شعار الموقع

شرح كتاب سؤال وجواب في أهم المهمات ( 3 ) من السؤال الثامن وحتى السؤال الرابع عشر

00:00
00:00
تحميل
199

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه الذي وسمه بقوله: " سؤال وجواب في أهم المهمات "

تعليم أصول الإيمان وبيان موانع الإيمان. 

السؤال الثامن: ما حكم الفاسق الملي؟

الجواب: من كان مؤمنًا موحدًا وهو مصِّر على المعاصي فهو مؤمنٌ بما معه من الإيمان، فاسقٌ بما تركه من واجبات الإيمان، ناقص الإيمان مستحق للوعد بإيمانه، وللوعيد بمعاصيه، ومع ذلك لا يخلد في النار، فالإيمان المطلق التام يمنع من دخول النار، والإيمان الناقص يمنع من الخلود فيها. 

(الشرح) 

هذا السؤال الثامن عن حكم الفاسق الملي، الفاسق هو مرتكب الكبيرة، سمي فاسقًا لخروجه عن طاعة الله، ومنه سميت الفأرة فويسقة لخرجها عن غيرها بالإيذاء، وكذلك الفواسق الخمس، قال النبي ﷺ: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم، الحية، والعقرب، والفأرة، والغراب، والكلب العقور

فهذه سميت فواسق لخروجها عن غيرها بالإيذاء، فكذلك الفاسق سمي فاسقًا لخروجه عن طاعة الله، والفاسق هو الذي ارتكب كبيرة، والكبيرة أصح ما قيل في تعريفها أنها كل ذنبٍ وجب فيه حدٌ في الدنيا أو وعيد في الآخرة بالنار أو اللعنة أو الغضب. 

هذه الكبيرة كل معصية وجب فيها حد في الدنيا كالسرقة فيها قطع اليد والزنا فيه الجلد أو الرجم وشرب الخمر فيه الجلد فهذا يسمى كبيرة، وكذلك ما توعد عليه بالنار كأكل مال اليتيم توعد عليه بالنار، والقتل، فإذا ارتكب المسلم كبيرة فإنه أو أصر على الصغيرة فإنه يسمى فاسقاً لخروجه عن طاعة الله وهو ناقص الإيمان ضعيف الإيمان عند أهل السنة والجماعة، لكن لا يختفي الإيمان بالمعاصي، فهو مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما ترك من واجبات الإيمان. 

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ما حكم الفاسق الملي؟) الملي: من كان على ملة الإسلام لم يخرج من الملة، الفاسق الملي بخلاف الفاسق غير الملي، الفاسق غير الملي الكافر فسوقه فسوق كفر.

لأن الفسوق نوعان:  

فسوق كفر هذا الفاسق غير الملي. 

وفسوق معصية هذا الفاسق الملي. 

فالفاسق الملي الذي فسوقه فسوق معصية لا فسوق كفر مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة: 99]. 

وفي قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: 50]. هذا فسوق كفر.

فالفسوق نوعان: فسوق كفر وفسوق المعاصي، وفسوق المعصية هذا الفاسق الملي حكمه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن من كان مؤمنًا موحدًا وهو مصِّرٌ على المعاصي هو مؤمن بما معه من الإيمان فاسق بما معه من المعاصي، بما ترك من واجبات الإيمان. ناقص الإيمان ويقال: ضعيف الإيمان مستحقٌ للوعد بإيمانه، مستحقٌ للوعد لأنه مؤمن موحد، والمؤمن الموحد موعود بالجنة، ومستحق للوعيد بمعاصيه، ومع ذلك لا يخلد في النار لو دخلها فهو تحت مشيئة الله، إذا مات من غير توبة فهو تحت مشيئة الله، قد يعذب في قبره وقد تصيبه أهوال وشدائد في يوم القيامة، وهو مستحق لدخول النار وقد يدخل النار، قد يعفى عنه وقد يعذب في النار مدة، ولا بد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر، تواترت في ذلك الأخبار عن النبي ﷺ. ومع ذلك إذا دخل النار لا يخلد فيها بل يبقى فيها مدة على حسب المعصية وجرائمه، ثم يخرج منها بشافعة الشافعين برحمة أرحم الراحمين. ولهذا قال المؤلف: (ومع ذلك لا يخلد في النار). 

(فالإيمان المطلق التام يمنع من دخول النار) الإيمان المطلق التام هو الذي لا يصر صاحبه على معصية ولا كبيرة، المؤمن الموحد الذي أدى الواجبات وترك المحرمات ولم يصر على معصية هذا يسمى مؤمن إيماناً مطلقاً تاماً. 

فالمؤمن الإيمان المطلق التام يمنع من دخول النار، بل يدخل الجنة من أول وهلة فضلاً من الله تعالى وإحسان، من كان موحدًا لم يكن في عمله شرك مات على التوحيد وأدى الواجبات وترك المحرمات ولم يصر على معصية دخل الجنة من أول وهلة، فضلاً من الله تعالى، إيمانه التام يمنعه من دخول النار. 

(والإيمان الناقص يمنع من الخلود فيها) لكن لا يمنع من دخولها، الإيمان الناقص من مات على إيمانٍ ناقص وأصر على كبيرة فإيمانه ناقص يمنعه من الخلود، فلا يخلد في النار لكن لا يمنعه من دخلوها، قد يدخلها ويعذب فيها ثم يخرج منها لكن لا يخلد، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة. 

ولا يثبتون الإيمان للفاسق بإطلاق ولا ينفون عنه بإطلاق عند أهل السنة والجماعة، فلا تقول: الفاسق الملي مرتكب الكبيرة لا تقل: مؤمن بإطلاق، ولا تقل: ليس بمؤمن بإطلاق، إذا قلت: مؤمن بإطلاق أخطأت، وإذا قلت ليس بمؤمن بإطلاق أخطأت، لا بد أن تقيد في الإثبات وفي النفي. 

ففي الإثبات تقول: مؤمنٌ ناقص الإيمان، أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي تقول: ليس بمؤمن حقًا، ليس بصادق الإيمان. 

وأما أهل البدع فإنهم على طرفي نقيض:

فالخوارج والمعتزلة يسلبون عنه الإيمان وارتكاب الكبيرة، إذا ارتكب الكبيرة عند الخوارج يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر، ويستحلون دمه وماله، وفي الآخرة يخلدونه في النار، والمعتزلة وافقوهم في الآخرة على أنهم مخلدون في النار. 

وأما في الدنيا فقالوا: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، صار في منزلة بين المنزلتين، يسمونه فاسقاً لا مؤمناً ولا كافراً؛ ولهذا من أصول المعتزلة المنزلة بين المنزلتين، وكلٌ من الطائفتين ضالة.  

وقابلهم المرجئة، فقالوا: إذا آمن ووحد فلا يضره مع الإيمان أي ذنب وأي معصية وأي كبيرة ولا تؤثر في إيمانه، بل هو مؤمن كامل الإيمان ولو فعل أي كبيرة. 

وأهل السنة وسط هدى الله أهل السنة إلى الحق، فأنت أيها السني لا تسلب الإيمان عن الفاسق الملي بإطلاق ولا تثبت له بإطلاق؛ لأنك لو سلبته بإطلاق وقلت: ليس بمؤمن وافقت الخوارج والمعتزلة، وإذا أعطيته الإيمان المطلق قلت: هو مؤمنٌ وافقت المرجئة؛ لأن المرجئة يثبتون الإيمان بإطلاق والخوارج والمعتزلة يسلبون عنه الإيمان بإطلاق، أما أهل السنة فإنهم يقيدون في الإثبات وفي النفي. 

في الإثبات مؤمنٌ ناقص الإيمان أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي ليس بصادق الإيمان ليس بمؤمن حقًا. 

(المتن) 

السؤال التاسع: كم مراتب المؤمنين وما هي؟

الجواب: المؤمنون ثلاثة أقسام:  

الأول: سابقون إلى الخيرات، وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات. 

الثاني: ومقتصدون وهم الذي اقتصروا على أداء الواجبات واجتناب المحرمات. 

الثالث: وظالمون لأنفسهم وهم الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا. 

(الشرح) 

نعم هذا السؤال عن مراتب المؤمنين.

المؤمنون على ثلاث مراتب:  

المرتبة الأولى: مرتبة السابقين بالخيرات، وهم المقربون، وهم السابقون بالخيرات. 

المرتبة الثانية: مرتبة المقتصدين ويقال لهم: أصحاب اليمين. 

المرتبة الثالثة: مرتبة الظالمين لأنفسهم. 

فالسابقون للخيرات هم الذين أدوا الواجبات والفرائض وأيضًا صار عندهم نشاط ففعلوا المستحبات والنوافل زيادة على الواجبات والفرائض، وتركوا المحرمات وأيضًا من ورعهم تركوا المكروهات كراهة تنزيه، وتكروا التوسع في المباحات أيضا، هؤلاء هم السابقون بالخيرات. 

والمرتبة الثانية: مرتبة المقصدين ويقال لهم أصحاب اليمين، هم الذين أدوا الواجبات والفرائض ووقفوا عند هذا الحد ما كان عندهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل، اقتصروا على أداء الواجبات ووقفوا، النوافل والمستحبات لا يفعلونها، وكذلك تركوا المحرمات، ووقفوا عند هذا الحد، لكن قد يفعلون المكروهات كراهة تنزيه ويتوسعون في المباحات، وكلٌ من الصنفين يدخلون الجنة من أول وهلة فضلاً من الله تعالى وإحسانًا؛ لأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم. 

وإن كان مرتبة السابقين إلى الخيرات المقربين أعلى فالجنة درجات، السابقون بالخيرات أعلى درجة، والمقتصدون أدنى منهم درجة لكن كلٌ من الصنفين يدخل الجنة من أول وهلة فضلاً من الله تعالى وإحساناً. 

المرتبة الثالثة: مرتبة الظالمين لأنفسهم وهم مؤمنون موحدون لم يقعوا في عمل الشرك، ولكن قصروا في بعض الواجبات والفرائض، أو فعلوا بعض المحرمات، فهؤلاء لا يخلدون في النار لو دخلوها، لكن قد يدخلوا النار، فهم على خطر، منهم من يعذب في قبره كما في حديث ابن عباس في قصة الرجلين الذين مر بهما النبي ﷺ وقال: إنما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وقال: لعل يخفف عنهما ما لم ييبسا». 

ومنهم من تصبه أهوال وشدائد في يوم القيامة ومنهم من يستحق دخول النار فيشفع فيها فلا يدخلها ومنهم من يدخلها.

وقد ذكر الله تعالى هذه الأصناف الثلاثة في سورة فاطر وأخبر أنهم كلهم ممن ورثوا الكتاب أورثهم الله الكتاب وكلهم مصطفون اصطفاهم الله، اصطفاهم الله بالإيمان حتى الظالمون لأنفسهم من المصطفين؛ لأنهم سلموا من الشرك بخلاف المشركين قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر: 32، 33]. 

كل الأصناف الثلاثة، لكن الظالمون لأنفسهم قد يتأخر دخلوهم الجنة وقد يدخلونها من أول وهلة جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۝ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۝ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ  ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر: 33 - 36]. 

هذا الصنف الرابع الكفار، جميع أنواعه والكفر ملل شتى وكل الكفر قسم واحد، كلهم مخلدون في النار، اليهود والنصارى والوثنيون والملاحدة، كلهم مخلدون في الناس نسأل الله السلامة والعافية. 

وقد ذكر الله الأصناف في أول سورة الواقعة ولم يذكر الظالمين لأنفسهم، ذكر السابقين وأصحاب اليمين، قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 10، 11]. وذكر أيضًا الكفار: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۝ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة: 8، 9]. أصحاب المشأمة هم الكفار. 

 قال: أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة: 11، 12]. ثم قال: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة: 8]. ثم قال: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ [الواقعة: 41]. فذكر صنفين من المؤمنين والصنف الثالث الكفار.

وكذلك ذكره الله في آخر سورة الواقعة أيضًا قال: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [الواقعة: 88، 89]. فالمقربون هم السابقون، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة: 90، 91]. هؤلاء المتقصدون لأنفسهم. وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ [الواقعة: 92]. هؤلاء الكفرة. 

(المتن) 

السؤال العاشر: ما حكم أفعال العباد؟. 

الجواب: أفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي، داخلةٌ في خلق الله وقضائه وقدره، ولكنهم هم الفاعلون لها، لم يجبرهم الله عليها مع أنها واقعة بمشيئتهم وقدرتهم، فهي فعلهم حقيقة، وهم الموصوفون بها المثابون والمعاقبون عليها. 

وهي خلق الله حقيقة فإن الله خلقهم وخلق مشيئتهم وقدرتهم وجميع ما يقع بذلك، فنؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة الدالة على شمول خلق الله وقدرته، لكل شيءٍ من الأعيان والأوصاف والأفعال، كما نؤمن بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أن العباد هم الفاعلون حقيقةً للخير والشر. 

وأنهم مختارون لأفعالهم فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم وهما السبب في وجود أفعالهم وأقوالهم، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب والله أعظم وأعدل من أن يجبرهم عليها. 

(الشرح) 

نعم هذا السؤال العاشر في حكم أفعال العباد، أفعال العباد التي تصدر عنهم من الطاعات والمعاصي.

 وللناس ثلاثة أقوال:  

القول الأول: قول أهل السنة والجماعة الذي ذكره المؤلف رحمه الله من أن أفعال العباد كلها من الطاعة والمعاصي داخلة في خلق الله وقضائه وقدره، والعباد هم الفاعلون لها لم يجبرهم الله عليها وهي وقاعدة بمشيئتهم وقدرتهم، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، أن الله تعالى خلق أفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي، الله تعالى خلقها وقضاها وقدرها. 

والعباد هم الفاعلون لها والمباشرون لها، فعلوها باختيارهم وإرادتهم؛ لأن الإنسان أعطاه الله القدرة على الفعل والترك، فأنت تستطيع أن تجلس هنا وتستطيع أن تقوم، تستطيع أن تحضر الدورة وتستطيع ألا تأتي، ما أحد يجبرك على الجلوس ولا على الذهاب ولا على الإياب، هذا معلوم لكل أحد، فكذلك الإنسان يفعل المعصية باختياره ويفعل الطاعة باختياره، فأفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي داخلة في خلق الله وقضائه وقدره، لعموم الأدلة، أهل السنة جمعوا بين النصوص، الأدلة دلت على أن كل شيء داخل في قضاء الله وقدره، قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر: 62]. قال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2]. 

ويدخل في العموم كل أفعال العباد من الطاعات والمعاصي، كل شيء خلقه الله من الذوات والصفات والأفعال ومن ذلك أفعال العباد، والله تعالى لم يجبرهم عليها بل هي واقعة بمشيئتهم وقدرتهم، والله تعالى خالق قدرتهم ومشيتهم، وبهذه القدرة والمشيئة يفعل العباد، ففعلهم حقيقة تنسب إليهم؛ لأنهم هم مباشرون لها، وهم الذين فعلوها باختيارهم، وهي تنسب إلى الله خلقًا وتقديرًُا. فهي من الله خلقًا وتقديرًا ومن العباد فعلاً وتسببًا وكسبًا ومباشرة، وهي خلق الله حقيقة من الله خلقًا وتقديرًا وإيجادًا، ومن العبد فعلاً وتسببًا ومباشرة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فهي فعلهم حقيقة، وهم الموصوفون بها المثابون والمعاقبون عليها). مثابون على أفعالهم لأنهم فعلوا باختيارهم ويعاقبون عليها، يعاقب الإنسان على المعصية ويثاب على الطاعة؛ لأنه هو الذي فعله باختياره وقدرته ومباشرته. 

أرأيت لو أن إنساناً اعتدى على إنسان وأخذ ماله ألا يعاقب؟ أو ضربه بغير حق أو قتله يعاقب، ولا يقول: هذا الذي فعل أنا فعلت هذا أنا قدر عليَّ هذا، ما يقبل منه هذا، ما أحد يقبل هذا. 

يقول: أنا قتلت فلان أو أخذت ماله لأنه مقدر عليَّ اتركوني لا تقتصوا مني هذا مقدر عليَّ هذا ما أحد يقبل منه، فكذلك ما يفعله من الطاعات والمعاصي، والقدر ليس حجة على الإنسان، فأفعال العباد خلق الله حقيقة؛ لأن الله خلقهم وخلق مشيئتهم وقدرتهم،. 

قال المؤلف: (فنؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة الدالة على شمول خلق الله وقدرته، لكل شيءٍ من الأعيان والأوصاف والأفعال). مثل قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر: 62]. هذا يشمل الأعيان يعني الذوات ويشمل الأوصاف، الوصف من الألوان وغيرها، ويشمل الأفعال الحركة والسكون خلقها الله، كل الأفعال من الحركة والسكون وغيرها ومن الأوصاف والألوان ومن الأعيان والذوات. 

قال المؤلف: (كما نؤمن بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أن العباد هم الفاعلون حقيقةً للخير والشر). 

الله تعالى نسب الأفعال إليهم، قال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96].  فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية: 14] 

نسب الأفعال إليهم فهم الفاعلون حقيقةً للخير والشر، وهم فعلوها باختيارهم وأنهم مختارون لأفعالهم، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم، خلق الله للعبد القدرة والإرادة، والقدرة الإرادة هم السبب في وجود أفعالهم وأقوالهم. الله تعالى خلق للعبد قدرة وإرادة، وبالقدرة والإرادة توجد الأفعال، فالقدرة والإرادة التي خلقهما الله هما السبب في وجود الأفعال والأقوال، وخالق السبب التام هو القدرة والإرادة خالق للمسبب وهو الفعل الناتج عن السبب، خالق السبب التام وهو القدرة والإرادة خلقها الله هذا سببٌ تام، ينتج عن السبب التام المسبب وهو الفعل.  

قال المؤلف: (والله أعظم وأعدل من أن يجبرهم عليها). 

المذهب الثاني: مذهب القدرية، القائلون بأن العباد خالقون لأفعالهم من الخير والشر الطاعات و المعاصي، قالوا: إن العبد هو الذي خلق المعاصي والطاعات، والله تعالى لا يقدر على خلق أفعال العباد عندهم. 

وشبهتهم يقولون: لو قلنا إن الله خلق المعاصي وعذب عليها صار ظالمًا، ففرارًا من لك قالوا: العبد هو الذي خلق المعصية، فإذا عذب عليه عذب على ما خلقه، وكذلك يقولون: يخلق الطاعة، ولهذا أوجبوا على الله أن يعذب العاصي ولا يعفو عنه، قالوا: لأن الله توعده ولا يخلف الميعاد. 

كما أنه يجب على الله أن يثيب المطيع؛ لأنه هو الذي أوجد الطاعة وقالوا: إن المطيع يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، شبهوا الله بخلقه، فضلوا من هذا الباب من أجل الشبهة التي حصلت لهم. 

المذهب الثالث: الجبرية، فقالوا: إن العبد مجبور على أفعاله، وإنه ليس له فعل ولا اختيار لا طاعات ولا معاصي، وأفعاله كلها اضطرارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح، وقالوا: إن الله هو الفاعل والعبد وعاء، تمر عليه الأفعال وعاء، وإلا الله هو الفاعل هو المصلي وهو الصائم. 

وقالوا: إن العباد وعاء كالكوب الذي يصب فيه الماء، فالعباد كالكوب والله كصباب الماء فيه، فقالوا: العباد مجبورون ليس لهم قدرة ولا إرادة، وهؤلاء ضلوا. 

فالعباد ليس مجبورين لهم قدرة واختيار وإرادة وكل واحد يعرف من نفسه أنه غير مجبور، ما أحد يجبرك الآن، تذهب وتركب السيارة وتروح وتأكل وتشرب تبيع وتشتري وتصلي وتصوم ما أحد يجبرك على ذلك، لك قدرة واختيار هذا يخالف العقل. 

وكذلك أيضًا الأفعال الله تعالى خلق كل شيء من الصفات والذوات والأفعال، دلت النصوص على هذا وأنه لا يمكن أن يقع في الوجود شيء إلا الله خالقه، وأراده وأوجبه. 

ولا يحتج بالقدر، فالقدر ليس حجة لأحد، لو كان القدر حجة لكن حجة للكفرة وقوم نوح وغيرهم. 

والقدري والجبري الذي يحتج بالقدر الآن متناقض، هو يحتج بالقدر بالنسبة لحقوق ربه، لكن بالنسبة لحظوظه وشهواته ما يقبل، لو جاء إنسان وأخذ ماله وقال: أنا مجبور، هل يقبل؟ ما يقبل يطالب بها، أو اعتدى عليه وقال: قدر عليَّ أنا مجبور، هل يقبل؟ ما يقبل يطالب بحقه يطالب بماله. 

فلماذا تحتج بالقدر في حقوق ربك ولا تحتج بالقدر في حظوظك وشهواتك لو كنت صادقًا؟!. 

إن كان القدر حجة لك في المعاصي فينبغي أن يكون حجة لخصمك إذا اعتدى عليك لا تطالبه وكذلك في إقامة الحدود، ولما جيء بسارق إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: يا أمير المؤمنين مقدر عليَّ قضاء وقدر، قال: الله قدر عليَّ أني أسرق، فقال أمير المؤمنين: ونحن نقطع يدك بالقضاء والقدر أيضًا، مقدر أن أقطع يدك الآن، فقطع يداه وقال: مقدر أيضًا، قدر الله أني أقطع يدك. 

أنت أيها المؤمن مأمور بالتزام بشرع الله بأداء ما أوجب الله عليك، وترك ما حرم الله عليك، أما القدر فليس حجةً لك. 

هدى الله أهل السنة إلى الحق فقالوا: إن الله تعالى خالق كل شيء ومنها أفعال العباد فالله خلقها وأوجدها، وهي من العباد فعلاً وتسببًا وكسبًا ومباشرة. 

(المتن) 

السؤال الحادي عشر: ما هو الشرك وما أقسامه؟

الجواب: الشرك نوعان:  

شركٌ في الربوبية وهو أن يعتقد العبد أن لله شريكًا في خلق بعض المخلوقات أو تدبيرها. 

النوع الثاني: الشرك في العبادة.  

وهو قسمان شركٌ أكبر وشركٌ أصغر:  

فالشرك الأكبر أن يصرف العبد نوعًا من أنواع العبادة لغير الله، كأن يدعو غير الله أو يرجوه أو يخافه، فهذا مخرجٌ من الدين وصاحبه مخلدٌ في النار. 

وأما الشرك الأصغر فالوسائل والطرق المفضية إلى الشرك إذا لم تبلغ رتبة العبادة، كالحلف بغير الله والرياء ونحو ذلك. 

(الشرح) 

هذا السؤال عن الشرك وأقسامه.

الشرك في اللغة: هو القسط والنصيب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: من كان له شرك في عبد، يعني النصيب.

وأما الشرك فهو إشراك تسمية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله هذا من الشرك الأكبر. 

الشرك نوعان:  

شركٌ أكبر. 

وشرك أصغر. 

وينقسم من جهة العبادة والربوبية إلى قسمان:  

شركٌ في الربوبية. 

وشرك في العبادة. 

فالشرك في الربوبية هو أن يعتقد أن لله شريكًا يتصرف في هذا الكون، يخلق بعض المخلوقات أو يدبر مع الله، هذا شرك في الربوبية يعتقد أن مع الله مدبر، أن لله شريك في تدبير هذا الكون أو شريك في الخلق، أو شريك في الملك فهذا شركٌ في الربوبية، وهو شرك مخرج من الملة، إذا اعتقد أن لله شريكاً في الخلق أو شريكاً في التدبير أو شريكاً في الملك أو شريكاً في الربوبية فهذا مخرج من الملة. 

وأما اعتقاد القدرية أن العبد يخلف فعل نفسه هذا نوع من الشرك ولذلك سموا: مجوس هذه الأمة؛ لأنهم وافقوا المجوس في القول بتعدد الخالق، فسموا مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يقولون: بخالق للخير وخالق للشر، والقدرية قالوا: إن العباد خلقوا أفعالهم؛ لشبهة عرضت لهم، فلهذا جاءوا متأولون، فلم يكفرهم العباد وإنما بدعوهم. 

النوع الثاني: شرك في العباد، وهو نوعان:  

شركٌ أكبر مخرج من الملة . 

وشرك أصغر لا يخرج من الملة وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر. 

والشرك الأكبر ضابطه أن يصرف العبد نوعًا من أنواع العبادة لغير الله، ما هي العباد التي تصرف لغير الله؟ العبادة: هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، أو تقول: هي الأوامر والنواهي. 

أمرك الله بالصلاة أوامر: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، نواهي: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، فإذا فعل الإنسان العبادة تعبد لغير الله وصرفها لغير الله كأن يصلي لغير الله، أو يزكي لغير الله، أو يحج لغير الله أو يدعو غير الله، فالصلاة عبادة والزكاة عبادة والحج عبادة والذبح عبادة والدعاء عبادة والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة،وصلة الأرحام عبادة، والإحسان إلى الجار عبادة كف نفسك عن المحرمات عبادة، هذه العبادات إذا صرف واحدة منها لغير الله وقع في الشرك. 

قال المؤلف: (فالشرك الأكبر أن يصرف العبد نوعًا من أنواع العبادة لغير الله، كأن يدعو غير الله أو يرجوه أو يخافه). 

إذا دعاء غير الله كأن يقول: يا رسول الله أغثني فرج كربتي، فقد أشرك، يا ابن علوان يا عيدروس يا بدوي يا حسين يدعوهم من دون الله أو يرجوه، رجاء السر، أو يخافه خوف السر، كأن يخاف من هذا الميت أن يحرمه من دخول الجنة، أو يدخله النار بسره، أو يصل إليه أذى لا بسبب ظاهر، أو يرجوه رجاء السر، يرجوه أن يغفر له ذنبه أو يدخله الجنة، هذا هو الشرك. 

أما من دعا حيًا حاضرًا معه أسباب هذا ما يكون شرك، تقول يا فلان وهو حي أمامك: أقرضني مالًا حتى أسدد ديني أعني في إصلاح سيارتي في إصلاح مزرعتي، هذا حي حاضر أمامه.  

أو تقول: يا فلان أرجوك تعطيني كذا أو تخاف من شيء من ظالم معه سلاح هذا معه سبب ظاهر، فتأخذ حذرك أو تخاف من سبع أو حية أو غرق هذه مع أسبابها الظاهرة، لكن من يخاف من الميت يخاف أن يضره بسره لا بسبب ظاهر، ما في أسباب ظاهرة، يخاف أن يحرمه من دخول الجنة أو يعذبه يدخله النار، أو يقطع رزقه هذا الشرك الأكبر. 

أما الشرك الأصغر فالوسائل المفضية إلى الشرك إذا لم تبلع رتبة العبادة، مثل: الحلف بغير الله، بحياتي والنبي، هذا وسيلة إلى الشرك الأكبر. 

مثل: البناء على القبور وسيلة إلى الشرك الأكبر، مثل الرياء كأن يرائي بعلمه، كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر ولا يبلغ رتبة العبادة، الذنوب التي سماها النبي ﷺ شركًا ولم تصل إلى العبادة. 

ومثل: تعليق التمائم هذا من الشرك الأصغر ومن وسائل الشرك، والتطير، الطيرة من الشرك وهكذا. 

(المتن) 

السؤال الثاني عشر: ما صفة الإيمان بالله على وجه التفصيل؟. 

الجواب: إننا نقر ونعترف بقلوبنا وألسنتنا أن الله واجب الوجود واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد، متفرد بكل كمال ومجدٍ وعظمة وكبرياء وجلال، وأن له غاية الكمال الذي لا يقدر الخلائق أن يحيطوا بشيء من صفاته، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وأنه العلي الأعلى علو الذات وعلو القدر وعلو القهر، وأنه العليم بكل شيء القدير على كل شيء، السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. 

البصير بكل شيء الحكيم في خلقه وشرعه، الحميد في أوصفاه وأفعاله، المجيد في عظمته وكبريائه، الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وعم بجوده وبره ومواهبه كل موجود، المالك الملك لجميع الممالك، فله تعالى صفة الملك والعالم العلوي والسفلي، كلهم مماليك وعبيدٌ لله، وله التصرف المطلق، وهو الحي الذي له الحياة الكاملة المتضمنة لجميع أوصافه الذاتية.  

القيوم الذي قام بنفسه وبغيره وهو متصف بجميع صفات الأفعال، فهو الفعال لما يريد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

ونشهد أنه ربنا الخالق البارئ المصور الذي أوجد الكائنات وأتقن صنعها وأحسن نظامها، وأنه الله الذي لا إله إلا هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه. 

فلا نخضع ولا نذل ولا ننيب ولا نتوجه إلا لله الواحد القهار العزيز الغفار، فإياه نعبد وإياه نستعين وله نرجو ونخشى، نرجو رحمته ونخشى عدله وعذابه لا رب لنا غيره فنسأله وندعوه ولا إله لنا سواه نؤمله ونرجوه، هو مولانا في إصلاح ديننا ودنيانا وهو نعم النصير الدافع عنا جميع السوء والمكاره. 

(الشرح) 

هذا السؤال في صفة الإيمان بالله على وجه التفصيل، المؤلف رحمه الله فصل في الجواب، فقال: الإيمان على وجه الإجمال: الإيمان بالله، يؤمن الإنسان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته، هذا الإيمان بالله على الإجمال. 

يؤمن الإنسان بوجود الله ويؤمن بربوبيته، ألوهيته وأسمائه وصفاته، هذا الإيمان بالله على وجه الإجمال، الإيمان بوجود الله والإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأنه مستحق للعبادة، أما الإيمان على وجه التفصيل فكما ذكر المؤلف رحمه الله. 

فقال: (الجواب- الإيمان بالله على الوجه الصحيح- إننا نقر ونعترف بقلوبنا وألسنتنا أن الله واجب الوجود). 

نقر ونعترف هذا بالقلوب وبالألسن ننطق بالألسن، ننطق بألسنتنا ونقر ونعترف بقلوبنا، فاللسان ينطق والقلب يقر ويعترف بأن الله واجب الوجود لذاته، فوجوده من ذاته لم يوجده أحد وليس له أصل ولا فرع، ليس له ولد ولا والد، لم يتفرع منه شيء ولم يتفرع من شيء، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ

ليس له أصل أب ولا جد يتفرع منه، وليس له فرع ولد تفرع منه كالمخلوق، بل هو واجب الوجود لذاته، هو الأحد الذي لا نظير له، القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره، الذي ليس له ولد ولا والد، وليس له نظير ولا مثيل، ولهذا صارت هذه السورة تعدل ثلث القرآن: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1-4]. هي صفة الرحمن، ولما كان رجلٌ من الصحابة يقرأ بها في كل ركعة وقال: إنه يحبها؛ لأنه صفة الرحمن، قال النبي ﷺ: أخبره أن الله يحبه

نؤمن بأنه واجب الوجود لذاته، وهو الأول الذي لا بداية لأوليته، هو الأول بذاته وأسمائه وصفاته، الذي لا بداية لأوليته، لأن لو كان له بداية لكان مسبوقاً بالعدم، كما أنه الآخر الذي لا نهاية لآخريته؛ لأنه لو كان له آخر للحقه العدم، فهو الأول الذي لا بداية لأوليته وهو الآخر الذي لا نهاية لآخريته، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، هو فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، وهو الباطن الذي لا يحجبه أحدٌ من خلقه، ليس دونه شيء

فنقر ونعترف بقلوبنا وألسنتنا بأن الله واجب الوجود لذاته، فلا بد من الإيمان بهذا بأن الله واجب الوجود لذاته، وأنه هو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد، فلا يحتاج إلى أحد، هو غنيٌ عن العالمين، وهو واحد في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله، فلا شريك له ولا نظير له، ولا مثيل له في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله. 

فرد صمد، الصمد: هو السيد الكامل الذي كمل في سؤدده، وقيل: الذي لا جوف له، الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج إلى أحد، فهو صمد قائمٌ بنفسه مقيم لغيره، متفرد بكل كمال، كل كمال انفرد به الرب ، هو متفرد بكل كمال ومجدٍ وعظمة وكبرياء وجلال. 

كل كمال فالله انفرد به، وكل مجد وتعظيم انفرد الله به، انفرد بالكبرياء وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية: 37]. 

وأن له غاية الكمال الذي لا يقدر الخلق أن يحيطوا بشيء من صفاته، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، هذا التفسير للأول والآخر والظاهر والباطن فسره النبي ﷺ. 

هذه الأسماء الأربعة المتقابلات، اسمان لأوليته وآخريتيه، الأول والآخر، واسمان لأوليته وأزليته وآخريته، واسمان لفوقه وعلوه وعدم حجب شيء من المخلوقات له، فسر النبي  هذه الأسماء الأربعة التي جاءت في الآية الكريمة: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] . فسرها النبي ﷺ في الحديث في حديث الاستفتاح: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء. إذا جاء تفسير النبي ﷺ فلا نتجاوز إلى غيره.

 وأنه العلي الأعلى، له العلو الكامل لجميع أنواع العلو: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر، علو الذات ذاته عليه ، فوق العرش، وله علو القدر والشأن والعظمة، وله علو القهر والسلطان. 

سبق أن أهل البدع وافقوا على نوعين من العلو وهما:  

علو القدر. 

وعلو القهر. 

وأنكروا علو الذات، فقالوا: ليس فوق العرش، بل هو إنما مختلط بالمخلوقات أو يثبتوا عنه النقيضين، يقولون: لا داخل العالم ولا خارج العلم، نعوذ بالله. 

وأنه العليم بكل شيء، هذا من الإيمان بأسمائه وصفاته، أنه العلم بكل شيء، وأنه القدير على كل شيء، وأنه السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. 

فيسمع جميع أصوات الخلائق على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات؛ لأن الله هو الذي خلق وهو الذي أوجدهم وهو الذي علمهم اللغات، من الذي أوجدهم؟ الله، من الذي خلقهم؟ هو الله، من الذي علمهم اللغات؟ هو الله.  أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14] 

وهو البصير بكل شيء وهو الحكيم في خلقه وشرعه، ما يخلق إلا لحكمة ولا يشرع إلا لحكمة ولا يأمر إلا لحكمة ولا ينهى إلا لحكمة، وهو الحميد في أوصافه وأفعاله، محمود على أوصافه وعلى أفعاله. 

المجيد في عظمته وكبريائه، له الأوصاف العظيمة، الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وعم بجوده وبره ومواهبه كل موجود، حتى العصاة دخلوا في ذلك، فمن رحمة الله لهم أنه أمهلهم والكفرة أمهلهم، ورزقهم وأعطاهم المال والولد، ومن أصناف النعم وهو يعصونه ويكفرون به ومع ذلك أمهلهم

فهو الحليم الذي لا يعجل، فهؤلاء الكفرة الآن أعطاهم الله من الصناعات وألهمهم الاختراعات وهم يشركون بالله ويكفرون به، لكنه يمهل ولا يهمل

 المالك الملك، من أسمائه المالك ومن أسمائه الملك، المالك اسم والملك اسم آخر، المالك لجميع الممالك، فله تعالى صفة الملك والعالم العلوي والسفلي، كلهم مماليك وعبيدٌ لله، وله التصرف المطلق، العالم العلوي السموات والكرسي والعرش، والعالم السفلي الأرض وما فيها، طبقات الأرض، فالعالم العلوي والعالم السفلي كلهم ممالك وعبيد الله فله التصرف المطلق. 

وهو الحي الذي له الحياة الكاملة المتضمنة لجميع أوصافه الذاتية، حياة الله كاملة لا يلحقه نوم لا موت ولا فساد بخلاف المخلوق فإن حياته ناقصة يلحقها النوم والنعاس والموت والفساد.  

وهو القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره، كما قال سبحانه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 111]. في ثلاث مواضع في كتابه في آية الكرسي في أول سورة آل عمران اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 2]. وفي سورة البقرة: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255] . حتى قيل: إن هذا اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.

 وهو متصف بجميع صفات الأفعال، وهو متصف بالصفات الذاتية والفعلية، فهو الفعال لما يريد، الرب فعال لما يريد، والفعل كمال، ولا يعطل الرب من صفات الكمال، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.  

قال المؤلف: (ونشهد أنه ربنا الخالق البارئ المصور الذي أوجد الكائنات وأتقن صنعها وأحسن نظامها). 

هو من أسمائه المصور الذي طبع هؤلاء الآدميون صورهم كل واحد له صورة مستقلة، ما تجد اثنين إلا يختلفان، ملايين البشر، ما تجد اثنين يشتبهان بحيث لا تميز أحدهم عن الآخر، فهو المصور وهذا من رحمة الله بعباده، لو كان هناك اشتباه شديد ما عرف الإنسان أقاربه من غيره، ما عرف ابنه من أبيه من أخيه، ما عرف زوجته من أمه ولا يفرق بينهم. لكن الله طبعهم على صور هو المصور وتجد كما قال العلماء: سرب القطا في البر سرب كامل متشابه ما تفرق بينهما، متشابهة في اللون والخلق والوصف والحجم، لكن الآدميين لا يمكن أن يكون هناك اشتباه بحيث لا يميز أحدهما عن الآخر. تجد التوأمان أحيانًا متشابهان عند من يراهم أول مرة لا يفرق بينهما، لكن بعد فترة تفرق وأهله وأقاربه ومن حوله وجيرانه يفرقون بينهم. 

(فنشهد أنه ربنا الخالق البارئ المصور الذي أوجد الكائنات وأتقن صنعها وأحسن نظامها، وأنه الله الذي لا إله إلا هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه). 

وأما غيره فإنه معبود بالباطل كما قال تعالى:  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج: 62]. 

قال المؤلف: (فلا نخضع ولا نذل ولا ننيب ولا نتوجه إلا إلى الله الواحد القهار العزيز الغفار، فإياه نعبد وإياه نستعين وله نرجو ونخشى). 

هذا هو التوحيد أن يكون الخضوع لله، والذل والإنابة والتوجه إلى الله، تخصيصه بالعبادة والاستعانة سبحانه. 

قال: (نرجو رحمته ونخشى عدله وعذابه) هكذا المؤمن يعبد الله بالخوف والرجاء، يرجو لكن هذا الرجاء لا يحمله على الاسترسال في المعاصي، هذا الرجاء لا يحمل على التمادي بحيث يأمن مكر الله، ويفعل المعاصي؛ لأنه يخافه، وهذا الخوف لا يصل إلى درجة القنوط واليأس لأنه يرجوه. 

فهو يخاف لكن لا ييأس لأنه يرجوه، ويرجو لكن لا يصرف في المعاصي لأنه يخافه، يعبد الله بالخوف والرجاء، لهذا قال المؤلف: (نرجو رحمته ونخشى عدله وعذابه) فإذا عذب فمن عذبه الله فبعدله وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46]. 

 ومن أثابه فبرحمته (لا رب لنا غيره فنسأله وندعوه ولا إله لنا سواه نؤمله ونرجوه)، ليس لنا رب غيره حتى نسأله فلا نسأل إلا الله ولا ندعو إلى الله، ولا معبود لنا سواه حتى نؤمله، فلا نؤمل إلا من الله ولا نرجو إلا من الله. 

(هو مولانا في إصلاح ديننا ودنيانا وهو نعم النصير) بعباده المؤمنين هو الدافع عنا جميع السوء والمكاره. 

(المتن) 

السؤال الثالث عشر: ما صفة الإيمان بالأنبياء على وجه التفصيل؟

الجواب: علينا أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل الذين ثبتت نبوتهم ورسالتهم على وجه الإجمال والتفصيل، ونعتقد أن الله تعالى اختصهم بوحيه وإرساله، وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ دينه وشرعه، وأيدهم بالآيات الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به، وأنهم أكمل الخلق علمًا وعملاً وأصدقهم وأبرهم أكملهم أخلاقًا وأعمالًا، وأن الله خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، وبرأهم من كل خلقٍ رذيل، وأنهم معصومون في كل ما يبلغونه عن الله، وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب، وأنه يجب الإيمان بهم كلهم وبكل ما أوتوه من الله، ومحبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم. 

ونؤمن أن هذه الأمور واجبةٌ علينا لنبينا محمد ﷺ على أكمل الوجوه وأعلاها، وأنه يجب معرفته ومعرفة ما جاء به من الشرع جملةً وتفصيلاً بحسب الاستطاعة، والإيمان بذلك والتزامه والتزام طاعته في كل شيء بتصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه. 

وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده قد نسخت شريعته جميع الشرائع وهي باقيةٌ إلى قيام الساعة، ولا يتم الإيمان به حتى يعلم العبد أن جميع ما جاء به حق، وأنه يستحيل أن يقوم دليلٌ عقليٌ وحسيٌ أو غيرهما على خلاف ما جاء به، بل العقل الصحيح والأمور الحسية الواقعة تشهد للرسول ﷺ بالصدق والحق. 

(الشرح) 

هذا السؤال في صفة الإيمان بالأنبياء على وجه التفصيل، سبق الإيمان بالله على وجه التفصيل وهذا السؤال في صفة الإيمان بالأنبياء على وجه التفصيل. 

الإيمان بالأنبياء يكون إجمالًا ويكون مفصلاً.

يكون مجملاً بأن نؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلاً وبعث أنبياء إلى الناس لهدايتهم وتبليغهم شرع الله ودينه وإنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وأن ما جاءوا به حق وهدى وخير وصلاح، وأن الله أرسلهم لقطع المعذرة عن الناس لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165]. 

وأن الأنبياء بلغوا ما أمرهم الله به إلى أممهم، وأنه قامت الحجة على العباد وأن الله أعطاهم من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، هذا الإيمان بالأنبياء إجمالًا، نؤمن بكل نبي بعثه الله وكل نبي سمي في النصوص يجب الإيمان به بعينه، أما الإيمان بالتفصيل فهو كما ذكر المؤلف رحمه الله.  

صفة الإيمان بالإنبياء على وجه التفصيل. فقال: (الجواب: علينا أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل الذين ثبتت نبوتهم ورسالتهم على وجه الإجمال والتفصيل). 

فما سمي في الكتاب والسنة نؤمن به بعينه، سمي في القرآن خمساً وعشرين في سورة النساء وفي سورة الأنعام، قال تعالى في سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۝ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 163، 164]. وفي سورة الأنعام قال الله تعالى:  وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ۝ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام: 83 - 86]. ويضاف إليهم هود وصالح ونبينا محمد ﷺ وإذا حذفت المكرر تجد العدد خمساً وعشرين، نؤمن بأعيانهم ونؤمن بأن الله تعالى أرسل الرسل وبعث أنبياء كثيرين لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله. 

ومن الإيمان بالتفصيل أن نعتقد أن الله تعالى اختصهم بوحيه وإرساله، وأن الله تعالى اجتباهم واصطفاهم وأن النبوة هبة من الله واجتباه واصطفاء، ليست كما يقول الفلاسفة وأعداء الله أنها حرفة من الحرف وأنها صنعة من الصناعات وأنها تكتسب بالمران والخبرة، وأن من كانت عنده صفة الإدراك عنده قوة الإدراك وقوة التخيل وقوة التخييل أنه يمكن أن يحصل على النبوة، هذا كلام الفلاسفة من أبطل الباطل، فالنبوة والرسالة اصطفاء من الله اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124]. 

فالله اختصه بوحيه وإرساله وجعلهم وسائط بينهم وبين خلقه لتبليغ دينه وشرعه، هم الذين يبلغون الخلق شرع الله ودينه. 

وأيدهم بالآيات الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به، أيدهم بالأدلة والبراهين الحسية أعطى الله موسى اليد العصا وبقية التسع الآيات عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، أعطى الله لصالح الناقة وهكذا، ونبينا ﷺ له معجزات كثيرة أعظمها هذا القرآن، قال: ما من نبي بعثه الله إلا أتاه الله من الآيات ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا من الله؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا، فهذا القرآن هو المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة هي الباقية. فالأنبياء السابقون تنتهي المعجزات بموتهم لكن القرآن باقي إلى يوم القيامة.

والله تعالى أعطى نبيه المعجزات الكثيرة من تكثير الماء وتكثير الطعام، معجزات كثيرة حسية لا حصر لها. 

ومن الإيمان التفصيلي: أن نؤمن أن الأنبياء أكمل الخلق علمًا وعملاً وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه إليهم؛ لأنهم قدوة للناس، فهم أكمل الناس علماً وأكمل الناس عملاً وأصدق الناس وأبر الناس وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا.  

(وأن الله خلصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد)، وبرأهم من كل خلقٍ رذيل، حتى في النسب الأنبياء تبعث بأحسابها وأنسابها، ما يكون مغموز في نسبه، الأنبياء لهم حسب ونسب.  

(وأنهم معصومون في كل ما يبلغونه عن الله)، معصومون الأنبياء في كل ما يبلغون عن الله، فلا يمكن أن يبلغ خطأ، كما أنه معصوم من الشرك ومعصوم من الكبائر، لكن الصغائر قد تقع منهم، قال الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح/2] . قال عن الأبوين: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف: 23] . وقال عن موسى قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي [النمل: 44]:. وقال عن داود: وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص: 24] . فهم معصومون الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله، لا يمكن أن يبلغون خطأ، ومعصومون عن الشرك ومعصومون عن الكبائر. 

(وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب)، يعني: أخبارهم وما يبلغون عن الله لا تكون إلا حقًا وصوابًا.  

(وأنه يجب الإيمان بهم كلهم وبكل ما أوتوه من الله)، نعم هذا واجب الإيمان بهم كلهم، فمن آمن بالبعض ولا يؤمن بالبعض فهو كافر بالجميع؛ لأن الرسل متضامنون، فالمتقدم بشر بالمتأخر والمتأخر صدق المتقدم، فمن كفر بالواحد فقد كفر بالجميع، قال الله تعالى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105]:. وهم ما جاءهم إلى نوح، فجعل الله تكذيبهم لنوح تكذيب لجميع المرسل كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123]  .وهم كذبوا هود. كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 141]. وهم كذبوا صالحاً.  كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 160].وهم كذبوا نبينهم. 

فتكذيب الواحد تكذيب للجميع، وأنه يجب الإيمان بهم كلهم وبكل ما أوتوه من الله.  

(ومحبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم)، يجب محبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم. 

(ونؤمن أن هذه الأمور واجبةٌ علينا لنبينا محمد ﷺ على أكمل الوجوه وأعلاها)، يعني: هذه الأمة يجب عليها الإيمان بنبيها، ومحبته وتوقيره وتعظيمه على أكمل والوجوه وأعلاها. 

(وأنه يجب معرفته ومعرفة ما جاء به من الشرع)، يجب معرفة النبي ﷺ وأنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، ومعرفة ما جاء به من الشرع (جملةً وتفصيلاً بحسب الاستطاعة)، بخلاف الأنبياء السابقين يكفي الإيمان بهم إجمالًا ولا يجب العمل بشريعتهم. 

أما نبينا ﷺ فيجب الإيمان بشريعته جملةً وتفصيلاً العمل بها بحسب الاستطاعة والإيمان بذلك والتزامه والتزام طاعته في كل شيء بتصديق خبره وتنفيذ أمره واجتناب نهيه، فالأخبار تصدق والأمور تنفذ سواء كان أمر فعل: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وأمر ترك: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا.

والإيمان بأنه خاتم النبيين لا نبي بعده، فمن قال: إن بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين، قد نسخت شريعته جميع الشرائع وهي باقيةٌ إلى قيام الساعة.

ولا يتم الإيمان بالنبي ﷺ به حتى يعلم العبد أن جميع ما جاء به حق، وإلا فلا يكون مؤمناً حتى يعتقد ويعلم ويتقن أن ما جاء به النبي ﷺ حق وأنه يستحيل أنه يقوم دليل عقلي وحسي أو غيرهم على خلاف ما جاء به، يستحيل أن يقوم يخالف ما جاء به، يستحيل أن يقوم دليل يخالف ما جاء به النبي ﷺ.  

بل العقل الصحيح والأمور الحسية الواقعة تشهد للرسول ﷺ بالصدق والحق. 

العقول السليمة الصحيحة والواقع والحس يشهد للنبي ﷺ بالصدق والحق. 

(المتن) 

السؤال الرابع عشر: كم مراتب الإيمان بالقضاء والقدر وما هي؟ 

الجواب: مراتب ذلك أربعةٌ لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها:  

الأولى: الإيمان بأن الله بكل شيء عليم، وأن علمه محيط بالحوادث دقيقها وجليلها. 

الثانية: أنه كتب ذلك باللوح المحفوظ. 

الثالث: وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. 

الرابعة: وأنه مع ذلك مكن العبادة من أفعالهم، فيفعلونها اختيارًا منهم بمشيئتهم وقدرتهم، كما قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج: 70] . 

وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28، 29]. 

(الشرح) 

نعم هذا السؤال عن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر.

الإيمان بالقدر أصلٌ من أصول الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، من لم يؤمن بقضاء الله وقدره فليس بمؤمن، ثبت في الحديث الصحيح أن جبرائيل لما سأل النبي ﷺ عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّين [البقرة: 177] . وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49] . 

فهذه الأصول الستة الإيمان بالله ثم الإيمان بالملائكة ثم الإيمان بالكتب المنزلة، ثم الإيمان بالرسل ثم الإيمان باليوم الآخر ثم الإيمان بالقدر خيره وشره، هذه أصول جاءت بها الشرائع نزلت بها الكتب وأجمع عليها المسلمون ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وكان من الكافرين. 

فمن لم يؤمن بالقدر هو كافر لم يؤمن بالله.

ومراتب الإيمان بالقدر أربعة لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها. 

من لم يؤمن بهذه المراتب الأربعة فإنه لا يكون مؤمنًا بالقدر:  

المرتبة الأولى: العلم. 

المرتبة الثانية: الكتابة. 

المرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة. 

المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد. 

هذه مراتب الإيمان بالقدر، العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.

عِلْمٌ كِتابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ وَخَلْقُهُ وَهْوَ إِيجَادٌ وَتَكْوِينُ

العلم هو أن تؤمن بأن الله علم الأشياء في الأزل، يعني في الماضي الذي لا بداية لأوليتها، علم الأشياء في الأزل وعلم ما يكون علم الأشياء الحاضرة ويعلم الأشياء المستقبلة، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، هذه مرتبة الإيمان بالعلم تعلم بأن الله علم الأشياء في الأزل، وأنه لا بداية لذلك. 

ويعلم الأشياء الحاضرة ويعلم الأشياء المستقبلة، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، مثال ذلك: أن الكفار سألوا الرجوع إلى الدنيا، قالوا: فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قال الله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 28] . هذا علم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون، ما يردوا، لكن لو ردوا ماذا يحصل؟ علم الله ماذا يحصل وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 28] . 

قال الله تعالى أيضًا عن الكفار: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23] . 

ولما تخلف المنافقون عن غزوة تبوك بيّن الله تعالى ما يحصل لو خرجوا وهم ما خرجوا، فقال سبحانه: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46] . لو خرجوا فيكم حصل مفاسد ما هي هذه المفاسد؟ عددها قال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47] . ولهذا ثبطهم الله وقال: وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46] . لو خرجوا علم الله ماذا يحصل، هم ما خرجوا لكن هذا من علم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون. 

المرتبة الثانية: الكتابة، الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، ما هي الأشياء التي كتبها؟ كل شيء، كتب الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون والسعادة والشقاوة والفقر والغنى، والعز والذل حتى العجز والكيس، كل شيء مكتوب، الدليل على هاتين المرتبتين، ومتى كانت الكتابة؟ كانت كتابة المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. 

قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج: 70] . هو اللوح المحفوظ. وقال سبحانه : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22]. وقال سبحانه: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12] . وهو الكتاب المحفوظ. وقال عليه الصلاة والسلام: وكتب في الذكر كل شيء، والذكر هو اللوح المحفوظ. وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] . وقال عليه الصلاة والسلام: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء. وقال عليه الصلاة والسلام: أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: يا رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. وفي لفظ: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة

المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة، وهو الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود أراد الله وجوده؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريده لحكمة بالغة، كل شيء وقع في هذا الوجود سبقت إرادة الله ومشيئته. 

المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود خلقه الله وأوجده، كما قال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2]. 

هذه المراتب مراتب الإيمان بالقدر أربعة.

والقدرية طائفتان:  

القدرية الأولى: أنكروا العلم والكتابة، أنكروا المرتبة الأولى والثانية التي ظهرت في عصر الصحابة، وقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع كفرهم الصحابة، وقال العلماء: إنهم خارجون عن الاثنين والسبعين فرقة لكفرهم ولضلالهم؛ لأنهم قالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع فنسبوا الله إلى الجهل. 

والطائفة الثانية: آمنوا بالمرتبتين الأوليين، ولكن لم يؤمنوا بعموم الإرادة وعموم الخلق والإيجاد، لشبهة عرضت لهم، فقالوا: إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد ما خلقها، وأن الله أراد كل شيء إلا أفعال العباد للشبهة، فهؤلاء مبتدعة. 

قال المؤلف رحمه الله: (كم مراتب الإيمان بالقضاء والقدر وما هي؟ الجواب: مراتب ذلك أربعةٌ لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها: الأولى: الإيمان بأن الله بكل شيء عليم). 

هذه مرتبة العلم الإيمان بأن الله بكل شيء عليم (وأن علمه محيط بالحوادث دقيقها وجليلها). 

خلافًا لأعداء الله من الفلاسفة الذين يقولون: إن الله لا يعلم الأشياء، إن الله يعلم إجمالًا ولا يعلم تفصيلاً، فيقولون: إن الله يعلم لكن لا يعلم عدد النجوم ولا عدد الكواكب ولا كذا؛ لأن هذه الزيادة لو علمها لكان كاملًا بها لا بنفسه، وهذا من كفرهم وضلالهم. 

(الثانية: أنه كتب ذلك باللوح المحفوظ)،يعني كتب كل شيء في اللوح المحفوظ. 

(الثالث: وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)، يعني: تؤمن بأن الله له المشيئة والقدرة، كل شيء وقع في هذا الوجود سبقته مشيئة الله وإرادته، لا يقع في ملك الله ما لا يريد، بخلاف القدرية الذين يقولون: إن أفعال العباد لم يخلقها. 

(الرابعة: وأنه مع ذلك مكن العبادة من أفعالهم، فيفعلونها اختيارًا منهم بمشيئتهم وقدرتهم)، نعم المرتبة الرابعة الخلق الإيجاد.  

المؤلف قال: (الرابعة: وأنه مع ذلك مكن العبادة من أفعالهم)، المرتبة الرابعة الخلق والإيجاد، أن الذي خلقها وأوجدها الله، ومكن العباد من أفعالهم فيفعلونها اختيارًا، الله تعالى هو الذي خلق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد. 

الله خالق كل شيء وخالق أفعال العباد ومع ذلك مكن العباد من أفعالهم فيفعلون اختيارًا منهم بمشيئتهم وقدرتهم.  

ثم ذكر المؤلف الدليل، قال: كما قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: 70]. الآية في إثبات مرتبتي العلم والكتابة. 

وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28، 29]. هذا فيه إثبات المشيئة وهي المرتبة الثالثة وفيه أن إثبات المشيئة للعبد، وأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28، 29].فأثبت للعباد مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله.

في الآية الأخرى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان: 30] . 

نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد