الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبأسانيدكم إلى الإمام النسائي رحمه الله تعالى:
قارئ المتن: كتاب الجنائز
باب تمني الموت:
أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحد منكم الموت إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب».
أخبرنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية قال: حدثني الزبيدي قال: حدثني الزهري، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يعيش يزدادُ خيرًا وهو خير له، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يزيد وهو ابن زريع، عن حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحد الموت لضر نزل به بالدنيا ولكن ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي».
أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز، وأنبأنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي».
الدعاء بالموت:
أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج وهو البصري، عن يونس، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله =صلى الله عليه وسلم=: «لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه، فمن كان داعيًا لا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي».
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني قيس، قال: دخلت على خباب وقد اكتوى في بطنه سبعًا، وقال: «لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت دعوت به».
شرح الشيخ: بسم الله، الحمد لله، الصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم:
أَمَّا بعد:
هذه الأحاديث فيها النهي عن تمني الموت، وأكثر هذه الأحاديث في الصحيحين، وأن الإنسان ينبغي له أن يجعل خياره لله عز وجل، إن حصل له ما يدعوه إلى شيء من ذلك يجعل الخيار لله يقول: "اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي".
وفي الحديث الأخير الذي أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: «لا يتمنى أحدكم الموت» في البخاري: «ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، فإن أمر المؤمن لا يزده إلا خيرًا»، يجعل خياره لله عز وجل، جاء عن بعض السلف أنهم تمنوا الموت، بعضهم استدل بقول مريم رضي الله عنها: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23]، وغير ذلك، لكن الحديث مقدم على ما فعله بعض السلف، الأحاديث كلها في النهي عن تمني الموت يجعل خياره لله عز وجل، اللهم أحييني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
قارئ المتن: كثرة ذكر الموت:
أخبرنا الحسين بن حريث، قال: أنبأنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، وأخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا يزيد قال: أنبأنا محمد بن إبراهيم، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هاذم اللذات»، قال أبو عبد الرحمن محمد بن إبراهيم والد أبي بكر بن أبي شيبة.
أخبرنا محمد بن المثنى، عن يحيى، عن الأعمش قال: حدثني شقيق، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا حضرتم المريض فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقول، فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله، كيف أقول؟ قال: قولي اللهم اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى حسنة، فأعقبني الله عز وجل منه محمدًا صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: نعم، استجاب الله دعاءها، وهذا الحديث في الصحيحين، دعت الله، وفي رواية أنها قالت: "من خيرٌ من أبي سلمة؟" لكنها قالت الدعاء فأعقبها الله رسول الله خيرٌ من أبي سلمة.
قارئ المتن: باب تلقين الميت:
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا عمارة بن غزية، قال: حدثنا يحيى بن عمارة، قال: سمعت أبا سعيد، وأنبأنا قتيبة، قال: حدثنا عبد العزيز، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله».
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا منصور بن صفية، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا هلكاكم قول لا إله إلا الله».
شرح الشيخ: المراد بالموتى أو الهلكى: المحتضرين، الذين قَرُب موتهم، وليس المراد بعد الموت، المراد من قَرُب موته، سُموا هلكى، أو موتى لقرب موتهم، لقربهم من الموت والهلاك، والمعنى: لقنوا المُحتَضرين الذين وُجدت عندهم أسباب الموت وعلاماته، ثم موتى باعتبار ما سيكون.
- وتلقينهم بأحد وجهين:
الوجه الأول: أن يذكر عنده قول: لا إله إلا الله، غير أن يأمره، وهذا أرفق به.
الوجه الثاني: فإن قالها وإلا أمره بها فقال: قل لا إله إلا الله.
الوجه الأول أن يقول عنده لا إله إلا الله، لعله إذا سمعها يقولها، إذا قالها من نفسه أولى؛ لأنه في شدة، وفي كرب، فإن لم يقلها قال: قل لا إله إلا الله، فإذا قالها لم يعد عليه مرة ثانية، إن تكلم بشيء من أمور الدنيا أعادها عليه.
قارئ المتن: باب علامة موت المؤمن:
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «موت المؤمن بعرق الجبين».
أخبرنا محمد بن معمر، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال حدثنا كهمس عن بن بريدة عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤمن يموت بعرق الجبين».
شدة الموت:
أخبرنا عمرو بن منصور، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني بن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: «مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: العرق من الجبين إنه يكون لما يعالج من شدة الموت، في حديث ابن مسعود: «موت المؤمن بعرق الجبين»، البقية من الذنوب فيُجهز بها عند الموت، شدد ليتمحص عنه ذنوبه، وقيل إن عرق الجبين يكون من الحياء، وذلك أن المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل بذلك خجل واستحيا من الله تعالى؛ فيعرق بذلك جبينه.
قارئ المتن: الموت يوم الاثنين
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أنس قال: «آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فأراد أبو بكر أن يرتد فأشار إليهم أن امكثوا، وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم، وذلك يوم الاثنين».
شرح الشيخ: وهذا في الصحيح.
قارئ المتن: الموت بغير مولده:
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا بن وهب، قال: أخبرني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو قال: «مات رجل بالمدينة سنة ولد بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده، فقالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة».
شرح الشيخ: هذا الحديث فيه الثواب وأنه إذا مات في غير مولده يُقاس له من مولده إلى منقطع أثره، وهذا المتن فيه غرابة، لو هذا الثواب ثابت لكان مشتهرًا، فيها حيي بن عبد الله صدوق.
الشيخ: ماذا قال عندك؟ تكلم عليه، على الحديث؟
الطالب: قال حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما هذا ضعفه المصنف، ونصه في الكُبرى: قال لنا أبو عبد الرحمن: حيي بن عبد الله ليس ممن يعتمد عليه، وهذا الحديث عندنا غير محفوظٍ والله أعلم؛ لأن الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فإني أشفع لمن مات بها» انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحديث الذي ذكره وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة بإسنادٍ صحيح، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن يموت في المدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها». قال الترمذي هذا حسنٌ، صحيحٌ، غريبٌ من هذا الوجه، من حديث أيوب السختياني، انتهى والله تعالى أعلم.
الشيخ: يعني الحديث الأول ضعيف، انظر حيي بن عبد الله تقريبًا ذكر صدوق هنا عندك؟ قال ضعيف ضعفه المؤلف في الكُبرى، هنا ما تكلم المؤلف عنه، في السنن الكبرى تكلم قال...
الطالب: قال: حيي صدوقٍ يهم.
الشيخ: معناه إن ممكن يكون الحديث حسن، لكن هو في الكبرى وضعه.
الطالب: قال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال بن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: أرجو ألا بأس به إذا روى عنه ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس توفى سنة ثلاثة وأربعين ومائة، وروى له الأربعة وله عند المصنف في هذا الكتاب حديثان فقط.
شرح الشيخ: على كل حال حيي في هذه الحالة قد يكون هذا من أوهامه ومن مناكيره، وإن كان قد يكون صدوق، قد يكون أقل، المقصود: أن الحديث ضعيف، والمتن فيه غرابة كما ذكر المؤلف رحمه الله، لو كان هذا الثواب ثابتًا لاشتهر، ثم أيضًا يعارض الحديث الذي ذكره الإثيوبي رحمه الله: «من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت فإني أشفع له» هذا يعارض هذا الحديث، فيكون الحديث ضعيف.
قارئ المتن: باب ما يُلَقَّى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه:
أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي عن قتادة، عن قسامة بن زهير، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الشيخ: الظاهر قَسَامة فتح القاف، ظاهر الكلام بالفتح قَسَامة؟ ضبطها عندك؟ ضبطها الأثيوبي؟
الطالب: قال: قُسامة، المازني التميمي البصري ثقة، قال العجلي: البصري التابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله.
الشيخ: ضبط القاف ما ضبطه؟
الطالب: لا لكن هناك ضمة على القاف.
الشيخ: ما ضبطه، في التهذيب أو في الخلاصة؟ في العادة يضبط في مثل هذا يضبط.
الطالب: بالنسبة للتهذيب فيه فتحة في التقريب.
الشيخ: بالشكل؟ لا لا يذكر الحروف، يضبط بالحروف يقول بضم القاف أو بفتح القاف، لكن القاموس ظاهر الكلام في القاموس إنه بالفتح.
قارئ المتن: أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي عن قتادة، عن قَسامة بن زهير، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حُضِر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون اخرجي راضيةً مرضيًا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك حتى أنه ليناوله بعضهم بعضًا حتى يأتون به باب السماء، فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون بأرواح المؤمنين فلهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه ماذا فعل فلان، ماذا فعل فلان؟ فيقولون دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال ما أتاكم؟ قالوا: ذُهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتُضر أتته ملائكة العذاب بمِسحٍ فيقولون اخرجي ساخطة مسخوط عليك إلى عذاب الله عَزَّ وَجَلَّ.
شرح الشيخ: أتاه بمِسح بكسر الميم، كساء معروف، قيل: ثوبٌ من الشعر.
قارئ المتن: وإن الكافر إذا احتُضر أتته ملائكة العذاب بمِسحٍ فيقولون اخرجي ساخطة مسخوط عليك إلى عذاب الله عز وجل؛ فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار».
شرح الشيخ: نسأل الله السلامة، فيه ما يُلَقَّى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه، وما يُلَقَّى به الكافر من الإهانة، وفيه دليل على أن الأرواح تستبشر، وأنه يعرف بعضها بعضًا، إنهم يسألونه، فيه شاهد لما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح حكايات وأن أرواح المؤمنين يعرف بعضهم بعضًا، يأتون بأرواح المؤمنين فلهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يُقدم عليه، يفرحون إذا أتتهم الروح الجديدة، يسألونه، يعني الأرواح يسأل بعضها بعضًا، يسألونه ماذا فعل فلان، ماذا فعل فلان من أهل الدنيا؟ يقول: دعوه إنه كان في غم الدنيا، إذا قال: أما أتاكم؟ يعني قال في الجواب: أما أتاكم؟ يعني أنه مات، قالوا ذُهِب به إلى أمه الهاوية نسأل الله العافية.
قارئ المتن: فيمن أحب لقاء الله:
أخبرنا هناد عن أبي زبيد وهو عبثر بن القاسم، عن مطرف، عن عامر، عن شريح بن هانئ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه، قال شريح فأتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا إن كان كذلك فقد هلكنا، قالت وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه لكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، قالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا طفح البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد فعند ذلك من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه».
قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن القاسم، حدثني مالك، أنبأنا قتيبة قال: حدثنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: إذا أحب عبدي لقائي؛ أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي؛ كرهت لقاءه».
أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن قتادة، قال: سمعت أنسًا يحدث عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه».
أخبرنا أبو الأشعث، قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد، وأخبرنا حميد بن مسعده، عن خالد بن الحارث، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه».
زاد عمرو في حديثه فقيل يا رسول الله، كراهية لقاء الله كراهية الموت كلنا نكره الموت قال: «إنما ذلك عند موته إذا بشر برحمة الله ومغفرته؛ أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله؛ كره لقاء الله، وكره الله لقاءه».
شرح الشيخ: نعم وهذا الحديث معناه في الصحيحين، وفيه أن معنى أحب لقاء الله يعني إذا بُشِر، يُبشر برحمة الله ورضوانه؛ فيُحب لقاء الله؛ فيحب الله لقاءه، والكافر يُبشر بغضب الله؛ فيكره لقاء الله؛ فيكره الله لقاءه.
قارئ المتن: تقبيل الميت
أخبرنا أحمد بن عمرو قال: أنبأنا بن وهب قال: أخبرني يونس، عن بن شهاب، عن عروة، عن عائشة: «أن أبا بكر قَبَّل بين عيني النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت».
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن بن عباس، وعن عائشة رضي الله عنهما: «أن أبا بكرٍ رضي الله عنه قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت».
أخبرنا سويد، قال: حدثنا عبد الله قال: معمر ويونس قال: الزهري، وأخبرني أبو سلمة: أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: «أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرسٍ من مسكنه بالسُنُح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى ببرد حِبَرةٍ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله فبكى، ثم قال بأبي أنت والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدًا، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها».
شرح الشيخ: الحديث فيه أنه لا بأس بتقبيل الميت، كما دلت على هذه الأحاديث من تقبيل الصديق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وأما قوله: «أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد متها» وذلك لأن بعض الناس شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد الصديق أن يعلن هذا، ثم تلى الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شيئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، وكان الناس ذُهِلوا من شدة الهول والفاجعة، ذُهِلوا عن هذه الآية فصاروا يقرؤونها في سكك المدينة كأنها لم تنزل إلا في هذا الوقت، حتى أن عمر رضي الله عنه سقط لم تحمله رجلاه من شدة الهول والفاجعة والمصيبة العظيمة.
قارئ المتن: تسجية الميت
أخبرني محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت بن المنكدر يقول: سمعت جابرًا يقول: «جيء بأبي يوم أحد وقد مُثِّل به، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سُجِّى بثوب، فجعلت أريد أن أكشف عنه فينهاني قومي، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فَرُفِع، فلما رُفع سمع صوت باكية فقال: من هذه؟ فقالوا: هذه بنت عمرو، أو أخت عمرو قال: فلا تبكي، أو فلم تبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رُفِع».
شرح الشيخ: هذه منقبة لعبد الله بن حرام والد جابر رضي الله عنه الملائكة تظله بأجنحتها، فيه تغطية الميت عن العيون، وأنه ينبغي أن يُغطى.
قارئ المتن: في البكاء على الميت
أخبرنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن بن عباس قال: «لما حُضِرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها فقبضت وهي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت أم أيمن فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندك! فقالت: ما لي لا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لست أبكي ولكنها رحمة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن بخير على كل حال تُنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل».
شرح الشيخ: قوله: (ولكنها رحمة) يعني بكائي بلا صوت بل بدمع العين رحمة، وهذا قوله: (حضرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، المعروف في الأحاديث أن الذي مات ابن لبنت النبي صلى الله عليه وسلم صغير، وأنها أرسلت إليه وقالت: ابني في الموت، قال لها رسول الله: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى، مرها فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت تقسم عليه لما حضر فجاء ورُفع إليه الصبي ونفسه تقعقع، لعل هذا من أوهام عطاء بن السائب أنها بنت، في الحديث إنما هو ابن لبنت النبي وليس بنت.
الشيخ: تكلم عليه الأثيوبي قال ابن لبنت؟
الطالب: صحيح إن قلت كيف يصح في سنده عطاء بن السائب وهو مختلط شديد الاختلاط؟ قال المصنف رحمه الله في الكبرى: قال أبو عبد الرحمن: عطاء بن السائب كان قد اختلط وأثبت الناس فيه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، انتهى.
وأبو الأحوص لم يُعد ممن سمع منه قبل الاختلاط، قلت: لم ينفرد به أبو الأحوص بل رواه عنه سفيان الثوري كما في مسند أحمد، وممن سمع قبل الاختلاط وأيضًا تبعه أبو إسحاق عند أحمد وإسرائيل عنده أيضًا، سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد كما في مسند عبد بن حميد الحاصل أن حديث عطاء صحيح بما ذُكر والله تعالى أعلم.
الشيخ: قوله:( لما حُضرت بنت رسول الله)، معروف في الأحاديث الأخرى أنه ابنٌ لبنت وليست بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ما تكلم عن المتن؟ معروف الحديث والقصة، زينب موتها غير هذه القصة قصة أم عطية، المعروف في الأحاديث أنه ابن لنبت النبي صغير أرسلت إليه، قالت: إن ابني في الموت احضرني، يمكن ما تأمل هو أو ذكرها في موضع أخر، جاء ورفع إليه، والصبي نفسه تقعقع.
قارئ المتن: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس أن فاطمة بكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات فقالت: «يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه، إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه»
أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن أباه قتل يوم أحد قال: فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي والناس ينهوني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه».
النهي عن البكاء على الميت:
أخبرنا عتبة بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت على مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر، عن عتيك، «أن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه، أخبره أن جابر بن عتيك أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلِب عليه، فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد غُلِبنا عليك يا أبا الربيع، فصحن النساء وبكين، فجعل بن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت، قالت ابنته: إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا قد كنت قضيت جهازك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله عز وجل: المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة».
شرح الشيخ: فيه النهي عن البكاء عن الميت هذا إذا كان برفع الصوت هذا هو المنهي عنه، وأما الأحاديث السابقة إنه قال أكشف عن وجهه وأبكي المراد بكاء بلا صوت هو دمع العين وحزن القلب وهذا لا بأس به، البكاء من غير صوت؛ الذي في حديث قصة جابر بكاءه وبكاء أخته بدمع العين، وفي هذا الحديث النهي عن صحن النساء وبكين فجعل يسكتهن هذا المراد بكاء بصوت، هذا هو المنهي عنه.
ولكن هذا الحديث فيه نكارة من جهة أن النبي فرق بين البكاء قبل الموت وبعده قال: «دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية» يعني دعهن يبكين قبل الموت فإذا وجب يعني فإذا مات فلا تبكين باكية، قالوا وما الوجوب؟ قال الموت، يعني ففرق بين البكاء قبل الموت وبعده، فأمره بتركهن يبكين قبل الموت.
هذا خالف الأحاديث لا يجوز البكاء بصوت لا قبل الموت ولا بعده، هذا الوهم جاء من عتيك بن الحارث فإنه قال فيه التقريب: مقبول، النصوص دلت على أن لا يجوز الصياح على الميت برفع الصوت لا قبل الموت ولا بعده.
الشيخ: ماذا قال عليه لا تبكين باكية؟
الطالب: بالنسبة لدرجة قال: حديث جابر بن عتيك هذا حديث صحيح وفي ترجمته قال.
الشيخ: عتيك ماذا قال عليه؟
الطالب: قال: عتيك بن الحارث بن عتيك الأنصاري المدني مقبول، ذكره ابن حبان في الثقات انفرد به أبو داوود والمصنف، وله في هذا الكتاب حديث الباب فقط.
الشيخ: مقبول لابد أن يكون له متابع، وإلا يكون الحديث ضعيف، قوله: إذا وجب فلا تبكين باكية متن الحديث تكلم عليه؟
الطالب: نعم، قال: أي إذا وجب أي مات فيه أن النهي عن البكاء يكون بعد الموت لا في قربه، وفي نسخة فإذا وجبت يكون الضمير للمصيبة أي نزلت المصيبة، فلا تبكين باكية: يعني كل امرأة باكية وخص المرأة لغلبة البكاء عليها أو المراد نفسٌ باكية فيعم الرجال أيضًا أي: لا ترفع صوتها بالبكاء أما دمع العين وحزن القلب فالسنة ثابتة بإباحة ذلك.
الشيخ: هذا ما في شك لكن الكلام في التفريق بين قبل الموت وبعده.
الطالب: قال الباجي رحمه الله تعالى: أشار به والله أعلم إلى بكاء مخصوص وهو ما جرت به العادة من الصياح.
الشيخ: هو الإشكال في أنه قال دعهن يعني يبكين، قال فإذا وجب فلا تبكين باكية، يعني ما في مانع تبكي ولو بالصوت إذا كان قبل الموت وبعد الموت ممنوع، هذا التفريق.. الأحاديث كلها فيها النهي عن البكاء ورفع الصوت سواء قبل الموت وبعده صياح ممنوع ما تكلم عليه؟
الطالب: ما تكلم.
الشيخ: وفي هذا الحديث أن الشهادة تكون لسبع غير القتل، المطعون: الذي مات بالطاعون، والمبطون: الذي مات بداء البطن، والغريق: من الغرق، وصاحب الهدم، كذلك صاحب ذات الجنب، قال في النهاية هي الدبيلة وهي دمل كبيرة تظهر في باطن الجنب قال وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها تسمى ذات الجنب، صاحب الحرق شهيد، والمرأة تمت بجُمع بضم الجيم وأجاز بعضهم الكسر بالجيم وهي التي تموت وفي بطنها ولدها، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح أحاديث الشهداء غير القتل ما ورد من النصوص والآثار في عدد الشهداء، وأنه عدد قد يزيدون على هذا.
قارئ المتن: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: قال معاوية بن صالح: وحدثني يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: «لما أتى نعي زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صير الباب، فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فانههن، فانطلق ثم جاءه فقال: قد نهيتهن فأبين أن ينتهين فقال: انطلق فانههن، فانطلق ثم جاء فقال: قد نهيتهن فأبين أن ينتهين قال: فانطلق فاحث في أفواههن التراب، فقالت عائشة: فقلت أرغم الله أنف الأبعد، إنك والله ما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنت بفاعل».
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن بن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه».
أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن صبيح قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ذكر عند عمران بن حصين: «الميت يعذب ببكاء الحي»، فقال عمران: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا سليمان بن سيف قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي عن صالح، عن بن شهاب قال: قال سالم: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببكاء أهله عليه».
شرح الشيخ: هذا فيه أن عائشة أنكرت على هذا الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأتعبه، (قال: نساء جعفر يبكين قال: انههن)، كررها ثلاث مرات قالت: ما أنت بفاعل أرغم الله أنفك ما أنت بفاعل وما تركت رسول الله من العناء من التعب فيه نهي عن البكاء برفع الصوت.
قارئ المتن: النياحة على الميت
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف، عن حكيم بن قيس، أن قيس بن عاصم قال: «لا تنوحوا عليَّ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنَح عليه». مختصر.
أخبرنا إسحاق قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء حين بايعهن ألا ينحن، فقلن: يا رسول الله، إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إسعاد في الإسلام».
شرح الشيخ: الإسعاد: هو أن تساعد المرأة جارتها في النياحة فتنوح معها على ميتها تسمى إسعاد، تعاونوا إذا مات لها ميت تأتي جارتها وتنوح معها، ثم إذا مات للأخرى جاءت تقضي تسعدها يسمونها إسعاد، هذا لا يجوز هذا يسمى إسعاد والنياحة على الميت من الكبائر وهي الصياح برفع الصوت، كذلك تعداد محاسن الميت، كذلك ضرب الخدود، شق الجيوب، ونتف الشعر، كل هذا من النياحة، من الكبائر، والواجب التسليم والصبر وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها، الواجب الصبر، وألا يقول الإنسان وألا يعمل شيئًا يغضب الله عز وجل.
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن بن عمر، عن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه».
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: أنبأنا هشيم قال: أنبأنا منصور هو بن زازان عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «الميت يعذب بنياحة أهله عليه، فقال له رجل: أرأيت رجلًا مات بخراسان وناح أهله عليه ههنا أكان يعذب بنياحة أهله؟ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبت أنت».
شرح الشيخ: وذلك أن هذا الرجل اعترض على السنة، ولا وجه لأنه اعترض، يقول له صار بعيد في بلد بعيد يناح عليه هل يُعذب؟ هذا اعتراض على السنة ولذلك قال: صدق رسول الله وكذبت أنت.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن آدم، عن عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: وَهِلَ إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: إن صاحب القبر ليعذب، وإن أهله يبكون عليه ثم قرأت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]».
أخبرنا قتيبة، عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها وذكر لها أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكن نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يُبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب».
شرح الشيخ: عائشة خطَّأت ابن عمر قالت: وَهِل يعني غلط ونسي، والصواب أنها هي التي وهيت وأن الحديث ثابت رواه عدد من الصحابة، وعائشة رضي الله عنها هي أفقه امرأة، هي أفقه النساء ولكنها ليست معصومة، هي التي غلطت ظنت أن هذا يعارض الآية: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
والصواب: أنها هي التي وهيت وأن تعذيب الميت ببكاء أهله مخصوص بالآية، الآية عامة وهذا خاص {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] هذا من باب العام والخاص بالعام، قد يكون التعليل كما جاء أبي موسى بأنه لما أغمي عليه أنه يُلهس يقال أنت كذا، أنت كذا، تعذيب ما يلزم أن يكون تعذيب بالنار، قد يكون تألم، تألم القلب هذا نوع من التعذيب.
بالحديث «السفر قطعة من العذاب»، قال أنت كذا يكون توبيخ والله أعلم بكيفيته، فالصواب: أن الحديث ثابت، وأما اعتراض عائشة فهذا اجتهاد منها، وقد غلطت رضي الله عنها ظنت أن هذا يعارض الآية {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، ولا معارضة، هذا شيءٌ خاص.
قال بعض العلماء: أن هذا مخصوص بما إذا رضي بذلك أو أمر أهله بأن يبكوا عليه، والصواب أن الحديث عام، سواء وصى أو لم يوص، هو شيء خاص الله أعلم بكيفيته، وهذا يدعو الإنسان إلى أن ينهى أهله ويحذرهم من ذلك، يحذرهم من البكاء عليه بعد موته.
قارئ المتن: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار، عن سفيان قال: قصه لنا عمرو بن دينار قال: سمعت بن أبي مليكة يقول: قال بن عباس رضي الله عنهما: قالت عائشة رضي الله عنها: «إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يزيد الكافر عذابًا ببعض بكاء أهله عليه».
أخبرنا سليمان بن منصور البلخي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد، سمعت بن أبي مليكة يقول: «لما هلكت أم أبان».
شرح الشيخ: ابن القيم رحمه الله ذكر إن هذا وقال أيضًا نقول أم المؤمنين أيضًا هذا يزيد الكافر عذاب ببعض بكاء أهله عليه كذلك، ما سبب الزيادة هذه؟ حتى الكافر نفس فجوابها لنا هو جوابنا لها، رضي الله عنها.
قارئ المتن: سمعت بن أبي مليكة يقول: «لما هلكت أم أبان حضرت مع الناس فجلست بين عبد الله بن عمر وبين بن عباس رضي الله عنهما، فبكين النساء فقال بن عمر: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، فقال بن عباس رضي الله عنهما: قد كان عمر رضي الله عنه يقول: بعض ذلك، خرجت مع عمر حتى إذا كنا بالبيداء رأى ركبًا تحت شجرة فقال: انظر من الركب، فذهبت فإذا صهيب وأهله، فرجعت إليه فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا صهيب وأهله، فقال علي بصهيب، فلما دخلنا المدينة أصيب عمر، فجلس صهيب يبكي عنده ويقول: وا أخياه، وا أخياه فقال عمر: يا صهيب، لا تبك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، قال: فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن كاذبَين ولا مُكذَّبَين، ولكن السمع يخطىء».
شرح الشيخ: عمر وصهيب.
قارئ المتن: «ولكن السمع يخطىء، وإن لكم في القرآن لما يشفيكم ألا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه».
شرح الشيخ: قول صهيب: وا أخياه، وا أخياه؛ لأن النبي آخى بين عمر وصهيب، آخى بينهما.
قارئ المتن: باب الرخصة في البكاء على الميت
أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل وهو بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أن سلمة بن الأزرق قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: «مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن يا عمر فإن العين دامعة، والقلب مصاب، والعهد قريب».
شرح الشيخ: وهذا محمول على البكاء بدمع العين من غير صوت كما أبيح في النصوص السابقة في المنع من البكاء، الأحاديث التي فيها جواز البكاء المراد بدمع العين، حزن القلب بدون صوت، والأحاديث في النهي من البكاء برفع الصوت، والعويل، والصراخ، وتعداد محاسن الميت.
قارئ المتن: دعوى الجاهلية
أخبرنا علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى عن الأعمش، وأنبأنا الحسن بن إسماعيل قال: حدثنا بن إدريس، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعاء الجاهلية» واللفظ لعلي وقال الحسن بدعوى.
شرح الشيخ: وهذا من الكبائر، ضرب الخدود، وشق الجيوب من الكبائر، من النياحة، (وليس منا) دليل على أنها من الكبائر.
قارئ المتن: السَلَق
شرح الشيخ: السَلَق: يعني رفع الصوت في البكاء.
قارئ المتن: السَلَق
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة، عن عوف، عن خالد الأحدب، عن صفوان بن محرز قال: «أغمي على أبي موسى رضي الله عنه فبكوا عليه فقال: أبرأ إليكم كما برئ إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من حلق، ولا خرق، ولا سلق».
شرح الشيخ: حلق: حلق شعره عند المصيبة.
خرق: شق ثوبه عند المصيبة.
سلق: رفع صوته بالبكاء والصياح عند المصيبة.
وهذه من الكبائر تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم، يحلق شعره أو ينتف شعره، أو يخرق ثوبه، أو يشق جيبه، معروف في البادية أن المرأة إذا جاءها نعي موت قريبة شقت ثوبها وخرجت من الجيب، تشق الثوب وتخرج، هذا من النياحة، وكذلك السَلَق رفع الصوت.
قارئ المتن: ضرب الخدود
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني زبيد عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
الحلق:
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: أنبأنا جعفر بن عوف قال: حدثنا أبو عميس عن أبي صخرة، عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة قالا: «لما ثقل أبو موسى رضي الله عنه أقبلت امرأته تصيح قال: فأفاق فقال: ألم أخبرك أني بريء ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا بريء ممن حلق، وخرق، وسلق».
شق الجيوب:
أخبرنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن زبيد، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن منصور، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن أبي موسى رضي الله عنه: «أنه أغمي عليه؛ فبكت أم ولد له، فلما أفاق قال لها: أما بلغك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناها فقالت: قال: ليس منا من سلق، وحلق، وخرق».
أخبرنا عبدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن أم عبد الله امرأة أبي موسى، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من حلق، وسلق، وخرق».
أخبرنا هناد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن سهم بن منجاب، عن القرثع قال: «لما ثقل أبو موسى رضي الله عنه صاحت امرأته فقال: أما علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بلى، ثم سكتت، فقيل لها بعد ذلك أي شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من حلق، أو سلق، أو خرق».
الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة:
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان قال: حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنًا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عند الله بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع؛ ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
شرح الشيخ: هذا هو الحديث المعتمد أن ابنًا لها قُبِض فأرسلت إليه، السابق أن بنت، ليس معروف أن النبي ليس له بنت صغيرة ماتت، زينب معروف قصتها، هذا فيه أن الذي قُبض ابن لبنت النبي صلى الله عليه وسلم.
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن ثابت قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر عند الصدمة الأولى».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إياس وهو معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه: «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له فقال له: أتحبه؟ فقال: أحبك الله كما أحبه، فمات ففقده فسأل عنه فقال: ما يسرك أن لا تأتي باب من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك».
ثواب من صبر واحتسب:
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله قال: أنبأنا عمرو بن سعيد بن أبي حسين: أن عمرو بن شعيب كتب إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين يعزيه بابن له هلك، وذكر في كتابه أنه سمع أباه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب وقال: ما أُمِر به بثواب دون الجنة».
شرح الشيخ: الحديث عن الصبر والاحتساب في فقدان الصفي: وهو المحبوب الخالص، من أسباب دخول الجنة، والصفي المحبوب الخالص قد يكون ابن، قد يكون أب، قد يكون زوج، قد يكون صديق، هذا في فضل في الحديث النبي قال للنساء: من قدمت ثلاثة كن حجابًا لها من النار، قالت امرأة واثنان؟ قال: واثنان، فما سألوا عن الواحد، لكن هذا الحديث فيه الواحد أيضًا؛ لأن المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض بصفيه الخالص الصفي المحبوب، شخصٌ تحبه خالص حبًا خالصًا سواءً أبًا، أو زوج، أو صديق، أن الصبر والاحتساب في فقدان الصفي وهو المحبوب الخالص من أسباب دخول الجنة.
قارئ المتن: ثواب من احتسب ثلاثة من صلبه
شرح الشيخ: عندك الحديث الأول أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله.
قارئ المتن: قال: أنبأنا عمرو بن سعيد بن أبي حسين.
شرح الشيخ: الصواب: عمر بدون واو كما في التقريب عمر بن سعيد، عدل عمرو بعمر.
قارئ المتن: باب ثواب من احتسب ثلاثة من صلبه
أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا بن وهب قال: حدثني عمرو، قال: حدثني بكير بن عبد الله، عن عمران بن نافع، عن حفص بن عبيد الله، عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقامت امرأة فقالت: أو اثنان قال: أو اثنان قالت المرأة يا ليتني قلت واحدًا».
شرح الشيخ: لكن الواحد كما في حديث الصفي حتى الواحد، حتى الواحد إذا كان صفي سواء ابنًا، أو زوجًا، أو أخًا، أو قريبًا، أو جارًا، أو صديق.
قارئ المتن: ثواب من يتوفى له ثلاثة من الولد
أخبرنا يوسف بن حماد البصري قال: حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم».
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن عن صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر رضي الله عنه قلت حدثني قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما بفضل رحمته إياهم».
شرح الشيخ: فيه التقييد بكونهم لم يبلغوا الحنث يعني قبل البلوغ، الحنث هو البلوغ، الحنث الإثم يعني، يعني إذا قبل البلوغ ما يُكتَب عليه آثام، قبل الحنث.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن بن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم».
شرح الشيخ: تحلة القسم يقول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 71 - 72]، هذا قسم من الله، يعني كل واحد يرد، تحلة القسم يعني المرور هنا الورود يفسر هو المرور على الصراط، المرور على الصراط هذا لا بد منه، والناس يمرون على الصراط على حسب أعمالهم، منهم من يمر كالبرق، كالطير، كأجاود الخيل، الرجل يسعى سعيًا، الرجل يمشي مشيًا، الورود هذا لا بد منه، أقسم الله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، هذا تحلة القسم.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا إسحاق وهو الأزرق عن عوف عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة قال: يقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آبائنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم».
شرح الشيخ: هذا مشروط عند العلماء باستثناء الكبائر كما دلت عليه النصوص، أما إذا كان مصر على الكبائر فمتوعدهم النار، لو مُصر على الزنا، أو السرقة، شرب الخمر، أو عقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم، أو غير ذلك من الكبائر، هذا متوعد بالنار، المراد يعني إذا كان مجتنب الكبائر.
يقول: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيّة، هذا تمييزًا لمحمد البخاري، لأن اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال ابن علية البخاري، النسائي روى عنهما كل منهما اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم.
الشيخ: حدثنا اسحاق وهو الأزرق عن عوف، ذكر عوف ولا عون؟
الطالب: عوف.
الشيخ: ليس عون (55:31).
على كل حال الحديث له شواهد قبله البعض.
قارئ المتن: من قدم ثلاثة:
أخبرنا إسحاق قال: أنبأنا جرير قال: حدثني طلق بن معاوية وحفص بن غياث قال: حدثني جدي طلق بن معاوية عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها يشتكي فقالت: يا رسول الله، أخاف عليه وقد قدمت ثلاثة، فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد احتظرت بحظارٍ شديدة من النار».
شرح الشيخ: يعني امتنعتي بمانع شديد.
قارئ المتن: باب النعي:
أخبرنا إسحاق قال: أنبأنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا قبل أن يجئ خبرهم فنعاهم وعيناه تذرفان».
أخبرنا أبو داود قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن صالح عن بن شهاب قال: حدثني أبو سلمة وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه وقال: استغفروا لأخيكم».
شرح الشيخ: المراد بالنعي هنا هو الإخبار بالموت، وهو غير النعي المنهي عنه، النعي نعي جائز إخبار بموته، يخبر عنه من حوله من الجيران حتى يحضروا للصلاة عليه، حتى لو إعلان في الصحف صلوا عليه في المكان الفلاني هذا لا بأس به، الثاني النعي المنهي عنه، وهو ما فعله أهل الجاهلية بالأصوات المرتفعة، ومكبرات الصوت في القبائل والأسواق، والأحياء هذا منهي عنه
- النعي نعيان:
- نعي جائز.
- نعي منهي عنه.
الجائز: يخبر بموته من حوله للصلاة عليه.
والنعي المنهي عنه: وهو أن يُطاف به في القبائل والعشائر والأسواق بمكبرات الصوت مات فلان، مات فلان، هذا منهي عنه.
قارئ المتن: التعزية:
أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله وهو بن يزيد المقريء، أنبأنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقريء قال: حدثنا أبي قال: سعيد قال: حدثني ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم، فقال: لعلك بلغت معهم الكُدا قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك». قال أبو عبد الرحمن ربيعة ضعيف.
شرح الشيخ: هذا ضعيف كما قال المؤلف، ضعيف ليس بصحيح، أن النبي قال لفاطمة: لو بلغتي يعني لو وصلتي الجنائز ما دخلتي الجنة حتى يدخل جد أبيك الذي هو عبد المطلب، يعني ذهاب المرأة إلى المقبرة لا يصل إلى هذا الحد يحجب عن الجنة، هذا منكر والسند ضعيف، السند كما قال المؤلف ربيعة بن سيف ضعيف، الحديث سنده ضعيف، ومتنه منكر.
الشيخ: تكلم عليه الشيخ الإثيوبي؟
الطالب: قال: ضعيفٌ لضعف ربيعة بن سيف.
الشيخ: والمتن تكلم عن المتن؟
الطالب: قال: على قوله ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك يعني عبد المطلب، قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى يريد ما رأيت الجنة العالية التي يدخلها من لا يرتكب ما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأن فاطمة علمت النهي قبل ذلك، والجنة هي جنان كثيرة لا جنة واحدة، والمشرك لا يدخل جنة من الجنان أصلًا لا عالية ولا سافلة ولا ما بينهما، انتهى.
قال السندي رحمه الله تعالى: ظاهر السياق يفيد أن المراد ما رأيت أبدًا كما لم يرها فلان، وهذه الغاية من قبيل {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]، ومعلوم أن المعصية غير الشرك لا تؤدي إلى ذلك، إما أن يُحمل على التغليظ في حقها، وإما أن يُحمل على أنه علم في حقها أنها لو ارتكبت تلك المعصية لأفضت بها إلى معصية تكون مؤدية إلى ما ذُكر انتهى.
شرح الشيخ: هذا ما ذكر في أبي داوود نفس الشارح ذكر عن السندي هذا الكلام، حديث أبي داوود هنا ضعيف، حتى تأويل هذا ليس بظاهر.
الطالب: قال السيوطي رحمه الله: نقول لا دلالة في هذا على ما توهمه المتوهمون، لأنه لو مشت امرأة مع جنازة إلى المقابر لم يكن ذلك كفرًا موجبًا للخلود في النار كما هو واضح، وغاية ما في ذلك أن يكون من جملة الكبائر التي يُعذب صاحبها ثم يكون آخر عمله إلى الجنة وأهل السنة يؤولون ما ورد في الحديث من الكبائر أنهم لا يدخلون الجنة والمراد لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أولًا بغير عذاب.
وغاية ما يدل عليه الحديث المذكور أنه بلغت معهم الكُدا لم تر الجنة مع السابقين، بل يتقدم ذلك عذابٌ أو شدة أو ما شاء الله من أنواع المشاق، ثم يؤول أمرها إلى دخول الجنة قطعًا، ويكون عبد المطلب كذلك لا يرى الجنة مع السابقين.
شرح الشيخ: هنا ويكون معنى به كذلك لا نرى الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك الامتحان هذا نفس الموجود في السندي الآن هذا ليس بظاهر إلى أن قال بعد ذلك: والذي سمعتم من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين وقد سُئِل عن عبد المطلب هذه الفترة التي لم تبلغ لهم الدعوة حكمهم في المذهب معروف، ذكر في سنن أبي داوود قول السندي.. السيوطي يرى أن عبد المطلب من الناجين، عبد المطلب وأبوي النبي وأن الله أحياهم له وآمنوا به هذا من تخريفات السيوطي، تخريف وإن كان له مؤلفات كثيرة لكن هو يرى أن عبد المطلب من الناجين، ويرى كذلك أن أبوي النبي أحياهم الله وآمنوا به وهذا خرافات ما في أحد يُحيا بعد الموت إلا أن يكون آية أو علامة، أما أن يُحيا ويكلف هذا المقصود أن الحديث ضعيف ولا يصح، لا يصح سندًا ولا متنًا، سنده ضعيف ومتنه شاذ منكر.
الطالب: قال الجامع عفا الله عنه: عند ما تقدم من تأويل بن حبان وهو الأولى حاصله أن الجنة المنفية رؤيتها هي نوع أعلى من أنواع الجنان بمعنى أنها تُحرم منها لارتكابها المنهي عنه لأنها تُحرم من أصل الجنة والله تعالى أعلم.
وأما ما نقله السيوطي عن شيخه ما يدل على نجاة عبد المطلب فإنه محل نظر، إذ يحتاج إلى نص صحيح صريح في ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له حتى بكى وأبكى من حوله وهي ماتت قبل عبد المطلب، وقبل مبعثه صلى الله عليه وسلم بزمان، وسيترجم المصنف رحمه الله لقصة الاستغفار لها بقوله: باب زيارة قبر المشرك، وسيكون لنا عودة إلى إتمام البحث في المسألة هناك.
شرح الشيخ: المسألة مجزوم بها معروفة، المسألة فيها جزم.
قارئ المتن: غسل الميت بالماء والسدر
أخبرنا قتيبة عن مالك عن أيوب عن محمد بن سيرين أن أم عطية الأنصارية رضي الله عنه قالت: «دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه وقال: أشعرنها إياه».
شرح الشيخ: وهذه ابنته هي زينب، ابنته زينب التي توفت، أما الذي سبق هو ابنٌ صغير لها، هذه زينب في مشروعية غسل الميت، وجواز غسله أكثر من خمس، جعل كافورًا أو شيء من الطيب في الغسلة الآخرة؛ لأنها تصلب الجسد وتطرد الهوام، إلا إذا كان محرمًا فإنه يجنب الطيب، البخور نوع من الطيب، يجعل وفيه جواز غسل الميت أكثر من خمس إذا كان في أوساخ، والواجب مرة واحدة نظيف، ويغسل ثلاثًا أو خمسًا، أو سبعًا أو أكثر من ذلك حتى جاء على حسب نظافته إذا كان جسده نظيف فلا حاجة إلى الزيادة، وإن كان في أوساخ يحتاج إلى.. حتى لو زاد على سبع، لأنه قال: ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك أو سبعًا أو أكثر من ذلك.
فيه مشروعية غسل الميت وجواز غسله أكثر من خمس، أكثر من سبع، مشروعية جعل كافور أو شيء من الطيب في الغسلة الأخيرة؛ لأن الكافور يصلب الجسد، ويطرد الهوام.
قارئ المتن: غسل الميت بالحميم
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن عن أم قيس رضي الله عنها قالت: «توفي ابني فجزعت عليه فقلت للذي يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله فانطلق عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها فتبسم ثم قال: ما قالت طال عمرها فلا نعلم امرأة عُمِّرَت ما عُمِّرَت».
شرح الشيخ: عُمِّرَت ما عُمِّرَت: يعني طال عمرها، الحديث في متنه غرابة في موضعين:
أحدهما: في قول لا تغسل بالماء البارد فتقتله، والميت قتيل، كيف تقتله، لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، الميت حي ولا قتيل؟ قتيل.
والثاني: قوله ما قالت طال عمرها، الدعاء بطول العمر بدون تقييد الطاعة مخالف للأحاديث الصحيحة، «خيركم من طال عمره وحسن عمله».
أما سند الحديث ففيه أبو الحسن مولى أم قيس.
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: قال: الجامع رضي الله عنه حديث أم قيسٍ رضي الله عنها هذا ضعيف لجهالة مولاها فإنه لا يُعرف إلا بهذا الحديث ولم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب كما قاله الحافظ الذهبي.
الشيخ: لكنه مقبول، يكون مقبول. نعم بعده.
الطالب: وهو من إفراد المصنف رحمه الله تعالى.
الشيخ: ماذا يقول هذا الحديث؟
الطالب: حديث أم قيس رضي الله عنها هذا ضعيف لجهالة مولاها، فإنه لا يُعرف إلا بهذا الحديث ولم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب كما قاله الحافظ الذهبي في الميزان، وهو من إفراد المصنف رحمه الله تعالى.
الشيخ: فقط؟ المتن تكلم عليه؟ هذا من جهة السند، من جهة المتن فيه غرابة، ضعيف السند، غريب المتن من الجهتين، أنها قالت: لا تغسل الماء البارد فتقتله، هو قتيل، هو ميت الآن الماء البارد تقتله!
الطالب: قال: ما قالت ذلك إلا لشدة جزعها، وغلبة الحزن على قلبها؛ فذهلت عن موته.
الشيخ: بعده.
الطالب: قال: فانطلق عكَّاشة.
الشيخ: قوله: طال عمرها.
الطالب: قوله: طال عمرها جملة دُعائية دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بطول العمر، فلا نعلم امرأةً الظاهر أن هذا من قول أبي الحسن مولى أم قيس، عُمِّرت ما عُمِّرَت بناء الفعلين للمجهول من العمر أو التعمير يُقال عَمَرهُ الله يَعْمُرُه من باب قتل، وعَمَّرهُ تَعْمِيرًا أي طال عمره، قال في المِصباح: والجملة كصفةٍ لامرأة وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث طال عمر أم قيس رضي الله عنها بسبب دعائه لها والله أعلم.
قارئ المتن: نقض رأس الميت
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن بن جريج قال أيوب: «سمعت حفصة تقول: حدثتنا أم عطية رضي الله عنها أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون قالت: نعم».
شرح الشيخ: فيه استحباب جعل رأس المرأة الميتة ثلاثة قرون.
قارئ المتن: ميامن الميت ومواضع الوضوء منه
أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا إسماعيل عن خالد عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها».
شرح الشيخ: فيه استحباب البدء بيامن الميت ومواضع الوضوء منه في الغسل، كما يستحب في غسل الحي، غسل الحي يبدأ بالميامن يديه ورجليه وكذلك الميت.
قارئ المتن: غسل الميت وترًا
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا هشام قال: حدثتنا حفصة عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا إن رأيتن ذلك، واجعلن في الآخرة شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها من خلفها».
شرح الشيخ: استحباب غسل الميت وترًا، ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، والواجب مرة واحدة مُنقية كالحي الغسل يجزئه مرة واحدة، إذا غسل مرة واحدة منقية كفى.
قارئ المتن: غسل الميت أكثر من خمس
أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد قال: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني».
شرح الشيخ: يعني أخبرنني.
قارئ المتن: «فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه».
شرح الشيخ: والسدر للتنظيف، كان في الأول قبل أن يوجد الصابون يغسل بالسدر، الآن في الصابون والمنظفات، وقولها: أعطى ثوبه أشعرنها إياه، يعني: اجعل ثوبه يلي جسدها تبركًا به عليه السلام، والشعار هو الذي يلي الجسد، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم حقوه: يعني الثوب الذي يكون على جسده قال الحقو أعطاه لابنته زينب ليكون ملامس جسدها جعله الشعار يكون هو الثوب الأول إلى جسدها ثم الأثوبة الأخرى تكون فوقه للتبرك به.
قارئ المتن: غسل الميت أكثر من سبع
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أيوب وعن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذِنَّنِي فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها نحوه غير أنه قال: «ثلاثًا أو خمًسا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك».
شرح الشيخ: سبعًا أو أكثر من سبع إذا دعت الحاجة، يكون في جسده أوساخ فلا بأس بالزيادة.
قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا بشر عن سلمة بن علقمة عن محمد عن بعض إخوته عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «توفيت ابنةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا بغسلها فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتنه قالت: قلت وترًا قال: نعم، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذِنَّنِي فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه وقال: أشعرنها إياه».
الكافور في غسل الميت
أخبرنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت:
شرح الشيخ: المؤلف رحمه الله كرر الحديث الواحد؛ لأجل استنباط الأحكام، تراجم حديث واحد ترجم عليه تراجم عِدة؛ لأجل استنباط الأحكام، كل حكم يجعل منه ترجمة.
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذِنَّنِي فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه قال: وقالت حفصة: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا قال: وقالت أم عطية: مشطناها ثلاثة قرون».
أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب عن محمد قال: أخبرتني حفصة عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «وجعلنا رأسها ثلاثة قرون».
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد عن أيوب وقالت حفصة: عن أم عطية: «وجعلنا رأسها ثلاثة قرون».
الإشعار
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن بن جريج قال: أخبرني أيوب بن أبي تميمة أنه سمع محمد بن سيرين يقول: كانت أم عطية رضي الله عنها امرأة من الأنصار قدمت تفادي ابنا لها فلم تدركه حدثتنا قالت: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذِنَّنِي فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه، وقال: أشعرنها إياه».ولم يزد على ذلك قال: لا أدري أي بناته.
شرح الشيخ: وهي زينب، الصواب أن هي زينب.
قارئ المتن: قال: قلت: ما قوله أشعرنها إياه أتؤزر به قال: لا، لا أُراه إلا أن يقول ألففنها فيه.
شرح الشيخ: ألففنها فيه يعني الثوب الذي يلفونه عليها ثم تكون اللفافات الأخرى، الحقو: يعني ما تحت البطن.
قارئ المتن: أخبرنا شعيب بن يوسف النسائي قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا بن عون عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «توفي إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك واغسلنها بالسدر والماء واجعلن في آخر ذلك كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذِنَّنِي قالت: فآذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه».
الأمر بتحسين الكفن:
أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان ويوسف بن سعيد واللفظ له قالا: حدثنا حجاج عن بن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يقول: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر رجلًا من أصحابه مات فقُبر ليلًا وكفن في كفن غير طائل فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلًا إلا إن يضطر إلى ذلك وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولى أحدكم أخاه فليُحسِن كفنه».
شرح الشيخ: الحديث فيه النهي عن دفن الميت ليلًا إذا كان يحصل تقصير في حق الميت، أو تغسيله، أو تكفينه، أو الصلاة عليه كما في هذا الحديث، إنه كُفِّن في كفن غير طائل، هذا الصحابي كُفِّن في كفن غير طائل، أما إذا لم يحصل تقصير في حق الميت؛ فلا بأس في الدفن ليلًا، قد دُفن الرجل الذي كان يقُم المسجد ليلُا، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم، دُفن أبو بكر ليلًا، ودُفِن النبي صلى الله عليه وسلم ليلًا، ودُفن عمر ليلًا، إذا حصل تقصير في حق الميت في الصلاة عليه، أو في دفنه، أو في تكفينهن أو لا يوجد أحد يحضر يصلي عليه؛ فإنه يُنهى عنه، أما إذا لم يحصل تقصير؛ فلا بأس، هذا هو الجمع بين النصوص.
قارئ المتن: أي الكفن خير:
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن أبي عروبة يحدث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم».
شرح الشيخ: فيه البياض أفضل للحي والميت.
قارئ المتن: كفن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا إسحاق قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُفِّن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض».
أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة».
شرح الشيخ: سحولية نسبة إلى بلدة في اليمن، ليس فيها قميص ولا عمامة، هذا هو الصواب أنها ثلاث ذهب مالك وأبو حنيفة إلى استحباب القميص والعمامة، وقال ليس فيها قميص، يعني: ثلاث بيض غير القميص، والقميص والعمامة منها، هذا خلاف ظاهر الحديث، الصواب أن القميص والعمامة ليس من الكفن، ما كُفن فيه، ثلاثة أثواب فقط، يهم بعضهم أنها خمسة وأن القميص والعمامة منها، لكن ليس بظاهر.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُفِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسفٍ، ليس فيها قميص ولا عمامة، فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبُرد من حِبَرَةٍ فقالت: قد أُتِى بالبُرد ولكنهم ردوه ولم يُكفنوه فيه».
شرح الشيخ: يقول: كرسف: يعني من قطن، والحِبَرَة برد: يعني ثوب حِبرة فيه مخطط «قد أُتِى بالبُرد ولكنهم ردوه ولم يُكفنوه فيه» والحديث فيه التف بثلاث لفائف بيض ليس فيها خطوط لأنهم ردوا برد الحِبرة، الحِبرة هو المُشاء المخطط، والله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، دل على أن الأفضل ثلاث لفائف بيض ليس فيها خطوط وليس فيها قميص ولا عمامة، في الرد على أبي حنيفة ومالك ومن تبعهما في استحباب القميص والعمامة.
قارئ المتن: القميص في الكفن
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه ثم قال: إذا فرغتم فآذنوني أصلي عليه، فجذبه عمر رضي الله عنه وقال: قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال: أنا بين خيرتين قال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فصلى عليه فأنزل الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فترك الصلاة عليهم».
أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان عن عمرو قال: سمعت جابرًا يقول: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته، فوقف عليه فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه» والله تعالى أعلم.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري قال: حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابرًا يقول: «وكان العباس رضي الله عنه بالمدينة فطلبت الأنصار ثوبًا يكسونه فلم يجدوا قميصًا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه».
شرح الشيخ: وهذا من حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتأليفه لأصحابه، ومراعاته لأوس رهط عبد الله بن أبي، ومراعاته لابن عبد الله إنه من الصلحاء ومن خيار المؤمنين، فلما مات عبد الله ابن أبي جاء ابنه عبد الله، عبد الله بن عبد الله سمى عليه، وهو من خيار المؤمنين، قال لرسول الله: اعطني قميصك فأعطاه، من باب التأليف له ولرهطه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُكافيء عبد الله بن أُبي؛ لأن عم النبي العباس كان رجلًا طويلًا ولم يجد له ثوب إلا ثوب عبد الله طويل، هذا طويل وهذا طويل، فعبد الله بن أُبي أعطاه قميصه للعباس، فلما توفي عبد الله بن أُبي كسى النبي عبد الله ابن أُبي مكافئة له لإعطائه قميصه عمه العباس وتأليفًا للأوس، ومراعاة لابن عبد الله لهذه الأمور كلها.
وقوله: وضع في حفرته يعني قبل أن يدفن دُلي في الحفرة وأُخرِج له دُلي فيها فأُخرج منها، قوله: (أنه وضع في قبره) يعني دُلي ولم يوضع فاستخرجه قبل أن يصل، فأُخرج له فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، ونفث فيه من ريقه.
وقول النبي لابن عمر: «جعلت بين خيرتين» خيرتين يعني {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]، صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعمر قال كيف تصلي على هذا رئيس المنافقين وقد نهاك الله، قال أخر عني يا عمر ما في آية صريحة، ثم جاء النهي صريح قال الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]، بعد ذلك لم يصل النبي على منافق بعد ذلك صريح وفيه بيان للعلة: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} هذه العلة، لمن وجدت فيه هذه العلة فلا يُصلى عليه، كل كافر لا يُصلى عليه {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}، من وجدت فيه هذه العلة فلا يُصلى عليه، كافر لا يصلى عليه، أما المسلم يُصلى عليه ولو كان عاصيًا، لكن بعض العصاة لا يُصلي عليهم الوجهاء والأعيان، تنفيرًا للأحياء مثل قاتل النفس، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على صاحبكم» ما أشبه ذلك، بعض العصاة لا يُصلى عليهم بعض الأعيان، بعض الوجهاء والعلماء تنفيرًا للأحياء حتى لا يفعلوا مثل فعلهم، لكن يصلي عليه عامة الناس؛ لأنه بحاجة إلى الصلاة، أما الكافر فلا يُصلى عليه مطلقًا ولا يقدم للناس.
قارئ المتن: أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن الأعمش وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت الأعمش قال: سمعت شقيقًا قال: حدثنا خباب رضي الله عنه قال: «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئًا منهم: مصعب بن عمير قتل يوم أحدٍ فلم نجد شيئًا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه، ونجعل على رجليه إذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها»، واللفظ لإسماعيل.
شرح الشيخ: الرأس أهم وأشرف؛ لهذا أمر النبي أن يُغطى الرأس ويُجعل على رجليه إذخر من الحشائش المعروف الإذخر معروف في مكة، وهو من أينعت له ثمرة فهو يهدبها يعني فُتحت له الدنيا وتوسعوا في الدنيا، منهم من مات قبل أن تفتح الدنيا، ومنهم فتحت له الدنيا فوسعوا دنياهم.
قارئ المتن: كيف يكفن المحرم إذا مات:
أخبرنا عتبة بن عبد الله قال: حدثنا يونس عن بن نافع عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه ولا تُمِسوه بطيب، ولا تُخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا».
شرح الشيخ: كيف يُكفن المُحرم إذا مات؟ الترجمة فيها أن المحرم يُكفن في ثيابه التي مات فيها، ولا يُغطى رأسه، ويُجنب الطيب.
قارئ المتن: المسك:
أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود وشبابة قالا: حدثنا شعبة عن خليد بن جعفر سمع أبا نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطيب الطيب المسك».
أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي قال: حدثنا أمية بن خالد عن المستمر بن الريان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خير طيبكم المسك».
شرح الشيخ: وهذا ما ورد في أبي داوود، المسك أطيب الطيب، «من خير طيبكم المسك» يعني عام للأحياء والأموات.
قارئ المتن: الإذن بالجنازة
أخبرنا قتيبة في حديثه عن مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: «أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني فأخرج بجنازتها ليلًا وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلًا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات».
شرح الشيخ: وفيه التكبير الصلاة على القبر صف على قبرها، أنه صلى على قبرها، من فاته الصلاة عليها، يصلى عليها بعد الدفن.
قارئ المتن: السرعة بالجنازة
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن مهران أن أبا هريرة قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويلى أين تذهبون بي».
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها إلى أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن بن أبي سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم».
أخبرنا سويد قال: حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال: حدثني أبو أمامة بن سهل أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كانت شرًا تضعونه عن رقابكم».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: أنبأنا عيينة بن عبدالرحمن بن يونس قال: حدثني أبي قال: «شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليه يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون رويدًا بارك الله فيكم فكانوا يدبون دبيبًا حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط قال: خلوا فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا فانبسط القوم».
أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل وهشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: «لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا». وهذا لفظ حديث هشيم.
شرح الشيخ: الرمل يعني يُسرع، والسرير يعني الذي عليه الميت، وهو النعش شبيه السرير، وعيينة بن عبد الرحمن بن يونس، يونس في كتب الرجال ابن جوشن يونس بدل يونس في كتب الرجال عبد الرحمن بن جوشن.
الشيخ: هل في تعليق عليه؟ جوشن، ما تكلم عليه الإثيوبي؟
الطالب: عيينة بن عبد الرحمن بن يونس بن الجوشن الغطفاني الجوشني أبو مالك البصري صدوق.
قال: تنبيه: قوله ابن يونس هكذا وقع في نسخ المجتبى، والظاهر أنه غلط تصحف من ابن جوشن.
قارئ المتن: أخبرنا يحيى بن درست قال: حدثني أبو إسماعيل عن يحيى أن أبا سلمة حدثه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرت بكم جنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع».
باب الأمر بالقيام للجنازة
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن بن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الجنازة فلم يكن ماشيًا معها فليقم حتى تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه»
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن بن شهاب عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة العدوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع».
أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن هشام وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع»
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن بن جريج عن بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: «ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا زكريا عن الشعبي قال: قال أبو سعيد وأخبرني إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق قال: حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة فقام وقال عمرو: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام».
أخبرني أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا مروان قال: حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت: «أنهم كانوا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام من معه فلم يزالوا قيامًا حتى نفذت»
شرح الشيخ: وهذا الحكم هو إذا رأى الجنازة فإنه يقوم حتى تخلفه مستحب ليس بواجب، والصارف عن الوجوب الأدلة التي في الباب الذي بعده الرخصة في الجلوس، يعني النبي قام وقعد، فيكون هذا صارف، ويكون الأمر للاستحباب، إذا مرت الجنازة فالأفضل أن يقوم وإن جلس فلا حرج.
قارئ المتن: القيام لجنازة أهل الشرك
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة بالقادسية فمر عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض فقالا: «مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقام فقيل له إنه يهودي فقال: أليست نفسًا»
شرح الشيخ: (من أهل الأرض) يعني من أهل الذمة، يعني ولو كانت غير مسلمة، نفس (أليست نفسًا)، وفي لفظ سيأتي (إن للموت فزعًا)، وفي لفظ (إنما قمنا للملائكة)، القيام مطلقًا سواء كان مؤمنًا أو كافر للملائكة، ولأنها نفس، ولأن للموت فزعًا.
قارئ المتن: أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن هشام وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله قال: «مرت بنا جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه فقلت يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودية فقال: إن الموت فزعًا فإذا رأيتم الجنازة فقوموا». اللفظ لخالد
شرح الشيخ: فيكون القيام مستحب، هذا حديث سيأتي في هذا الباب هي جواز الجلوس، والأحاديث في هذا الأمر سابقة تكون للاستحباب، الجمع بين الحديثين.
قارئ المتن: الرخصة في ترك القيام
أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن بن أبي نجيح قال: عن مجاهد عن أبي معمر قال: «كنا عند علي فمرت به جنازة فقاموا لها فقال: علي ما هذا قالوا: أمر أبي موسى فقال: إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد: «أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم بن عباس قال الحسن: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟ قال ابن عباس: نعم، ثم جلس».
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أنبأنا منصور عن بن سيرين قال: «مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم بن عباس فقال: الحسن لابن عباس أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لها قال بن عباس قام لها ثم قعد».
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن بن علية عن سليمان التيمي عن أبي مجلز: «أن بن عباس والحسن بن علي مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر فقال الذي قام أما والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام قال له الذي جلس: لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس».
أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي قال: حدثنا حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه: «إن الحسن بن علي كان جالسًا فمر عليه بجنازة فقام الناس حتى جاوزت الجنازة فقال: الحسن إنما مر بجنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقها جالسًا فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام».
أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا بن جريج قال: أخبرني أبو الزبير: «أنه سمع جابرًا يقول قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت، وأخبرني أبو الزبير أيضا أنه سمع جابرًا رضي الله عنه يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت».
أخبرنا إسحاق قال: أنبأنا النضر قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس: «أن جنازة مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فقيل إنها جنازة يهودي فقال: إنما قمنا للملائكة».
استراحة المؤمن بالموت:
أخبرنا قتيبة عن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي: «أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه قالوا: وما المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب».
الاستراحة من الكفار:
أخبرنا محمد بن وهب ابن أبي كريمة الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني زيد عن وهب بن كيسان عن معبد بن كعب عن أبي قتادة قال: «كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلعت جنازة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم مستريح ومستراح منه المؤمن يموت فيستريح من أوصاب الدنيا ونصبها وأذاها والفاجر يموت فيستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب».
شرح الشيخ: هذا في الصحيحين فيه أن المؤمن يستريح من نصب الدنيا تعبها وأذاها، ومشاقها ومتاعبها، والكافر يُستراح ويَستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب، حتى الشجر والدواب، ذلك أن الشجر والدابة تمنع المطر بسبب ذنوب الكافر ومعاصيه، فإذا مات؛ ذهب الحاجز المانع من نزول المطر، فاستراحت الشجر والدواب.
فقال: (مُستريحٌ ومُستراح منه)، فالمستريح هو المؤمن، والمُستراح منه الكافر، قال بن تيمية محتمل أنه يريد الكافر ويحتمل أن يدخل معه العاصي، قال وهكذا قوله المؤمن يحتمل يريد بها خاصة بكل مؤمن، أما قوله: استراحة العباد الدفاع له عنهم وهذا يكون من وجوه منها ظلمه لهم ومنها ارتكابه المنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك ربما نالهم ضرر، وإن سكتوا أثموا، واستراحة الدواب منه لأنه كان يؤذيها بضربها وتحميلها ما لا تطيقه، يجيعها في بعض الأوقات، واستراحة البلاد والشجر لأنه تمنع المطر بمعصيته غير أنه يغصبها ويمنع حقها في الشرب وغيره.
قارئ المتن: باب الثناء
أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: «مر بجنازة فأثني عليها خيرًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومر بجنازة أخرى فأثني عليها شرًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال: عمر: فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت وجبت فقال: من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض».
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا شعبة قال: سمعت إبراهيم بن عامر وَجَدُهُ أمية بن خلف قال: سمعت عامر بن سعد عن أبي هريرة قال:
شرح الشيخ: وجده هذا تعريف بن عامر أراد أن يُعرف فقال جده أُمية، المبتدأ والخبر وجده أمية.
قارئ المتن: قال: سمعت إبراهيم بن عامر وَجَدُهُ أمية
الشيخ: وَجَدُهُ أُمية، وَجَدُهُ جملة خبرية للتعريف.
الطالب: ليس معطوف على...
الشيخ: لا، يعني يقول سمعت إبراهيم الذي جده أُمية.
قارئ المتن: وَجَدُهُ أمية بن خلف قال: سمعت عامر بن سعد عن أبي هريرة قال: «مروا بجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيرًا فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًا فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، قالوا: يا رسول الله قولك الأولى والأخرى وجبت فقال: النبي صلى الله عليه وسلم الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض».
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا هشام بن عبد الملك وعبد الله بن يزيد قالا: حدثنا داود بن أبي الفرات قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الديلي قال: «أتيت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب فمر بجنازة فأثني على صاحبها خير فقال عمر وجبت، ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيرًا فقال: عمر وجبت ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرًا فقال عمر: وجبت، وقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما مسلم شهد له أربعة قالوا خيرًا أدخله الله الجنة قلنا أو ثلاثة قال: أو ثلاثة قلنا أو اثنان قال: أو اثنان».
شرح الشيخ: وهذا رواه البخاري في الصحيح، احتج به بعض أهل العلم على أن من شهد له اثنان من أهل العلم والعدالة بالجنة فهو من أهل الجنة، ومن ذلك أن أبا ثور كان يشهد للإمام أحمد بالجنة، والجمهور على أنه لا يُشهد بالجنة إلا لمن شهد له نصوص، وقيل لا يشهد بالجنة إلا الأنبياء.
- ثلاث أقوال لأهل العلم:
- لا يشهد إلا الأنبياء.
- لا يشهد إلا من شهد له النصوص.
- وقيل يُشهد لمن شهد له اثنان من أهل العدالة والفضل
والأرجح الثاني، إنه لا يُشهد إلا من شهد له النصوص، لأن معنى ذلك ثلاثًا لا يحصل ميزة لمن شهد له النصوص، كل من شهد له اثنان صار عام، وصار ما في ما في هناك مزية لمن شهد له النصوص، إنه للأنبياء فقط خاصة وهذا موجود في شرح الطحاوية كل هذا.
قارئ المتن: النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير:
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثني أحمد بن إسحاق قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن عائشة قالت: «ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير».
النهي عن سب الأموات
أخبرنا حميد بن مسعدة عن بشر وهو بن المفضل عن شعبة عن سليمان الأعمش عن مجاهد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أنسًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة أهله، وماله، وعمله فيرجع اثنان أهله وماله، ويبقى واحد عمله».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا محمد بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمؤمن على المؤمن ست خصال يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد».
شرح الشيخ: يقول في الأول: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، نستثني من ذلك الشر والبدع؛ لأنه يُذكر ببدعته تحذيرًا للأحياء منها.
وهذا الحديث قال: (للمؤمن على المؤمن ست خصال) المشهور عند العلماء هذه الست مستحبه، زيارة المريض، شهود جنازته، والسلام عليه، لكن رد السلام واجب، تشميته إذا عطس ظاهر النصوص وجوب تشميت العاطس، عن أبي داوود يرى الوجوب، قال إنه سمع رجلًا عطس على ساحل البحر فاستأجر قاربًا ركبه حتى وصل إليه وشمته، يرى الوجوب، إجابة الدعوة واجبة عند الجمهور، وخصوصًا دعوة العُرس، في ظاهر النصوص العموم، والنصيحة واجبة وفيها تفصيل.
قارئ المتن: الأمر باتباع الجنائز
أخبرنا سليمان بن منصور البلخي قال: حدثنا أبو الأحوص وأنبأنا هناد بن السرى حديث أبي الأحوص عن أشعث عن معاوية بن سعد قال: هناد قال البراء بن عازب قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع؛ أمرنا بعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، واتباع الجنائز، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن آنية الفضة، وعن المياثر، والقَسِّية، والإستبرق، والحرير، والديباج».
شرح الشيخ: ظاهر النصوص وجوب نصرة المظلوم، وإبرار القسم مستحب، وآنية من فضة والمياثر والقَسِّية والإستبرق نوع من الحرير الاستبرق هو الحرير والديباج، القَسية كذلك من مراكب العجم.
الشيخ: سويد، سعد؟ ماذا عندكم؟ تكلم عليه؟
الطالب: بن مقر المُزني أبو سويد الكوفي بن أخ النعمان المقرن ثقة، لم يصب من زعم أن له صحبة، سويد يقع في بعض نسخ المجتبى معاوية بن سعد وتصحيف فاحش فتنبأ.
شرح الشيخ: طيب معاوية بن سويد.
قارئ المتن: فضل من يتبع جنازة
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبثر برد أخي يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع قال: سمعت البراء بن عازب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تبع جنازة حتى يصلي عليها؛ كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن؛ كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا أشعث عن الحسن عن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تبع جنازة حتى يفرغ منها؛ فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ منها؛ فله قيراط».
مكان الراكب من الجنازة
أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا عبد الواحد بن واصل قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله هو الثقفي وأخوه المغيرة جميعًا عن زياد بن جبير عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يُصلي عليه».
مكان الماشي من الجنازة
أخبرني أحمد بن بكار الحراني قال: حدثنا بشر بن السرى عن سعيد الثقفي عن عمه زياد بن جبير بن حية عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلي عليه».
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر وقتيبة عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه: «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنها يمشون أمام الجنازة».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا همام عن سفيان ومنصور وزياد وبكر كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث أن سالمًا أخبره أن أباه أخبره: «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة».
بكر وحده لم يذكر عثمان قال: أبو عبد الرحمن وهذا خطأ والصواب مرسل.
شرح الشيخ: يعني الزُهري، عند الفقهاء والمتأخرين أن الثقة إذا وصل مقدم على من أرسل، كما قال الحافظ في النخبة، وزيادة راويهما يعني الحسن والصحيح مقبولة، ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، قال العراقي: واحكم لوصل ثقة في الأظهري، لكن بعض المحققين قال: إنه قدم المرسل أو الواصل، وقال بعضهم: قدم الأحفظ أو الأعلم أو الأكثر.
قارئ المتن: الأمر بالصلاة على الميت
أخبرنا علي بن حجر وعمرو بن زرارة النيسابوري قالا: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه».
الصلاة على الصبيان
أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين عائشة قالت: «أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار يصلي عليه قالت عائشة فقلت طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءًا ولم يدركه قال: أو غير ذلكِ يا عائشة، خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلا وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلا وخلقهم في أصلاب آبائهم».
شرح الشيخ: وهذه في الصحيح، أطفال المسلمين في الجنة، لكن لا ينبغي أن نشهد لطفلٍ بعينه على العموم، ولهذا أنكر على عائشة أن يشهد له بعينه، قول الله تعالى {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]، قالوا: يخصص بذلك بالبالغ.
الصلاة على الأطفال
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: سمعت زياد بن جبير يحدث عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه».
شرح الشيخ: الراكب يكون خلف والماشي إن شاء خلف وإن شاء أمام.
أولاد المشركين
أخبرنا إسحاق قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليدي عن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا الأسود بن عامر قال: حدثنا حماد عن قيس وابن سعد عن طاووس عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين».
أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: خلقهم الله حين خلقهم وهو يعلم بما كانوا عاملين».
أخبرني مجاهد بن موسى عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين».
شرح الشيخ: اختلف العلماء في أولاد المشركين، وأطفال المشركين الذين يموتون دون البلوغ على أقوال كثيرة، سبعة أو ثمانية ذكرها العلامة ابن القيم في آخر كتابه (طريق الهجرتين)، كذلك ذكر الحافظ بن حجر في (فتح الباري) في الجنائز أرجحها قولان:
أحدهما: أنهم يمتحنون يوم القيامة، يظهر فيهم علم الله المذكور في هذه الأحاديث (الله أعلم بما كانوا عاملين)، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
الثاني: أنهم في الجنة، الحجة في ذلكما رواه البخاري ان الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا التي قصها على أصحابه، ورؤى الأنبياء وحي، منها أنه رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الجنة وحوله أولاد المسلمين وأولاد المشركين.
قارئ المتن: الصلاة على الشهداء
أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن بن جريج قال: أخبرني عكرمة بن خالد أن بن أبي عمار أخبره عن شداد بن الهادي: «أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال: أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ههنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلًا ثم نهضوا في قتال العدو، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو؟ فقالوا نعم، قال: صدق الله؛ فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته عليه اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل شهيدًا أنا شهيد على ذلك».
شرح الشيخ: هذا الحديث لا بأس به جيد، صلى على الشهيد الآن وهو شهيد والشهداء لا يُصلى عليهم، فكيف يُجاب عن هذا؟
- يجاب عنه بجوابين:
أحدهم: أن في هذا دليل على جواز الصلاة على الشهيد، وحديث عقبة الذي بعده النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على الشهيد، أما حديث جابر فيه أنه أمره بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم فيه جواز ترك الصلاة على الشهيد.
الثاني: أن هذا الأعرابي تأخر موته بعد المعركة حيث حُمل من المعركة ثم مات بعد ذلك، وإذا تأخر الموت عن المعركة ثم مات فيصلى عليه، لأن حديث عقبة الذي بعده يُجاب أن المراد بالصلاة عليه الدعاء له كما يدعى للميت، صلاته على أهل أحد كانت بعد ثمان سنين أو سبع سنين، وكذلك لو كان بعد ذلك بأشهر، النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الميت إلى شهرٍ من دفنه، وعلى هذا الجواب لا يُصلى على الشهيد عملًا بحديث جابر الآتي، وهذا هو مسلك الجمع بين الأحاديث، وهو مسلكًا يعني إلى أنه يصلى عليهم ويجوز ترك الصلاة عليهم الأحاديث وردت بهذا وهذا.
أو الجواب الثاني يُقال أن هذا الذي صلى عليه تأخر موته.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحدٍ صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم».
ترك الصلاة عليهم
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهما أكثر أخذًا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد قال: أنا شهيد على هؤلاء وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا».
باب ترك الصلاة على المرجوم:
أخبرنا محمد بن يحيى ونوح بن حبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله: «أن رجلًا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه ثم اعترف فأعرض عنه ثم اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبك جنون؟ قال: لا، قال: أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا ولم يصل عليه».
الصلاة على المرجوم:
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين: «أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني زنيت وهي حُبلى، فدفعها إلى وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها، فلما وضعت جاء بها فأمر بها فشُكت عليها ثيابها، ثم رجمها، ثم صلى عليها فقال له عمر أتصلي عليها وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل».
شرح الشيخ: وَجَدْتَ، أو هي هل وَجَدَت، والباب الأول في ترك الصلاة على المرجوم، والباب الثاني في الصلاة على المرجوم.
- والجمع بين الحديثين بجوابين:
أحدهما: التخيير بين الصلاة عليه، كما في حديث الغامدية، وترك الصلاة عليه كما في حديث ماعز.
الثاني: أن المُثبت مُقدم على النافي، يعني في الغامدية أثبت الصلاة عليها، في حديث ماعز نفى الصلاة عليه، والُمثبت مُقدم على النافي يكون الحكم مشروعية الصلاة على المرجوم؛ لأنه بحاجة إلى الصلاة عليه والدعاء له، مع أن عقوبته وهي إقامة الحد عليه هي كفارة له، كانت توبة تمحو الذنب، إن لم يتب ولم يُعاقب في الدنيا هو تحت مشيئة الله، في حديث عبادة بن الصامت في البخاري «ومن لم يتب عوقب به في الدنيا فهو كفارة له»، ومن لم يفِ في الحديث أنه لما ذكر أمرك بكذا وكذا إلى آخر الشروط قال: ومن لم يفِ عوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن ستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه، وإن شاء عذبه، الحديث في الصحيحين.
قارئ المتن: الصلاة على من يحيف في وصيته
أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين: «أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك وقال: لقد هممت أن لا أصلي عليه، ثم دعا مملوكيه فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة».
شرح الشيخ: الثلث، يعني أعتق الثلث وأرق الثلثان.
قارئ المتن: الصلاة على من غل
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد قال: «مات رجل بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم إنه غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدناه فيه خرزًا من خرز يهود ما يساوي درهمين».
الصلاة على من عليه دين
أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: «سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتى برجل من الأنصار ليصلي عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم فإن عليه دينًا، قال أبو قتادة: هو عليّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء؟ قال: بالوفاء؛ فصلى عليه».
أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: حدثنا سلمة بن الأكوع قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقالوا يا نبي الله، صل عليها قال: هل ترك عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم قال رجل من الأنصار يقال له أبو قتادة: صلِّ عليه وعليَّ دينه فصلى عليه».
أخبرنا نوح بن حبيب القومسي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل عليه دين، فأتى بميت فسأل هل عليه دين قالوا نعم عليه ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة هما علي يا رسول الله، فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك دينًا فعلي، ومن ترك مالًا فلورثته».
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأنا بن وهب قال: أخبرني يونس وابن أبي ذئب عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توفى المؤمن وعليه دين سأل هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن قالوا نعم؛ صلى عليه، وإن قالوا لا؛ قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالًا فهو لورثته».
شرح الشيخ: الحديث الأول حديث الغال، قال: (صلوا على صاحبكم) فيه أن ولي الأمر ومن له شأن كالعالم والأمير لا يُصلي على الغال ونحوه كالحائف في وصيته زجرًا لأمثاله، ويصلي عليه سائر الناس لأنه بحاجة إلى الدعاء وطلب المغفرة، وأما حديث الدين والمديون ففيها الحث على قضاء الدين والتخلص منه، ومن ذلك الدين العقاري للدولة لأنه دين ينبغي التخلص منه، بعض الناس تتساهل والشهيد إذا مات وعليه دين فإنه لا يسقط حق الدائن، يكون له وفاء يرديه إلى يوم القيامة أو إعطاء من حسنات الشهيد.
في البخاري: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله عليه» رواه البخاري في الصحيحين. فلا ينبغي التساهل.
القُومَسي عندك بضم القاف بالتقريب وبفتح الميم أيضًا، قومس وأصله يشبه النفق إلى الأرض.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صار يقضي ديون من عليه دين لأن ينبغي لولاة الأمور بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضوا بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون هكذا ليقضوا ديون أموات المسلمين من بيت مال المسلمين إذا كان فيه سعة فيه وفاء.
قارئ المتن: ترك الصلاة على من قتل نفسه
أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أنبأنا أبو الوليد قال: حدثنا أبو خيثمة زهير هو بن معاوية قال: حدثنا سماك عن جابر بن سمرة: «أن رجلا قتل نفسه بمشاقص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا أصلي عليه».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن سليمان أنه قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة ثم انقطع علي شيء خالد كانت حديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا».
شرح الشيخ: الحديث أخرجه مسلم وفيه أنه ينبغي لولي الأمر ومن له شأن كالأمير والعالم شيخ القبيلة أن يترك الصلاة على من قتل نفسه وكذا الغال والحائف في الوصية زجرًا من هذه الأفعال السيئة، يحذرها الأحياء، ويصلي عليهم سائر الناس لأنهم بحاجة إلى الدعاء.
وفيه حديث (من تردى من جبل قتل نفسه فهو في نار جهنم) هذا من أحاديث الوعيد.
- وأجاب العلماء بجوابين:
أحدها: أن من استحل قتل نفسه إنه يكون كافرًا استحلها استحل الكبيرة يكون كافرًا.
الثاني: أنه في غير مستحل والمراد بالخلود المكث الطويل وهو خلود له نهاية، وكذلك التأبيد تأبيدٌ له نهاية ليس كخلود الكفار، وتأبيد الكفار؛ لأن خلود الكفار خلود مؤبد، وتأبيدهم مؤبد لا نهاية له، وهذا من أحاديث الوعيد مثل الآية: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]،{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، هذه النصوص ويقال هذه النصوص من المتشابه وترد إلى المحكم الواضح، وهو قول: يغفر ذلك لمن يشاء هذه المعاصي دون الشرك، فتكون داخلة تحت المشيئة، ولا يتعلق المتشابه بترك المحكم إلا الزيغ قال الله فيهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]، أما الراسخون في العلم فيؤمنون بالمتشابه ويردونه إلى المحكم.
قارئ المتن: الصلاة على المنافقين
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا حجين بن المثنى قال: حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: «لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت: يا رسول الله، تصلي على بن أبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا أعدد عليه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: إني قد خيرت فاخترت فلو علمت إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف فلميمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:84] فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم».
شرح الشيخ: وهذا في الصحيح، تعجب عمر من جرأته، والحديث على عدم الصلاة على المنافقين إذا عُلم نفاقهم، ولا يجوز تقديمهم للمسلمين للصلاة عليهم فإن لم يعُلم نفاقهم صُلي عليه، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أُبي قبل أن يُنهى من ذلك تأليفًا للأوس، ومراعاةً لعبد الله فلما نُهي انتهى، لما نزل الآية انتهى.
قارئ المتن: الصلاة على الجنازة في المسجد
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر قالا: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن حمزة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد».
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة أن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد».
شرح الشيخ: وهذا في الصحيح، وفيه أن لا بأس في الصلاة على الجنازة في المسجد، وهذا قالته عائشة رضي الله عنها لما مات سعد بن أبي وقاص، عام سبعٍ وستين، أمرت أن يُصلى عليه في المسجد، يصلي عليه، فاستنكر بعض الناس، فقالت: «ما أسرع الناس ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد».
قارئ المتن: الصلاة على الجنازة بالليل
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا بن وهب قال: أخبرنا يونس عن بن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف: «أنه اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها وقال: إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها فتوفيت فجاؤوا بها إلى المدينة بعد العتمة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فَصَلَوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا فسألهم عنها فقالوا: قد دفنت يا رسول الله، وقد جئناك فوجدناك نائمًا فكرهنا أن نوقظك قال: انطلقوا فانطلق يمشي ومشوا معه حتى أروه قبرها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا وراءه فصلى عليها وكبر أربعًا».
شرح الشيخ: وهذا في الصحيح وكانت المرأة تقم المسجد، فيه جواز الصلاة على الميت في الليل وجواز دفنه في الليل، أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإنما يُنهى إذا حصل تقصير في حق الميت كما سبق.
صَلَّى إذا كان معتل الآخر بالألف ثم أُسند لواو الجماعة يُفتح ما قبله صَلَّى.. صَلَّوا، غزى.. غَزَوا، رمى.. رَمَوا، أما إذا كان يائي واوي فإنه يُضم، رضي.. رَضُوا، عري.. عرُوا، وهكذا.
قارئ المتن: الصفوف على الجنازة
أخبرنا محمد بن عبيد الكوفي عن حفص بن غياث عن بن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه، فقام فصف بنا كما يصف على الجنازة وصلى عليه».
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن مالك بن أنس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى فصف بهم فصلى عليه وكبر أربع تكبيرات».
شرح الشيخ: نعي يعني: أخبر بموته، وهو مثل الإخبار في الصحف، إخبار الأقارب والجيران للصلاة عليه، أما النعي المنهي نه فهو المناداة في القبائل، ورفع الصوت بمكبرات كما يفعله أهل الجاهلية.
وفيه أن التكبيرات أربعة، استقر على أربعة كما قال جمهور العلماء أربع تكبيرات، كان النبي قبل ذلك يكبر أكثر من ذلك.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه بالمدينة، فصفوا خلفه، فصلى عليه وكبر أربعًا».
قال أبو عبد الرحمن بن المسيب إني لم أفهمه كما أردت.
أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا إسماعيل عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخًا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه، فصففنا عليه صفين».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود قال: سمعت شعبة يقول الساعة يخرج الساعة يخرج أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: «كنت في الصف الثاني يوم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي».
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قاللنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه، قال: فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت».
شرح الشيخ: والنجاشي في الحبشة، صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- اختلف العلماء في الصلاة على الغائب، على ثلاثة أقوال:
الأول: أن يصلى عليه مطلقًا، أن يصلى على كل غائب.
الثاني: لا يصلى عليه مُطلقًا، وأن هذا خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يصل عليه في بلده أحد، حيث لم يسلم معه أحد، هذا قول بعيد جدًا إنه لم يسلم مع النجاشي أحد من الملوك متبوعوه، فيبعد أن يكون ملك لم يسلم معه أحد.
الثالث: أنه يُصلى على من له قدم في الإسلام، الملك أو عالم أو شيخ قبيلة، وهذا هو الأرجح كما أتى به شيخ الإسلام، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه آوى المسلمين، ونصرهم، ولم يصل على غيره من الغائبين الميتين في كل ساعة وفي مكة وفي غيرها وفي البوادي.
الرابع: أنه يصلى على الغائب إن لم يُصلى عليه في بلده، النجاشي لم يُصلى عليه ولا يصلى عليه نصلي عليه في بلده، هذا ضعيف النجاشي يعني ملك والملوك متبوعون يبعد أنه ما أسلم أحد، لا بد أن يكون من أتباعه القريب منه والخدم.
قارئ المتن: الصلاة على الجنازة قائمًا
أخبرنا حميد بن مسعدة عن عبد الوارث قال: حدثنا حسين عن بن بريدة عن سمرة رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم كعب ماتت في نفاسها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة في وسطها».
اجتماع جنازة صبي وامرأة
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعيد قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن عمار رضي الله عنه قال: «حضرت جنازة صبي وامرأة، فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة رضي الله عنهم فسألتهم عن ذلك فقالوا: السنة».
شرح الشيخ: فيه مشروعية الصلاة على الجنازة قائمًا، فيه أن الإمام يقوم عند وسط المرأة عجيزتها، وعند رأس الرجل، أما قول الفقهاء يقوم عند صدر الرجل فهذا ليس بظاهر، فيه أنه إذا اجتمع صبي وامرأة؛ فإنه يُقدم الصبي القوم وتكون المرأة من وراءه.
قارئ المتن: اجتماع جنائز الرجال والنساء
أخبرنا محمد بن رافع قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا بن جريج قال: «سمعت نافعًا يزعم أن بن عمر رضي الله عنهما صلى على تسع جنائز جميعًا فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفًا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن لها يقال له زيد وضعا جميعًا والإمام يومئٍذ سعيد بن العاص وفي الناس بن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة رضي الله عنهم فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل فأنكرت ذلك فنظرت إلى بن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا قالوا: هي السنة».
أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا بن المبارك والفضل بن موسى وأخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله عن حسين المكتب عن عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أم فلان ماتت في نفاسها فقام في وسطها».
شرح الشيخ: فيه تقديم الرجال والصبيان مما يلي الإمام، ثم النساء إلى القبلة في الجنائز.
وفيه أن الإمام يقوم عند وسط المرأة، عند عجيزتها، وهذا هو الأفضل ولو صلى على أي حال فلا بأس، الصلاة تامة.
قارئ المتن: عدد التكبير على الجنازة
أخبرنا قتيبة عن مالك عن بن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي وخرج بهم فصف بهم وكبر أربع تكبيرات».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل قال: «مرضت امرأة من أهل العوالي وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن شيء عيادة للمريض فقال: إذا ماتت فآذنوني فماتت ليلًا فدفنوها ولم يعلموا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح سأل عنها فقالوا: كرهنا أن نوقظك يا رسول الله، فأتى قبرها فصلى عليها وكبر أربعًا».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثني عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى: «أن زيد بن أرقم رضي الله عنه صلى على جنازة فكبر عليها خمسًا وقال: كبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
شرح الشيخ: نعم، وهذه المرأة جاء أنها تقُم المسجد، الحديث فيها رواه مسلم في الصحيح، وجاء عن علي أنه كبر على الجنازة ستًا، ولكن استقر الأمر أن التكبير أربع تكبيرات، وإن كبر خمسًا أو ستًا فلا بأس، لكن الأولى عدم مخالفة ما عليه المسلمون، ما استقر عليه الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل على أن زيد إنه صلى على القبر يُحمل على أنه كان هذا أنه خفي عليه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم التكبيرات على الجنازة مختلفة ثم رُفع الخلاف واتفقوا على أنا أربعة إلا بعض الصحابة ما علموا ذلك فكانوا يعملون بما عليه الأمر أول، لعل زيد ما علم وإلا النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر كبر على النجاشي أربع تكبيرات، وهذا هو الذي عليه الجمهور، لكن زيد كبر خمسًا لعله خفي عليه ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قارئ المتن: الدعاء
أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح عن بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي حمزة بن سليم عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه، وعافه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وقه عذاب القبر، وعذاب النار، قال عوف: فتمنيت أن لو كنت الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الميت».
شرح الشيخ: تمنى أن يكون الميت عسى أن يحصل على هذا الدعاء.
مُدخل هو المَدخل بضم الميم وفتح الميم رباعي، دخل ومن الرباعي مُدخل الرباعي، ومَدخل من الثلاثي، وإن زاد على هذا الدعاء ودعا بغيره فلا بأس لأن المقام مقام دعاء.
قارئ المتن: أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا معاوية بن صالح عن حبيب بن عبيد الكَلاعي عن جبير بن نفير الحضرمي قال: «سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ميت، فسمعت في دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيًرا من داره، وأهلا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة ونجه من النار، أو قال: وأعذه من عذاب القبر».
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله قال: حدثنا شعبة بن الحجاج عن عمرو بن مرة قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن ربيعة السلمي رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبيد بن خالد السلمي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين، فقتل أحدهما ومات الآخر بعده، فصلينا عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قلتم؟ قالوا: دعونا له، اللهم اغفر له، اللهم ألحقه بصاحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين صلاته بعد صلاته، وأين عمله بعد عمله، فما بينهما كما بين السماء والأرض» قال عمرو بن ميمون: أعجبني لأنه أسند لي.
شرح الشيخ: وهذا ظاهر السند أنه لا بأس به وأنه سند جيد، وهو يدل على فضل من تأخر بعد الأول بزيادة عمله، ويشهد له أحاديث المتآخيين، مات أحدهما مجاهدًا، والآخر مات بعده على فراشه، فرؤيا في المنام سابقًا للأول، فسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس قد صلى كذا وكذا، وأدرك رمضان فصامه، والذي نفسي بيده لما بينهما أبعد ما بين المشرق والمغرب» ذكره ابن رجب في فضائل رمضان، والحديث لا إشكال عليه.
هنا واحد شهيد والأول تأخر ومع ذلك سبقه.
الشيخ: قال سنده ماذا؟
الطالب: حديث عبيد بن السلمي هذا صحيح.
الشيخ: والمتن تكلم عليه؟
الطالب: نعم، قال: فأين صلاته بعد صلاته أي ما صلاه هذا الميت بعد ما قُتل صاحبه زاد في رواية أبي داوود صومه بعد صومه، شك شعبة في صومه وأين عمله بعد عمله، أي: عمله الذي عَمِله بعد قتل صاحبه، فلَمَا بفتح اللام مخففة وهي لام ابتداء وما موصولة وصلت الظرف بعدها، ولفظ الكبرى فما بينهما ما بين السماء والأرض، وفي رواية والذي نفسي بيده للذي بينهما أبعد ما بين السماء والأرض بينهما: أي بين الذي قُتل وبين الذي مات بعده بأيام من تفاوت الدرجات كما بين السماء والأرض، أي: مثل بُعد السماء التي بين السماء والأرض
قال في عون المعبود: قال في المجمع فإن قيل كيف يُفضل الزيادة عمله بلا شهادة على عمله معها؟ قلت قد عرف صلى الله عليه وسلم أن عمله بلا شهادة ساوى عمله معه بمزيد إخلاصه وخشوعه، ثم زاد عليه بما عمله بعده، كم من شهيدٍ لم يُدرك درجة الصديق، انتهى.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم، أحسن الله إليك.
شرح الشيخ: الظاهر يؤيد حديث المتآخيين، نعم.
قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا يزيد وهو بن زريع قال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أنه: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة على الميت: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيرنا وكبيرنا».
أخبرنا الهيثم بن أيوب قال: حدثنا إبراهيم وهو بن سعد قال: حدثنا أبي عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: «صليت خلف بن عباس رضي الله عنه على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال: سنة وحق».
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله قال: «صليت مع بن عباس رضي الله عنه على جنازة فسمعته يقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف أخذت بيده فسألته فقلت تقرأ؟ قال: نعم إنه حق وسنة».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن بن شهاب عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: «السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ثم يكبر ثلاثًا والتسليم عند الآخرة».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن بن شهاب عن محمد بن سويد الدمشقي عن الضحاك بن قيس الدمشقي بنحو ذلك.
شرح الشيخ: فيه مشروعية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وسورة إذا تأخر الإمام سورة قل هو الله أحد وغيرها.
قوله: سنة وحق، له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: سورة، يُشرع قراءة سورة قصيرة كالإخلاص مثلًا ولأنها صلاة الجنازة صلاة تدخل في عموم حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، فصاعدًا، والواجب الفاتحة وقوله: فصاعدًا مستحب كما بينت النصوص الأخرى، والحكمة من قوله جهر بن عباس جهر الحكمة إنه جهر للتعليم.
وأبو أمامة صحابي صغير كالحسن والحسين، وابن الربيع، وهذا من مراسيل الصحابة، وهو قول الجماهير وهو قول الإجماع، قال في ذلك بعض العلماء وهنا قوله عن الضحاك بن قيس بنحوه يعني مثل هذا شاهد، شاهد لأبي أمامة الضحاك بن قيس بن محمد بن سويد، محمد بن سويد يكون له أوهام كما بالتقريب.
الحديث دل على مشروعية قراءة الفاتحة وصلاة الجنازة في صلاة الجنازة سرًا، والتكبير بعدها ثلاثًا ثم التسليم، لكن ابن عباس جهر للتعليم.
قارئ المتن: فضل من صلى عليه مائة
أخبرنا سويد قال: حدثنا عبد الله عن سلام بن أبي مطيع الدمشقي عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يشفعون إلا شُفِّعوا فيه».
قال سلام فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال: حدثني به أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أنبأنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع لعائشة رضي الله عنها عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت أحد من المسلمين فيصلي عليه أمة من الناس فيبلغوا أن يكونوا مائة فيشفعوا إلا شفعوا فيه».
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا محمد بن سواء أبو الخطاب قال: حدثنا أبو بكار الحكم بن فروخ قال: «صلى بنا أبو المليح على جنازة فظننا أنه قد كبر، فأقبل علينا بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم قال أبو المليح: حدثني عبد الله وهو بن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شُفِّعوا فيه فسألت أبا المليح عن الأمة فقال: أربعون».
شرح الشيخ: وهذا الحديث رواه مسلم في الصحيح، وهذا من فضل الله على المؤمن، هذه الأحاديث مقيدة بالنصوص الأخرى الدالة على أن شرط المغفرة اجتناب الكبائر؛ لأن الكبائر لا بد لها من توبة، وإلا فهي تحت مشيئة الله، ذكر الشارح هنا ينبغي أن تكون الفاتحة أولى وأحسن من غيرها من الأدعية، ولا وجه للمنع عنها وعلى هذا كثير من محققين والعلماء إلا أنهم قالوا يقرأ بنية الدعاء والثناء، لا بنية القراءة، يعني: الأحناف السندي هذا قولٌ باطل مخالف للنصوص يقرأ بنية القراءة لا بنية الدعاء.
قارئ المتن: باب ثواب من صلى على جنازة
أخبرنا نوح بن حبيب قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى على جنازة فله قيراط، ومن انتظرها حتى توضع في اللحد فله قيراطان، والقيراطان مثل الجبلين العظيمين».
أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال: أنبأنا عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان، قيل وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين».
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر عن عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تبع جنازة رجل مسلم احتسابًا فصلى عليها ودفنها فله قيراطان، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر».
أخبرنا الحسن بن قزعة قال: حدثنا مسلمة بن علقمة قال: أنبأنا داود بن أبي هند عن عامر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تبع جنازة فصلى عليها ثم انصرف؛ فله قيراط من الأجر، ومن تبعها فصلى عليها ثم قعد حتى فرغ من دفنها؛ فله قيراطان من الأجر، كل واحد منهما أعظم من أحد».
شرح الشيخ: والحديث في الصحيحين، القيراط جزء من أربعة وعشرين جزءًا عند المصريين، وجزءاً من عشرين جزء عند الحجازيين.
قارئ المتن: الجلوس قبل أن توضع الجنازة:
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن هشام والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا من تبعها فلا يقعدن حتى توضع».
الوقوف للجنائز
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن يحيى عن واقد عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أنه ذكر القيام على الجنازة حتى توضع فقال علي بن أبي طالب: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد».
شرح الشيخ: في حديث أبي سعيد الأول أن النبي أمر بالقيام للجنازة، وفي حديث علي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد للجنازة بعد القيام لها، والقاعدة الأصولية عند الأصوليين في هذا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء ثم تركه، كان الأمر للاستحباب، والترك لبيان الجواز، وإذا نهى عن شيء ثم فعله، كان النهي للتنزيه لا للتحريم، والفعل لبيان الجواز"، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا، ثم شرب قائمًا لما أتى زمزم في حجة الوداع، وبعض العلماء قالوا بالنسخ كابن القيم رحمه الله تعالى قال الشرب قائمًا لا يجوز والقول بالنسخ قول ضعيف لأن لا يُلجأ إليه، لا يُلجأ إلى القول بالنسخ إلا بعد تعدد الجمع وبعد معرفة التاريخ، وهنا ممكن عملٌ بالحديثين كليهما، نعم.
قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني محمد بن المنكدر عن مسعود بن الحكم عن علي رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، ورأيناه قعد فقعدنا».
أخبرنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة فلما انتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير».
مواراة الشهيد في دمه
أخبرنا هناد عن بن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتلى أُحُد: «زملوهم بدمائهم فإنه ليس كَلمٌ يُكلَم في الله إلا يأتي يوم القيامة يَدمَى لونه لون الدم وريحه ريح المسك».
شرح الشيخ: يَدمَى فيه الوجهان، قال، دَمَى يَدمَى مثل رمى...دَمِيَ يَدمِي، مثل رَمَى يَرمِي، ودَمىَ يَدمَى مثل رَضَى يَرضَى.
قارئ المتن: أين يدفن الشهيد
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع قال: حدثنا سعيد بن السائب عن رجل يقال له عبيد الله بن معية قال: «أصيب رجلان من المسلمين يوم الطائف، فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يدفنا حيث أصيبا، وكان بن معية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أُحُد أن يُردوا إلى مصارعهم وكانوا قد نُقلوا إلى المدينة».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ادفنوا القتلى في مصارعهم».
شرح الشيخ: نبيح العنزي قال في التقريب: مقبول، لكن حاله أرفع من هذا الوصف، قال في التهذيب: وثقه العِجلي واثنان من أهل هذا الشأن.
الشيخ: تكلم عن نبيح العنزي عندك؟
الطالب: نبيح بن عبد الله العنزي بفتح المهمل والنون ثم زاي بن عمرو الكوفي ثقة، قال في التقريب قال وثقه جماعة كما سيأتي بعد، روى عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر.
الشيخ: في التقريب قال: مقبول، يعني ثقة أحسن، أرفع.
الطالب: قال أبو زُرعة ثقة، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس، وقال العِجلي: كوفي تابعي ثقة، ذكره ابن حِبان في الثقات، وذكره ابن المديني في جملة المجهولين الذين يروي عنهم الأسود بن قيس وصحح الترمذي حديثه وكذلك قال ابن خزيمة، وابن حِبان والحاكم، روى له الأربعة له في هذا الكتاب هذا الحديث فقط وأعاده بعده.
قارئ المتن: باب مواراة المشرك
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه قال: اذهب فوار أباك ولا تحدثن حدثًا حتى تأتيني فواريته ثم جئت فأمرني فاغتسلت ودعا لي وذكر دعاءً لم أحفظه».
شرح الشيخ: هذا الحديث ضعيف، في سنده أبي إسحاق السبيعي مدلس وفي متنه غرابة، حيث أمر علي بالاغتسال من مواراة المشرك، قد يحمل الإنسان النجاسة، ولا يؤمر بالاغتسال، لكن معنى الحديث من جهة مواراة المشرك صحيح، فإن المشرك يوارى ولا يُترك يؤذي الناس بنتنه، نتن جيفته، لكن المنكر الأمر بالاغتسال من مواراته.
الشيخ: ماذا قال عليه عندك؟ ضعيف؟ قال:
الطالب: قال الجامع عفا الله عنه الراجح عندي أنه يواريه لحديث الباب، قوله: ولا تحدثن حدثًا من الإحداث لا تفعلن شيئًا في رواية لأحمد....
الشيخ: لا، انظر أمر الاغتسال فقط.
الطالب: فاغتسلت: فيه الأمر بالاغتسال لدفن الكافر قد ترجم المصنف رحمه الله الغسل لمواراة الكافر ودعا لي وذكر دعاءً لم أحفظه أي ذكر أنه صلى الله عليه وسلم دعا دعاء لعلي رضي الله عنه لكنه لم يحفظه هو.
الشيخ: أين الترجمة أين هو، فقط في مواراة المشرك.
الطالب: في رواية أحمد المشهورة دعا لي بدعوات ما يسرني بهن حمر النعم وسودها، قال الجامع عفا الله عنه هذا الحديث صحيح ولا يضر فيه الكلام في ناجية لأنه لم ينفرد به وقد تابعه عليه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أخرجه أحمد وتمام الكلام عليه وعلى ما سيتقدم في أبواب الطهارة.
الشيخ: ما زال الإشكال، الإشكال في الاغتسال، الاغتسال من مواراته.
الطالب: ما تكلم.
قارئ المتن: اللحد والشق
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن سعد رضي الله عنه أنه قال: «ألحدوا لي لحدًا وانصبوا عليَّ نَصْبًا كما فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم».
أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا أبو عامر عن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد: «أن سعدًا رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: ألحدوا لي لحدًا وانصبوا علي نصبًا كما فُعِل برسول الله صلى الله عليه وسلم».
أخبرنا عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي عن حَكَّام بن سلم الرازي...
شرح الشيخ: حَكَّام، مقبول كما في التقريب حَكَّام.
قارئ المتن: عن حَكَّام بن سلم الرازي عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا والشق لغيرنا».
شرح الشيخ: فيه أن اللحد أفضل من الشق، وهذا الشق يُكره إلا إذا كانت الأرض رِخوة، لا يستمسك فلا بأس بالشق، لكن يشهد على هذا الحديث حديث أن في المدينة رجلين أحدهما يلحد والآخر يشق فكيف يقر من يشق؟ (اللحد لنا والشق لغيرنا) ما صار أثار الحديث في المدينة رجلين أحدهما يلحد والآخر يشق، يقول مجمع أهل الكتاب المراد تفضيل اللحد، وفي قول للعلماء أي لي، والجمع للتعظيم، صارت تلك معجزة وتم الاختيار وبهذا يكون تفضيلاً وليس بالشق، وثبت أن في المدينة رجلين أحدهما يلحد والآخر لا، ولو كان الشق منهي عنه لمنع صاحبه، قلت: ولكن في رواية أحمد الشق لأهل الكتاب والله أعلم؟
الطالب: قال الجامع عفا الله عنه: ومما يدل على تفضيل اللحد على الشق لا على تعيينه ما أخرجه أحمد وابن ماجة واللفظ له من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان في المدينة رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه، فأُرسِل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح.
وآخر لأحمد بسنده عن حسين بن عبد الله عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: لما أرادوا لحد النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة.
الشيخ: كان ماذا؟
الطالب: كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح.
الشيخ: يضرح؟
الطالب: نعم، يحفر الضريح وهو الشق في وسط القبر.
الشيخ: فقط.
الطالب: كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل يحفر لأهل المدينة فكان يلحد، فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة والآخر اذهب إلى أبي طلحة، اللهم خر لرسولك، قال: فوجد صاحب أبا طلحة أبي طلحة، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه حسين بن عبد الله قال فيه بن معين في رواية بن أبي مريم معنا ليس فيه بأس في حديثه، وقال أبو حاتم ضعيف وهو أحب إلي من حسين بن قيس يُكتب حديثه ولا يُحتج به.
قال ابن عَديّ: أحاديث تشبه بعضها بعضًا، وهو ممن يُكتب حديثه فإن لم أجد حديثه منكرًا قد جاوز المقدار وعفو آخرون لكن يشهد له حديث أنس الذي قبله في الحديث عند حسن والله أعلم.
وتقريره صلى الله عليه وسلم للرجلين حال حياته، هذا يلحد وهذا يشق دليل على أن كلًا من اللحد والشق جائزٌ بلا كراهة.
الشيخ: هذا أخذ من السندي، هذا كلام السندي.
الطالب: نعم، وإنما فُضِل اللحد لأن الله سبحانه وتعالى اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم فدل على أفضليته والله تعالى أعلم بالصواب.
قارئ المتن: باب ما يستحب من إعماق القبر
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد قالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: قدموا أكثرهم قرآنًا قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبرٍ واحد».
باب ما يستحب من توسيع القبر
أخبرنا محمد بن معمر قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت حميدًا وهو بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال: «لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين فأصاب الناس جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا وادفنوا الإثنين في القبر وقدموا أكثرهم قرآنًا».
شرح الشيخ: فيه جواز دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد عند الحاجة والمشقة، والحديث رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس، وقال: جُعل تحت رسول الله حين دُفن قطيفة حمراء، والذي وضع القطيفة هو شكران مولى رسول الله وتركه الصحابة، كما في الحديث الذي بعده.
قارئ المتن: وضع الثوب في اللحد
أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد وهو بن زريع قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة عن بن عباس قال: «جُعِل تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دُفن قطيفة حمراء».
شرح الشيخ: هَذَا يَدُلَّ على أنه شق للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أخرجوها.
قارئ المتن: الساعات التي نهى عن إقبار الموتى فيهن:
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ونقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب».
أخبرني عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي قال: حدثنا حجاج قال: بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا رضي الله عنه يقول: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر رجلًا من أصحابه مات فقُبِر ليلًا وكُفِن في كفن غير طائل فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلًا إلا أن يُضطر إلى ذلك».
شرح الشيخ: سبق أنه محمول إذا كان في تقصير في حق الميت في تكفينه أو تغسيله، وفي الحديث كُفِن في كفن غير طائل وإن لم يحصل له شيء من ذلك فلا بأس كما سبق في الحديث في الرجل الذي يقم المسجد دفن أبي بكر ليلًا، أما الوقتان الطويلان بعد العصر وبعد الفجر لا تقبر فيهما الموتى تفعل في هذه الساعات كذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الضحى أما الأوقات القصيرة فهي المنهي عنها حين طلوع الشمس وحين غروبها وحين يقوم قائم الظهيرة.
قارئ المتن: دفن الجماعة في القبر الواحد
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: «لما كان يوم أحد أصاب الناس جهد شديد فقال: النبي صلى الله عليه وسلم احفروا واوسعوا وادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر، فقالوا: يا رسول الله، فمن نقدم قال: قدموا أكثرهم قرآنًا».
أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: أنبأنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه رضي الله عنه قال: «اشتد الجراح يوم أحد فشُكي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احفروا واوسعوا وأحسنوا وادفنوا في القبر الإثنين والثلاثة وقدموا أكثرهم قرآنًا».
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن حميد بن هلال عن أبي الدهماء عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «احفروا وأحسنوا وادفنوا الإثنين والثلاثة وقدموا أكثرهم قرآنًا».
من يقدم
حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: قتل أبي يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الإثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآنا فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآنًا فقدم».
إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه
قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن سفيان قال: سمع عمرو جابر رضي الله عنه يقول: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي بعدما أدخل قبره فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم».
أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر رضي الله عنه يقول: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعبد الله بن أُبي فأخرج من قبره فوضع رأسه على ركبتيه فتفل فيه من ريقه وألبسه قميصه قال جابر: وصلى عليه والله أعلم».
شرح الشيخ: سبق وأن هذا فعله النبي من باب التأليف للأنصار والأوس ولابنه عبد الله، إنه من خواص المؤمنين، قبل أن يُنهى عن ذلك، فلما نزلت الآية: {لَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] لم يصل بعد ذلك عليهم.
قارئ المتن: باب إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه
أخبرنا العباس بن عبد العظيم عن سعيد بن عامر عن شعبة عن بن أبي نجيح عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: «دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة».
شرح الشيخ: عند الحاجة لأن الحاجة دعت لأنه يوضع مع غيره.
قارئ المتن: الصلاة على القبر
أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت: «أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى قبرًا جديدًا قال: ما هذا قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت ظهرًا وأنت نائم قائل فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعًا ثم قال: لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة».
شرح الشيخ: فيه مشروعية الصلاة على القبر، وفي الحديث جواز إخراج الميت من قبره والدفن في مكان آخر عند الحاجة، كما ذكرنا عن الآخر في القبر لو كانت الأرض رخوة أو كان بجوار عصاة ولهذا جابر أخرج أباه ودفنه في قبر مستقل.
قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد عن شعبة عن سليمان الشيباني عن الشعبي قال: «أخبرني من مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ فأمهم وصف خلفه قلت من هو يا أبا عمرو قال: ابن عباس رضي الله عنهما».
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: الشيباني أنبأنا عن الشعبي قال: «أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ منتبذٍ فصلى عليه وصف أصحابه خلفه قيل من حدثك قال: بن عباس رضي الله عنهما».
أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن قال: حدثنا زيد بن علي وهو أبو أسامة، قال: حدثنا جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعدما دفنت».
الركوب بعد الفراغ من الجنازة
شرح الشيخ: هذا دليل على جواز الصلاة على القبر.
قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو نعيم ويحيى بن آدم قالا: حدثنا مالك بن مغول عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى على جنازة بن الدحداح فلما رجع أُتى بفرس معرور فركبه ومشينا معه».
شرح الشيخ: وهذا يعني ليس عليه شيء فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ركب على فرس عري ما عليه شيء، فيه جواز الركوب بعد الفراغ من الجنازة والمشي الأمر في هذا واسع، قد يقال المشي أفضل وقد يقال يعني الأمر مباح في هذا على حسب ما يتيسر للإنسان.
قارئ المتن: الزيادة على القبر
أخبرنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا حفص عن بن جريج عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص زاد سليمان بن موسى أو يكتب عليه».
شرح الشيخ: والحديث أخرجه مسلم بدون زيادة ويجصص أو يكتب عليه، هو دليل على أنه لا يُزاد على تراب القبر الذي حُفِر.
قارئ المتن: البناء على القبر
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن بن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر رضي الله عنه يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد».
شرح الشيخ: تقصيص يعني بناءها بالقص أو الجص، والحديث دليل على المنع من تجصيص القبر والبناء عليه والجلوس عليه.
قارئ المتن: تجصيص القبور
أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور».
باب تسوية القبور إذا رفعت
أخبرنا سليمان بن داود قال: أخبرنا بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شُفَيّ حدثه قال: «كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفي صاحبٌ لنا فأمر فضالة بقبره فسوى ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان عن حبيب عن أبي وائل عن أبي الهياج قال: قال علي رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدعن قبرًا مشرفًا إلا سويته ولا صورة في بيت إلا طمستها».
شرح الشيخ: الحديث دليل على تسوية القبر المشرف.. المرفوع، وعلى وجوب طمس الصورة وهي نكرة في سياق النفي طمس كل صورة، ولا يتم استعمالها إلا ما دعت الضرورة إليه.
قارئ المتن: زيارة القبور
أخبرني محمد بن آدم عن بن فضيل عن أبي سنان عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فامسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سِقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرًا».
أخبرني محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن أبي فروة عن المغيرة بن سبيع قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه: «أنه كان في مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثًا فكلوا وأطعموا وادخروا ما بدا لكم، وذكرت لكم أن لا تنتبذوا في الظروف الدباء والمزفت والنقير والحنتم انتبذوا فيما رأيتم واجتنبوا كل مسكر، ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور قبرًا فليزر ولا تقولوا هجرًا».
شرح الشيخ: الحديث جمع بين النسخ والمنسوخ، نسخ النهي عن زيارة القبور، ونسخ النهي اتخاذ لحوم الأضاحي فوق ثلاثاً ونسخ النهي عن الانتباذ في الظروف إلا في سِقاء، نُهي أولًا ثم رُخِص مرة ثانية.
قارئ المتن: زيارة قبر المشرك
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت».
النهي عن الاستغفار للمشركين
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد وهو بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالله أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]، ونزلت: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]
أخبرنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال: «سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان فقال: أولم يستغفر إبراهيم لأبيه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114]
شرح الشيخ: في هذا الحديث من الفوائد النهي عن الاستغفار للمشركين، وفيه أن الرسول بشر لا ينفع ولا يضر، وإنما الذي ينفع ويضر هو الله، وإلا لهدى عمه، ولهذا صار مثلًا يُقال النبي ما هدى عمه، وفيه أن الرسول بشر لا يُعبد، العبادة حق الله، فيه تأثير قرناء السوء، لأن أبا طالب مات على الكفر أثر عليه قرناء السوء، فيه جواز عيادة المشرك إذا كان يُرجى إسلامه، فيه الرد على من قال إن أبا طالب أحياه الله، فأسلم أو أن أبوي رسول الله أحياهما الله فأسلما، مات على دين أهل الجاهلية.
قارئ المتن: الأمر بالاستغفار للمؤمنين
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن بن جريج قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة رضي الله عنه تحدث قالت: «ألا أحدثكم عني وعن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي تعني: النبي صلى الله عليه وسلم، انقلب فوضع نعليه عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويدًا، وأخذ رداءه رويدًا، ثم فتح الباب رويدًا وخرج رويدًا، وجعلت درعي في رأسي، واختمرت وتقنعت إزاري وانطلقت في إثره حتى جاء البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات فأطال ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، وسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: مالك يا عائشة حشيا رابية قالت: لا، قال: لتُخبِرِنِّي أو ليُخبِرَنِّي اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فأخبرته الخبر قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي قلت: نعم، فلهذني في صدري لهذة أوجعتني ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت ولم يدخل عليك وقد وضعت ثيابك فناداني فأخفى منك فأجبته، فأخفيته منك، وظننت أنك قد رقدت، وكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم، قلت: كيف أقول يا رسول الله قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»
شرح الشيخ: وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، فيه أنه دعا رفع يديه رفع اليدين عند الدعاء في المقبرة ثلاث مرات، ونهذني يعني دفعني، الحيف يحيف الله الحيف الجور، ظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه من الغيرة أصابتها، وفيه الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وهذا في وقت جواز زيارة النساء للمقابر لأنها زارت معه هذا قبل النهي.
- إن الأحوال ثلاثة:
الأولى: المنع للرجال والنساء.
الثانية: الجواز للرجال والنساء، كما في حديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور الآن فزوروها».
الثالثة: منع النساء فقطمن الزيارة كما في حديث: «لعن الله زوارات القبور».
قارئ المتن: أخبرني محمد بن سلمة والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم أنصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئًا حتى أصبحت ثم ذكرت ذلك له فقال: إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم».
شرح الشيخ: وهذا قصة أخرى، غير قصتها.
قارئ المتن: أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا وإياكم متواعدون غدًا ومتواكلون».
الشيخ: عندك ومتواكلون؟ تكلم عليها الشارح؟
الطالب: (03:09:50)
الشيخ: هذا كلام السندي متواعدون غدًا يكون كل منا وعد صاحبه هذا يوم القيامة، هم مواكلون الشفاعة والشهادة.
الطالب: أو متواكلون يا شيخ؟
الشيخ: إنا وإياكم متواعدون غدًا أو مواكلون.
الطالب: وإنا وإياكم متواعدون غدًا أو مواكلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد.
الشيخ: وإنا إن شاء الله للتبرك أو بالنسبة للبقعة.
قارئ المتن: أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا حرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع أسأل الله العافية لنا ولكم».
أخبرنا سعيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له».
أخبرنا أبو داود قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن صالح عن بن شهاب قال: حدثني أبو سلمة وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: استغفروا لأخيكم».
التغليظ في اتخاذ السرج على القبور
شرح الشيخ: في مسلم في الاسناد عن صالح بدل أبي صالح، وهو صالح بن أبي كيسان، وهو الذي يروي عن الزهري، أما أبو صالح هو السمَّان، لا يروي عن الزهري.
قارئ المتن: التغليظ في اتخاذ السرج على القبور:
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن بن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».
شرح الشيخ: أبو صالح قيل هو باذان وهو ضعيف، أما إذا كان أبو صالح السمان فالحديث صحيح لأنه ثقة، هناك أبو صالح باذان يعرف من الشيوخ والتلاميذ والحديث أخرجه مسلم، نبه عليه؟ ماذا يقول؟
الطالب: (3:12:40)
الشيخ: أين؟ هذا الحديث الأول؟
الطالب: وقع في نسخ المجتبي عن ابن صالح وهو غلط فادح والصواب أبو صالح.
الشيخ: هو يروي عن ابن شهاب؟ أبو صالح؟ إذا الصواب الأول، والثاني؟ أبو صالح باذان، عن أبي صالح السند الذي بعد «والمتخذين عليها المساجد والسرج».
الطالب: أبو صالح باذان بالدال المعجمة يقال: آخره نون، أبي طالب ضعيف مدلس، قال ابن المدين عن القطان لما أرى أحد من أصحابنا تركه وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، قال فيه كلام طويل.
شرح الشيخ: الحديث فيه تحريم اتخاذ السراج القبور وتحريم اتخاذ المساجد، الحديث أخرجه مسلم.
الطالب: حديث ابن عباس ضعيف من أجل أبي صالح باذان.
الشيخ: وهذا السند أخرجه مسلم؟
الطالب: أخرجه أحمد.
الشيخ: ما في أخرجه مسلم؟
الطالب: لا.
الشيخ: يعني ضعيف؟ قد يكون له شواهد أخرى.
قارئ المتن: التشديد في الجلوس على القبور
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع عن سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خيرٌ له من أن يجلس على قبر».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب قال: حدثنا الليث قال: حدثنا خالد عن بن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي عن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقعدوا على القبور».
شرح الشيخ: والحديث أخرجه مسلم وفيه بالباب عن أبي مرثد الغنوي «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، أخرجه مسلم في صحيحه.
قارئ المتن: اتخاذ القبور مساجد
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا خالد بن الحرث قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة
شرح الشيخ: صاعقة: هذا لقب له، لقب محمد بن عبد الرحيم، لقبه الصاعقة.
قارئ المتن: قال: أخبرنا أبو سلمة الخزاعي قال: حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن الهادي عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
شرح الشيخ: فيه تحريم اتخاذ القبور مساجد، وهو من الكبائر، ومن وسائل الشرك.
قارئ المتن: كراهية في المشي بين القبور في النعال السِبتية
شرح الشيخ: وهي التي ليس فيها شعر.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا وكيع عن الأسود بن شيبان وكان ثقة عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك عن بشير بن الخصاصية قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شرًا كثيرًا ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا فحانت منه التفاتة فرأى رجلًا يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السِبتيتين ألقهما».
التسهيل في غير السِبتية
أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم».
شرح الشيخ: ليس في حديث المشي بين القبور، هنا بل إنهم إذا تولوا من طرف المقبرة لا يمشوا بين القبور، الغالب أن الميت يُدفن في طرف المقبرة، التسهيل في غير السبتية ما في ذكر للسبتية في الحديث الأخير، الترجمة تأتي أن غير السبتية أولى لأنها تحمل الأذى ثم أيضًا كون النهي عن السبتية بيان لواقع لا ينفي الحكم عما عداها، الحديث الثاني ليس فيه أنها غير السبتية، بل موصوف بالنعال، كيف توصف بذلك؟ ماذا قال عندك عنها، لقد قال السندي: إن قوله: (إنه ليسمع قرع نعالهم) يدل على جواز المشي في المقابر.
الطالب: قال: وإنه ليسمع قرع نعالهم أي تصويت وهذا محل استدلال المصنف على ترجمة لكن في استدلاله به نظر لأنه لا يستلزم أن يكون قرع النعال على القبور بل الظاهر أنه بعد توليهم عنه وأصرح منه ما أخرجه البزار وابن حبان في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا تولوا مدبرين». قد تقدم تمام البحث في الحديث الماضي.
شرح الشيخ: لكن السبتية الآن الأول فيه كراهة السبتية، والثاني التسهيل في السبتية، الأول فيه النهي عن السبتية لا بأس.
الطالب: في خلاف أهل العلم حكم المشي بين القبور في النعال: قال ابن قدامة رحمه الله في المغني قال أحمد إسناد حديث بشير خصاصية جيد نذهب إليه إلا من علة وتقدم أن صاحب الحاوي من الشافعية قال بمثله وذهب المصنف رحمه الله تعالى إلى أن النهي عن المشي بين القبور بالنعال خاص بالسبتيتين فقط جمعًا بين حديث الباب وحديث الباب التالي وبنحو قوله هذا قال محمد بن حزم رحمه الله تعالى فقال في كتابه المُحلى، لا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وساق حديث الباب من طريق المصنف بلفظه، وساقه أيضًا من طريق سليمان بن حرب عن أسلم بن شيبان كما تقدم قال إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك، قال فإن قيل هلا منعتم من كل نعلٍ لعموم قوله فاخلع نعليك قلنا منع من ذلك وجهان:
أحدهما: أنه عليه الصلاة والسلام إنما دعا صاحب السبتيتين بنص كلامه ثم أمره بخلع نعليه.
والثاني: ما حدثنا عبد الله بن الربيع ثم ساق حديث الباب التالي من طريق المصنف، وقال هذا إخبار إنه عليه الصلاة والسلام بما يكون بعده أن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة، ولم ينه عنه والأخبار لا تُنسخ أصلًا فصح إباحة لباس النعال في المقابر ووجب استثناء السبتية منها لنصه عليه الصلاة والسلام، انتهى.
وذهب الجمهور إلى عدم كراهة لبس النعال مطلقًا محتجين بحديث أنس رضي الله عنه الآتي في الباب التالي، وأجابوا عن حديث الباب بأنه إنما أمر بالخلع لاحتمال أن يكون بهما قذر، أو لاختياله بهما؛ لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترف والتنعم، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخول المقابر على زي التواضع.
قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح عندي ألا يُمشى بين القبور بالنعال مطلقًا لعموم النص، وأما ما ذهب إليه المصنف وابن حزم بتخصيص السِبتية تعلقًا بلفظ يا صاحب السِبتيتين، فجعل علة النهي كونهما سبتيتين ففيه نظرٌ لا يخفى؛ لأن الظاهر أن العلة كونهما نعلين لا سِبتيتين لأنه صلى الله عليه وسلم علق الأمر بهما حيث قال فاخلع نعليك وهو أقرب علة مذكورة مع الحكم فالعدول عنها إلى التعليل بالسبتية عدولٌ إلى خلاف الظاهر.
وما ذكره ابن حزم من الوجهين للمنع عن التعليل به، ففيه بُعدٌ. فتبصّر.
وأما ما أوّل به الجمهور، من أن أمره صلى اللَّه عليه وسلم بالخلع لاحتمال أنه كان بهما قَذَر، فبعيد؛ لأنه ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم أمره من رأى القذر في نعليه أن يمسح نعليه، ويصلي بهما، ولا يخلعهما، فكيف يأمره هنا بالخلع لذلك. وكذا قولهم: إنما أمره بذلك لاختياله، لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترفّه والتنعّم غير صحيح؛ لأنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية، كما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
وأما استدلالهم على جواز المشي بالنعال بين القبور مطلقًا بحديث أنس الآتي في الباب التالي: «إنه ليسمع قرع نعالهم»، ففيه نظر لا يخفى أيضًا، إذ يبعده قوله: «وتولَّى عنه أصحابه»، إذ نصّ الحديث: «إذا وُضع الميت في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم»، فظاهره كون لبسهم النعال عند توليهم عن دفنه، لا بين القبور، فلا يصلح الاستدلال به على الجواز.
والحاصل أن الأرجح ألا تُلبَس النعال مطلقًا بين القبور، إلا للضرورة، فأما إذا دعت ضرورة إلى ذلك، بأن كانت الأرض ذات شوك، أو حرارة، أو نحوهما فلا ينهى عنه، لقول اللَّه تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام/119]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
قارئ المتن: المسألة في القبر
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة قال: أنبأنا أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال: فيأتيه ملكان يقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعًا».
شرح الشيخ: فيه العبرة العظيمة كونه يرى ببصره الضعيف مكانه من الجنة، ومكانه من النار.
قارئ المتن: مسألة الكافر
أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال: له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا خيرًا منه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعًا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول كما يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين».
شرح الشيخ: قوله: (لا دريت)، يعني: لا علمت الحق بنفسك، (ولا تليت)، ولا تبعت من يعلم الحق ويعمل به، ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة:121]، يعني يتبعونه حق اتباعه، وفيه العبرة والعظة العظيمة في سمع البهائم صياح الميت وعذابه وعدم سماع الثقلين له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كانوا إذا وجعت الخيول بطونها ذهبوا بها إلى مقبرة اليهود لتسمع عذابها فتمشي بطونها وتصح أجسامها علاج، يأخذون الخيل يذهبون بها إلى قبور اليهود الذين يعذبون تسمع فتمشي بطونها، ويكون هذا علاج لها تستصح أجسادها.
قارئ المتن: من قتله بطنه
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد عن شعبة قال: أخبرني جامع بن شداد قال: سمعت عبد الله بن يسار قال: «كنت جالسًا مع سليمان بن صرد وخالد بن عرفطة فذكروا رجلا توفى مات ببطنه وإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته فقال: أحدهما للآخر ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره فقال الآخر: بلى».
شرح الشيخ: عبد الله بن يسار مقبول لكن الحديث له شواهد، وهذا جيد وهو دليل على أن من يموت بالبطن لا يُعذب في قبره، وهو شهيد كما دلت الأحاديث التي بعده.
قارئ المتن: الشهيد
أخبرنا إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج عن ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن صفوان بن عمرو حدثه عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: «يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة».
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن التيمي عن أبي عثمان عن عامر بن مالك عن صفوان بن أمية قال: «الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة» قال: حدثنا أبو عثمان مرارًا ورفعه مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح الشيخ: يفتنون في قبورهم يعني يمتحنون، ويُسألوا عن ربهم ودبنهم ونبيهم إلا الشهيد، فإنه لا يفتن في قبره الشهيد، وهذا الأخير يدل على أن هؤلاء الأربعة لهم فضل الشهادة (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء)، لكن يغسلون ويصلى عليهم وإن كانت الشهادة تتفاضل شهيد المعركة أفضل من هؤلاء، والثلاثة الطاعن والمبطون والغريق لهم أدلة أخرى معنى أيضًا فإن المعنى يدل الحديث في ذلك النفساء، لما يصيبها من الآلام الشديدة.
قارئ المتن: ضمة القبر وضغطته
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال: حدثنا بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه».
شرح الشيخ: وهو سعد بن معاذ، فيه أن الضمة لا ينجو منها أحد.
قارئ المتن: عذاب القبر
أخبرنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبيه عن خيثمة عن البراء قال: «{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر».
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربك فيقول: ربي الله وديني دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم فذاك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم: 27]».
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن حميد عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتًا من قبر فقال: متى مات هذا؟ قالوا: مات في الجاهلية فسر بذلك وقال: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر».
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس فسمع صوتًا فقال: يهود تعذب في قبورها».
شرح الشيخ: عمرو بن أبي جحيفة، وأبوه والبراء بن عازب، في هذا الحديث فيه لطيفة، هذه رواية ثلاثة من الصحابة في سطر واحد، وهم أبو جحيفة، والبراء، وأبي أيوب.
قارئ المتن: التعوذ من عذاب القبر
أخبرنا يحيى بن درست قال: حدثنا أبو إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال».
أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود عن عمرو عن بن وهب قال: حدثنا يونس عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر».
شرح الشيخ: عذاب القبر في القرآن: {نَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، ذلك الآية ذكر الله تعالى أن الكفار يضربون أدبارهم الملائكة، الآية:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال: 50]، وكذلك في السنة متواتر الحديث، ما أنكرها بعد أن تقوم عليه الحجة كفر بعذاب القبر ونعيمه.
قارئ المتن: أخبرنا سليمان بن داود عن بن وهب قال: أخبرني يونس بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر تقول: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني أن بارك الله لك ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر قوله؟ قال: قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة الدجال».
شرح الشيخ: الناس لذكر الفتنة ضجوا: صاحوا.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزبير عن طاووس عن عبد الله بن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات».
أخبرنا سليمان بن داود عن بن وهب قال: أخبرني يونس عن بن شهاب قال: حدثني عروة أن عائشة قالت: «دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما تفتن اليهود، قالت عائشة: فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أوحى إلي أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر».
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال وقال: إنكم تفتنون في قبوركم».
أخبرنا هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة قالت: «دخلت يهودية عليها فاستوهبتها شيئًا فوهبت لها عائشة فقالت: أجارك الله من عذاب القبر قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنهم ليعذبون في قبورهم عذابًا تسمعه البهائم».
أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: «دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما فخرجتا ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن عجوزتين من عجوز يهود المدينة قالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم قال: صدقتا إنهم يعذبون عذابًا تسمعه البهائم كلها فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر».
شرح الشيخ: نعم فيه إثبات عذاب القبر، وقولها أَنعم: بفتح الهمزة من الثلاثي نعم أي لم تطب نفسي بذلك، وبضم الهمزة أُنعم من الرباعي أي لم أُنعم بتصديقهما، الثاني هو الأظهر من الرباعي أُنعِم.
قارئ المتن: وضع الجريدة على القبر
أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن بن عباس قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان مكة أو المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو إلى أن تيبسا».
أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن بن عباس قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: فلعلهما أن يخفف عنهما ما لم تيبسا».
شرح الشيخ: فيه إثبات عذاب القبر، وفيه أن عدم التحرز من البول والنميمة من الكبائر، أما وضع الجريدة على القبر فهذا خاص بالنبي على الصحيح، فعلها بعض السلف اجتهاد.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار حتى يبعثه الله عز وجل يوم القيامة».
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله يحدث عن نافع عن بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي فإن كان من أهل النار قيل هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة».
أخبرنا محمد بن سلمة والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن بن القاسم قال: حدثني مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة»
شرح الشيخ: هذا يجب الحذر وأخذ العبرة، هذا القبر الصغير يعرض عليه مقعده من الجنة ومقعده من النار.
قارئ المتن: أرواح المؤمنين
أخبرنا قتيبة عن مالك عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة».
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: «كنا مع عمر بين مكة والمدينة أخذ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس قال هذا مصرع فلان إن شاء الله غدًا قال عمر: والذي بعثه بالحق ما أخطؤوا تلك، فجعلوا في بئر فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فنادى يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا فإني وجدت ما وعدني الله حقًا قال عمر: تكلم أجسادًا لا أرواح فيها؟! فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم».
شرح الشيخ: حديث (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة) هذا الحديث رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن عبد الرحمن عن كعب عن النبي، مسلسل بالأئمة، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجع إلى جسده يوم يبعثه»، وهذا سند عظيم مسلسل بالأئمة وهو يدل على أن روح المؤمن تأخذ في شكل طائر تنعم في الجنة ولها صلة بالجسد ترجع إليه عند السؤال حين يوضع في قبره عند ذكر الجماعة وعندما شاء الله، أما الشهيد فإن روحه تتنعم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وتجد أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل معلقة بالعرش كما جاء في الحديث تكون تنعم روح الشهيد أكثر تنعم من سائر المؤمنين
قارئ المتن: أخبرنا سويد بن نصر المروزي قال: أخبرنا عبد الله عن حميد عن أنس قال: «سمع المسلمون من الليل ببئر بدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ينادي يا أبا جهل بن هشام، يا شيبة بن ربيعة، يا عتبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا قالوا: يا رسول الله، أتنادي قومًا قد جيفوا؟! فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا».
شرح الشيخ: وهذا مستثنى من قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، هؤلاء يستثنى سمع الميت قرع نعال الموالين، وسم أهل بئر بدر مستثنى، الأصل في الميت لا يسمع.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن آدم قال: حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا وقال: إنهم ليسمعون الآن ما أقول فذكر ذلك لعائشة فقالت: وهل بن عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] حتى قرأت الآية».
شرح الشيخ: وَهِل بكسر الهاء بمعنى غلط، بعض الأحيان ينفرد ابن عمر كما سبق، ورواه أيضًا أبو طلحة وابن مسعود، والصواب أن ابن عمر لم يغلط، ولكن عائشة هي التي غلطت، وعائشة مع فقهها العظيم لها أغلاط منها هذا الموضع، احتجت بالآية، والصواب أنها خاص، والآية عام، ويستثنى من السمع القريب أهل بدر كما يستثنى سمع الميت قرع نعال مشيعيه، كما غلطت في إنكارها تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، واحتجت بالآية {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىِ} [الزمر: 7]، والصواب أن الحديث خاص والآية عامة كما سبق، كما أنكرت قطع المرأة صلاة المصلي إذا مرت بين يديه من غير سترة، قالت: شبهتمونا بالكلاب والحمير، احتجت بصلاة النبي وهي أمامه على السرير، وهذا ليس بمرور، إنما الممنوع المرور بين يدي المصلي.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة عن مالك ومغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بنى آدم وفي حديث مغيرة كل بن آدم يأكله يعني التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب».
شرح الشيخ: وهو العصعص: آخر فقرة في العمود الفقري وهو عضم صغير، هذا لا يبلى، والباقي يبلى، ومنه يركب.
قارئ المتن: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا شعيب بن الليث قال: حدثنا الليث عن بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: كذبني بن آدم ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، وشتمني بن آدم ولم يكن ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياى فقوله: إني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز عليَّ من أوله، وأما شتمه إياى فقوله: اتخذ الله ولدًا وأنا الله الأحد، الله الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد».
شرح الشيخ: وهذا حديث قدسي، وهذا الله تعالى ما يضره أحد من خلقه كذبه ربه شتمه ما يضره أحد من خلقه، ولكنه يؤذيه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57]، والأذى ما يلزم منه المضرة.
قارئ المتن: أخبرنا كثير بن عبيد قال: حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال: لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدًا من خلقه قال: ففعل أهله ذلك فقال: الله لكل من أخذ منه شيئًا أد ما أخذت فإذا هو قائم قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك؛ فغفر الله له».
أخبرني إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن خراش عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال: لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم أذروني في البحر فإن الله يقدر عليّ لم يغفر لي قال: فأمر الله الملائكة فتلقت روحه فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب ما فعلت إلا من مخافتك؛ فغفر الله له».
شرح الشيخ: هذا الحديث في الصحيحين قصة الرجل هذا في الصحيحين ورواها أصحاب السنن والمسانيد حديث معروف، وهو دليل على أن الإنسان إذا خفي عليه بعض الدقائق الأمور الدقيقة وأنكره جهلًا لا تعمدًا ولا عنادًا فإنه يكون معذورًا.
هذا الرجل أنكر بعض التفاصيل التي تكون لكمال القدرة جهلًا يعني هو ما أنكر البعث، ولا أنكر قدرة الله، لكن ظن أنه إذا اُحرق وسُحق أنه يفوت على الله، وهو مؤمن بقدرة الله، ومؤمن بالبعث، لكن ظن أنه إذا أُحرق وسُحق يفوت على الله، والذي حمله على ذلك ليس العناد وإنما الجهل مع الخوف، فحمله على ذلك يعني على ما فعل خوفه العظيم من الله؛ فغفر الله له، وليس الإنسان يتعلق بهذا الحديث ويسترسل في المعاصي، اتكالا على رحمة الله هذا أمر خاص في الأمور الدقيقة يفعلها الإنسان بغير تعمد.
بعض العلماء قال: هذا في شرع من قبلنا والصواب كما حقق ذلك أبو العباس بن تيمية وغيره أن هذا من الأمور الدقيقة التي أنكرها وهو لم يتعمد وإنما حمله على ذلك الجهل والخوف العظيم، فهو لم ينكر البعث من الأساس، ولم ينكر القدرة، وإنما ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة أنه يفوت على الله، ولهذا أمر الله البحر فجمع ما فيه، والبر جمع ما فيه، وقال له قم فإذا هو قائم، فقال الله: ما حملك على هذا؟ قال: مخافتك، فغفر الله له، وفق الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، وصلى الله على محمد، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.