شعار الموقع

50- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
10

اسم المحاضرة: 9-2-1437هـ

طريق الهجرتين-

مدة التسجيل: 33:04

 

 

شرح: سمِّ الله:

الطالب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ﷺ .

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والسامعين.

شرح: آمين.

متن: يقول الإمام بن القيم-رحمه الله- في كتابه:(طريق الهجرتين وباب السعادتين)

(قاعدة)

«كمال العبد وصلاحه يتخلف عنه من إحدى جهتين: إما أن تكون طبيعة يابسة قاسية غير لينة»

شرح: يتخلف الصلاح، أي: يزول عنه، الصلاح يتغيب، يتخلف الصلاح، أي: يزول عنه بإحدى أمرين، فيزول عنه الخير.

الطالب: أحسن الله إليكم.

متن: «إما أن تكون طبيعته يابسة قاسية غير لينة، ولا منقادة ولا قابلة لما به كمالها وفلاحها، وإما أن تكون لينة منقادة سلسة القياد، لكنها غير ثابتة على ذلك، بل سريعة الانتقال عنه، كثيرة التقلب»

شرح: أي: إما أن تكون طبيعة قاسية ما تقبل الحق، تتساوى فيها، وإما تكون سهلة لكن  تميل، تميل مع كل من يُميلها، نسأل الله الخير.

متن: «فمتى رُزق العبد انقيادًا للحق وثباتًا عليه، فليُبشر»

شرح: اللهم ارزقنا الحق والخير والثبات عليه.

متن: «فمتى رُزق العبد انقيادًا للحق وثباتًا عليه، فليُبشر، فقد يُسر لكل خير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»

 

«(قاعدة) إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن، فإن رَدَّه ذلك الابتلاء والامتحان إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير له. والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت»

شرح: أي: إذا رجع إلى الله وهو في شدة وبلاء ثم عاد إلى الله، والتجأ إليه، واحتمى بحماه، وسأله، هذا دليل على سعادته، والشدة ما تدوم، الشدة تنكشف.

والـمُوفق من رجع إلى الله، والتجأ إليه وتضرع إليه وسأله، كشف ما نزل به من البلاء والمحنة.

متن:«والشدة بَتْراء، لا دوام لها وإن طالت، فتُقلع عنه حين تُقلع وقد عُوض منها أجلّ عِوضٍ وأفضله»

شرح: وهو دعاء الله والتضرع إليه، والالتجاء إليه وسؤاله، والانكسار بين يديه.

متن:«فتُقلع عنه حين تُقلع وقد عُوض منها أجلّ عِوضٍ وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردًا عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائيًا عنه، وانطراحه على بابه وقد كان عنه معرضًا»

شرح: وهذا تشاهدونه في بعض المعوقين، كان بعض المعوقين تعرفون بعض أوصافهم، بعض الشباب اللي كانوا منحرفين، وكان لهم انحراف وسوء، ثم حصل لهم أن يكونوا معوِّقين، فرجعوا إلى الله، وأنابوا إليه، صار بعضهم دعاة إلى الله بعض المعوِّقين، أنتم تعرفونهم، فلان وفلان، ماذا كان حالهم؟ فصار الله عاقبهم بهذا الابتلاء والامتحان، صار خيرًا له، رجع إلى الله، فإن كان على حالته السابقة فيكون مِثلًا في المعاصي، والمعاصي بيت الكفر(5:40)، وقد يموت على المعاصي أو على الكفر،لكن لما ابتُلي وامتُحن عوضه الله بالرجوع إليه والإنابة إليه والتوبة من المعاصي.

متن: «وانطراحه على بابه وقد كان عنه معرضًا، وللوقوف على أبواب غيره متعرضاً. وكانت البلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءته»

شرح: الله أكبر.

متن: «وكَرِهَهَا طَبعُه، ونفرت منها نفسه فربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما مثله سبب، وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة }وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ [البقرة/216].

وإن لم يردَه ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورَدَّه إلى الخلق وأنساه ذِكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه، فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به»

شرح: نعم، يعني هذا الابتلاء والامتحان إن لم يكن سببًا في رجوعه إلى الله، أو نسي يزداد في الشدة، يزداد بُعدًا من الله عز وجل، ويلتجئ إلى الخلق، وينسى ربه، فما يزداد من هذا إلا شدة وبُعدا من الله، نسأل الله تعالى العافية.

متن: «فهذا إذا أقلع عنه البلاءُ رده إلى حكم طبيعته وسلطان شهوته ومرحه وفرحه، فجاءت طبيعته عند القدرة بأنواع الأَشَرِ والبَطَرِ، والإعراض عن شكر المُنعم عليه بالسراء، كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء، فبلية هذا وبالٌ عليه، وعقوبة ونقص في حقه، وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل، وبالله التوفيق.»

شرح: ..وهو... (8:45)

 

 

متن: « (قاعدة)الناسُ في البلوى التي تجري عليهم أحكامها بإرادتهم وشهواتهم متفاوتون –بحسب شهودهم لأسبابها وغايتها- أعظم تفاوت.

وجماع ذلك ثمانية مشاهد:

أحدها: شهود السبب الموصل إليها، والغاية المطلوبة منها فقط، وهو شهود الحيوانات، إذ لا تشهد إلا طريق قضاء وطرها، وبَرْد النفس بعد تناولها، وهذا الضرب من الناس ليس بينه وبين الحيوان البهيم في ذلك فرق إلا تدقيق الحيلة في الوصول إليها، وربما زاد غيره من الحيوانات عليه في تناولها ولذته بها.

المشهد الثاني: من يشهد مع ذلك مجرد الحكم القدري وجريانه عليه، ولا يتجاوز شهوده ذلك، وربما رأى أن الحقيقة هي توفية هذا المشهد حقه، ولا يتم له ذلك إلا بالفناء عن شهود فعله هو جملة»

شرح: هذا المشهد الصفوية، هذا الصوفي يشهد القضاء والقدر، يسرف على ربه وقد ينسى نفسه، ولا ينسب لنفسه فعلًا.

متن: «فيشهد الفاعل فيه غيره والمحرك له سواه، فلا ينسب إلى نفسه فعلًا ولا يرى له إساءة»

شرح: حينما نقول (11:57 ) أفعال الله عند الصوفية، فالله هو المصلي والصائم، ولا ينسب لنفسه فعلا. نعم.

متن: «ويزعم أن هذا هو التحقيق والتوحيد وربما زاد على ذلك أنه يشهد على نفسه مُطيعًا من وجه وإن كان عاصيًا من وجه آخر»

شرح: نعم، هذا الصوفي والجبرية وغيرهم، يشهد أن فعله طاعة ولو كان معصية؛ لأنه موافقٌ للقدر، كما قال بعض الصوفية: أصبحت منفعلًا لما يختاره مني ففعلي كله طاعات، نسأل الله العافية، نعم.

 فيقول: أنا مطيعٌ للإرادة والمشيئة وإن كنت عاصيًا للأمر»

شرح: فإن قال: أنا عصيت أمر الله الشرعي، فأنا موافقٌ لأمره القدري، هكذا هم الصوفية، ألغوا الشرع، عياذًا بالله.

فيقول: صحيح أني خالفت الأمر الشرعي، لكن وافقت الأمر القدري، فيعذر الزاني والسارق وشارب الخمر؛ لأنه موافقٌ للقدر- نعوذ بالله- يحتج بالقدر.

يُروى أن عمر بن الخطاب y أُتي بسارق، فلما لَامه قال: القدر، قدرُ الله يا أمير المؤمنين، فقال: ونحن نقطع يدك بقدر الله أيضا. نعم.

الطالب: أحسن الله إليك.

متن: «فإن كان ممن يرى الأمر تلبيسًا وضبطًا للرعاعِ»

شرح: الرعاع، يُسمِّي سائر الناس الرعاع ( الهمج)، هو يرى نفسه الصوفي أنه صاحب التحقيق، يرى أن هذا ...(14:03) بالقدر هو ضبط، ضبط للرعاع، رعاع الناس.

«عن الخبط والجريان»

الطالب: يقول في نسخة أخرى يا شيخ «الحرمان»

شرح: لا يوجد فارق.

متن: «عن الخبط والجريان مع حكم الطبيعة الحيوانية، فقد رأى نفسه مطيعاً لا عاصياً»

شرح: أي أقرب للحيوان.

متن: «كما قال قائلهم في هذا المعنى: أصبحت منفعلاً لما يختاره مني ففعلي كله طاعات»

شرح: هذا بيت شعر صوفي، «أصبحت منفعلًا لما يختاره مني ففعلي كله طاعات» سواء معاصي أو غيره؛ لأنه موافقٌ للقدر.

متن: «وأصحاب المشهد الأول أقرب إلى السلامة من هؤلاء وخير منهم، وهذا المشهد بعينه هو المشهد الذي يشهده المشركون، عُبّاد الأصنام، ووقفوا عنده كما قالوا:

}لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ{ [الزخرف/20].

شرح: }سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُون{ [الأنعام/148]

متن: }وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِين{ [النحل/35]

}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِين{ [يس/47]

فهذا مشهد من أشرك بالله وردّ أمره، وهو مشهد إبليس الذي انتهى إليه إذ يقول لربه: }رَبِّ بِمَا أغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ{ ]الحجر:39[

والله أعلم.

المشهد الثالث: مشهد الفعل الكسبي القائم بالعبد فقط ولا يشهد إلا صدوره عنه وقيامه به، ولا يشهد مع ذلك مشيئة الرب له، ولا جريان حكمه القدري به، ولا عزة الرب-تعالى- في قضائه ونفوذ أمره، بل قد فني بشهود معصيته وذنبه، وقُبح ما اجترمه عن شهود المشيئة النافذة والقدر السابق: إما لعدم اتساع قلبه لشهود الأمرين –فقد امتلأ من شهود ذنبه وجرمه وفعله- مع أنه مؤمن بقضاء الرب وقدره، وأن العبد أقل قدرًا من أن يُحدث في نفسه ما لم تسبق به مشيئة بارئه وخالقه. وإما لإنكاره القضاء والقدر جملة وتنـزيهه للرب-تعالى- أن يُقدر على العبد شيئًا ثم يلومه عليه.

شرح: مشهد الكسب هذا مشهد الأشاعرة، والثاني مشهد المعتزلة الذين ينزهون الرب عن تقدير المعاصي. -أعد من الأول مشهد الكسب-.

متن: «فأما الأول وإن كان مشهده صحيحًا نافعًا له موجبًا له أن لا يزال لائمًا لنفسه مُزريًا عليها ناسباً للذنب والعيب إليها، معترفاً بأنه يستحق العقوبة والنكال، وأن الله سبحانه إن عاقبه فهو العادل فيه وأنه هو الظالم لنفسه، وهذا كله حقٌ لا ريب فيه، لكن صاحبه ضعيف مغلوب على نفسه غير معانٍ عليها، بل هو معها كالمقهور المخذول، فإنه لم يشهد عزة الرب-تعالى- في قضائه ونفوذ أمره الكوني ومشيئته وأنه لو شاء لعصمه وحفظه، وأنه لا معصوم إلا من عصمه ولا محفوظ إلا من حفظه، وأنه هو محل لجريان أقضيته وأقداره، مسوق إليها في سلسلة إرادته وشهوته، وأن تلك السلسلة طرفها بيد غيره، وهو القادر على سَوْقه بها إلى ما فيه صلاحه وفلاحه وإلى ما فيه هلاكه وشقاؤه، فهو لغيبته عن هذا المشهد وغلبة شهود المعصية والكسب على قلبه لا يعطي التوحيد حقه ولا الاستعانة بربه والاستغاثة به واللجئ إليه والافتقار والتضرع والابتهال حقه، بحيث يشهد سر قوله ﷺ: " أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك".

فإنه سبحانه رب كل شيء وخالق كل شيء، والمُستعاذ منه واقع بخلقه ومشيئته، ولو شاء لم يكن، فالفرار منه إليه والاستعاذة منه به ولا ملجأ منه إلا إليه ولا مهرب منه إلا إليه لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

شرح: سبحانه لا إله إلا هو.

متن: «وأما الثاني –وهو منكر القضاء والقدر- فمخذولٌ، محجوبٌ عن شهود التوحيد مصدودٌ عن شهود الحكمة الإلهية، موكولٌ إلى نفسه، ممنوعٌ عن شهود عزة الرب في قضائه وكمال مشيئته ونفوذ حكمه، وعن شهود عجزه هو وفقره وأنه لا توفيق له إلا بالله، وأنه إن لم يعنه الله فهو مخذول، وإن لم يوفقه ويخلق له عزيمة الرشد ففعله فهو عنه ممنوع، فحجابه عن الله غليظ، فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق إلى الله أقرب من دوام الافتقار إليه»

شرح: هؤلاء هم القدرية والمعتزلة يقولون أنه لا يمكن أن يكون يُقدر الله  عليهم المعاصي ويعذب عليها، فلا يكون ظالما فيقولون أن العبد يخلق فعل نفسه. 

متن: «المشهد الرابع: مشهد التوحيد والأمر، فيشهد انفراد الرب-تعالى-بالخلق، ونفوذ مشيئته وتعلق الموجودات بأسرها بها، وجريان حكمه على الخليقة وانتهائها إلى ما سبق لها في علمه وجرى به قلمه، ويشهد مع ذلك أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وارتباط الجزاء بالأعمال واقتضاءها له ارتباط المسببات بأسبابها التي جُعلت أسبابًا مقتضية له شرعاً وقدراً وحكمة»

شرح: هذا مشهد الأنبياء والرسل وأتباعهم، يشهدون القدر، أنه قدّر الأشياء، ويشهدون الشرع والأمر، وأن أمره وشرعه أنزله في كتبه، لا ينافيه ما قضاه وقدّره.

الطالب: أحسن الله إليك

متن: «فشهوده توحيد الرب-تعالى- وانفراده بالخلق ونفوذ مشيئته وجريان قضائه وقدره، يفتح له باب الاستعانة ودوام الالتجاء إليه والافتقار إليه، وذلك يدنيه من عتبة العبودية ويطرحه بالباب فقيرًا عاجزًا مسكينًا لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

وشهوده أمره-تعالى- ونهيه وثوابه وعقابه يوجب له الجدّ والتشمير وبذل الوسع والقيام بالأمر، والرجوع على نفسه باللوم والاعتراف بالتقصير، فيكون سيره بين شهود العزة والحكمة والقدرة الكاملة والعلم السابق والمنّة العظيمة، وبين شهود التقصير والإساءة منه وتطلب عيوب نفسه وأعمالها، فهذا هو العبد المُوفق المُعان الملطوف به المصنوع له الذي أُقيم في مقام العبودية، وضُمن له التوفيق.

وهذا هو مشهد الرسل-صلوات الله وسلامه عليهم- فهو مشهد أبيهم آدم إذ يقول: }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسَنَا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ ]الأعراف:23[

 ومشهد أول الرسل نوح إذ يقول: }رَبِّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أسْألَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ ]هود:47[

 ومشهد إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- إذ يقول: }الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيينِ وَالَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفَرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين{ ]الشعراء:78-82[.

وقال في دعائه: }رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ{ ]إبراهيم:35[.

فعلمr  أن الذي يحول بين العبد وبين الشرك وعبادة الأصنام هو الله لا رب غيره، فسأله أن يُجنبه وبنيه عبادة الأصنام.

وهذا هو مشهد موسى إذ يقول في خطابه لربه: }أتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ{ ]الأعراف:155[.

أي إن ذلك إلا امتحانك واختبارك»

شرح: }إلاَّ فِتْنَتُكَ{ أي اختبارك وامتحانك، الفتنة تعني الاختبار.

متن: «كما يقال فتنت الذهب إذا امتحنته واختبرته»

شرح: «إذا امتحنته واختبرته» على النار حتى يخلص ويصفو ويذهب الزغل ويخرج الذهب الصافي.

متن: «وليس من الفتنة التي هي الفعل السيئ كما في قوله تعالى: }إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُوْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{ ]البروج:10[.

شرح: الفتنة تأتي مع الاختبار، وتأتي مع العمل السيء }إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُوْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{ ]البروج:10[. أي فَتَنوهم عن دينهم.

متن: وكما في قوله تعالى: }وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ{ ]البقرة:193[

شرح: الشرك.

متن: «فإن تلك فتنة المخلوق، وموسى أعلم بالله تعالى أن يضيف إليه هذه الفتنة وإنما هي كالفتنة في قوله: }وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً{ ]طه:40[ أي ابتليناك واختبرناك، وصرّفناك في الأحوال التي قصّها الله علينا من لدن ولادته إلى وقت خطابه له وإنزاله عليه كتابه. والمقصود: أن موسىr  شهد توحيد الرب وانفراده بالخلق والحكم وفعل السفهاء ومباشرتهم الشرك، فتضرع إليه بعزته وسلطانه وأضاف الذنب إلى فاعله وجانيه، ومن هذا قوله r: }رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي{ ]القصص:16[

قال تعالى: }فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{  ]القصص:16[

وهذا مشهد ذي النون إذ يقول: }لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{ ]الأنبياء:87[.

فوحد ربه ونزهه عن كل عيب وأضاف الظلم إلى نفسه.

وهذا مشهد صاحب سيد الاستغفار إذ يقول في دعائه ﷺ: " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفرُ الذنوب إلا أنت".

شرح: هذا سيد الاستغفار، نعم.

متن: «فأقرّ بتوحيد الربوبية المتضمن لانفراده سبحانه بالخلق، وعموم المشيئة ونفوذها، وتوحيد الإلهية المتضمن لمحبته وعبادته وحده لا شريك له، والاعتراف بالعبودية المتضمن للافتقار من جميع الوجوه إليه سبحانه؛ ثم قال: "وأنا على عهدك ووعدك" فتضمن ذلك التزام شرعه وأمره ودينه، وهو عهده الذي عهده إلى عباده، وتصديق وعده وهو جزاؤه وثوابه فتضمن التزام الأمر والتصديق بالموعود وهو الإيمان والاحتساب؛ ثم لما علم أن العبد لا يُوفي هذا المقام حقه الذي يصلح له تعالى علق ذلك باستطاعته وقدرته التي لا يتعداها فقال: "ما استطعت" أي مُلتزم ذلك بحسب استطاعتي وقدرتي.

ثم شهد المشهدين المذكورين-وهما مشهد القدرة والعزة، ومشهد التقصير من نفسه- فقال: "أعوذ بك من شر ما صنعت" فهذه الكلمة تضمنت المشهدين معًا، ثم أضاف النعم كلها إلى وليها وأهلها والمبتدئ بها، والذنب إلى نفسه وعمله، فقال: "أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي" فأنت المحمود والمشكور الذي له الثناء كله والإحسان كله ومنه النعم كلها، فلك الحمد كله ولك الثناء كله ولك الفضل كله، وأنا المُذنب المُسيء المُعترف بذنبي، المُقر بخطأي، كما قال بعض العارفين: «العارف يسير بين مشاهدة المنّة من الله، ومطالعة عيب النفس والعمل.

فشهود المنّة يوجب له المحبة لربه سبحانه وحمده والثناء عليه، ومطالعة عيوب النفس والعمل يوجب استغفاره ودوام توبته وتضرعه، واستكانته لربه سبحانه وتعالى، ثم لما قام هذا بقلب الداعي وتوسل إليه بهذه الوسائل قال: "فاغفر لي، فإنه لا يغفرُ الذنوب إلا أنت"

شرح: هذا كله سيد الاستغفار، الله أكبر.

الطالب: غفر الله لك.

شرح: رحمه الله، كلام عظيم.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد