بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قارئ المتن: وبأسانيدكم حفظكم الله إلى الإمام النسائي رحمه الله قال:
باب ثواب من صام يومًا في سبيل الله عز وجل، وذكر الاختلاف على سهيل بن أبي صالح في الخبر في ذلك.
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني أنس عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله عز وجل زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفًا».
أخبرنا داود بن سليمان بن حفصٍ، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن سهيلٍ، عن المقبري عن أبي سعيد الخدري رضيَّ الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار بذلك اليوم سبعين خريفًا».
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، قال: أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله عز وجل وجهه عن النار سبعين خريفًا».
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة عن سهيل عن صفوان، عن أبي سعيد رضيَّ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله عز وجل باعد الله وجهه من جهنم سبعين عامًا».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب قال: أنبأنا الليث عن ابن الهاد عن سهيلٍ، عن ابن أبي عياش عن أبي سعيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله عز وجل إلا بعد الله عز وجل بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا».
أخبرنا الحسن بن قزعة، عن حميد بن الأسود، قال: حدثنا سهيل عن النعمان بن أبي عياش، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضيَّ الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام يومًا في سبيل الله عز وجل باعده الله عن النار سبعين خريفًا».
أخبرنا مؤمل بن إهاب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، وسهيل بن أبي صالح، أنهما سمعا النعمان بن أبي عياش، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام يومًا في سبيل الله تبارك وتعالى باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا».
شرح الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: ...
قبل الكلام على هذا الحديث في آخر الدرس الماضي، تكلم المؤلف عن أبي معشر، وهو زياد بن كليب، وقال: إنه ثقة، قال: إنه ضعيف، ومع ضعفه قد اختلط عنده أحاديث، وذكر منها أحاديث بما بين المشرق والمغرب القبلة، وأحاديث لا تقطعوا اللحم بالسكين، ولكنها ينهسها نهساً.
الإخوان جمعا البحث في هذا، أما حديث «ما بين المشرق والمغرب» فَإِنَّهُ رويَّ موقوفًا ورويَّ مرفوعًا، وفيه كلام لأهل العلم، وأما حديث: «لا تقطعوا اللحم بالسكين»، فهو حديث ضعيف وله شواهد ضعيفة، ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتزَّ من لحم في الصحيحين من الكتف، فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ.
ومن العلماء من قال: قوله «لا تقطعوا اللحم بالسكين» مع الشواهد، قال المراد مع الشواهد، قال المراد الاستحباب، وأن ينهس نهساً، الاستحباب إذا تيسر، قال بعضهم النهي محمول على التشبه بالأعاجم.
المقصود: منه أن الحديث الضعيف، وأن القطع بالسكين ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم احتزَّ.
كذلك حديث «ما بين المشرق والمغرب قِبلة» رويَّ مرفوعًا ورويَّ موقوفًا، أما هذا الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام يومًا في سبيل الله عزَّ وجل زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»؛ يعني سبعين سنة، والخريف هو ما قال الشُرَّاح في النهاية: معناه أنه أبعد نفسه عن النار مسافةً تُقطع في سبعين سنة؛ لأنه كلما مر خريف انقضت سنة.
قال التربشتي: كانت العرب تؤرخ أعوامها بالخريف؛ لأنه كان أوان جِدادهم وقطافهم، والخريف وقت ثمر النخل، في الصيف جِذاذ النخل واقتناء العنب وغيره، فكانت العرب تؤرخ أعوامها بالخريف، سبعين خريفًا أي سبعين سنة؛ لأنه كان أوان جِدادهم وإدراك غلاتهم، وكان الأمر على هذا حتى أرخَّ عمر رضيَّ الله عنه السنة بالهجرة، اجتمع الصحابة وأرخوا بالهجرة.
واتفقوا على أن تكون بدأ السنة من المحرم، واختلف العلماء في قوله في سبيل الله «من صام يومًا في سبيل الله»؛ الجمهور وهو الصواب: المراد بسبيل الله أي في طاعة الله، والإخلاص له، «من صام يومًا في سبيل الله »؛ يعني في طاعة الله والإخلاص له.
وقيل المراد في الجهاد والقتال، لكن الأرجح، كما قال الجمهور، هو الذي عليه الجمهور، أن المراد في طاعة الله؛ لأن الجهاد والقتال، مأمورٌ فيه بالفطر، ليتقوى على قتال الأعداء، ما في صوم، كما قال النبي في سفر مكة: إنكم ملاقوا عدوكم والفطر أقوى لكم، اللهم إلا أن يكون مرابطًا في ثغر من الثغور فيصوم في وقت القتال.
وقوله: «باعد الله جهنم سبعين خريفًا»، هذا فضل عظيم، يعني هذا الفضل يعني أعلى مما ورد بأنه من فعل كذا نجا من النار ودخل الجنة، هذا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا، وهذا الثواب مقيد عند الجمهور باجتناب الكبائر، لكن الشارع الحكيم يُطلِق في بعض النصوص للترغيب في فعل الخير، ويقيد في البعض الآخر، فيحمل المطلق على المقيد، إذا كانت الفرائض وهي الصلوات الخمس والجمعة وردت مقيدة لا تُكَفَّر الخطايا إلا باجتناب الكبائر، فهذا من باب أولى، قال عليه الصلاة والسلام: «والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
إذا كان مُصِر على الكبائر، صام في سبيل الله، لكن مُصِر على الكبائر، على الزنا، وعلى السرقة، أو على شرب الخمر، وقطيعة الرحم، أو العقوق، هذا متوعد بالنار، لابد من اجتناب الكبائر.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على سفيان الثوري فيه
أخبرنا عبد الله بن منير نيسابوري، قال: حدثنا يزيد العدني، قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح.
شرح الشيخ: العدانيّ، صوبها العدنيّ.
قارئ المتن: قال: حدثنا يزيد العدني، قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يصوم عبد يومًا في سبيل الله إلا باعد الله تعالى بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا».
أخبرنا أحمد بن حرب، قال: حدثنا قاسم عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفًا».
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: قرأت على أبي حدثكم ابن نمير، قال: حدثنا سفيان عن سمي عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار».
شرح الشيخ: قوله: (قرأت على أبي حدثكم)؛ وهذا فيه عرض وهي قراءة الترمذي على الشيخ، (قرأت على أبي).
قارئ المتن: قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا».
أخبرنا محمود بن خالد، عن محمد بن شعيب، قال: أخبرني يحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، أنه حدثه عن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله عز وجل باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام».
شرح الشيخ: وهذا فيه زيادة مسيرة مائة عام، الأول سبعين خريفًا، فهذا فيه زيادة مسيرة مائة عام، هذا الحديث فيه زيادة أجر على الحديث السابق، لكن في صحته نظر، لأن القاسم قيل إنه لم يسمع من عقبة، وعلى هذا يكون الحديث منقطع، ماذا قال عندك على الحديث الأخير؟ حديث عقبة؟ «باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام».
الحاشية جمع بينهم كأنه يرى أَنَّهُ صحيح وقال: التوفيق بينهم، ويُحمل على أحد العددين، ويُحمل على التكثير، أو إن الله تعالى زاد الصوم الأجر.
الطالب: قال إن قلت بينه وبين الرواية السابقةِ بلفظ باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا، تعارضٌ ظاهر، فكيف يُجمع بينهما؟
- قلنا يُجاب عن ذلك بجوابين:
أحدهما: أن يُحمل على أن المراد التكثير لا التحديد.
الشيخ: هذا كثر في الحاشية حُشيَّ.
الطالب: الثاني: أن الله تعالى وعد الصائم بإبعاد جهنم عنه مسيرة سبعين خريفًا، ثم تفضل عليه فزاده حتى كان مسيرة مائة عام، والله تعالى أعلم.
والحديث صحيح وهو من أفراد المصنف.
الشيخ: ما تكلم عن عقبة، وقال إنه سمع القاسم من عقبة؟
الطالب: قال: القاسم أبو عبد الرحمن بن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أُمامة، صدوقٌ يُرسِل كثيرًا فقط.
الشيخ: يُرسِل كثيرًا.
الطالب: نعم.
الشيخ: محتمل، يحتاج إلى مراجعة، شوف التهذيب، ما دام يُرسل كثيرًا في صحته في نظر، لكن لو صحيح من العرب قال ما ذكر حول التكثير، مثل ما جاء في صلاة الجماعة، أن تفضل على صلاة الفرد بخمسة وعشرين درجة، وبعضها بسبع وعشرين درجة، زيادة التكثير إذا أصح، لكن ما دام إنه يرسل كثيرًا احتمال أنه لا يصح.
قارئ المتن: باب ما يكره من الصيام في السفر.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا سفيان عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن أم الدرداء، عن كعب بن عاصم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس من البر الصيام في السفر».
أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من البر الصيام في السفر» قال: أبو عبد الرحمن هذا خطأٌ والصواب الذي قبله لا نعلم أحدًا تابع ابن كثير عليه.
شرح الشيخ: قال أبو عبد الرحمن مؤلف النسائي: (هذا خطأٌ) يعني في رواية سعيد المسيب أنه مرسلًا، رواية سعيد بن المسيب مرسلة خطأ، عن سعيد بن المسيب قال رسول الله، مقصوده الرواية أن الحديث ليس مرسلًا وأنه كان متصلاً، فرواية سعيد بن المسيب له مرسلًا خطأ.
والذي أرسل محمد بن كثير الراوي عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد، الذي أرسل محمد بن كثير، أرسله ولم يُتابع عليه، وهذا الحديث فيه أنه ليس من البر الصيام في السفر، وذكره المؤلف في العلة وذلك بسبب أنه شق على .. الحديث له سببه أن رجلًا ظُلل عليه بسبب المشقة، فقال النبي: «ليس من البر الصيام في السفر» لأنه من أجل المشقة كما سيأتي.
قارئ المتن: العلة التي من أجلها قيل ذلك، وذكر الاختلاف على محمد بن عبد الرحمن، في حديث جابر بن عبد الله في ذلك.
أخبرنا قتيبةٌ قال: حدثنا بكر عن عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ناسًا مجتمعين على رجلٍ فسأل فقالوا: رجل أجهده الصوم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من البر الصيام في السفر».
الطالب: في التقريب في القاسم، قاسم بن الرحمن الدمشقي، أبو عبد الرحمن، صاحب أبي أمامة، صدوق يُغرب كثيرًا.
الشيخ: يغرب؟
الطالب: نعم.
الشيخ: وهنا ذكر يُرسِل.
قارئ المتن: فسأل فقالوا: رجل أجهده الصوم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من البر الصيام في السفر».
أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحق، قال: حدثنا عبد الوهاب بن سعيد، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرني جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ في ظل شجرةٍ يُرَش عليه الماء قال: «ما بال صاحبكم هذا؟» قالوا: يا رسول الله صائم، قال: «إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» أخبرنا محمود بن خالد قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن قال: حدثني من سمع جابرًا نحوه.
شرح الشيخ: هذا في بيان علة كراهة الصوم في السفر، وأنه المشقة، فإذا كان يشق عليه فإنه «ليس من البر الصيام في السفر»؛ أما إذا كان لا يشق عليه، فاختلف العلماء، هل الأرجح الفطر أو الصوم؟ وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر في يوم شديد الحر.
قال: كان في اليوم الشديد الحر إذا يكاد الرجل يضع يده على رأسه من الحر وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن أبي رواحة، فثبت أن الصحابة يصومون في رمضان وفي غيره، فمنهم الصائم، ومنهم المُفطِر، فلا يعيب الصائم على المُطِر ولا المُفطر على الصائم، من العلماء من قال في رمضان: الأفضل الفطر؛ لأن فيها أخذًا بالرخصة، ومنهم قال الأفضل الصوم؛ لِأَنَّهُ أصرع في براءة الذمة.
أما إذا شق عليه الصوم، فإنه هذه الأحاديث تدل على أنه مكروه في حقه، ولهذا قال لرجل يُرش عليه الماء، ظُلِل عليه بسبب المشقة، فقال: «ليس من البر الصيام في السفر».
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على علي بن المبارك.
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا وكيعٌ قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله رضيَّ الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من البر الصيام في السفر عليكم برخصة الله عز وجل فاقبلوها».
أخبرنا محمد بن المثنى، عن عثمان بن عمر، قال: أنبأنا علي بن المبارك، عن يحيى عن محمد، بن عبد الرحمن عن رجلٍ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس من البر الصيام في السفر».
شرح الشيخ: (عن رجل عن جابر) يعني سميَّ هذا الرجل.
قارئ المتن: ذكر اسم الرجل.
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وخالد بن الحارث، عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن حسنٍ، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد ُظِلل عليه في السفر فقال: «ليس من البر الصيام في السفر».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيبٍ، قال: أنبأنا الليث عن ابن الهاد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من الماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس، وصام بعض فبلغه أن ناسًا صاموا، فقال: «أولئك العصاة».
شرح الشيخ: أي النَّاس شق عليهم الصوم، فأمرهم بالصوم، فلما صاموا بعد أن أمرهم، قال: «أولئك العصاة»؛ (كراع الغميم)؛ وادي قريب من عُسفان، لما شق عليهم، أفطر النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالفطر، فبلغهم أن الناس صاموا، فقال: «أولئك العصاة»؛ خالفوا الأمر.
قارئ المتن: أخبرنا هارون بن عبد الله، وعبد الرحمن بن محمد بن سلامٍ، قالا: حدثنا أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعامٍ بمر الظهران، فقال: لأبي بكر وعمر «اُدنُيا فكلا» فقالا: إنا صائمان فقال: «ارحلوا لصاحبيكم اعملوا لصاحبيكم».
شرح الشيخ: نعم هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُفطِر، وأبو بكر وعمر صائمان، قال: «اُدنُيا»، (أُتي النبي بطعامٍ فقال: لأبي بكر وعمر «اُدنُيا فكلا» فقالا: إنا صائمان فقال: «ارحلوا لصاحبيكم»)؛ أي شدوا الرحل لهما، ما يستطيعون الصوم، ساعدوهم، عاونوهم، أي لكونهما صائمين «ارحلوا لصاحبيكم»؛ يعني شدوا الرحل لهم، اعملوا لصاحبيكم.
يعني كأنه كره صيامهما؛ لأنهم يحتاجون إلى الناس يساعدوهم، ويرحلونهم ويعاونوهم، لكن هذا فيه إشكال، كيف الآن؟ يعني أبو بكر وعمر يخلفان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قد دعاهما إلى الطعام.
ماذا قال؟ ما تكلم عليها من جهة المتن يعني ذكرها، الشيخان لا يكادا أن يخالفا النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال لهم: «اُدنُيا فكلا»؛ فلاسيما قال: «ارحلوا لصاحبيكم»؛ يعني بيَّن لهم أنه لا ينبغي وأن هذا فيه مشقة عليهما، وأن هذا يحتاج إلى الناس في شد الرحل، والمساعدة.
الطالب: قال: حديث أبي هريرة رضيَّ الله عنه هذا صحيحه من أفراد المصنف رحمه الله، قال: وهو من أفراد المصنف أخرجه هنا في الكبرى، وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن خزيمة في صحيح الحاكم في المُستدرك وقال: صحيحٌ عن شرط الشيخين.
وافقه الذهبي لكن في قوله: على شرط الشيخين نظر، إذ أبو داود الحفري ليس من رجال البخاري، بل من رجال مسلم فتنبَّه والله تعالى أعلم.
الشيخ: من جهة المتن فيه إشكال؛ لأن من جهة السند لا بأس لكن من جهة المتن فيه إشكال؛ لأن الشيخين، لا يمكن أن يخالفا النبي صلى الله عليه وسلم.
الطالب: قال: ويُحتمل يعني أنه صلى الله عليه وسلم قال لسائر الصحابة المُفطرين: «ارحلوا لصاحبيكم»؛ أي شدوا الرحل لهم على البعير، واعملوا لهما فالمراد الحث على معاونتهما فيما يحتاجان إليه، لكونهما صائمين، فيكون المقصود إقرارهم على الصوم، واستحسانه منهما، ويُحتمل أن يكون المراد الإشارة إلى أن صاحب الصوم في السفر يكون كلًا على غيره.
الشيخ: هذا هو الظاهر، ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصوم.
الطالب: ويحتمل أن يكون المراد الإشارة إلى أن صاحب الصوم في السفر يكون كلًا على غيره.
الشيخ: هذا هو الظاهر أَنَّهُ يكون كلاً عَلَى غيره، ولذلك قال: «ارحلوا لصاحبيكم»؛ شدوا الرحل لهما، يعني يحتاج إلى غيره، كونه يحتاج إلى غيره، خلاف الأولى، الأولى الإنسان يقوم بحاجته بنفسه، ولا يحتاج إلى غيره.
الطالب: فيكون ذمًا وإنكارًا عليهما، وأن الأفضل أن يُفطر ولا يُحوج الناس إلى خدمتهما، ويكون هذا بمعنى ما أخرجه الفريابي بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا تصوم في السفر، فإنهم إذا أكلوا طعامًا قالوا: ارفعوا للصائم، وإذا عملوا عملًا، قالوا: اكفلوا للصائم، فيذهبوا بأجرك، قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله بعد أن أخرج هذا الحديث.
الشيخ: هَذَا الأثيوبي؟
الطالب: نعم أحسن الله إليك. قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله بعد أن أخرج هذا الحديث ما نصه: هذا الخبر أيضًا من الجنس الذي ذكرته قبل أن للصائم في السفر الفطر بعد مُضي بعض النهار، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرهما بالأكل بعدما أعلماه أنهما صائمان انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب.
الشيخ: ولا شك أن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لهما الصوم.
الطالب: في تعليق في بعض الطبعات، وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأوزاعي إلا الثوري، لا وعن الثوري إلا أبو داود الحفري، وقال الدارقطني: يرويه الأوزاعي واختلف عنه، فرواه الثوري عن الأوزاعي.
الشيخ: وقال ماذا؟
الطالب: وقال الدارقطني يرويه الأوزاعي واُختلف عنه فرواه الثوري عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وخالفه يحيى بن حمزة، ويحيى البابلتي روياه عن يحيى عن أبي سلمة مرسلًا، وهو الصحيح، قيل رواه عن الثوري غير أبي داود، قال: ليس في الدنيا إلا الحفري عمر بن سعدٍ وكان من الثقات الصالحين انتهى.
قارئ المتن: أخبرنا عمران بن يزيد، قال: حدثنا محمد بن شعيب، قال: أخبرني الأوزاعي، عن يحيى أنه حدثه عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغدى بمر الظهران.
الشيخ: (عن أبي سلمة قال بينما رسول الله)؛ أن رسول الله هذه كأنها زائدة، في النسخة الثانية موجودة أن رسول الله الزيادة هَذِه؟
الطالب: لا.
قارئ المتن: عن أبي سلمة قال: بينما يتغدى بمر ظهران ومعه أبو بكرٍ وعمر، فقال الغداء.
الطالب: عن أبي سلمة أن رسول الله.
الشيخ: قال: بينما رسول الله؟
الطالب: قال: بينما رسول الله؟
الشيخ: تكرار.
قارئ المتن: عن أبي سلمة قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغدى بمر ظهران ومعه أبو بكرٍ وعمر، فقال الغداء، مرسل.
أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا علي عن يحيى عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا بمر الظهران مرسل.
شرح الشيخ: معنى وضع الصيام يعني وضع الوجوب، لكن لم يضع القضاء يعني في رمضان، وضع الصيام عن المسافر يعني وُضع الوجوب وبقيَّ القضاء في رمضان، ذكر وضع الصيام على المسافر وضع الوجوب؛ فإن الله تعالى أباح له الفطر، ولكن لابد من القضاء.
قارئ المتن: ذكر وضع الصيام عن المسافر، والاختلاف على الأوزاعي في خبر عمرو بن أمية فيه.
أخبرني عبدة بن عبد الرحيم عن محمد بن شعيبٍ، قال: حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة، قال: أخبرني عمرو بن أمية الضمري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال: «انتظر الغداء يا أبا أمية»، فقلت: إني صائم فقال: «تعال اُدنُ مني حتى أخبرك عن المسافر إن الله عز وجل وضع عنه الصيام ونصف الصلاة».
شرح الشيخ: «وضع عنه الصيام ونصف الصلاة»؛ يعني الرباعية تُقصر ركعتان الظهر والعصر والعشاء، هذا نصف الصلاة، وضع الصوم وجوبًا، أباح له الفطر.
قارئ المتن: أخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدثنا الوليد عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تنتظر الغداء يا أبا أمية؟» قلت: إني صائم فقال: «تعال أخبرك عن المسافر إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة».
شرح الشيخ: هنا الإخوان عمرو بن عثمان، الصواب كان في تحفة الإشراف: عمرو بن قتيبة، جعل عليه علامة صح، أي إنه مصحح من نسخة الأصل، وعمرو بن عثمان من شيوخ النسائي، كلٌ منهما يروي عن وليد المرسِل، عمرو بن عثمان، وعمرو بن قتيبة، ولكن ليس هذا الحديث مما رواه عمرو بن عثمان، حتى ولا في السنن الكبرى، وإلا احتمل أن كلًا من الشيخين رواه.
تكلم عليه عندك عمرو بن عثمان؟
الطالب: تنبيه كون قال: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح غير شيخه عمرو بن عثمان القرشي، أبي حفص الحمصي، فإنه لم يُخرِج له الشيخان، وهو صدوق، والإسناد صحيح، قد صرَّح لكل رواته بالتحديث، وقد صَرَح الوليد بالتحديث عن الأوزاعي في الكبرى.
تنبيه: كون شيخ المُصنِف عمرو بن عثمان، هو الذي في المجتبى، وأما في الكبرى، فقال: عمرو بن قتيبة، وهو الصوري الشامي صدوق.
الشيخ: حتى ولو في السنن الكبرى يُراجَع، الصواب في تحفة الإشراف ولو حتى في السنن الكبرى يُراجَع، وإلا احتمل كل من الشيخين، فكلٌ منهما يعني شيخ للمؤلف، لكن هذا الحديث من رواية عمرو بن قتيبة.
قارئ المتن: أخبرنا إسحق بن منصور، قال: أنبأنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن أبي أمية الضمري، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، فسلمت عليه، فلما ذهبت لأخرج، قال: «انتظر الغداء يا أبا أمية» قلت: إني صائم يا نبي الله قال: «تعال أخبرك عن المسافر إن الله تعالى وضع عنه الصيام ونصف الصلاة».
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا موسى بن مروان، قال: حدثنا محمد بن حرب عن الأوزاعي، قال: أخبرني يحيى، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني أبو المهاجر.
شرح الشيخ: المهاجر صوابه أبو المُهَلَب، صوابه أبو المُهَلَب كما في التحفة الخطأ من الأوزاعي، كما قال الحُفاظ، الأوزاعي يُبدل أو يبدل الأوزاعي في أبي المُهَلَب بأبي المهاجر، وأبو المهاجر بينه وبين أبي أمية مائة سنة، قال: حدثني أبو المُهَلَب لا أبو المهاجر، صوابه أبو المُهَلَب كما في تحفة الأشراف، والخطأ من الأوزاعي، كما قال الحُفاظ، الأوزاعي يُبدِل أبا المُهَلَب بأبي المهاجر، وأبو المهاجر بينه وبين أبي المُهَلَب مائة سنة.
نبه عليها عندك؟
الطالب: قوله أبو المهاجر هكذا في هذه الرواية والَّتِي بعدها أبو المهاجر، قال الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في تحفة الأشراف: هكذا يقول الأوزاعي، وغيره يقول عن أبي المُهَلَب وهو المحفوظ، وقال في تهذيب الكمال أبو المهاجر عن بريدة الأسلمي، حديث «بكروا بالصلاة في الغيم» عن أبي أمية عمرو بن أمية الضمري: «انتظر الغداء يا أبا أمية، قال: إني صائم».
وعن عمران بن أبي حصين، حديث الجُهنية التي أقرت أنها حبلى من الزنا، وعنه أبو قلابة الجرمي، قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة: روى له النسائي وابن ماجة، هكذا قول الأوزاعي وغيره لا يذكر المهاجر في شيءٍ من هذه الأحاديث الثلاثة.
أما الحديث الأول، فرواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، كذلك رواه هشام الدستوائي عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن أبي بريدة، وهو المحفوظ، وأما الحديث الثاني، فرواه محمد بن حربٍ الأبرش أبو المغيرة الخولاني، عن الأوزاعي كذلك.
وفيه اختلاف كثير على الأوزاعي، وأما الحديث الثالث فرواه الوليد بن مسلم، وغير أحدٍ عن الأوزاعي كذلك، ورواه هشام الدستوائي وغير أحدٍ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة، عن أبي المُهَلَب، عن عمران بن حصين، وهو المحفوظ، وقد قيل عن الأوزاعي أيضًا كذلك أيضًا والله أعلم انتهى.
وقال ابن حِبان: وهِم فيه الأوزاعي فقال عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المُهَلَب عن أبي قلابة انتهى.
وقال الجامع: عفا الله عنه قد تبين بما ذكر أن الصواب في هذا الإسناد والذي بعده، أنه أبو المُهَلَب لا أبو المهاجر فتنبه.
الشيخ: بينه وبين أبي أمية مائة سنة أبو المهاجر.
الطالب: وأبو المُهَلَب هو الجرمي البصري عمه أبي قلابة، واسمه عمرو، أو عبد الرحمن بن معاوية ثقة، والحديث صحيح الإسناد.
قارئ المتن: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني أبو المُهَلَب، قال: حدثني أبو أمية، يعني الضمري أنه قَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحق، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا شعيب قال: حدثني الأوزاعي قال: حدثني يحيى، قال: حدثني أبو قلابة الجرمي، أن أبا أمية الضمري حدثهم أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال: «انتظر الغداء يا أبا أمية»، قلت: إني صائم، قال: «اُدنُ أخبرك عن المسافر إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة».
شرح الشيخ: استدل بهذا إن الفطر أفضل من الصيام في السفر، وفيه أن الإنسان إذا دُعيَّ إلى طعام وهو صائم، استدل به على أن الأفضل الفطر، إلا إذا اعتذر له وقبل عذره، قال: إني صائم ثُمَّ قبل سمح له، أو يأتي ويدعو وينصرف، ما لزم الأكل، مثل: «من دُعيَّ إلى طعام، فإذا كان مفطرًا فليُطعم، وإن كان صائمًا فليصل» يعني فليدعوا، يأتي ويدعوا له وينصرف.
قارئ المتن: ذكر اختلاف معاوية بن سَّلام، وعلي بن المبارك في هذا الحديث
أخبرنا محمد بن عبيد الله بن يزيد بن إبراهيم الحراني، قال: حدثنا عثمان قال: حدثنا معاوية، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة، أن أبا أمية الضمري، أخبره: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وهو صائم فقال: له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تنتظر الغداء؛ قال: إني صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعال أخبرك عن الصيام إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة».
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: أنبأنا علي عن يحيى عن أبي قلابة، عن رجل أن أبا أمية أخبره: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم من سفرٍ نحوه.
أخبرنا عمر بن محمد بن الحسن بن التل، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان الثوري عن أيوب عن أبي قلابة، عن أنس رضيَّ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم وعن الحبلى والمرضع».
أخبرنا محمد بن حاتم قال: حدثنا حبان، قال: أنبأنا عبد الله عن ابن عيينة، عن أيوب عن شيخ من قشير عن عمه، قال: حدثنا ثم ألفيناه في إبلٍ له فقال: له أبو قلابة حدثه، فقال: الشيخ حدثني عمي أنه ذهب في إبلٍ له فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل أو قال: يطعم، فقال: «اُدنُ فكل» أو قال: «اُدنُ فاطعم» فقلت: إني صائم فقال: إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصيام وعن الحامل والمرضع.
شرح الشيخ: الحبلى والمرضع إذا كان يشق عليها الصوم، فهم بمنزلة المريض، تفطران وتقضيها، وليس عليهم إطعام على الصحيح، فالحنابلة يرون، جاء في حديث أبي داود «الحامل والمرضع إذا خافت على وليدهما قضتا وأطعمتا»، فذهب الحنابلة إلى أن الحامل والمرضع تُفطران إذا شق عليهم الصوم، لكن إن كان الفطر من أجل الولد، فإنهما تفطران وتطعمان، وتقضيان وتطعمان، وإن كان ليس من أجل المشقة تفطران وتقضيان.
إن كان الإفطار من أجل المشقة فهم بمنزلة المريض، تفطران وتقضيان، وإن كان من أجل الولد، تفطران وتقضيان، وتطعمان، وعلى كل حال القضاء واجب على كل حال عليهما، لكن الإطعام محل نظر، يعني إذا أطعمتا حسن، وإن لم يُطعما أو كان فقيرتان فليس عليهما إلا القضاء.
يحتاج إلى دليل واضح لإلزامهم بالإطعام.
قارئ المتن: أخبرنا أبو بكر بن علي، قال: حدثنا سريجٌ، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب قال: حدثني أبو قلابة هذا الحديث، ثم قال: هل لك في صاحب الحديث، فدلني عليه فلقيته فقال: حدثني قريب لي يقال: له أنس بن مالك قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلٍ كانت لي أخذت فوافقته وهو يأكل فدعاني إلى طعامه فقلت: إني صائم فقال: «اُدنُ أخبرك عن الصيام، أو أخبرك عن ذلك إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة».
أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن رجل، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجةٍ فإذا هو يتغدى، قال: «هلم إلى الغداء» فقلت: إني صائم قال: «هلم أخبرك عن الصوم إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، ورخص للحبلى والمرضع».
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي العلاء بن الشخير عن رجل نحوه.
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن هانئ بن الشخير عن رجل من بلحريش، عن أبيه قال: كنت مسافرا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صائم وهو يأكل قال: «هلم» قلت: إني صائم قال: «تعال ألم تعلم ما وضع الله عن المسافر؟» قلت وما وضع عن المسافر قال: «الصوم ونصف الصلاة».
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بلحريش عن أبيه، قال: كنا نسافر ما شاء الله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطعم، فقال: «هلم فاطعم» فقلت: إني صائم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحدثكم عن الصيام إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة».
أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم، قال: حدثنا سهل بن بكار، قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال: كنت مسافرًا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل وأنا صائم، فقال: «هلم» قلت إني صائم، قال: «أتدري ما وضع الله عن المسافر قلت وما وضع الله عن المسافر؟» قال: «الصوم وشطر الصلاة».
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا عبيد الله، قال: أنبأنا إسرائيل عن موسى هو ابن أبي عائشة عن غيلان، قال: خرجت مع أبي قلابة في سفر، فقرب طعامًا، فقلت: «إني صائم» فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فقرب طعامًا فقال: لرجل «اُدنُ فاطعم» قال: إني صائم، قال: «إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام في السفر فاُدنُ فاطعم»؛ فدنوت فطعمت.
شرح الشيخ: هذا المؤلف رحمه الله يسوق الأحاديث والأسانيد، وهذا فيه فوائد، يُفيد الحديث قوة، وكذلك أيضًا قد يكون في بعض الأحيان زيادات، قد يكون راوي لم يُسمى، فيه فوائد على طريقة الإمام مسلم رحمه الله، استفاد النسائي من الإمام مسلم في سياق طرق الحديث، واستفاد من البخاري في التراجم في تنويع التراجم.
قارئ المتن: فضل الإفطار في السفر على الصيام:
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا عاصم الأحول عن مورق العجلي، عن أنس بن مالك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا في يوم حار واتخذنا ظلالًا، فسقط الصوام وقام المفطرون فسقوا الركاب، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب المفطرون اليوم بالأجر».
شرح الشيخ: هذا استدل المؤلف على الإفطار في السفر أفضل من الصيام، في هذا الحديث أنهم في سفر، في حديث أنس منهم الصائم ومنهم المفطر، فنزلوا منزل وكان في يومٍ حار، واتخذوا الناس الظلال، فسقط الصوام ما استطاعوا، وقام المفطرون سقوا الركاب، يعني الإبل، وضربوا الأبنية، وفي الصحيح زيادة، وضربوا الأبنية يعني الخيام، وسقوا الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر».
المفطرون خدموا إخوانهم، ضربوا الخيام، سقوا الركاب، صنعوا الغداء، والصوام ما استطاعوا سقطوا، فقال: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» فاستدل على فضل الإفطار في السفر على الصيام.
ولكن الحديث فيه بيان فيه المشقة، فيه أنه شق في يومٍ حار، وهذا لا شك إذا كان في المشقة الإفطار أفضل، لكن إذا لم تكن هناك مشقة، فهذا هو محل الخلاف أيهما أفضل؟ الصيام أو الفطر.
كان مثلًا في الشتاء في الأيام الباردة، ولا يمنعهم من مساعدة إخوانهم وهم في الصيام، هذا هو محل الخلاف في الأفضلية، أيهما أفضل الفطر أو الصيام.
قارئ المتن: ذكر قوله الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
أخبرنا محمد بن أبان البلخي قال: حدثنا معنٌ، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف رضيَّ الله عنه، قال: يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر.
أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حماد الخياط وأبو عامرٍ، قالا: حدثنا ابن أبي ذئبٍ عن الزهري، عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف، قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
أخبرني محمد بن يحيى بن أيوب قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
شرح الشيخ: هذا مما قاله هل هي صحيحة: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر؟ الذي يصوم في السفر مثل الذي يُفطر في الحضر، يعني ممنوع أن يصوم في السفر، كما أَنَّهُ ممنوع أن يُفطر في الحضر في رمضان، هل المقالة صحيحة؟ المؤلف ذكر هذا الحديث بطرقه الثلاثة، ليس مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو منقطع فيها ففي الطريقين الأوليين أبو السلمة لم يسمع من أبيه عبد الرحمن بن عوف، في الطريق الثالث: حُميد بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الرحمن.
فيكون الحديث منقطع، والمنقطع ضعيف، هو الحديث ضعيف، في الطريقة الثالثة عن حُميد عن عبد الرحمن أخرجه ابن ماجة مرفوعًا لكنه ضعيف؛ لأنه منقطع لم يسمع فيه حُميد عن أبيه عبد الرحمن، ولو صح الحديث لحُمِل على محمل حسن، يوافق النصوص الأخرى، وهو أنه إذا شق عليه الصوم وأجهده، كحديث: «ليس من البر الصيام في السفر»؛ وكما قال النبي في غزوة الفتح لمن صام بعد أمره لهم بالإفطار: «أولئك العصاة»؛ هذا لو صح لكنه ما يصح.
أولًا: ليس مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: هو منقطع.
فعلى هذه المقالة (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)؛ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قالها بعض الناس، ولا تصح، (الصائم في السفر كالمفطر بالحضر)؛ ليس حديثًا وإنما هو جاء في هذه الأحاديث منقطع أيضًا.
قارئ المتن: الصيام في السفر وذكر اختلاف خبر ابن عباس رضيَّ الله عنهما فيه.
أخبرنا محمد بن حاتم، قال: أنبأنا سويدٌ، قال: أخبرنا عبد الله عن شعبة، عن الحكم عن مقسمٍ، عن ابن عباس رضيَّ الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان فصام حتى أتى قُديدًا.
شرح الشيخ: (قُديدًا)؛ هُوَ موضع بقرب عسفان وكذلك كديد.
قارئ المتن: ثم أُتي بقدح من لبن فشرب وأفطر هو وأصحابه.
أخبرنا القاسم بن زكريا، قال: حدثنا سعيد بن عمرو، قال: حدثنا عبثر عن العلاء بن المسيب عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس رضيَّ الله عنهما قال: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى أتى قُديدًا ثم أفطر حتى أتى مكة.
أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: أنبأنا الحسن بن عيسى، قال: أنبأنا ابن المبارك، قال: أنبأنا شعبة عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر حتى أتى قُديدًا ثم دعا بقدحٍ من لبن فشرب فأفطر هو وأصحابه.
شرح الشيخ: نعم كان في غزوة الفتح.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على منصور
أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدثنا خالد عن شعبةٍ، عن منصور عن مجاهد، عن ابن عباس رضيَّ الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصام حتى أتى عُسفان فدعا بقدح فشرب، قال: شعبة في رمضان فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: من شاء صام ومن شاء أفطر.
شرح الشيخ: وذلك في السفر.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووسٍ عن ابن عباس رضيَّ الله عنهما قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عُسفان ثم دعا بإناءٍ فشرب نهارًا يراه الناس، ثم أفطر.
أخبرنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا سفيان عن العوام بن حوشب، قال: قلت لمجاهد: الصوم في السفر؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر.
أخبرني هلال بن العلاء قال: حدثنا حسين، قال: حدثنا زهيرٍ، قال: حدثنا أبو إسحق قال: أخبرني مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في شهر رمضان وأفطر في السفر.
شرح الشيخ: في هذا الحديث تخيير في السفر بين الصيام والإفطار، في رمضان وفي غيره.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار، في حديث حمزة بن عمرو فيه.
أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا أزهر بن القاسم، قال: حدثنا هشام عن قتادة عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر قال: إن ثم ذكر كلمة معناها إن شئت صمت وإن شئت أفطرت أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار أن حمزة بن عمرو رضي الله عنه قال: يا رسول الله مثله مرسل.
شرح الشيخ: يعني هذا السند مرسل لأن سليمان بن يسار لم يُصرِح بأن حمزة بن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان سمع سليمان بن يسار من حمزة، وسمع حمزة من ثابت من الطريق الذي قبله.
قارئ المتن: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار عن حمزة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، قال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر.
أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أن،س عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، فقال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تُفطر فأفطر.
أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث والليث فذكر آخر عن بُكير عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله إني أجد قوة على الصيام في السفر، قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر.
أخبرني هارون بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن بكرٍ، قال: أنبأنا عبد الحميد بن جعفر، قال: أخبرني عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر؟ قال: «إن شئت أن تصوم فصم وإن شئت أن تفطر فأفطر».
أخبرنا عمران بن بكار، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا محمد عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار وحنظلة بن علي، قال: حدثاني جميعًا عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه قال: كنت أسرد الصيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أسرد الصيام في السفر فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي عن ابن إسحق عن عمران بن أبي أنسٍ عن حنظلة بن علي عن حمزة رضي الله عنه قال: قلت يا نبي الله إني رجل أسرد الصيام أفأصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرنا عبيد الله بن سعدٍ، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي عن ابن إسحق قال: حدثني عمران بن أبي أنس أن سليمان بن يسار حدثه أن أبا مراوح حدثه أن حمزة بن عمروٍ رضي الله عنه حدثه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلًا يصوم في السفر، فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر».
شرح الشيخ: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ففي هذه الأحاديث تخيير بين الصيام والإفطار في السفر.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة فيه.
أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أنبأنا ابن وهب قال: أنبأنا عمرو، وذكر آخر عن أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أجد في قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ قال: «هي رخصة من الله عز وجل فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه».
شرح الشيخ: استدل بهذا أن الإفطار أفضل حيث نفى الجناح عن الصائم، وحسَّن الفطر.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على هشام بن عروة فيه.
أخبرنا محمد بن إسمعيل بن إبراهيم عن محمد بن بشر، عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمزة بن عمرو الأسلمي، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرنا علي بن الحسن اللاني بالكوفة.
شرح الشيخ: اللانيُ؛ يقال اللائي ويقال اللانِيُ، اللائيُ أو اللانيُ بتشديد اللام آخره همزة أو نون مكسورة، بعدها ياء نسبة، نسبة إلى بلد أو قبيلة، يقال اللائيُ، ويقال لانيُ، بالهمزة وبالنون، نسبة.
قارئ المتن: أخبرنا علي بن الحسن اللاني بالكوفة، قال: حدثنا عبد الرحيم الرازي عن هشام عن عروة عن عائشة، عن حمزة بن عمروٍ أنه قال: يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرنا محمد بن سلمة قال: أنبأنا ابن القاسم، قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: إن حمزة قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام فقال: له رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرني عمرو بن هشام، قال: حدثنا محمد بن سلمة عن ابن عجلان عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: إن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصوم في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضيَّ الله عنها أن حمزة الأسلمي رضيَّ الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر؟ وكان رجلًا يسرد الصيام فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
شرح الشيخ: (قُطعة): قال قُطُعة وقُطِعة، قُطِعة بضم القاف وكسرها، قُطَعة وقُطِعة، قُطَعة بضم القاف وفتح الطاء، وكسرها قُطِعة، كما ذكر المُحشي.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على أبي نضرة المنذر بن مالك بن قُطعة فيه.
أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، قال: حدثنا أبو سعيد قال: كنا نسافر في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، لا يعيب الصائم على المفطر ولا يعيب المفطر على الصائم.
أخبرنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، قال: حدثنا خالد، وهو ابن عبد الله الواسطي عن أبي سلمة.
شرح الشيخ: صوابه مسلمة، فهو مسلمة أوله ميم كما في التهذيب والتقريب والجرح، عن أبي مسلمة بالميم.
قارئ المتن: عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر ولا يعيب الصائم على المفطر ولا يعيب المفطر على الصائم.
أخبرنا أبو بكر بن علي قال: حدثنا القواريري قال: حدثنا بشر بن منصور عن عاصم الأحول عن أبي نضرة عن جابر رضيَّ الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام بعضنا وأفطر بعضنا.
أخبرني أيوب بن محمد قال: حدثنا مروان قال: حدثنا عاصم عن أبي نضرة المنذر، عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أنهما سافرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر ولا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
الرخصة للمسافر أن يصوم بعضًا ويفطر بعضًا
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح صائمًا في رمضان حتى إذا كان بالكديد أفطر.
شرح الشيخ: هذا فيه رخصة؛ لأن يصوم بعض رمضان ويُفطر بعض رمضان لا حرج، بعضهم قال: ليس له أن يصوم إذا صام في بلده ثم سافر، ليس له أن يصوم، وإنما أفطر، لكن إذا جاء الصوم إذا جاء رمضان وهو في السفر له أن يُفطر.
وكذلك اليوم الذي سافر فيه، له أن يُفطر، قال بعض العلماء: اليوم الذي صام أوله ليس له أن يُفطر، يُكمل هذا اليوم، إذا صام في البلد ثم سافر لا يُفطر، يُكمل اليوم وإذا جاء اليوم الثاني أو في السفر له أن يُفطر والصواب أنه جائز لا بأس.
يصوم فإذا سافر فارق رؤوس البلد له أن يُفطر، وكذلك أيضًا في رمضان، إذا صام في بلده ثم سافر له أن يُفطر خلافًا لما قاله بعض العلماء من أنه لا يجوز له أن يفطر.
قارئ المتن: الرخصة في الإفطار لمن حضر شهر رمضان فصام ثم سافر.
أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا مفضل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام حتى بلغ عُسفان ثم دعا بإناء فشرب نهارًا ليراه الناس ثم أفطر، حتى دخل مكة فافتتح مكة في رمضان، قال: ابن عباس رضي الله عنهما فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر.
شرح الشيخ: يعني هو مخير بين الصيام والإفطار.
قارئ المتن: وضع الصيام عن الحبلى والمرضع.
أخبرنا عمرو بن منصورٍ، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن وهيب بن خالد، قال: حدثنا عبد الله بن سوادة القشيري، عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يتغدى فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم «هلم إلى الغداء» فقال: إني صائم، فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع».
شرح الشيخ: يعني وضع الوجوب، ويبقى القضاء.
قارئ المتن: تأويل قول الله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184].
أخبرنا قتيبة قال: أنبأنا بكر، وهو ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع، قال: لما نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد، قال: أنبأنا ورقاء عن عمرو بن دينار، عن عطاء عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ يطيقونه: يكلفونه فدية: طعام مسكين واحد، فمن تطوع خيرًا طعام مسكين آخر ليست بمنسوخة فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم، لا يرخص في هذا إلا للذين لا يطيق الصيام أو مريض لا يشفى.
شرح الشيخ: هذه الآية من قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ فيها تأويلان:
التأول الأول: الجمهور، أنها منسوخة، كما قال سلمة بن الأكوع في الحديث الأول، قال سلمة لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ كان من أراد أن يُفطر ويفتدي، ومن أراد أن يصوم، مخير، وكان هذا هو الطور الأول من أطوار الصيام الثلاثة، وهو التخيير بين الصيام والإطعام، والصيام أفضل.
هذا الطور الأول، ومنهم من جعل الطور الأول، جعل الصيام أربع أطوار:
الطور الأول: أن الله أوجب صوم عاشوراء في السنة الأولى التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلمـ في محرم، ثم لما جاء رمضان نُسِخ الوجوب، وجب الله صيام رمضان، فنُسِخ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحبًا، ثم لما فُرِض رمضان، صار الإنسان مُخير بين أن يصوم، أو يُطعم عن كل يوم مسكين، مخير، ولكن والصيام أفضل.
ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183-184].
فكان الناس في أول ما فُرِض مخيرين بين الصيام والإفطار، من شاء صام، ومن شاء أفطر لكن يفتدي، يُطعم كل يوم مسكين، والصيام أفضل لهم، قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
ثم نُسِخ ذلك بالقول الثاني أو الثالث، وهو وجوب الصوم حتمًا على القادر المقيم، لما نزلت الآية التي بعدها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]؛ هنا حتم.
{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} [البقرة: 185]؛ فهذه الآية نسخت الآيات السابقة، الآيات السابقة كما قال الجمهور الآيات السابقة فيها تخيير.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]؛ ثم نسخت الآية التي بعدها بوجوب الصوم حتمًا على المقيم، على القادر ما في افتداء، لكن يتناول المفطرات في الليل، ما لم يصلي العشاء أو ينام، فإذا صلى العشاء ونام قبل ذلك، حَرُم عليه المفطرات الليلة القادمة، هذا الطور الثالث.
متى يُفطِر؟ تناول المفطرات إذا لم ينم أو يصلى العشاء، فصلى العشاء ونام حَرُم عليه الأكل إلى الليلة القادمة، حصل هذا في بعض الصحابة، جاء بعض الصحابة يعمل في مزرعته، وهو متعب، وجاء إلى أهله فقال عندكم طعام؟ قالت: ما عندنا فأذهب لك، فلما ذهبت وجاءت غلبته عيناه نام، قالت: خيبةً لك، ولم يأكل وصام اليوم الثاني، فلم صام غُشيَّ عليه وسقط، وحصل لعمر شيءٌ مثل هذا، فالله تعالى نسخ ذلك بالطور الثالث.
وهو إباحة الأكل، والجماع في الليل، إلى طلوع الفجر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء.
أما مذهب الطور الثاني هو مذهب ابن عباس: في الحديث الثاني بأنها ليست منسوخة، فهذا اجتهاد منه، والصواب الأول، وصوم ابن عباس قالوا: يطيقونه بمعناه: يطوقونه يعني تأول الناس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ قالوا منسوخة، معنى يطيقونه: يطوقونه؛ يعني يتجشمونه.
يتجشمون الصيام، وهذا خلاف ظاهر للآية وخلاف لفظها، وهو ضعيف، والأول قول الجمهور، فابن عباس يرى أن ليست منسوخة خالف الجمهور في هذا، وتأول على الذين يطيقونه؛ يطوقونه يتجشمونه صيامه، وهذا فيه خلاف ظاهر الآية، وخلاف لفظها.
وفي هذا الحديث توسعة، الحديث في دلالة على التوسعة في قضايا رمضان، هذا الحديث الذي بعده.
قارئ المتن: وضع الصيام عن الحائض.
أخبرنا علي بن حجرٍ، قال: أنبأنا علي يعني ابن مسهر، عن سعيد عن قتادة عن معاذة العدوية، أن امرأةً سألت عائشة رضي الله عنها أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت؟ قالت: أحروريةً أنتِ كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة.
أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: سمعت أبا سلمة، يحدث عن عائشة قالت: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان.
شرح الشيخ: في فضل الصيام عن الحائض معاذة سألت عائشة سؤال، ولم تحسن السؤال، فظنت أنها تعترض، فظنت أنها من الخوارج، قالت: أنتِ حرورية؟ الخوارج تجمعوا في بلدة تسمى حرورة في العراق، ويسمون الحرورية، وهم يعترضون ويرون أن الحائض تقضي الصلاة يخالفون.
فظنت أنها من الخوارج، ما بال الحائض تقضي الصلاة؟ ما أحسنت ما قالت ما الحكمة يا أم المؤمنين؟ قالت ما بال؟ ما السبب؟ ظنت أنها تعترض، فقالت لها أنتِ حرورية؟ أنتِ من الخوارج؟ قالت: لا أنا أسأل، قالت: هكذا يصيبنا على عهد رسول الله، فنأمر بقضاء الصوم، ولا نأمر بقضاء الصلاة.
وفي حديث الحديث الأخير فيه التوسعة في قضاء رمضان إلى آخر شعبان، وأنه لا يجوز التأخير إلى رمضان، لكن يجوز التأخير إلى شعبان، ولا يجوز التأخير إلى رمضان من غير عذر، لكن المبادرة بالقضاء أفضل قبل أن تعرض على الإنسان العوارض؛ لأنه دين في ذمة الإنسان، كلما بدر فأولى.
قارئ المتن: إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه؟
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس أبو حصين، قال: حدثنا عبثرٌ، قال: حدثنا حصين عن الشعبي عن محمد بن صيفي، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء «أمنكم أحد أكل اليوم» فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: «فأتموا بقية يومكم وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم».
شرح الشيخ: هذا الحديث في صوم عاشوراء، والترجمة (إذا طهرت الحيض أو قدم مسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه؟)؛ فهذا في الحديث في عاشوراء لما شُرِع لما قدِم النبي في المدينة، فرض الله تعالى صوم يوم عاشوراء، وكان هذا في أثناء النهار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: («أمنكم أحد أكل اليوم» فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: «فأتموا بقية يومكم وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم»).
العروض: تطلق على مكة والمدينة، وما حولهما، قال في النهاية: أراد فيها أكتاف مكة والمدينة، يُقال مكة والمدينة، وما قدم من العروض، ويقال للرساتيق أرض الحجاز الأعراض، واحدة عرِض بالكسر، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما فرِض صوم يوم عاشوراء.
الناس منهم الصائم، ومنهم من أكل ومنهم لا، (فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: «فأتموا بقية يومكم وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم»)؛ يعني الذي أكل الذي صائم من أول الصوم يُتم صومه، والمُفطر يلزم بقية يومه.
وهذا الأمر قبل أن يُفرض رمضان هذا في السنة، في أول السنة الثانية من الهجرة، أول سنة للهجرة محرم ورمضان باقي عليه كم شهر؟ فلما فُرِض رمضان، صار صوم عاشوراء سنة، نُسِخ الوجوب وبقيَّ الاستحباب، وكان يوم عاشوراء صوم تصومه قريش في الجاهلية أيضًا، ولعل هذا جاءهم من جوارهم مع اليهود.
لأن الذي قدم المدينة، واليهود تصوم اليوم العاشر من شهر محرم، لكن استدلال المؤلف رحمه الله الترجمة إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر، هذا يصوم بقية يومه، والحديث في صوم عاشوراء، شو المناسبة؟ يعني يريد أن يستدل كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان قد أكل في يوم عاشوراء أن يُتم بقية يومه، فكذلك الحائض إذا طهرت والمسافر إذا قدم يلزم بقية يومه.
استدل به على أنه يصوم بقية يومه، وهذا أحد القائلون في المسألة، وهو مذهب عند الحنابلة، أن المسافر إذا قدم وهو مُفطِر يصوم بقية يومه، احترامًا للزمان، والحائض إذا طهرت تلزم بقية يومها وتقضي، وكذلك الكافر إذا أسلم في أثناء اليوم يلزم بقية يومه، وكذلك الصبي إذا بلغ في أثناء اليوم يلزم بقية يومه، ويقضوا.
والقول الثاني من أهل العلم لا يلزمه؛ لأنه لا يستفيد من هذا الصوم، ولهذا قال: لو أنك في أول اليوم فليأكل آخره، وقول قالوا: إن هذا احترام للزمان، احترام للزمان فيلزم بقية يومه، ثم يقضي ذلك اليوم، فكان المؤلف هذا يرى هذا؛ لأنه ترجم إذا طهرت الحائض وقدم المسافر وذكر أن أمر الناس أن يصوموا في يوم عاشوراء، وأن يتموا بقية يومهم وإن كانوا مفطرين، فكذلك المسافر إذا قدم يُتم يصوم بقية يومه ثم يقضي، وكذلك الحائض وكذلك الصبي إذا بلغ، وكذلك الكافر إذا أسلم.
قارئ المتن: إذا لم يُجمع من الليل هل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى عن يزيد، قال: حدثنا سلمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أذِّن يوم عاشوراء من كان أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم».
شرح الشيخ: هو يقول أَذِّن من التأذين بمعنى النداء أو الآذان، والمصنف حمل الحديث على صوم النفل («أذِّن يوم عاشوراء من كان أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم»)؛ هذا الذي جاء ليوم عاشوراء قبل فرض رمضان، فلوما فُرِض رمضان صار صوم عاشوراء مستحبًا لا واجبًا.
قارئ المتن: النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة رضي الله عنها فيه.
أخبرنا عمرو بن منصورٍ، قال: حدثنا عاصم بن يوسف قال: حدثنا أبو الأحوص عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: «هل عندكم شيء» فقلت لا قال: فإني صائم، ثم مر بي بعد ذلك اليوم، وقد أهدي إلي حيسٌ فخبأت له منه وكان يحب الحيس، قالت: يا رسول الل، إنه أهدي لنا حيسٌ فخبأت لك منه، قال: اُدنُيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم، فأكل منه، ثم قال: «إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها».
أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يزيد، قال أخبرنا شريكٌ، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دار علي رسول الله صلى الله عليه وسلم دورةً، قال: «أعندك شيء» قالت: ليس عندي شيءٌ، قال: فأنا صائم قالت: ثم دار علي الثانية وقد أُهديَّ لنا حيسٌ فجئت به فأكل فعجبت منه، فقلت: يا رسول الله دخلت عليَّ وأنت صائم ثم أكلت حيسًا، قال: «نعم يا عائشة، إنما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجلٍ أخرج صدقة ماله، فجاد منها بما شاء فأمضاهٌ وبخل منها بما بقي فأمسكه».
أخبرنا عبد الله بن الهيثم، قال: حدثنا أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا سفيان عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد عن عائشة رضيَّ الله عنها.
شرح الشيخ: الحنفي هنا، بعض النسخ الحيسي، الحنفي صح.
قارئ المتن: عن عائشة رضيَّ الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء ويقول: «هل عندكم غداء؟» فنقول: لا، فيقول: «إني صائم» فأتانا يومًا وقد أهدي لنا حيسٌ فقال: «هل عندكم شيء» قلنا نعم أهدي لنا حيسٌ، قال: «أما إني قد أصبحت أريد الصوم فأكل خالفه قاسم بن يزيد».
أخبرنا أحمد بن حربٍ، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقلنا أُهديَّ لنا حيسٌ قد جعلنا لك منه نصيبا فقال: «إني صائم فأفطر».
أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا طلحة بن يحيى، قال: حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم فقال: «أصبح عندكم شيء تطعمينيه؟» فنقول: لا فيقول: «إني صائم»، ثم جاءها بعد ذلك فقالت: أهديت لنا هدية فقال: «ما هي؟» قالت: حيس قال: «قد أصبحت صائما فأكل».
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: «هل عندكم شيء قلنا لا قال: فإني صائم».
أخبرني أبو بكر بن علي، قال: حدثنا نصر بن علي قال: أخبرني أبي عن القاسم بن معن، عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة ومجاهد، عن عائشة رضي ؤلله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها فقال: «هل عندكم طعام؟» فقلت لا، قال: «إني صائم»، ثم جاء يومًا آخر فقالت: عائشة يا رسول الله إنا قد أٌهديَّ لنا حيسٍ فدعا به فقال: «أما إني قد أصبحت صائمًا» فأكل أخبرني عمرو بن يحيى بن الحارث، قال: حدثنا المعافى بن سليمان، قال: حدثنا القاسم عن طلحة بن يحيى عن مجاهد، وأم كلثوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة، فقال: «هل عندكم طعام؟» نحوه قال: أبو عبد الرحمن وقد رواه سماك بن حرب، قال: حدثني رجل عن عائشة بنت طلحة.
أخبرني صفوان بن عمروٍ، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب قال: حدثني رجل عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «هل عندكم من طعام؟» قلت: لا، قال: إذا أصوم قالت: ودخل عليَّ مرة أخرى فقلت: يا رسول الله قد أُهديَّ لنا حيسٌ فقال: «إذا أفطر اليوم وقد فرضت الصوم».
شرح الشيخ: يعني نويته، والحيس هو التمر والأقط والسمن، يُخلط بعضه على بعض، كما قال الشارع: السمن والتمر جميعًا والأقط هو الحيس إلا أنه لم يختلط، السمن والتمر جميعًا والأقط هو الحيس إلا أنه لم يختلط، الحيس تمر وسمن وأقط تُخلط.
في هذه الأحاديث دلت على أحكام منها أنه يجوز الصيام النفل من النهار، ولو بعد طلوع الشمس، لكنه لا يُحسب له من الأجر إلا من وقت نيته للصوم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم ضحى، ودخل وقال لهم عندكم طعام؟ قالوا: لا، قال: إني صائم، لكن الشرط إنه ما أكل، إنه ما أكل من الفجر ولا شرب، دخل الضحى ما أكل شيء من بعد الفجر، ولا شرب ماء، قال: هل عندكم طعام؟ قالوا: ما عندنا شيء، قال: إني صائم، نوى الصوم لا بأس بخلاف الفرض.
صيام رمضان، والنذر، والكفارة لابد من النية كما سيأتي في الأحاديث، لا صيام لمن لا يُبيت النية من الليل، هذا الحكم الأول أنه يجوز صيام النفل من النهار ولو بعد طلوع الشمس، لكن لا يُحسب له الأجر إلا من وقت نيته الصيام.
الحكم الثاني: أن من صام تطوعًا يجوز له أن يُفطر، ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، يجوز للإنسان أن يُفطر إذا صام تطوعًا، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل صوم التطوع مثل الرجل الذي يخرج من ماله صدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها».
أخرجت دراهم تتصدق بها، يجوز تمضيها ويجوز تمنعها، ما دام ما وصلت إلى يد الفقير، أنت لك الخيار، طلعت مثلًا دراهم قلت أنا أتصدق بها، ثم تصدقت ببعضها وبخلت ببعضها كذلك، ما لم تصل إلى يد الفقير، فكذلك الصائم، له أن يُمضي صومه، وله أن يُفطر، قول بعض العلماء إنه عليه أن يقضيها والصوم لا يجب عليه القضاء، التطوع لا يجب.
والحكم الثاني: أن من أخرج من ماله صدقة، فله إمضائها وله إمساكها، ما لا تصل إلى يد الفقير.
الرابع: أن من صام قضاء رمضان، فإنه يحرم عليه أن يُفطر إلا بالعذر قضاء، ولو في شهر رمضان، لمن صام قضاء رمضان يحرم عليه أن يفطر إلا من عذر يبيح له الفطر، كالمرض أو السفر، أو الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، كصيام رمضان.
لكن لا يجب عليها متابعة الأيام خلال رمضان، لو فرقها لا بأس في القضاء، لكن ليس له أن يفطر، صام النذر، الكفارة، رمضان، لا يُفطِر إلا بعذر، مريض أو مسافر، لكن النفل له أن يُفطِر.
خامسًا: أنه لا يجب تبييت النية في صيام التطوع، ويجب تبيتها في صيام الفرض.
قارئ المتن: ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك.
أخبرني القاسم بن زكريا بن دينارٍ، قال: حدثنا سعيد بن شرحْبيل.
شرح الشيخ: شرحْبيل بتسكين الحاء لا بفتحها.
قارئ المتن: حدثنا سعيد بن شرحْبيل، قال: أنبأنا الليث عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر عن حفصة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له».
شرح الشيخ: هذا الحديث مُرسل، موصول.
قارئ المتن: أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعدٍ، قال: حدثني أبي عن جدي، قال: حدثني يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له».
أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، وذكر آخر أن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، حدثهما عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يُجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم».
أخبرنا أحمد بن الأزهر، قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريجٍ.
شرح الشيخ: وقال هنا: («من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له»)؛ يعني من لم ينوي ليلًا، وهذا حديث («من لم يبيت الصيام»)؛ من الليل، الترمذي رجح أنه موقوف على حفصة، لكنه له حكم الرفع، وهو محمول على صيام الفرض، كرمضان، أداءً وقضاءً أو نذر أو كفارة، جمع بينها وبين حديث عائشة في صيام النبي صلى الله عليه وسلم تطوعًا من النهار السابق.
قارئ المتن: أخبرنا أحمد بن الأزهر، قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريجٍ، عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمرٌ، قال: سمعت عبيد الله عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة رضي الله عنهما أنها كانت تقول: من لم يُجمع الصيام من الليل فلا يصوم.
شرح الشيخ: (من لم يُجمع)؛ يعني يعزم وينوي.
قارئ المتن: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: قالت: حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر.
أخبرني زكريا بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن عيسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن حفصة رضي الله عنها قالت: لا صيام لمن لم يُجمع قبل الفجر.
أخبرنا محمد بن حاتم، قال: أخبرنا حِبان قال: أنبأنا عبد الله عن سفيان بن عيينة.
شرح الشيخ: حَبان بفتح الحا؛ لأنه حَبان بن موسى، قال أنبأنا حَبان.
الطالب: بفتح الحاء يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن حاتم، قال: أخبرنا حَبان قال: أنبأنا عبد الله عن سفيان بن عيينة، ومعمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه عن حفصة رضي الله عنها قالت: لا صيام لمن لم يُجمع الصيام قبل الفجر.
أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا سفيان عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن حفصة رضي الله عنها قالت: لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر.
أخبرنا أحمد بن حربٍ، قال أخبرنا سفيان عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله عن حفصة رضي الله عنها قالت: لا صيام لمن لم يُجمع الصيام قبل الفجر أرسله مالك بن أنس.
شرح الشيخ: يعني من كلام حفصة وهو رويَّ موقوفًا على حفصة ومنها مرفوعًا الحديث، عن حفصة أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرويَّ مرفوعًا وموقوفًا.
قارئ المتن: قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما مثله لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر.
شرح الشيخ: قال الحارث مسكين.
الطالب: قراءةً عليه.
الشيخ: قراءة عليه الصيغة في الأداء وقراءة على الشيخ وهو يسمع، للتحديث فالحديث متصل لا معلق، الصيغة في الأداء والقراءة على الشيخ، وهو يسمع، بخلاف التحديث، حدث الشيخ والترمذي يسمع، هنا صيغة الأداء والقراءة على الشيخ، قال (قراءةً عليه وأنا أسمع).
والحديث يقول أرسل في الحديث الذي بعده.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا لم يُجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصم.
شرح الشيخ: هناك في هذا الحديث عن حمزة عبد الله عن حفصة، يعني روى حمزة بن عبد الله عن حفصة، وكذلك في الحديث الذي قبله، وفي الأحاديث السابقة روى عن أبيه، ولا منافاة فإن حمزة سمع من حفصة فتارةً يروي عنها، وتارة يروي عن أبيه.
ويقول هنا قوله أرسله، حديث المسكين قراءة عليه، هنا قال: لا صيام لمن لا يُجمع الصيام قبل الفجر، أرسله مالك وأنس، والمراد بالإرسال يعني الانقطاع، يعني أرسل في الحديث الذي بعده، المراد بالإرسال الانقطاع، إن الزهري لم يستمع من عائشة.
فالعلماء يسمون الانقطاع إرسال بعضهم يسميه إرسال.
قارئ المتن: قال: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر.
شرح الشيخ: هنا الحديث منقطع، شهاب عن عائشة، منقطع لأن الزهري لم يسمع عن عائشة، بعض العلماء كالنسائي يسمي الانقطاع إرسالًا.
قارئ المتن: قال: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر.
شرح الشيخ: وهذا في صيام الفرض خاصة، يجب تبييت النية من الليل، دون صيام النفل فلا بأس منها، والنية فإذا قام بها في آخر الليل للسحور، فهذا وُجدت النية، ما يحتاج لتعب، إذا كنت تعلم أنك ستصوم غدًا، من أول الليل أو من نصفه أو من آخره، هذه هي النية.
ما تحتاج صنع دروع، كذلك الوضوء إذا قمت للوضوء هذه النية، وُجدت النية، وهذا يكون في صيام رمضان في كل ليلة يبيت النية من الليل؛ لأن كل يوم صومٌ مستقل، وعبادة مستقلة، وهذا أحد القولين، وقال بعض العلماء أنه يكفي النية من أول الشهر لصيام رمضان.
لأن المسلم ينوي أن يصوم رمضان كله، فلا حاجة، ولكن العلماء وقفوا أنه هذا في كل ليلة، وكما سبق الإنسان يعلم أنه سيصوم غدًا هذه هي النية، وكذا في صيام رمضان، صيام النذر لابد من تبييت النية من الليل.
قارئ المتن: صوم نبي الله داود عليه السلام.
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينارٍ عن عمرو بن أوسٍ أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه».
شرح الشيخ: نعم هذا هو صوم نبي الله داود كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا، هذا في الصوم، وفي الصلاة كان ينام نصف الليل، النصف الأول، ثم يقوم ثلثه، وينام السدس الأخير ليستعين به على أعمال النهار؛ لأنه كان قاضي يحكم بين الناس.
فنبيُ الله داود عليه السلام آتاه الله الملك والنبوة، وهو ملك ونبي، ومع ذلك ما شغله الملك عن العبادة، يصوم يوم ويُفطِر يوم، وهو ملك من الملوك ونبي، وينام وأحب الصيام إلى الله صيام داود، والصلاة كذلك، يقوم ثلث الليل وينام سدسه، ويصنع الدروع، ولا يفر إذا لاقى في الجهاد، تميز في الصلاة، في الصيام، في الجهاد لا يفر إذا لاقى، وفي صنع الدروع، والحكم بين الناس.
ولا يشغله المُلك عن العبادة العظيمة، يصوم يوم ويُفطر يوم هو ملك، هو ملك ونبي، الملوك يحتاجون للنوم والأكل ومع ذلك هذا يصوم يومًا ويُفطر يومًا، وفي صلاة الليل من النصف الأول ويقوم الثلث الأول، النصف الأول ما أحد ينام عندنا نحن في زماننا النصف الأول إلا قليلًا نادرًا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه، وينام نصف الليل الأول، قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلي، فكان النصف الثاني من الليل أفضل من النصف الأول، لأن النصف الثاني، هو السدس الرابع والخامس هذا قيام داود، والسدس الخامس والسادس هذا سدس الليل الآخر الذي هو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووقت التنزل الإلهي.
في الحديث الصحيح أن الرب ينزل ربنا كلنا إلى سماء الدنيا، في ثلث الليل إلى آخره، فيقول: من يدعوني فاستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني غفرت له، وثلث الليل الآخر هو السدس الخامس والسادس، فكان صلاة داود السدس الرابع والخامس، والسدس الخامس ينام ويستعين على قضاء النهار.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم السدس الخامس والسادس، في الثلث الليل الآخر، وكذلك النصف الثاني إذا كان بعد نصف الليل، فالمقصود أن نصف الليل الثاني بأثلاثه الثلاثة أفضل من النصف الأول، السدس الرابع والخامس صلاة داود.
والخامس والسادس: هذا وقت التنزل الإلهي، والنصف الأول كان النبي ينام، وكان داوود ينام، لكن نحن الآن متى ننام؟ في وقت التنزه الإلهي، قد تغير الله الله المستعان يَسَّر إلى ثلاث أرباع الليل، وإذا بقيَّ وقت التنزل الإلهي هو النوم.
قارئ المتن: صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك.
أخبرنا القاسم بن زكريا، قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثنا يعقوب عن جعفر، عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر.
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة.
شرح الشيخ: وهذا حديث لا بأس بسنده، جاء توثقيه في الرواية عند سعيد بن جبير، وهو في هذا الحديث، من الرواية التي سنتكلم عليها، كان يفطر الأيام البيض في حضرٍ ولا سفر، وهذا معروف في الأسفار يُفطر كثيرًا عليه السلام، أيام البيض هي أيام الله البيض التي يكون القمر فيها من المغرب إلى الصبح.
الطالب: قال: الحديث حسن تفرد به المصنِف.
الشيخ: فيه جعفر ثقة في الراوية عند سعيد بن الجبير، هذا الحديث روايته عن سعيد بن جبير وهنا في روايته عن سعيد بن جبير.
الطالب: قال جعفر بن المغير الخزاعي القميص يهم، قال: والشيخ رأى ابن الزبير ودخل مكة أيام ابن عمر مع سعيد بن جبير وذكرها ابن حبان في الثقات.
الشيخ: هذا ماذا؟
الطالب: قال أبو الشيخ رأى ابن الزبير، ودخل مكة أيام ابن عمر مع سعيد بن جبير، وذكره ابن حِبان في الثقات ونُقل عن أحمد بن حنبل توثيقه.
شرح الشيخ: الطالب: قال ابن منده: ليس بالقوي في سعيد بن جبير.
الشيخ: نعم، هذا ليس بالقوي.
الطالب: وقال الذهبي: صدوق، وقال أبو نعيم الأصبهاني: اسم أبو المغيرة دينار أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والمصنف وأبو داود والترمذي وابن ماجه في التفسير، وله عند المصنف في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.
الشيخ: ولكن صيام البيض مُستحب من قوله، والقول مُقدم النبي أوصى أبا الدرداء وأبا هريرة وأبا ذر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وقال كما سيأتي لأبي ذر: «إذا صمت ثلاثًا صم اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر»، أيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ثلاثة أيام مُستحب من أول الشهر أو وسطه أو آخره مجموعة مُفرقة، لكن إذا تيسر جعلها أيام البيض فَهُوَ أفضل وإنْ لم يتيسر يصومها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، الأمر واسع.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول ما يريد أنْ يصوم، وما صام شهرًا متتابعًا غير رمضان منذ قدم المدينة».
شرح الشيخ: وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن النضر بن مساورٍ المروزي، قال: حدثنا حمادٌ، عن مروان أبي لبابة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم».
شرح الشيخ: إذا انتهز الفرص عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ أحيانًا يكون مشغول فإذا حصل الفراغ سرد الصوم، وإذا حصل الانشغال سرد الفطر، يعني أوقات مشغول بتبليغ الرسالة ومقابلة الوفود والأسفار والغزوات والسرايا.
قارئ المتن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، عن خالدٍ، قال: حدثنا سعيدٌ، قال: حدثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلةً حتى الصباح، ولا صام شهرًا قط كاملًا غير رمضان».
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حمادٌ، عن أيوب، عن عبد الله بن شقيقٍ، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم قالت «كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة إلا رمضان».
أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهبٍ، قال: حدثنا معاوية بن صالحٍ، أنّ عبد الله بن أبي قيس، حدثه أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يصومه شعبان، بل كان يصله برمضان».
شرح الشيخ: فيه أنّ لربما وصل شعبان برمضان، بالغالب عليه أنْ يفطر من آخر أيامه، ولعل هذا تارةً يصله وتارةً يفطر، ومن صام أغلب الشهر وأفطر أيام يُقال أنه وصله، صوم الأغلب يطلق على صيام الكل، فمن صام الأغلب فكأنه صام الكل، فكان يصله برمضان أحيانًا يصله وأحيانًا أيام، في الغالب يفطر أيامًا منه في آخره.
قارئ المتن: أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود، قال: حدثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مالك، وعمروٌ بن الحارث، وذكر آخر قبلهما، أنّ أبا النضر، حدثهم عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يفطر، ويفطر حتى نقول ما يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان».
أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد، عن أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان».
أخبرنا محمد بن الوليد، قال: حدثنا محمدٌ، قال: حدثنا شعبة، عن توبة، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه «لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان، ويصل به رمضان».
أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهر أكثر صيامًا منه لشعبان، كان يصومه أو عامته».
شرح الشيخ: (أو عامته) يعني: أكثره.
قارئ المتن: أخبرني عمرو بن هشام، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن سعيدٍ، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنه، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلًا».
أخبرنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا بحيرٌ، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفيرٍ، أنّ عائشة رضي الله عنها، قالت: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله».
أخبرنا عمرو بن عليٍ، عن عبد الرحمن، قال: حدثنا ثابت بن قيسٍ أبو الغصن، شيخ من أهل المدينة، قال: حدثني أبو سعيدٍ المقبري، قال: حدثني أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أنْ يرفع عملي وأنا صائم».
شرح الشيخ: قال: «هو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين»، التخصيص يعني شهر شعبان بأنه تُرفع الأعمال فيه إلى رب العالمين: الأعمال تُرفع كل وقت، عن أبي موسى: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أنْ ينام» عند مسلم، «حجابه النور، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل».
وكذلك الاثنين والخميس تُرفع فيهما الأعمال، فهذا تكلم عليه عندك «هو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال»؟ معناه تُرفع الأعمال في غير شعبان، في كل شهر تُرفع الاثنين والخميس، وفي كل يوم، تخصيص شهر شعبان هنا.
الطالب: قال الشيخ ولي الدين رحمه الله: إنْ قلت ما معنى هذا مع ما ثبت في الصحيحين أنّ الله تعالى يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل.
الشيخ: هذا عندنا في الحاشية، هذا نقله عن الحاشية.
الطالب: قلت يحتمل أمرين.
الشيخ: نعم، أحدهما، هذا نقله بالحاشية، نقل بنصه: أنّ أعمال العباد تُرفع إلى الله كل يوم، ثم تُعرض عليه أعمال الجمعة في كل اثنين وخميس، ثم تُعرض عليه أعمال السنة في شعبان، فتُعرض عرضًا بعد عرض ولكل عرضٍ حكمة يطلع عليها ما يشاء من خلقه أو يستأثر بها عنده، مع أنه تعالى لا يخفى عليهم من أعمالهم، الثاني: المراد تُعرض في اليوم تفصيلًا، ثم في الجمعة جملةً أو بالعكس، في زيادة يعني؟ فقط ولا تكلم يعني؟
الطالب: ما تكلم.
الشيخ: يعني عن سنده قوله: «هو شهرٌ يغفل فيه الناس بين رجب»، كيف الغافل هذا يعني؟
الطالب: قال: هو حديثٌ حسن، قال عفا الله عنك: أراد والله أعلم أنهم يكثرون العبادة في هذين الشهرين ويتساهلون بينهما في شعبان.
الشيخ: فإنْ قيل في الحديث الآخر إنّ أفضل الصوم بعد رمضان صوم مُحرم، فكيف أكثر منه في شعبان دون محرم؟ ويجيب لعله لم يعلم فضل محرم إلا في آخر الحياة قبل تمكنه من صومه، أو لعله كان يرده فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم كالسفر والمرض ونحوهما.
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن عليٍ، عن عبد الرحمن، قال: حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن، شيخ من أهل المدينة، قال: حدثني أبو سعيد المقبري، قال: حدثني أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أنْ تصوم، إلا يومين إنْ دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: «أي يومين؟» قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: «ذانك».
شرح الشيخ: «ذانك» مثنى، اسم إشارة مُثنى، ذانك بالنون لا باللام.
قارئ المتن: قال: «ذانك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أنْ يعرض عملي وأنا صائم».
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرني ثابت بن قيسٍ الغفاري، قال: حدثني أبو سعيد المقبري، قال: حدثني أبو هريرة، عن أسامة بن زيد، «أنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم، فيقال: لا يفطر، ويفطر، فيُقال: لا يصوم».
أخبرنا عمرو بن عثمان، عن بقية، قال: حدثنا بحيرٌ، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفيرٍ، أنّ عائشة قالت: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس».
شرح الشيخ: هي تتكلم عن صيام الخميس، فبعض المعاصرين يشكك في أفضليه صيامه، يقولون الأفضلية للاثنين أما الخميس فالحديث فيه كلام، والحديث واضح هنا في صيام الاثنين والخميس، المؤلف ذكر بأسانيد متعددة.
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثنا عبد الله بن داود، قال: أخبرني ثورٌ، عن خالد بن معدان، عن ربيعة الجرشي، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين والخميس».
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبيد الله بن سعيد الأموي، قال: حدثنا سفيان، عن ثورٍ، عن خالد بن معدان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الاثنين والخميس».
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن منصورٍ، عن خالد بن سعدٍ، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين والخميس».
أخبرنا إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عاصم، عن المسيب بن رافعٍ، عن سواء الخزاعي، عن عائشة، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس».
أخبرني أبو بكر بن عليٍ، قال: حدثنا أبو نصر التمار، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن سواء، عن أم سلمة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الاثنين والخميس من هذه الجمعة، والاثنين من المقبلة».
أخبرني زكريا بن يحيى، قال: حدثنا إسحاق، قال: أنبأنا النضر، قال: أنبأنا حمادٌ، عن عاصم بن أبي النجود، عن سواء، عن حفصة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر يوم الخميس، ويوم الاثنين، ومن الجمعة الثانية يوم الاثنين».
شرح الشيخ: عاصم بن أبي النجود صاحب القراءات، حفصة عن عاصم صاحب القراءة فيه كلامٌ يسير.
قارئ المتن: أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار، قال: حدثنا حسين، عن زائدة، عن عاصم، عن المسيب، عن حفصة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وكان يصوم الاثنين والخميس».
أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال أبي، أنبأنا أبو حمزة، عن عاصمٍ، عن زرٍ، عن عبد الله بن مسعود، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر، وقلما يفطر يوم الجمعة».
شرح الشيخ: الحسن بن شقيق هذا ثقة، إذا قال أبي ليس بمدلس، يذكره عن أبيه علي بن الحسن، وقوله: «قلما يفطر يوم الجمعة» يعني: يصومه مع غيره فيصوم معه الخميس مثلًا، وليس المراد أنه يصوم الجمعة مفردًا لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة، قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ بين الأيام، ولا ليلتها بقيامٍ بين الليالي»، هو لا يفعل ما نهى عنه، المراد يعني: معه، صوم ما قبله يوم بعده ويوم قبله.
قارئ المتن: أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو كاملٍ، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن رجلٍ، عن الأسود بن هلال، عن أبي هريرة، قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى، وأنْ لا أنام إلا على وترٍ، وصيام ثلاثة أيام من الشهر».
شرح الشيخ: وهذا في الصحيحين، فيه وصى أبا هريرة بركعتي الضحى، وأنْ لا ينام إلا على وتر، يعني يوتر قبل أنْ ينام لأنه كان يدرس الحديث في أول الليل رضي الله عنه ولا يكتم، وأكثر الناس أكثر الصحابة رواية، كان يدرس.
يتحفظ الحديث أول الليل ثم يوتر قبل أنْ ينام لأنه يخشى ألا يقوم، فلهذا أوصاه أنْ يوتر قبل أنْ ينام، وكذلك أوصاه بصيام ثلاثة أيام من الشهر، صيام ثلاثة أيام وتحري الاثنين والخميس هل تعرض له الحديث؟ فيه كلام هذا؟ تحري يوم الخميس يعني ذكرها المؤلف يعني رواه برواية ابن سلمة، لأن بعض المعاصرين يشكك في هذا، في صحة الصيام يقول ما هو مُستحب الخميس، مُستحب الاثنين فقط.
قارئ المتن: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد الله، أنه سمع ابن عباسٍ، وسُئل عن صيام عاشوراء، قال: «ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم صام يومًا يتحرى فضله على الأيام، إلا هذا اليوم» يعني شهر رمضان، ويوم عاشوراء.
أخبرنا قتيبة، عن سفيان، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت معاوية، يوم عاشوراء وهو على المنبر، يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في هذا اليوم: «إني صائمٌ، فمن شاء أنْ يصوم فليصم».
شرح الشيخ: يقول إنه إذا قال إنّ معاوية قال: (أين علماؤكم؟) لما سمع من يوجبه أو يحرمه، يوجب صوم عاشوراء ويحرمه أو يكرهه، أراد إعلامهم أنه ليس بواجب ولا مُحرم ولا مكروه، قال: (أين علماؤكم؟) لأنهم هم من يعلمون الناس.
قارئ المتن: أخبرني زكريا بن يحيى، قال: حدثنا شيبان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الحر بن صياحٍ، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، قالت: حدثتني بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم، «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعًا من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر أول اثنين من الشهر وخميسين».
شرح الشيخ: «خميسين»: أول اثنين وخميس وخميس، وجاء: اثنين واثنين وخميس، أو اثنين وخميس وخميس، وهذا الحديث حديثٌ هنيدة نقص من سنده، وعليه فيكون استحباب صيام تسع ذي الحجة ثابتًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن فعله.
أما قوله في الصحيح عن ابن عباس: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من الأيام العشر» داخل فيه، لكن هنا إذا فيه كلام، من العلماء من تكلم فيه حديث هنيدة، وقال إنه صيام تسع ذي الحجة ثابت من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من فعله.
والسُنَّة تثبت بالقول والفعل والتقرير، والقول أبلغ من الفعل؛ لأنه قد يمنعه من الفعل مانع، يمنعه عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الأعمال يقوم بها تتعلق بالدعوة وتبليغ الرسالة ومقابلة الوفود، ولهذا بعضهم يتكلم في هنيدة وقالوا في صحته نظر تكلم عليه هنا لأّن النبي كان يصوم تسع من ذي الحجة، قال: إنّ هذا ثابت من قوله لا من فعله، وهذا الحديث أنه من قوله وفعله بصوم يوم عاشوراء وتسع من ذي الحجة.
الطالب: قال: حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هذا في إسناده امرأة هنيدة وهي مجهولة، لكنه صحيحٌ من حديث هنيدة نفسه عن حفصة رضي الله عنها، وسيأتي.
الشيخ: قال هذا يكون الصوم ثابت من قول النبي ومن فعله صيام ذي الحجة.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه:
أخبرني حاجب بن سليمان، قال: حدثنا الحارث بن عطية، قال: حدثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام الأبد فلا صام».
حدثنا عيسى بن مساور، عن الوليد، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: أخبرني عطاٌء، عن عبد الله، ح وأنبأنا محمد بن عبد الله، قال: حدثني الوليد، عن الأوزاعي، قال: حدثنا عطاءٌ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام الأبد فلا صام ولا أفطر».
أخبرنا العباس بن الوليد، قال: حدثنا أبي وعقبة، عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاءٌ، قال: حدثني من، سمع ابن عمر، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام الأبد فلا صام».
أخبرنا إسماعيل بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبي، عن الأوزاعي، عن عطاءٍ، قال: حدثني من، سمع ابن عمر، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من صام الأبد فلا صام».
أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمدٍ، قال: حدثنا ابن عائذٍ، قال: حدثنا يحيى، عن الأوزاعي، عن عطاء، أنه حدثه، قال: حدثني من، سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام الأبد فلا صام، ولا أفطر».
أخبرني إبراهيم بن الحسن، قال: حدثنا حجاج بن محمدٍ، قال: قال ابن جريج: سمعت عطاءً، أنّ أبا العباس الشاعر، أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: «بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم أسرد الصوم»، وساق الحديث، قال: قال عطاءٌ: «لا أدري كيف ذكر صيام الأبد لا صام من صام الأبد».
شرح الشيخ: يعني لم يعلم كيف قال صيام الأبد، مناسبة هذا الحديث ترجع وهو صوم النبي صلى الله عليه وسلم ولبيان أنّ صوم الأبد ليس من صيام النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هديه أنه يصوم الأبد، في الترجمة التي بعده سيأتي صيام الدهر.
قارئ المتن: النهي عن صيام الدهر، وذكر الاختلاف على مطرف بن عبد الله في الخبر فيه:
أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسماعيل، عن الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه مطرفٍ، عن عمران، قال: قيل: يا رسول الله، إنّ فلانا لا يفطر نهارًا الدهر، قال: «لا صام ولا أفطر».
أخبرني عمرو بن هشامٍ، قال: حدثنا مخلد، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، أخبرني أبي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذُكر عنده رجل يصوم الدهر، قال: «لا صام ولا أفطر».
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير، يحدث عن أبيه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صوم الدهر: «لا صام ولا أفطر».
ذكر الاختلاف على غيلان بن جريرٍ فيه:
أخبرني هارون بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: أنبأنا أبو هلال، قال: حدثنا غيلان وهو ابن جرير، قال: حدثنا عبد الله وهو ابن معبدٍ الزماني، عن أبي قتادة، عن عمر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا برجل، فقالوا: يا نبي الله، هذا لا يفطر منذ كذا وكذا، فقال: «لا صام ولا أفطر».
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن غيلان، أنه سمع عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صومه فغضب، فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، وسُئل عمن صام الدهر، فقال: «لا صام ولا أفطر» أو «ما صام وما أفطر».
شرح الشيخ: يعني هذا فيه بيان أنّ من يصوم الدهر لا صام ولا أفطر، يعني لا أجر له فهو لم يصم صومًا يُؤجر عليه، ولم يفطر مع المفطرين ويتمتع بما أحل الله له، وصوم الدهر إما حرام وإما مكروه، فهو هذا والحديث الأخير ماذا عندك؟
الطالب: قال عمر: رضينا بالله ربًا.
الشيخ: هذا الحديث فيه نكارة من جهة غضبه صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن صومه؛ لأنّ الأصل أنه اقتداء به بأفعاله صلى الله عليه وسلم يسأله حتى يقتدي به، فقال: قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] كيف غضب هنا؟ تكلم عن قوله: «فغضب»؟
الطالب: قوله: «فغضب»، قال العلماء رحمهم الله: سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته؛ لأنه يحتاج إلى أنْ يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم، وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين إليه لألا يقتضي به كل أحد، فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم وكان حق السائل أنْ يقول: كم أصوم؟ أو كيف أصوم؟ فيخص السؤال بنفسه ليجيبه ما يقتضيه حاله كما أجاب غيره من مقتضى أحوالهم. ذكره النووي في شرح مسلم.
الشيخ: السند لا بأس به.
قارئ المتن: سرد الصيام
أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: حدثنا حمادٌ، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، أنّ حمزة بن عمرو الأسلمي، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: «صم إنْ شئت، أو أفطر إنْ شئت».
شرح الشيخ: أما المحشي قال: «سُئل عن صومه فغضب» يحتمل أنه ما أراد إظهار ما خفي من عبادته بنفسه، فكره لذلك سؤاله.
الطالب: أو أنه خاف على السائل في أنْ يتكلف في الاقتضاء بحيث لا يبقى له الإخلاص، تكملة.
الشيخ: نعم، أو أنه خاف على السائل في أنْ يتكلف في الاقتضاء بحيث لا يبقى له الإخلاص في النية، أو أنه يعجز بعد ذلك.
إنّ صوم الدهر الآن من العلماء من قال إنه يجوز إذا أفطر الأيام المحرمة: الإفطار على عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق جاز له ذلك، وحمل النهي على إذا لم يفطر الأيام المحرمة، ومنهم من قال بأنه مكروه، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعبد الله بن عمرو قال: أصوم يومًا وأفطر يومًا؟ قال: إني أطيق أكثر، قال «لا أفضل من ذلك»، وقال في صوم الدهر: «لا صام ولا أفطر»، «لا صام من صام الأبد»، ظاهره أنه ممنوع وأنه لا يجوز.
جاء في حديث من كان فيه ضعف: «من صام الدهر ضيُقت عليه جهنم»، لكنه ضعيف الحديث ذكره ابن القيم في زاد المعاد، ولكن بعض العلماء يرى أنه لا بأس في الصيام، قال سرد جماعةٌ من السلف الصيام بشرط أنْ يفطر الأيام المحرمة، المحرمة هذه المعلوم هذه لا يصومها أحد، الأفضل وأعلم المنع وأنه إما مكروه وإما مُحرم، لا ينبغي الإنسان أنْ يصوم الدهر ويسرد.
قارئ المتن: صوم ثلثي الدهر وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك:
أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي عمارٍ، عن عمرو بن شرحبيل، عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: رجلٌ يصوم الدهر، قال: «وددت أنه لم يطعم الدهر»، قالوا: فثلثيه، قال: «أكثر»، قالوا: فنصفه، قال: «أكثر»، ثم قال: «ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
شرح الشيخ: هذا الحديث انفرد به النسائي من بين السنن الأربعة، وهو ضعيف في السرد فيه عنعنة الأعمش، لكن التدليس فيه يسير للأعمش قد عنعن، ونكارة المتن من جهة أنه قال: في صيام نصف الدهر: «أكثر»، وقد قال في حديث عبد الله بن عمرو إنه أفضل الصيام هو صيام داود.
والثاني أنه قال في ثلاثة أيام من الشهر إنه يذهب وحر الصدر يعني: وساوسه وقشة، وهذا فيه نظر فيه دليل فإن الذي يذهب وحر الصدر هو سلامته من الحقد والغل، ولو كان صيام ثلاثة أيام من الشهر يذهب وحر الصدر، لكان صيام نصف الصدر أولى من ذلك، ماذا قال عن الحديث في صحة الحديث؟ يعني في أنه يذهب وحر الصدر ومن جهة (قال: «أكثر»، قال: فنصفه؟ قال: «أكثر»).
الطالب: قال الجامع عفا الله عنه: وهذا الحديث صحيح ولا يُقال فيه سفيان والأعمش من المدلسين؛ لأنه تشهد له الأحاديث الآتية وهو من أفراد المصنف.
الشيخ: يبقى النكارة في المتن قوله: «يذهب وحر الصدر» وقوله: «أكثر» بالنظر إلى صحة السند، هذا ينظر إليه الفقهاء والمصنفون كثيرًا، لكن متن الحديث يُنظر.
الطالب: قال في بداية الباب: وجه الاختلاف المذكور أنّ سفيان الثوري رواه عن الأعمش عن أبي عمار عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجلٍ من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعله متصلًا وخلفه أبو معاوية فرواه عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل: أُتي رجلًا إلى آخره فجعله منقطعًا؛ لأنّ عمرو بن شرحبيل لم يحضر القصة، والقاعدة أنّ من حكى قصةً لم يشهدها تكون حكايته منقطعة كما أشار إليه الحافظ السيوطي في ألفيته، ثم إنّ الأرجح هنا هو الوصل لأنّ سفيان أحفظ وأتقن وأبو معاوية، وإنْ كان مُقدمًا في الأعمش إلا أنّ سفيان يُقدم عليه كما هو معلومٌ في محله.
الشيخ: هذا من السرد، لكن من جهة المتن ما تكلم من جهة المتن.
الطالب: الشيخ علق على «أكثر» هنا في الحاشية، قال: أي: هو أكثر من الحد الذي ينبغي، وأما قوله في النصف أنه أكثر فهو بناءً على النظر إلى أحوال غالب الناس، فإنه بالنظر إلى غالبهم يضعف ويخل في إقامة الفرائض وغيره، وإلا فهو صوم داوم، وقد جاء أنه أحب الصيام.
الشيخ: نعم، قال: هو أكثر من الحد الذي ينبغي، وأما عن قوله: «يذهب وحر الصدر» قيل: ما يحصل في القلب من الكدورات، وينبغي أنْ يُراد ههنا الحاصلة بالاعتياد على الأكل والشرب، فإن شرع الصوم لتصقيل القلب فكأنه أشار إلى أنّ هذا القدر يكفي في ذلك.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي عمارٍ، عن عمرو بن شرحبيل، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل صام الدهر كله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وددت أنه لم يطعم الدهر شيئًا»، قال: فثلثيه، قال: «أكثر»، قال: فنصفه، قال: «أكثر»، قال: «أفلا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟» قالوا: بلى، قال: «صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، قال قال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: «لا صام ولا أفطر» أو «لم يصم ولم يفطر»، قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟ قال: «أو يطيق ذلك أحدٌ؟»، قال: فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يومًا؟ قال: «ذلك صوم داود عليه السلام»، قال: فكيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومين؟ قال: «وددت أني أطيق ذلك»، قال: ثم قال: «ثلاثٌ من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، هذا صيام الدهر كله».
صوم يومٍ وإفطار يومٍ وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيه:
قال: وفيما قرأ علينا أحمد بن منيعٍ، قال: حدثنا هشيمٌ، قال: أنبأنا حصينٌ، ومغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
شرح الشيخ: لأنه قال لا يعني الراوي عن النسائي، يقول هو مسند متصل.
قارئ المتن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».
أخبرنا محمد بن معمرٍ، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن مجاهدٍ، قال: قال لي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يأتيها فيسألها عن بعلها، فقالت: نعم الرجل من رجلٍ لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ائتني به».
شرح الشيخ: مشغول بالعبادة، زوجه أبوه امرأة ذات حسب ولكن تركها، مقبل على العبادة يصوم النهار ويقوم الليل ويرفع القرآن في كل يوم، ما في وقت يأتي لأهله.
قارئ المتن: فقال: «ائتني به»، فأتيته معه، فقال: «كيف تصوم؟» قلت: كل يومٍ، قال: «صم من كل جمعةٍ ثلاثة أيام»، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «صم يومين وأفطر يومًا»، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «صم أفضل الصيام، صيام داود عليه السلام، صوم يومٍ وفطر يوم».
شرح الشيخ: «صم يومين وأفطر يومًا» هذا فيه غرابة يقول له: «صم يومين وأفطر يومًا» فإنه أكثر من صوم الدهر، فلعله هنا قال: صم يومًا وأفطر يومين.
قارئ المتن: أخبرنا أبو حصينٍ عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصينٌ، عن مجاهد.
شرح الشيخ: حصين يعني الوالد أحمد بن يونس أيام الشيخين البخاري ومسلم.
قارئ المتن: عن مجاهدٍ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: زوجني أبي امرأة فجاء يزورها، فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجلٍ لا ينام الليل، ولا يفطر النهار فوقع بي، وقال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها،
شرح الشيخ: يعني لامه والده، لكن ما اهتم حتى لامه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قارئ المتن: قال: فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أرى عندي من القوة والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لكني أنا أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فقم ونم، وصم وأفطر» قال: «صم من كل شهرٍ ثلاثة أيام»، فقلت: أنا أقوى من ذلك، قال: «صم صوم داود عليه السلام، صم يومًا وأفطر يومًا»، قلت: أنا أقوى من ذلك، قال: «اقرأ القرآن في كل شهرٍ»، ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك.
أخبرنا يحيى بن درست، قال: حدثنا أبو إسماعيل، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، أنّ أبا سلمة، حدثه أنّ عبد الله رضي الله عنه، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرتي، فقال: «ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار»، قال: بلى، قال: «فلا تفعلنَّ، نم وقم، وصم وأفطر، فإنّ لعينك عليك حقًا، وإنّ لجسدك عليك حقُا، وإنّ لزوجتك عليك حقًا، وإنّ لضيفك عليك حقًا، وإنّ لصديقك عليك حقًا، وإنه عسى أنْ يطول بك عمر، وإنه حسبك أنْ تصوم من كل شهر ثلاثًا، فذلك صيام الدهر كله، والحسنة بعشر أمثالها»، قلت: إني أجد قوة، فشددت، فشُدد علي، قال: «صم من كل جمعةٍ ثلاثة أيام»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فشددت، فشُدد علي، قال: «صم صوم نبي الله داود عليه السلام»، قلت: وما كان صوم داود؟ قال: «نصف الدهر».
شرح الشيخ: قال: (فشددت، فشُدد علي) لما كبرت سنه وحس بالتعب، فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم العظيم والنصف لأمته، حيث جاء لعبد الله بن عمرو ودخل بيته ودخل حجرته لإرادته نصف الأمة عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ وهذا فيه عدم من عدم قال: لعله يطول بك عمر، طالت عمره فكان بعد ذلك يسرد الصوم: ستة أيام يصوم وستة أيام يفطر ليتقوى، يصوم الستة أيام ثم يفطر مثلها، وهو لا يُجزى لكن لا يحب أنْ يترك شيء اتفق فيه مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو شيء اتفقوا عليه يستمر عليه، وإلا ما هو ليس بواجب، مُستحب.
قارئ المتن: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأقومنّ الليل ولأصومنّ النهار ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الذي تقول ذلك؟» فقلت له: قد قلته يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر»، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: «صم يومًا وأفطر يومين»، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: «فصم يومًا وأفطر يومًا، وذلك صيام داود، وهو أعدل الصيام»، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أفضل من ذلك» قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «لأنْ أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي».
شرح الشيخ: هذا لما قال في آخر حياته يقول: ليتني قبلت ثلاثة أيام؛ لأنّ كبرت سنه فصار يشق عليه الصيام، فكان يفطر الأيام متتابعة ثم يصوم مثلها يتقوى، وذلك لأنه لا يريد أنْ يترك شيئًا فارق عليه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قارئ المتن: أخبرني أحمد بن بكارٍ، قال: حدثنا محمد وهو ابن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قلت: أي عم حدثني عما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي، إني قد كنت أجمعت على أنْ أجتهد اجتهادًا شديدًا حتى قلت: لأصومنّ الدهر، ولأقرأنّ القرآن في كل يوم وليلة.
شرح الشيخ: (أجمعت) يعني: عزمت وصممت، صمم على الصوم كل يوم ويقوم الليل ويختم القرآن في كل صمم، شاب ونشيط عنده رغبة.
قارئ المتن: فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاني حتى دخل علي في داري، فقال: «بلغني أنك قلت لأصومنّ الدهر، ولأقرأنّ القرآن»، فقلت: قد قلت ذلك يا رسول الله، قال: «فلا تفعل، صم من كل شهرٍ ثلاثة أيام»، قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: «فصم من الجمعة يومين الاثنين والخميس»، قلت: فإني أقوى على أكثر من ذلك، قال: «فصم صيام داود عليه السلام، فإنه أعدل الصيام عند الله، يومًا صائمًا ويومًا مفطرًا، وإنه كان إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر».
شرح الشيخ: يعني داود عليه السلام: «إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر»، مميزات داود: إذا لاقى في الجهاد لا يفر، ولا يخلف الوعد، ويصوم ويفطر يومًا، ويقوم ثلث الليل، ويصنع الدروع، ويحكم بين الناس عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
قارئ المتن: ذكر الزيادة في الصيام والنقصان، وذكر اختلاف الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيه:
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمدٌ، قال: حدثنا شعبةٌ، عن زياد بن فياضٍ، سمعت أبا عياضٍ، يحدث عن عبد الله بن عمرو، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «صم يوما ولك أجر ما بقي»، قال: إني أطيق أكثر من ذلك.
شرح الشيخ: يعني صم يومًا من الشهر كما تدل عليه الأحاديث التي بعده، صم يوم ولك أجر بقية الشهر، هذا في أول الأمر.
قارئ المتن: قال: «صم يومين ولك أجر ما بقي»، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم ثلاثة أيامٍ ولك أجر ما بقي»، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي»، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم أفضل الصيام عند الله، صوم داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو العلاء، عن مطرفٍ، عن ابن أبي ربيعة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال: «صم من كل عشرة أيامٍ يومًا، ولك أجر تلك التسعة»، فقلت: إني أقوى من ذلك، قال: «صم من كل تسعة أيام يومًا، ولك أجر تلك الثمانية»، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: «فصم من كل ثمانية أيامٍ يومًا، ولك أجر تلك السبعة»، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل حتى قال: «صم يومًا وأفطر يومًا».
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا حمادٌ، ح وأخبرني زكريا بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صم يومًا ولك أجر عشرةٍ»، فقلت: زدني، فقال: «صم يومين ولك أجر تسعة»، قلت: زدني، قال: «صم ثلاثة أيامٍ ولك أجر ثمانية»، قال ثابتٌ: فذكرت ذلك لمطرفٍ، فقال: «ما أراه إلا يزداد في العمل وينقص من الأجر». واللفظ لمحمد.
صوم عشرة أيامٍ من الشهر واختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيه:
أخبرنا محمد بن عبيد، عن أسباطٍ، عن مطرفٍ، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار»، قلت: يا رسول الله، ما أردت بذلك إلا الخير، قال: «لا صام من صام الأبد، ولكن أدلك على صوم الدهر، ثلاثة أيامٍ من الشهر»، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم خمسة أيام»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «فصم عشرًا»، فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».
أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أمية، عن شعبة، عن حبيب، قال: حدثني أبو العباس، وكان رجلًا من أهل الشام وكان شاعرًا وكان صدوقًا، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق الحديث.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، حدثنا شعبة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت أبا العباس، هو الشاعر، يحدث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله بن عمرو، إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين، ونفهت له النفس».
شرح الشيخ: «هجمت» يعني: غارت ودخلت في وضعها، «ونفهت» يعني: تعبت وكلت.
قارئ المتن: «لا صام من صام الأبد صوم الدهر، ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله».
شرح الشيخ: إذاً: الحسنة بعشرة أمثالها، يعني: كل يوم عشرة أيام.
قارئ المتن: قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى».
أخبرنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ القرآن في شهرٍ»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: «في خمسة أيامٍ»، وقال: «صم ثلاثة أيامٍ من الشهر»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: «صم أحب الصيام إلى الله عز وجل صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».
أخبرنا إبراهيم بن الحسن، قال: حدثنا حجاجٌ، قال: قال ابن جريج، سمعت عطاءً، يقول: إنّ أبا العباس الشاعر، أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم أسرد الصوم، وأصلي الليل، فأرسل إليه، وإما لقيه فقال: «ألم أُخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل، فلا تفعل، فإنّ لعينك حظًا، ولنفسك حظًا، ولأهلك حظًا، وصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيامٍ يومًا ولك أجر تسعة»، قال: إني أقوى لذلك يا رسول الله، قال: «صم صيام داود إذًا» قال: وكيف كان صيام داود يا نبي الله؟ قال: «كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى»، قال: ومن لي بهذا يا نبي الله؟
شرح الشيخ: قوله: (ومن لي بهذا يا رسول الله) يعني: كأنه كان لا يستطيع، وهذا في إشكال لأنه يقول في الأدلة الأخرى قال: (إني أطيق أفضل من ذلك)، وهنا قال: (ومن لي بهذا يا نبي الله)، إنّ هذه الجملة تكلم فيها أحد لا بد من الجمع بينها وبين الكلمات الأخرى، الكلمات الأخرى قال: أريد أفضل من ذلك، (أطيق أفضل من ذلك).
الطالب: قال الجماع عفا الله عنه: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح غير شيخي إبراهيم بن الحسن المصيصي وهو ثقة، قوله: (ومن لي بهذا؟) أي: من يتكفل لي به أو من يحصله به، وأشار به إلى استبعاد عدم الفرار وتمني أنْ لو كانت له تلك القوة، يعني أرجعها إلى الفرار (ولا يفر إلى إذا لاقى)، يعني: أرجعها إلى الفرار ليس إلى الصيام.
الشيخ: إذا كان المذهب فيزول الإشكال.
قارئ المتن: صيام خمسة أيامٍ من الشهر:
أخبرنا زكرياء بن يحيى، قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: أنبأنا خالد، عن خالدٍ وهو الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، قال: دخلت مع أبيك زيد على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فحدث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر له صومي فدخل علي، فألقيت له وسادة أدم ربعة حشوها ليف، فجلس على الأرض وصارت الوسادة فيما بيني وبينه، قال: «أما يكفيك من كل شهرٍ ثلاثة أيام؟»، قلت: يا رسول الله، قال: «خمسًا»، قلت: يا رسول الله، قال: «سبعًا»، قلت: يا رسول الله، قال: «تسعًا»، قلت: يا رسول الله، قال: «إحدى عشرة»، قلت: يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر، صيام يومٍ وفطر يوم».
شرح الشيخ: فيه أنّ النبي دخل عليه فألقى له وسادة يتكئ عليها، من أدم يعني: من جلد، (ربعة حشوها) ربعة يعني: متوسطة لكن حشوها ليف النخل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوسادة بينه وبينه ما اتكأ كأنه مغضب، يقول ما جئت لأتكئ على الوسادة، جئت لأخبرك، (جعل الوسادة بينه وبينه): جلس على الأرض وجعلها بينه وبينه الوسادة، لأنه يقول أنه رأى أنه ما أعجبه فعله، وأما قوله: (قلت: يا رسول الله) يعني: زدني، (قلت: يا رسول الله، قال: «خمسًا») قال (02:16:57) يعني: زدني.
قارئ المتن: صيام أربعة أيامٍ من كل شهر
أخبرنا إبراهيم بن الحسن، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: حدثني شعبة، عن زياد بن فياضٍ، قال: سمعت أبا عياضٍ، قال: قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صم من الشهر يومًا ولك أجر ما بقي»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «فصم يومين ولك أجر ما بقي»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «فصم ثلاثة أيامٍ ولك أجر ما بقي»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم أربعة أيامٍ ولك أجر ما بقي»، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».
صوم ثلاثة أيام من الشهر:
أخبرنا علي بن حجر، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثةٍ لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبدًا: «أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر»
شرح الشيخ: وهذه هي الوصية التي أوصى بها أبا هريرة، أوصى بها أبا ذرة وأوصى بها الثلاثة: صلاة الضحى، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن علي بن الحسن، قال: سمعت أبي، قال: أنبأنا أبو حمزة، عن عاصم، عن الأسود بن هلال، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: بنومٍ على وترٍ، والغسل يوم الجمعة، وصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن رجلٍ، عن الأسود بن هلالٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وترٍ، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
أخبرنا محمد بن رافعٍ، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الأسود بن هلالٍ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بنوم على وتر، والغسل يوم الجمعة، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
ذكر الاختلاف على أبي عثمان في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر:
أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أبي عثمان، أنّ أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «شهر الصبر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر صوم الدهر».
شرح الشيخ: شهر الصوم هو شهر رمضان.
قارئ المتن: أخبرنا علي بن الحسن اللاني، بالكوفة عن عبد الرحيم وهو ابن سليمان، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي عثمان، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام ثلاثة أيامٍ من الشهر فقد صام الدهر كله»، ثم قال: «صدق الله في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]».
أخبرنا محمد بن حاتمٍ، قال: أنبأنا حبان، قال: أنبأنا عبد الله، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن رجلٍ، قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام ثلاثة أيامٍ من كل شهر فقد تم صوم الشهر»، أو «فله صوم الشهر». شك عاصم.
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن سعيد بن أبي هندٍ، أنّ مطرفًا، حدثه أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام حسن ثلاثة أيامٍ من الشهر».
أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: أنبأنا أبو مصعب، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي هند، قال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: نحوه مرسل.
أخبرنا يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاجٌ، عن شريك، عن الحر بن صياحٍ، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر»
كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك:
أخبرنا الحسن بن محمدٍ الزعفراني، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، عن شريكٍ، عن الحر بن صياحٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر: يوم الاثنين من أول الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه».
أخبرنا علي بن محمد بن عليٍ، قال: حدثنا خلف بن تميمٍ، عن زهيرٍ، عن الحر بن الصياح، قال: سمعت هنيدة الخزاعي، قال: دخلت على أم المؤمنين رضي الله عنها، سمعتها تقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيامٍ: أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه».
شرح الشيخ: هذا إنْ صح هو محمول على النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة، تارة يصوم الاثنين وخميسين، وتارة خميس واثنين واثنين، وعلى كل حال فيُشرع الصيام ثلاثة أيام من كل شهر من أوله أو وسطه أو آخره وإنْ صام أيام البيض كما في حديث أبي ذر هو أفضل، ولهذا في حديث أبي الدرداء وأبي هريرة أوصاهما بالصيام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يعين شيئًا من الأيام.
قارئ المتن: أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر، قال: حدثني أبو النضر، قال: حدثنا أبو إسحاق الأشجعي كوفي، عن عمرو بن قيسٍ الملائي، عن الحر بن الصياح، عن هنيدة بن خالدٍ الخزاعي، عن حفصة رضي الله عنها، قالت: «أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر، وركعتين قبل الغداة».
أخبرني أحمد بن يحيى، عن أبي نعيمٍ، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الحر بن الصياح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعًا من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر: أول اثنين من الشهر وخميسين».
أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الحر بن الصياح، عن هنيدة بن خالدٍ، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم العشر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر الاثنين والخميس».
أخبرنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهري، قال: حدثنا محمد بن فضيلٍ، عن الحسن بن عبيد الله، عن هنيدة الخزاعي، عن أمه، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميسٍ، والاثنين والاثنين».
أخبرنا مخلد بن الحسن، قال: حدثنا عبيد الله، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
شرح الشيخ: هنيدة بن خالد اُختلف في صحبته، قيل صحابي وقيل تابعي كما ذكر الحافظ التقي، قال البعض إنّ هذا الحديث مُضطرب لأنّ هنيدة تارةً والحديث عن حفصة أم المؤمنين، تارةً رُوي عن امرأته، تارةً رُوي عن أمه، ويؤيد عدم صحبته فيه منه صيام النبي يوم تسعة ذي الحجة، ولم يثبت ذلك عنه من فعله في الأحاديث الصحيحة أو أنه ثبت من قوله، تكلم عليه هنيدة بن خالد هنا في اضطراب الحديث؟
الطالب: قال عفا الله عنه: وجه الاختلاف المذكور أنّ في حديث ابن عمر حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنّ ثلاثة الأيام هي أول الاثنين من الشهر والخميسان بعده، وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها أنّ أول خميسٍ ويوما الاثنين بعده، في حديث جرير بن عبد الله أنها أيام البيض وهذا الاختلاف ليس اختلاف تعارضٍ وتضاد، وإنما هو اختلاف إباحةٍ وبيان جوازٍ، فيُحمل على أنه كان يفعل تارةً هذا وتارةً هذا، فكله جائزٌ ومُباح.
الشيخ: لا، هذا ليس حديث هنيدة الذي بعده، عن حديث هنيدة بن خالد عن امرأته قالت: «كان يصوم تسعًا من ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام».
الطالب: قال: الحديث صحيح وقد تقدم الكلام عليه.
الشيخ: بعضهم ذكر أنّ فيه اضطراب؛ لأنه تارةً رُوي عن حفصة وتارةً عن امرأته وتارة عن أمه.
الطالب: أول حديث قال فيه: إسناده صحيح، حديث الحر بن الصياح عن هنيدة قال: دخلت على أم المؤمنين، في الرواية الأخرى قال: الحديث في سند أبو إسحاق الأشجعي مجهول، لكنه صحيحٌ من وجهٍ آخر.
الشيخ: أبو إسحاق؟
الطالب: نعم، رواية أبو إسحاق الأشجعي عن عمرو بن قيس الولائي، وحديث: «كان يصوم تسعًا من ذي الحجة» قال: الحديث في سنده مجهولة لكنه صحيحٌ عن هنيدة، الحديث في سنده مجهولة امرأة هنيدة لا تُعرف.
الطالب: لكن هو ذكر الموضع الأول أنه يرويه مباشرة.
الشيخ: جاء من الطريق الآخر.
الطالب: رواه بدون امرأته.
الشيخ: قال إنه ذكر أنه ما ثبت صيام تسعة من فعله لكن هذه الأحاديث تثبت أنّ صيام تسعة ذي الحجة ثابتٌ من فعله ومن قوله عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
قارئ المتن: ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر في صيام ثلاثةٍ أيام من الشهر:
أخبرنا محمد بن معمرٍ، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنبٍ قد شواها فوضعها بين يديه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأكل، وأمر القوم أنْ يأكلوا، وأمسك الأعرابي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يمنعك أنْ تأكل؟» قال: إني أصوم ثلاثة أيامٍ من الشهر، قال: «إنْ كنت صائمًا فصم الغر».
شرح الشيخ: و«الغر» هي البيض ليالي القمر.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن عبد العزيز، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن فطر، عن يحيى بن سامٍ، عن موسى بن طلحة، عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ نصوم من الشهر ثلاثة أيامٍ البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".
أخبرنا عمرو بن يزيد، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت يحيى بن سام، عن موسى بن طلحة، عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
أخبرنا عمرو بن يزيد، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت يحيى بن سامٍ، عن موسى بن طلحة، قال: سمعت أبا ذرٍ بالربذة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صمت شيئًا من الشهر، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
شرح الشيخ: هذه الأحاديث هي لاستحباب أنْ يكون الصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر أيام البيض، وإنْ صامها في أول الشهر أو آخره أو وسطه حصلت السنية والأجر، لكن الأفضل إذا تيسر تكون أيام البيض.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن منصورٍ، عن سفيان، عن بيان بن بشرٍ، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، عن أبي ذر، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: «عليك بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» قال أبو عبد الرحمن: "هذا خطأٌ ليس من حديث بيان، ولعل سفيان، قال: حدثنا اثنان، فسقط الألف فصار بيان".
شرح الشيخ: يعني الخطأ في السند.
قارئ المتن: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا رجلان محمدٌ، وحكيمٌ، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم، عن بكرٍ، عن عيسى، عن محمد، عن الحكم، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، قال: قال أبي: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أرنبٌ قد شواها وخبزٌ، فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إني وجدتها تدمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لا يضر، كلوا»، وقال للأعرابي: «كل»، قال: إني صائم، قال: «صوم ماذا؟» قال: صوم ثلاثة أيام من الشهر، قال: «إنْ كنت صائمًا فعليك بالغر البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»، قال أبو عبد الرحمن: «الصواب عن أبي ذرٍ، ويشبه أنْ يكون وقع من الكتاب ذرٌ، فقيل أبي».
شرح الشيخ: وقوله: (تدمى) يعني: تحيض على وزن ترضى، (تدمى) يعني: تحيض، هناك بعض الحيوانات تحيض فالأرنب تحيض مثل المرأة، وقوله: (الصواب عن أبي ذر، ويُشبه) يقول إنّ هناك تحريف أن وقع في الكتاب ذر فقال: (قيل أبي).
قارئ المتن: أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث، قال: حدثنا المعافى بن سليمان، قال: حدثنا القاسم بن معنٍ، عن طلحة بن يحيى، عن موسى بن طلحة: أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مد يده إليها، فقال الذي جاء بها: إني رأيت بها دمًا، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، وأمر القوم أنْ يأكلوا، وكان في القوم رجل منتبذٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لك؟»، قال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فهلا ثلاث البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا يعلى، عن طلحة بن يحيى، عن موسى بن طلحة، قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بأرنبٍ قد شواها رجل، فلما قدمها إليه قال: يا رسول الله إني قد رأيت بها دمًا، فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها، وقال لمن عنده: «كلوا، فإني لو اشتهيتها أكلتها» ورجلٌ جالسٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادن فكل مع القوم»، فقال: يا رسول الله إني صائمٌ، قال: «فهلا صمت البيض»، قال: وما هن؟ قال: «ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالدٌ، عن شعبة، قال: أنبأنا أنس بن سيرين، عن رجلٍ يُقال له عبد الملك، يحدث عن أبيه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بهذه الأيام الثلاث البيض، ويقول: «هي صيام الشهر».
أخبرنا محمد بن حاتم، قال: أنبأنا حبان، قال: أخبرنا عبد الله، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت عبد الملك بن أبي المنهال، يحدث عن أبيه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بصيام ثلاثة أيام البيض، قال: «هي صوم الشهر».
أخبرنا محمد بن معمرٍ، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا همامٌ، قال: حدثنا أنس بن سيرين، قال: حدثني عبد الملك بن قتادة بن ملحان، عن أبيه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام أيام الليالي الغر البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".
صوم يومين من الشهر:
أخبرنا عمرو بن عليٍ، قال: حدثني سيف بن عبيد الله، من خيار الخلق، قال: حدثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال: «صم يومًا من الشهر» قلت: يا رسول الله، زدني زدني، قال: «تقول يا رسول الله زدني زدني، يومين من كل شهر»، قلت: يا رسول الله، زدني زدني إني أجدني قويًا، فقال: زدني زدني، أجدني قويًا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ليردني، قال: «صم ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
شرح الشيخ: نعم، الأصل الحديث في الطريقين، ونوفل بن أبي عقرب ثقة كما في التقريب.
قارئ المتن: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلامٍ، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال: «صم يومًا من كل شهر» واستزاده، قال: بأبى أنت وأمي أجدني قويًا، فزاده، قال: «صم يومين من كل شهر»، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أجدني قويًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أجدني قويًا، إني أجدني قويًا، فما كاد أْن يزيده، فلما ألح عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صم ثلاثة أيامٍ من كل شهر».
شرح الشيخ: والحديث له طريقان لأبي الأسود.
قارئ المتن: آخر ما عند الشيخ من صيام والحمد لله رب العالمين.
كتاب الزكاة
شرح الشيخ: بارك الله فيك، وفق الله الجميع، إنْ شاء الله نقف على هذا، إنْ شاء الله تكون الزكاة إن شاء الله من الفصل القادم، نسأل الله لنا ولكم حياة طيبة، الخميس القادم قراءة في التفسير للحافظ ابن كثير وكتبه إنْ شاء الله، وفق الله الجميع.