شعار الموقع

51- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
9

مدة المحاضرة: 31:00

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين بعد أن ذكر أصحاب المشهد الرابع وهو مشهد التوحيد والأمر قال:

[فصل]

المتن: ثم أصحاب هذا المشهد فيه قسمان:

الشرح: مشهد التوحيد والأمر.

المتن: أحدهما من يشهد تسليط عدوه عليه وقياده إياه في سلسلة الهوى وكبحه إياه بلجام الشهوة، فهو أسير معه بحيث يسوقه إلى ضرب عنقه وهو مع ذلك ملتفت إلى ربه وناصره ووليه، عالم بأن نجاته في يديه وأن ناصية عدوه بين يديه وأنه لو شاء لطرده عنه وخلَّصه من يديه، فكلما قاده عدوه وكبحه بلجامه أكثر الالتفات إلى وليه وناصره والتضرع إليه والتذلل بين يديه وكلما زاد اغترابه وبعده عن بابه تذكر عطفه وبره وإحسانه وجوده وكرمه وغناه وقدرته ورأفته ورحمته فانجذبت دواعي قلبه هاربة إليه متراميةً على بابه منطرحة على فنائه، كعبد قد شدت يداه إلى عنقه وقدم لتضرب عنقه وقد استسلم للقتل، فنظر إلى سيده أمامه وتذكر عطفه ورأفته به ووجد فرجة فوثب إليه منها (وثبة) طرح نفسه بين يديه ومد له عنقه وقال: أنا عبيدك ومسكينك.

الشرح: عبيدك تصغير عبد، يعني تحقيرٌ لنفسه، وتذللٌ بين يدي الله، أنا عبيدك ومسكينك، نعم.

المتن: وهذه ناصيتي بين يديك، ولا خلاص لي من هذا العدو إلا بك وإني مغلوب فانتصر.

الشرح: وهذا الشجاع في التضرع إلى الله عز وجل والانكسار بين يديه، هذا من أعظم الوسائل التي يتوسل بها الإنسان إلى ربه ومن أسباب الإجابة، كما في الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا انت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت.

المتن: فهذا مشهد عظيم المنفعة جليل الفائدة تحته من أسرار العبودية ما لا يناله الوصف. وفوقه مشهد أجل منه وأعظم وأخص تجفو عنه العبارات، وإن اشارت إليه بعض الإشارة، وقربته إلى الفهم بضرب مثل يعبر منه إليه.

الشرح: يعني الأول متذلل اليه والثاني كذلك يعني أشد منه تذللًا.

المتن: وذلك مثل عبد أخذه سيده بيده وقدمه لضرب عنقه بيده، فهو قد أحكم ربطه وشد عينيه وقد أيقن العبد أنه في قبضته وأنه هو قاتله لا غيره، وقد علم مع ذلك بره به ولطفه ورحمته ورأفته وجوده وكرمه، فهو يناشده بأوصافه ويدخل عليه به، قد ذهب عن وهمه وشهوده كل سبب، فانقطع تعلقه بشيء سواه، فهو معرض عن عدوه الذي كان سبب غضب سيده عليه، قد محا شهوده من قلبه، فهو مقصور النظر إلى سيده وكونه في قبضته ناظر إلى ما يصنعه، منتظر منه ما يقتضيه عطفه وبره وكرمه.

ومثل الأول مثل عبد أمسكه عدوه وهو يخنقه للموت وذلك العبد يشهد خنق عدوه له، ويستغيث بسيده وسيده يغيثه ويرحمه.

الشرح: يعني الأول بيد عدو يخنقه ويستغيث بالله والثاني بيد سيده.

المتن: ومثل الأول مثل عبد أمسكه عدوه وهو يخنقه للموت وذلك العبد يشهد خنق عدوه له، ويستغيث بسيده وسيده يغيثه ويرحمه، ولكن ما يحصل للثاني في مشهده ذلك من الأمور العجيبة فوق ما يحصل للأول، وهو بمنـزلة من قد أخذه محبوبه فهو يخنقه خنقة وهو لا يشهد إلا خنقه له، فهو يقول: اخنق خنقك، فأنت تعلم أن قلبي يحبك. وفي هذا المثل إشارة وكفاية، ومن غلظ حجابه وكثفت طباعه لا ينفعه التصريح فضلاً عن ضرب الأمثال. والله المستعان وعليه التكلان ولا قوة إلا بالله، فهذه ستة مشاهد.

الشرح: يعني الأول أخذه عدوه ليخنقه ويقتله وهو يستغيث بالله، ويستغيث بوليه، والثاني أخذه وليه يخنقه أيضًا فهو يستغيث بربه ويقول أنا بين يديك، افعل بي ما تريد، أنا مستحق وأنت أهلٌ للعفو، الثاني ارفع حال من الأول، كل منهما مستغيثٌ بالله متذلل، لكن الأول بين يدي عدوه يخنقه ويستغيث به والثاني بين يدي وليه.

المتن: وفي هذا المثل إشارة وكفاية، ومن غلظ حجابه وكثفت طباعه لا ينفعه التصريح فضلاً عن ضرب الأمثال. والله المستعان وعليه التكلان ولا قوة إلا بالله، فهذه ستة مشاهد.

المشهد السابع: مشهد الحكمة، وهو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب وإقداره عليه وتهيئة أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله:

(أحدها) أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم.

الشرح: هذه من الحِكَمْ، نعم.

المتن: (أحدها) أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية قضى له بالتوبة.

(الثاني) تعريف العبد عزة الرب تعالى في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.

(الثالث) تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته.

الشرح: يعني تعريف العبد حاجته إلى حفظ الله وصيانته، يعني تعريف الرب للعبد.

المتن: وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولابد، والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.

(الرابع) استجلابه من العبد استغاثته به واستعاذته به من عدوه وشر نفسه ودعائه والتضرع إليه والابتهال بين يديه.

الشرح: وهذه عبوديات عظيمة، عبوديات ترتبت على هذا، استغاثته بالله، والاستغاثة بالدعاء من المكتوب واستعاذته بربه، والتجاؤه واحتماؤه به، هذه عبوديات متنوعة، نعم.

المتن: (الخامس) إرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار، فإنه متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه وظن أنه وأنه.

الشرح: نعم لأنه في الطاعة قد يشهد صلاحه، فيعجب بنفسه، وهذا فيه الهلاك، بخلاف المعصية فإنه ينكسر بين يدي الله ويخضع ويتوب إليه سبحانه وتعالى.

 المتن: فإذا ابتلاه بالذنب تصاغرت عنده نفسه وذلت وتيقن أنه وأنه.

الشرح: تيقن أنه هالك إن لم يتوب الله عليه.

المتن: (السادس) تعريفه بحقيقة نفسه وأنها الظالمة الجاهلة، وأن كل ما فيها من علم أو عدل أو خير فمن الله منَّ به عليه لا من نفسه.

الشرح: نعم هذا وصف الإنسان الجهل والظلم {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} هذا هو أصل الإنسان، كل علم وكل خير فهو من الله منَّ به عليه سبحانه وتعالى.

متن: (السابع) تعريفه عبده سعة حلمه وكرمه في ستره عليه، فإنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده فلم يصفُ له معهم عيش.

شرح: الله سبحانه وتعالى حكيم عليم أمهله، لو شاء لهتك ستره بين العباد وفضحه وعجل بالعقوبة، ولكنه سبحانه وتعالى حليم لا يعجل.

متن: (الثامن) تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته.

شرح: لولا عفو الله ومغفرته لهلك الناس، وفي حديث: «لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمة أوسع له»، بمعني أن الله إذا حاسب عباده بنعم عليه وطاعة وعبادتهم له لكانوا مدينين، وحينئذٍ لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم.

متن: (التاسع) تعريفه كرمه في قبول توبته ومغفرته له على ظلمه وإساءته.

(العاشر) إقامة الحجة على عبده، فإن له عليه الحجة البالغة، فإن عذبه فبعدله وببعض حقه عليه بل اليسير منه.

(الحادي عشر) أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يحب أن يعامله الله به.

شرح: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، من عفا عفا الله عنه، فهو يعامل الناس بما يحب أن يعامله الله به، كما أنه يحب العفو يعفو، والحديث الصحيح عن الرجل الذي كان يداين الناس، في صحيح مسلم، وكان يقول الفتيان تجاوزوا عن الـمُعسر ووسعوا على الموسر، يعني المعسر تجاوزوا عنه وأسقطوا بعض حقهم للفقير، والموسر وسعوا له لأنه قد يكون الموسر عنده مال، لكن يحتاج إلي وقت جمع ما معه جمع ما عنده تكون أموال متفرقة، فلقي الله  فقال: «نحن أولى بذلك، تجاوزوا عنه»، فتجاوزه الله عنه، الجزاء من جنس العمل.

متن: (الحادي عشر) أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يجب أن يعامله الله به، فإن الجزاء من جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.

(الثاني عشر) أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.

شرح: هنا يقول معذرة، ما يقول معذرة مع قيامه بأمر الله، يعني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر  ليس معناه أنه يقرهم على المعاصي بل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولكنه يعذرهم لساعته ويوجههم إلى الخير، يأمرهم وينهاهم ويعذرهم.

متن: (الثالث عشر) أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه، فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.

شرح: صولة الإحسان والطاعة كلها نشوة وإعجاب بالنفس، وهذه يغضبها الله، العُجب هلاك الإنسان، من كبائر الذنوب، فصولة الطاعة هذه كلها صولة ونشوة، فإذا أُعجب الإنسان بنفسه فهو هالك، لأن هذه الطاعة منّ الله بها عليك، لولا الله (21:24)، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، فكيف تُعجَب بنفسك وبعملك وتذل به على الله؟!

متن: (الثالث عشر) أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه، فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.

(الرابع عشر) أن يعريه من رداء العجب بعمله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم تُذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد منه، العجب» أو كما قال.

شرح: أن يُعرِّيه، أو يُعرِيه يعني يخزيه، يخلي عزاله خاليًا كالعريش.

القارئ: قال أخرجه البيهقي بشعب الإيمان، والعُقيلي في الضعفاء الكبير، وابن عدي في الكامل، والقباعي، والدليمي في الفردوس، والبذَّار قال كلهم من فريقه سلَّام بن أبي الصهباء، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك، العجب العجب».

وسلَّام هذا مختلف فيه، قال يحي بن المعين ضعيف الحديث، وقال البخاري منكر الحديث، وقال ابن حبَّان ممن فحش خطأه وكثر وهمه لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال أحمد بن حنبل حسن الحديث، وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به، وقال رواه الديلمي في الفردوس.

الشرح: القول الوسط أنه لا بأس به، يعريه من العجب يعني يعريه من العجب بالنفس الذي هو الهلاك فإذا وقع في الذنب فإنه ينكسر ويتذلل ولا يعجب بنفسه في هذه الحالة.

متن: (الرابع عشر) أن يعريه من رداء العجب بعمله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم تُذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد منه، العجب» أو كما قال.

(الخامس عشر) أن يعريه من لباس الإدلال التي تصلح للملوك ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق لعبد سواه.

شرح: يعريه من رداء كونه يدل، يدل على يعني مثلاً الملك يدل عليه، يعني دائمًا لما يشفع عند الملك يقول أنا لي معروف عليك، (24:30)، يعليه من الإجلال فلا يدل على الله ولا يمن على الله بشيء، الله تعالى له الفضل وله المنة، كما يدل على الملوك، يدل عليهم يعني يرى أن له فضل، وأن له معروف عليه، فلذلك يطلب منه ويشفع له.

متن: أن يعريه من لباس الإدلال التي تصلح للملوك ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق لعبد سواه.

(السادس عشر) أن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.

شرح: وهذه من أجل الكُربات، الخشية والخوف.

متن: (السابع عشر) أن يعرفه مقدار نعمة معافاته وفضله في توفيقه وعصمته، فإن من تربى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار نعمة العافية.

شرح: صحيح، بضدها تتبين الأشياء، فأولاد الأغنياء في نعمة وفي ترف ما يحسون بما يقاسيه الفقراء، فيأتي يخرج ولد الغني ويرى ولد الفقير ما معه شيء، يقول لماذا لا يذهب هذا ويأكل كذا ويأكل من الفاكهة وكذا، يظن أنه مثله، لماذا جالس هنا؟، لماذا لا يأكل؟ لماذا لا يشرب؟ لماذا لا يلبس؟ هو لا يعرف حالة الفقير، (26:59) بالنعمة والترف ولهذا أُمِرَ بالأغنياء بأن يعطفوا على الفقراء، قال بعض السلف الحكمة من الحكم في الصيام أن يذوق الغني طعم الجوع حتي لا ينسى الفقير، أعد.

متن: (السابع عشر) أن يعرفه مقدار نعمة معافاته وفضله في توفيقه وعصمته، فإن من تربى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار نعمة العافية.

(الثامن عشر) أن يستخرج منه محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه، فإن الله يحبه ويوجب له بهذه التوبة مزيد محبة وشكر ورضا لا يحصل بدون التوبة، وإن كان يحصل بغيرها من الطاعات أثر آخر، لكن هذا الأثر الخاص لا يحصل إلا بالتوبة.

شرح: المحبة يعني المحبة والشكر لله.

متن: (التاسع عشر) أنه إذا شهد إساءته وظلمه استكثر القليل من نعمة الله لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير على مسيء مثله.

لأنه يعرف أنه مقصر وأنه لا يستحق، فإذا أتته النعمة يعني استكثرها.

استكثر القليل من نعمة الله لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير على مسيء مثله، واستقلال الكثير من عمله، لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته ووبر ذنوبه أضعاف أضعاف ما يفعله، فهو دائمًا مستقل لعمله كائنًا ما كان، ولو لم يكن في فوائد الذنب وحِكَمِه إلا هذا وحده لكان كافيًا.

شرح: هو يستقل عن هذا وعبادته ويرى أن أصل نجاسة الذنوب تستحق عملًا أكثر فهو يرى أن أصل أيش؟ نجاسة ذنوبه.

المتن: لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته ووبر ذنوبه.

القارئ: قال الوبر: الأثر.

الشرح: المقصود النجاسة المعنوية وليست الحسية.

متن: (العشرون) أنه يوجب له التيقظ والحذر من مصائد العدو ومكايده، ويُعرِّفه من أين يدخل عليه، وبماذا يحذر منه كالطبيب الذي ذاق المرض والدواء.

شرح: يعني يُعرِّفه مصايد الشيطان، يعني يعرفه بمكائد الشيطان ومصائده، يأخذ الحذر والاحتياط، ويعرفه الأماكن الذي يدخل عن الشيطان، هذه من أعظم النعم على العبد.

متن: الحادي والعشرون.

الشيخ: طويل الفوائد.

القارئ: نعم.

الشيخ: يكفي.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد