الرسول عليه الصلاة والسلام إنما أمر بإخراج صاع، والذي بإخراج نصف الصاع هو معاوية في خلافته، اجتهد لما جاءت حنطة سمراء قوية، اجتهد وقال: أرى أن المد يكفي عن المدين، ونصف الصاع عن الصاع، وأخذ به كثيرٌ من الفقهاء، وأبو سعيد الصحابي قال: لا أنا لا أزال أخرج صاع ما يكفيني نصف الصاع كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكون الحديث عن ابن عباس هذا فيه ضعف.

الحديث الثاني فيه أن أبا بردة لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل صلاة العيد فهي شاة لحم» قال أبو نيار يا رسول الله، رجلٌ كريم قال: (عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني) قبل صلاة العيد وجئت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم قال: فإن عندي جذعة) جذعة من المعز (خير من شاتي) شبابها طيب، (فهل تجزى عني؟ قال: «نعم ولن تجزى عن أحد بعدك») خصوصية هذه الخصوصية.

 الحديث هذا يتكلم عليه الحسن الشيخ الأثيوبي الحديث الأول حسن بن عباس خطب بالبصرة قال فيه: فيه صاع، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصاع، زكاة الفطر صاع، واجتهد معاوية رضي الله عنه، وأخذ منه بعض الأصحاب نصف الصاع يكفي من الحنطة السمراء قوية.

قارئ المتن: قال الجامع رحمه الله: هذا الحديث سيأتي به المصنف في كتاب الزكاة ويأتي شرحه وبيان المسائل المتعلقة به هناك إن شاء الله، وفيه انقطاعٌ لأن الحسن البصري لم يسمع من ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لكن المرفوع منهما صحيح؛ لأنه سيأتي في كتاب الزكاة بسندٍ آخر متصل إن شاء الله تعالى.

 

 

شرح الشيخ: المرفوع ما في إشكال، الإشكال في نصف الصاع هذا يأتي فيه حديث ضعيف، فيه انقطاع، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت عن النبي صاع أخذ به معاوية وأخذ به الناس.

قارئ المتن: القصد في الخطبة

 أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كنت أصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا.

شرح الشيخ: ومعنى قصدًا يعني: معتدلة متوسطة، ليست طويلة ولا قصيرة، بل هي تكون متوسطة كلماتٍ معدودةٍ يحفظها الحافظ، تحفظها بعض الصحابيات لكن أوتي جوامع الكلام -عليه الصلاة والسلام-، وقد يطيل أحيانًا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب مرةً بعد الفجر إلى الظهر وبعد الظهر إلى العصر، وبعد العصر إلى المغرب وذكر كل شيء.

 قال: "فكان أعلمنا أحفظنا، ذكر كل ما يكون إلى قيام الساعة" هذه خطبة طويلة دعت الحاجة إلى هذا، خطب من الفجر إلى الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم خطب إلى العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم خطب إلى المغرب، هذا قوة عليه الصلاة والسلام ونشاط على الشيء العارض.

قال الصحابي: "ذكر فيه كل شيء، كان أحفظنا أعلمنا" لكن الغالب أن تكون الخطبة قصدًا متوسطة معتدلة، تصير يعدها العد.

قارئ المتن: الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ثم يقعد قَعدة، لا يتكلم فيها، ثم قام فخطب خطبة أخرى، فمن خبرك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قاعدًا فلا تصدقه.

شرح الشيخ: صحيح من قال أنه خطب قائمًا لا يُصدق.

قارئ المتن: القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها:

أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن سماك عن جابر ابن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله، وكانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا.

شرح الشيخ: الخطبة تكون معتدلة والصلاة معتدلة.

 

 

قارئ المتن: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة:

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبو تميلة عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب إذ أقبل الحسن والحسين عليهما السلام، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل وحملهما فقال: «صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما».

شرح الشيخ: فيه أنه لا بأس من نزول الإمام الخطبة إذا دعت الحاجة، ثم يرجع ويكمل خطبته.

قارئ المتن: موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة:

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس قال له رجل: شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

شرح الشيخ: قال له رجل: أشهدت؟ يعني: يستفهم يقول: هل شهدت الخروج، شهدت على حذف حرف الاستفهام، التقدير: أشهدت الخروج؟

قارئ المتن: قال له رجل: شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولولا مكاني منه ما شهدته يعنى من صغره.

شرح الشيخ: يعني: هو صغير لكن له مكانة حيث دعا له النبي بأن يوفقه في الدين قال: «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل» ولو كان صغيرًا فشهد الخطبة، أما غيره وهم في سنه فلا يشهد قال: (لولا مكاني منه ما شهدت يعني: من صغره)

قارئ المتن: ولولا مكاني منه ما شهدته يعنى من صغره، أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوى بيدها إلى حِلقها.

شرح الشيخ: إلى حَلقها.

الطالب: عندي حَلقها، حِلقها.

الشيخ: محتمل الجمع، إلى حَلقها للحديث الذي السابق (تهوي إلى حَلقها) القلادة التي في الحلق، تأخذ القلادة، يعني: الأشياء المحلقة، قد يكون الأشياء المحلقة في الأذن حلقة، وفي العنق حلقة، لكن الحديث السابق «إلى حَلقها وقرطها» يتكلم عليه، يعني: يشمل الحلقة التي الأذن والحلقة كذلك التي في العنق، والحديث السابق «إلى حَلقها» وهي القلادة التي في الحلق، فيها الوجهان:

حَلقها: القلادة.

حِلقها: يعني: الحِلق التي في الأذن وفي العنق.

قارئ المتن: تهوي بيدها إلى حَلقها تلقى في ثوب بلال.

شرح الشيخ: وقول المصنف: (موعظة النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة) هذا إذا لم يسمعن الخطبة، أما في هذا الزمان فيسمعن من مكبر الصوت، فيوجه الإمام الموعظة لهن وهو في مكانه؛ لأنهن يسمعن، أما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما في مكبر صوت، فإذا خطب ذهب مع بلال إلى النساء ووعظهن موعظة خاصة للنساء وحثهن على الصدقة، تكون موعظة خاصة لا يسمعهن الرجال، كما أن خطبة الرجال لا يسمعها الرجال؛ لأن النساء خلف ما يسمعن، ما يسمعن الصوت، ما في مكبر صوت، قد يكون مسافة بين الرجال والنساء، فيذهب إلى النساء بعد الخطبة ويعظهن، لكن الآن مكبر الصوت يسمعه وهو في مكانهن.

قارئ المتن: الصلاة قبل العيدين وبعدها:

أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج وقال: حدثنا ابن إدريس قال: أنبأنا شعبة عن عدى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد، فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها.

شرح الشيخ: فيه أنه لا صلاة قبل العيد لا قبلها ولا بعدها وإذا جاء يجلس، وهذا إذا كانت تُصلى في الصحراء كما كان يفعل، أما إذا كانت تُصلى في المسجد فإنه يُصلي تحية المسجد.

 لكن عند الجمهور لا يرون الصلاة في وقت النهي، فيجلس عند الجمهور، جمهور العلماء يقولون: ما في صلاة بعد الفجر يجلس.

 والقول الثاني أنه يصلي ذوات الأسباب على اختيار شيخ الإسلام وجماعة يصلي، وعلى قول الجمهور يجلس ولو في المسجد؛ لأنه وقت نهي، ولا يصلي قبلها ولا بعدها، كذلك بعض الإخوان الآن إذا صلى صلاة العيد يقوم يصلي سنة خلاف السنة، يصلي نافلة في البيت، أما في المسجد فالأولى ترك، ولاسيما إذا كان في المكان، وكذلك صلاة الاستسقاء وغيرها الأولى تكون في البيوت أفضل، ولأن الصلاة هنا خصص الاستسقاء وللعيدين ما يكون قبلها صلاة ولا بعدها صلاة.

قارئ المتن: ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا حاتم بن وردان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث عن كثير بن فرقد عن نافع، أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح أو ينحر بالمصلى.

شرح الشيخ: وذلك ليراه الناس فيقتدوا به، فالنبي يذبح في المصلى، المصلى صحراء قريبة من البلد، ما كان يصلي العيد في مسجده كان صحراء قريبة ثم يذبح في مكانه؛ حتى يراه الناس، ولهذا قال بعض أهل العلم: أنه لا ينبغي أن يذبح حتى يذبح الإمام، إذا كان الإمام يذبح، وإذا كان الإمام ما يذبح فالناس يذبحون بعد الصلاة، فكان النبي يذبح في المصلي حتى يراه الناس ويشاهدوه، وكم عدد ما يذبح؟ ذبح (كبشين أملحين) وقال في أحدهما: «عن محمد وآل محمد، وقال في الآخر: عن من لم يضحي من أمة محمد عليه الصلاة والسلام»

(كبشين أملحين) في لفظ: أقرنين (أملحين) فيهما بياض، (أقرنين) لهما قرنان.

قارئ المتن: اجتماع العيدين وشهودهما:

أخبرني محمد بن قدامة عن جرير عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قلت: عن أبيه؟ قال: نعم عن حبيب ابن سالم عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة والعيد بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وإذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم قرأ بهما.

شرح الشيخ: يعني: يكررهما، يقرأهما في العيد ويقرأهما في الجمعة.

قارئ المتن: الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد:

أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا إسرائيل عن عثمان ابن المغيرة عن إياس بن أبي رملة قال: سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؟ قال: نعم صلى العيد من أول النهار، ثم رخص في الجمعة.

 أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبد الحميد ابن جعفر قال: حدثني وهب ابن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة.

شرح الشيخ: المعروف من الأدلة أن الإمام يُصلي الجمعة بمن يحضر، وإنما يُرخص لغير الإمام ممن حضر العيد التخلف عن الجمعة، ولكن يصلها ظهرًا، ولعل السنة خفيت عن ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن الزبير هو الأمير كان أمير كان والي على الحجاز في زمانه، وافق يوم الجمعة والعيد فتأخر عن العيد (حتى تعالى النهار) حتى صلى بالناس صلاة واحدة، تكفي عن الجمعة وعن العيد، هل تكلم عندك على الحديث.

 (قال ابن عباس: أصاب السنة) المعروف من الأحاديث أن الإمام يُصلي الجمعة، يُصلي العيد ويُصلي الجمعة، ولكن من حضر الجمعة تسقط عنه الجمعة، لكن يُصليها ظهًرا، وهذا هو الأحوط، ظاهر هذا فعل ابن الزبير، وإقرار ابن عباس أنه ما صلى صلاة واحدة، صلى صلاة العيد اكتفى بها عن الجمعة، هذا فيه إشكال.

 

 

قارئ المتن: قال: على عهد الزبير؛ في مدة خلافة عبد الله بن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى؛ أي ارتفع النهار، ثم خرج فخطب، وفي نسخةٍ: يخطب، وفيه: أنه قدم الخطبة، وقد سبق أن ابن الزبير ممن يرى تقديم خطبة العيد على الصلاة، والجمهور على خلافه، فأطال الخطبة؛ أي من المنبر، فصلى؛ أي صلاة العيد، ولم يصلي للناس، وفي نسخةٍ: بالناس يومئذٍ جمعة، وفي نسخة: يوم الجمعة، أي لم يصلي في ذلك اليوم، وهو يوم الجمعة صلاة الجمعة، وفي رواية أبي داود: فصلاها ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر.

قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: ظاهره أنه لم يصلي الظهر، وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجهٍ من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يُصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء حتى حُكي ذلك عنه في البحر.

 والظاهر: أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذرٍ أو لغير عذرٍ محتاجٌ إلى دليل، ولا دليل يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدم أن القول بسقوط صلاة الظهر هو الذي يحتاج إلى دليل، فالحق أن صلاة الظهر لا تسقط عمن سقطت عنه الجمعة؛ لما ذُكر، هذا ما عندي والله تعالى أعلم.

شرح الشيخ: هذا هو الأقرب، الأقرب أنهم يصلون ظهر، العلماء من الحنابلة وغيرهم، يقولون: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام فلا تسقط عنه هذا مذهب الحنابلة، إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد سقطت الجمعة عمن حضر يوم العيد إلا الإمام فلا تسقط عنه، الإمام يُصلي بالناس، يصلي بهم العيد، وأما غير الإمام تسقط عنه الجمعة، لكن يصليها ظهر، وهي فرض الوقت.

 وأما العيد هي آكد من العيد، العيد الجمهور على أنها سنة، وأما صلاة الظهر ما تسقط، الصلوات الخمس إذا لم يصلي الجمعة يُصلي ظهر، فهي آكد من العيد، العيد سنة عند الجمهور، وشيخ الإسلام، ولكن صلاة الظهر صلاة الجمعة فرض.

هذا لعل السنة خفيت على ابن الزبير، ثم خفيت عن ابن عباس قال: (وأصاب السنة).

قارئ المتن: وقال صاحب المنتقى بعد أن ذكر رواية ابن الزبير: هذا ما نصه إنما وجه هذا أنه رأى تقديم الجمعة قبل الزوال فقدمها، واجتزأ بها عن العيد، انتهى.

شرح الشيخ: لأن ابن الزبير أخرها حتى تعالى النهار، حتى ارتفع النهار واكتفى بها عن العيد، قد يكون هذا، ماذا قال صاحب المنتقى؟

 

 

قارئ المتن: وقال صاحب المنتقى بعد أن ذكر رواية ابن الزبير: هذا ما نصه إنما وجه هذا أنه رأى تقديم الجمعة قبل الزوال فقدمها، واجتزأ بها عن العيد، انتهى.

شرح الشيخ: وهذا أولى من القول عندنا قال: ولم يصل الناس يومئذٍ الجمعة، يكون كونه صلى الجمعة اكتفى بها، هذا هو الأقرب.

قارئ المتن: قال الشوكاني: لا يخفى ما في هذا الوجه من التعسف انتهى.

فذُكر ذلك لابن عباس ببناء الفعل للمفعول واسم الإشارة نائب فاعل أي ذكر لعبد الله بن عباس ما صنعه عبد الله بن الزبير من الاجتزاء بصلاة العيد عن صلاة الجمعة؛ لاجتماعهما في يومٍ واحدٍ، فقال ابن عباس: أصاب السنة أي الطريقة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الرخصة في هذا ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.

شرح الشيخ: لا، توجيه صاحب المنتقى جيد، ولا فيه تعسف؛ لأنه أخر الصلاة حتى تعالى النهار، ظاهره أنه تعالى أي ارتفع النهار يعني: الظهر وقرب الظهر، وصلى بهذا لماذا يؤخر هذا قبل صلاة العيد؟ ما أخرها إلا أنه يُريد بها صلاة الجمعة، اكتفى بها عن العيد، هذا هو الأولى، وعلى هذا يكون سقوط صلاة العيد أهون من سقوط صلاة الجمعة أو الظهر.

نعم الحنابلة يرون أن الجمعة مثل صلاة العيد من ارتفاع الشمس.

الطالب: شيخنا ما تسقط عنه، الظهر لا تسقط.

الشيخ: ما تسقط، لكنه صلى الجمعة.

الطالب: وإن كلامه هنا أنه من سقطت عنه الجمعة سقط عنه الظهر.

الشيخ: غير جيد، السندي وغيره لا يجزئ حضور العيد عن حضور الجمعة، لكن لا يسقط به الظهر، كذا قال الخطابي، ومذهب علمائنا لزوم الحضور للجمعة، ولا يخفى أن أحاديث الباب دالة على سقوط حضور الجمعة، بل بعضها يقتضي سقوط الظهر أيضًا في رواية حديث ابن الزبير الله أعلم.

ظاهر فعل ابن الزبير كونه يؤخر إلى أن يتعالى النهار، وهذا يدل على أنه أراد الجمعة، وأنه يكتفي عن صلاة العيد يتداخلان.

مثل سنة تحية المسجد، أو راتبة الظهر تجزئ عن تحية المسجد، فأراد أن يُصلي الجمعة تجزئ عن صلاة العيد هذا هو الأقرب.

مداخلة: (01:53:47)

الشيخ: فأخر الخروج ثم قال: (ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى) هذا ظاهره أنه أراد الجمعة، خرج فخطب فأطال الخطبة، نعم، (فأطال الخطبة ثم نزل فصلى) هذا يؤيد أنه ما قال صاحب المنتهى أنه أراد الجمعة، يعني: فيه عندنا مرجحان:

المرجح الأول: أنه أخرها حتى تعالى النهار.

والمرجح الثاني: أنه خطب أولًا ثم يقولون أن ابن الزبير يرى أن الخطبة في العيد قبل، بعيد هذا.

هذا هو الأولى، الأولى يُحمل عليه هذا، تكون صُليت الجمعة ودخلت فيه العيد، اكتفى بها عن العيد هذا هو الأولى، وهو الأولى بالصحابة --رضي الله عنهم-، ابن عباس وابن الزبير.

ما في إشكال يزول الإشكال صلوا الجمعة الآن واكتفى بها عن العيد، وأخره، بدليل أنه أخره، أخره وقدم الخطبة، هذا واضح.

مداخلة: (01:55:08).

الشيخ: فيُحتاج إلى ثبوت هذا، يحتاج إلى ثبوته بسند صحيح، وأما المعروف عن عمر بن الخطاب سيرته معروفة، عمر لم يحصل له مثل هذا، هذا يحتاج من يُثبت هذا بالسند.

قارئ المتن: ضرب الدُف يوم العيد:

أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا محمد بن جعفر عن معمر عن الزهري، عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهن فإن لكل قوم عيدًا».

 اللعب بين يدي الإمام يوم العيد:

 أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: جاء السودان يلعبون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فدعاني فكنت أطلع إليهم من فوق عاتقه فما زلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي انصرفت.

 اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك.

 أخبرنا علي بن خشرم قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا أسأم فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.

 أخبرنا إسحق بن موسى قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: دخل عمر والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر رضي الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعهم يا عمر فإنما هم بنو أرفدة».

شرح الشيخ: فيه جواز اللعب في يوم العيد في المسجد بالحراب والدرق؛ لما فيه من التمرن على الحرب والجهاد في سبيل الله، وإعداد العدة للأعداء إذا كان المسجد فيه رحبة وسعة فلا بأس التدرب للحراب والدراق؛ لأن هذا فيه تمرن على الجهاد في سبيل الله، وإعداد العدة.

فيه أنه لا حرج على المرأة في نظرها إلى الرجال على العموم، لا إلى الواحد والاثنين، تنظر وجوه المصلون وهم يصلون، وهم يلعبون لا بأس، لكن كونها تنظر إلى شخصٍ واحد تتأمل محاسنه هذا ممنوع، وكذلك الرجل ممكن ينظر إلى النساء عمومًا يصلين في المسجد، أو يمشين، امرأة تمشي هذا نظرة، هذا لا بأس به إذا كانت مستترة رآها هكذا.

 أما النظر إلى المرأة بعينها، ينظر إليها يتأمل محاسنها هذا ممنوع، ينظر الرجل إلى المرأة هذا ممنوع، أما على الممنوع تنظر المرأة إلى رجال يصلون، أو رجل إلى نساء على العموم هذا لا بأس به كما فعلت عائشة كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك.

قارئ المتن: الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدُف يوم العيد:

أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة أنه حدثه أن عائشة حدثته أن أبا بكر الصديق دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بالدف وتغنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، وقال مرة أخرى: متسجٍ ثوبه فكشف عن وجهه فقال: «دعهما يا أبا بكر إنها أيام عيد وهن أيام منى» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة.

شرح الشيخ: في هذا كما ذكر المؤلف (الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد) للجواري الصغار، والمراد بالغناء يعني: الكلمات التي يرددنها، وليس المراد الغناء الذي يوقد النفوس ويلهبها، ويُطرب النفوس يحملها على الأشر والبطر لا، يعني: قراءة النشيد، قراءة الكلمات ثم الغناء، فيه الرخصة للاستماع إلى الغناء وضرب الدف للجواري الصغار يوم العيد، (وعندها جاريتان تضربان بالدف)

قارئ المتن: كتاب قيام الليل وتطوع النهار:

باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك:

أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية بن أسماء عن الوليد بن أبي هشام عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا».

شرح الشيخ: ومعنى (تغنيان) يعني: تنشدان الأشعار، ترفعان أصواتهما بإنشاد الأشعار.

 

 

قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا وهيب قال: سمعت موسى بن عقبة قال: سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه الناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه نائم فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: «ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة».

 أخبرنا محمد بن بشار قال: أنبأنا إبراهيم بن أبي الوزير قال: حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعد بن إسحاق ابن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بنى عبد الأشهل، فلما صلى قام ناس يتنفلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بهذه الصلاة في البيوت».

شرح الشيخ: وفيه أن النوافل الأفضل تكون في البيوت، في الحديث الآخر: «صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» الفريضة، وما تشرع لها الجماعة من صلاة العيد، صلاة الاستسقاء، جماعة، ما عدا ذلك فالصلاة في البيوت أفضل.

وفيها قوله: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا) يعني: لا تشبهوها بالمقابر؛ لأن المقابر هي التي لا يُصلى فيها، والمعنى: صلوا في بيوتكم حتى لا تكون مثل المقابر التي لا يُصلى فيها، في حديث ثاني في حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم (اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى بها) صلى الناس خلفه، بينه وبينهم حاجز الحصير، وهذا العلماء بوبوا عليه، والبخاري بوب عليه هل يجوز للمأموم أن يُصلي بينه وبين الإمام نهرٌ تجري فيه السفن؟ أو شارع تجري فيه السيارات؟ فيه خلاف، من العلماء من منعه.

 وظاهر الحديث المنع أن هذا كان في الأصل، جمهور العلماء على أنه لا يُصلى إلا إذا كانت هناك فاصل إلا أن تتصل الصفوف خارج المسجد فتكون داخلة، الصفوف في المسجد أو خارج المسجد والصفوف متصلة، أما إذا كان فاصل نهر تجري فيه السفن، أو شارع تجري فيه السيارات هذا ينبغي الإنسان يحتاط لدينه ولا يصلي مع الناس في هذا، إذا اتصلت الصفوف هناك فتوى أظن في الحرم المكي بعض المصليات المجاورة الصفوف متصلة في الحج فبعض الناس حتى بالباب، بعض العامة يسأل عن الصلاة خلف التلفاز يسمع الصوت، لا، لا يكفي الصوت، الصوت إجابة المؤذن لا بأس إذا كانت حيا على الهواء تجيب المؤذن ولو كان بعيد لكن تُصلي خلف الإمام لا، ما يكفي الصوت، لا بد تصلي في المسجد.

 

 

قارئ المتن: باب قيام الليل:

أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد، عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام أنه لقي ابن عباس رضي الله عنهما، فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قال: عائشة أئتها فسلها، ثم ارجع إلى فأخبرني بردها عليك، فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا، فأبت فيها إلا مضيًا فأقسمت عليه فجاء معي.

فدخل عليها فقالت: لحكيم من هذا معك؟ قلت: سعد بن هشام قالت: من هشام؟ قلت: ابن عامر فترحمت عليه، وقالت: نعم المرء كان عامرًا قال: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أليس تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن.

 فهممت أن أقوم فبدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله عليه وسلم قالت: أليس تقرأ هذه السورة يا أيها المزمل؟ قلت: بلى قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهرًا، ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فريضة.

 فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلى ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، يجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا ثم يصلى ركعتين، وهو جالس بعد ما يسلم، ثم يصلى ركعة فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.

فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم، فتلك تسع ركعات يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يدوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة كاملة حتى الصباح، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان.

فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت أما إني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة قال أبو عبد الرحمن: كذا وقع في كتابي ولا أدرى ممن الخطأ في موضع وتره عليه السلام.

شرح الشيخ: هذا الحديث حديث طويل قوله: (هاتين الشيعتين) المراد الفرقتان، الفرقة التي جرت بين الصحابة.

وفيه أن الإنسان يدل على من هو أعلى منه، الإنسان يحيل إلى من هو أعلم منه.

وفيه أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ولما سألها عن قيام الليل قالت: (أليس تقرأ هذه السور يا أيها المزمل، فإن الله افترض قيام الليل في هذه السورة) {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4].

هذه أوامر فرض فيها القيام؛ قيام الليل عن النبي وعلى الأمة ثم نسخ في آخرها، في آخر السورة: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20]، هذا تخفيف.

 فصار قيام الليل واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم وسنة في حق الأمة لما أنزل الله التخفيف في آخر السورة، صار قيام الليل تطوعًا للأمة، ثم بعد ذلك سأل عن الوتر قالت: (ويصلى ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة يذكر الله عز وجل).

المؤلف صار للخطأ قال: (كتابي ولا أدرى ممن الخطأ في موضع وتره عليه السلام) هذا محل الخطأ الذي أشار إليه المؤلف ففي مسلم أنه يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ويصلي التاسعة، ثم يقعد ويدعو الله ويسلم، هنا يُصلي ثمان ركعات، ثمان ركعات شفع، في الحديث «صلاة الليل مثنى مثنى» في مسلم أنه يُصلي ثمان ركعات ثم يجلس ويتشهد، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويسلم فتكون وتر.

 لكن هنا قال: (ثم يصلى ركعتين، وهو جالس بعد ما يسلم) هنا قال المؤلف: قال ابن عبد الرحمن النسائي (كذا وقع في كتاب وما أدري ما الخطأ في موضع وتره عليه الصلاة والسلام) هذا هو مكان الخطأ أنه يُصلي ثمان ركعات ويُسلم، لكن في مسلم لا يُسلم يتشهد في الثامنة ثم يقوم ويأتي في التاسعة.

ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم هذا لا بأس ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الوتر وصلى ركعتين، دل على أنه لا بأس بالصلاة عند الوتر.

قارئ المتن: باب ثواب من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا:

 أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

 أخبرنا محمد بن إسماعيل أبو بكر قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك قال: قال: الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

شرح الشيخ: فيه اشتراط الإيمان والحساب للمغفرة

(الإيمان) الإيمان بالله ورسوله وتصديقًا بأنه حقٌ وطاعةٌ.

(احتساب) يعني: إرادة وجه الله لا للرياء ولا للسمعة، احتساب الأجر والثواب عند الله، لابد أيضًا أن يكون مجتنب الكبائر إذا قام رمضان وهو مصر على الكبائر، فلابد له من التوبة، لابد أن يكون عن إيمان بالله ورسوله، فلو صلى وهو غير مؤمن ما تنفعه الصلاة.

قارئ المتن: باب قيام شهر رمضان:

أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن يفرض عليكم» وذلك في رمضان.

 أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا محمد بن الفضيل عن داود ابن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبعٌ من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، فقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه قال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة».

ثم لم يصل بنا ولم يقم حتى بقي ثلاثٌ من الشهر، فقام بنا في الثالثة وجمع أهله ونساءه حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

شرح الشيخ: وفيه أن النبي صلى بهم ثلاث ليال، ليلة ثلاث وعشرين حتى ذهب ثلث الليل، ثم ليلة خمس وعشرين حتى ذهب نصف الليل، ثم ليلة سبع وعشرين حتى خشوا أن يفوتهم السحور، ثلاث ليال:

ليلة ثلاث وعشرين ثلث الليل.

ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل.

وليلة سبع وعشرين إلى السحور.

ثم ترك النبي ولم يخرج إليهم خشية أن تُفرض عليهم، فصار الناس يصلون بقية حياة النبي صلى الله عليه وسلم أوزاعًا يُصلي الواحد لوحده، ويصلي اثنين، وفي خلافة أبي بكر كذلك مدة قصيرة، وفي أول خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب، صلى الصحابة عشرون وصلى عشر، فعمر أعادهم إلى ما كانوا عليه، فالتراويح سنة نبوية، ولا سنة عمرية؟ لا، سنة نبوية، النبي صلاها ثلاث ليال، لكن تركها خشية أن تُفرض عليهم، وعمر أعادهم؛ لأن ما خشيه النبي زال، بموت النبي انقطع الوحي.

قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرني معاوية بن صالح قال: حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما على منبر حمص يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاثٍ وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمسٍ وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور.

شرح الشيخ: فيه انقلاب والأصل: وكانوا يسمون السحور الفلاح.

مداخلة: (02:14:55)

الشيخ: اقرأ.

قارئ المتن: باب الترغيب في قيام الليل:

أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد يضرب على كل عقدة ليلًا طويلًا أي ارقد، فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فان توضأ انحلت عقدة أخرى، فان صلى انحلت العقد كلها فيصبح طيب النفس نشيطًا وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».

شرح الشيخ: فيه حرص الشيطان على حرمان الإنسان من الخير إذا نام عقد على رأسه ثلاث عقد، (يضرب على كل عقدة ليلًا طويلًا أي ارقد) وفيه أن العقدة الأولى تنحل إذا ذكر الله، والثانية تنحل إذا توضأ، والثالثة تنحل إذا صلى ركعتين؛ ولهذا يُشرع في قيام الليل أن يُصلي ركعتين خفيفتين قبل قيام الليل؛ حتى تنحل العقد الثلاث (فيصبح طيب النفس نشيطًا وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) بقيت العقد عليه.

قارئ المتن: أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلةً حتى أصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه».

شرح الشيخ: (حتى أصبح)، يعني: ظاهره أنه نام عن قيام الليل، وليس المراد أنه ترك الفريضة فهذا يفيد أنه ينبغي للإنسان أن يكون له ورد من الليل ولو قليل، في آخر الليل يصلي ما قسم الله له ويوتر.

قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قال: حدثنا منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله إن فلانًا نام عن الصلاة البارحة حتى أصبح قال: «ذاك شيطان بال في أذنيه».

 

 

شرح الشيخ: وذاك البول حقيقة ولا حاجة إلى تأويله، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أنه معفو عنه، وهو لا يدل على وجوب قيام الليل بل هو مستحب، قوله هنا (حتى أصبح)، يعني: من صلاة الليل بدليل قوله: (حتى أصبح) يطلع الصبح يصلي الفريضة دخل وقت الفجر، لكن ما فاتته صلاة الفجر.

مداخلة: (02:17:40).

الشيخ: لا؛ لأن النوم في الغالب يكون بعد العشاء (2:17:44) نام بعد العشاء.

قارئ المتن: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان قال: حدثني القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء».

شرح الشيخ: فيه التعاون على الخير بين الزوجين.

 قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي حدثه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: «ألا تصلون»، قلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا».

 أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا عمى قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن محمد بن مسلم بن شهاب عن علي بن الحسين رضي الله عنه عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هويًا من الليل، فلم يسمع لنا حسًا فرجع إلينا فأيقظنا، فقال: «قوما فصليا» قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلى إلا ما كتب الله لنا إنما أنفسنا بيد الله فإن شاء أن يبعثنا.

شرح الشيخ: فيه أنه كره هذه المقالة (إنما أنفسنا بيد الله) لأنه ينبغي للإنسان إذا أُؤمر بالطاعة أن يقول: جزاك الله خيرًا، إن شاء الله، ولا يحتج بالقدر، ويقول: إن شاء أن يبعث نفسي بعثها.

فيه عناية النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وفاطمة حيث أيقظها لصلاة الليل مرتين لما لم يسمع لهما حسًا المرة الأولى، جاءهم بعد أن صلى هويًا من الليل، في العناية الرجل بأهل بيته، وهذا اجتهاد من علي رضي الله عنه وإلا كره النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة؛ ولهذا ولى مدبرًا وهو يقول: «وكان الإنسان أكثر شيئًا جدلًا» نوع من الجدل، كأنه يقول يا رسول الله نقوم إذا أراد الله، النبي صلى الله عليه وسلم كره هذه المقالة، يعني: كان الأولى يستعين بالله يقول: إن شاء الله، سوف نستعين بالله ما يقول: أنفسنا بيد الله هذا اجتهاد من علي رضي الله عنه وإن كان أمره عالٍ لكنه قد يجتهد ويكون خلاف الأولى.

قارئ المتن: باب فضل صلاة الليل:

أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».

 أخبرنا سويد ابن نصر قال: أنبأنا عبد الله قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية أنه سمع حميد بن عبد الرحمن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل وأفضل الصيام بعد رمضان المحرم» أرسله شعبة بن الحجاج.

شرح الشيخ: لا يضر إرساله الحديث معروف وفيه أن أفضل الصيام بعد رمضان المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، صلاة الليل هي أفضل الصلاة بعد الفريضة، وشهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان.

قارئ المتن: فضل صلاة الليل في السفر:

أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت ربعيًا عن زيد بن ظبيان رفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله عز وجل رجل أتى قومًا فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلفهم رجل بأعقابهم فأعطاه سرًا لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فانهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له».

شرح الشيخ: وهذا فيه زيد بن ظبيان، وقال في التقريب مقبول، والذي لم يجرح ورواه عنه أكثر من واحد ووثقه يحتاج إلى طريق أخرى حتى يكون الحديث حسن.

 قوله: (رجلٌ فسألهم بالله) فيه نكارة السؤال بالله، ولكن قد جاء السؤال بالله في حديث الأبرص والأقرع والأعمى في سؤال المالك قال: «أسالك بالذي أعطاك الجيد الحسن» وفي الحديث: «من سأل بالله فأعطوه» ماذا قال عن تخريج زيد بن ظبيان هذه كلها شواهد.

قارئ المتن: قال: المسألة الأولى في درجته حديث أبي ذر رضي الله عنه هذا صحيح، فإن قلت: كيف يصح في سنده زيد بن ظبيان وهو مجهول الحال لم يروي عنه غير ربيع بن حراش، قلت: زيد وثقه ابن حبان، وصحح حديثه هذا، وصححه أيضًا الترمذي وابن خزيمة، والحاكم ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا.

 فقد رواه أحمد في مسنده قال: حدثنا يزيد أخبرنا الأسود بن شيبان عن يزيد أبي العلاء أن مطرف بن عبد الله بن شقين، قال: بلغيني عن أبي ذر رضي الله عنه حديث فكنت أحب أن ألقاه فلقيته، فقلت له: يا أبي ذر بلغني عنك حديثًا فكنت أحب أن ألقاك فأسألك عنه. قال: قد لقيت فأسأل، قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثة يحبهم الله عز وجل وثلاثة يبغضهم الله عز وجل» قال: نعم، أما أخالني أكذب على خليلي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا يقولها، قال: قلت من الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: رجل غزى في سبيل الله فلقي العدو.

شرح الشيخ: إلى آخره، المقصود الإشكال، المهم يقول (2:24:47) ما كان له شواهد، ما ذكر في الأخير أنه له شواهد.

قارئ المتن: قال في نهايته: وهذا إسنادٌ صحيحٌ يشهد للأول، رواية أحمد ما فيها زيد بن ظبيان.

شرح الشيخ: هذا القول الأقرب للشواهد.

قارئ المتن: باب وقت القيام:

أخبرنا محمد بن إبراهيم البصري عن بشر هو ابن المفضل قال: حدثنا شعبة عن أشعث ابن سليم عن أبيه عن مسروق، قال: قلت لعائشة أي الأعمال أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم قلت: فأي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ.

شرح الشيخ: (الصارخ) هو الديك، وهذا يكون في آخر الليل، (2:25:40) (الدائم) يعني: الاستمرار، في الحديث الآخر: «أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل» يعني: يداوم ليس يصلي يومًا يومًا يترك، يداوم ولو كان قليلًا.

قارئ المتن: باب ذكر ما يستفتح به القيام:

أخبرنا عصمة بن الفضل قال: حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال: حدثنا الأزهر بن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة رضي الله عنها بما كان يستفتح قيام الليل؟ قالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر عشرًا ويحمد عشرًا ويسبح عشرًا ويهلل عشرا ويستغفر عشرًا، ويقول: «اللهم أغفر لي واهدني وارزقني وعافني أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة».

شرح الشيخ: هذا الحديث حسن لأن فيه عصبة بن الفضل شيخ المؤلف هذا ثقة، ولكن ليس عاصم بن حميد هذا صدوق مخضرم، يكون قد عاصر عائشة وهو صدوق فيكون الحديث حسنًا، يكون هذا نوع من الاستفتاحات الواردة.

(يكبر عشرًا ويحمد عشرًا) يقول الله أكبر عشرًا، ويقول الحمد لله عشرًا، ويقول لا إله إلا الله، ويستغفر عشرًا هذه خمس، ثم يقول: («اللهم أغفر لي واهدني وارزقني وعافني أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة» هذا نوع من الاستفتاح، ماذا قال عن الحديث عندك؟

مداخلة: قال صدوق مخضرم.

الشيخ: فيكون الحديث حسن، يكون هذا نوع من الاستفتاحات (يكبر عشرًا ويحمد عشرًا ويسبح عشرًا ويهلل عشرًا ويستغفر عشرًا) ويدعو بهذا الدعاء (اللهم أغفر لي واهدني وارزقني وعافني أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة).

قارئ المتن: أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن معمر والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه إذا قام من الليل يقول: «سبحان الله رب العالمين الهوى» ثم يقول: «سبحان الله وبحمده الهوى».

شرح الشيخ: (الهوي) يعني: مدة من الزمن.

قارئ المتن: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن الأحول يعنى سليمان بن أبي مسلم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض، ومن فيهن ولك الحمد أنت حق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق، لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت» ثم ذكر قتيبة كلمة معناها «وبك خاصمت واليك حاكمت اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله» .

شرح الشيخ: وهذا استفتاح طويل في قيام الليل أخرجه البخاري في الصحيح، وزيادته (ولقاءك حق)

قارئ المتن: أخبرنا محمد ابن سلمة قال: أنبأنا ابن القاسم عن مالك قال: حدثني مخرمة بن سليمان عن كريب أن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين، وهي خالته فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها.

شرح الشيخ: وهذا في مسلم

قارئ المتن: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله قليلًا أو بعده قليلًا استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقةٍ فتوضأ منها فأحسن وضوأه، ثم قام يصلى قال: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر ثم أضطجع حتى جاءه المؤذن، فصلى ركعتين خفيفتين.

شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان ذكر هنا حديث الاستفتاح، فيه بأنه صلى هنا ثلاثة عشر ركعة، ثم أوتر ثلاثة عشر.

 

 

قارئ المتن: باب ما يفعل إذا قام من الليل من السواك:

أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى عن عبد الرحمن، عن سفيان عن منصور والأعمش وحصين، عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.

شرح الشيخ: يدلك فاه بالسواك.

قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن حصين قال: سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك.

 ذكر الاختلاف على أبى حصين عثمان بن عاصم في هذا الحديث

 أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن أبي حصين عن شقيق عن حذيفة قال: كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل.

أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا عبيد الله قال: أنبأنا إسرائيل عن أبي حصين عن شقيق قال: كنا نؤمر إذا قمنا من الليل أن نشوص أفواهنا بالسواك.

شرح الشيخ: الاختلاف على أبي حصين حيث ذكر أن الأمر بالسواك في الباب قبله السواك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (يشوص فاه) وهنا الأمر، والأمر للاستحباب، بدليل: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» يعني: لأمرتهم أمر إيجاب.

قارئ المتن: بابٌ: بأي شيءٍ تستفتح صلاة الليل؟

 أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- بأي شيءٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته قال: «اللهم رب جبريل ومكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم ».

 أخبرنا محمد بن سلمة قال: أنبأنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة حتى أرى فعله، فلما صلى صلاة العشاء وهي العتمة أضطجع هويًا من الليل ثم استيقظ فنظر في الأفق، فقال: «ربنا ما خلقت هذا باطلًا » حتى بلغ «إنك لا تخلف الميعاد » ثم أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه فاستل منه سواكًا، ثم أفرغ في قدح من إداوة عنده ماء فاستن، ثم قام فصلى حتى قلت قد صلى قدر ما نام، ثم اضطجع حتى قلت قد نام قدر ما صلى، ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال: ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ قبل الفجر.

شرح الشيخ: فيه أنه ثلاث مرات يُصلي، يتوضأ وينام، ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يصلي مقدار ما نام وهكذا، (فعل هذا ثلاث مرات) هذا عليه الصلاة والسلام فيه مشقة عظيمة بعد النوم فيه صبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فيه الحديث الأول (اللهم رب جبريل وميكائيل) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في صلاة المسافرين.

 قال: (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تعدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم) (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) هناك (اهدني لما اختلفوا فيه، هنا: (اللهم اهدني لما اختلف) المعنى واحد، وقوله: (ثم أفرغ في قدح من إداوة عنده ماء فاستن) هذه مختصرة، وإلا فيه أنه توضأ وصلى.

قارئ المتن: باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل.

شرح الشيخ: قف على هذا، الترجمة بعدها ذكر صلاة نبي الله داود بعد ذكر صلاة نبي الله موسى، نقف على ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

رزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد