ِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر الخبر الدال على إباحة إظهار المرء بعض ما يحسن من العلم، إذا صحت نيته في إظهاره
111 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله أخبره، أن ابن عباس كان يحدث، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، وإذا الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلاً، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت والله لتدعني فلأعبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عبر»، قال أبو بكر: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل، فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فالحق الذي أنت عليه، أخذته فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا»، قال: والله يا رسول الله، لتخبرني بالذي أخطأت، قال: «لا تقسم».
(الشرح)
قوله: (ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به), وَهُوَ أبو بكر.
قوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به), وَهُوَ عمر.
قوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به), وَهُوَ عثمان حينما قتل قتله الثوار.
هَذِهِ من الأشياء الَّتِي فِيهَا كشف المستقبل, منامات وَهِيَ أحاديث كثيرة.
وَهَذَا أخرجه البخاري في صحيحه وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أن الإنسان الَّذِي يعبر الرؤيا لَيْسَ كُلُّ رؤيا كلما عبرت وقعت, وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى ضعف الحديث «الرؤيا عَلَى جناح طائر فَإِن عبرت وقعت», هَذَا ضعيف, يرده هَذَا الحديث, قَالَ: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا»، فلو كانت الرؤيا كُلُّ ما عبرت وقعت ما أخطأ.
إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم وَهُوَ في صحيحه, وأخرجه البخاري في التعبير, البخاري فِيهِ قصة السمن ينطق وكذا, وَأَمَّا مسألة تعلق بِهِ رجل ما أظن في البخاري هَذَا, زيادة ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع بِهِ, هَذَا في حديث آخر.
قال الحافظ ابن حجر: قال ابن التين: فيه أن الأمر بإبرار القسم خاص بما يجوز الاطلاع عليه، ومن ثم لم يبر قسم أبي بكر، لكونه سأل ما لا يجوز الاطلاع عليه لكل أحد. قلت: فيحتمل أن يكون منعه ذلك لما سأله جهاراً، وأن يكون أعلمه بذلك سرًا "الفتح" 1/ 437.
إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في "صحيحه" "2269" في الرؤيا.
(المتن)
ذكر الحكم فيمن دعا إلى هدى أو ضلالة، فاتبع عليه
112 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا يحيى بن أيوب المقابري، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شَيْئًا».
(الشرح)
رواه مسلم في الصحيح وَفِيهِ فضل من دعا إِلَى الخير, وأن من دعا إِلَى الخير فله مثل أجور أتباعه, ينبغي للمسلم أن يعتني بها, وَفِيهِ إثم من دعا إِلَى ضلالة؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أوزار من تبعه, كما قَالَ الله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُون}[النحل/25].
(المتن)
ذكر البيان بأن على العالم أن لا يقنط عباد الله عن رحمة الله
113 - سمعت أبا خليفة، يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم، يقول: سمعت الربيع بن مسلم، يقول: سمعت محمدا، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرًا»، فأتاه جبريل، فقال: إن الله يقول لك: لم تقنط عبادي؟ قال: فرجع إليهم فقال: «سددوا، وقاربوا، وأبشروا».
(الشرح)
إسناده صحيح على شرط مسلم. محمد: هو ابن زياد القرشي الجمحي مولاهم، أبو الحارث المدني. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد" "254" عن موسى بن إسماعيل، عن الربيع بن مسلم، بهذا الإسناد.
الآية الكريمة {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّون}[الحجر/56].
{يَابَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}[يوسف/87].
ما ينبغي للإنسان أن يقنط وييئس, لا يقنط بَلْ هِيَ كبيرة من الكبائر القنوط, وَقَدْ يؤدي إِلَى الكفر القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله.
واليائس متشائم مسيء الظن بالله عز وجل, يرى أَنَّهُ هالك, وفي ضمن ذَلِكَ إنكاره للتوبة, يرى أَنَّهُ هالك وأن التوبة لا تفيده.
قوله: «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا», في البخاري في الأيمان والنذور.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: «سددوا» يريد به: كونوا مسددين، والتسديد: لزوم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته.
وقوله: «وقاربوا» يريد به: لا تحملوا على الأنفس من التشديد ما لا تطيقون، وأبشروا، فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد، وقاربتم في الأعمال.
(الشرح)
المسدد يَعْنِي حاولوا أن تصلوا إِلَى الصواب والسداد, فَإِن تقدروا فقاربوا الصواب, سددوا وقاربوا.
(المتن)
ذكر إباحة تأليف العالم كتب الله جل وعلا
114 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن زيد بن ثابت، قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع».
(الشرح)
التوراة والإنجيل مضى عَلَيْهِمْ التحريف, لعله كتاب الله الأقرب كتاب الله.
(المتن)
ذكر الحث على تعليم كتاب الله، وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام
115 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حبان، أنبأنا عبد الله، عن موسى بن علي بن رباح، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين يأخذهما في غير إثم، ولا قطيعة رحم؟ »، قالوا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من عدادهن من الإبل».
(الشرح)
وَهَذَا أخرجه مسلم في صحيحه, يَعْنِي «لِأَنَّ يغدوا أحدكم إِلَى بطحان», وادي في المدينة, «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين يأخذهما في غير إثم، ولا قطيعة رحم؟, قالوا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من عدادهن من الإبل».
أخرجه مسلم وأبي داود.
(المتن)
قال أبو حاتم: هذا الخبر أضمر فيه كلمة وهي: لو تصدق بها، يريد بقوله: فيتعلم آيتين من كتاب الله خير من ناقتين وثلاث لو تصدق بها، لأن فضل تعلم آيتين من كتاب الله أكبر من فضل ناقتين، وثلاث وعدادهن من الإبل لو تصدق بها، إذ محال أن يشبه من تعلم آيتين من كتاب الله في الأجر بمن نال بعض حطام الدنيا، فصح بما وصفت صحة ما ذكرت.
(الشرح)
هَذَا فِيهِ نظر هَذَا خلاف ظاهر الحديث «خير له من ناقتين يتصدق بهما», إِذَا تصدق صار من عمل الآخرة.
قوله: «يأخذهما في غير إثم، ولا قطيعة رحم؟», يَعْنِي تملكهما في الدنيا؛ لِأَنَّ هَذَا يرغب النَّاس فِيهِ, مثل الآن تذهب وتحصل عَلَى سيارتين, يَعْنِي لِأَنَّ تغدوا إِلَى المسجد وتتعلم آيتين خير لك من أن تحصل عَلَى سيارة, وثلاث خير من ثلاث, الحاكم رحمه الله له تأويلات لكن هَذَا الفروع سيأتي إِلَى التأويلات في الأصول في العقيدة, في الاعتقاد عنده خلل رحمه الله, سيأتي التنبيه عَلَيْهِ.
«خير لك من حمر النعم», يَعْنِي خير ما تتصدق بِهِ, خيرٌ لكن من أن تحصل عَلَى الإبل الَّتِي هِيَ الحمر الَّتِي أنفس أموال العرب, والأقرب أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضمار.
(المتن)
116 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شافعًا لأصحابه، وعليكم بالزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو فرقان من طير تحاجان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة».
(الشرح)
قوله: (البطلة), السحرة, «اقرؤوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يأتي شفيعًا يَوْم الْقِيَامَة لأصحابه», هَذَا أخرجه مسلم في صحيحه, وما بعده أخرجه الشيخان؛ لِأَنَّ الحديث جمع من أحاديث بعضها رواها مسلم وبعضها رواها الشيخان.
حديث صحيح رجاله ثقات، رجاله رجال مسلم، ويحيى بن أبي كثير - وإن رواه بالعنعنة - توبع عليه. وأخرجه الطبراني "7542" عن علي بن عبد العزيز، عن مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد, وأخرجه مسلم "804" في صلاة المسافرين: باب فضل قراءة الْقُرْآن.
(المتن)
ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله جل وعلا، واتباع ما فيه عند وقوع الفتن خاصة
117 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الصامت، عن حذيفة، قال: قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟، قال: «يا حذيفة عليك بكتاب الله فتعلمه، واتبع ما فيه خيرًا لك».
(الشرح)
حديث حذيفة الطويل الَّذِي رواه البخاري غير هَذَا.
إسناده صحيح على شرط الشيخين، سوى عبد الله بن الصامت؛ فإنه من رجال مسلم، وأخرجه أحمد 5/406 عن عبد الصمد، عن حماد، عن علي بز زيد، عن اليشكري، عن حذيفة. وعلي بن زيد بن جدعان: ضعيف. وأخرجه مطولاً أحمد 5/386، وأبو داود " 4246" في الفتن, وأخرجه النسائي في فضائل الْقُرْآن.
فِيهِ تعلم كتاب الله عِنْد الفتن والرجوع إِلَى كتاب الله والعمل بِهِ عِنْد الفتن؛ لِأَنَّ كتاب الله هُوَ المخرج من الفتن, العلم يضيء للإنسان طريقه, ماذا يعمل إِذَا تلاطمت الفتن وأمواجها؟ ومن ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كثرت الفتن وخاف الإنسان عَلَى نفسه في آخر الزمان ونزع الخير من المدن فَإِنَّهُ يذهب إِلَى الصحراء فيتعبد الله يفر بدينه من الفتن, أَمَّا إِذَا كانت المدن فِيهَا خير وَفِيهَا صلوات ومساجد, وهناك من يقبل النصيحة فلا يخرج إِلَى الصحراء.
(المتن)
ذكر البيان بأن من خير الناس من تعلم القرآن وعلمه
118 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني، أخبرنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
(الشرح)
هَذَا رواه البخاري في الصحيح, وَفِيهِ أن أهل الْقُرْآن هم خير النَّاس المتعلمون والمعلمون, الَّذِينَ يتعلمون الْقُرْآن وَالَّذِينَ يعلمون خير النَّاس, والمراد يَعْنِي من تعلم وعمل بما فِيهِ هم خير النَّاس, الأفضلية إِنَّمَا تحصل بالعلم والعمل, أَمَّا من تعلم وَلَمْ يعمل بما فِيهِ أو علم وَهُوَ لا يعمل بما فِيهِ هَذَا لَيْسَ من خير النَّاس؛ لِأَنَّهُ ما عمل بكتاب الله, قامت عَلَيْهِ الحجة, فَهُوَ من شر النَّاس, فيكن من المغضوب عَلَيْهِمْ؛ الَّذِينَ يعلمون ولا يعملون نسأل الله العافية.
المغضوب عَلَيْهِمْ هم الَّذِينَ يعلمون ولا يعملون نعوذ بالله, المراد المتعلمين والمعلمين الَّذِينَ يعملون بالْقُرْآن, الْقُرْآن له أهله وخاصته.
في صحيح مسلم عَنْ النواس بن سمعان أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يؤتى بالْقُرْآن وأهله الَّذِينَ كَانُوا يعملون بِهِ تقدمهم سورة البقرة وآل عمران تحاجان عَنْ صاحبهما», يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة, فلابد من العمل.
قَالَ أبو عبد الرحمن: فهذا الَّذِي أقعدني هَذَا المقعد, أبو عبد الرحمن السلمي, أقعده هَذَا المقعد جلس يدرس الْقُرْآن أربعين سنة؛ لما بلغه هَذَا الحديث, صار يدرس يعلم الْقُرْآن أربعين سنة.
(المتن)
ذكر الأمر باقتناء القرآن مع تعليمه
119 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن حباب، عن موسى بن علي، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت عقبة بن عامر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا القرآن واقتنوه، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من المخاض في العقل».
(الشرح)
قوله: (تفصيًا من المخاض), يَعْنِي الإبل, ويقال: موسى بن عُلي ويقال: موسى بن عَلي, أظنه كَانَ يغضب من(..).
وفي الحديث الآخر: «تعاهدوا هَذَا الْقُرْآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا أو تفصيًا من الإبل في عقلها». وهنا في زيادة «واقتنوه».
إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في المصنف 10/477 لابن أبي شيبة. وأخرجه أحمد 4/146، والدارمي 2/439، والنسائي في "فضائل القرآن" "59".
لاشك أن الإنسان إِذَا اقتنى المصحف خير عظيم وسيلة للقراءة والحفظ والاستفادة والتدبر.
(المتن)
ذكر الزجر عن أن لا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله جل وعلا
120 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا يزيد بن موهب، قال: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس منا من لم يتغن بالْقُرْآن».
(الشرح)
واختلف في معنى يتغنى بالْقُرْآن, قِيلَ: يتغنى يحسن صوته, وَقِيلَ: يتغنى يَعْنِي يستغني بِهِ, فسرها سفيان عَلَى أَنَّهُ يتغنى أيْ يستغني بِهِ.
تفسير التغني الوارد في الحديث بمعنى الاستغناء, وما ذَهَبَ إليه سفيان بن عيينة كما نقل عنه ذَلِكَ البخاري عقب الحديث في فضائل الْقُرْآن, وَهَذَا مشهور عَنْ سفييان بن عيينة, فسر تغنى بِهِ يَعْنِي يستغني بِهِ, وفسره غير معنى يتغنى أيْ يحسن صوته ويجهر بِهِ.
(المتن)
قال أبو حاتم: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا» في هذه الأخبار يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل، لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا.
(الشرح)
هَذَا تأويل ينبغي ألا يفسر هكذا, هَذَا من باب الوعيد, من لَيْسَ عنده علم يترك ما يسفر, يكون هَذَا للزجر.
ثم قال الحافظ: وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء، فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت وقال الحافظ: ويؤيده رواية عبد الرزاق عن معمر: «ما أذن لنبي حسن الصوت».
ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيه حسن الصوت يغتنى بالْقُرْآن يجهر بِهِ», مشهور عَنْ سفيان بن عيينة قَالَ: يتغنى يستغني بِهِ, لو كَانَ معناه يستغني لقال: لَيْسَ مِنَّا من لَمْ يستغن, الأقرب هُوَ ما ذَهَبَ غليه الجمهور وَهُوَ أن معناه يتغنى يَعْنِي يحسن صوته, وَإِلَّا هَذَا في اللفظ الآخر «لَيْسَ مِنَّا من لَمْ يتغن بالْقُرْآن», يجهر بِهِ, وفي اللفظ الآخر: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيه حسن الصوت يغتنى بالْقُرْآن يجهر بِهِ», هَذَا يفسر الْأَمْرِ.
الجمهور عَلَى أن معنى يتغنى يَعْنِي حسن الصوت, وَأَمَّا سفيان بن عيينة يتغنى بِهِ يَعْنِي يستغني بِهِ, هَذَا قول فِيهِ بَعْد, والأقرب قول الجمهور, يتغنى يَعْنِي يحسن صوته.
- واختلفوا عَلَى معنى يتغنى عَلَى أربعة أقوال:
أحدهما: تحسين الصوت.
الثاني: الاستغناء.
والثالث: التحزن قاله الشافعي.
والرابع: التشاغل بِهِ, يَقُولُ العرب: تغنى بالمكان أقام بِهِ.
والمشهور القولين الأولين, وَهَذَا قول ابن حجر في الفتح.
(المتن)
ذكر وصف من أعطي القرآن والإيمان، أو أعطي أحدهما دون الآخر
121 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عوفًا، يقول: سمعت قسامة هو ابن زهير، يحدث، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مثل من أعطي القرآن والإيمان كمثل أترجة طيب الطعم، طيب الريح، ومثل من لم يعط القرآن، ولم يعط الإيمان كمثل الحنظلة مرة الطعم، لا ريح لها، ومثل من أعطي الإيمان، ولم يعط القرآن كمثل التمرة طيبة الطعم، ولا ريح لها، ومثل من أعطي القرآن ولم يعط الإيمان، كمثل الريحانة مرة الطعم، طيبة الريح».
(الشرح)
هَذَا رواه الشيخان عَنْ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, ذكر ترتيب غير الترتيب هَذَا «مثل الْمُؤْمِن الَّذِي يقرأ الْقُرْآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب, ومثل الْمُؤْمِن الَّذِي لا يقرأ الْقُرْآن مثل التمرة لا ريح لها وطمعها حلو, ومثل المنافق الَّذِي يقرأ الْقُرْآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر, ومثل المنافق الَّذِي لا يقرأ الْقُرْآن مثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر».
الْمُؤْمِن الَّذِي يقرأ الْقُرْآن مثل الأترجة طعمها طيب هَذَا الإيمان, وريحها طيب هَذَا القرآن, ومثل الْمُؤْمِن الَّذِي لا يقرأ الْقُرْآن مثل التمرة لا ريح لها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ معه قرآن, وطمعها حلو هَذَا الإيمان, ومثل المنافق الَّذِي يقرأ الْقُرْآن مثل الريحانة ريحها طيب؛ لِأَنَّهُ معه الْقُرْآن, وطعمها مر؛ لِأَنَّ معه النفاق والكفر والعياذ بالله, ومثل المنافق الَّذِي لا يقرأ الْقُرْآن مثل الحنظلة لا ريح لها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ معه الْقُرْآن, وطعمها مر؛ لِأَنَّ معه النفاق والعياذ بالله, هَذَا رواه الشيخان.
إسناده صحيح، وسيورده المؤلف في باب قراءة القرآن برقم "770".
(المتن)
ذكر نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن
122 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ » قالوا: نعم، قال: «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدًا».
(الشرح)
وَهَذَا حَقّ لاشك أن من تمسك بالْقُرْآن فَإِنَّهُ لا يضل, وَأَمَّا من أعرض عَنْ كتاب الله وَسُنَّة رسوله هَذَا هُوَ الضال, {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه/123-124].
والمراد أَيْضًا السُّنَّة؛ لِأَنَّ السُّنَّة موضحة للقرآن وشارحة له, وَهِيَ وحي ثاني, إسناده حسن على شرط مسلم،أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 10/481، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/169: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.
ويشهد له الآيات الكريمات أن من اتبع الْقُرْآن فلا يضل ولا يشقى.
(المتن)
ذكر إثبات الهدى لمن اتبع القرآن، والضلالة لمن تركه
123 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حسان بن إبراهيم، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرًا، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت خلفه، فقال: نعم، وإنه صلى الله عليه وسلم خطبنا، فقال: «إني تارك فيكم كتاب الله، هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة».
(الشرح)
لاشك كما قَالَ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه/123-124].
أخرجه مسلم في فضائل الصَّحَابَة.
(المتن)
ذكر البيان بأن القرآن من جعله إمامه بالعمل قاده إلى الجنة، ومن جعله وراء ظهره بترك العمل ساقه إلى النار
124 - أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران، حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «القرآن مشفع، وما حل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار».
(الشرح)
من جعله إمامه يَعْنِي مقتديًا بِهِ, يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي, ومن جعله خلفه لا يعمل بِهِ ساقه إِلَى النَّارِ نعوذ بالله.
إسناده جيد، رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن الأجلح، فإنه لم يخرجا له، ولا أحدهما، وهو صدوق، وأبو سفيان: هو طلحة بن نافع، قال ابن عدي: أحاديث الأعمش عنه سقيمة. وأخرجه البزار "122" عن أبي كريب محمد بن العلاء، بهذا الإسناد. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/171: رجاله ثقات.
(المتن)
قال أبو حاتم: هذا خبر يوهم لفظه من جهل صناعة العلم أن القرآن مجعول مربوب، وليس كذلك، لكن لفظه مما نقول في كتبنا: إن العرب في لغتها تطلق اسم الشيء على سببه، كما تطلق اسم السبب على الشيء، فلما كان العمل بالقرآن قاد صاحبه إلى الجنة أطلق اسم ذلك الشيء الذي هو العمل بالقرآن على سببه الذي هو القرآن، لا أن القرآن يكون مخلوقًا.
(الشرح)
هَذَا فِيهِ إشكال, فمن جعله إمامه قاده إِلَى الْجَنَّةَ ومن جعله خلفه, كره بَعْضُهُمْ قول جعل, يَعْنِي جعل الْقُرْآن مخلوق مجعول, المعنى أَنَّهُ من جعله أمامه بمعنى أَنَّهُ يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه, كلمة جعل ما تدل عَلَى الخلق, قَدْ جعلتم الله عليكم كفيلاً, هَذَا أشكل, سيأتي أن ابن حبان رحمه الله لَيْسَ عنده تحقيق في مسألة العقيدة له أغلاط, سيأتي هَذَا, وَهَذَا مما أشكل عَلَيْهِ وما في إشكال في هَذَا.
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِين}[الحجر/91] يَعْنِي خلقوا الْقُرْآن عضين؟! هَذَا ما يشكل, اللغة واضحة ما في إشكال.
وقصده هنا الرد عَلَى الْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ يَقُولُونَ إِن القرن مخلوق, ويستدلون من قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[الزخرف/3].
جعلناه يَقُولُونَ: خلقناه, جعل بمعنى خلق, وَهَذَا باطل؛ لِأَنَّ جعل إِذَا تعدت إِلَى مفعلوين لا يكون معناه خلق, وَإِنَّمَا إِذَا تعدت إِلَى مفعول واحد, مثل:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُون}[الأنبياء/30].
أَمَّا إِذَا تعدت إِلَى مفعلوين فلا, {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[الزخرف/3] بمعنى صيرناه, {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}[النحل/91].
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِين}[الحجر/91] كُلُّ هَذَا لَيْسَ بمعنى الخلق, قصده أن يرد عَلَى الْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِن الْقُرْآن مخلوق, وَأَنَّهُمْ يفسرون جعل بمعنى خلق.
(المتن)
ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله تعالى، فقام به آناء الليل والنهار
125 - أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون، حدثنا ابن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفق منه آناء الليل، وآناء النهار».
(الشرح)
وَهَذَا رواه الشيخان البخاري ومسلم والمراد بالحسد الغبطة «لا حسد إلا في اثنتين», يَعْنِي إِلَّا في خصلتين, يَعْنِي حسد الغبطة.
- الحسد حسدان:
- حسد يتمنى أن تزول النعمة وَهَذَا حرام هَذَا يأكل الحسنات كما تأكل النَّارِ الحطب.
- وحسد الغبطة بمعنى أنك تتمنى أن تكون مثله من غير أن تنتقل النعمة عنه, هَذَا غبطة.
«لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار»، يَعْنِي يعمل به «ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفق منه آناء الليل، وآناء النهار», في المشاريع الخيرية.
وفي اللفظ الآخر: «رجل أتاه الله الحكمة فَهُوَ يقضي بها ويعلمها, رجل أتاه الله مالًا فسلطه عَلَى هلكته في الْحَقِّ», يَعْنِي أنفقه في المشاريع الخيرية.
رواه الشيخان البخاري في التوحيد ومسلم في صلاة المسافرين.
(المتن)
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «فهو ينفق منه آناء الليل، وآناء النهار» أراد به فهو يتصدق به
126 - أخبرنا ابن قتيبة، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله هذا الكتاب، فقام به آناء الليل والنهار، ورجل أعطاه الله مالًا فتصدق به آناء الليل، وآناء النهار».
(الشرح)
ينفقه أناء الليل والنهار يَعْنِي يتصدق بِهِ, يَعْنِي ينفقه في المشاريع الخيرية.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الخلفاء الراشدين، والكبار من الصحابة غير جائز أن يخفى عليهم بعض أحكام الوضوء والصلاة
127 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: سمعت أبي، قال: حدثنا حسين المعلم، أن يحيى بن أبي كثير حدثه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد الجهني، أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل إذا جامع ولم ينزل؟ فقال: ليس عليه شيء، ثم قال عثمان: «سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسألت بعد ذلك علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبي بن كعب، فقالوا مثل ذلك.
قال أبو سلمة: وحدثني عروة بن الزبير: أنه سأل أبا أيوب الأنصاري، فقال مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم».
(الشرح)
قوله: (ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الخلفاء الراشدين، والكبار من الصحابة غير جائز أن يخفى عليهم بعض أحكام الوضوء والصلاة), يَعْنِي قَدْ يخفى عَلَى الكبار, قَدْ يخفى عَلَيْهِمْ شيء ولو كَانُوا كبارًا, قَدْ يخفى عَلَى العالم الكبير شيء ويدركه غيره ممن هُوَ أقل منه.
وَهَذَا كَانَ أولًا ثُمَّ نسخ, كَانَ في أول الإِسْلامُ إِذَا جامع الإنسان وَلَمْ ينزل فَإِنَّهُ يغسل ذكره ويتوضأ, ثُمَّ نسخ ذَلِكَ بوجوب الغسل, وَهَذَا كَانَ عَلَى الْأَمْرِ الأول, يأتي بَعْدَ ذَلِكَ ما يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ خفي عَلَيْهِمْ الناسخ, الصَّحَابَة الَّذِينَ خفي عَلَيْهِمْ, وَالصَّحَابَة الَّذِينَ خفظوا الناسخ.
(المتن)
كتاب الإيمان
باب الفطرة
128 - أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان، حدثنا موسى بن مروان الرقي، حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله, والفطرة هِيَ الإِسْلامُ بمعناها العام, يَعْنِي هُوَ مفطور عَلَى معرفة الله, مفطور عَلَى الإقرار بربوبية الله, ولو ترك ونفسه من غير مؤثرات خارجية إِلَى الخير أو إِلَى الشر لمال إِلَى الخير, ولقبل الخير, الفطرة يكون مفطور عَلَى معرفة الله ووحدانيته ويميل إِلَى الخير.
وَفِيهِ أَنَّهُ مولود عَلَى الإِسْلامُ, وَهَذَا هُوَ الإِسْلامُ بمعناه العام, ولهذا قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه».
يَعْنِي ينقلانه إِلَى الوحدانية أو إِلَى النصرانية أو إِلَى المجوسية, وَلَمْ يقل: ويسلمانه, فدل عَلَى أن الفطرة هَلْ الإِسْلامُ.
(المتن)
ذكر إثبات الألف بين الأشياء الثلاثة التي ذكرناها
129 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه».
(الشرح)
أو ورادة, أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, وفي رواية «أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه», بدون أو, بدون الألف.
إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم.
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة» أراد به: على الفطرة التي فطره الله عليها جل وعلا يوم أخرجهم من صلب آدم، لقوله جل وعلا: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم/30].
يقول: لا تبديل لتلك الخلقة التي خلقهم لها، إما لجنة، وإما لنار، حيث أخرجهم من صلب آدم، فقال: هؤلاء للجنة، وهؤلاء للنار.
ألا ترى أن غلام الخضر قال صلى الله عليه وسلم: «طبعه الله يوم طبعه كافرًا» وهو بين أبوين مؤمنين، فأعلم الله ذلك عبده الخضر ولم يعلم ذلك كليمه موسى صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا.
(الشرح)
وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أن الخضر نبي يوحى إليه عَلَى الصحيح, خلافًا للجمهور القائلون بِأَنَّهُ عبد صالح, الصواب أَنَّهُ نبي؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف/82]؛ بَلْ عَنْ أمر الله؛ لكن موسى أفضل منه فَهُوَ من أولي العزم.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر، تفرد به حميد بن عبد الرحمن
130 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتجون إبلكم هذه هل تحسون فيها من جدعاء؟ » ثم يقول أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم/30].
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» مما نقول في كتبنا: إن العرب تضيف الفعل إلى الآمر، كما تضيفه إلى الفاعل، فأطلق صلى الله عليه وسلم اسم التهود والتنصر والتمجس على من أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل، لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم، دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده، على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا.
(الشرح)
المراد بتعليمهم يتسببون في انتقالهم إِلَى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية, وَإِلَّا فالله هُوَ المقدر, لا يوجد شيء إِلَّا بقضاء الله وقدره, الله تعالى هُوَ الهادي والمضل, يهدي من شاء ويضل من يشاء, يهدي من يشاء بفضله ورحمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته, الفطرة هِيَ الدين هَذَا هُوَ الصواب, لكن لَيْسَ معنى ذَلِكَ أن الإنسان يعرف الشريعة ولا حاجة إِلَى الرسل لا, بَلْ المعنى أَنَّهُ يقر بوجود الله ويعرف ربه ويقبل الْحَقِّ ممن جاء بِهِ إِلَّا إِذَا غير, وَإِلَّا لو كَانَ معنى الفطرة أَنَّهُ يولد يعرف كُلُّ شيء لَمْ يكن هناك حاجة إِلَى الرسل, بَلْ المعنى أن يقبل ما جاءت بِهِ الرسل إِلَّا جاءه مؤثرات خارجية.
(المتن)
على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا, وهذا كقول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجته «يريد به أن الحالق فعل ذلك به صلى الله عليه وسلم لا نفسه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: » من حين يخرج أحدكم من بيته إلى الصلاة فخطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة «يريد: أن الله يأمر بذلك، لا أن الخطوة تحط الخطيئة، أو ترفع الدرجة.
وهذا كقول الناس: الأمير ضرب فلانًا ألف سوط، يريدون: أنه أمر بذلك لا أنه فعل بنفسه.
(الشرح)
المقصود أن هَذَا أسلوب عربي معروف.
(المتن)
ذكر خبر قد يوهم عالمًا من الناس أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما قبل
131 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، أن عطاء بن يزيد أخبره، أنه سمع أبا هريرة، يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
(الشرح)
وَهَذَا في الصحيحين, أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم.
قوله: (ذكر خبر قد يوهم عالمًا من الناس أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما قبل), وَهَذَا قاله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما سألت عائشة قَالَ: «الله أعلم بما كَانُوا عاملين», فهذا لا ينافي, فالله أعلم بما كَانُوا عاملين وما يصيرون إليه, وإن كَانَ يولد عَلَى الفطرة ومحبة الخير, لكن الله أعلم بما يصير إليه.
(المتن)
ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد لخبر أبي هريرة الذي ذكرناه
132 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا السري بن يحيى أبو الهيثم وكان عاقلاً، حدثنا الحسن، عن الأسود بن سريع وكان شاعرًا، وكان أول من قص في هذا المسجد قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أوليس خياركم أولاد المشركين، ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه».
قال أبو حاتم: في خبر الأسود بن سريع هذا: «ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام» أراد به: الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام التي ذكرناها قبل حيث أخرج الخلق من صلب آدم، فإقرار المرء بتلك الفطرة من الإسلام، فنسب الفطرة إلى الإسلام عند الاعتقاد على سبيل المجاورة.
(الشرح)
رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في "الكبير" "827" عن الفضل بن الحباب، بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري "التاريخ الكبير" 1/445، و"الصغير" 1/89، عن مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد، وصرح عنده بسماعه من الأسود.
لاشك أن الصَّحَابَة كلهم كَانُوا قبل الإِسْلامُ هم خيار وَكَانَ آبائهم الكثير منهم عَلَى الشرك, هَذَا لا يمنع أن يكون ولد عَلَى الفطرة.
وقوله: "حتى يعرب" أي يفصح ويتكلم، وفي رواية ابن أبي شيبة: "حتى يبلغ فيعبر عن نفسه", هُوَ مولود عَلَى الفطرة حَتَّى يبلغ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يختار.
يَعْنِي ما يضرهم أن كَانَ آباءهم مشركين, هم مولودون عَلَى الفطرة ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هداهم الله إِلَى الإِسْلامُ.
(المتن)
ذكر الخبر المصرح: بأن قوله صلى الله عليه وسلم «الله أعلم بما كانوا عاملين» كان بعد قوله «كل مولود يولد على الفطرة»
133 - أخبرنا عمر بن سعيد الطائي بمنبح، أخبرنا أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء»؟، قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير، قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
(الشرح)
قوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» كان بعد قوله «كل مولود يولد على الفطرة», استدل بِهِ المؤلف رحمه الله وَقَالَ: «كل مولود يولد على الفطرة», والفطرة هِيَ الإِسْلامُ, ثُمَّ قَالَ: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
(المتن)
ذكر العلة التي من أجلها قال صلى الله عليه وسلم: «أوليس خياركم أولاد المشركين»
134 - سمعت أبا خليفة، يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم، يقول: سمعت الربيع بن مسلم، يقول: سمعت محمد بن زياد، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، يقول: «عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل».
(الشرح)
إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد 2/457، والبخاري "3010" في الجهاد.
وَفِيهِ إثبات العجب لله عز وجل, يقادون إِلَى الْجَنَّةَ يَعْنِي بالجهاد يقاتلون ثُمَّ يسلمون, فيدخلون في الإِسْلامُ, يَعْنِي يقاتلهم الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ يمن الله عَلَيْهِمْ بالإسلام, يدخلون الإِسْلامُ بالقوة يقادون إِلَى الْجَنَّةَ بالسلاسل.
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «عجب ربنا» من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ علم المخاطب بما يخاطب به في القصد، إلا بهذه الألفاظ التي استعملها الناس فيما بينهم، والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم الْمُسْلِمُونَ.
(الشرح)
هَذَا غلط من أبي حاتم تأويل أنكر العجب, هَذَا من أغلاط أبي حاتم رحمه الله له أغلاط في العقيدة, قوله: هَذِهِ من الألفاظ الَّتِي يتعارف عليها يَعْنِي قصده إنكار العجب, الصواب أن هَذَا فِيهِ إثبات العجب لله عز وجل, وفي الحديث الآخر: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره».
«يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة», وفي قراءة: {بَلْ عجبتَ ويسخرون}, {بَلْ عجبتُ ويسخرون}؛ هَذَا فِيهِ إثبات العجب لله, قراءة حفص {بَلْ عجبتَ}, الخطاب للرسول, قراءة {بَلْ عجبتُ}, الضمير لله فِيهِ إثبات العجب لله.
أبو حاتم رحمه الله له تأويل في الصفات, قَالَ: هَذَا من الألفاظ المتعارف عليها وليس المقصود إثبات العجب, يعني من الألفاظ المتعارف عليها يخاطب النَّاس بما يعرفون, فأنكر بِذَلِكَ صفة العجب لله.
(المتن)
والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم الْمُسْلِمُونَ من دار الشرك مكتفين في السلاسل يقادون بها إلى دور الإسلام حتى يسلموا فيدخلوا الجنة.
(الشرح)
هَذَا معنى «عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل»؛ يَعْنِي يقاتلهم الْمُسْلِمُونَ ويسبونهم ويكتفونهم ثُمَّ يدخلون الإِسْلامُ ويدخلون الْجَنَّةَ.
(المتن)
ولهذا المعنى أراد صلى الله عليه وسلم بقوله في خبر الأسود بن سريع «أو ليس خياركم أولاد المشركين»، وهذه اللفظة أطلقت أَيْضًا بحذف «من» عنها، يريد: أو ليس من خياركم.
(الشرح)
يَعْنِي أن الصَّحَابَة كَانَ آبائهم مشركين.
(المتن)
ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه، أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها
135 - أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، أنبأنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان».
(الشرح)
قوله: (ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه), الَّذِي لَمْ يفهم العلم ويأخذه من مصادره يغلط.
قوله: «رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان».
ما وجه الظن أَنَّهُ مضاد للأخبار السابقة؟ الأخبار السابقة هَلْ فِيهَا الْأَمْرِ بالقتل؟ الله أعلم بما كَانُوا عالمين, أوليس خياركم أولاد الْمُشْرِكِينَ, ونهى عَنْ قتل النساء والصبيان, هَذَا من محاسن الإِسْلامُ؛ لِأَنَّ النساء والصبيان ليسوا من أهل السلاح, ممن يحلمون السلاح فلا يقتلون, وكونه نهى عَنْ قتل النساء والصبيان لا يلزم أن يكون,, يَعْنِي لهم أحكام في الدنيا ولهم أحكام في الآخرة الصبيان.
فأحكامهم في الدنيا لا يقتلون وحدهم, لكن إِذَا بيت الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ قتلوا معهم, لكن أولاد الْمُشْرِكِينَ الصواب أَنَّهُمْ في الجنة إِذَا ماتوا قبل البلوغ.
(المتن)
ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث، أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل
136 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، قال: سمعناه من الزهري، عودًا وبدءًا، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أخبرني الصعب بن جثامة، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء أو بودان، فأهديت إليه لحم حمار وحش، فرده علي، فلما رأى الكراهية في وجهي، قال: «إنه ليس بنا رد عليك، ولكنا حرم» وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: «هم منهم» قال: وسمعته يقول: «لا حمى إلا لله ورسوله».
(الشرح)
قوله: «وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون», حديث الصيد رواه البخاري في الصحيح, وَفِيهِ أن المحرم لا يأكل من الصيد إِذَا صيد له, لكن مقصود المؤلف الحديث الثاني«وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون».
«وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: هم منهم», يَعْنِي هَذَا لا يخالف الحديث الآخر, هَذَا إِذَا بيتوا صار ما في حيلة يَعْنِي أراد الْمُسْلِمُونَ أن يبيتوا الْمُشْرِكِينَ ويقتلوهم قتل الذراري والنساء تبعًا لهم؛ لِأَنَّهُم ما يستطيعون أن يميزون.
أَمَّا حديث النهي عَنْ قتل النساء والصبيان هَذَا إِذَا أمكن التمييز فلا يقتلوا وحدهم ولا يقصدون بالقتل, ولهذا قَالَ المؤلف: من لَمْ يحكم صناعة الحديث ولَيْسَ عنده بصيرة يشتبه عَلَيْهِ هَذَا بِهَذَا, وَهَذَا شيء وَهَذَا شيء, كونهم يبيتون إِذَا اقتضى الحال أَنَّهُمْ يقتلون؛ فيقتلون ويكون النساء والصبيان تبعًا لهم؛ لِأَنَّهُم لا يستطيعون أن يميزون, أَمَّا نهى عَنْ قتل النساء والصبيان هَذَا إِذَا كَانُوا وحدهم.
قوله: «وسمعته يقول: لا حمى إلا لله ورسوله», الحماية الأرض الَّتِي تحمى فلا ترعاها الدواب.
(المتن)
ذكر الخبر المصرح: بأن نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الذراري من المشركين كان بعد قوله صلى الله عليه وسلم: «هم منهم»
137 - أخبرنا جعفر بن سنان القطان بواسط، حدثنا العباس بن محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا حمى إلا لله ولرسوله»، وسألته عن أولاد المشركين: أنقتلهم معهم؟ قال: «نعم، فإنهم منهم»، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين.
(الشرح)
صار النهي إِذَا تميزوا وهم منهم إِذَا اختلطوا.
(المتن)
ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن، واشتغل بضدها، أنه يضاد الأخبار التي ذكرناها قبل
138 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن العلاء بن المسيب، عن فضيل بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: توفي صبي، فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً».
(الشرح)
قوله: (ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن، واشتغل بضدها، أنه يضاد الأخبار التي ذكرناها قبل), التراجم تأخذ بعضها بحجج بَعْض, إِذَا أردت أن تقف رحمه الله يربط بعضها ببعض.
والحديث إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم وأخرجه مسلم في القدر.
(المتن)
قال أبو حاتم: أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد وإن عرف منه إتيان الطاعات والانتهاء عن المزجورات.
(الشرح)
المراد ألا يشهد بعينه بخصوصه, قَالَ: «فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الْجَنَّةَ», أَمَّا الأحاديث الأخرى هِيَ عَلَى العموم, أَمَّا أن يشهد لواحد بعينه هَذَا هُوَ المنهي عنه لما فِيهِ من التزكية, ولهذا قَالَ: وغير ذَلِكَ, وَإِلَّا أولاد المؤمنين في الْجَنَّةَ لاشك في هَذَا, لكن لما قَالَ: «فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الْجَنَّةَ», وشهد له بعينة أنكر عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, شهد له بخصوصه لما فِيهِ من التزكية.
(المتن)
ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار، وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها، والجمع بين هذه الأخبار في كتاب «فصول السنن»، وسنمليها إن شاء الله بعد هذا الكتاب في كتاب " الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار " إن يسر الله تعالى ذلك وشاء.
باب التكليف
ذكر الأخبار عن نفي تكليف الله عباده ما لا يطيقون
139 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة/284].
أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا: لا نطيق، لا نستطيع، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع، فأنزل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}[البقرة/285]. إلى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}[البقرة/285], فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، فأنزل الله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة/286]. قال: «نعم»، {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}[البقرة/286]، قال: نعم، {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}[البقرة/286]، قال: نعم.
(الشرح)
هَذِهِ الترجمة ما يرى شيخ الإِسْلامُ ابن تيمية تسميتها تكاليف وَأَنَّهَا ليست تكليف, وَإِنَّمَا هَذَا حَقّ الله تعالى وما يسمى تكليف؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كلفة ولا مشقة, وإن كَانَ أصل الكلفة موجود لكن لا يسمى كلفة.
وَهَذَا رواه مسلم في الصحيح وَفِيهِ أن الله نسخ الآية الأولى بالآية الَّتِي بعدها, لما نزل قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ}[البقرة/284].
في مسلم أَنَّهُ جاء الصَّحَابَة وجثوا عَلَى الركب وَقَالُوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق, الصَّلَاة والصيام, ونزلت عليك هَذِهِ الآية ولا نطيقها{وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ}[البقرة/284].
من يستطيع أن يزيل ما في نفسه؟ من يستطيع أن يدفع الوساوس؟ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، فقالوا: سمعنا وأطعنا فَلَمَّا قالها القوم زلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة/286]. رواه مسلم في الصحيح.
قَدْ يقال: إِن الصَّحَابَة سموا هَذَا تكليف, قَالُوا: كلفنا وَلَمْ ينكر عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وشيخ الإِسْلامُ قَالَ: لا تسمى تكليف, قَدْ يقال الصَّحَابَة قَالُوا: كلفنا يا رسول الله من العمل ما نطيق وَلَمْ ينكر عَلَيْهِمْ النَّبِيّ قول كلفنا, التسمية يَعْنِي يسمح بتسمية تكاليف والله كلف العباد وألزمهم بأن يعبدوه ولا يشركوا بِهِ شَيْئًا, هم مخلوقون لهذا{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات/56].
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان.
(المتن)
ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل الله جل وعلا: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة/265].
140 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببست، قال: حدثنا حسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة/265]، قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف: لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا، فأنزل الله هذه الآية: «{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة/265]» قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام.
(الشرح)
هَذَا موقوف عَلَى ابن عباس, وإسناده صحيح على شرطهما، وأبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وأخرجه أبو داود "2682" في الجهاد: باب في الأسير يكرهُ على الإسلام، عن الحسن بن علي الحلواني، بهذا الإسناد.
موقوف عَلَى ابن عباس, قَالَ: «كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف: لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا»، يَعْنِي اللي نذروا وحلفوا ليهودنه, «فأنزل الله هذه الآية: «{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة/265]».
(المتن)
ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله جل وعلا نفلاً جائز أن يفرض ثانيًا، فيكون ذلك الفعل الذي كان فرضًا في البداية فرضًا ثانيًا في النهاية
141 - أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج، قال: حدثنا سعيد بن حفص النفيلي، قال: قرأنا على معقل بن عبيد الله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج ليلة في رمضان فصلى في المسجد، فصلى رجال وراءه بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا بذلك، فاجتمع أكثرهم منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك، فاجتمع أهل المسجد ليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لصلاة الفجر، فلما قضيت صلاة الفجر، أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم، فتقعدوا عنها»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام شهر رمضان من غير أن يأمرهم بقضاء أمر فيه، يقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر رضوان الله عليهم أجمعين.
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله جل وعلا نفلاً جائز أن يفرض ثانيًا، فيكون ذلك الفعل الذي كان فرضًا في البداية فرضًا ثانيًا في النهاية), لما كَانَ فرضًا ثُمَّ خفف فصار نفلاً قَدْ يفرض مرة أخرى.
وَكَانَ في رمضان صلى بهم ثلاث ليال ثُمَّ ترك خشية أن يفرض عَلَيْهِمْ, فجعل النَّاس يصلون ببقية صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أوزاعًا, وفي خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر أوزاعًا يصلي الرجل وحده ويصلي الرجل معه الرجلان, ثُمَّ جمع عمر عَلَى إمام واحد.
إسناده حسن. معقل، حديثه لا يرقى إلى الصحة، وأخرجه مسلم "761" "178" في صلاة المسافرين.
وجه الدلالة أن الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ واجبًا ثُمَّ كَانَ مستحبًا ثُمَّ يكون فرضًا يَعْنِي أَنَّهُ يخشى عَلَيْهِمْ أن تفرض عَلَيْهِمْ صلاة الليل, يَعْنِي كأن المؤلف رحمه الله رأى أن قيام الله كَانَ أولًا واجبًا عَلَى الأُمَّة ثُمَّ نسخ فصار نفلاً, ثُمَّ يمكن أن يكون فرضًا آخر, ولهذا خشي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يفرض عَلَيْهِمْ قيام الليل مرة ثانية, فلهذا ترك الخروج إليهم.
هَذَا عَلَى القول بأن القيام في أول الإِسْلامُ كَانَ واجبًا عَلَى الأُمَّة, المعروف أن قيام الليل كَانَ واجب عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, لكن عَلَى هَذَا القول كَانَ قيام الليل عَلَى ما ذَهَبَ إليه ابن حبان, كَانَ واجب في أول الإِسْلامُ, عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الأُمَّة ثُمَّ نسخ, فخفف فصار نفلاً, ويمكن أن يعود الفرض مرة أخرى ولهذا خاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ فلم يخرج في الليلة الرابعة لئلا يفرض عَلَيْهِمْ مرة أخرى.
فَإِن قِيلَ: الَّذِي في بلده عدد كبير من القبور الَّتِي تزار ويطاف بها, فما موقفه من قرابته هَلْ يقطع صلته بكل من يفعل هَذِهِ الفعال الشركية عِنْد القبور؟ يناصحهم الدين النصيحة وهم أولى النَّارِ ببره يبين لهم, وينقل لهم الفتاوى فتاوى العلماء والأشرطة المفيدة, لعل الله يهديهم أولى النَّاس ببرهم, فَإِن استمروا فلا يخالطهم ولا يجالسهم وَإِنَّمَا يحسن إليهم كما قَالَ الله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان/15].
فَإِن قِيلَ: هَلْ يحب الصَّحَابَة فوق محبة النَّاس؟ هَذَا جاء في حَقّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعمر: «حَتَّى أكون أحب إليك من نفسك».
فَإِن قِيلَ: هَلْ يبدأ بحمد الله والثناء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في كُلُّ دعاء؛ حَتَّى في أدعية السجود وآخر الصَّلَاة؟ لا, الصَّلَاة لا يزيد فِيهَا, الصَّلَاة موجود فِيهَا, الصَّلَاة شيء واحد الحمد لله رب العالمين الفاتحة موجودة, والثناء موجود, في الدعاء يَقُولُ: سبحان ربي الأعلى ويدعو, وَأَمَّا الثناء يكفي في الفاتحة.
فَإِن قِيلَ: هَلْ عائشة رضي الله عنها هِيَ الَّتِي أشارت إِلى أسماء أو أسماء هِيَ الَّتِي أشارت لها في الصَّلَاة؟ عائشة كانت تصلى وأسماء جاءت سألتها فأشارت إليها, قالت الآية كما في البخاري.
فَإِن قِيلَ: أقسم عَلَى صديق لي ألا يتكلم في موضوع معين وامتثل ثلاثة أيام, فهل له أن يعود إِلَى الكلام أو عليّ كفارة؟ عليك كفارة إِن خفت ألا يتكلم مطلقًا إِن تكلم عليك الكفارة.
فَإِن قِيلَ: هَلْ يجوز قصد محطات البنزين للتعبئة من أجل الهدية؟ والله إِذَا كَانَ شيء يسير ولَيْسَ زحام ولا انصراف النَّاس عَنْ المحطات الأخرى فأرجو أن يغفر, أرجو ألا يكون حرج.
فَإِن قِيلَ: هَلْ يجوز تكرار الاستخارة وما هُوَ الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ؟ الدَّلِيل الأحاديث الَّتِي فِيهَا الاستخارة, الظاهر أن الإنسان إِذَا لَمْ يتبين له يستخير مرة ثانية.
(المتن)
ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس في كتبة الشيء عليهم
142 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
(الشرح)
حَتَّى يحتلم أيْ حَتَّى يبلغ, وَفِيهِ أن هؤلاء الثلاثة رفع عنهم القلم, «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم, وحماد هُوَ ابن أبي سليمان الأشعري مولاهم ابو إسماعيل الكوفي الإمام الثقة المجتهد.
وأخرجه أحمد 6/100، 101، والدارمي 2/171 عن عفان بن مسلم، وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
قوله: (الأقلام), يَعْنِي أقلام التكليف, يرفع عنه قلم التكليف, النائم رفع عنه القلم, لو انقلب عَلَى شخص وقتله ما يأثم, لكن عَلَيْهِ الدية؛ لِأَنَّ هَذَا ما يمنعه, أو أتلف شيء وَهُوَ نائم عَلَيْهِ الدية, يَعْنِي يغرم لكن ما يأثم؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قاصد, لكن المتلفات لَابُدَّ من أدائها, مثل المرأة لو انقلبت عَلَى طفلها ما تأثم, لكن عليها الدية والكفارة, وَكَذَلِكَ المجنون لو قتل شخص ما يأثم؛ لِأَنَّهُ لا عقل له؛ لكن الدية عَلَى العاقلة تلزمه الدية, دية المقتول, وهكذا.
وَكَذَلِكَ الصغير الصبي, لو قتل شخص أو أتلف شَيْئًا ما يأثم؛ لِأَنَّهُ رفع عنه القلم لكن يغرم ما أتلفه, يغرم من ماله, أو من عاقلته.