شعار الموقع

52- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
19

اسم المحاضرة: 20-4-1437هـ

طريق الهجرتين-

مدة التسجيل: 12:52

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ﷺ .

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والمستمعين.

شرح: آمين.

متن: يقول الإمام بن القيم-رحمه الله- في كتابه:(طريق الهجرتين وباب السعادتين)

«ولا يزال الكلام عن المشهد السابع: مشهد الحكمة، وهو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب وإقداره عليه وتهيئته أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه.

 قال رحمه الله:

(الحادي والعشرون) أن مثل هذا ينتفع به المرضى، لمعرفته بأمراضهم وأدوائها.

(الثاني والعشرون) أنه يرفع عنه حجاب الدعوى ويفتح له طريق الفاقة »

يعنى الغنا أو الاستغناء  عن الله، فيفتح الله تعالى له أبواب الفاقة، الفقر إلى الله، نعم.

متن: «(الثاني والعشرون) أنه يرفع عنه حجاب الدعوى ويفتح له طريق الفاقة فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب من العبودية، فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاء مع العُجْبْ.

(الثالث والعشرون) أنه يكون في القلب أمراضٌ مزمنة لا يشعر بها فيطلب دواءها فيمنُّ عليه اللطيف الخبير، ويقضي عليه بذنب ظاهر فيجد ألم مرضه فيحتمي ويشرب الدواء النافع فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها، ومن لم يشعر بهذه اللطيفة فلغلظ حجابه كما قيل:

لعل عتبك محمودٌ عواقبه        وربما صحة الأجسام بالعلل

(الرابع والعشرون) أن يذيقه ألم الحجاب والبُعد بارتكاب الذنب لتكمل له نعمته وفرحه وسروره»

شرح: يكمل فرحه وسروره بالتوبة، إذا تاب من الذنب، قرّبه الله، وتاب عليه وكَمُلَ سروره.

متن: «وإذا أقبل بقلبه إليه وجمعه عليه وأقامه في طاعته، فيكون التذاذه بذلك –بعد أن صدر منه ما صدر- بمنـزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والـمُحب للطويل الهجر بوصل محبوبه»

شرح: لأن الضد إنما يظهر حُسنه بالضد فإذا حجبه الله تألم ، ثم إذا تاب وقربه الله حصل له لذة، نعم.

الطالب: أحسن الله إليك.

متن: «وإن لطف الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.

(الخامس والعشرون) امتحان العبد واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا؟

 فإنه إذا واقع الذنب، سُلب حلاوة الطاعة والقرب، ووقع في الوحشة. فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحنَّت وأنَّت وتضرعت واستغاثت بربها ليردها إلى ما عوَّدها من بره ولطفه، وإن ركبت غيّها واستمر إعراضها ولم تحن إلى معهدها الأول ومألفها ولم تحس بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها عُلم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.

(السادس والعشرون) أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان، وفي ذلك حكمٌ عظيمة لصانعه-تبارك وتعالى-ولا ريب أنهما داعيان إلى أثرها وموجبهما فلابد من ترتب أثر داعي الشهوة والغضب في الإنسان أو بعضها، ولو لم تُخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إنسانًا بل مَلكًا، فالذنب من موجبات البشرية، كما أن النسيان من موجباتها، كما قال النبي r: "كل ابن آدم خَطَّاءٌ، وخير الخطَّائين التوابون" ولا يتم الابتلاء والاختبار إلا بذلك. والله أعلم.

(السابع والعشرون) أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نُصب عينيه، فإن الله إذا أراد بعبد خيرًا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نُصب عينيه حتى يدخله الجنة فإن ما يُقبل من الأعمال رُفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره، وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار. قالوا: كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نُصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عُجْبُه وكِبره. ويعمل الحسنة فلا تزال نُصب عينيه، يراها ويُمنُّ بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى تدخله النار.

شرح: نسأل الله العافية.

متن: «(الثامن والعشرون) أن شهود ذنبه وخطيئته يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلًا ولا له على أحد حقًا. فإنه يشهد عيب نفسه وخطأها وذنوبها، فلا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم يرَ لها على الناس حقوقًا من الإكرام يتقاضاهم إياها، ويذمُّهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخسُّ قدرًا وأقل قيمة من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها، أو لها عليهم فضل يستحق أن يكرموه لأجله، فيرى أن من سلَّم عليه أو لقيه بوجه منبسط قد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه فاستراح في نفسه واستراح الناس من تعنته وشكايته فما أطيب عيشه وما أنعم باله وما أقرَّ عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتبًا على الخلق، شاكيًا ترك قيامهم بحقه، ساخطًا عليهم وهم عليه أسخط؟ فسبحان ذي الحكمة الباهرة التي بهرت عقول العالمين.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد