شعار الموقع

قراءة من سنن النسائي - كتاب مناسك الحج 2

00:00
00:00
تحميل
31

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قارئ المتن: وبأسانيدكم حفظكم الله إلى الإمام النسائي رحمه الله، قال في [كتاب الحج]:

فتل القلائد

2775- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم».

2776- أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: أنبأنا يزيد، قال: أنبأنا يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث بها، ثم يأتي ما يأتي الحلال قبل أن يبلغ الهدي محله».

2777- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: «إن كنت لأفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقيم ولا يحرم».

2778- أخبرنا عبد الله بن محمد الضعيف، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقلد هديه، ثم يبعث بها، ثم يقيم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم».

2779- أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني، عن عبيدة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لقد رأيتني أفتل قلائد الغنم لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يمكث حلالًا».

ما يفتل منه القلائد

2780- أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا حسين يعني ابن حسن، عن ابن عون، عن القاسم، عن أم المؤمنين، قالت: «أنا فتلت تلك القلائد من عهن كان عندنا، ثم أصبح فينا، فيأتي ما يأتي الحلال من أهله، وما يأتي الرجل من أهله».

شرح الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد:

سبق الكلام أنه يشرع للحاج، أو المعتمر سوق الهدي، أو أن يسوق الهدي من بلده، أو من الطريق إلى الحرم، يذبح في الحرم، وسوق الهدي يكون في الحج وفي العمرة ويكون أيضًا يرسل بها من بلده ولو لم يحج، ولو لم يعتمر؛ هذه سنة، قد يقال: إنها سنة مهجورة خصوصًا سوق الهدي بدون حجٍّ وبدون عمرةٍ، وإذا اشترى من الطريق، أو من الطائف، أو كذا، هذا يكون في السيارة، ثمَّ ساقه، هذا يعتبر من سوق الهدي، لكن يكون اشتراها خارج الحرم، وسبق أن الهدي الذي يهدى في البيت ويساق أنه فيه سنتان، في الإبل سنتان:

  1. الإشعار.
  2. والتقليد.

الإشعار: هو شقُّ صفح سنامة البعير وسلت الدم عن يمينه وعن شماله؛ حتى يعرف أنه هدي، وإذا عطب الدي سواء من البقر أم من الغنم، أو من الإبل في أثناء الطريق؛ فإنه يذبحه، ويخلي بينه وبين المساكين، ولا يأكل منه ولا أحد من أصحابه، وشق صفح سنامة الإبل، وإن كان هذا فيه ضرر عليه؛ لأنه ضرر يسير يغتفر في جانب المصلحة العظمى، ومثل ذلك قطع جلد الذكر في الختان؛ هذا فيه إلام الصبي، أو الصبية، لكنه مشروع، وكذلك أيضًا خرق أذن الصبايا، الصبية يجعل فيه شيء من الحلي؛ هذا قد يؤذيها، لكنه يغتفر شيء يسير.

والسنة الثانية: التقليد؛ وهو أن يجعل قلادة، يأتي بحبل ويجعل قلادة من نعل، أو غيرها، ويجعلها في رقبة البعير، أو البقر، أو الشاة، فالتقليد عام في الإبل والبقر والغنم، وأمَّا الإشعار خاص بالإبل؛ لأنها تتحمل بخلاف البقر والغنم قد لا تتحمل الإشعار؛ وهو شق صف سنامها، وإذا تعيَّ في الطريق فإنه يذبحها، أو يحتاج إلى ذبح يذبحها تكون للمساكين، ولا يأكل منها هو ولا أحد من أصحابه سدًّا للذريعة.

وإذا أرسل الهدي وهو في بلده ولم يحج ولم يعتمر، فمن العلماء، ابن عباس قال: إنه إذا أرسل هديًا؛ فإنه يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى يذبح، والصواب: أنه لا يمتنع مما يمتنع منه المحرم كما في هذا الحديث لعائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أفتل القلائد لهدي النبي-صلى الله عليه وسلم، فيبعث بها، ثم يأتي ما يأتي الحلال قبل أن يبلغ الهدي محله؛ يعني ما يمتنع من أخذ الشعر، ولا من ظفر، ولا من إتيان زوجته حتى يذبح الهدي، ابن عباس يقول: يمتنع، مراد عائشة رضي الله عنها رد على ابن عباس لما ذهب إليه ممن بعث هديًا إلى مكة يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتى يذبح هديه، أو حتى يبلغ الهدي محله، ابن عباس يرى هذا، فعائشة رضي الله عنها ترد عليه، وتبيِّن له أن السنة هو هذا، وأنَّ النبي َّ-صلى الله عليه وسلم كان يبعث الهدي، ولا يمتنع مما يمتنع منه المحرم؛ لأنه ليس بمحرم.

قارئ المتن: تقليد الهدي

2781- أخبرنا محمد بن سلمة، قال: أنبأنا ابن القاسم، حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس قد حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر».

2782- أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا معاذ، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس، «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة، أشعر الهدي في جانب السنام الأيمن، ثم أماط عنه الدم، وقلده نعلين، ثم ركب ناقته، فلما استوت به البيداء، لبى وأحرم عند الظهر، وأهل بالحج».

شرح الشيخ: قول حفصة: ما شأن الناس قد حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحِلُّ حتى أنحر»، وتلبيد الرأس: هو أن يجعل في الشعر شيء يمسكه حتى لا يتشعث كالصمغ؛ هذا يسمى تلبيد، وتقليد الهدي؛ يعني يجعل قلادة من نعلين، أو غيرها، قال: فلا أحِلُّ حتى أنحر هدي؛ لأن القارن إذا ساق الهدي، أو الحاج إذا ساق الهدي ليس له أن يتحلل حتى يذبح هديه، لا بد أن يكون قارن، وإذا كان أحرم بعمرة يدخل الحج على العمرة ويكون قارنًا، أما إذا لم يسوق الهدي؛ فإنَّه يتحلل بعمرة.

قول: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة، أشعر الهدي»؛ أشعر؛ يعني شقَّ صفحة السنام الأيمن حتى خرج الدم، «ثم أماط الدم عنه وقلده نعلين»؛ يعني جمع في هدي الإبل الإشعار والتقليد، أمَّا البقر والغنم، فلا تتحمل الإشعار ويكون فيها التقليد فقط، التقليد في الرقبة يأتي بحبل ويجعل فيه نعلين، ويقلده، وما أشباههما، قالت من عهن؛ يعني من صوف.

قارئ المتن: تقليد الإبل

2783- أخبرنا أحمد بن حرب، قال: حدثنا قاسم وهو ابن يزيد، قال: حدثنا أفلح، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: «فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها، وأشعرها ووجهها إلى البيت، وبعث بها، وأقام فما حرم عليه شيء كان له حلالًا».

2784- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يحرم، ولم يترك شيئا من الثياب».

تقليد الغنم

2785- أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما».

2786- أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يهدي الغنم».

2787- أخبرنا هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم«أهدى مرة غنمًا، وقلدها».

2788- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما، ثم لا يحرم».

2789- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمًا، ثم لا يحرم».

2790- أخبرنا الحسين بن عيسى ثقة، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، عن محمد بن جحادة، ح وأنبأنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: أنبأنا محمد بن جحادة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنا نقلد الشاة، فيرسل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالًا لم يحرم من شيء».

شرح الشيخ: يعني وهو في المدينة يرسل بها إلى مكة، وهو في المدينة لم يحج ولم يعتمر، وقوله في الحديث السابق: أخبرنا عبد الله بن محمد الضعيف، الضعيف هذا ثقة، سمي ضعيف لضعف جسمه.

قارئ المتن: تقليد الهدي نعلين

2791- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما أتى ذا الحليفة أشعر الهدي من جانب السنام الأيمن، ثم أماط عنه الدم، ثم قلده نعلين، ثم ركب ناقته، فلما استوت به البيداء أحرم بالحج، وأحرم عند الظهر، وأهل بالحج».

هل يحرم إذا قلد

2792- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، «بعث بالهدي، فمن شاء أحرم، ومن شاء ترك».

شرح الشيخ: معنى الحديث: أنه من بعث هديًا من بلده فإنَّه مخير بين الإحرام وترك الإحرام، لكن الحديث من رواية أبو الزهير عن جابر، وأبو الزهير مدلس، وقد عنن؛ فلا تقبل روايته؛ فيكون الحديث ضعيف بهذا، فلا بو الزهير مدلس، وقد عنن؛ فلا تقبل روايته؛ فيكون الحديث ضعيف بهذا، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة كما ساقها المؤلف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الهدي من المدينة فيبقى حلالًا ما يمتنع من نساءه، ولو صحَّ الحديث لأمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بالتخيير لمن بعث الهدي بين الإحرام وترك الإحرام بأن يبقى حلالًا، هل الشارح تكلم عليه؟

الطالب: قال: حديث جابر رضي الله عنه هذا صحيح الإسناد، وهو من أفراد المصنف لم يخرجه غيره من أصحاب الأصول.

الشيخ: فيه عنعنة أبي الزبير، تكلم في الرواة عن أبي الزبير؟

الطالب: قال: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق يدلس.

الشيخ: نعم، وهذا قد يعنن هنا، هذا فيه تدليس ما صرحَّ بالسماع، فيكون الحديث ضعيف، قال الحديث صحيح؟

الطالب: نعم.

الشيخ: لو جاء من طريق أخرى فصرح بالسماع نعم، لكن هنا مدلس، فيبقى أصل الحديث أنه لا يكون محرمًا، لكن لو صح يجمع بينه وبين الأحاديث بالتخيير لمن بعث الهدي بالإحرام وترك الإحرام.

الطالب: قال: هذا يدل على أن الذي يبعث بالهدي مخير بين أن يصل محرمًا، وبين أن يبقى حلالًا؛ وهذا مخالف لأحاديث عائشة رضي الله عنها المتقدمة، ولكن هذا وإن كان فيه معنى الرفع حيث يحتمل علمه صلى الله عليه وسلم له وتقريره لهم ليس كالمرفوع الصريح؛ وهو حديث عائشة رضي الله عنها؛ حيث إنه لم يصرح فيه أنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا بتقريره، فلا يعارض الأحاديث المرفوعة صريحًا فتقدم عليه.

الشيخ: لكن ما نبه على كونه مدلِّس، هو عنن هنا، وما دام عنن فيبقى ضعيف، وإذا كان ضعيف فلا يؤخذ بالحديث، فيزول الإشكال، وهل يقال إنه شاذ؟ وأنه مخالف للأحاديث الصحيحة عن عائشة لو صح، لكن يبقى معنا حديثان عن راويين؛ حديث عن عائشة والسابق عن عائشة، فالشذوذ يكون ماذا لو كان الحديث ماذا؟ عن واحد؟

الطالب: مخالفة الراوي الأوثق.

الشيخ: نعم، مخالفة للثقات، الحديث يشترط أن يكون الراوي واحد، أو يكون عن راويين، الحافظ في التقريب يقول: إذا خالف الثقة زيادة راويهما مقبولة في الحسن والصحيح، فإن خالف من هو أوثق فإنَّه يرد شذوذه وإلا تكون المخالفة لمن هو أوثق قُبلت، الحافظ يقول: وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لما هو أوثق، على كلِّ حال أنَّ حديث عائشة ما في شك أنَّها هي الأصل الآن، والحديث هذا لو صح يحمل على التخيير، لكن لا زال الحديث فيه ضعف من أجل عنعنة أبي الزبير وهو مدلس، لكن لو جاء من طريق أخرى صرَّح فيه بالسماع قد يقال هذا، وقد يقال مثل ما قال الشيخ الأثيوبي: أن أحاديث عائشة هي الأصل وتقدم، وأن هذا ليس بصريح.

قارئ المتن: هل يوجب تقليد الهدي إحرامًا

2793- أخبرنا إسحق بن منصور، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم يقلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم يبعث بها مع أبي، فلا يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أحله الله عزَّ وجلَّ له، حتى ينحر الهدي».

2794- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، وقتيبة، عن سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم».

2795- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم، يحدث عن أبيه، قال: قالت عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجتنب شيئًا ولا نعلم الحج يحله، إلا الطواف بالبيت».

2796- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «إن كنت لأفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخرج بالهدي مقلدًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم ما يمتنع من نسائه».

2797- أخبرنا محمد بن قدامة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لقد رأيتني أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم، فيبعث بها، ثم يقيم فينا حلالًا».

شرح الشيخ: هذه كلها صريحة في أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ما يمتنع.

قارئ المتن: سوق الهدي

2798- أخبرنا عمران بن يزيد، قال: أنبأنا شعيب بن إسحق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: أخبرني جعفر بن محمد، عن أبيه سمعه يحدث، عن جابر، أنه سمعه يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم «ساق هديًا في حجه».

ركوب البدنة

2799- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا يسوق بدنة، قال: «اركبها» قال: يا رسول الله إنها بدنة، قال: «اركبها، ويلك في الثانية، أو في الثالثة».

2800- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال: «اركبها» قال: إنها بدنة، قال: «اركبها» قال: إنها بدنة، قال في الرابعة: «اركبها، ويلك».

ركوب البدنة لمن جهده المشي

2801- أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا حميد، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة، وقد جهده المشي، قال: «اركبها» قال: إنها بدنة، قال: «اركبها، وإن كانت بدنة»

ركوب البدنة بالمعروف

2802- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يسأل عن ركوب البدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا».

شرح الشيخ: هنا أبو الزبير صرح بالسماع، (قال: سمعت جابر بن عبد الله)، في الحديث السابق تقييد جواز الركوب بما إذا كان محتاجًا إلى الركوب؛ يعني يكون جهده المشي، ولم يجد غير الهدي، وحديث جابر فيه تقييد بإباحة ركوب الهدي إذا لم يجد غيرها، بل ألجئ إليها، فإنَّه يركبها حتى يجد غيرها، والمراد: الحاجة يعني إذا احتاج ركب، أما إذا لم يحتاج فليس له أن يركب، إذا احتاج؛ إذا وجدت الحاجة بأن جهده المشي فلا بأس، وإلا فالأصل أنها تبقى.

قارئ المتن: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي

2803- أخبرني محمد بن قدامة، عن جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى إلا الحج، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت، «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي، أن يحل»، فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن فأحللن، قالت عائشة: فحضت فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة، قلت: يا رسول الله، يرجع الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة، قال: «أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟» قلت: لا، قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكان كذا، وكذا».

شرح الشيخ: وهذا الحديث صريح في إباحة فسخ العمرة لمن لم يسق الهدي، أمَّا من ساق الهدي فإنَّه يبقى على إحرامه، وقوله في قول النبي-صلى الله عليه وسلم: «أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟» قلت: لا)، لعل النبي نسي أنها حاضت؛ لأنه بشر كما في الحديث: «إنما أنا بشر وأنسى كما تنسون».

السندي يتكلم على قوله، قال: هذا دليل النسخ، قد قال به أحمد والظاهرية، والجمهور على أنَّ النسخ كان مخصوص في الصحابة، (ولا نُرى إلا الحج)، المراد ببعض القوم غالبهم، قال: وطفنا، أنها ما طافت لكونها حاضت، طفنا: حال، وجوابه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال؛ وهذا هو دليل النسخ قد قال به أحمد والظاهرية، يثبت هذا قول النسخ، والجمهور على أن النسخ كان مخصوصًا بالصحابة؛ وهذا أن الخلاف فيه؛ يعني معروف أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم خيَّر الناس عند الميقات في ذي الحليفة، فمنهم من أحرم بعمرة، ومنهم من أحرم بحجٍّ، ومنهم من أحرم بحجٍّ وعمرة، ثم لما وصلوا مكة ألزم من لم يسق الهدي بالتحلل؛ هل هذا نسخ؟

ابن عباس وجماعة يرون أن هذا نسخ، والجمهور يرون أن هذا خاصٌّ بالصحابة ليزول اعتقاد أهل الجاهلية، وأمَّا إباحة الفسخ مشروع للجميع، وابن القيم رحمه الله كأنه يميل لأري ابن جزم، وابن حزم يرى الوجوب، وكذلك ابن عباس هنا نسبه إلى الظاهرية، قال: قال به أحمد (25:33) الإمام أحمد، والجمهور على أن هذا التخيير باقي، وأن الوجوب إنما خاص بالصحابة ليزول اعتقاد الجاهلية.

قارئ المتن:

2804- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى إلا أنه الحج، فلما دنونا من مكة، «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كان معه هدي أن يقيم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي أن يحل».

شرح الشيخ: قوله: (حدثنا يحيى عن يحيى)، الأول يحيى بن سعيد القطان، والثاني يحيى بن سعيد الأنصاري.

قارئ المتن:

2805- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر، قال: أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصًا ليس معه غيره خالصًا وحده، فقدمنا مكة صبيحة رابعة، مضت من ذي الحجة، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحلوا، واجعلوها عمرة» فبلغه عنا أنا نقول: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نحل فنروح إلى منى، ومذاكيرنا تقطر من المني، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطبنا، فقال: «فقد بلغني الذي قلتم، وإني لأبركم وأتقاكم، ولولا الهدي لحللت، ولو استقبلت من أمري، ما استدبرت ما أهديت» قال: وقدم علي من اليمن فقال: «بما أهللت؟» قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «فأهد، وامكث حرامًا كما أنت قال» وقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أو للأبد؟ قال: «هي للأبد».

شرح الشيخ: يعني هذه العمرة ليست خاصة بالصحابة، فيها دليل على أنه عام، ولكن الصحابة ألزمهم النبي-صلى الله عليه وسلم؛ ليزول اعتقاد الجاهلية، فيه دليل على أنَّ الفسخ سنة مستحب، والصحابة ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يزول اعتقاد الجاهلية؛ لأنَّ العمرة في أشهر الحج لا تجوز عند أهل الجاهلية، وأنها من أفجر الفجور.

 

 

قارئ المتن:

2806- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن طاوس، عن سراقة بن مالك بن جعشم، أنه قال: يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم لأبد؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي لأبد».

2807- أخبرنا هناد بن السري، عن عبدة، عن ابن أبي عروبة، عن مالك بن دينار، عن عطاء، قال: قال سراقة: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا معه، فقلنا: ألنا خاصة أم لأبد؟ قال: «بل لأبد».

2808- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد العزيز وهو الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله أفسخ الحجِّ لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: «بل لنا خاصة».

2809- أخبرنا عمرو بن يزيد، عن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، وعياش العامري، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، في متعة الحج قال: «كانت لنا رخصة».

2810- أخبرنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت عبد الوارث بن أبي حنيفة، قال: سمعت إبراهيم التيمي، يحدث عن أبيه، عن أبي ذر، قال: «في متعة الحج ليست لكم، ولستم منها في شيء، إنما كانت رخصة لنا، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: حديث الحارث بن بلال فيه خالف والتخليف مقبول، والمقبول ضعيف إذا لم يتابع، فلا يقارن بحديث سراقة الصحيح، حديث سراقة في مسلم (فقلنا: ألنا خاصة أم لأبد؟ قال: «بل لأبد»، والله تعالى أنطق سراقة بما في ذلك من التشريع للأمة، وإن كان هذا معروف من التشريع أن الأصل: أن الأحكام عامة للأمة، وليست خاصة بالصحابة ولا غيرهم، ولكن سؤال سراقة، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له فيه تأكيد لذلك، وحديث سراقة صحيح أخرجه مسلم، وفيه دليل على أن فسخ الحج عام، قال: «بل لأبد» ليس خاصًا بالصحابة.

وأمَّا حديث الحارث بن بلال فهو ضعيف لا يقاوم حديث سراقة في الصحيح، وأمَّا حديث أبي ذر قوله: (ألنا خاصة أم لأبد؟) صحيح أخرجه مسلم، حديث أبي ذر، لكن قال: إن المتعة رخصة لنا وليست لكم، قال: هذا بظنه اجتهاده، ليس فيه أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، إنَّما عن اجتهاد، وهذا الاجتهاد لا يقاوم تصريح النبي في قوله: (قال: «بل لأبد»، كما في حديث سراقة، قال: قال: «بل لأبد»؛ صريح.

قارئ المتن:

2811- أخبرنا بشر بن خالد، قال: أنبأنا غندر، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: «كانت المتعة رخصة لنا».

2812- أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا مفضل بن مهلهل، عن بيان، عن عبد الرحمن بن أبي الشعثاء، قال: كنت مع إبراهيم النخعي، وإبراهيم التيمي فقلت: لقد هممت أن أجمع العام الحج والعمرة، فقال إبراهيم: لو كان أبوك لم يهم بذلك، قال: وقال إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: «إنما كانت المتعة لنا خاصة».

شرح الشيخ: يعني أبا الشعثاء، وإن كان من أصحاب ابن عباس إلا أنه كان يرى ما يراه الخلفاء الثلاثة؛ الصديق وعمر وعثمان من أن الأولى الإفراد بالحج، وعدم الجمع بينه وبين العمرة؛ ليكثر العمَّار والزوَّار، قوله: (لو كان أبوك لم يهم بذلك)

قارئ المتن:

2813- أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثنا أبو أسامة، عن وهيب بن خالد، قال: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كانوا يرون أن العمرة، في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفر، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الوبر، وانسلخ صفر-أو قال: دخل صفر- فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، «فأمرهم أن يجعلوها عمرة» فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أي الحِل؟ قال: «الحِلُّ كله».

شرح الشيخ: قال: (كانوا)؛ يعني أهل الجاهلية (كانوا يرون أنَّ العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفر)؛ هذا النسيء، ويقولون؛ يعني في الجاهلية: (إذا برأ الدبر)؛ يعني الجروح في ظهر البعير من حمل الأثقال، لأن حمل الأثقال، تكون فيه جروح تعالج، تدهن إذا مضى شهر صفر برئت، بعد ذلك تأتي العمرة، (إذا برأ الدبر، وعفا الوبر)؛ يعني نبت شعر البعير؛ وهو الوبر (وانسلخ صفر-أو قال: دخل صفر- فقد حلت العمرة لمن اعتمر)؛ وهذا قاله أهل الجاهلية من أنفسهم، فالنبي-صلى الله عليه وسلم- خالفهم أمر الصحابة أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم؛ لأن شيء ألفوه في الجاهلية شقَّ عليهم ذلك، (فقالوا: يا رسول الله أي الحِل؟)؛ بعض الحل مثل في الحج التحلل الأول، ثم إباحة لبس الثياب والطيب، ولا يباح له النساء فقال: «الحِلُّ كله»؛ حِلٌّ كامل؛ يعني حتى النساء.

قارئ المتن:

2814- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن مسلم وهو القري، قال: سمعت ابن عباس، يقول: «أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة»، وأهل أصحابه بالحج، وأمر من لم يكن معه الهدي، أن يحل، وكان فيمن لم يكن معه الهدي طلحة بن عبيد الله، ورجل آخر فأحلا.

2815- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه عمرة استمتعناها، فمن لم يكن عنده هدي، فليحل الحلَّ كله، فقد دخلت العمرة في الحج».

شرح الشيخ: لأن القارن يسمى متمتعًا شرعًا، وفي عرف الصحابة؛ حتى أتى بالنسكين في سفرة واحد فترفه؛ لتركه أحد السفرين، هذه العمرة من فعلها ولم يكن عنده هدي فليحل الحلَّ كله، أما الحديث السابق: (وأهل أصحابه بالحج، وأمر من لم يكن معه الهدي، أن يحل، وكان فيمن لم يكن معه الهدي طلحة بن عبيد الله، ورجل آخر)، قوله هنا: «أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة»؛ هذا من أوهام مسلم القري، والصواب: أنه أهلِّ بهما، قوله: أن طلحة بن عبيد الله ليس معه هدي، والصواب: أنه ساق الهدي، ماذا قال عليه الهامش؟

الطالب: في الهامش قال: هكذا في صحيح مسلم، وبهذا الإسناد، ولكن في صحيح بإسناد آخر وكان طلحة بن عبيد فيمن ساق الهدي.

الشيخ: هذا صحيح، وهنا يقول: (كان فيمن لم يكن معه الهدي طلحة بن عبيد الله، ورجل آخر فأحلا)؛ هذا دليل على أنه من أوهام مسلم القري (وأهل أصحابه بالحج، وأمر من لم يكن معه الهدي، أن يحل، وكان فيمن لم يكن معه الهدي طلحة)، وأيضًا من أوهامه: أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالعمرة («أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة»، الرسول أهلَّ بالحج والعمرة معًا، ما تكلم عليه؟

الطالب: قال: (أهلَّ بالعمرة)، معناه أنه أدخلها على الحج، وليس المراد أنه أنشأ الإحرام بها؛ لأنَّ الأحاديث الكثيرة دلت على ذلك؛ كما تقدم بيان ذلك مفصلًا، وقال البيهقي بعد أن ذكر اختلاف الرواة في كونه صلى الله عليه وسلم أهلَّ بعمرة، أو بحج في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: من قال: "إنه أهل بالحج" لعله أشبه لموافقته رواية أبي العالية البراء، وأبي حسان الأعرج عن العباس رضي الله عنهما في إهلال النبي-صلى الله عليه وسلم بالحج، والله أعلم، انتهى.

الشيخ: قوله: مراده بإدخال الحج والعمرة)؛ هذا أيضًا فيه وهم آخر، وقوله: إن طلحة بن عبيد الله قد أحل، في صحيح مسلم: أنه من ساق الهدي.

الطالب: قال: "هكذا هو في رواية المصنف، ومسلم في صحيحة من طريق غندر عن شعبة أن طلحة كان فيمن لم يسق الهدي، وتابعه عليه روح بن عبادة عن شعبة عند البيهقي، فقال: وكان ممن لم يكن معه الهدي طلحة بن عبيد الله ورجل آخر فأحلَّ، وخالفهما معاذ بن معاذ عن شعبة فجعل طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدي، فلم يحل، أخرجه مسلم أيضًا من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة وتابعه علي أبو داود الطيالسي عن شعبة عند البيهقي، فقال: وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم وطلحة ممن كان معهم الهدي.

قال الجامع عفا الله عنه: الصحيح في هذا رواية معاذ بن معاذ، وأبي داود الطيالسي أنَّ طلحة ممن ساق الهدي، والدليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري من طريق عطاء عن جابر رضي الله عنه، قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي-صلى الله عليه وسلم وطلحة؛ وهذا موافق لرواية معاذ وأبي داود، فتترجح على رواية غندر وروح.

الشيخ: هل تكلم على مسلم القري؟

الطالب: قال: "ومسلم القري؛ هو مسلم بن مخراق العبدي القُرِّي مولى بني قُرَّة، ويقال: المازني العرياني أبو الأسود البصري العطار، ويقال: إنهما اثنان صدوق، قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكر مسلم القُرِّي فقال: ما أرى به بأسًا، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي ثقة، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولكنه فرَّق بين مولى بني قُرَّة، المكني أبا الأسود، وبذلك جزم أبو علي الجيان في تقييد المهمل، روى له مسلم وأبو داود والمصنف، وله عنه في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

الشيخ: يعني ما دام أنه خالف في موضعين قال: محتمل الأوهام ولو كان صدوق، قد يهم الصديق.

قارئ المتن: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد

2816- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي النضر، عن نافع مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، ورأى حمارًا وحشيا فاستوى على فرسه، ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه، ثم شدَّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فأدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن ذلك؟ فقال: «إنما هي طعمة أطعمكموها الله عزَّ وجلَّ».

شرح الشيخ: الحمار هذا المقصود به: الحمار الوحشي صيد كما هو معلوم، والمحرم ممنوع من الصيد؛ وهذا في عمرة الحديبية، وهم محرمون، وأبو قتادة ما أحرم، فرأى حمار الوحشي، فأمرهم أن يناولوه سوطه، قالوا: لا نناوله، وسألهم من يعطيه رمحه، قالوا: لا نعطيك ولا ساعدوه، فلما تحرجوا أن يأكلوا منه، فأخبروا النبي، قال: هل منكم أحد؛ كما في الحيث الآخر «أعانه، أو أشار عليه»، قالوا: لا، قال: «كلوا»؛ دليل على أنَّ المحرم يأكل من الصيد الذي قتله الحلال إذا لم يكن له إشارة ولا دلالة، ولا إعانة، ولم يكن حيًّا أيضًا ما يقبله حيًّا؛ ولهذا قال النبي «إنما هي طعمة أطعمكموها الله عزَّ وجلَّ»؛ فهذا الحديث محمول على أنهم لم يشاركون في قتل الصيد، ولا أشاروه، ولا أعانوه كما هو صريح، ولا صيد من أجل المحرمين كما دلَّ عليه الحديث يسمى هو طعمة لقطع التسبب منهم؛ يعني فلا إثم عليكم، وإلا فكلُّ الطعام مما يُطعمه الله تعالى عبده.

قارئ المتن:

2817- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن أبيه، قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون، فأهدي له طير وهو راقد، فأكل بعضنا، وتورع بعضنا، فاستيقظ طلحة فوفَّق من أكله، وقال: «أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم».

شرح الشيخ: (فوفَّق من أكله)؛ يعني صوَّب من أكله.

قارئ المتن:

2818- أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة الضمري أنه أخبره، عن البهزي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كانوا بالروحاء إذا حمار وحش عقير، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه»، فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليك وسلم شأنكم بهذا الحمار، «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق، ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية، بين الرويثة والعرج، إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر رجلًا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس، حتى يجاوزه».

شرح الشيخ: (حاقف)؛ يعني نائم، وهم محرمون أمر النبي أن يقف عنده حتى لا يأتي أحد، وأما قصة البهزي أنه جاءهم بصيد يحمله على أنه ما صاده لأجلهم، وليس لهم إشارة ولا إعانة، وكذلك في الطير الذي أهدي لطلحة بن عبيد الله، محمول على أنه ما صاده لأجلهم، يعني لا بد من هذه الشروط يكون المحرم يأكل من الصيد الذي قتله الحلال إن قتله محرم صار ميتة؛ هذا عليه وعلى غيره، لكن لو قتله حلال؛ يجوز للمحرم أكله بشروط:

الشرط: أن لا يكون أشار، ولا أعان، ولا ساعد، ولا صيد من أجله، ولم يعطيه حيًّا.

قارئ المتن: ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد

2819- أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثَّامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش، وهو بالأبواء- أو بودان- فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي؟ قال: «أما إنَّه لم نرده عليك، إلا أنا حرم».

2820- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثَّامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل حتى إذا كان بودان رأى حمار وحش فرده عليه، وقال: «إنَّا حرم لا نأكل الصيد».

2821- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أنبأنا قيس بن سعد، عن عطاء، أن ابن عباس، قال لزيد بن أرقم: ما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم، «أهدي له عضو صيد، وهو محرم فلم يقبله»، قال: نعم.

2821- أخبرني عمرو بن علي، قال: سمعت يحيى، وسمعت أبا عاصم، قالا: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: قدم زيد بن أرقم رضي الله عنه، فقال له ابن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: نعم، أهدى له رجل عضوًا من لحم صيد فرده، وقال: «إنا لا نأكل، إنا حرم».

2822- أخبرنا محمد بن قدامة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل حمار وحش تقطر دما، وهو محرم وهو بقديد، «فردها عليه».

2823- أخبرنا يوسف بن حماد المعني، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، عن شعبة، عن الحكم، وحبيب وهو ابن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن الصعب بن جثاَّمة، أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا، وهو محرم «فرده عليه».

شرح الشيخ: وهذا محمول على أنَّ الصعب بن جثَّامة صاده من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّه كان رجلًا مضيافًا كريمًا فلما سمع بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم صاده من أجله؛ فلذلك ما قبله؛ وهذا هو الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة، أبو قتادة ما صاده من أجلهم، قال: صاده من أجله، وهذا إذا كان الحمل مقتول، وإن كان حيًّا؛ فلإنّ الحي لا يقبله المحرم، إذا أهدى للمحرم حمار، أو وحش حيًّا لا يقبله المحرم، وإن كان جزءًا منه؛ فإنه ردَّه عليه لأنه صاده من أجله؛ ولهذا قال: «إنَّا حرم لا نأكل الصيد»؛ وهذا وجه الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة.

قارئ المتن: إذا ضحك المحرم ففطن الحلال للصيد فقتله أيأكله أم لا؟

2824- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: انطلق أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يحرم، فبينما أنا مع أصحابي ضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فإذا حمار وحش فطعنته فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا من لحمه، وخشينا أن نقتطع، فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع فرسي، شأوا وأسير شأوا، فلقيت رجلًا من غفار في جوف الليل، فقلت: أين تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تركته وهو قائل بالسقيا فلحقته، فقلت: يا رسول الله، إن أصحابك يقرءون عليك السلام ورحمة الله، وإنَّهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك، فانتظرهم، فانتظرهم فقلت: يا رسول الله إني أصبت حمار وحش، وعندي منه، فقال للقوم: «كلوا»، وهم محرمون.

2825- أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، قال: أنبأنا محمد وهو ابن المبارك الصوري، قال: حدثنا معاوية وهو ابن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة، أن أباه، أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الحديبية، قال: فأهلوا بعمرة غيري، فاصطدت حمار وحش، فأطعمت أصحابي منه وهم محرمون، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنبأته أن عندنا من لحمه فاضلة، فقال: «كلوه» وهم محرمون.

شرح الشيخ: وهذا محمول على أنَّهم ما أشاروا إليه ولا أعانوه في قتله، ولا صاده من أجلهم كما سبق ذلك في الأحاديث، وقوله: (إذا ضحك المحرم ففطن الحلال للصيد)؛ هذا الترجمة استنبطت من الحديث (إذا ضحك المحرم ففطن الحلال)، الصحاب كانوا محرمون في عام الحديبية للعمرة، وأبو قتادة لم يحرم، قال: (فبينما أنا مع أصحابي ضحك بعضهم إلى بعض)؛ يعني نظروا إلى الحمار الوحشي وهم محرمون، (ضحك بعضهم إلى بعض)؛ يعني يقولون: إنَّا محرمون ما نستطيع الآن، نحن ممنوعون، جعلوا يضحكون، ففطن أبو قتادة نظر، لما ضحكوا نظر، فرأى الحمار فشدَّ عليه وقتله، فهل يعتبر ضحكهم إشارة وإعانة؟

ما يعتبر إشارة ولا إعانة ما تكلم؛ ولذلك لما قال: ناولني السوط، قالوا: لا، ما نعينك، قال: ناولني الرمح، قالوا: ما نعينكم بشيء؛ ما أعانوه، لكن كونهم ضحكوا؛ هل هذا إشارة وإعانة؟ لا، ليست إعانة، (ضحك بعضهم إلى بعض)؛ يعني إنهم ممنوعين منه وهم محرمون ففطن أبو قتادة فشدَّ عليه، فضحك المحرم؛ هذا لا يعتبر إعانة، ولو فطن له الحلال، ما يعتبر إعانة ولا إشارة، والسقيا موضع؛ كما سبق في الحديث: (وهو قائل بالسقيا).

قوله: (أرفع فرسي)؛ يعني أكلفه سير السير؛ يعني يسير سريعًا حتى يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى رجلًا قال: أين هو؟ قال: (تركته وهو قائل بالسقيا)؛ قائل؛ يعني القيلولة، يدرك القيلولة بالسقيا، والسقيا موضع.

قارئ المتن: إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال

2826- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، قال: أخبرني عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة، يحدث عن أبيه، أنهم كانوا في مسير لهم، بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم، قال: فرأيت حمار وحش فركبت فرسي، وأخذت الرمح فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني، فاختلست سوطًا من بعضهم، فشددت على الحمار فأصبته، فأكلوا منه فأشفقوا، قال: فسئل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «هل أشرتم أو أعنتم؟» قالوا: لا، قال: «فكلوا».

2827- أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن، عن عمرو، عن المطلب، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يُصادْ لكم» قال أبو عبد الرحمن: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك

شرح الشيخ: يصادْ بالإسكان عند الألف وجائز على لغة، وبسكون الدال عطف على تصيدوه، أما قول المحشي: أو يصاد مقصود بها أن، أو بمعنى إلا، فلا وجه له؛ لأن المعنى يفسد المعنى، قال: أن تصيدوه، أو أن يصادَ لكم، «ما لم تصيدوه، أو يُصادْ لكم»؛ معطوف بالإسكان، وفيه أن المحرم إذا أشار، أو أعان الحلال لثقته الصيد؛ فإنه لا يأكل منه؛ لأنه في حقِّه ميتة، بل أشد من الميتة، وكذا إذا صاده الحلال من أجله، في حديث جابر هنا «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يُصادْ لكم»،قال أبو عبد الرحمن: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك)، الحديث رواه أحمد، وأبو داود والترمذي، وغيره من أهل السنن، والحديث فيه ضعف، لكنه ينجبر بحديث أبي قتادة، وحديث طلحة بن عبيد الله، وعدم سماع المطلب عن جابر فيه كلام.

وقول النسائي: (ليس بالقوي)؛ يعني فيه نظر؛ لأنه من رجال الصحيحين، ماذا قال عنه المحشي؟

الطالب: قال الجامع عفا الله تعالى عنه: غرض المصنف بهذا تضعيف هذا الحديث من أجل عمرو بن أبي عمرو فقط، لكن الذي يظهر لي أنَّ تضعيف الحديث ليس قاصرًا على عمرو هذا؛ فإنَّ عمرو وثقه كثير من أهل العلم كما تقدم، ليس قاصرًا على عمرو هذا، فإنَّ عمرو وثقه كثير من أهل العم كما تقدم في ترجمته، فليس ضعف بسببه فقط، وإنما ضعف الحديث من وجوه أخرى أيضًا سنذكرها قريبًا.

 قال الحافظ ولي الدين: فتَّبع النسائي على هذا ابن حزم فقال: خبر جابر ساقط؛ لأنه عن عمرو وهو ضعيف، وقد سبقهما إلى تضعيفه يحيي بن معين وغيره، لكن وثقه أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن عدي، وغيره وأخرج له الشيخان في صحيحيهما فوجب قبول خبره، وقد سكت أبو داود على حديثه هذا، فهو عنده إمَّا حسن صحيح صححه الحاكم في المستدرك، وقال: إنَّه على شرط الشيخين، ولكن المطلب بن عبد الله بن حنطب لم يخرج له واحد من الشيخين في صحيحه؛ وهذا يدل على أن الحاكم لا يريد بكونه على شرطهما أن يكون رجال إسناده في كتابيهما كما ذكره جماعة؛ لأنه لا يجهل كون الشيخين لم يخرجا للمطلب فدلَّ على أنَّ مراده أن يكون راويه في كتابيهما، أو في طبقة من أخرج له، نعم أعلَّ الترمذي هذا الحديث بالانقطاع بين المطلب وبين جابر، وقال: لا يعرف له سماع منه، وكذا قال أبو حاتم، وقال البخاري: لا أعرف للمطلب سماعًا من أحد من الصحابة إلا قوله: حدثني من شاهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الدارمي مثله، وذكره السيوطي في شرحه.

 قال الجامع: قول ولي الدين؛ وهذا يدل على أن الحاكم لآخره فيه نظر لا يخفى، بل ما ذكره الجماعة هو الصواب، وقوله: لأنه لا يجهل..... إلى آخره؛ هذا استدلال غريب، فقد صحح الحاكم أحاديث في أسانيدها رواة متروكون، وضَّاعون، فهل يجاب عنه بمثل هذا؟ هذا شيء عجيب والله تعالى أعلم.

الشيخ: قول الحاكم.

مداخلة: ابن المطلب لم يرو عنه في الصحيحين.

الطالب: قال: لأنه لا يجهل كون الشيخين لم يخرجا للمطلب، وقال ابن التركماني رحمه الله في معرض ردِّه على البيهقي في تقوية حديث جابر هذا ما نصه: فالحديث في نفسه معلول عمرو بن أبي عمرو مع اضطرابه في هذا الحديث المتكلم فيه، قال ابن معين وأبو داود: ليس بالقوي، زاد يحيى: وكان مالك يستضعفه، قال السعدي: مضطرب الحديث، والمضطرب قال فيه ابن سعد: ليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وعامة أصحابه يدلسون، ثم الحديث مرسل، قال الترمذي: المضطرب ...

الشيخ: المرسل يعني المنقطع؛ لأن في سماع المطلب من جابر كلام؛ هذا هو الضعف، لكن على كل حال ينجبر بحديث أبي قتادة وغيره («صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يُصادْ لكم»، انتهى الكلام أم ماذا؟

الطالب: قال: فظهر بهذا أن الحديث فيه أربع علل:

  • الكلام في المطلب.
  • أنه لو كان ثقة فلا سماع له من جابر، فالحديث مرسل.
  • : الكلام في عمر.
  • أنه وإن كان ثقة، فقد اختلف فيه، ففيل عنه عن المطلب بن عبد الله عن جابر، وقيل عنه عن رجل من بني سلمة عن جابر، ورواه الطحاوي من وجه آخر عن المطلب عن أبي موسى، انتهى كلام ابن التركماني.

قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن حديث جابر رضي الله عنه هذا ضعيف للعلل المذكورة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآل.

الشيخ: على كل حال العلماء رأوا أنه ينجبر، واستدل به أهل العلم والفقه، ويؤيد حديث؛ يعني ينجبر حديث جابر بحديث أبي قتادة، وكذلك حديث طلعة بن عبيد الله، وحديث الصعب بن جثَّامة أنه لما صاده من أجله لم يقبله.

الطالب: قال: «أو يصاد لكم» وقع في الكبرى، أو يُصَدْ لكم بحذف الألف من الوسط وهو الجادة.

الشيخ: الجادة يصد، لكن الرواية (يصادْ)الصحيحة بإسكان الدال، هنا قال السيوطي: كذا في النسخ والجاري على قوانين اللغة العربية أو يصد؛ لأنه معطوف على المجزوم، وهنا ذكر في حاشية الكتاب: "هكذا رواية يصاد بالألف وهي جائزة على لغة"، قوله: قلت الوجه نصه: يصاد على أن أو بمعنى إلا أن فلا إشكال، لكن هذا الوجه ليس بصحيح، السندي على قوله بهذا الوجه، يختلف المعنى إلا ما لا تصيده، أو إلا أن يصادَ إلى كم؛ ما يستقيم المعنى.

قارئ المتن: ما يقتل المحرم من الدواب قتل الكلب العقور

2828- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور».

قتل الحية

2829- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور».

قتل الفأرة

2830- أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أذن في قتل خمس من الدواب للمحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والعقرب».

شرح الشيخ: المؤلف رحمه الله يكرر التراجم لاستنباط الأحكام وإلا كلها في حديث واحد؛ هذه خمس تقتل في الحِلِّ والحرم لفسقها، فالغراب، والحداء، والفأرة، والكلب العقور، والحية، والوزغ، الحية لأنها أولى من العقرب، والوزغ هو السابع، ويقاس عليه ما فيه إيذاء كالذئب والسبع العادي، وكذا الذباب والحشرات المؤذية، تكون في الحديث الأول: الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والعقرب، وفي الحديث الذي بعده الحية؛ وهي أولى من العقرب، والحديث الذي بعده الوزغ، ويقاس عليه ما فيه إيذاء؛ كالذئب والسبع العادي، والمؤلف كرر التراجم لاستنباط الأحكام.

قوله: «والغراب الأبقع»، هنا أخذ بعض العلماء بهذا القيد يقيد الأحاديث المطلقة في الغراب بالأبقع حمل المطلق على المقيد، ولم يأخذ آخرون من أهل العلم بهذا القيد؛ لأن الرواية المطلقة أصح وأكثر، وإلا أن الغراب مؤذي ومفسد ولم يكن أبقع؛ وهذا أولى؛ لأنَّ الغراب فاسق ومن فسقه: أنه يأكل سنبل الزرع، ومن فسقه أن ينقر الدبر؛ جراح البعير إذا كان في جروح في ظهره ينقره حتى يجرح مرة أخرى، والفأرة معروف أنها مؤذية، والحية والعقرب، والكلب العقور كلها مؤذية، والسبع العادي، وكذلك الوزغ، وكذلك الذباب والحشرات المؤذية، كلها تقاس على هذا.

قارئ المتن: قتل الوزغ

2831- أخبرني أبو بكر بن إسحق، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن امرأة دخلت على عائشة وبيدها عكاز، فقالت: ما هذا؟ فقالت: لهذه الوزغ لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه «لم يكن شيء إلا يطفئ، على إبراهيم عليه السلام إلا هذه الدابة فأمرنا بقتلها، ونهى عن قتل الجنان، إلا ذا الطفيتين، والأبتر، فإنهما يطمسان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء».

شرح الشيخ: قوله: (لهذه الوزغ) الثاني؛ باعتبار الدابة، والوَزَغ بفتح الزاي، ويسمى برص وطاطور، ومن فسقه: أنه ينفخ على النار التي أظلمت ليلقى فيها إبراهيم عليه السلام، من فسقه؛ من الشرِّ الذي في نفسه، ولو بعيد ما تأثر نفخه، لكن من الفسق الذي في نفسه صار ينفخ حتى تشتعل النار، وهو بينه وبينها مسافة بعيدة؛ فلهذا يقتل، جاء في صحيح مسلم فضل من قتله، وأنَّ من قتله في الضربة الأولى كذا وكذا مائة حسنة، ومن قتله في الضربة الثانية كذا وكذا من الحسنات، وقوله: «ونهى عن قتل الجنان، إلا ذا الطفيتين، والأبتر»، الجنان: هي الحية في البيوت لا تقتل حتى تنذر ثلاث مرات، وفي حديث آخر وتنذر ثلاث أيام، الجمع بينهما: أنها تنذر ثلاث مرات إما في يوم، او ثلاثة أيام؛ لأنها قد تكون الحية في البيوت قد تكون من الجن، فتنذر ثلاث مرات، أو ثلاثة أيام فإن ذهبت وإلا قتلت، (إلا ذا الطفيتين والأبتر)، فيه أن ذا الطفيتين والأبتر نوعان من الحيات مستثنيان من جنان البيوت، من قتلها بلا إنذار؛ لأنهما يطمسان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء، الطفيتين؛ يعني من في ظهره خطان، من في خطان أبيضان على ظهر الحية ليس طفيتين، والأبتر: كثير الذنب؛ هذان يقتلان مطلقًا في البيوت وغير البيوت؛ لأنهما يطمسان البصر، ويسقطان ما في بيوت النساء؛ يعني إذا نظر الإنسان إليهما ذهب بصره نسأل الله السلامة والعافية، وكذلك أيضًا يسقط ما في بطون النساء، إذا نظرت المرأة، أو قابل المرأة سقط ما في بطنها من الحمل؛ فلهذا تقتلان على كل حال ذا الطفيتين؛ ما في ظهره خطان أبيضان على ظهر الحية، والأبتر كثير الذنب؛ هذان لا ينظران من جنان البيوت؛ لأنهما يطمسان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء، وما عدا ذلك من جنان البيوت، إذا وجد حية في البيت فلا يقتلها حتى ينذرها، أمَّا إذا كانت في البراري، أو في أمكنة فلا بأس، لكن في البيوت مستثناة، في قصة الصحابي الأنصاري لما كان في غزوة الخندق ويحفر مع النبي ذهب إلى أهله وكان حديث عهد بعرس فرأى امرأته قائمة بالباب، فأخذ بالرمح فقالت: لا تعجل حتى ترى ما الذي أخرجني، فذهب فدخل، فرأى حيَّة ملتوية على فراشه، فانتظمها بالرمح فقتلها، ثم قتل الأنصاري صرع في الحال فلا يدرى أيهما أسرع موتًا؟ الأنصاري، أو الحية؟ فلما أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذه البيوت لها عمَّار، فنهى عن قتل الجنان حتى تنذر، الجنان؛ يعني الحية في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر؛ فإنهما يقتلان بلا إنذار لعظم ضررهما؛ لأنهما يطمسان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء.

قارئ المتن: قتل العقرب

2832- أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن- أو في قتلهن- وهو حرام: الحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والعقرب، والغراب».

قتل الحدأة

2833- أخبرنا زياد بن أيوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أنبأنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رجل: يا رسول الله ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا؟ قال: «خمس لا جناح على من قتلهن: الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور».

شرح الشيخ: الحدأة تخطف اللحم وتخطف الأشياء، فهي من فسقها: أنها تخطف.

قارئ المتن: قتل الغراب

2834- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يقتل المحرم؟ قال: «يقتل العقرب، والفويسقة، والحدأة، والغراب، والكلب العقور».

2835- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة، والحدأة، والغراب، والعقرب، والكلب العقور».

ما لا يقتله المحرم

2836- أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي عمار، قال: سألت جابر بن عبد الله، عن الضبع «فأمرني بأكلها» قلت: أصيد هي؟ قال: «نعم» قلت: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «نعم».

شرح الشيخ: فيه: أن الضبع صيد؛ فلا يقتله المحرم إلا دفاعًا عن نفسه إذا ثار عليه الضبع فإنه يقتله دفاعًا عن نفسه، جاء في الحديث: أنه في الروعشاة؛ وهذا عام في كل ثائر حتى الآدمي، فإذا لم يندفع إلا بالقتل، وهنا (قلت: أصيد هي؟ قال: «نعم» قلت: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «نعم».

قارئ المتن: الرخصة في النكاح للمحرم

2837- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا داود وهو ابن عبد الرحمن العطار، عن عمرو وهو ابن دينار، قال: سمعت أبا الشعثاء يحدث، عن ابن عباس، قال: «تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهو محرم».

2838- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثنا عمرو بن دينار، أن أبا الشعثاء حدثه، عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح حرامًا».

2839- أخبرني إبراهيم بن يونس بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن مجاهد، عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهما محرمان».

2840- أخبرنا محمد بن إسحق الصاغاني، قال: حدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهو محرم».

2841- أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحق، وصفوان بن عمرو الحمصي، قالا: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج ميمونة، وهو محرم».

النهي عن ذلك

2842- أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب، أن أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح المحرم، ولا يخطب، ولا ينكح».

2843- أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، عن مالك، أخبرني نافع، عن نُبيه بن وهب، عن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن ينكح المحرم، أو ينكح، أو يخطب».

2844- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن نبيه بن وهب، قال: أرسل عمر بن عبيد الله بن معمر إلى أبان بن عثمان يسأله أينكح المحرم؟ فقال أبان: إن عثمان بن عفان حدث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم، ولا يخطب».

شرح الشيخ: الحديث الأول قال: (الرخصة في النكاح للمحرم)، وذكر حديث ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم أخذ بعض العلماء بحديث ابن عباس وزوجوا نكاح المحرم، والمراد: يعني العقد، معلوم إن المحرم ممنوع من الجماع، لكن المراد العقد، وذهب جمهور العلماء إلى تحريم نكاح المحرم لحديث عثمان «لا يَنْكَح المحرم، ولا يُنكِح»، وحديث ابن عباس وهو محرم هو حديث، لكن قالوا: هذا وهم من ابن عباس؛ لأن ميمونة رضي الله عنها هي صحيح في القصة أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وكذلك رافع مولى، كان السفير بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن النبي تزوجها وهو حلال، ميمونة صاحبة القصة روتها، فهي أعلم بها من غيرها، ورافع كان سفيرًا بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينها، وابن حباس كان حين ذاك صغيرًا، ولأن حديث ابن عباس حكايته فعل، وحديث عثمان قول؛ فيقدم القول على الفعل، وعلى هذا حديث ابن عباس في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج ميمونة، وهو محرم»، لكن ابن عباس وهم؛ لأنه صغير، والجمهور على أنه تزوجها وهو حلال، وكذلك خالد بن الوليد، وهي خالته مثل خالة ابن عباس، أخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، فيكون ميمونة أخبرت أنه تزوجها وهو حلال، ورافع السفير بينها وبين النبي-صلى الله عليه وسلم قال: تزوجها وهو حلال، وخالد أخبر أنه تزوجها وهو حلال، والحديث:  «لا يَنْكَح المحرم، ولا يُنكِح»، والأصل العموم، وعدم الخصوص، وأما قول ابن عباس: «تزوجها وهو محرم»؛ هذا الحديث صحيح في البخاري، لكنه وهم؛ لأنه حين ذاك كان صغيرًا، والنسائي ترجم قال: (الرخصة في النكاح للمحرم)، ثم ترجم بعدها: النهي عن ذلك، فترجمة النسائي: النهي عن ذلك؛ تشعر بالنسخ، وأن النكاح للمحرم كان جائزًا، ثم نسخ، وقد يقال: إن هذا ليس ببعيد، فإن تزوج النبي لميمونة كان في السنة السابعة، وحديث عثمان في حجة الوداع في العاشرة، لكن يردُّ هذا قول ميمونة هي صاحبة القصة، وكذلك كان رافع مولى النبي هو السفير بينهما أخبر أنه تزوجها وهو حلال، وكذلك خالد بن الوليد.

قارئ المتن: الحجامة للمحرم

2845- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن عطاء، عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم، وهو محرم».

2846- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، وعطاء، عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وهو محرم».

2847- أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان، قال: أنبأنا عمرو بن دينار، قال: سمعت عطاء، قال: سمعت ابن عباس، يقول: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم».

ثم قال بعد: أخبرني طاووس، عن ابن عباس يقول: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم».

حجامة المحرم من علة تكون به

2848- أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من وثء كان به».

شرح الشيخ: الوثء، يقال: هو في الرِّجل دون الخلع والكسر، يقال: وثاءة رجله فهي موثوءة، وثأتها من وَثء، بفتح الواو وسكون المثلثة من وثء به، ففيه دليل على جواز الحجامة للمحرم إذا احتاج، وهي نوع من العلاج، فيكون من جسر المرض كما أمر الكعب بن عجرة أن يحلق رأسه لما احتاج وهو محرم ويفدي، وهنا إذا احتجم إذا كان في رأسه قد لا يحتاج إلا إلى أخذ شعرات قليلة، ويحتمل أنه إذا احتاج إلى أخذ شعر من رأسه كثير يفدي؛ يكون هذا نوع من العلاج كما حصل للكعب بن حجبة قال له النبي: احلق رأسك، وأمره بالفدية، وهنا ما ذكر أن النبي فدى، يحتمل أنها شعرات قليلة، سيأتي أنه احتجم في وسط رأسه.

قارئ المتن: حجامة المحرم على ظهر القدم

2849- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثء كان به».

حجامة المحرم وسط رأسه

2850- أخبرني هلال بن بشر، قال: حدثنا محمد بن خالد وهو ابن عثمة، قال: حدثنا سليمان بن بلال، قال: قال علقمة بن أبي علقمة، أنه سمع الأعرج، قال: سمعت عبد الله ابن بحينة يحدث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «احتجم وسط رأسه وهو محرم، بلحي جمل من طريق مكة».

شرح الشيخ: يعني مكان، وفيه جواز الحجامة للمحرم إذا احتاج إلى أخذ شعر إذا كان في الرأس فدى كما في حديث كعب بن عجرة، وقيل: لا يفدي؛ لأن محل الحجامة شعرات قليلة يعفى عنها.

قارئ المتن: في المحرم يؤذيه القمل في رأسه

2851- أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمًا، فآذاه القمل في رأسه «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يحلق رأسه، وقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، مدين مدين أو انسك شاة، أي ذلك فعلت أجزأ عنك».

شرح الشيخ: والمدان نصف صاع، والصاع أربعة أمداد، المدان نصف صاع، المد ربع صاع، والمد ملء كف رجل متوسط فالصاع: أربعة حفنات، ملء اليدين المتوسطتين، هنا قال: «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يحلق رأسه، وقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، مدين مدين أو انسك شاة»؛ يعني المدَّان: نصف صاع، والصاع أربعة أمداد.

قارئ المتن:

2852- أخبرني أحمد بن سعيد الرباطي، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن عبد الله وهو الدشتكي، قال: أنبأنا عمرو وهو ابن أبي قيس، عن الزبير وهو ابن عدي، عن أبي وائل، عن كعب بن عجرة، قال: أحرمت، فكثر قمل رأسي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاني، وأنا أطبخ قِدرًا لأصحابي فمس رأسي بإصبعه، فقال: «انطلق فاحلقه، وتصدق على ستة مساكين».

شرح الشيخ: تصدق كما سبق، وفي الحديث الآخر أنه خيَّره بين الإطعام، وبين الصيام وبين النسك.

قارئ المتن: غُسل المحرم بالسدر إذا مات

شرح الشيخ: غُسل؛ يعني يُغسل غُسل ويكون معه سدر.

قارئ المتن: غُسل المحرم بالسدر إذا مات

2853- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أنبأنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رجلًا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء، وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا».

شرح الشيخ: فيه: أن المحرم إذا مات يُغسل بالسدر؛ لأنه ليس بطيب السدر، السدر وسيلة تنظيف مثل الصابون، كان الناس قبل وجود الصابون يغسلون بالسدر ثيابهم، فيكون بمثل وسيلة تنظيف ما فيه طيب، قال: «اغسلوه بماء، وسدر، وكفنوه في ثوبيه»؛ يعني الإزار والرِّداء، فيه: أن الحرم إذا مات يكفن في ثوبيه؛ في الإزار والرِّداء، وقال: «ولا تمسوه بطيب»؛ يعني لا تمسوه بطيب، لو كان السدر طيب ما أمر بغسله، فالسدر ليس بطيب.

قال: «، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا»، فيه: أنَّ المحرم إذا مات يبقى على إحرامه، وفيه: أنَّه لا يقضى عنه ما بقي من مناسك الحج، وإلا لما بقي محرمًا.

قارئ المتن: في كم يكفن المحرم إذا مات

2854- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رجلًا محرًما صرع عن ناقته، فأوقص ذكر أنه قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين»، ثم قال: على إثره خارجًا رأسه، قال: «ولا تمسوه طيبًا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» قال شعبة: فسألته بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان يجيء به إلا أنه قال: «ولا تخمروا وجهه، ورأسه».

شرح الشيخ: فيه: أنَّ المحرم إذا مات يكفن في ثوبين؛ وهما الإزار والرِّداء، ولا يخمِّر رأسه، ولا وجهه، والوجه فيه خلاف، جاء في صحيح مسلم: «ولا وجهه»، وبعضهم تكلم فيها.

قارئ المتن: النهي عن أن يحنط المحرم إذا مات

2855- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بينا رجل واقف بعرفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقع من راحلته فأقعصه- أو قال فأقعصته- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله عزَّ وجلَّ يبعثه يوم القيامة ملبيًا».

2856- أخبرني محمد بن قدامة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: وقصت رجلًا محرمًا ناقته، فقتلته، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اغسلوه، وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيبًا، فإنه يبعث يهل».

شرح الشيخ: يهل؛ يعني يلبي، والحنوط: الطيب خلاف المشهور عند العامة من أن الحنوط غير الطيب، فيه: أنَّ المحرم إذا مات لا يحنط؛ يعني لا يطيب، وقوله: أقعصه؛ يعني قتله قتلًا سريعًا، تذكيره بملاحظة الإبل، أو قصعة الإبل، والتاء في أقعصته لفظته الناقة، للتأنيث، والوقص كسر العنق، وقصته؛ وعنقه.

قارئ المتن: النهي عن أن يخمر وجه المحرم، ورأسه إذا مات

2857- أخبرنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا خلف يعني ابن خليفة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رجلًا كان حاجًّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لفظه بعيره فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغسل، ويكفن في ثوبين، ولا يغطى رأسه، ووجهه، فإنه يقوم يوم القيامة ملبيًا».

النهي عن تخمير رأس المحرم إذا مات

2858- أخبرنا عمران بن يزيد، قال: حدثنا شعيب بن إسحق، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أن سعيد بن جبير، أخبره أن ابن عباس، أخبره قال: أقبل رجل حرامًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرَّ من فوق بعيره، فوقص وقصا فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء، وسدر، وألبسوه ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يأتي يوم القيامة يلبي».

شرح الشيخ: النسائي رحمه الله يكرر التراجم؛ لكنه ينوعها، الترجمة الأولى: (النهي أن يخمر وجه المحرم ورأسه)، والترجمة التي بعدها: (النهي عن تخمير رأس المحرم إذا مات)؛ يعني التكرار، لكن ينوعها، فهي كالشرح للأحاديث، وهي فقه استنبطه من الأحاديث فهو على طريقة البخاري رحمه الله، وله عناية بالأسانيد، وجمع الطرق؛ طرق الأحاديث في مكان واحد، فيعرف بذلك قوة الحديث، وزيادة بعض الألفاظ في بعض الطرق، والتصريح بالسماع من المدلس ومتابعة الحديث للحديث، أو ذكر شاهد؛ فهو على طريقة مسلم في ذلك فاستفاد من البخاري كثرة التراجم التي هي فقه مستنبط من الأحاديث، واستفاد من مسلم سياق أسانيد الحديث وجمع طرقه في مكان واحد رحمه الله.

قارئ المتن: فيمن أحصر بعدو

2859- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا جويرية، عن نافع، أن عبد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله، أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، لما نزل الجيش بابن الزبير قبل أن يقتل، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بيننا وبين البيت، قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه»، وأشهدكم أنِّي قد أوجبت عمرة إن شاء الله، أنطلق فإن خلي بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبين البيت فعلت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، ثم سار ساعة، ثم قال: فإنما شأنهما واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فلم يحلل منهما حتى أحل يوم النحر وأهدى

شرح الشيخ: لم يحلل؛ لأنه قرن بين الحجِّ والعمرة، وفي الحديث أن المحصر بعدو عن الوصول إلى البيت؛ ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، ثم يتحلل؛ ولهذا قال: «فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه»، قال العلماء: إذا لم يجد هديًا صام عشرة، ثم حل؛ قياسًا على المتمتع الذي لم يجد الهدي.

قارئ المتن:

2860- أخبرنا حميد بن مسعدة البصري، قال: حدثنا سفيان وهو ابن حبيب، عن الحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى» فسألت ابن عباس، وأبا هريرة، عن ذلك فقالا: صدق.

2861- أخبرنا شعيب بن يوسف، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن حجاج بن الصواف،

شرح الشيخ: هل تكلم على الحجاج بن الصواف، أو الحجاج الصواف؟

الطالب: الحجاج الصواف.

الشيخ: ما في ابن؟

الطالب: بدون، قال: هو حجاج بن أبي عثمان، واسمه ميسرة، أو سالم أبو الصلف الكندي، مولاهم البصري ثقة حافظ.

الشيخ: ما نقل عن التقريب؟

الطالب: التقريب نعم.

الشيخ: والحجاج ماذا؟

الطالب: الحجاج الصواف: هو حجاج بن أبي عثمان، واسمه ميسرة، أو سالم أبو الصلف الكندي، مولاهم البصري ثقة حافظ.

الشيخ: كذا عندكم في التقريب الحجاج الصواف؟ تأكد من التقريب إذا كان هكذا تحذف ابن.

الطالب: الإسناد الأول بدون ابن، وفي الثانية فيه ابن، الذي قبله (أخبرنا حميد بن مسعدة البصري، قال: حدثنا سفيان وهو ابن حبيب، عن الحجاج الصواف).

الشيخ: هذا هو الظاهر تكون ابن زائدة.

قارئ المتن:

2861- أخبرنا شعيب بن يوسف، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن حجاج بن الصواف، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى» وسألت ابن عباس، وأبا هريرة، فقالا: صدق، وقال شعيب، في حديثه: «وعليه الحج من قابل».

شرح الشيخ: هذا الحديث في سنده يحيى بن أبي كثير وهو مدلس، وقد عنن في الطريقين، فيكون ضعيف، ومن نطارة هذا الحديث: قوله: «وعليه حجة أخرى»؛ وهذا فيه تفصيل، فإنَّه إن كان حج حجة الإسلام فليس عليه حجة أخرى إذا حل، وإن لم يحج فعليه حجة الإسلام، ومن نكارة هذا الحديث: أنه لم يذكر هديًا يذبحه إذا حصر بالكسر، أو بالعرج، ولم يذكر حلق رأسه، والصواب: أن الحصر يكون بالعدو، ويكون بالمرض، ويكون بضلال الطريق، ويكون بضياع النفقة، قال بعض العلماء: الحصر لا يكون إلا بالعدو خاصة، النوع الثاني أنه يكون الحصر بالمرض، وبضلال الطريق، وبضياع النفقة؛ وهذا فيه إنه كُسِر وعرج المرض.

ومن العلماء قال: إن من كُسِر وعرج فإنه يمكن أن يؤدي الحج، فيطوف ويسعى محمولًا، ويركب إلى عرفة ومزدلفة ومنى، ويوكل في رمي الجمار، هل تكلم عليه الشيخ؟

يكون ضعيف من جهة السند يحيى بن أبي كثير، ومن ناحية النكارة في المتن.

الطالب: عن الحجاج بن عمرو الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من عَرَج بفتح العين المهملة والراء مبنيًا للفاعل من بابي: نَصَر، وضَرَب.

الشيخ: عَرَجَ، أو كُسِر من باب نَصَر وضرب؛ يعني؟

الطالب: يعرُجُ ويَعرِجُ؛ أي أصابه شيء في رجله، وليس بخلقة، فإذا كان خلقة قيل: عرج بالكسر كفرح، قال في الصحاح: عَرَجَ في الدرجة والسلم يَعرُجُ عُرُوجًا إذا ارتقى، وعَرَج أيضًا إذا أصابه شيئًا في رجله فقمع، ومشى مشية العرجان، وليس بخلقة، فإذا كان ذلك خلقة قلت: عَرِج بالكسر فهو أعرَج بيِّنُ العَرج، وفي القاموس: عَرَجَ عُرُوجًا ومعرجًا ارتقى، وأصابه شيء في رِجله فقمع، وليس بخلقة، فإذا كان خلقة فعَرِجَ كفَرِحَ، يثلث في غير الخلقة انتهى، أو كُسِرَ بضم الكاف.

الشيخ: أو يثلث؛ يعني في غير الخلق، يقول: عَرَجَ وعَرِجَ، أو عَرجاء.

الطالب: أو كُسِر بضم الكاف وكسر السين على بناء المجهول، وزاد أبو داود وابن ماجة في رواية: أو مَرِض، قال المج في المنتقى، وفي رواية ذكر أحمد في رواية المروزي: من حُبِسَ بكسر، أو مرض؛ يعني من حدث له بعد الإحرام مانع غير إحصار العدو فقد حلَّ؛ أي جاز له أن يتحلل ويترك المضي على إحرامه ويرجع إلى وطنه، قاله القاري.

وقال السندي: قوله: من عَرِجَ، أو كُسِرَ؛ أي من أحرم، ثم حدث له بعد الإحرام مانع من المضي على مقتضى الإحرام غير إحصار العدو بأن كان أحدٌ كسر رجله، أو صار أعرج من غير صنيع من أحد؛ يجوز له أن يترك الإحرام وإن لم يشترط التحلل، قيده بعضهم؛ يعني الشافعية والحنبلية بالاشتراك، ومن يرى أنه من باب الإحصار، ومن الجنيفية لعله يقول: معنى حلَّك: كاد أن يحل قبل أن يصل إلى نسكه بأن يبعث الهدي من أحد، ويواعده يوم بعينه يذبحه فيه في الحرم، فيتحلل بعد الذبح انتهى.

 قال الجامع: عندي أن من قال بثبوت الإحصار بغير العدو كالكسر والعرج هو الحق لحديث الباب، فإن قيل يلزم من هذا عدم فائدة الاشتراط الوراد في حديث ضباعة رضي الله عنها؛ حيث أمرها النبي-صلى الله عليه وسلم تشترط في إحرامها إذا منعها مانع تتحلل عنده؛ لأنه إذا كان نفس المانع من المرض ونحوه يتحلل به المحرم لم يكن للاشتراط فائدة، أجيب بأن فائدة الاشتراط: عدم وجوب دم الإحصار به، فلو حصل له الإحصار قد اشترط جاز له التحلل، ولا دم عليه، وإن لم يشترط وجب عليه الدم؛ وهذا وجه العمل بالحديثين فتبصر.

والحاصل: أن القول بثبوت الإحصار بغير العدو كالمرض ونحوه كما هو مذهب الثوري وأصحابه، ورأي البخاري والمصنف، وابن حزم رحمهم الله تعالى، وهو الأرجح لصحة حديث الباب.

الشيخ: هذا صحيح الإحصار يكون بالكسر، يكون بالمرض، وبالعدو، وبغير النفقة، لكن ليس هذا الإشكال، الإشكال في صحة الحديث، الكلام في الحديث: هل هو صحيح، أو غير صحيح.

قال الجامع عفا الله عنه: الحقُّ أنَّ حديث الحجاج بن عمرو رضي الله عنه صحيح، ولا تعارض بين أثر بن عباس رضي الله عنه لا حصر إلا حصر العدو بين تصديقه لهذا الحديث؛ لأن الأثر محمول على معنى الكمال؛ أي لا حصر كامل إلا حصر العدو، كما يقال: لا همَّ إلا همَّ الدين، الله تعالى أعلم.

ونقل عن البيهقي: قال: وحديث الحجاج بن عمرو قد اختلف في إسناده، والثابت عن ابن عباس خلافه، وأنَّه لا حصر إلا حصر العدو.

الشيخ: فقط قد اختلف في إسناده؟

الطالب: البيهقي نعم، وقال في ترجمة يحيى بن أبي كثير: واسمه: صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت يدلس ويرسل.

الشيخ: هنا المشكل يدلس وقد عنن، فيكون ضعيف من جهة السند، وفيه نكارة من جهة المتن كما سبق، إنه قال: «وعليه حجة أخرى»، كيف يتحلل وهو عليه حجة أخرى؟! هو قد حج حجة الإسلام، وكذلك أيضًا قد يمكنه أن يؤدي بعض المناسك ولو كسر وعرج، يؤدي ما يتمكن، وما لم يستطع يوكل كرمي الجمار، كل هذا يعرض عنه الشارح ما تفطن لهذا.

الطالب: (1:39:29).

الشيخ: الصواب ليس هناك "ابن" يُشطب ابن، الحديث فيه ضعف هنا، وأما كون الحصر يكون بغير العدو هذا معروف، وهو الصواب أن الحصر يكون بالعدو وغير العدو.

الطالب: المحقق يقول: أن الحديث صحيح أخرجه أبو داود من حديث يحيى القطان؟

الشيخ: من يقول هذا؟

الطالب: الحافظ أبو طاهر جُبير بن علي زيد.

الشيخ: من هو الحافظ أبو طاهر، هل هو مُعاصر؟ نعم.

قارئ المتن: دخول مكة

2862- أخبرنا عبدة بن عبد الله، قال: أنبأنا سويد، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا موسى بن عقبة، قال: حدثني نافع، أن عبد الله بن عمر حدثه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى يبيت به حتى يصلي صلاة الصبح حين يقدَمُ إلى مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، على أَكمَة غليظة، ليس في المسجد الذي بني، ثم ولكن أسفل من ذلك على أَكَمَة خشنة غليظة».

شرح الشيخ: فيه الاستحباب الاغتسال لدخول مكة، كان النبي يبيت ويغتسل، يبيت بذي طوى، والآن تسمى الزاهر؛ حي الزاهر كانت في ذلك الوقت صحراء؛ يعني أرض فضاء ما فيها بيوت، في ذلك الوقت كان يبيت بها ويغتسل لدخول مكة عليه الصلاة والسلام، بات بها واغتسل، كان ابن عمر يفعل ذلك يبيِّن مكانه، قال: «ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، على أَكمَة غليظة، ليس في المسجد الذي بني، ثم ولكن أسفل من ذلك على أَكَمَة خشنة غليظة» كل هذا زال الآن، الآن في بنيان.

قارئ المتن: دخول مكة ليلًا

2863- أخبرني عمران بن يزيد، عن شعيب، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن محرش الكعبي «أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج ليلًا من الجعرانة حين مشى معتمرًا، فأصبح بالجعرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس، خرج عن الجعرانة في بطن سرف، حتى جامع الطريق طريق المدينة، من سرف».

2864- أخبرنا هناد بن السري، عن سفيان، عن إسمعيل بن أمية، عن مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عن محرش الكعبي «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا، كأنه سبيكة فضة، فاعتمر، ثم أصبح بها كبائت».

شرح الشيخ: (كأنه سبيكة فضة)، المراد: تشبيه صورته قطعة من الفضة البياض والصفا؛ كما قال السندي، وفيه جواز دخول مكة ليلًا، فإنَّ النبي دخل مكة ليلًا، وفيه أنه أتى بعمرة من الجعرانة ليلًا وخفيت هذه كما قال ابن القيم: على كثير من الناس؛ لأنه دخلها ليلًا، وخرج ليلًا، والنبي-صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، واعتمر من عمرة القضاء، وعمرة الحديبية، والعمرة هذه مع حجته صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن: من أين يدخل مكة

2865- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبيد الله، قال: حدثني نافع، عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى».

شرح الشيخ: قال العلماء: يستحب أن يدخل من السنية العليا ويخرج من السنية السفلى، يقول: من كَدا، وخرج من كُدا، يقول أهل مكة: افتح وادخل، واضمم واخرج، دخل من كدا وخرج من كُدا، السنية العليا كَدا، والسنية السفلى قال: كُدا، افتح وادخل واضمم واخرج؛ هذا من باب الاستحباب؛ يعني الآن دخول الإنسان وخروجه بالسيارات، والشوارع مسفلتة ومنظمة، اختلف الحال عن دخولها على الدواب.

قارئ المتن: دخول مكة باللواء

2866- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا شريك، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة، ولواؤه أبيض».

دخول مكة بغير إحرام

2867- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر، فقيل ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: «اقتلوه».

2868- أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني مالك، عن الزهري، عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر».

2869- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا معاوية بن عمار، قال: حدثني أبو الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء بغير إحرام».

شرح الشيخ: فيه جواز دخول مكة بغير إحرام إذا لم يرد نسكًا؛ وهذا هو أصح القولين للعلماء، وقيل: لا يجوز بغير إحرام، قيل: إن هذا من خصائص مكة أنه لا يجوز دخولها إلا بإحرام، كلُّ من دخل مكة عليه أن يحرم، وهذا مذهب الحنابلة، والقول الثاني: أنه يجوز بغير إحرام كما في هذه الأحاديث، دخل مكة؛ لأنه ما أراد النسك، دخل فاتحًا، وأمر بقتل ابن خطل هذا، وهو متعلق بأستار الكعبة؛ لأنه كان يؤذي النبي-صلى الله عليه وسلم، وقد أهدر دمه، ولا يعيده كونه متعلق بأستار الكعبة.

قارئ المتن: الوقت الذي وافى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مكة

2870- أخبرنا محمد بن معمر، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي العالية البراء، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة وهم يلبون بالحج، «فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يحلوا».

شرح الشيخ: لأنهم لم يسوقوا الهدي، أمَّا من ساق الهدي فإنه بقي على إحرامه.

قارئ المتن:

2871- أخبرنا محمد بن بشار، عن يحيى بن كثير أبو غسان، قال: حدثنا شعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة وقد أهل بالحج، فصلى الصبح بالبطحاء، وقال: «من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل».

2872- أخبرنا عمران بن يزيد، قال: أنبأنا شعيب، عن ابن جريج، قال: عطاء: قال جابر: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة صبيحة رابعة مضت من ذي الحجة».

شرح الشيخ: أوصى بالحج والعمرة معًا.

قارئ المتن: إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الإمام

2873- أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:

[البحر الرجز]

خلوا بني الكفار عن سبيله
 

 

اليوم نضربكم على تنزيله
 

ضربا يزيل الهام عن مقيله
 

 

ويذهل الخليل عن خليله
 

 

فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله عزَّ وجلَّ، تقول الشعر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خل عنه، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل».

شرح الشيخ: يعني يؤثر فيهم، يعني الشعر يؤثر في الكفار أشد من نضح النبل، وفيه: أنه لا بأس من إنشاد الشعر في الحرم، والمشي بين يدي الإمام إذا كان فيه ذبٌّ عن الإسلام، والدفاع عن المسلمين والإسلام.

قارئ المتن: حرمة مكة

2874- أخبرنا محمد بن قدامة، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: «هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته، إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه» قال: العباس يا رسول الله إلا الإذخر فذكر كلمة معناها إلا الإذخر.

شرح الشيخ: وهذا من خصائص مكة «ولا يلتقط لقطته، إلا من عرفها»؛ يعني التعريف، أو تدفع للهيئة التي عينها ولاة الأمور.

قارئ المتن: تحريم القتال فيه

2875- أخبرنا محمد بن رافع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا مفضل، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرام، حرمه الله عزَّ وجلَّ، لم يحل فيه القتال، لأحد قبلي، وأحل لي ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله عزَّ وجلَّ».

2876- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح، أنه قال: لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا، قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرًا، فإن ترخص أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب».

حرمة الحرم

2877- أخبرنا عمران بن بكار، قال: حدثنا بشر، أخبرني أبي، عن الزهري، أخبرني سحيم، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغزو هذا البيت جيش فيخسف بهم بالبيداء».

شرح الشيخ: وهذا يكون أولًا قبل أن يغزوها ذو السويقة الحبشي في آخر الزمان؛ يعني يغزو هذا البيت جيش، ثم يخسف بهم، ثم بعد ذلك في آخر الزمان يسلط عليها ذو السويقة وينقضها حجرًا حجرًا، ويكمل شوط الساعة الكبار؛ وهذا يكون أولًا قبل ذي السويقة الحبشي الذي يغزوها في آخر الزمان، سمي البيداء، والبيداء الصحراء.

قارئ المتن:

2878- أخبرنا محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثنا أبي، عن مسعر، قال: أخبرني طلحة بن مصرف، عن أبي مسلم الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتهي البعوث عن غزو هذا البيت، حتى يخسف بجيش منهم».

2879- أخبرني محمد بن داود المصيصي، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن سابق، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبد السلام، عن الدالاني، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أخيه، قال: حدثني ابن أبي ربيعة، عن حفصة بنت عمر، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث جند إلى هذا الحرم فإذا كانوا ببيداء من الأرض، خسف بأولهم وآخرهم، ولم ينج أوسطهم» قلت: أرأيت إن كان فيهم مؤمنون، قال: «تكون لهم قبورًا».

شرح الشيخ: يعني حالهم كحال المؤمن في قبره، في الحديث الآخر: «ثم يبعثون على نياتهم»، وفيه: أن العقوبة تطول الصالح والطالح، إذا لم يتميزوا، فإن تميز الصالحون نجاهم الله؛ كما قال تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت: 18]كما أخبر الله أنه نجا الرسل، وأهلك المكذبين لهم كما في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، يخبر الله أنه نجاهم وأهلك المكذبين {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [الأعراف: 83]، فإن لم يتميزوا فالعقوبة تطول الصالح والطالح، ثم يبعثون على نياتهم يوم القيامة.

قارئ المتن:

2880- أخبرنا الحسين بن عيسى، قال: حدثنا سفيان، عن أمية بن صفوان بن عبد الله بن صفوان، سمع جده، يقول: حدثتني حفصة، أنه قال صلى الله عليه وسلم: «ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، خسف بأوسطهم، فينادي أولهم وآخرهم، فيخسف بهم جميعًا، ولا ينجو إلا الشريد الذي يخبر عنهم»، فقال له رجل: أشهد عليك أنك ما كذبت على جدك، وأشهد على جدك أنه ما كذب على حفصة، وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

ما يقتل في الحرم من الدواب

2881- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والكلب العقور، والعقرب، والفأرة».

شرح الشيخ: وسبق هذا، وأن المحرم يقتله هنا في الحرم؛ هذا الفرق بين التراجم السابقة في المحرم، وهنا في الحرم؛ يعني تقتل في الحرم، ويقتلها المحرم، هذه الدواب التي سبقت، وكذلك الوزغ السابع، والذئب، والسبع العادي، والذباب والبعوض، كلهم مؤذي بجمع الفسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل إباحة قتلهم بالفسق؛ وهو الخروج عن طبيعة الحيوانات إلى الإيذاء، قال خمس فواسق، العلة: قتلها لفسقها، تكون فاسقة يعني خرجت عن غيرها من الحيوانات عن طبيعتها بالإيذاء، تقتل في الإحرام ويقتلها المحرم.

قارئ المتن: قتل الحية في الحرم

2882- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: أنبأنا شعبة، عن قتادة، سمعت سعيد بن المسيب يحدث، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والكلب، العقور، والغراب الأبقع، والحدأة، والفأرة».

2883- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى، حتى نزلت {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}[المرسلات: 1] فخرجت حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها، فابتدرناها، فدخلت في جحرها».

2884- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، عن مجاهد، عن أبي عبيدة، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة عرفة، التي قبل يوم عرفة فإذا حس الحية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها» فدخلت شق جحر، فأدخلنا عودًا، فقلعنا بعض الجحر، فأخذنا سعفة، فأضرمنا فيها نارًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقاها الله شركم، ووقاكم شرها».

شرح الشيخ: هذا الحديث منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع عن أبيه، وفيه: أنهم أخذوا سعفة فأضرموها نارًا، فاستجار النبي نهى عن التعذيب بالنار، قال: «إنه لا يعذب النار إلا ربِّ النار»، والسند الأول في الحديث متصل، الأقرب أن هذا قبل الهجرة قديمًا، والنهي عن التعذيب بالنار بعد الهجرة، السند الأول متصل، والثاني منقطع؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، يحمل على إن هذا قبل الهجرة، لكن قبل الهجرة كان الصحابة قلة؛ يعني كون هذه الواقعة حصلت، الله أعلم، قبل ليلة عرفة، ظاهرها أنها في الحج، وأنها مع رسول الله، لكن الحديث الثاني ضعيف.

الطالب: في الحديث الأول يقول: بالخيف

الشيخ: الخيف من منى، محتمل نزلت {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، إذا كانت قبل الهجرة.

قارئ المتن: قتل الوزغ

2885- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك، قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتل الأوزاغ».

2886- أخبرنا وهب بن بيان، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، ويونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوزغ الفويسق».

شرح الشيخ: وهو الباطور ويُقال له البرصي، تكلم على حديث أبي عبيدة والحديث الذي قبله؟ ذكر متى كان؟ أو اقتلوها، دخل في جحرها، بعدها قال: (كنا بالخيف من منى)، وفي الحديث الذي بعده قال: (ليلة عرفة).

الطالب: قال: بالخيف بفتح الخاء المعجمة سكون التختانية بعدها فاء، قال الفيومي، والخيف ساكن الياء: ما ارتفع من الوادي قليلًا عن مسيل الماء منه مسجد الخيف بمنى؛ لأنه بني في خيف الجبل.

الشيخ: الخيف؛ يعني الوادي، قال: مسير ماذا؟

الطالب: قال: "ما ارتفع من الوادي قليلًا عن مسيل الماء منه مسجد الخيف بمنى؛ لأنه بني في خيف الجبل، والأصل: مسجد خيف منى فخفف بالحذف، ولا يكون خيف إلا بين جبلين انتهى من منى بكسر ففتح مكسورًا، الموضع المعروف بمكة والغالب عليه التذكير فيصرف، قال السراج: ومنى ذكر، والشام ذكر، وهجر ذكر، والعراق ذكر، وإذا أنث منع من الصرف، وأمن الرجل بالألف إذا أتى منى فاده الفيومي.

وفي الرواية التالية: أن ذلك كان ليلة العرفة التي قبل يوم عرفة، وفيه بيان أن أمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم بقتل الحية وقع في الحرم والإحرام؛ لأن ذلك قبل التحلل، فبطل رد بعض من استدل بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا على جواز قتل الحية للمحرم باحتمال أن يكون ذلك بعد طواف الإفاضة، قد رواه مسلم بن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصر لفظًا، وسلم أمر محرمًا بقتل حية في الحرم بمنى حتى نزلت والمرسلات عرفًا؛ أي هذه السورة زاد في التفسير من طريق .... عن منصور عن الأعمش، وكليهما عن إبراهيم، فإنَّ لا نتلقاها من فيه في رواية منصور عن الأعمش وحده «إنا نتلقاها من فيه رطبة»؛ أي غضة طرية في أول ما تلاها، والمراد بالرطبة رطوبة فيه؛ أي أنهم أخذوها عنهم قبل أن يجف ريقه من تلاوتها، ويحتمل أن يكون أصواب رطوبة لسهولتها، والأول أشبه، قال: وفي الفتح، فجرجت حية من جحرها، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها»، فابتدرناها، سبق كلٌّ منا صاحبه إلى قتلها، وفيه أن الحيات غير ذوات البيوت تقتل ولو في الحرم، (فدخلت في جحرها)؛ أي فسبقتنا ودخلت في جحرها، والجحر بضم الميم وسكون الحاء المهملة: كل شيء يحتكره الهوام.

الشيخ: لكن ما ذكر هذا في أي وقت، مثل ما قال في الحاشية أن هذا..

الطالب: قد وقع في الليلة التي غداً يوم عرفة.

الشيخ: في الحديث الثاني في الحج قبل ليلة عرفة، لكن الحديث الأول ما فيه، الخيف من منى فقط حتى نزلت: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، يحتاج إلى الرجوع إلى وقت نزول {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، والأحاديث الأخرى، ما تعرض له؟ ما تكلم ولا تعرض للانقطاع في الحديث الثاني حديث أبي عبيدة؟

الطالب: بلى، قال: الحديث فيه انقطاع؛ لأن الأصح أنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكنه صحيح بما قبله.

الشيخ: لكن يختلف، قبلها؛ هذا حدد أنه قبل عرفة، والأول في الخيف بمنى.

قارئ المتن: قتل الوزغ

2885- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك، قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتل الأوزاغ».

2886- أخبرنا وهب بن بيان، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، ويونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوزغ الفويسق».

باب قتل العقرب

2887- أخبرني عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان، قال: حدثنا حجاج، قال: ابن جريج، أخبرني أبان بن صالح، عن ابن شهاب، أن عروة أخبره، أن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الكلب العقور، والغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة».

قتل الفأرة في الحرم

2888- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، أن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب كلها فاسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والكلب العقور، والفأرة، والعقرب».

2889- أخبرنا عيسى بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله، أخبره أن عبد الله بن عمر قال: قالت حفصة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن: العقرب، والغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور».

قتل الحدأة في الحرم

2890- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور»، قال: عبد الرزاق وذكر بعض أصحابنا أن معمرًا كان يذكره، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وعن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم.

قتل الغراب في الحرم

2891- أخبرنا أحمد بن عبدة، قال: أنبأنا حماد، قال: حدثنا هشام وهو ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب، والفأرة، والغراب، والكلب العقور، والحدأة».

النهي أن ينفر صيد الحرم

2892- أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذه مكة، حرمها الله عزَّ وجلَّ يوم خلق السموات والأرض، لم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وهي ساعتي هذه حرام بحرام، الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد» فقام العباس وكان رجلًا مجربًا، فقال: إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال: «إلا الإذخر».

شرح الشيخ: (مجربًا)؛ يعني تجربة، وهل يقاس على أن الإذخر الآراك، يأخذ للسواك؟ وهل يقاس عليه الثمرة تؤخذ وتؤكل؟ هذا هو الظاهر؛ لأنه لو لم تؤخذ لضاعت ماليتها؛ وهذا محل نظر، أراد كلام العلماء.

قارئ المتن: استقبال الحج

2893- أخبرنا محمد بن عبد الملك بن زنجوية، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يقول:

[البحر الرجز]

خلوا بني الكفار عن سبيله
 

 

اليوم نضربكم على تأويله
 

 ضربا يزيل الهام عن مقيله
 

 

ويذهل الخليل عن خليله
 

 

قال عمر: يا ابن رواحة في حرم الله، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول هذا الشعر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خل عنه، فوالذي نفسي بيده، لكلامه أشد عليهم من وقع النبل».

شرح الشيخ: وهذا ثابت عن حسان رضي الله عنه ينشد بين يدي النبي-صلى الله عليه وسلم، وأمره، قال: إنه شديد على الكفار، حسان قال: إن الإنسان إذا وضعته على صحر لفلقه، أو على شِعر لحلقه؛ يعني لشدة تأثيره.

قارئ المتن:

2894- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا يزيد وهو ابن زريع، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، استقبله أغيلمة بني هاشم قال: «فحمل واحدًا بين يديه، وآخر خلفه».

شرح الشيخ: وهذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن: ترك رفع اليدين عند رؤية البيت

2895- أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا قزعة الباهلي، يحدث، عن المهاجر المكي، قال: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه، قال: «ما كنت أظن أحدا يفعل هذا إلا اليهود، حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نكن نفعله».

شرح الشيخ: قزعة هو سويد بن حجيج، وهو معقول كما في التقريب، قال: (ما كنت أظن أحدا يفعل هذا)، فيه: أنه لا يرفع اليدين عند رؤية البيت، في لفظ للحنابلة في ذكرهم رفع اليدين، وقالوا: إن إذا دخل المسجد الحرام رأى البيت رفع يديه، ليس في الباب إلا مراسيل، هي التي تثبت في هذا، ما في أحاديث في رفع اليدين.

الطالب: الدعاء عند رؤية البيت من باب لباب؟

الشيخ: كذلك عند رؤية البيت، كل هذا ثبت فيه مراسيل، لكن يقول عند الدخول كما يقول عند دخول سائر المساجد "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم ...برحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم"، أما الدعاء ورفع اليدين هذا جاء فيه مراسيل، ما تكلم عن شيء من هذا؟

قارئ المتن: الدعاء عند رؤية البيت

2896- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني عبيد الله بن أبي يزيد، أن عبد الرحمن بن طارق بن علقمة، أخبره عن أمه «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا جاء مكانا في دار يعلى استقبل، القبلة ودعا».

شرح الشيخ: هذا فيه: أنه إذا دخل البيت (كان إذا جاء مكانا في دار يعلى استقبل، القبلة ودعا)، هل تكلم عليه عندك؟ رؤية البيت ورفع اليدين في الدعاء؟

الطالب: أشار في الترجمة إلى أن وجهه إلى أن البيت كان يرى من ذلك المكان، والله تعالى أعلم.

الشيخ: يعني مكان فيه دار يعلي؛ يعني قبل، لما كانت البيوت قريبة من الحرم قبل أن يتوسع الحرم، ولكن الحديث هذا قد يكون استدلوا به ...

الطالب: في اختلاف أهل العلم في حكم رفع اليدين عند رؤية البيت الحرام: ذهب أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد إلى عدم الرفع، وذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق إلى أنه يرفع يديه، قال ابن المنذر: وبه أقول، قال النووي: وهو مذهبنا، قال الشافعي بعد أن أورد حديث ابن جريج ليس فيه رفع اليدين عند رؤية البيت شيء، فلا يكرهه، ولا يستحبه.

الشيخ: كلام من هذا؟

الطالب: الشافعي، قال البيهقي: وكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه، وقال ابن قدامة: ويستحب رفع اليدين عند رؤية البيت روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال الثوري، وابن مبارك، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، وكان مالك لا يرى رفع اليدين؛ لما روي عن المهاجر المكي، قال: سئل جابر بن عبد الله ذكر حديث الباب، ثم قالوا لنا ما روي أبو بكر بن المنذر عن النبي-صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت، وعلى الصفا المروة، وعلى الموقفين والجمرتين»، قال ابن قدامة: وهذا من قول النبي-صلى الله عليه وسلم وذاك من قول جابر، وخبره عن ظنه وفعله، وقد خالفه ابن عمر وابن عباس، ولأن الدعاء مستحب عند رؤية البيت قد أمر برفع اليدين عن الدعاء، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قول هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك من فعل جابر آخر هذا لو ثبت قول النبي-صلى الله عليه وسلم والواقع خلافه، فالحديث المذكور لا يصح، فتنبه.

قال النووي في شرح مهذب: قال أصحابنا: رواية المثبت للرفع أولى؛ لأن معه زيادة علم.

الشيخ: لو صح.

الطالب: وقال البيهقي: رواية غير جابر في إثبات الرفع مع إرسالها أشهر عند أهل العلم من حديث مهاجر، وله شواهد وإن كانت مرسلة، والقول في مثل هذا قول من رأى وأثبت.

قال الخطابي في المعالم: قد اختلف الناس في هذا فكان ممن يرفع يديه ذرأ البيت سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وضعَّف هؤلاء الحديث جابر؛ لأن مهاجرًا راويه عندهم مجهول، وذهبوا إلى حديث ابن عباس عن النبي-صلى الله عليه وسلم، قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت، وعلى الصفا المروة، وعلى الموقفين والجمرتين»، وروي عن ابن عمر أم كان يرفع اليدين عند رؤية البيت، وعن ابن عباس مثل ذلك، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث ابن عباس رضي الله عنهما في سند محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ، وهو فيه مضطرب فلا يصح.

قال الشوكاني: الحاصل أنه ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت، وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الشوكاني رحمه الله حسن جدًا، والحاصل: أن رفع اليدين عند رؤية البيت مما ليس لله دليل يصح، فلا ينبغي فعله، والله تعالى أعلم بالصواب.

الشيخ: في خلاف بين العلماء منهم من قال اليد ترفع، ومنهم من قال: لا ترفع.

قارئ المتن: فضل الصلاة في المسجد الحرام

2897- أخبرنا عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن موسى بن عبد الله الجهني، قال: سمعت نافعا، يقول: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» قال: أبو عبد الرحمن: " لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن نافع، عن عبد الله بن عمر غير موسى الجهني وخالفه ابن جريج وغيره".

شرح الشيخ: يعني المخالفة في السند.

قارئ المتن:

2898- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، قال: إسحق، أنبأنا وقال محمد، حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا ابن جريج، قال: سمعت نافعًا، يقول: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، حدثه أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الكعبة».

2899- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا سلمة، قال: سألت الأغر عن هذا الحديث فحدث الأغر أنه، سمع أبا هريرة، يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا الكعبة».

شرح الشيخ: والحديث أخرجه الشيخان؛ البخاري ومسلم رضي الله عنهما، تكلم عن الصلاة الجامعة الفريضة والنافلة، وما تعرض لها؟

الطالب: ما تعرض لها.

الشيخ: ربما في مكان آخر؛ لأنه سبق في كتاب المساجد.

قارئ المتن: بناء الكعبة

2900- أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق، أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم عليه السلام» فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم عليه السلام؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر» قال: عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم عليه السلام.

2901- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبدة، وأبو معاوية قالا: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت البيت فبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام، وجعلت له خلفًا فإن قريشًا لما بنت البيت استقصرت».

2902- أخبرنا إسماعيل بن مسعود، ومحمد بن عبد الأعلى، عن خالد، عن شعبة، عن أبي إسحق، عن الأسود، أن أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن قومي- وفي حديث محمد قومك- حديث عهد بجاهلية لهدمت الكعبة، وجعلت لها بابين» فلما ملك ابن الزبير، جعل لها بابين.

شرح الشيخ: لما ولي الخلافة هدم الكعبة، وأدخل الحجر وجعل لها بابين، طبق الحديث، والحديث أخرجه البخاري في الصحيح، أصله في الصحيح، وقد استدل به العلماء على قاعدة من قواعد الشرع؛ وهي: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وترك فعل ما هو الأولى؛ يعني دفع للمفسدة، النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وهو مصلحة خوفًا من تغيير القلوب لحديث عهد بالكفر والجاهلية، ترك هدم الكعبة حفاظًا على دينهم وإيمانهم خوفًا من أن يرتدوا.

وعبد الله بن الزبير لما تولي الخلافة، قال: الآن استقر الإسلام، وما كان يخشى منه النبي زال، فهدم الكعبة وأدخل الحجر، وجعل لها بابين؛ بابًا يدخل منه الناس، وبابًا يخرج منه الناس، ثم بعد ذلك لما قتله الحجاج، هدم الكعبة وأعادها على ما كانت عليه في الجاهلية، وأخرج الحجر وسدَّ الباب الغربي، ورفع الباب الشرقي.

قارئ المتن:

2903- أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا جرير بن حازم، قال: حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت، فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، فإنهم قد عجزوا عن بنائه، فبلغت به أساس إبراهيم عليه السلام»، قال: فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه، قال: يزيد وقد شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه، وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة كأسنمة الإبل متلاحكة.

2904- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة».

شرح الشيخ: وهذا التخريب عند قرب القيامة؛ حيث لا يبقى على وجه الأرض أحدًا يقول: الله الله، قرب طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبار.

قارئ المتن: دخول البيت

2905- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن عون، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه انتهى إلى الكعبة وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وبلال، وأسامة بن زيد، وأجاف عليهم عثمان بن طلحة الباب فمكثوا فيها مليًا، ثم فتح الباب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وركبت الدرجة، ودخلت البيت فقلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: «ها هنا» ونسيت أن أسألهم كم صلى في البيت.

2906- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أنبأنا ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ومعه الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأجافوا عليهم الباب، فمكث فيه ما شاء الله، ثم خرج قال ابن عمر: كان أول من لقيت بلالًا قلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «ما بين الأسطوانتين».

موضع الصلاة في البيت

2907- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا السائب بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، أن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ودنا خروجه ووجدت شيئًا، فذهبت، وجئت سريعا، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجًا، فسألت بلالًا أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: «نعم، ركعتين بين الساريتين».

2908- أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سيف بن سليمان، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: أتي ابن عمر في منزله فقيل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل الكعبة فأقبلت، فأجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالًا على الباب قائمًا فقلت: يا بلال أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: «نعم» قلت: أين؟ قال: «ما بين هاتين الأسطوانتين ركعتين، ثم خرج فصلى ركعتين في وجه الكعبة».

2909- أخبرنا حاجب بن سليمان المنبجي، عن ابن أبي رواد، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، فسبح في نواحيها، وكبر، ولم يصل، ثم خرج فصلى خلف المقام ركعتين، ثم قال: «هذه القبلة».

شرح الشيخ: الجمع بين حديث ابن عمر: أنه قال: (نسيت أن أسأله)؛ أنه نسي أولًا أن يسأله كم صلى؟، ثم يقف مرة أخرى فسأله، فقال: (ركعتين بين الساريتين)، ويؤيده الحيث الذي بعده، أما حديث أسامة بن زيد الذي بعده أنه (فسبَّح في نواحيها، وكبر، ولم يصل)؛ فهو نافي، والمثبت مقدم على النافي، وقوله: سبَّح وكبَّر لا ينافي أنه صلى، بل صلى وسبَّح وكبَّر.

 

 

قارئ المتن: الحجر

2910- أخبرنا هناد بن السري، عن ابن أبي زائدة، قال: حدثنا ابن أبي سليمان، عن عطاء، قال: ابن الزبير، سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع، وجعلت له بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه».

2911- أخبرنا أحمد بن سعيد الرباطي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الحميد بن جبير، عن عمته صفية بنت شيبة قالت: حدثتنا عائشة، قالت: قلت يا رسول الله ألا أدخل البيت؟ قال: «ادخلي الحجر فإنه من البيت».

شرح الشيخ: واستدل به العلماء على أن لولي الأمر ترك الفعل لما هو الأولى، كأن يترتب على فعله مفسدة؛ ولذلك ترك النبي-صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وإدخال الحجر، وفيه دليل على أن الحجر من البيت، لما قالت عائشة: أنا أدخل البيت، قال: «ادخلي الحجر فإنه من البيت»؛ هو جزء من البيت.

قارئ المتن: الصلاة في الحجر

2912- أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، قالت: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحجر فقال: «إذا أردت دخول البيت فصلي ها هنا، فإنَّما هو قطعة من البيت، ولكن قومك اقتصروا حيث بنوه».

شرح الشيخ: اقتصروا؛ لأنهم لا يريدون أن يبنوه إلا من نفقة حلال، ولم يجدوا من الحلال ما يكفي، فبنوا فأخرجوا جزء من الكعبة

قارئ المتن: التكبير في نواحي الكعبة

2913- أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد، عن عمرو، أن ابن عباس، قال: «لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ولكنه كبر في نواحيه».

شرح الشيخ: سبق في حديث ابن عمر إثبات أنه صلى في البيت، وابن عباس نافي، والقاعدة عند العلماء: أن المثبت مقدم على النافي، كذلك أسامة بن زيد نفى كما في الباب السابق في الحجر، والصواب: أنه صلى.

قارئ المتن: الذكر والدعاء في البيت

2914- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: حدثنا عطاء، عن أسامة بن زيد، أنه دخل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فأمر بلالًا فأجاف الباب والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة، فمضى حتى إذا كان بين الأسطوانتين اللتين تليان باب الكعبة، جلس، فحمد الله، وأثنى عليه، وسأله واستغفره، ثم قام حتى أتى ما استقبل من دبر الكعبة فوضع، وجهه، وخده عليه، وحمد الله، وأثنى عليه، وسأله، واستغفره، ثم انصرف إلى كل ركن من أركان الكعبة فاستقبله بالتكبير، والتهليل، والتسبيح، والثناء على الله، والمسألة، والاستغفار، ثم خرج، فصلى ركعتين مستقبل وجه الكعبة، ثم انصرف فقال: «هذه القبلة، هذه القبلة».

وضع الصدر، والوجه على ما استقبل من دبر الكعبة

2915- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أنبأنا عبد الملك، عن عطاء، عن أسامة بن زيد، قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، فجلس، فحمد الله، وأثنى عليه، وكبر، وهلل، ثم مال إلى ما بين يديه من البيت فوضع صدره عليه، وخده، ويديه، ثم كبر، وهلل، ودعا، فعل ذلك بالأركان كلها، ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب، فقال: «هذه القبلة، هذه القبلة».

شرح الشيخ: يقتصر على ما ورد، ولا يزاد عليه من وضع الصدر والخد على ما يستقبله من دبر الكعبة إذا دخل البيت.

قارئ المتن: موضع الصلاة من الكعبة

2916- أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أسامة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت صلى ركعتين في قبل الكعبة، ثم قال: «هذه القبلة».

2917- أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس، يقول أخبرني أسامة بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فدعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج منه، فلما خرج، ركع ركعتين في قبل الكعبة».

2918- أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثني السائب بن عمر، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن السائب، عن أبيه، أنه كان يقود ابن عباس ويقيمه عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحجر مما يلي الباب، فقال ابن عباس أما أنبئت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي هاهنا فيقول: نعم، فيتقدم فيصلي".

شرح الشيخ: (مما يلي الِحجر)؛ يعني مما يلي الركن الذي يلي الحَجَر، مما يلي الباب؛ يعني الحجر الأسود.

 

 

قارئ المتن: ذكر الفضل في الطواف بالبيت

2919- أنبأنا قتيبة، قال: حدثنا حماد، عن عطاء، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، أن رجلًا قال: يا أبا عبد الرحمن ما أراك تستلم إلا هذين الركنين؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مسحهما: يحطان الخطيئة»، وسمعته يقول: «من طاف سبعًا، فهو كعدل رقبة».

شرح الشيخ: هذا الحديث ضعيف لعلتان:

إحداهما: عطاء بن السائب اختلط في آخره، وحماد بن سلمة ممن روي عنه قبل الاختلاط وبعده.

وثانيًا: الرجل المبهم؛ السائل لأبي عبد الرحمن، ولعله ابن عمر.

 فيه أن مسحهما يحطان الخطيئة، ومن طاف سبعًا؛ فكعدل رقبة؛ هذا فضل من طاف، لكن الحديث فيه ضعف، «فهو كعدل رقبة»؛ يعني مثل إعتاق الرقبة في الثواب، والكاف زائدة، والعدل، يقال: عَدل، وعِدل، ماذا قال عنه هنا؟ لو صح؛ يعني يكون هذا فيه فضل الطواف في البيت، وأنه يعدل رقبة إذا طاف سبعة أشواط.

الطالب: قال: المسألة الأولى في درجة حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه صحيح، فإن قيل في سنده: عطاء بن السائب وهو مختلط فكيف يصح؟ قلت: عطاء إن كان من اختلط إلا أن الراوي عنه حماد بن زيد، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط.

الشيخ: وبعد الاختلاط.

الطالب: كما تقدم بيان ذلك غير مرة.

الشيخ: قبل الاختلاط؛ يعني يرى الحديث صحيح، قال: أنبأنا حماد عن عطاء، فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: حماد روى عنه قبل الاختلاط وبعده، لو صح؛ يعني يكون هذا فيه دليل على أن مسحهما يحط الخطيئة؛ أي الركنين، وقال: «من طاف سبعًا، فهو كعدل رقبة»، لو صح، لكن حكم عليه بالصحة يحتاج مراجعة.

الطالب: كأنه يقول رواه قبل الاختلاط.

الشيخ: يراجع، أظن أنه قبل الاختلاط، أو بعد الاختلاط، يحتاج إلى الجمع في هذا، كثير ما يسأل في فضل الطواف بالبيت؛ يعني هل هو يعدل رقبة؛ يعني يحتاج إلى جمع طرق الحديث، وأن الحديث هذا، لعل هذا الحديث كحديث «من طاف بالبيت كعدل رقبة»، يحتاج إلى جمع طرق الحديث وما قيل فيه.

قارئ المتن: الكلام في الطواف

2920- أخبرنا يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني سليمان الأحول، أن طاووسًا، أخبره، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان، يقوده إنسان بخزامة.

شرح الشيخ: هذا سليمان الأحول الذي مرَّ في أبي داود، وأنه سليمان، الراوي سليمان وليس عاصم، مرَّ في أبي داود الحديث هذا، فهو من رواية سليمان، وأن رواية عاصم خطأ.

قارئ المتن:

2920- أخبرنا يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني سليمان الأحول، أن طاوسًا، أخبره، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان، يقوده إنسان بخزامة في أنفه، «فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده».

2921- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يقوده رجل بشيء ذكره في نذر، فتناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعه، قال: «إنه نذر».

شرح الشيخ: هذا الحديث أصله في البخاري، وفيه إباحة الكلام في الطواف.

وفيه: إنكار المنكر باليد عند القدرة؛ كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم؛ حيث قطعه والخزامة في أنفه.

وفيه: أنه لا يجوز للإنسان أن يقود أخاه في أنفه، يشبهه بالبهائم، بل يقوده بيده.

إن رأى إنسان يقود إنسان بخزامة في أنفه، فقطعه، وقال: خذ بيده؛ فيه: أنه لا يجوز للإنسان أن يقود أخاه في أنفه، فيشبهه بالبهائم، بل يقوده بيده؛ يمسك بيده.

قارئ المتن: إباحة الكلام في الطواف

2922- أخبرنا يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، ح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن رجل، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة، فأقلوا من الكلام»، اللفظ ليوسف خالفه حنظلة بن أبي سفيان.

2923- أخبرنا محمد بن سليمان، قال: أنبأنا الشيباني، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن طاووس، قال: قال عبد الله بن عمر: «أقلوا الكلام في الطواف، فإنما أنتم في الصلاة».

شرح الشيخ: وهذا المروي عن ابن عمر(أقلوا الكلام في الطواف، فإنما أنتم في الصلاة»، يوافق ما روي عن ابن عباس مرفوعًا، وموقوفًا، وهو أصح الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم لا يتكلم إلا بخير، ومثل هذا قول ابن عمر له حكم الرفع، إذا مجال للرأي فيه، لكن في صحته نظر، قد يقال؛ يعني قول ابن عمر وقول ابن عباس يشد بعضهما بعضًا؛ دليل على أن الطواف يشبه الصلاة، وأن الإنسان ينبغي أن يقلل الكلام فيه إذا احتاج فلا بأس، وأن البيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه؛ في قول ابن عباس، فمن تكلم لا يتكلم إلا بخير العلماء تكلموا على حديث «الطواف بالبيت صلاة»، ورواية ابن عباس له، هذا يمكن كلام الشيخ...

قارئ المتن: إباحة الطواف في كل الأوقات

2924- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو الزبير، عن عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعن أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار».

شرح الشيخ: فيه جواز صلاة ركعتي الطواف في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، ويدل على أن ذوات الأسباب مستثنى من النهي.

قارئ المتن: كيف طواف المريض

2925- أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة» فطفت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ «بالطور وكتاب مسطور».

شرح الشيخ: وكان هذا في صلاة الفجر يوم الرابع عشر من ذي الحجة، النبي-صلى الله عليه وسلم طاف طواف الوداع، وقرأ به سورة الطور، وطافت أم سلمة من وراء الناس، والناس يصلوا، ثم بعد ذلك قفل راجعاً إلى المدينة، وفيه دليل على أن إذا طاف الوداع، ثم صلى بعده؛ فلا بأس، يطوف الوداع، ثم يصلي، وفيه أنه ينبغي للمرأة أن تتحين الوقت الذي يقل فيه الرجال حتى تطوف؛ ولهذا قال النبي: «طوفي من وراء الناس».

قارئ المتن: طواف الرجال مع النساء

2926- أخبرنا محمد بن آدم، عن عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: يا رسول الله ما طفت طواف الخروج؟

شرح الشيخ: يعني الوداع، الخروج لطواف الوداع.

قارئ المتن: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس» عروة لم يسمعه من أم سلمة

2927- أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، أنها قدمت مكة وهي مريضة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «طوفي من وراء المصلين وأنت راكبة» قالت: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عند الكعبة يقرأ «والطور».

شرح الشيخ: فيه أنه ينبغي للمرأة تتحين الوقت الذي يقل فيه الرجال حتى تطوف، وأن ينبغي للنساء أن تكون في حاشية المطاف تحرص على عدم الاختلاط، قوله: «وإذا أقيمت الصلاة»، قال السني: فيها الاحتراز عن طواف النساء مع الرجال مهما أمكن أحسن؛ حيث أجاز لها في حال الصلاة التي حال اشتغال الرجال بالصلاة، لا في حال طواف الرجال، والله أعلم.

قارئ المتن: الطواف بالبيت على الراحلة

2928- أخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدثنا شعيب وهو ابن إسحق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن بمحجنه».

شرح الشيخ: كان في ذلك الوقت ليس هناك باب للمسجد ولا جدار دخل بالبعير طاف على العير، ويستلك الركن بمحجن؛ عصا في رأسها انحناء.

قارئ المتن: طواف من أفرد الحج

2929- أخبرنا عبدة بن عبد الله، قال: حدثنا سويد وهو ابن عمرو الكلبي، عن زهير، قال: حدثنا بيان، أن وبرة، حدثه قال: سمعت عبد الله بن عمر وسأله رجل أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحج؟ قال: «وما يمنعك؟» قال: رأيت عبد الله بن عباس ينهى عن ذلك وأنت أعجب إلينا منه، قال: «رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحرم بالحج فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة».

شرح الشيخ: يعني أن ابن عباس ينهى عن ذلك، يقول: الطواف يوجب التحلل، فمن أراد البقاء على إحرامه فعليه أن لا يطوف، والحاصل أن ابن عباس كان يرى الفسخ الذي أمر به النبي-صلى الله عليه وسلم، ابن عباس يقول: من طاف بالبيت أحل شاء أم أبى، ابن عمر يقول: إن النبي طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة وهو قارن.

قارئ المتن: طواف من أهل بعمرة

2930- أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، قال: سمعت ابن عمر، وسألناه عن رجل قدم معتمرا، فطاف بالبيت، ولم يطف بين الصفا، والمروة، أيأتي أهله؟ قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».

شرح الشيخ: والمعنى: أنه لا يأتي أهله حتى يطوف ويسعى ويحلق ويقصر، المعنى: أنه لا يأتي أهله حتى يطوفويسعى هنا، فيه أن الأفضل الفسخ والتحلل بعمرة كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، قوله: (فطاف سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة)؛ يعني أنه لا يأتي أهله حتى يطوف ويسعى ويحلق ويقصر؛ هذا معنى كلام ابن عمر.

هل تكلم عن عِدل رقبة؟ يحتاج إلى جمع هذا إن شاء الله.

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، سبحانك اللهم بحمدك، وأشهد أن لا إله إلا الله.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد