شعار الموقع

قراءة من سنن النسائي - كتاب الزكاة 2

00:00
00:00
تحميل
21

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، وبه استعين.

قارئ المتن: وبأسانيدكم حفظكم الله إلى الإمام النسائي رحمه الله تعالى قال:

باب إذا تصدق وهو محتاج إليه، هل يرد عليه؟

2536- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن عجلان، عن عياض، عن أبي سعيد، أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: «صل ركعتين» ثم جاء الجمعة الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: «صل ركعتين» ثم جاء الجمعة الثالثة، فقال: «صل ركعتين» ثم قال: «تصدقوا» فتصدقوا، فأعطاه ثوبين ثم قال: «تصدقوا» فطرح أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تروا إلى هذا، إنه دخل المسجد بهيئة بذة فرجوت أن تفطنوا له، فتتصدقوا عليه، فلم تفعلوا، فقلت: تصدقوا، فتصدقتم فأعطيته ثوبين، ثم قلت: تصدقوا، فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك، وانتهره».

شرح الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الحديث في سنده ابن عجلان فيه، يعني فيه ما يستغرب، تكلم عليه، في سنده؟

الطالب: قال الجامع: رجال هذا الإسناد خمسة وقد تقدموا في الباب الماضي، سوى عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي صرح القرشي العامري ثقة.

الشيخ: العجلان كذلك حسن.

الطالب: العجلان.

الشيخ: تكلم عن متن الحديث؟

الطالب: العجلان محمد المدني صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.

الشيخ: تكلم على صحة الحديث، تكلم عليه الأثيوبي؟

الطالب: قال عفا الله عنه: الحديث السابق.

الشيخ: لا، الحديث، هل تكلم عليه هذا الحديث سنده؟

الطالب: قال: الحديث صحيح، وقد تقدم رواه عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان، عن ابن عجلان به، وقد تقدم شرحه، والكلام على مسائله، وبقي الكلام على ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى في حكم التصدق، مع الحاجة إلى المال.

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: ومن تصدَّق وهو محتاج، أو أهله محتاجون، أو عليه دَينٌ، فالدَّين أحقُّ أن يُقْضى من الصدقة والعِتْق والهبة، وهو ردٌّ عليه، ليس له أن يُتلفَ أموال الناس.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله»؛ إلا أن يكون معروفًا بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة؛ كفعل أبي بكر رضي الله عنه حين تصدق بماله، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة.

وقال كعب بن مالك رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: «أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك» قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، انتهى كلام البخاري رحمه الله.

قال الطبري وغيره: وقال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه، وكان صبورًا على الإضاقة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز.

الشيخ: كان صبورًا على الإضاقة؟

الطالب: الإضاقة.

الشيخ: الإضاقة؛ يعني الضيف.

الطالب: ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضًا فهو جائز؛ فإن فقد شيء من هذه الشروط كره، وقال بعضهم: هو مردود.

وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله، ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الذي سيأتي للمصنف، وأخرجه الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر؛ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألك مال غيره؟» قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتريه مني؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم؛ فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدفعها إليه، ثم قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها؛ فإن فضل شيء فلأهلك؛ فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك؛ فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك، في لفظ للبخاري: أن رجل أعتق غلامًا له عن دبر؛ فاحتاج، الحديث.

فهذا الحديث يدل على أن من تصدق وهو محتاج يرد عليه، ولا تنفذ صدقته، قال آخرون: يجوز من الثلث، ويرد عليه الثلثان؛ وهو قول الأوزاعي، ومكحول، وعن مكحول أيضًا يردُ ما زاد على النصف.

قال الطبري رحمه الله تعالى: والصواب عندنا: الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعًا بين قصة أبي بكر، وحديث كعب، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الإمام البخاري رحمه الله تعالى هو الأرجح، وحاصله أن من تصدَّق بماله وهو محتاج أو أهله محتاجون، أو عليه دَينٌ، بطلت صدقته؛ إلا أن يكون معروفًا بالصبر كفعل أبي بكر رضي الله عنه، بهذا تجتمع الأدلة من غير تعارض، والله تعالى أعلم بالصواب.

الشيخ: انتهى، ولذلك النبي انتهره؛ لأنه تصدق بشيء بدون ما هو محتاج إليه.

 

 

قارئ المتن: صدقة العبد

2537- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت عميرًا مولى آبي اللحم، قال: أمرني مولاي أن أقدد لحمًا، فجاء مسكين، فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال: «لم ضربته» فقال: يطعم طعامي بغير أن آمره، وقال مرة أخرى: بغير أمري، قال: «الأجر بينكما».

2538- أخبرني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني ابن أبي بردة، قال: سمعت أبي يحدث، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم صدقة» قيل: أرأيت إن لم يجدها؟ قال: «يعتمل بيده، فينفع نفسه، ويتصدق» قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» قيل: فإن لم يفعل؟ قال: «يأمر بالخير» قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر، فإنها صدقة».

شرح الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قوله في هذا الحديث: «على كل مسلم»؛ يفيد الوجوب، وهذا يفيد العناية بالصدقة، وهذا الحديث أصله في الصحيحين  «على كل مسلم صدقة» وهذا مجمل ما عليه، تبينه النصوص الأخرى، صدقة الواجبة، الفريضة، الزكاة الواجبة وكذلك النفقة على الأهل والأولاد، وكذلك الصدقة على المحتاج إذا كان محتاجًا ومضطر، وعنده ما يسد حاجته تجب عليه ألا يتركها، وهكذا؛ وهذا يفيد العناية بالصدقة، وأن الصدقة قد تجب في غير زكاة، زكاة واجبة، ولكن أيضًا كذلك قد تجب فيه أحيانًا، تجب على الأهل، وتجب على الأولاد، تجب على الفقير إذا اشتدت حاجته، وهو يعلم حاجته، ولا يتركها.

قارئ المتن: صدقة المرأة من بيت زوجها

2539- أخبرنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل يحدث، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، كان لها أجر، وللزوج مثل ذلك، وللخازن مثل ذلك، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئًا، للزوج بما كسب، ولها بما أنفقت».

شرح الشيخ: وهذا فضلًا وإحسانًا، الخير عام يشمل الزوج، والزوجة، والخادم، كل له أجر، للزوج بما كسب، وللمرأة بما أنفقت، والخادم بما ناول، كل له أجر.

قارئ المتن: عطية المرأة بغير إذن زوجها

2540- أخبرنا إسمعيل بن مسعود، قال حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، أن أباه حدثه، عن عبد الله بن عمرو، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام خطيبًا فقال في خطبته: «لا يجوز لامرأة عطية، إلا بإذن زوجها» مختصر.

شرح الشيخ: وهذا محمول «لا يجوز لامرأة عطية»؛ من ماله لا من مالها، أما مالها فلها أن تتصدق، فلها أن تعطي، ولو لم تستأذن زوجها، ولكن لا الأولى أن تستأذن زوجها، ويدل على هذا أدلة، ميمونة رضي الله عنها لما تصدقت لمولى لها لم تعلم النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: أرأيت، وقال لها: «لو أعطيتي أخوالك لكان أعظم لأجرك».

قارئ المتن: فضل الصدقة

2541- أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: أنبأنا أبو عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده فقلن: أيتنا بك أسرع لحوقًا، فقال: «أطولكن يدا» فأخذن قصبة، فجعلن يذرعنها، فكانت سودة أسرعهن به لحوقًا، فكانت أطولهن يدا، فكان ذلك من كثرة الصدقة.

شرح الشيخ: والصواب: أنها زينب كما في رواية مسلم، وليست سودة، السيدة زينب أول من مات من الأزواج، والقول بأنها سودة وهم من بعض الرواة إن سودة بقيت إلى خلافة معاوية رضي الله عنه، في رواية مسلم أنها زينب، وليست سودة، والنبي قال: «أطولكن يدًا» فظنَّ على أن المراد بالطول الحسي، النبي فسر هذا بالطول المعنوي، «أطولكن يدًا»؛ يعني: إحسانًا، ونفقة، فقال: «أطولكن يدًا» فظنَّ أن المراد الطول الحسي، أتينا بقصبة يذرعنها، وفيه أن المراد الطول المعنوي، «أطولكن يدا»؛ يعني: صدقة، وانفاقًا، وإحسانًا، فلما توفيت زينب عرفوا بذلك أن المراد، الطول المعنوي.

قارئ المتن: باب أي الصدقة أفضل

2542- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: «أن تصدق، وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر».

2543- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: سمعت موسى بن طلحة، أن حكيم بن حزام، حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة، ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا، خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول».

2544- أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، عن ابن وهب، قال: أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثنا سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول».

2545- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري، يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها، كانت له صدقة».

2546- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر.

 

 

شرح الشيخ: وهذا في فضل الصدقة في حال الغناء، قال للرجل: «تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر»؛ يعني: تأمل الحياة والغنى، ففيه فضل الصدقة في حال الصحة والحياة عليها في حال المرض، الصدقة في حال الصحة والحياة أفضل من الصدقة في حال المرض، في حال المرض يرخص المال، يكون المال رخيص عند المريض، ولا سيما مرض الموت، بخلاف في حال الصحة، وفيه فضل الصدقة في حال الصحة والحياة عليها في حال المرض.

في الحديث قوله: «إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها» فقيل بقوله: (يحتسبها)؛ يدل على أنه يحتسب النفقة لأهله، ونوى بذلك القيام الواجب، واحتساب الأجر عند الله، كتب له بذلك صدقة، زيادة على ثوابه في أداء الواجب؛ النفقة، في أداءه لواجب النفقة على أهله؛ يعني: إذا أنفق الإنسان على أهله له أجر، لكن إذا احتسب فله أجر آخر، فإذا أنفق وهو غافل فإنه لا يكتب له الصدقة، بل يكون أدى الواجب فيثاب على الواجب، وإذا أنفق ويحتسب صار له أجر الاحتساب بالإضافة لأجر أداء الواجب.

يقول: «أفضل الصدقة، ما كان عن ظهر غنى»؛ فيه: فضل الصدقة في حال الغنى، على الصدقة في حال الفقر.

قارئ المتن:

2546- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألك مال غيره» قال: لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتريه مني»، فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمان مائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثم قال: «ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا يقول: بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك».

شرح الشيخ: فيه دليل على أن المدبر؛ وهو العبد الذي علق يدخل على الموت، حكمه حكم الوصية، يجوز بيعه وتغيره، وكذلك الصدقة والوصية بعد الموت له أن يتصرف بها، بخلاف الصدقة عن المنجزة؛ فالمنجز ينفذ في الحال، ويأخذه من يده ولا يتصرف فيه، مالًا يكون في مرض الموت؛ فيكون حكمه حكم الوصية، فالمدبر: وهو العبد الذي علق عتقه على الموت؛ حكمه حكم الوصية، يجوز بيعه وتغيره، وكذلك الصدقة والوصية بعد الموت فله أن يتصرف فيها، بخلاف الصدقة المنجزة، والوقت المنجز؛ فينفذ في الحال، ويخرج من يده، ولا يتصرف فيه، إلا إذا كان في مرض الموت فيكون حكمه حكم الوصية.

وفيه: فضل الصدقة على النفس، ثم على القرابة، وأنها أفضل من الصدقة على الأباعد والأجانب؛ ولهذا قال: «ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا» فيكون الترتيب الصدقة على النفس، ثم على القرابة، ثم الصدقة على الأباعد والأجانب.

 

 

قارئ المتن: صدقة البخيل

2547- أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، قال: سمعت أبا هريرة، ثم قال: حدثناه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل المنفق المتصدق، والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان، أو جنتان من حديد، من لدن ثديهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفق أن ينفق اتسعت عليه الدرع، أو مرت حتى تجن بنانه، وتعفو أثره، وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ولزمت كل حلقة موضعها، حتى إذا أخذته بترقوته، أو برقبته»، يقول أبو هريرة: أشهد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعها، فلا تتسع، قال طاووس: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يشير بيده وهو يوسعها ولا تتوسع.

2548- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل البخيل، والمتصدق، مثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه، حتى تعفي أثره، وكلما هم البخيل بصدقة، تقبضت كل حلقة إلى صاحبتها، وتقلصت عليه»، وانضمت يداه إلى تراقيه، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع».

شرح الشيخ: هذا مثال ضربه النبي للبخيل والمتصدق، أو المنفق، المنفق والبخيل، فيه مثل المنفق والمتصدق، بانشراح صدره، وطيبة نفسه، وبذل يديه، يمثله باتساع الدرع؛ حتى يصبغ عليه، ويصبغ بنانه، «تجن بنانه»؛ يعني: يستره، يستر أصابعه، يستره سترة كاملة، هذا مثل المنفق والمتصدق في انشراح الصدر، وطيب النفس، وبذل ما في اليد، باتساع الدرع، حتى يصبغ، ومثل البخيل في كف نفسه، ومنع يده، مثله بالدرع الذي ينقبض عليه، ويلتصق بجسمه فلا يتوسع، ولا حول ولا قوة إلا بالله، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، المثل يعني، ينتقل الإنسان من المثل المعنوي إلى المثل الحسي، فهو فيه زيادة إيضاح.

قارئ المتن: الإحصاء في الصدقة

2549- أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، حدثني الليث، قال: حدثنا خالد، عن ابن أبي هلال، عن أمية بن هند، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف، قال: كنا يومًا في المسجد جلوسًا، ونفر من المهاجرين والأنصار فأرسلنا رجلًا إلى عائشة ليستأذن، فدخلنا عليها، قالت: دخل علي سائل مرة، وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت له بشيء، ثم دعوت به، فنظرت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء، ولا يخرج، إلا بعلمك» قلت: نعم، قال: «مهلا يا عائشة، لا تحصي، فيحصي الله عزَّ وجلَّ عليك».

2550- أخبرنا محمد بن آدم، عن عبدة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة، عن أسماء بنت أبي بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «لا تحصي، فيحصي الله عزَّ وجلَّ عليك».

2551- أخبرنا الحسن بن محمد، عن حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فهل علي جناح في أن أرضخ مما يدخل علي؟ فقال: «ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عزَّ وجلَّ عليك».

شرح الشيخ: ارضخي؛ أعطي وأنفقي، الرضخ: العطية، حديث عائشة فيه أنها نظرت إليه، والحديث أسماء أصح، وهو في الصحيح، نظر عائشة، لا ينصح، مرادها: هل هو مناسب للفقير، أما النظر ففيه إشكال، تكلم عن قول النظر؟

الطالب: فنظرت إليه.

الشيخ: نعم لأنه في الحاشية هنا، قال: نظرت أي: قدر، قالت: نعم؛ تصديق وتقريب واللام بعد الاستفهام، يعني، يقول حاصل الجواب: أنها لا تريد ذلك، ولا تريد التكثير بهما، ما تكلم عليها؟

الطالب: تكلم عليها قال: فنظرت إليه، أي: فنظرت إلى ذلك الشيء لأعرف قلته وكثرته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما» الهمزة للاستفهام التقريري، وما نافية.

الشيخ: حديث عائشة، حيث الأسماء أصح

قارئ المتن: القليل في الصدقة

2552- أخبرنا نصر بن علي، عن خالد، حدثنا شعبة، عن المحل، عن عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا النار، ولو بشق تمرة».

2553- أنبأنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، أن عمرو بن مرة، حدثهم عن خيثمة، عن عدي بن حاتم، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار، فأشاح بوجهه وتعوذ منها ذكر شعبة أنه فعله ثلاث مرات، ثم قال: «اتقوا النار، ولو بشق التمرة، فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة».

شرح الشيخ: أصل الحديث في الصحيحين، في مسلم قصة المرأة التي سألت عائشة، والمعاملة لها، فأعطتها ثلاث ثمرات، وفي آخره: فأوجب الله لها بها الجنة، يقول: «اتقوا النار، ولو بشق التمرة»؛ أي: بنصف تمرة «فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة» فيه: أن القليل من الصدقة قد يتقي بها، «ولو بشق التمرة» يعني: ولو بنصف تمرة، «فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة» الكلمة الطيبة تقوم مقام الصدقة عند عدمها؛ يعني: يرده إلى الفقير، يرده بالكلام الطيب، إن شاء الله تأتينا في وقت آخر، الله يأتيه بالخير، أأتينا في وقت آخر، فالكلمة الطيبة تقوم الصدقة عند عدمها، والصدقة بالقليل تقوم مقام، يعني: الفقير إذا أعطيه شق تمرة، يعني الإنسان أعطيه شق تمرة تجمع له شيء، هذا يعطيه شق تمرة، وهذا شق تمرة، هذا يعطيه قليل، وهو أقل من الصدقة، هذا ريال، هذا خمسة، تجمع شيء يسد الحاجة.

 

 

قارئ المتن: باب التحريض على الصدقة

2554- أخبرنا أزهر بن جميل، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، قال: وذكر عون بن أبي جحيفة قال: سمعت المنذر بن جرير، يحدث عن أبيه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صدر النهار، فجاء قوم عراة حفاة متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن، فأقام الصلاة، فصلى ثم خطب، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18]تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه، من صاع بره من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام، وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا».

2555- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تصدقوا، فإنه سيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يعطاها لو جئت بها بالأمس قبلتها، فأما اليوم فلا».

شرح الشيخ: الأحاديث السابقة في الحث على الصدقة قوله: «ارضخي، لا توكي»؛ يعني: لا تمسكي؛ فيمسك الله عليك، يعني: مجزاة له بمثل عمله، من باب معاملة الإنسان ومجزاته بمثل عمله، «ولا توكي»: لا تمسكي الرباط الذي يربط فم القربة، ومعناه: يعني لا تمسكي، أنفقي ما تيسر، ولو بالقليل، وقوله: «ارضخي» يعني: عطية؛ يعني: لا تدخري، ولا تشدي ما عندك، وتمنعي ما في يدكِ.

وهذا الحديث، حديث المنذر بن جرير، في قصة العراة والحفاة الذين عامتهم المضر، النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل الحديث في  الصحيحين عن معاوية، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بهم من الفاقة، الحاجة والفقر، ثم خرج فأمر بلالًا فأذن، ثم أمر فأقام الصلاة، ثم حثَّ الناس على الصدقة، فقال معاوية (تصدق رجل من ديناره من درهمه) تصدق هذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: يتصدق، (تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه، من صاع بره من صاع تمره) حتى جاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» من سنَّ؛ يعني: أظهر السنة، وليس المراد أنه يأتي بشيء من عند نفسه، لا، أو يزاد في الشرع، هنا سن في الإسلام؛ يعني: صار قدوة للناس، امتثل الأمر، وصار قدوة للناس؛ فاقتدوه به.

جاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، ثم تتابع الناس؛ فاقتدوا به، وكذلك ما ذكرناه هناك سنة مهجورة، ثم أظهرها الإنسان، واتبعوه في ذلك فيعتبر سنَّ في الإسلام سنة، فيعطي في بلد فيه سنة مهجورة، سنة الضحى أو غيرها ثم أظهرها للناس، فيكون سنَّ في الإسلام سنة حسنة، وليس المراد أن الإنسان يشرع للناس، لا، يأتي بها بنفسه، الشريعة كاملة، والبدع ليس من السنة، البدعة التي يبتدعها الإنسان لا تسمى سنة، المراد: إظهار السنة، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار السنة للناس.

وأما حديث حارثة «تصدقوا، فإنه سيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يعطاها لو جئت بها بالأمس قبلتها، فأما اليوم فلا» الحث على الصدقة لقول: يأتي يوم لا تقبل منك؛ وذلك بسبب كثرة المال، وفيضه، وذلك قال العلماء: في زمن المهدي، أو زمن عيسى، قال البعض: إنه وقع ذلك في زمن عمر بن عبدالعزيز، في زمن المهدي الذي هو خليفة، الذي يحكم في آخر الزمان، في زمانه يخرج الدجال، ثم ينزل عيسى يفيض المال عند الناس، ويكثر حتى يطوف الرجل بالصدقة فلا يجد من يقبلها منه فيقول: «لو جئت بها بالأمس قبلتها، فأما اليوم فلا»، هذا حث على الصدقة في وقتها، قبل أن يأتي يوم لا تقبل منك، أو لا تدري من يأخذها، وكذلك في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه سيحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتكثر الصدقة في ذلك الوقت، من كثرة المال؛ ولأن الناس أيضًا عرفوا قرب يوم القيامة، الرغيب في الآخرة.

قارئ المتن: الشفاعة في الصدقة

2556- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: أخبرني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا، تشفعوا، ويقضي الله عزَّ وجلَّ على لسان نبيه ما شاء».

2557- أخبرنا هارون بن سعيد، قال: أنبأنا سفيان، عن عمرو، عن ابن منبه، عن أخيه، عن معاوية بن أبي سفيان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه، فتؤجروا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا، تؤجروا».

شرح الشيخ: هذا فيه استحباب للشفاعة عامة في الصدقة، وفي غيرها قال الله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} [النساء: 85].

فالشفاعة هيأن تضم صوتك إلى صوت الطالب، الإنسان يطلب شيئًا، يطلب حقه، ويطلب إعانة، ثم تشفع له، وتضم صوتك إلى صوته بالمقال، أو بالكتابة، هذه تسمى شفاعة.

الشفاعة تعني الشيء شفعًا بعد إن كان وترًا، الأول كان وحده يطالب؛ فلما شفعت له، وضممت صوتك إلى صوته؛ فأصبحوا اثنان بعد إن كان وحده، فالاثنان شفاعة، والواحد وتر، وكذلك الشفاعة في الصدقة، النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء»، يعني: الشافع مأجور، سواء قبلت شفاعته أم لم تقبل، في الحديث: «إن الرجل ليسألني عن الشيء فأمنعه، حتى تشفعوا فيه فتؤجروا» يشفع له سواء قبلت الشفاعة، أم لم تقبل، النبي شفع لبني  (34:23) ولم تقبل شفاعته في أن ترجع إلى زوجها، ومع ذلك وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمنع أن تشفع في إنسان كونه يخشى أن ترد شفاعته.

قارئ المتن: الاختيال في الصدقة

2558- أخبرنا إسحق بن منصور، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ابن جابر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الغيرة: ما يحب الله عزَّ وجلَّ، ومنها ما يبغض الله عزَّ وجلَّ، ومن الخيلاء: ما يحب الله عزَّ وجلَّ، ومنها ما يبغض الله عزَّ وجلَّ، فأما الغيرة التي يحب الله عزَّ وجلَّ: فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عزَّ وجلَّ: فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحب الله عزَّ وجلَّ: اختيال الرجل بنفسه، عند القتال، وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض الله عزَّ وجلَّ: الخيلاء في الباطل».

2559- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال حدثنا يزيد، قال حدثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا، وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف، ولا مخيلة».

شرح الشيخ: الحديث الأول يتكلم عليه عند ذكر حديث جابر «إن من الغيرة: ما يحب الله عزَّ وجلَّ» تكلم عن سنده؟

الطالب: قال: المسألة الأولى في درجته، حديث جابر بن عتيق رضي الله عنه، هذا صحيح؛ فإن قلت في سنده ابن جابر، وهو مجهول كما تقدم في كيف يصح، قلت: للحديث شاهد أخرجه ابن ماجه بسند صحيح في السنن، فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا وكيع عن شيبان أبي معاوية، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سهم، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الغيرة: ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما ما يحب فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة» فهذا إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، غير شيخ محمد بن إسماعيل الحمصي وهو ثقة أيضًا.

تنبيه: قوله: أبو سهم، في نسخة أبو شهم بالمعجمة غلط، والصواب: أبو سلمة، وهو ابن عبد الرحمن بن عوف الفقيه الحجة، المدني المشهور، كما بينه الحافظ المزي في تحفة الأشراف، وهكذا في تأديب الكمال، وأخرجه أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.

الشيخ: فيه إثبات الغيرة لله عزَّ وجلَّ، وإثبات المحبة، والبغض والرد على من أنكروا ذلك من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية، والله تعالى يصاب بالغيرة.

وفي الحديث الآخر، الإمام مالك أشار إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتعجب أن من غَيرة سعد «إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني» لما قال سعد: مررت واحد عند أهلي ضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غَيْرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني» لما قال سعد: مررت بالسيف غير مسفح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غَيْرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني» فاثبت الغيرة لله عزَّ وجلَّ، وهي وصف بما يليق بجلالته وعظمته، لا يماثل غيرة المخلوق، وفيه إثبات الغيرة للمخلوق، وهو أن الغيرة نوعان:

1. غيرة يحبها الله.

2. وغيرة لا يحبها الله.

 الغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة "الشك"، إذا كان في شك، ووجدت أسباب، ودليل يدل على ما يجيب ذلك؛ فالغيرة محمودة، والغيرة يبغضها الله تكون غيرة بدون سبب، بدون أسباب، التوهمات، والشكوك ليس عليها دليل، هذه يكرهها الله، والناس تشكك، ويتهم أهله وغيرهم بدون ما عنده دليل، توهمات من الشيطان وساوس، هذه يكرهها الله ما عليها دليل، أما الغَيرة التي لها دليل ولها أسباب هذه التي يحبها الله.

وكذلك الاختيال؛ الخيلة، منها ما يحبها الله عزَّ وجلَّ، ومنها ما يبغضه الله عزَّ وجلَّ، الخيلاء التي يبغضها الله عزَّ وجلَّ: هي الكبر والعجب، والخيلاء المحمود: يفعل النشاط، والفرح بنقاء الصدر من غير مَن والاستكثار، بخلاف ما يعطيه وهو كاره ونفسه غير مطمئنة، وليس المراد بالاختيال هنا التكبر؛ إنما الكبر والخيلاء الذي يكره الله عزَّ وجلَّ هو الخيلاء والعجب.

والحديث قال: «كلوا، وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف، ولا مخيلة»؛ يعني: هذا أمر بالأكل والصدقة، واتمتع بما أحل الله من غير إسراف، ويزيد على الحد، ومن غير خيلاء وكبر، واختيال على الناس.

قارئ المتن: باب أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه

2560- أخبرني عبد الله بن الهيثم بن عثمان، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال حدثنا سفيان، عن بريد بن أبي بردة، عن جده، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا» وقال: «الخازن الأمين: الذي يعطي ما أمر به طيبًا بها نفسه أحد المتصدقين».

شرح الشيخ: هذا فيه أن الخازن إذا تصدق بإذن مولاه فله الأجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا»؛ يعني: المؤمنون إخوة، متحابون، متعاونون، يحب بعضهم بعضًا، ويوالي بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضًا، قال: «الخازن الأمين: الذي يعطي ما أمر به طيبًا بها نفسه أحد المتصدقين» بهذا القيد:

أولًا: يعطي ما أمر به، لا يعطيه شيئًا إلا بإذن مولاه.

والثاني: يكون راضي، طيبًا بها نفسه، أحد المتصدِقِين، أو أحد المتصدقَين، أحد المتصدقِين.

أما الذي يعطي بغير إذن، أو يعطي وهو متكره، أو يؤذي من يعطيه، بعض الخازنين، أو بعض يعني الخدم، فيأخر ويؤذيه؛ يأمر، ولكنه يؤخر مدة ويؤذيه، هذا ما أعطاه عن طيب نفس، لابد من طيبة تطيب بها نفسه، ويعطي حسب الأمر الذي وجه إليه، حسب ما أمر لا يزيد ولا ينقص، ولا يتبرم، ولا يتكره، ولا يؤخر.

قارئ المتن: باب المسر بالصدقة

2561- أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة».

شرح الشيخ: قوله: أحد المتصدقين، روي بالتثنية، كما قال النووي: المتصدقَين بفتح القاف على التثنية، معناه: أن له أجر المتصدق، وبعضهم ضبته، أو ضبطت بمتصدقِين؛ فيكون هو متصدق من المتصدقين، على التثنية له أجر المتصدقَين، وعلى الجمع يكون هو متصدق من المتصدقِين.

وأما حديث عقبة بن عامر، هذا الحديث؟

قارئ المتن: باب المسر بالصدقة

2561- أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة».

شرح الشيخ: الصحيح: عن بحير بن سعد هو الذي يروي عن خالد بن معدان، وعنه معاوية بن صالح كما في التهذيب وغيره، الصواب: بدل يحيى بحير، بحير، صوبه عندك الأثيوبي؟ هذا الذي يروي عن خالد، ويروي عنه معاوية.

الطالب: صوبه في أصل المتن.

الشيخ: وفيه أن: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة»؛ يعني: القراءة سِرًّا أفضل، كما أن الصدقة سرًّا أفضل؛ إلا إذا وجدت مصلحة، يريد مصلحة مثلًا: كان يرفع صوته ليستمع من حوله، أو ليطرد النعاس، أو يصلي في الليل يجهر، وكذلك الإسرار في الصدقة، الصدقة في السر أفضل؛ إلا أن يترتب عليه مصلحة؛ كأن يقتضى به؛ فيعلن الصدقة، والله تعالى يقول: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ}[البقرة:271] وبيَّن أن الصدقة في السر أفضل، هذا هو الأصل، الصدقة في السر أفضل؛ إلا إذا ترتب عليه مصلحة، وكذلك الإسرار في القراءة أفضل، إلا إذا ترتب عليه مصلحة.

قارئ المتن: المنان بما أعطى

2562- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عمر بن محمد، عن عبد الله بن يسار، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى».

2563- أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن المدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير.

شرح الشيخ: في الحديث الذي قبله، حديث ابن عمر «ثلاثة لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إليهم» جاء في سنده عبد الله بن يسار، عبد الله بن يسار، قال في التقريب: مقبول، ذكره ابن حبان في الثقات، الحديث سنده ضعيف، لكن له شواهد يكون حسن لغيره، له شواهد في العاق لوالديه، وكذلك الديوث، والمرأة المترجلة لها شواهد في المعنى في حديث «لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل» وحديث «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال»، وقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب:33]قال تكلم عن سنده عندك؟

الطالب: قال: المسألة الأولى: في درجة حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا حسن، وعبد الله بن يسار روى عنه جماعة كما تقدم، ووثقه ابن حبان فهو حسن الحديث، والله أعلم.

الشيخ: حسن من شواهده يعني، تكلم عليه على الحديث؟

الطالب: قال: عبد الله بن يسار المكي الأعرج مولى ابن عمر مقبول، روى عن سعد بن سعد، وسعد بن عبد الله بن عمر المسلم المكي، وعنه عمر بن محمد بن زيد العمري، ويزيد بن إبراهيم التستري، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وسليمان بن بلال، ذكره ابن حبان في الثقات.

الشيخ: يعني حسن بشواهده، حسن وله شواهد، حسن لغيره.

قارئ المتن:

2563- أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد، قال: حدثنا شعبة، عن علي بن المدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم» فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو ذر: خابوا وخسروا، خابوا وخسروا، قال: «المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان عطاءه».

2564- أخبرنا بشر بن خالد، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، قال: سمعت سليمان وهو الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب».

شرح الشيخ: وهذا الحديث في صحيح مسلم، رواه مسلم في صحيحه، وفيه: أن هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وتوعدوا بهذا الوعيد، لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم؛ وهذا يدل على كل واحد ارتكب كبيرة «المسبل إزاره» فيه: تحريم الإسبال مطلقًا للخيلاء، ولغير الخيلاء، لكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلق، لكن إذا كان للخيلاء فالإثم أشد، الحديث الآخر «لو جر ثوبه خيلاء لا ينظر إليه» ولا يحمل المطلق على المقيد؛ لأن الحكم مختلف، إنما يحمل المطلق على المقيد إذا كان الحكم واحد، لو كان الحكم واحد يحمل أحدهما على الآخر، لكن هنا الحكم مختلف، «من جر ثوبه خيلاء»  عقوبته: لا ينظر الله إليه، ومن جر ثوبه لغير الخيلاء عليه هذا الوعيد الشديد، ويؤيده أيضًا حديث البخاري «ما أسفل من الكعبين ففي النار»؛ فدل على أن الإسبال محرم سواء للخيلاء، أو لغير خيلاء، للخيلاء يكون أشد، وقوله: «المسبل إزاره» هذا مثاله، والحكم عام للإسبال أي ملبوس، سواء إزار، أو قميص، أو سروال، أو عباءة، بشلة، بنطلون، ينزل تحت الكعب، ثوب، إزار، وكذلك إزار المحرم ينزل تحت الكعب ممنوع، بشلة، عباءة، هذا مثال، «المسبل إزاره».

«والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» منق: يدرجها، يدرج السلعة بالحلف، والله تعالى هذا بكذا، والله ما أعطينا غير كذا، والله ما جاءت غير بكذا، وهكذا، يدرجها، ويمشيها، وينفقها بالحلف الكاذب، قال: بعها، قال: بعشرة، قال: لا، قال: لا، والله ما دخلت عليَّ بهذا، هو كاذب، وهكذا يمشيها يدرجها بالحلف الكاذب.

«المنان بما أعطى»؛ الذي يقول: أعطيته، وأعطيته، وأعطيته يمنُّ عليه.

يتبيَّن بهذا أن الإسبال ممنوع مطلقًا سواء لغير خيلاء، أو لخيلاء، وللخيلاء إذا كان للخيلاء فيه العقوبة أشد، لا ينظر الله إليه، وإذا كان لغير الخيلاء متوعد بهذا الوعيد، وفي صحيح البخاري: «ما أسفل من الكعبين ففي النار» مطلقًا.

طالب: الإسبال هل يشمل الإسبال في اليدين؟

الشيخ: الإسبال في الثوب ما يغطي الكعبين، قال بعضهم: يكون الإسبال في اليد، ويكون في العمامة أيضًا، ويكون الإسبال في الأكمام؛ يطيل أكمامه، وكذلك الإسبال في العمامة، تكون العمامة طويلة، لكن في هذا الحديث الإسبال في الثوب، في الإزار تحت الكعب، المراد: ما تحت الكعب، أما ما كان فوق الكعب، أو إلى الكعب فلا بأس، في الحديث الآخر: «إزْرَة المسلم إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين»، أو كما جاء.

قارئ المتن: باب رد السائل

2565- أخبرني هارون بن عبد الله، قال: حدثنا معن، قال: حدثنا مالك، ح وأنبأنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن بجيد الأنصاري، عن جدته رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ردوا السائل ولو بظلف، في حديث هارون محرق».

شرح الشيخ: والظلف للبقر والغنم؛ كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، والمقصود هنا: المبالغة في إعطاء السائل والحديث سنده صحيح «ردوا السائل ولو بظلف» ظلف؛ يعني: شيء قليل، وقد لا يستفاد منه، ظلف محرق في حديث هارون، في حديث لا بأس بسنده فيه: أنه ينبغي في إعطاء السائل ورده ولو بشيء قليل، المقصود بقوله: بظلف: المبالغة، في الحديث الآخر عند الشيخ الأثيوبي: «اتقوا النار، ولو بشق التمرة»؛ كما سبق أي: نصف ثمرة، «فمن لم يجد فبكلمة طيبة» وهذا وصف الله تعالى للمتقين: بأن في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، قال:{فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25].

والسائل، قال: رد السائل له ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يعلم أنه مستحق؛ هذا يعطى ولو بشيء قليل، تعلم أنه مستحق وأنه فقير؛ تعلم حاله.

الثانية: أن يعلم أنه غير مستحق؛ هذا لا يعطى، وينصح، أو يزجر.

الثالثة: أن تجهل حاله، لا تدري؛ هذا يعطى ولو بشيء قليل.

ومنه قوله: «ولو بظلف» في حديث هارون محرق، يعني هذا الحديث له طريقان، المؤلف له الشيخان هارون بن عبد الله قال في الحديث: «ولو بظلف محرق» وقتيبة قال: «ولو بظلف» بغير محرق، لكن في هذا الحديث قال: محرق، بظلف محرق وهو هارون، والثاني بظلف ولم يقول: محرق، وهو قتيبة وابن سعيد.

قارئ المتن: باب من يسأل ولا يعطي.

2566- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت بهز بن حكيم، يحدث عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده، فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع يتلمظ فضله الذي منع».

شرح الشيخ: هذا وعيد شديد، قوله: «لا يأتي رجل مولاه» يعني: قريب، والمولى يطلق على القريب، كما قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} [الدخان:41]، والمولى له معاني: يطلق على السيد، ويطلق على العبد، ويطلق على القريب، والمراد هنا: القريب.

«لا يأتي رجل مولاه» يعني: قريب، أو «يسأله من فضل عنده، فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع يتلمظ فضله الذي منع» يعني: يأتي القريب، ويطلب قريبه من شيء زائد عن حاجة، ويمنعه، يأتي قريب محتاج، قريب محتاج إلى قريبه يسأله شيئًا زائد عن حاجته فلا يعطيه، هذا محتاج، وهذا عنده شيء زائد عن الحاجة «إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع» والشجاع الأقرع هو: الذكر من الحيات، الذي سقط شعر رأسه من كثرة السم، شجاع أقرع، سقط شعر رأسه من كثرة السم،  ذكر الحيات التي سقط شعرها؛ وهذا وعيد شديد على من منع فضل ماله قريبه، الذي سأله محتاجًا، يأتيه قريب ويسأله الحاجة، وهذا قريب عنده شيء زائد عن حاجته، ويمنع الشيء الزائد عن حاجته.

 

 

قارئ المتن: من سأل بالله عزَّ وجلَّ.

2567- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه».

شرح الشيخ: هذا من الأحاديث التي ذكرها الإمام محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد، باب من سأل بالله، «من سألكم بالله فأعطوه» ظاهر الأوامر في هذا الحديث الوجوب، أن من سأل يعطى، ومن استجار يُجار، ومن استعاذ يعاذ، وظاهر هذه الأوامر الوجوب، وأن من سأل يعطى يجب العطاء، ومن استعاذ يجب أن يعاذ، لكن هذا في حدود الشرع، النصوص يضم بعضها إلى بعض في حدود الشرع؛ فلو استعاذ بالله من إقامة الحد عليه لا يعاذ، شخص سرق ووجب عليه الحد، ووجب قطع يده يستعاذ بالله، قال: أعوذكم  ألا تقطعوا يده، لا يعاذ، يقام عليه الحد، ولو سأل بالله شخص غير مستحق لا يعطى؛ لأنه تجاوز الحد، وكذلك إذا قال: اسألكم بالله أن تعطوني مال فلان، اسألكم بالله مال شخص فلان، لا يعطى، وإذا لم يكن فقير، ويعرف غناه؛ لا يعطى من الزكاة، فالمقصود: أن هذا مقيد في حدود الشرع، وإن كان أصل الأوامر الوجوب، لكن هذا مقيد بالنصوص الأخرى.

قارئ المتن: من سأل بوجه الله عزَّ وجلَّ.

2568- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، قال سمعت بهز بن حكيم، يحدث عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: قلت: يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه، ألا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرأ لا أعقل شيئًا، إلا ما علمني الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإني أسألك بوجه الله عزَّ وجلَّ بما بعثك ربك إلينا؟ قال: «بالإسلام» قال: قلت وما آيات الإسلام؟ قال: «أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عزَّ وجلَّ، وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران لا يقبل الله عزَّ وجلَّ من مشرك بعدما أسلم عملًا، أو يفارق المشركين إلى المسلمين».

شرح الشيخ: وهذا حديث حكيم، عن أبيه، عن جده، أن جده حلف أكثر من عدد الأصابع؛ أنه لا يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله وفقه؛ فجاء مع حلفه الكثير من الأيمان، حلف أيمان كثيرة أنه لا يأتي، لكن الله وفقه وهداه، هو حلف قال: (لا آتيك، ولا آتي دينك) لكن الله وفقه، ثم قال:(أسألك بوجه الله عزَّ وجلَّ بما بعثك؟) ما استفهامية مع وجود الألف (قال: «بالإسلام» قال: وما دعوة الإسلام؟

(قال: «أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عزَّ وجلَّ، وتخليت»؛ يعني تخليت من المعبودات من دون الله «وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران» يعني هما؛ أيالمسلمان أخوان نصيران، ينصر كل واحد منهما الآخر، المؤمن ينصر أخاه، «لا يقبل الله عزَّ وجلَّ من مشرك بعدما أسلم عملًا، أو يفارق المشركين» أو: بمعنى إلى؛ يعني: لا يقبل الله من مسلم عملًا إلى أن يفارق المشركين، حتى يفارق المشركين، المضارع منصوب بأن مضمرة بعد أو، التقدير: أو أن يفارق المشركين؛ يعني إلى أن يفارق المشركين، أو هي بمعنى: إلى، إلى أن يفارق المشركين.

وفيه: وجوب الهجرة على من أسلم، من دار الشرك إلى دار الإسلام، إذا لم يقدر على إظهار دينه، فإذا لم يقدر على إظهار دينه وجب عليه أن يهاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.

قارئ المتن: من يسأل بالله عزَّ وجلَّ ولا يعطي به.

2569- أخبرنا محمد بن رافع، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: أنبأنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد القارظي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخير الناس منزلا؟» قلنا: بلى يا رسول الله قال: «رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عزَّ وجلَّ حتى يموت، أو يقتل، وأخبركم بالذي يليه؟» قلنا: نعم يا رسول الله، قال: «رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، وأخبركم بشر الناس؟» قلنا: نعم يا رسول الله، قال: «الذي يسأل بالله عزَّ وجلَّ، ولا يعطي به».

شرح الشيخ: وهذا فيه فضل الجهاد في سبيل الله قوله: «وأخبركم بالذي يليه؟» قلنا: نعم يا رسول الله، قال: «رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة» ، قال العلماء: هذا في آخر الزمان، عند فساد الزمان إذا نزع الخير من المدن والقرى، ولا يقيم بها جمعة ولا جماعة، ولا آمر ولا ناهي، وخاف الإنسان على نفسه من الفتن؛ فإنه يعتزل، ويذهب إلى شِعب؛ إلى البراري يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة في هذه الحالة، أما في وقت وجد الخير، والجمعة والجماعة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فلا ينبغي الإنسان أن يذهب إلى البرية ويتعرب، بل التعرب هذا من كبائر الذنوب يكون عربيًا بعد إن كان مهاجرًا؛ لأنه يبعد عن الخير، وعن سماع الذكر.

قال: «وأخبركم بشر الناس؟» قال: «الذي يسأل بالله عزَّ وجلَّ، ولا يعطي به»؛ يعني: الذي يجمع بين أمرين السؤال بالله، والثاني عدم الإعطاء لمن يسأله به تعالى، يسأل بالله ولا يعطيه، لا يعطيه المسألة بالله، هو يسأل بالله، وإذا سأله أحد بالله ما أعطاه به، فهنا جمع بين قبيحتين:

الأولى: السؤال بالله.

والثانية: عدم الإعطاء لمن يسأله بما سأله به تعالى.

فما يراعي حرمة اسم الله تعالى في الوصفين جميعًا، قال بعضهم: الذي يسأل بالله ولا يعطى، قالوا: هذا بعيد؛ يعني جعلهما قوله: يسأل ولا يعطى؛ لأن هذا ليس من صنع العبد، في أن يسأله السائل بالله، فلا وجه الجمع بينه وبين ترك الإعطاء، وإنما هو الذي يسأل بالله، ولا يعطيه به، يسأل هو بالله، وهو ممنوع السؤال بالله ولا يعطيه ما سأله بالله، تكلم عليها؟

الطالب: من جهة المعنى.

الشيخ: نعم.

الطالب: قال: «وأخبركم بشر الناس؟» قلنا: نعم يا رسول الله، قال: «الذي يسأل بالله عزَّ وجلَّ، ولا يعطي به». يحتمل بناء الفعلين للفاعل، ويكون المعنى: يسأل غيره بحق الله، ثم إذا سئل هو به لا يعطي؛ بل ينقص ويبخل.

الشيخ: بل؟

الطالب: بل ينقص ويبخل، ويحتمل بناء الأول للمفعول؛ أي: يسأله غيره بالله، ولا يجيب؛ يعني: أنه يسأله صاحب حاجة بأن يقول له: اعطني بالله، وهو يقدر، ولا يعطيه شيء؛ بلا يرده خائبًا.

قال الطيبي رحمه الله تعالى: الباء فيه كالباء في كتبت بالقلم؛ أي: يسأل بواسطة ذكر اسم الله تعالى، أو هي للقسم، أو الاستعطاف؛ أي: يقول السائل اعطني شيء بحق الله تعالى.

قال ابن حجر الهيثمي رحمه الله: أي: مقسمًا عليه بالله، استعطافًا إليه، وحملًا له على الإعطاء؛ بأن يقال له: بحق الله اعطني كذا لله، ولا يعطي مع ذلك شيئًا؛ أي: والصورة أنه مع قدرته علم اضطرار السائل إلى ما سأله، وعلى هذا يحمل قول الحليمي رحمه الله تعالى: أخذاً من هذا الحديث وغيره، إن رد السائل بوجه الله كبيرة، انتهى.

واختار السندي رحمه الله تعالى الاحتمال الأول واستبعد الثاني؛ حيث قال، قوله الذي يسأل بالله على بناء الفاعل؛ أي: الذي يجمع بين القبيحين أحدهما السؤال بالله، والثاني: عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى.

الشيخ: نعم، هذا ذكره السندي، واستبعد السندي أن يكون الفعلين مبني للمفعول، يُسأل بالله ولا يعطي.

الطالب: قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي استبعده السندي عندي غير مستبعد، فإن المعنى عليه صحيح أيضًا، ووجه ذلك: إن معناه: شر الناس هو الذي يسأل بالله تعالى، يسأله الناس شيء مما يقدر عليه بالله تعالى، ثم لا يعطيهم ما سألوه بالله تعالى، والحاصل إن الاحتمالين صحيحان، والله تعالى أعلم بالصواب.

الشيخ: «ولا يعطي به» الأول: الذي يُسأل بالله، يسأله الناس بالله، ولا يعطى به، كيف ولا يعطى به؟ يعني: لا زال الإشكال في الثاني، الأول: ممكن توجيه، يُسأل بالله إذا سأل بالله، ولا يعطى به إذا بنت للمجهول، لا يعطى به هو، كونه لا يعطى به يعني: إذا سأل بالله، هذا ليس من صنعه؛ كما قال السندي، الشيخ الأثيوبي ما انتبه للفعل الثاني، الأول ماشي؛ الذي يُسأل بالله؛ يسأله الناس بالله تعالى، قوله «ولا يعطي به» لا يعطى هو إذا سأل بالله؛ هذا ليس من اختياره، ليس من صنعه.

الطالب: الفعل الثاني مبني للمعلوم.

الشيخ: نعم، الفعل الأول: للمجهول، والثاني: للمعلوم، هنا قال ماذا؟ ما استبعده السندي ليس ببعيد، السندي استبعد بناء الفعلين.

الطالب: لو واحد سألك بالله أنك تعطيه مائتين ريال يلزمك تعطيه أو ما يلزمك.

الشيخ: فيه تفصيل إذا كان غير مستحق ما يلزمك.

الطالب: غير مستحق، يمكن يروح يشتري بها أشياء مضرة غير مفيدة ونافعة.

الشيخ: إذا كنت تعلم أنه يفعل معصية لا تعطيه.

قارئ المتن: ثواب من يعطي

2570- أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت ربعيا، يحدث عن زيد بن ظبيان، رفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله عزَّ وجلَّ، وثلاثة يبغضهم الله عزَّ وجلَّ، أما الذين يحبهم الله عزَّ وجلَّ: فرجل أتى قومًا فسألهم بالله عزَّ وجلَّ، ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم، فمنعوه، فتخلفه رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله عزَّ وجلَّ، والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رءوسهم، فقام يتملقني، ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له، والثلاثة: الذين يبغضهم الله عزَّ وجلَّ: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم».

شرح الشيخ: هذا الحديث في سنده زيد بن ظبيان، وهو مقبول، وبقية رجاله الثقات، لكن يشهد لهذا الحديث: حديث الأبرص، والأقرع، والأعمى، وهو في الصحيح، وهو في سؤال الملك لهم بالله قال: «أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال بعيرًا، وقال الأقرع: أسألك بالذي الشعر الحسن بقرة من المال، وقال الأعمى: أسألك بالذي رد عليك بصرك والمال أن تعطيني شاة»؛ وهذا في الصحيح، وهذا الحديث حسن بشواهده، وإن كان زيد بن ظبيان فيه الكلام.

والثاني: الرجل الذي قام يصلي في الليل، صار «وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رءوسهم، فقام يتملقني، ويتلو آياتي»؛ يعني: صاروا الليل متعبون فناموا؛ وقام هو من بينهم يصلي، ويتلي آيات الله، ويتدبر.

والثالث: «رجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له».

والذين يبغضهم الله:

الأول: «الشيخ الزاني» يعني: الرجل الكبير، الزنا محرم، ولكن إذا كان من الشيخ الكبير يكون أعظم وأشد؛ لأن الداعي أقل بخلاف الشاب، قد يكون الداعي أقوى، لكن الشيخ الذي تقدم به السن ثم يزني؛ هذا يدل على محبته للفواحش، نعوذ بالله.

والثاني: «والفقير المختال» فقير، الغني إذا تكبر، قد يقال: الداعي وجود المال، لكن هذا فقير ليس عنده شيء، ويتكبر؛ هذا يدل على محبته للكبر، وما عنده مال.

والثالث: «والغني الظلوم» الغني أغناه الله، ثم يظلم.

ماذا قال عليه عندك؟

الطالب: قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث صحيح، ويقول في الحاشية، قال: تقدم في الباب المذكور أن سنده ضعيف، من أجل زيد بن ظبيان؛ فإنه مجهول الحال، لم يرو عنه غير بعير بن حراش، لكن قدمته هناك شاهدًا من رواية أحمد بسند صحيح نحوه فراجعه.

تقدم للمصنف في كتاب الصلاة، وتقدم شرحه والكلام على مسائله، ودلالة الحديث على الترجمة واضحة؛ حيث أنه يدل على ثواب من أعطى السائل بالله تعالى، ولاسيما في حالة منع الناس له؛ فإنه يدل على تعظيم اسم الله تعالى؛ فأثابه الله تعالى بمحبته له.

قوله: (فرجلٌ) أي: فأحدهم معطي رجل، وقوله: (فتخلفه)؛ أي: مشى خلفه، قوله: (وقوم)؛ أي: والثاني قارئ قوم، قوله: (مما يعدل به)؛ أي: يساويه، قوله: (يتملقني)؛ أي: يتضرع لدي بأحسن ما يكون.

وأما الثلاثة الذي يبغضهم الله تعالى: فسيأتي شرحهم بعد باب إن شاء الله تعالى.

الشيخ: نعم، يعني ذكر حديث الأبرص، والأقرع، وهو في الصحيح أقوى شاهد، وذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد إذا كان ذكره يكون شاهد آخر أيضًا.

قارئ المتن: تفسير المسكين.

2571- أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسماعيل، قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي ترده التمرة، والتمرتان، واللقمة، واللقمتان، إن المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم{لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة: 273]».

2572- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان» قالوا: فما المسكين؟ قالوا: «الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له، فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس».

2573- أخبرنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان» قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يجد غنى، ولا يعلم الناس حاجته، فيتصدق عليه».

2574- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد، وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئًا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجدي شيئًا تعطينه إياه، إلا ظلفًا محرقًا، فادفعيه إليه».

شرح الشيخ: وهذا من باب المبالغة في إعطاء الفقير القليل من الصدقة؛ «إن لم تجدي شيئًا تعطينه إياه، إلا ظلفًا محرقا» الظلف حافر الدابة محرق، ومثل حديث: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» الحديث السابق.

وقوله: «ليس المسكين الذي ترده التمرة، والتمرتان»، وفي الحديث الآخر: «الأكلة والأكلتان» يعني: ليس المسكين، الكامل المسكنة، أو شديد الحاجة، الذي ترده التمرة والتمرتان؛ لأن الذي ترده التمرة هذا مسكين، هذا صحيح مسكين، لكن هناك من هو أشد منه؛ هذا مسكين تعطيه التمرة، وهذا يعطيه كسرة لقمة ترضيه، وهذا يعطيه ريال، وهذا يعطيه خمسة يتجمع شيء، لكن أشد منه المتعفف الذي لا يجد غنى يغنيه، ليس عنده شيء، ولا يفطن له الناس لتصدق عليهما يعلمون حاله ولا يقوم يسأل الناس، هذا يموت في بيته ما يعلم عنه أحد، هذا هو الذي يجب أن يبحث عنه أكثر، فهذا نفي الصفة عما وجدت فيه؛ لإثباتها لمن هو أشد منه، وأمكن في هذه الصفة.

«ليس المسكين الذي ترده التمرة، والتمرتان، واللقمة، واللقمتان» لكن المسكين الذي أشد منه الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، فعليه ثياب الغني، ومظهره مظهر الغني، ولا يقوم فيسأل الناس حتى ينتبهوا إليه، المتعفف لا يسأل الناس، وليست عليه علامة الفقر، ولا يعلم فقره الناس، هذا يموت في بيته ولا يعلم عنه، أما المسكين الذي يقوم يسأل الناس أمامهم يعطونه، هذا يعطيه كذا تمرة، هذا يعطيه كسرة، كما قال النبي: «ليس المسكين الذي ترده التمرة، والتمرتان، واللقمة، واللقمتان، إن المسكين المتعفف» الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدقوا عليه، ولا يقوم فيسأل الناس، يعني: المسكين الذي هو أشد منه المتعفف، الذي لا يجد غنى، ولا يعلم الناس حاجته، وهذا نفي الوصف لمن هو فيه لإثباته لمن هو أشد منه، تمكنًا.

وهذا مثل الحديث: «ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» الصرعة يعني: يصرع الناس، هذا قوي شديد، لكن أشد منه الذي يملك نفسه عند الغضب، أشد منه قوة الذي يقهر نفسه عند الغضب، الذي يصرع الناس هذا شديد وقوي، لكن أشد منه الذي يقهر نفسه، هذا نفي الصفة لمن هو أشد، ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، كما أن السائل مسكين لكن أشد منه مسكنة: المتعفف الذي لا يسأل الناس، والحديث في الصحيحين.

قارئ المتن: الفقير المختال

2575- أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن ابن عجلان، قال: سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: الشيخ الزاني، والعائل المزهو، والإمام الكذاب».

2576- أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يبغضهم الله عزَّ وجلَّ: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر».

شرح الشيخ: هذا ترجم له المؤلف قال: (الفقير المختال) يعني: فقير، ومع ذلك متكبر.

«ثلاثة لا يكلمهم الله» يدل على: أن هؤلاء ارتكبوا كبائر.

الأول: «الشيخ الزاني»؛ الزاني مع تقدم السن، الزنا حرام من الشاب ومن الشيخ، لكن الشيخ أشد؛ لأن الشاب عنده داعي، والشيخ ما عنده داعي؛ فهذا يدل على حبه للفواحش، «والعائل المزهو» المتكبر، الكبر ممنوع من الفقير، ومن الغني، لكن الغني عنده داعي، لكن الفقير ما الداعي له أن يتكبر؛ فهذا يدل على حبه للفاحشة.

والثاني: «والإمام الكذاب» إمام كذاب يعني: لا حد يمنعه إمام، ورئيس لا أحد يمنعه، لكن ماذا يدعيه إلى الكذب؟ ما في داعي، حتى ولو ما كذب الناس ما بدهم شيء؛ فكونه يكذب هذا يدل على حبه للكذب من غير داعي.

وفي الحديث الثاني: «البياع الحلاف» الحلاف؛ يعني: كثير الحلف، ليبيع سلعته، «والإمام الجائر»؛ يعني: الظالم.

قارئ المتن: فضل الساعي على الأرملة.

2577- أخبرنا عمرو بن منصور، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة، والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ».

شرح الشيخ: فيه فضل الساعي على الأرملة، وهي التي ليس لها من ينفق عليها، الأرملة هي التي ليس لها من ينفق عليها، سواء كانت من الأقارب، أو من غيرهم، وإذا كانت من الأقارب كان أولى، الذي ينفق عليها كالمجاهد في سبيل الله.

قارئ المتن: المؤلفة قلوبهم.

2578- أخبرنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي وهو باليمن بذهيبة بتربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان فغضبت قريش، وقال مرة أخرى: صناديد قريش؛ فقالوا: تعطي صناديد نجد، وتدعنا قال: «إنما فعلت ذلك لأتألفهم» فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد، قال: «فمن يطيع الله عزَّ وجلَّ إن عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»، ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم، في قتله يرون أنه خالد بن الوليد؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد».

شرح الشيخ: هذا في المؤلفة قلوبهم، قوله: (عن عبد الرحمن بن أبي نُعم) والصواب هو: نعم بدون ياء، (عن سعيد بن مسروق، عن عبد الرحمن بن أبي نعم) الصواب: أبي نعم بدون الياء كما في التقريب، وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى هؤلاء الأربعة ليتألفهم على الإسلام، وهم رؤساء القبائل؛ (الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة) فغضبت قريش، وقالت: يعطي صناديد قريش، ويدعنا قال: إنما أعطيتهم لأتألفهم على الإسلام؛ يعني: يعطيهم حتى يتقوى الإيمان والإسلام، فيعطي من دخل في الإسلام حديثًا، حتى يتقوى إيمانهم، ومن دخل الإسلام مضى عليه مدة يكله إلى إيمانه، هذا إيمانه قوي لا يعطيه، فيتألفهم على الإسلام.

وفيه: أن الإمام له أن ينفل، ويعطي من الغنيمة وغيرها، لمصلحة الإسلام والمسلمين، له أن يقسم ويعطي من الغنيمة، وغيرها من مصادرها، فثار عليه (رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس قال: اتق الله يا محمد)؛ هذا أصل الخوارج، الخوارج أصلهم هذا

الطالب: ذو الخويصرة

الشيخ: نعم، ذو الخويصرة في الحديث الآخر اسمه ذو الخويصرة، (قال النبي لهم: «فمن يطيع الله عزَّ وجلَّ إن عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني» ثم أدبر الرجل فاستأذن خالد في قتله، فمنعه قال: «إن من ضئضئ هذا»؛ أي: من مثل هذا وما يشبه، يعني: من أشباه، وهو من الخوارج، «قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان» هذا وصفهم، يقتلون المؤمنين، ولا يقتلون الكفار، «يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» قوم عاد: قوم كفار.

وهذه الأدلة يعني: قوية في كفرهم، وهي رواية عن الإمام أحمد، لكن الجمهور حملوها على أنهم مبتدعة، الصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، ولكن الأحاديث قوية، يعني: الاستدلال بها على كفرهم دليل قوي.

قارئ المتن: الصدقة لمن تحمل بحمالة

2579- أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، عن هارون بن رئاب، قال: حدثني كنانة بن نعيم، ح وأخبرنا علي بن حجر، واللفظ له قال: حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن هارون، عن كنانة بن نعيم، عن قبيصة بن مخارق، قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فيها فقال: «إن المسألة لا تحل، إلا لثلاثة رجل تحمل بحمالة بين قوم فسأل فيها حتى يؤديها، ثم يمسك»

2580- أخبرنا محمد بن النضر بن مساور، قال: حدثنا حماد، عن هارون بن رئاب، قال: حدثني كنانة بن نعيم، عن قبيصة بن مخارق، قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك» قال: ثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو سِدادًا من عيش، ورجل أصابته جائحة، فاجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو سِدادًا من عيش، فما سوى هذا من المسألة يا قبيصة؟ سحت يأكلها صاحبها سحتا».

شرح الشيخ: وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه؛ وفيه: أن المسألة لا تحل إلا لهؤلاء الثلاثة.

«رجل تحمل بحمالة»، يعني: تحمل في ذمته أموال يصلح بين الناس، بين القبائل، بينهم نزاع وشقاق يتحمل؛ هذا يعطي من الزكاة، تشجيعًا له، وتقديرًا على عمله النبيل.

والثاني: «رجل أصابته جائحة» حتى يقول: يشهد له ثلاثة من أصحاب ذوي العقول، أنه أصابته جارحة؛ فتحل له المسألة حتى يتحصل ما يزيد حاجته.

رجل تحمل حمالة، والثاني: رجل أصابته جائحة، ورجل أصابته فاقة، رجل أصابته جائحة فاستاحت ماله، فإنه يسأل حتى يحسن له؛ يعني: يتحمل حمالة ديون ليصلح بين الناس، أو أصابته جائحة، أو أصابته فاقة شديدة، وقوله: «حتى يصيب قِواما من عيش، أو سِدادًا من عيش» هذا كأنه قلب من بعض الرواة، لأن الغاية إنما تناسب الثاني، والغاية التي في الثاني تناسب الأول، رجل تحمل حمالة حتى يصيب سِدادًا من عيش، والثاني: حتى يصيبها، الأصل: حتى يصيب قِوامًا من عيش، هذا الذي اجتاحته ماله حتى يصيب قوامة من عيش، أو سِدادًا من عيش، والأول بالعكس حتى يصيب سِدادًا، فقلب من بعض الرواة، يعني: الذي تحمل حمالة حتى يصيب سِداد ليسد الحاجة، والذي إذا أصابته جائحة يصيب قِوام.

قارئ المتن: الصدقة على اليتيم

2581- أخبرني زياد بن أيوب، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، قال: أخبرني هشام، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله فقال: «إنما أخاف عليكم من بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة، وذكر الدنيا، وزينتها» فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك قال: ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح الرحضاء وقال: «أشاهد السائل إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل، أو يلم إلا آكلة الخضر، فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس فثلطت ثم بالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو إن أعطى منه اليتيم، والمسكين، وابن السبيل، وإن الذي يأخذه بغير حقه، كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة».

شرح الشيخ: وهذا في الصحيحين، ذكر أن الذي يجمع المال من غير حل، ولا ينفق منه، ولا يؤدي ما وجب الله، مثل الدابة التي تأكل مما ينبت الربيع، تأكل من النبات والخضر، ويروق لها، ثم ينتفخ بطنها وتهلك، إلا أكلت الخضر، إلا الذي أكلته، إلا إذا استقبلت عين الشمس ثلطت، وبالت، يخرج ما في بطنها، سلمت من هذا الأكل، أما إذا بقي في بطنها هلكت؛ فالذي يأخذ الدنيا، يجمع الدنيا من حلال وحرام، ولا يؤدي الواجب، مثل الدابة التي تأكل ما ينبت الربيع، ويحلو لها، تأكل تأكل، نازلة تأكل تأكل، يحلو لها، ثم تنتفخ بطنها، وتهلك؛ إلا إذا أخرجت ما في بطنها، إذا أخرجت ما في بطنها سلمت من هذا الأكل، وإذا بقي في بطنها هلكت، وكذلك الذي يجمع المال من حله ولا ينفق يهلك، وإذا اكتسبه من وجوه مشروعة وأنفق سلم.

هذا معنى قوله: «إن مما ينبت الربيع يقتل، أو يُلِم» مما ينبت الربيع من النباتات يقتل الدابة، أو يكاد يقتلها «إلا آكلة الخضر» التي أرجت ما في بطنها، فإنها إذا أكلت «امتدت خاصرتاها، فاستقبلت عين الشمس فثلطت ثم بالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو إن أعطى منه اليتيم، والمسكين، وابن السبيل، وإن الذي يأخذه بغير حقه، كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة».

قارئ المتن: الصدقة على الأقارب.

2582- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن عون، عن حفصة، عن أم الرائح، عن سلمان بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة».

2583- أخبرنا بشر بن خالد، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن عمرو بن الحارث، عن زينب، امرأة عبد الله، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «تصدقن ولو من حليكن» قالت: وكان عبد الله خفيف ذات اليد، فقالت له: أيسعني أن أضع صدقتي فيك وفي بني أخ لي يتامى، فقال عبد الله: سلي عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا على بابه امرأة من الأنصار يقال لها: زينب تسأل عما أسأل عنه، فخرج إلينا بلال، فقلنا له: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذلك، ولا تخبره من نحن، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هما؟» قال: زينب قال: «أي الزيانب؟» قال: زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية قال: «نعم، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة».

شرح الشيخ: هذا في صدقة المرأة على زوجها وأولادها، تتصدق على زوجها وأولادها، هل هذه الصدقة من زكاة، أو غيرها؟ قيل: الزكاة، وأن للمرأة أن تدفع الصدقة إلى زوجها، وقيل: غير الزكاة؛ لأن المحشي استظهر أنها أمر تابع بالصدقة النافلة، كقوله: إنه خطاب للحاضرات، وبعيد أنه كله ممن فرض عليه من الزكاة، قالوا: وكأن المصنف حمله على الزكاة؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، فهنا المؤلف حملها على الزكاة، تكلم عن هذا الشارح، والشيخ الأثيوبي، يعني فيه أقوال، وقيل: إن هذه زكاة، وعلى هذا: فإنه يجب على المرأة أن تعطي زكاتها لوليها، والرواية على أنها لا تعطيه؛ لأن الصدقة تعود عليها، إذا أعطته أنفق عليها، كأنها عادت إليها.

الطالب: قال: المسألة الرابعة في اختلاف أهل العلم، في جواز دفع الزكاة إلى الأقارب، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله، نقلًا عن ابن المنذر رحمهما الله: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين، في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، لأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته، وتسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه.

قال: ونص أحمد فقال: لا يعطي الوالدين من الزكاة، ولا الولد ولا ولد الولد، ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت.

قال: وأما سائر الأقارب، فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، سواء كان انتفاء ذو الإرث لانتفاء سببه، لكونه بعيد القرابة، أو لمانع مثل الأخ المحجوب بالابن؛ فيجوز دفع الزكاة إليه؛ لأنه لا قرابة جزئية بينهما، ولا ميراث، فأشبه الأجانب، وإن كان بينهما ميراث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر، ففيه روايتان عن أحمد؛ أحداهما: يجوز دفع زكاته إلى الآخر، وهي الظاهرة عنه، رواها عنه الجماعة؛ فقد سئل: أيعطي الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟

الشيخ: والثاني ماذا؟

الطالب: أحداهما: يجوز دفع زكاته إلى الآخر، وهي الظاهرة عنه، رواها عنه جماعة؛ فقد سئل: أيعطي الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟ قال: يعطي كل القرابة إلا الأبوين والولد، وهذا قول أكثر أهل العلم.

قال أبو عبيد هو القول عندي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي لذي الرحم اثنان: صدقة وصلة» فلم يشترط نافلة ولا فريضة، ولم يفرق بين الوارث وغيره.

والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى المورَّث؛ لأنه يلزم مؤنته، فيغنيه بزكاته عن مؤنته، ويعود نفع زكاته إليه، فلم يجز، كدفعها إلى والده، أو قضاء دينه بها.

والحديث يحتمل صدقة التطوع، فيحمل عليها، انتهى مختصر كلام ابن قدامة بتصرف.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي القول الراجح هو الأول، كما اختاره أبو عبيدة، واحتج له بإطلاق حديث الصدقة على المسكين، وكذلك إطلاق حديث زينب المذكور في الباب؛ فإن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، كما هو مبين في محله.

والحاصل: أن الحق جواز دفع الزكاة لعموم الأقارب؛ فإن صح الإجماع على إنه لا يجوز دفعها للوالدين، كما ادعاه ابن المنذر، قلنا به، وإلا فهما داخلان في عموم النصوص أيضًا.

قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ويؤيد الجواز، والاجزاء: الحديث الذي تقدم عند البخاري بلفظ: «زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم» وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ثم الأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة، أو وجوب النفقة مانعان؛ فعليه الدليل، ولا دليل، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الشوكاني رحمه الله هو عين التحقيق الحقيقي بالقبول، المؤيد بأدلة النقول، والله تعالى أعلم بالصواب.

الشيخ: الجمهور على أن ما يعطى الوالدان، لا يعطى الفرع ولا الأصل، الأصل: الأب والجد، والأم والجدة، والفرع: الأبناء، والبنات وأبنائهم، هؤلاء لا يعطون، وما عدا ذلك إن كان إرث يعطى الإخوة والأخوات، كذلك الزوج لا يعطي زوجته، والزوجة لا تعطي زوجها، على خلاف فيها.

الطالب: في المسألة التي بعدها نص على الزوجين خاصة.

الشيخ: نعم؟

الطالب: في عموم الأقارب، في المسألة الرابعة، قال: المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم، في جواز دفع زكاة المال أحد الزوجين إلى الآخر، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: أجمع على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة شيئًا؛ لأن نفقتها واجبة عليه.

قال الصنعاني: عندي فيه توقف؛ لأن غنى المرأة بوجوب النفقة على زوجها، لا يصيرها غنية، الغنى الذي يمنع من حل الزكاة لها، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الصنعاني متجه، للتعليل بوجوب نفقتها على الزوج، لا يوجب امتناع الصرف إليها؛ لأن نفقتها واجبة عليه، غنية كانت أو فقيرة، فالصرف إليها لا يسقط عنه شيئًا، والله أعلم.

وأما دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها فذهب الشافعي، والثوري، وابن منذر، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد، إلى جوازه، وحجتهم حديث زينب المذكور في الباب، ووجه الاحتجاج به أنها سألته عن الصدقة على زوجها، وعن الأيتام في حجرها، فأجاب بأن لها: «أجر الصلة، وأجر الصدقة» ولم يستفصل أهي صدقة واجبة، أم تطوع، فترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال.

وذهب أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية إلى منعه، واحتجوا بأنها تنتفع بدفعها إليه؛ لأنه إذا كان عاجز عن الانفاق عليها، تمكن بأخذ الزكاة من الانفاق؛ فيلزمه، وإن لم يكن عاجزًا، ولكنه أيسر بها، لزمه نفقة الميسرين، فتنتفع بها في الحالين، ورد هذا بأنه يلزم منه منع دفعها له صدقة التطوع أيضًا، للعلة المذكورة، مع أنه يجوز دفعه إليه اتفاقًا.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي المذهب الأول هو الأرجح لأمرين؛ الأول: أن الزوج داخل في الأصناف المنصوص عليهم في مصارف الزكاة لأنه فقير، والثاني: أنه ليس في المنع نص، ولا إجماع، ولا قياس صحيح.

قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يجوز صرف زكاتها إليه، أما هو فلعدم المانع من ذلك، ومن قال: إنه لا يجوز فعليه الدليل، وأما ثانيًا: فلأن ترك استفصاله صلى الله عليه وسلملا ينزل منزلة العموم؛ فلما لم يستفصلها عن الصدقة أهي تطوع أم واجب؟ فكأنه قال: يجزي عنك فرضًا كان أو تطوعًا، انتهى، وهو بحث نفيس جدًا.

الشيخ: أظن أن الشيخ الأثيوبي مشى على ما قضاه الشوكاني والصنعاني رحمهما الله.

قارئ المتن: المسألة

2584- أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أن أبا عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر، أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلا فيعطيه، أو يمنعه».

2585- أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، عن الليث بن سعد، عن عبيد الله بن أبي جعفر، قال: سمعت حمزة بن عبد الله، يقول: سمعت عبد الله بن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة من لحم».

2586- أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: حدثنا شعبة، عن بسطام بن مسلم، عن عبد الله بن خليفة، عن عائذ بن عمرو، أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فأعطاه، فلما وضع رجله على أسكفة الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما في المسألة، ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا».

شرح الشيخ: أسكفة الباب؛ هي يعني: عتبة الباب السفلى، «لو تعلمون ما في المسألة»؛ يعني: من الإثم أو الضرر، فيه دليل على إن الإنسان لا يسأل إلا للحاجة.

قارئ المتن: سؤال الصالحين

2587- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي، أن الفراسي، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأل يا رسول الله؟ قال: «لا وإن كنت سائلًا، لا بد فاسأل الصالحين».

شرح الشيخ: هنا يقول: مسألة الصالحين، الحديث في سنده ابن الفراسي، وهو مجهول؛ فالحديث يكون ضعيف، قالوا: فيه ابن الفراسي؛ فلا حجة فيه بسؤال الصالحين، وهو مخالف للحديث الصحيح للنهي عن السؤال إلا لأحد ثلاثة: الحمالة، والجائحة، والحاجة الشديدة، ولو صح لكان محمول على سؤال الصالحين عند الحاجة؛ لأنهم لا يحرمون السائل، ويعطونه عن طيب نفس، لكن الحديث ضعيف، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال عن ابن الفرسي: لا يعرف اسمه، قال: المسألة الأولى حديث الفرسي رضي الله عنه ضعيف؛ لجهالة ابن الفرسي؛ ولأن مسلم بن مخشي مقبول كما في التقرير، فلابد له من متابع، وقد تفرد به عن ابن الفرسي، والله أعلم.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم، في شرحه، قال: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسأل يا رسول الله؟) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أأسأل ما احتاج إليه؛ فالمراد به سؤال الناس، بدليل قوله في الجواب: «فاسأل الصالحين» فلا يدخل فيه سؤال الله تعالى؛ فإنه مأمور به، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، قد أخرج أحمد، والترمذي، وابن ماجه، بإسناد لا بأس به، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله غضب عليه» لفظ الترمذي، ولبعضهم:

اللهُ يغضبُ إن تركت سؤاله
 

 

 وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ
 

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسأل الناس شيئا «لا وإن كنت سائلًا، لا بد» قال محمد مرتضى الزبيدي رحمه الله، وقولهم: لابد اليوم من قضاء حاجة؛ أي لا فراق منه، قال: وأبو عمر: قيل: لابد منه لا محالة، قال الزمخشري: أي لا عوض، ومعناه: أمر لازم لا تمكن مفراقته.

الشيخ: انتهى، لكنه ما ذكر حديث الثلاثة؛ يعني: لابد من الجمع بينه وبين حديث الثلاثة، يقول: الحديث الصحيح في النهي عن السؤال إلا عن ثلاثة أصح من هذا، الثلاثة في الصحيحين، فيكون مقدم على هذا، مسألة لابد من صحيح، لو صحيح يحمل على ماذا؟ على سؤال الصالح عند الحاجة، عند الحاجة، وعند وجود غيرهم، لأنهم لا يحرمون السائل ويعطونه من طيب نفس.

قارئ المتن: الاستعفاف عن المسألة.

2588- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن ناسًا من الأنصار، سألوا رسول الله، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده، قال: «ما يكون عندي من خير، فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله عزَّ وجلَّ، ومن يصبر، يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير، وأوسع من الصبر».

2589- أخبرنا علي بن شعيب، قال: أنبأنا معن، قال: أنبأنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلًا أعطاه الله عزَّ وجلَّ من فضله، فيسأله أعطاه، أو منعه».

شرح الشيخ: والحديث الأول أخرجه مسلم، وكذلك الحديث الثاني، وفيه: فضل الصبر، وفضل التعفف.

قارئ المتن: فضل من لا يسأل الناس شيئًا

2590- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي واحدة وله الجنة» قال يحيى: هاهنا كلمة معناها أن لا يسأل الناس شيئًا.

2591- أخبرنا هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى وهو ابن حمزة، قال: حدثني الأوزاعي، عن هارون بن رئاب أنه حدثه، عن أبي بكر، عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصلح المسألة إلا لثلاثة رجل: أصابت ماله جائحة، فيسأل حتى يصيب سدادًا من عيش، ثم يمسك، ورجل تحمل حمالة، فيسأل حتى يؤدي إليهم حمالتهم، ثم يمسك عن المسألة، ورجل يحلف ثلاثة نفر من قومه من ذوي الحجا بالله، لقد حلت المسألة لفلان، فيسأل حتى يصيب قوامًا من معيشة، ثم يمسك عن المسألة، فما سوى ذلك سحت».

شرح الشيخ: وهذا فيه التحذير من السؤال إنما للحاجة، الصحابة رضي الله عنهم فهموا من قوله في هذا الحديث العموم في عدم السؤال (من لم يسأل الناس شيئًا) مالًا، أو غيره، فكان أحدهم إذا سقط صوته لا يطلبه، ولا يسأل أحد أن يعينه إياه، لكن سؤال غير المال أسهل.

قارئ المتن: حد الغنى

2592- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه، جاءت خموشًا، أو كدوحًا في وجهه يوم القيامة» قيل يا رسول الله: وماذا يغنيه، أو ماذا أغناه؟ قال: «خمسون درهمًا، أو حسابها من الذهب» قال يحيى: قال سفيان: وسمعت زبيدًا، يحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد.

شرح الشيخ: هذا الحديث يخالف حديث قبيصة، وهو أصح منه، وفيه: أنه لا تجوز المسألة إلا لأحد ثلاثة، قال: إذا كان عنده «خمسون درهمًا، أو حسابها من الذهب»؛ هذا لو صح محمول على أن خمسون درهم تكفيه، وتسد حاجته، وفقره في ذلك الوقت، أما إذا لم تسد حاجته فله السؤال، تختلف، قد يكون في وقت الخمسون لا تساوي شيء، الناس في حاجة مثل في وقتنا الآن، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، هذا ضعيف لضعف حكيم بن جبير.

الشيخ: حكيم رافضي هذا.

الطالب: ولا يقال رواه الزبيد، وهو ثقة، لأنه رواه موقوفًا كما قاله الإمام أحمد؛ فلا تقوي روايته روايته.

الشيخ: ولا يقال إيه؟

الطالب: ولا يقال: رواه الزبيد، وهو ثقة.

الشيخ: الزبيد؟

الطالب: نعم؛ لأن رواه موقوفًا كما قال الإمام أحمد؛ فلا تقوي روايتهُ روايته، والحاصل: أن الحديث ضعيف لضعف حكيم، ومخالفته لزبير، والله تعالى أعلم.

الشيخ: حديث زبيد، زبيد الموقوف عليه؟ هذا الحديث قاله جبير، وسمعت زبيدًا هذا، في الحديث...، والحاصل ماذا؟

الطالب: يقول: فالحاصل أن الحديث ضعيف لضعف حكيم، ومخالفته لزبيد.

قال: نقل الحافظ أبي عمر، عن أبي بكر الأثرم، عن الإمام أحمد أنه قوى حديث ابن مسعود هذا، فقال في التمهيد: قال: حديث عبد الله بن مسعود في هذا حسن، وإليه نذهب في صدقه، قلت له: ورواه الزبيد، وهو لحكيم بن الجبير فقط، فقال: رواه الزبيد فيما قال يحيى بن آدم، سمعت سفيان يقول: فحدثنا زبيد عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد، قلت لأبي عبد الله: لم يخبر به محمد بن عبدالرحمن، فقال: لا، قال: وسمعته، وذكر حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم «من سأل وله أوقية أو قيمة أوقية فهو ملحف» قال: هذا يقوي حديث عبد الله بن مسعود، انتهى كلام ابن عبد البر، والله تعالى أعلم بالصواب.

الشيخ: الحاصل أنه ضعيف، هذا لحكيم بن الجبير، فلا يعارض حديث قبيصة، فلا يسأل، فيه حصر: أنه لا يسأل إلا ثلاثة، ولو صح حمل على محمل يوافق النصوص الأخرى، يحمل على إنه خمساً تكفيه، هذا ما يكفيه.

قارئ المتن: باب الإلحاف في المسألة

2593- أخبرنا الحسين بن حريث، قال: أنبأنا سفيان، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه، عن معاوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلحفوا في المسألة، ولا يسألني أحد منكم شيئا، وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته».

شرح الشيخ: فيه النهي عن الإلحاف في المسألة، وإنه إذا لح في المسألة وأعطي بسبب الإلحاح؛ فلا يبارك له فيه.

قارئ المتن: من الملحف

2594- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: أنبأنا يحيى بن آدم، عن سفيان بن عيينة، عن داود بن شابور، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله أربعون درهمًا، فهو الملحف».

2595- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا ابن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه رضي الله عنه، قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وقعدت، فاستقبلني، وقال: «من استغنى: أغناه الله عزَّ وجلَّ، ومن استعف: أعفه الله عزَّ وجلَّ، ومن استكفى: كفاه الله عزَّ وجلَّ، ومن سأل وله قيمة أوقية: فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة، خير من أوقية فرجعت، ولم أسأله».

إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها

2596- قال الحارث بن مسكين: قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: أنبأنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد قال: نزلت أنا وأهلي، ببقيع الغرقد فقالت لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله لنا شيئًا نأكله، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده رجلًا يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا أجد ما أعطيك» فولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغضب عليَّ أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافًا» قال الأسدي: فقلت للقحة لنا خير من أوقية، والأوقية: أربعون درهما، فرجعت، ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، شعير، وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عزَّ وجلَّ.

2597- أخبرنا هناد بن السري، عن أبي بكر، عن أبي حصين، عن سالم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي».

شرح الشيخ: وهذا الرجل يقول (لعمري إنك لتعطي من شئت) هذا رجل منافق، يقول للنبي إنك تعطي من شئت، هذا اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ لعمري: لتأكيد الكلام، وليس قسمًا، وقول: «من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافًا» هذا شاهد لحديث الإلحاف السابق، «من سأل منكم وله أوقية أو عدلها» لكن هذا كما سبق يحمل على ما تكفيه لو صح؛ فالمسألة عندنا حديث عبد الله بن مسعود: من سأل وله خمسون، والحديث الثاني: من سأل وله أربعون، وهذا الثالث: من سأل وله أوقية أو عدلها، لكن حديث قبيصة أصح.

كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي» حديث لا بأس به، وهو دليل على أن الصدقة لا تدفع للغني، ولا للقوي المكتسب، المراد بـ«ولا لذي مرة»: القوة، لا تعطي الصدقة للغني، ولا للقوي، المكتسب الذي يكسب.

قارئ المتن: مسألة القوي المكتسب

2598- أخبرنا عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا يحيى، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار، أن رجلين حدثاه أنهما: أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة؟ فقلب فيهما البصر، وقال محمد: بصره، فرآهما جلدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب».

شرح الشيخ: لأن كل منهما يستغنى، الغني يستغنى بماله، والقوي يستغني بكسبه، فإن كان قوي ولم يجد كسب يعطى.

قارئ المتن: مسألة الرجل ذا سلطان

2599- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: محمد بن بشر، قال: أنبأنا شعبة، عن عبد الملك، عن زيد بن عقبة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسائل كدوح، يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء كدح وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو شيئًا لا يجد منه بدا».

شرح الشيخ: وذلك سؤال السلطان من بيت المال، وهو له حق من بيت المال، فيسأل السلطان، أو يسأل شيء لابد منه؛ للفقر والحاجة الشديدة.

قارئ المتن: مسألة الرجل في أمر لا بد له منه

2600- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن زيد بن عقبة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا، أو في أمر لا بد منه».

2601- أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار، عن سفيان، عن الزهري، قال: أخبرني عروة، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل، ولا يشبع، واليد العليا، خير من اليد السفلى».

2602- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا مسكين بن بكير، قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، من أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف النفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل، ولا يشبع، واليد العليا، خير من اليد السفلى».

2603- أخبرني الربيع بن سليمان بن داود، قال: حدثنا إسحق بن بكر، قال: حدثني أبي، عن عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، أن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حكيم إن هذا المال حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل، ولا يشبع، واليد العليا، خير من اليد السفلى» قال حكيم: فقلت يا رسول الله: والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدًا بعدك حتى أفارق الدنيا بشيء.

شرح الشيخ: نفعت حكيم هذه نصيحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطاه ما أعطاه، ثم سأله ثم أعطاه، فقال: (والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدا)؛ أي: لا أنقص أحدًا بعدك (حتى أفارق الدنيا) فكان بعد ذلك يعطى نصيبه، يعطيه عمر فلا يقبل، استفاد، سأل النبي ثم أعطاه، ثم سأل ثم أعطاه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا المال حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل، ولا يشبع» ثم حكيم استفاد، فقال: (والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدا بعدك) يعني لا أخذ من أحد، كان عمر يعطيه حقه من بيت المال؛ فلا يقبل، ويقول أُشهدكم أيها الناس هذا حكيم يعطيه حقه فلا يقبل، استفاد، صار بعد ذلك استفاد من نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

قارئ المتن: من آتاه الله عزَّ وجلَّ مالا من غير مسألة

2604- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن الساعدي المالكي، قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها فأديتها إليه، أمر لي بعمالة، فقلت له: إنما عملت لله عزَّ وجلَّ، وأجري على الله عزَّ وجلَّ، فقال: خذ ما أعطيتك، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل، فكل، وتصدق».

2605- أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، قال: أخبرني عبد الله بن السعدي، أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين، فتعطى عليه عمالة، فلا تقبلها، قال: أجل إن لي أفراسًا، وأعبدًا، وأنا بخير، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر رضي الله عنه: إني أردت الذي أردت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يعطيني المال، فأقول أعطه، من هو أفقر إليه مني، وإنه أعطاني مرة مالًا، فقلت له، أعطه، من هو أحوج إليه مني، فقال: «ما آتاك الله عزَّ وجلَّ من هذا المال من غير مسألة، ولا إشراف، فخذه، فتموله، أو تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك».

شرح الشيخ: العمالة الأجرة، فيه: أن من يعطي مالًا من غير مسألة، ولا يسأل الناس؛ فإنه يأخذه، ما تطلعت نفسه إليه، ولا سأل، «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل، فكل، وتصدق» ماله ثمناً لدينه، إذا كان عن مسألة، أو إشراف نفس، وتطلع، أو مسألة إنسان، أو إشراف نفس، فلا، ينبغي تركه، وكذلك ثمناً لدينه؛ يعطي مال ليتكلم بالباطل، أو يسكت عن الحق ويوافق على الباطل؛ هذا لا يأخذه.

قارئ المتن:

2606- أخبرنا كثير بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن حويطب بن عبد العزى أخبره، أن عبد الله بن السعدي، أخبره أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا، فإذا أعطيت العمالة رددتها فقلت بلى، فقال عمر رضي الله عنه: فما تريد إلى ذلك، فقلت: لي أفراس وأعبد وأنا بخير، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال له عمر: فلا تفعل فإني كنت أردت مثل الذي أردت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطيني العطاء، فأقول أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذه فتموله، أو تصدق به ما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف، ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك».

2607- أخبرنا عمرو بن منصور، وإسحق بن منصور، عن الحكم بن نافع، قال: أنبأنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني السائب بن يزيد، أن حويطب بن عبد العزى أخبره، أن عبد الله بن السعدي أخبره، أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فقال عمر: ألم أخبر أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها، قال: فقلت: بلى، قال: فما تريد إلى ذلك، فقلت: إن لي أفراسًا وأعبدًا، وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: فلا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يعطيني العطاء، فأقول: أعطه، أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا، فقلت: أعطه، أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خذه، فتموله، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك».

2608- أخبرنا عمرو بن منصور، قال: حدثنا الحكم بن نافع، قال: أنبأنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، قال: سمعت عمر رضي الله عنهما، يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعطيني العطاء، فأقول: أعطه، أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت له: أعطه، أفقر إليه مني، فقال: «خذه، فتموله، وتصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، ولا سائل، فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك».

باب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة

2609- أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، عن ابن وهب، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث قال: لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولا له: استعملنا يا رسول الله على الصدقات، فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونحن على تلك الحال، فقال لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يستعمل منكم أحدًا على الصدقة، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل، حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا: «إن هذه الصدقة، إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل، لمحمد ولا لآل محمد صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: الحديث يدل على أن الصدقة، والزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مطلقًا، وإنهم لا يأخذونها بأي وصف كان، لا بوصف الفقر، ولا بوصف العمالة، هذا الحديث النبي منع من استعمالهم على الصدقة، ولا بواسطة الغرامة فلا يعطى فيها لو كان غريمًا، ولا بواسطة الغزو فلا يعطى منها ولو كان غازيًا، ولا غير ذلك من أصناف أهل الزكاة، ولكن يعطون من ما يسد حاجتهم من بيت المال، ومن الفيء، ومن الغنيمة، ومن الخمس، لكن ذهب بعض العلماء إلى إذا لم يوجد في بيت المال شيئًا؛ ليعطى منه، فإنه يعطى من الزكاة للضرورة، وعلى كل حال فينبغي ألا يعطى من الزكاة مهما أمكن، والصواب: أنهم لا يعطون من الزكاة خاصة، أما صدقة التطوع؛ فإنهم يعطون منها؛ لأنهم منعهم من البر والإحسان إليهم، وهذا دليل على منعهم من البر والإحسان، بل الدليل على خلافه.

وفي الحديث أن بني هاشم، وبني المطلب، من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير متفق عليه، وعللوا المنع من الصدقة «أوساخ الناس» لأن الزكاة طهرة للمزكي لنفسه، ولماله، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

وهنا في قول: ابن عبدالمطلب بن ربيعة، تعبير لعبدالمطلب هنا، ما غير النبي صلى الله عليه وسلم المطلب هنا أبقاه، التقييد بعبد المطلب مستثناه من التحريم، تحريم التعبيد لغير الله، اسم أبناء المطلب مستثنى من التحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره ولم يغيره، ولعل الحكمة في ذلك أن تعبيد عبدالمطلب، من تعبيد الرق؛ لأن المطلب قدم بابن أخيه، شيبة الحمل من أخواله في المدينة، وكان قد أردفه خلفه، فلما قدم به مكة، وقد تغيير لونه بالسواد من الشمس، ظنه عبد الله، فقالوا: عبد المطلب، فغلب عليه حتى صار اسمًا له، كان اسمه عمر على ما قيل، ولقبه: شيبة الحمل؛ ولذلك نقل أبو محمد بن حزم الإجماع على تحريم التعبيد لغير الله، ما عدا عبدالمطلب، كما قال الإمام  الحنفي في كتاب التوحيد: قال: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد الشمس، وعبد نوفل، وعبد منال، حاشا عبد المطلب، ومثله أيضًا: عبد ود، وعبد النبي، وعبد العلي، وعبد الحسين، كل هذا محرم بالإجماع، أما عبد المطلب فلم يجمع على تحريم التعبيد له، يكون فيه خلاف، بل ما أشار إليه الشيخ في الشرح، أما أشار إليها؟

الطالب: ما أشار.

قارئ المتن: باب ابن أخت القوم منهم

2610- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا شعبة، قال: قلت لأبي إياس معاوية بن قرة، أسمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن أخت القوم من أنفسهم» قال: نعم.

2611- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا وكيع، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابن أخت القوم منهم».

باب مولى القوم منهم

2612- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمل رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فأراد أبو رافع أن يتبعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم».

شرح الشيخ: أما الترجمة الأولى (باب ابن أخت القوم منهم)، ظاهر ترجمة النسائي: أن ابن أخت آل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعطون من الزكاة، وأنهم تبع لأخوالهم، أخذًا من عموم الحديث «ابن أخت القوم منهم» والصواب: أنهم يعطون من الزكاة، وأن معنى الحديث: منهم؛ يعني: في البر، والصلة، والإحسان، وهم منهم في هذا، وليسوا منهم في منعهم من الصدقة المفروضة بالتحريم عليهم، بخلاف الترجمة الثانية؛ فإن (باب مولى القوم منهم)، والحديث أن الصدقة لا تحل إلا في مولى القوم منهم، والحديث صريح في تحريم الصدقة على موالي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن صدقة الفريضة تحرم على آل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مولى القوم منهم في تحريم الصدقة عليهم، فلا يعطون من الزكاة، والمولى: هو العتيق، مولى القوم هو عتيقهم؛ ولهذا لما أراد أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يتبع رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فيكون معه في الولاية، بيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم أنه مولاه، ولا تجوز الصدقة للولي تبعًا لمواليه؛ وهذا نبه عليه، قال النووي: تنبيه على العلة: في تحريم الزكاة عليهم لكرامتهم، قوله: (من أنفسهم)؛أي أنهم يعدوا واحدًا منهم، فحكمه كحكمهم فينبغي أن لا تحل الزكاة لابن أخت هاشمي، كما لا تحل لهاشمي، وبذلك كان السندي يظهر أنه لا يعطى من الزكاة من ابن القوم، وأنه أشار إلى أن هذا استدل به من يريد ذوي الأرحام، تكلم عليها؟ ابن أخت القوم، أو ابن القوم، المولى الثاني صريح في قصة أبي رافع، لكن الثاني، ابن أخت القوم منهم.

الطالب: قال عفا الله عنه: قال الحافظ في الفتح: واستدل به من قال بأن ذوي الأرحام يرثون كما يرث العصبات، وحمله من لم يقل بذلك على ما تقدم، كأن البخاري رمز إلى الجواب بإيراد هذا الحديث، لأنه لو صح الاستدلال بقوله: ‏«ابن أخت القوم منهم»‏ على إرادة الميراث لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه لورود مثله في حقه.

الشيخ: دليل على أنه؟

الطالب: لأنه لو صح الاستدلال بقول: «ابن أخت القوم منهم» على إرادة الميراث.

الشيخ: نعم.

الطالب: لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن اعتقه، لورود مثله بحقه؛ فدل على أن المراد بقوله: من أنفسهم، وكذا منهم في المعاونة، والانتصار، والبر، والشفقة، ونحو ذلك، لا في الميراث.

الشيخ: السندي استظهر أنه في الميراث، قال: قوله: (من أنفسهم)؛ أي أنه يعد واحدًا منهم، فحكمه كحكمهم فلا ينبغي أن لا تحل الزكاة لابن أخت هاشمي، كما لا تحل لهاشمي، وهذا المعنى كما صنف هذا الحديث، نعم، السندي يرى أنه من في قومه فقط.

الطالب: نعم.

الشيخ: علق.

الطالب: قال: وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا علية في الجاهلية، من عدم الالتفات إلى أولاد البنات، فضلا عن أولاد الأخوات، حتى قال قائلهم‏:‏ بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد، فأراد بهذا الكلام التحريض كل الألفة بين الأقارب‏، انتهى.

تنبيه: أحدهم سبق بقوله صلى الله عليه وسلم: «ابن أخت القوم منهم» وأخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال: «هل فيكم أحد من غيركم» قالوا: لا إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن أخت القوم منهم».

الثاني: إنه وقع عند أحمد، عن طريق شعبة، عن معاوية بن قرة، في حديث أنس هذا، أن المراد: بابن أخت القوم، هو النعمان بن مقرن المزني رضي الله تعالى عنه، أي: لأن أمه أنصارية، ووقع ذلك في قصة أخرى.

الشيخ: هذا كما ذكر الحافظ، لأن هذا دخل معهم، وليس المراد الكلام في الزكاة.

قارئ المتن: الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم

2613- أخبرنا زياد بن أيوب، قال: حدثنا عبد الواحد بن واصل، قال: حدثنا بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتي بشيء سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة، لم يأكل، وإن قيل، هدية بسط يده».

شرح الشيخ: وكان النبي يقبل الهدية، ويثيب عليه.

قارئ المتن: إذا تحولت الصدقة

2614- أخبرنا عمرو بن يزيد، قال: حدثنا بهز بن أسد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها، وإنهم اشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «اشتريها، وأعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق»، وخيرت حين أعتقت، وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فقيل: هذا مما تصدق به على بريرة فقال: «هو لها صدقة، ولنا هدية»، وكان زوجها حرًّا.

شرح الشيخ: فيه: أن الصدقة إذا تحولت وصارت هدية جاز أكلها؛ ولهذا أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما تصدق به على بريرة لما أهدته.

وفيه: جواز أكل الإنسان مما تصد بهق على عتيقه، ولو كان في بيته؛ لأنه يكون هدية منه لسيده؛ لأن بريرة تخدم في بيت عائشة، وكانت أعتقتها، وفيه: أن الولاء لمن أعتق، ولو شرطه، فالشرط باطل.

وفيه تخير الأمة إذا عتقت بين البقاء مع زوجها، وبين الفسخ؛ لأنها خيرت بريرة، وقوله: (وكان زوجها حرًّا) الصواب: زوجها كان عبدًا، واسمه مغيث، والصواب: أن للأمة الخيار إذا عتقت، ولو كان زوجها حرًّا؛ لأنها ملكت نفسها.

 

 

قارئ المتن: شراء الصدقة.

2615- أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر رضي الله عنه، يقول: حملت على فرس في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فأضاعه الذي كان عنده، وأردت أن أبتاعه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه».

شرح الشيخ: يقول هنا: (حملت على فرس)؛ يعني: حمل تمليك، يعني: ملكه إياه ليجاهد به في سبيل الله، فجاهد عليه، ثم أراد أن يبيعه، فأراد عمر أن يشتريه منه، قرر أنه يبيعه برخص، فنهاه النبي قال: «لا تشتره» فيه: تحريم شراء ما تصدق به الإنسان في سبيل الله، أو على فقير، إذا تصدق بشيء على فقير، أو في سبيل الله، تحريم ما تصدق به الإنسان في سبيل الله، أو على فقير، أو في جهة خيرية؛ لأن النهي للتحريم، لأنه أخرجه لله؛ فلا ينبغي أن يرجع فيه، أو في شيء منه باختياره، ولأنه إذا باعه عليه كأنه تنازل، باعه برخص؛ لأن الفرق بين الرخص، وبين الثمن السابق، كأنه تركه وتنازل عنه، وقوله:(أضاعه)؛ يعني بتركه القيام بالخدمة والعلف، فإنها لا تعد في صدقته، لكنه يسمى شراءً برخص عودًا في الصدقة، من حيث أن الثواب منها ثواب الآخرة فإذا اشتراه برخص فكأنه آثر أعراض الدينا على الآخرة، فصار راجع في ذلك المقدار الذي سمح فيه، قال: لا تعد في صدقتك، سمى شرائه برخص عودًا في الصدقة، من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة، الصدقة ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه آثر أعراض الدنيا على الآخرة، فصار راجع في ذلك المقدار الذي سمح فيه.

قارئ المتن:

2616 - أخبرنا هارون بن إسحق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه، أنه حمل على فرس في سبيل الله، فرآها تباع، فأراد شراءها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تعرض في صدقتك».

2617- أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: أنبأنا حجين، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، كان يحدث أن عمر رضي الله عنه، تصدق بفرس في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فوجدها تباع بعد ذلك، فأراد أن يشتريه، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأمره في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعد في صدقتك».

شرح الشيخ: يعين سمى شراءه برخص عودًا في الصدقة؛ لأن الغرض من الصدقة ثواب الآخرة، فإذ اشتراها برخص فإنه رجع، آثر أعراض الدنيا الآخرة، وصار رجعًا في ذلك المقدار الذي سمح فيه، لأنه نزل الشيء من القيمة.

 

 

قارئ المتن:

2618- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا بشر، ويزيد، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن إسحق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا».

شرح الشيخ: فالحديث هذا، فيه: أن النبي «أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا» فيه: خرص العنب، فتأخذ زكاته زبيبًا، كما يرخص الرطب؛ لتؤخذ زكاته تمرًا؛ يعني: يخرص التمر الرطب على رؤوس النخل إذا يبس، كم يساوي؟ وهذا يستفاد منه في العرايا، الفقير الذي لا يجد، ليس عنده نقود ويريد رطب يأكل مع الناس، يرخص له، يرخص أنه لا يجد، وليس عنده نقود في مقدار خمسة أوسق بالعرايا، وشرطه أن يخرص التمر على رؤوس النخل، كم يساوي؟ يقال: الرطب، لكن اليبس كم يساوي؟ يساوي مائة كيلو، وكذلك العنب يخرص في رؤوس الشجر، هنا قال: «أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا» فالعنب يخرص وتؤدي زكاته زبيب، الزبيب يابس، يعني: يقدر يخرص، كم يساوي؟ يساوي كذا، مائة كيلو؛ فيخرج زكاة مائة كيلو، وكذلك النخل، التمر في رؤوس النخل، كم يساوي يابس؟ يساوي مائة كيلو، يؤدي زكاة مائة كيلو، ففيه: خرص العنب لتؤخذ زكاته زبيبًا، كما يخرص الرطب لتؤخذ زكاته تمرًا.

لكن ما مناسبة هذا الحديث في هذا الباب؟ شراء الصدقة، باب شراء الصدقة، هل في شراء الآن؟ «أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا» هل في شراء هنا؟

الطالب: (02:27:41).

الشيخ: لا يشتريه، هذا في زكاته، «أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا» هل فيه شراء الصدقة؟ ولا في العرايا الخرص ما في شراء صدقة، إنما في البيع.

الطالب: قال الأثيوبي.

الشيخ: تكلم عليه؟

الطالب: قال: هذا الحديث لم أراه في الكبرى، وكان حقه أن يذكر في باب كم يترك الخارص.

الشيخ: وكان حقه.

الطالب: وكان حقه أن يذكر في باب كم يترك الخارص؟

الشيخ: أي في الخرص.

الطالب: الخارص، ولا أدري لماذا أخره هنا؟

الشيخ: يعني ما يظهر الآن، يعني مناسبة الترجمة في هذا، وكان حقه ماذا، أن يذكر ماذا؟

الطالب: وكان حقه أن يذكر في باب كم يترك الخارص؟

الشيخ: يعني فيه كلام عن الخرص؛ إن يترك الخارص الربع، أو الثلث، يعني: في حقه أن يذكر في باب الخرص، وفق الله الجميع لطاعته.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد