اسم المحاضرة: 4-1-1437هـ
طريق الهجرتين
مدة التسجيل: 19:11
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ﷺ .
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والمستمعين.
متن: يقول الإمام بن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين.
بعد أن ذكر طريق نفاة التعليل والحكمة والأسباب، والذين قابلوهم وهم الذين أثبتوا له حكمة وغاية، ولكن حجّروا عليه-سبحانه-في ذلك، قال عنهم:
«فهؤلاء هم المشبهة حقاً في الأفعال، فعدلهم تشبيه وتوحيدهم تعطيل، فجمعوا بين التشبيه والتعطيل»
شرح: وهم المعتزلة، المعتزلة والقدرية، القدرية معتزلة، شبّهوا الله بخلقه، فقالوا، فشبهوا أفعال الله بأفعال الخلق، قالوا: ما كان عدلًا من المخلوق فهو عدلٌ من الله، وما كان قبيحًا من المخلوق فهو قبيح من الله، هكذا شبّهوا الله بخلقه.
وفي الصفات فمعطلة، هم معطلة في الصفات، مُشبّهة في الأفعال.
في الأفعال مشبهة، وفي الصفات معطلة، نعم.
الطالب: أحسن الله إليك.
متن: «وهؤلاء قسّموا الشر الواقع في العالم إلى قسمين: أحدهما "شرور هي أفعال العباد" وما تَوَلَّدَ منها، فهذه لا تدخل عندهم في القضاء الإلهي، تنـزيهًا للرب-تعالى- عن نسبتها إليه، ولا تدخل عندهم تحت قدرته ولا مشيئته ولا تكوينه.
شرح: نسأل الله العافية، أعدّ.
متن:«أحدهما "شرور هي أفعال العباد" وما تَوَلَّدَ منها، فهذه لا تدخل عندهم في القضاء الإلهي، تنـزيهًا للرب-تعالى- عن نسبتها إليه، ولا تدخل عندهم تحت قدرته ولا مشيئته ولا تكوينه»
شرح: قالوا: إن العبد يخلق الفعل نفسه، استقلال، يقولون: إن الله خلق العبد، خلق قدرته، ولكنه هو الذي يخلقُ، القدرة أعطاها الله له، ولكنه يخلق فعله، استقلالًا، فعلى هذا؛ إذا عُذِب على المعاصي عُذِب على فعله هو الذي أوجده، نعم
الطالب: أحسن الله إليك.
متن: «والثاني "الشرور التي لا تتعلق بأفعال العباد" كالسموم والأمراض وأنواع الآلام، وكإبليس وجنوده وغير ذلك من شرور المخلوقات كإيلام الأطفال وذبح الحيوان، فهذا النوع هو الذي كدر على القدرية أصولهم وشوّش عليهم قواعدهم وقالوا: ذلك كله حسن لما فيه من اللطف والمصلحة العاجلة والآجلة.
قالوا: أما الآلام والأمراض فمفعولة لغرض صحيح وهو ما ضمن الرب سبحانه لمن أصابه بها من العِوض الوافي.
قالوا: وذلك يجري مجرى استئجار أجير في فعل شاق فإنه لغرض الاستئجار أخرج الاستئجار عن كونه عبثًا، وبالأجرة أخرجه عن كونه ظلمًا، فكان حسنًا. قالوا: فإن قيل إذا كان الله-تعالى- قادرًا على التفضل بالعِوض وبأضعافه بدون توسط الألم فأي حاجة إلى توسطه؟ وأيضاً فإذا حَسُنَ الألم لأجل العِوض فهل يحسن منا أن يؤلم أحدنا بغير إذنه لعِوضٍ يصل إليه؟
فالجواب أن الله سبحانه لا يُمرض ولا يُؤلِم إلا من يعلم من حاله أنه لو أطلعه على الأعواض التي تصل إليه لرضي بالألم ولرغب فيه لوفور الأعواض وعظمها، وليس كذلك في شاهد استئجار الأجير من غير اختياره، قالوا: وليس كذلك إيلام أحدنا لغيره لأجل التعويض، فإن من قطع يد غيره أو رجله ليعوضه عنها لم يحسن ذلك منه، لأن العِوض يصل إليه وهو مقطوع اليد والرجل، وليس من العقلاء من يختار ملك الدنيا مع ذلك، والله-تعالى- يوصل الأعواض في الآخرة إلى الأحياء وهم أكمل شيءٍ خِلقة، وأتمّه أعضاءً، فلذلك افترق الشاهد والغائب في هذا.
قالوا: فإن فرضتموه في ضرب وجلد مع سلامة الأعضاء قَبُحَ؛ لأنه عبث، فإن فُرض فيه مصلحة ورضي المضروب بذلك وعظمت الأعواض عنه فهو حسن في العقل لا محالة.
شرح: حكموا عقولهم، المعتزلة حكّموا عقولهم، العقل هو العمدة عندهم، فالعقل هو العمدة، حتى غلب على المعتزلة وقالوا في قوله تعالى: }وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا{ [الإسراء/15] قالوا: رسول العقل، نسأل الله السلامة، نعم.
الطالب: أحسن الله إليك.
متن: «قالوا: وسر الأمر أن بالعوض يخرج الألم عن كوْنه ظلمًا؛ لأنه نفعٌ عظيمٌ موقوفٌ على مَضرة الألم، وباعتبار كوْنه لُطفًا في الدين يخرج عن كونه عبثًا، قالوا: وقد رأينا في الشاهد حُسن الألم للنفع، فإنه يحسن في الشاهد إيلام أنفسنا، وإتعابها في طلب العلوم والأرباح التي لا يُعبر إليها إلا على جسرٍ من التعب والمشقة.
قالوا: وهذا الوجه هو الذي حَسُنَ لأجله إيلام الأطفال والبهائم فإنه إيلامٌ للنفع، فإن أبدان الأطفال لا تستقيم إلا على الأسباب الجالبة للآلام، وكذلك نفوسهم إنما تكمل بذلك، وإيلام الحيوان لنفع الآدمي به غير قبيح، قالوا: وأما الألم المُستحق للعقوبة فإنه يحسُن في الشاهد، ولكنه غير متحققٌ في الغائب بالنسبة إلى الأطفال والبهائم لعدم تكليفها، ولكن لابد في إيلامها من مصلحة ترجع إليها وهي ما يحصل لهم من العِوض في الآخرة.
قالوا: ويجب إعادتها لاستيفاء ذلك الحق الذي لها وهو العِوض على الآلام التي حصلت لها.
قالوا: وبقاؤها بعد الإعادة موقوف على مقدارٍ معلومٍ لانقطاعه، ونعيم الأطفال والمجانين دائم.
واختلفوا في البهائم فقال بعضهم: يدوم عِوضهم وقال آخرون بانقطاعه فإنهم يصيرون ترابًا. قالوا: فإن لم يكن للبهائم عِوضٌ يجب لأجله أن تعاد لم تجب إعادتها عقلًا، وتحسُن إعادتها، وما يحسُن قد يفعله الله وقد لا يفعله.
وهل تجوز الآلام للتعويض المجرد؟ فيه قولان لهم مبنيان على أصل اختلفوا فيه وهو أنه: هل يحسن منه سبحانه التفضل بمثل العوض ابتداءً؟ فصار بعضهم إلى امتناعه، كما يمتنع التفضل بمثل الثواب ابتداءً عندهم، وهم مجمعون على امتناعه لئلا يسوى بين العامل وغيره وصار من ينتمي إلى التحصيل منهم إلى أن التفضل بمقدار الأعواض ممكن غير ممتنع، فمن قال بامتناع التفضل بمقدار العِوض جَوَّزَ وقوع الآلام للتعويض المجرد، ومن جَوَّزَ التفضل بأمثال الأعواض لم يحسن عنده الآلام بمجرد التعويض، بل قالوا: إنما يحسن لوجهين لابد من اقترانهما، أحدهما: التزام التعويض، والثاني: اعتبار غير المؤلم بتلك الآلام، وكَوْنها ألطافًا في زجر غاوٍ عن غوايته إذا شاهدها في غيره.
وذهب عبّاد الصيمري منهم إلى أن: الآلام تحسن لمجرد الاعتبار من غير تعويض لمن أصابته، ورَدَّ عليه جماهير القدرية ذلك، قالوا: والآلام التي يفعلها سبحانه إما أن تكون مستحقة كعقوبات الدنيا وعذاب الآخرة، وإما للتعويض، وإما للمصلحة الراجحة، قالوا: وما يفعله في الآخرة منها فكله للاستحقاق، وما يفعله في الدنيا فللعِوض والمصلحة، وقد يفعله عقوبة، وأما ما شَرعه من أسباب الألم فعقوبات محضة.
وأما مشايخ القوم فقالوا: إنما يحسُن منه-تبارك وتعالى- الإيلام؛ لأنه المُنعم بالصحة والحياة؛ ولأنه في حكم من أعار تلك المنفعة لمن لا يملكها فله قطعها إذا شاء؛ ولأنه -تعالى- قادرٌ على التعويض عالمٌ بقدره، وليس كذلك الواحد منَّا. قالوا: فإذا استرجع عارية الصحة والحياة خلفها الألم والموت، ولابد.
وأطالوا الكلام في الآلام وأسبابها، وما يحسُن منها وما يقبح، وعلى أي وجه تقع؟ وحصروا أنفسهم غاية الحصر، فاستطالت عليهم الجبرية بالأسئلة والمضايقات.
شرح: الجبرية ضدّ القدرية، والقدرية ينفون القدر، والجبرية يغلون في إثباته، نعم.
متن: «وألجأوهم إلى مضايق تضايق عنها أن تولجها الإبَرْ، وأضحكوا العقلاء منهم بإبداء تناقضهم، وألزموهم إلزامات لابد من التزامها أو ترك المذهب.
وسأل أبو الحسن الأشعري أبا علي الجُبَّائي عن: ثلاثة إخوة لأب وأم مات أحدهم صغيرًا، وبلغ الآخر فاختار الإسلام، وبلغ الآخر فاختار الكفر، فاجتمعوا عند رب العالمين، فرفع درجة البالغ المسلم فقال أخوه الصغير: يا رب، ارفع درجتي حتى أبلغ منـزلة أخي، فقال: إنك لا تستحق
شرح: (ايش)؟ أعد هذا القول
متن: «وسأل أبو الحسن الأشعري أبا علي الجُبَّائي
شرح: الجُبَّائي مُعتزلي، نعم.
متن: «عن: ثلاثة إخوة لأب وأم مات أحدهم صغيرًا، وبلغ الآخر فاختار الإسلام، وبلغ الآخر فاختار الكفر، فاجتمعوا عند رب العالمين، فرفع درجة البالغ المسلم فقال أخوه الصغير: يا رب، ارفع درجتي حتى أبلغ منـزلة أخي، فقال: إنك لا تستحق، إن أخاك بلغ فعمل أعمالًا استحق بها تلك الدرجة. فقال: يا رب، فهلا أحييتني حتى أبلغ فأعمل عمله؟ فقال: كانت المصلحة تقتضي اخترامك
شرح: يعني موتك
متن: اخترامك قبل البلوغ؛ لأني علمت أنك لو بلغت لاخترت الكفر، فكانت المصلحة في قبضك صغيرًا.
قال: فصاح الثالث من أطباق النار وقال: يا رب فهلا فعلت معي هذا الأصلح، وقبضتني صغيرًا كما قبضت أخي صغيرًا؟ فما جواب هذا أيها الشيخ؟ فلم يحُر إليه جوابًا.
قالوا: وإذا علم سبحانه من بعض العبيد أنه لا يختار الإسلام وأنه لا يكون إلا كافرًا مُفسدًا في الأرض، فأي مصلحة لهذا العبد في إيجاده؟
شرح: هذا اعتراض على الله، الله تعالى له الحكمة البالغة وهو الحكيم العليم، }إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم{ [يوسف/6] ، يعلم الذوات التي لا يصلحها إلا الخير، والذوات التي ليس فيها خير، ومن يستحق ذلك، له الحكمة البالغة-سبحانه وتعالى- } وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد{ [فصلت/46].
هؤلاء يعترضون على الله، ويخاصمون ويجادلون، القدرية خصماء الله، يُقادون إلى النار-نسأل الله العافية- وقد ذكر ابن تيمية في التائية:
ويدعى خصوم الله يوم معادهم ** إلى النار طرا، معشر القدرية
في التائية.
الطالب: أحسن الله إليك.
متن:«قالوا: وأي مصلحة لإبليس وذريته الكفار في إيجادهم؟ فإن قلتم: عَرَّضهم للثواب، قيل لكم: كيف يُعرضهم لأمر قد يعلم أنهم لا يفعلونه، وأنه لا يقع منهم البتة؟ ومن هنا أنكر غُلاتهم العلم القديم، وكفَّرهم السلف على ذلك، ومن أقرَّ به منهم فإقراره به يبطل مذهبه وأصله في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح.
شرح: عندهم يعني أصل: مراعاة الأصلح، والأصلح يوجبونه على الله-نسأل الله العافية- غُلاة القدرية الذين أنكروا العلم كَفَّرهم العلماء، قالوا: (إن الله لا يعلم شيئًا حتى يقع)، هؤلاء ظهروا في آخر عصر الصحابة، أول من تكلم في القدر: مَعبد الجُهني، و غيلان الدمشقي، وكانوا في أواخر عهد الصحابة، وكانوا يحضرون الدروس، وتكلموا بهذا الكلام فأنكر عليهم زملاؤهم: حُميد الطويل ويحيي بن يعمر-أول حديث رواه الإمام مسلم-وسألوا الصحابة في أواخر، ووجدوا، قالوا: لو وُفق لنا أحد الصحابة، فسألناه عما يقول هؤلاء، يقولون: (إن الأمر أُنُف، مستأنف جديد، لم يسبق به علم الله) فسألوا عبد الله بن عمر، وجدوه، واكتنفه هو وصاحبه داخل المسجد الحرام في مكة، فسألوه، فقال أخبرهم، إذا رأيت هؤلاء أخبرهم أني منهم برئ، وأنهم براء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، ثم ساق الحديث، حديث عمر -رضي الله عنه- في سؤالات جبرائيل للنبي -صلى الله عليه وسلم، عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم عن الساعة ثم عن أشراطها، نعم.
الطالب: أحسن الله إليك.
متن: «وهذا معنى قول السلف: ناظِروا القدَرية بالعلم، فإن جحدوه كفروا، وإن أقروا به خُصموا.
شرح: نعم، وهذا منسوب عن الشرع، وهذا قول أهل العلم «فإن أقروا خُصموا، وإن أنكروا كفروا».
إن نكروا العلم كفروا؛ لأنهم ينسبون الله إلى، «وإن أقروا به خُصموا»، نعم
متن: «قالوا: وأما حديث العِوض على الآلام فالرب تبارك وتعالى قادرٌ على إيصال تلك المنافع بدون توسط الآلام قالوا: وهذا بخلاف المستأجر فإن له منفعة وحاجة في توسط تعب الأجير واستيفاء منفعته.
شرح: قف على، هذا يحتاج إلى ذكر الموقف، (ايش) قالوا: قبل هذا؟
الطالب: قبل هذا؟ «وهذا معنى قول السلف»
شرح: قف على «وهذا معنى قول السلف»
الطالب: أحسن الله إليك.
شرح: كلام طويل في هذا، نعم، سمّ