بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
يختلف معناهم بالاقتران والتجرد, فَإِذَا اقترنا كما في هَذِهِ الحديث حديث جبريل فسر الإِسْلامُ بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة.
وَإِذَا جاء أحدهما إِذَا أطلق أحدهما دخل فِيهِ الآخر, {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}[آل عمران/19].
يشمل الأعمال الباطنة والظاهرة, والإيمان كَذَلِكَ, الإيمان إِذَا أطلق وحده دخل فِيهِ الإِسْلامُ والإيمان, وَهَذَا هُوَ الصواب, أَمَّا إِذَا اجتمعا يكون لكل واحد منهما معنى, وَإِذَا تجرد أحدهما دخل فِيهِ الآخر, الإيمان وحده أو الدين أو الإِسْلامُ شمل أمور الدين كلها, وَإِذَا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى كما في حديث جبريل, صار الإِسْلامُ للأعمال الظاهرة والإيمان للأعمال الباطنة.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء
169 - أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير، حدثنا إبراهيم بن بسطام، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، وعبد العزيز بن رفيع، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة» فقلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: «وإن زنى، وإن سرق».
(الشرح)
وَهَذَا رواه الشيخان, أخرجه البخاري ومسلم وَهَذَا فِيهِ دَلِيل عَلَى أن الموحد من أهل الْجَنَّةَ ولو فعل الكبائر, إذا مات عَلَى التوحيد, لَابُدَّ أن يدخل الْجَنَّةَ إِن عاجلًا أم آجلًا, لكن إِن مات عَلَى توبة نصوح لَمْ يصر فِيهَا عَلَى الكبائر دخل الْجَنَّةَ من أول وهلة, وَأَمَّا من مات عَلَى الكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر فَهُوَ عَلَى خطر من دخول النَّارِ, قَدْ يعذب وَقَدْ يعفى عنه, ولهذا قَالَ: وإن زنا وإن سرق؟ يَعْنِي لَابُدَّ أن يدخل الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّهُ موحد ولو عذب, ولو أصابه عذاب عَلَى الزنا والسرقة, وَقَدْ يعفى عنه, لكنه لا يخلد في النَّارِ؛ حَتَّى قَالَ في الثالثة: «وإن رغم أنف أبي ذر», في بَعْض الروايات.
فهذا الحديث يظن بَعْض النَّاس أن الإيمان هُوَ الإقرار فقط, من قَالَ لا إله إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ, وَهَذَا كما ذكر المؤلف رحمه الله لَيْسَ بصحيح, لَابُدَّ من العمل, الإيمان إِذَا أطلق وحده لَابُدَّ من العمل, لَابُدَّ من الواجبات إِذَا تمكن, الصَّلَاة لَابُدَّ مِنْهَا, من لَمْ يصل يتمكن من الصَّلَاة ما ينفعه قول لا إله إِلَّا الله؛ لِأَنَّ الصَّلَاة تبطل صحة لا إله إِلَّا الله, إِذَا قَالَ: لا إله إِلَّا الله وامتنع عَنْ الصَّلَاة ارتد, انتقض توحيده نعوذ بالله.
قوله: (ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء), نعم النصوص تضم بعضها إِلَى بعض, في الحديث «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إِلَّا الله وأدناها إماطة الأذى عَنْ الطريق والحياء شعبة من الإيمان».
من قَالَ لا غله إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ يَعْنِي قالها عَنْ إخلاص وصدق, عَنْ إخلاص لَمْ يقم عَلَى الشرك, وَعَنْ صدق فلا يكون منافقًا, قالها عَنْ يقين, وَالَّذِي قالها عَنْ إخلاص وصدق ويقين لَابُدَّ أن يعمل, فَإِذَا لَمْ يعمل دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غير صادق, غير مخلص, لَابُدَّ أن يعمل.
هَذَا الحديث قَدْ يستدل بِهِ بَعْض الجهلة بأن الإيمان مجرد الإقرار باللسان هَذَا باطل, الَّذِي يَقُولُ: لا إله إِلَّا الله عَنْ إخلاص وصدق لَابُدَّ أن يعمل, فَإِذَا لَمْ يعمل دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ما قالها عَنْ قصد ما تنفعه, لهذا قيدت «من قَالَ لا إله إِلَّا الله خالصًا من قلبه», وفي لفظ: «مخلصًا», وفي لفظ: «صادقًا», وفي لفظ: «من قَالَ لا إله إِلَّا الله وكفر بما يعبد من دون الله», النصوص تضم بعضها إِلَى بَعْض.
والإنسان لَابُدَّ أن يتوب من هَذَا المكفر, إِن كَانَ ترك الصَّلَاة فلابد أن يتوب ويحافظ عَلَى الصَّلَاة, سب الدين لَابُدَّ أن يتوب من سب الدين, لَابُدَّ أن يتوب ويجدد إسلامه ويدخل الإِسْلامُ من جديد, أَمَّا إِذَا صر عَلَى المكفر تنتقض كلمة التوحيد, انتقل من كونه مسلم إِلَى كونه وثني نعوذ بالله, أنكر وجوب الصَّلَاة وجوب الزَّكَاة.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ أبو لهب وأبو جهل يصلون ويصومون, عاشوراء, ويعبدون الله ايضا لكن يعبدون اللات والعزى معه, ويحجون ويتصدقون ويمنعون الظلم وَهَذَا ما نفعهم ما دام أَنَّهُ مَعَ الشرك, ما تنفع الأعمال مَعَ الشرك, المشركون يعبدون الله, ولهذا قَالُوا: اعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة, فنزلت{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُون (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون (2) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد}[الكافرون/1-3].
المشركون يعبدون الله, لكن يعبدون مَعَ الله إلهًا غيره, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم من أئمتنا أن هذا الخبر كان بمكة في أول الإسلام، قبل نزول الأحكام
170 - أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان، بالرقة، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: أشهد لسمعت أبا ذر، بالربذة، يقول: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرة المدينة فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذر، ما يسرني أن أحدًا لي ذهبا أمسي وعندي منه دينار إلا أصرفه لدين»، ثم مشى، ومشيت معه، فقال: «يا أبا ذر»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة»، ثم قال: «يا أبا ذر، لا تبرح حتى آتيك»، ثم انطلق حتى توارى، فسمعت صوتًا فقلت: أنطلق، ثم ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لي فلبثت حتى جاء، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت صوتا فأردت أن أدركك*، فذكرت قولك لي، فقال: «ذلك جبريل أتاني فأخبرني أنه: من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة»، قلت: يا رسول الله، وإن زنى، وإن سرق؟ قال: «وإن زنى، وإن سرق» أخبرناه القطان في عقبه، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(الشرح)
قوله: (ذكر الخبر المدحض قول من زعم من أئمتنا أن هذا الخبر كان بمكة في أول الإسلام، قبل نزول الأحكام), من قَالَ لا إله إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ, قَالُوا: إِن هَذَا كَانَ في أول الإِسْلامُ, لَيْسَ بصحيح هَذَا.
قوله: (فقلت: أنطلق), أراد أن يذهب إليه خاف عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, لكن ذكر قوله: لا تبرح مكانك, لا تتحرك من مكانك؛ حَتَّى أتيك, لما سمع الصوت خاف عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
والحديث فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره بأن يتصدق فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة», وَهَذَا رواه الشيخان.
(المتن)
ذكر خبر أوهم عالمًا من الناس أن الإيمان هو الإقرار بالله وحده، دون أن تكون الطاعات من شعبه
171 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن أبي مالك الأشجعي، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث فِيهِ دَلِيل عَلَى أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان, من وحد الله لَابُدَّ أن يأتي بالعمل, من شروط التوحيد الصَّلَاة, والبعد عَنْ الشرك.
قوله: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله», وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله.
توحيد الله لَابُدَّ فِيهِ من أداء الشروط يكون يعمل يكون عمله خالص يكون يؤدي ما أوجب الله عَلَيْهِ من شروط الإيمان, ومقتضيات الإيمان, كفروا بما يعبد من دون الله, من الشرك بجميع أنواعه.
والحديث أخرجه مسلم, وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَابُدَّ من شيئين:
- إيمان بالله.
- وكفر بالطاغوت.
لا توحيد إِلَّا بهذين الأمرين, إيمان بالله في قوله: «من وحد الله», وكفر بالطاغوت في قوله: «الكفر بما يعبدون من دون الله».
قَالَ سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[البقرة/265].
(المتن)
ذكر وصف قوله صلى الله عليه وسلم: «وحد الله وكفر بما يعبد من دونه»
172 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فقال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الوفد، أو من القوم؟ »، قالوا: ربيعة، قال: «مرحبًا بالقوم أو بالوفد غير خزايًا ولا ندامى»، قالوا: يا رسول الله، إنا نأتيك من شقة بعيدة، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: «هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم، والمزفت».
قال شعبة: وربما قال: والنقير، وربما قال: المقير، وقال: «احفظوه وأخبروه من وراءكم».
(الشرح)
وَهَذَا يفسر حديث «فمن وحد الله», فسر الإيمان بالأعمال, هَذَا الحديث مشهور بوفد عبد القيس, هَذَا رواه الشيخان, قَالَ: «آمركم بالإيمان بالله», أيْ أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة ألا إله إِلَّا الله وأن محمد رسول الله, وإقام الصَّلَاة, وإيتاء الزَّكَاة, وصوم رمضان, وفي رواية وأداء الخمس, إذًا فسر الإيمان بهذه الأعمال, المؤلف يَقُولُ: هَذَا يفسر الحديث السابق من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله, من وحد الله بأن أتى بالعمل من توحيد الله النطق بالشهادتين, من توحيد الله الصَّلَاة, وَالزَّكَاة, والصوم وأداء الخمس, المؤلف يَقُولُ: هَذَا يفسر الحديث السابق, رواه الشيخان البخاري ومسلم.
(المتن)
ذكر البيان بأن الإيمان والإسلام شعب وأجزاء غير ما ذكرنا في خبر ابن عباس، وابن عمر بحكم الأمينين محمد وجبريل عليهما السلام
173 - أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا يوسف بن واضح الهاشمي، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن يعني لابن عمر: إن أقواما يزعمون أن ليس قدر قال: هل عندنا منهم أحد؟ قلت: لا، قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم: إن ابن عمر يبرأ إلى الله منكم، وأنتم برآء منه، حدثنا عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر، وليس من أهل البلد، يتخطى حتى ورك، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان»، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمد، ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنة والنار والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: فإذا فعلت ذلك، فأنا مؤمن؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمد، ما الإحسان؟ قال: «الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه، فإنه يراك»، قال: فإذا فعلت هذا، فأنا محسن؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: فمتى الساعة؟ قال: «سبحان الله، ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها»، قال: أجل، قال: «إذا رأيت العالة الحفاة العراة يتطاولون في البناء، وكانوا ملوكا»، قال: ما العالة الحفاة العراة؟ قال: «العريب»، قال: «وإذا رأيت الأمة تلد ربتها، فذلك من أشراط الساعة»، قال: صدقت، ثم نهض فولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي بالرجل»، فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، والذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفته حتى ولى».
قال أبو حاتم: تفرد سليمان التيمي بقوله «خذوا عنه»، وبقوله: «تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء».
(الشرح)
وَهَذَا حديث جبريل المشهور الطويل في بيان الإِسْلامُ والإيمان والإحسان وأشراط الساعة, ثُمَّ قَالَ: «أتاكم يعلمكم دينكم».
- دَلَّ عَلَى أن الدين له مراتب ثلاث:
- الإِسْلامُ.
- والإيمان.
- والإحسان.
لِأَنَّ الإِسْلامُ إِذَا اجتمع مَعَ الإيمان يفسر الإِسْلامُ بالأعمال الظاهرة, والإيمان بالأعمال القلوب.
قوله: «ما شبه عليّ», في هَذَا روايات في رواية ابن حبان, واحتمال أَنَّهُ عرفه الله أعلم كيفية معرفته, عرفه بأشياء؛ لِأَنَّهُ يتصل بِهِ دائمًا, أو أَنَّهُ جاءه بَعْدَ ذَلِكَ الله أعلم؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فلبث مليًا في بعضها ثلاث ليال.
واحتج بِهِ عَلَى وجوب العمرة, بَعْضُهُمْ طعن فِيهِ وَقَالَ: إِنَّهَا زائدة إِن هَذِهِ شاذة.
وزيادة خذوا عني سليمان في التقريب صدوق يخطئ, يخطئ يَعْنِي قليل الخطأ لكن الكلام في التفرد يَعْنِي, النسائي والجماعة والمتقدمون يرون أن التفرد يكون شذوذ, والمتأخرون كالحافظ ابن حجر والجماعة يرون أَنَّهُ إِذَا كَانَ ثقة فلا بأس بالشذوذ, زيادة الثقة مقبولة.
(المتن)
ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان
174 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة، حدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وآمنوا بي وبما جئت به، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» تفرد به الدراوردي، قاله الشيخ.
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان), هَذَا واجب.
قَالَ الشارح: وهذا وهم من ابن حبان، فقد تابعه عليه روح بن القاسم، وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام كما تقدم تخريجه.
(المتن)
ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان مع العمل به
175 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، بالموصل، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله».
قال أبو حاتم: تفرد به شعبة وفي هذا الخبر بيان واضح بأن الإيمان أجزاء، وشعب تتباين أحوال المخاطبين فيها، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الخبر: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله»، فهذا هو الإشارة إلى الشعبة التي هي فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، ثم قال: «ويقيموا الصلاة»، فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، ثم قال: «ويؤتوا الزكاة»، فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، فدل ذلك على أن كل شيء من الطاعات التي تشبه الأشياء الثلاثة التي ذكرها في هذا الخبر من الإيمان.
(الشرح)
يَعْنِي ما يَجِبُ عَلَى كُلُّ أحد, وما يَجِبُ في بَعْض الأحيان دون البعض.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هَذِهِ تفرد بها بَعْضُهُمْ وَهِيَ داخلة في الإيمان باليوم الآخر.
وجاء في الحديث أن الميزان له لسان وكفتان.
(المتن)
ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى ببعض أجزائه
176 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده، عن أبي أمامة، قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «إذا سرتك حسناتك، وساءتك سيئاتك، فأنت مؤمن»، قال: يا رسول الله، فما الإثم؟ قال: «إذا حاك في قلبك شيء فدعه».
(الشرح)
إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم وأخرجه أحمد والطبراني وصححه الحاكم ووافقه الذهبي, وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى إطلاق الإيمان عَلَى بَعْض الإيمان, «إذا سرتك حسناتك، وساءتك سيئاتك، فأنت مؤمن»، هَذَا دَلِيل عَلَى الإيمان, يَعْنِي ولا يلزم من ذَلِكَ أن يكون كامل الإيمان لكنه مؤمن, فأطلق الإيمان عَلَى جزء من الإيمان.
(المتن)
ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى جزءا من بعض أجزائه
177 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع *، حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا عاصم بن محمد، عن عامر بن السمط، عن معاوية بن إسحاق بن طلحة، قال: حدثني ثم استكتمني أن أحدث به ما عاش معاوية، فذكر عامر، قال: سمعته وهو يقول: حدثني عطاء بن يسار، وهو قاضي المدينة، قال: سمعت ابن مسعود وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده».
قال عطاء: فحين سمعت الحديث منه انطلقت به إلى عبد الله بن عمر فأخبرته، فقال: أنت سمعت ابن مسعود يقول هذا؟ كالمدخل عليه في حديثه قال عطاء: فقلت: هو مريض فما يمنعك أن تعوده؟ قال: فانطلق بنا إليه، فانطلق وانطلقت معه، فسأله عن شكواه، ثم سأله عن الحديث.
قال: فخرج ابن عمر وهو يقلب كفه وهو يقول: ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
هَذَا رواه الإمام مسلم في صحيحه بدون لا إيمان بعده, وَفِيهِ أن من الإيمان مجاهدة الأمراء باللسان وباليد, إنكار المنكر وإنكار المنكر من الإيمان.
(المتن)
ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء شعب الإقرار
178 - أخبرنا الفضل بن الحباب، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر».
(الشرح)
يَعْنِي لَابُدَّ أن يقر بِذَلِكَ, أخرجه الحاكم والطيالسي ومن طريقه الترمذي وأخرجه أحمد, يَعْنِي الإقرار من الإيمان أن يقر يصدق هَذِهِ شعبة من شعب الإيمان, التصديق شعبة من شعب الإيمان.
(المتن)
ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء الشعبة التي هي المعرفة
179 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
(الشرح)
يَعْنِي لا يؤمن الإيمان الكامل حَتَّى يكون أحب إليه من ولد ووالده وَالنَّاس أجمعين, فَإِذَا قدم محبة شيء من هَذَا قدم محبة الولد والوالد عَلَى محبة الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يكون إيمانه ناقص.
المعرفة تكون يعرف هَذَا الشيء بقلبه, والإقرار يَعْنِي يصدق بقلبه, كَانَ الإقرار أخص, يعرف أن هَذَا حَقّ قَدْ يقبله وَقَدْ لا يقبله, فَإِذَا قبله صار هَذَا إقرار.
العاصي مؤمن ما هُوَ كافر, فَإِذَا كَانَ يشتغل وقت الصلاة وَالنَّاس يصلون, ولا يصلى إِلَّا بَعْدَ الجماعة, قدمت الآن محبة العمل عَلَى محبة الرَّسُوْل, هَلْ هَذَا كفر؟ ما يكون كفر, ولكن إيمانه ناقص ضعيف, لكن الكامل إِذَا سمعت الأذان عَلَى طول تترك العمل وتذهب إِلَى المسجد.
(المتن)
ذكر إطلاق اسم الإيمان على من آمنه الناس على أنفسهم وأملاكهم
180 - أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بمصر، حدثنا عيسى بن حماد، أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
(الشرح)
يَعْنِي اَلْمُسْلِم الكامل من سلم الْمُسْلِمُونَ من لسانه ويده, وَالْمُؤْمِن من أمنه النَّاس عَلَى دمائهم, وَالَّذِي لا يسلم النَّاس من لسانهم مسلم لكنه مسلم ناقص الإِسْلامُ, وَالَّذِي لا يأمنه النَّاس عَلَى دمائهم وأموالهم الإيمان هَذَا مؤمن لكن ضعيف.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض، قول من زعم أن الإيمان شيء واحد ولا يزيد ولا ينقص
181 - أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب بخبر غريب غريب، حدثنا أبو داود السنجي سليمان بن معبد، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الإيمان سبعون أو اثنان وسبعون بابا، أرفعه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
(الشرح)
قوله: (ذكر الخبر المدحض، قول من زعم أن الإيمان شيء واحد ولا يزيد ولا ينقص), وهم الْمُرْجِئَةِ الرد عَلَى الْمُرْجِئَةِ.
وَهَذَا فِيهِ دلل عَلَى أن الإيمان شعب متعددة, وكلما نقصت شعبة نقص الإيمان, بين أن الإيمان بضع وسبعون شعبة, والبضع من ثلاثة إِلَى تسعة, ومثل بأعلاه وأدناه, قَالَ: أعلاها قول لا إله إِلَّا الله هَذِهِ شعبة قولية, وأدناها إماطة الأذى عَنْ الطريق هَذِهِ شعبة عملية, والحياء شعبة من الإيمان شعبة قلبية, دَلَّ عَلَى أن الإيمان متعدد, فمن قَالَ الإيمان شيء واحد لَقَدْ خالف هَذَا النص, الحديث رواه الشيخان رواه مسلم بلفظ «بضع وسبعون», ورواه البخاري «بضع وستون».
إسناده صحيح على شرطهما, وأخرجه ابن منده في الإيمان.
ما تضر الغرابة السند, إِنَّمَا الأعمال بالنيات غريب وَهُوَ من أصح الأحاديث.
إسناده صحيح على شرطهما,ابن أبي مريم: هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجُمَحي بالولاء، أبو محمد المصري ثقة ثبت، ويحيى بن أيوب هو الغافقي أخرج حديثه الجماعة، قال الحافظ في "التقريب": صدوق ربما أخطأ، وابن الهاد هو يزيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ الليثي أبو عبد الله المدني، روى له الجماعة. وأخرجه ابن منده في "الإيمان" "145" و"173" من طريق يحيى العلاف.
(المتن)
قال أبو حاتم: الاقتصار في هذا الخبر على هذا العدد المذكور في خبر ابن الهاد مما نقول في كتبنا: إن العرب تذكر العدد للشيء، ولا تريد بذكرها ذلك العدد نفيًا عما وراءه، ولهذا نظائر نوعنا لهذا أنواعًا، سنذكرها بفصولها فيما بعد إن شاء الله.
(الشرح)
يَعْنِي مقصده ما يفيد الحصر هَذَا, يَقُولُ: إِن القول الإيمان بضع وسبعون هَذَا لَيْسَ المقصود مِنْهَا التحديد وَإِنَّمَا هَذَا يجرى عَلَى لسان العرب ولا يقصد بِهِ التحديد, لكن البيهقي فهم التحديد, ولهذا ألف كتاب سماه " شعب الإيمان " استقصى الشعب وأوصلها إِلَى تسع وسبعين, البضع من ثلاثة إِلَى تسعة, جعل البضع إِلَى أعلى شيء إِلَى تسع.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض، قول من زعم أن إيمان المسلمين واحد من غير أن يكون فيه زيادة أو نقصان
182 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان، فيخرجون منها حمما، فيلقون في نهر في الجنة، فينبتون كما تنبت حبة في جانب السيل، ألم ترها صفراء ملتوية؟».
(الشرح)
الحديث أصله في البخاري صحيح, وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أن الإيمان يتفاوت, قَالَ: «أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان», دَلَّ عَلَى أن الإيمان يتفاوت, وَفِيهِ الرد عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِن الإيمان واحد, أن الإيمان النَّاس سواء, إيمان أفسق النَّاس وأتقى واحد, هَذَا باطل, النَّاس يتفاوتون في الإيمان تفاوت عظيمًا, قَالَ: «أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان», إذًا فِيهِ دَلِيل عَلَى أن الإيمان يضعف؛ حَتَّى ما يبقى فِيهِ إِلَّا مثقال حبة من خردل.
(المتن)
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان» أراد به بعد إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان
183 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا يحيى بن أبي رجاء بن أبي عبيدة الحراني، قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا ميز أهل الجنة وأهل النار، يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قامت الرسل فشفعوا، فيقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشرا كثيرا، ثم يقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال خردلة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشرًا كثيرًا، ثم يقول جل وعلا: أنا الآن أخرج بنعمتي وبرحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافهم، قد امتحشوا وصاروا فحمًا، فيلقون في نهر، أو في نهر من أنهار الجنة، فتسقط محاشهم على حافة ذلك النهر، فيعودون بيضا مثل الثعارير، فيكتب في رقابهم: عتقاء الله، ويسمون فيها الجهنميين».
الثعارير القثاء الصغار، قاله الشيخ.
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان» أراد به بعد إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان), يَعْنِي الأول أخرج من كَانَ في قلبه أكثر ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم أقل منهم إيمان.
قوله: (فتسقط محاشهم على حافة ذلك النهر), يَعْنِي ما أكلت النَّار منهم, أيْ مكان الحرق الَّذِي أحرقته النَّارِ, يزيل أثر الاحتراق النهر.
وأخرجه مختصرًا مسلم من طريق يزيد الفقير عَنْ جابر بنحوه باب أدنى أهل الْجَنَّةَ منزلة, وَهَذَا فِيهِ الرد عَلَى الخوارج وَالْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ يَقُولُونَ بخلود العصاة في النَّارِ, فِيهِ دَلِيل عَلَى أن العصاة يخرجون من النَّارِ لا يبقون فِيهَا, عصاة الموحدين, وَفِيهِ أَنَّهُ من في قلبه قيراط أخرج, ثُمَّ من كَانَ في قلبه مثقال حبة من خردل.
وثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات, كُلُّ مرة يحد الله له حدًا, وفي بعضها «أخرج من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان», والمرة الَّتِي بعدها «أخرج من في قبله أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان», والمرة الَّتِي بعدها «أخرج من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان».
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أن الإيمان يضعف؛ حَتَّى لا يبقى منه إِلَّا قليل, لكن لا ينتهي, المعاصي إِذَا كثرت أضعفت الإيمان, لكن ما تقضي عَلَيْهِ, ما يقضي عَلَيْهِ إِلَّا الكفر, الكفر الأكبر والنفاق الأكبر والشرك الأكبر هَذَا يقضى عَلَى الإيمان ما يبقى ولا مثقال حبة من خردل.
أَمَّا المعاصي وإن عظمت لا تقضى عَلَى الإيمان؛ بَلْ تضعفه؛ حَتَّى ما يبقى إِلَّا مثقال حبة من خردل, معهم التوحيد معهم الإيمان, وَبِهَذَا يخرجون من النَّارِ, خرجوا من النَّار بتوحدهم فضلًا من الله تعالى.
أَمَّا الْكَفَرَة فلا يخرجون من النَّارِ, الْكَفَرَة الْجَنَّةَ حرام عَلَيْهِمْ نسأل الله العافية, فلا يخرجون مخلدون.
وَهَذَا الحديث فِيهِ الرد عَلَى الخوارج وَالْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ يَقُولُونَ بخلود العصاة الموحدين في النَّارِ, وتارك الصَّلَاة ما معه شيء من الإيمان, الصواب أن الصَّلَاة سبب في صحة الإيمان, من ترك الصَّلَاة لَيْسَ معه شيء من الإيمان, نسأل الله العافية.
مثل الوضوء شرط لصحة الصَّلَاة, هَلْ تصح الصَّلَاة بدون وضوء؟ فلا يصح الإيمان بدون صلاة.
إِذَا ترك الصَّلَاة خربت بطاقته ما صارت شهادة, ما تصح إِلَّا بالصلاة عَلَى الصحيح كما دلت النصوص, كما أن الصَّلَاة لا تصح بدون وضوء, فكذلك التوحيد والإيمان لا يصح بدون صلاة.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هُوَ لَيْسَ مؤمن الإيمان الكامل, هَذَا من حجة الخوارج, فَهُوَ لَيْسَ مؤمن إيمانًا كاملًا لكن عنده أصل الإيمان, لا يسرق, لو كَانَ عنده إيمان كامل لمنعه من السرقة, لكن ضعف إيمانه؛ حَتَّى سرق, حَتَّى زنا, لكن معه أصل الإيمان, وما هُوَ بكافر, بدليل أن السارق تقطع يده, ولو كَانَ كفر قتل مرتد.
فَإِن قِيلَ: يرتفع الإيمان في حال المعصية ثُمَّ يعود إليه؟ هَذَا ضعيف, لكن لو صح المراد كمال الإيمان, أَمَّا أصل الإيمان باقي مَعَ ما يكفر.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ نفي الإيمان يَعْنِي فيما يتعلق بالدعوة والجهاد, لَيْسَ المراد أَنَّهُ يكفر.
(المتن)
ذكر الإخبار بأنهم يعودون بيضًا بعد أن كانوا فحمًا، يرش أهل الجنة عليهم الماء
184 - أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف بن حمزة، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم، أو قال: بخطاياهم، حتى إذا كانوا فحمًا أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أهل الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، قال: فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل»، فقال رجل من القوم: كأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبادية.
(الشرح)
الْكَفَرَة هم أهل النَّارِ, أَمَّا الْمُؤْمِن دخوله عارض؛ لِأَنَّهُ عاصي للتطهير, لَيْسَ من أهلها, أَمَّا أهلها الَّذِينَ هم أهلها الْكَفَرَة لا يخرجون مِنْهَا.
قوله: « في حميل السيل»، يَعْنِي فيما يحمله السيل, السيل حينما يحمل العيدان وكذا تكون الحبة في طرف الوادي تخرج صفراء تنبت سريعة, الحِبة البذرة يَعْنِي, غير الحَبة, الحِبة هِيَ البذرة.
قوله: «فقال رجل من القوم: كأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبادية», يَعْنِي كَانَ يشاهد هَذِهِ الأشياء.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الإيمان لم يزل على حالة واحدة من غير أن يدخله نقص أو كمال
185 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قال يهودي لعمر: لو علمنا، معشر اليهود، متى نزلت هذه الآية لاتخذناه عيدًا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة/3]. ولو نعلم اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدًا، فقال عمر رضي الله عنه: «قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والليلة التي أنزلت، يوم الجمعة، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات».
(الشرح)
المعروف أَنَّهُ قَالَ: «لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذناه عيدًا», أَمَّا قوله: ولو نعلم لاتخذناه عيدًا, هَذَا فِيهِ نظر, اليهود ما يتخذونها عيدًا هم باقون عَلَى يهوديتهم, لكن يَقُولُ: لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا يومها عيدًا.
أخرجه النسائي في الحج ومسلم في التفسير.
فَإِن قِيلَ: هَلْ الدعاء للمسلمين بأن يوحدهم الله ويجمع كلمتهم يكون مخالفًا لحكمة الله في تفرقهم شيعًا وأحزابًا كما أخبر الله جل وعلا بِذَلِكَ؟ هَذَا مطلوب نسأل الله أن يجمع كلمة الْمُسْلِمِين يوحد صفوفهم هَذَا مطلوب, الدعاء لجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وجمعهم, هَذَا أمر مطلوب ينبغي لكل مسلم أن يدعو بِهِ.
فَإِن قِيلَ: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود والنصارى أليس يَدُلَّ عَلَى الدعاء عَلَيْهِمْ بالعموم, ولكن يَقُولُ أحد طلاب العلم: لا, بَلْ دعاء عَلَى اليهود والنصارى بالعموم؟ نعم الدعوة عَلَيْهِمْ بالعموم, لكن ما هُوَ الدعاء عَلَيْهِمْ بالهلاك, دعاء عَلَيْهِمْ بالطرد والإبعاد عَنْ رحمة الله, ما قَالَ ما تبقى منهم أحدًا, «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»,، اللعن هُوَ الطرد والإبعاد عَنْ رحمة الله, ما داموا عَلَى كفرهم وعنادهم فهم مطرودون عَنْ رحمة الله, لكن هم باقين في الدنيا, ما في دعاء بِأَنَّهُ ما يبقى منهم أحد في الدنيا.
فَإِن قِيلَ: إِذَا سرق اَلْمُسْلِم قبل إسلام هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رد ما سرق؟ نعم إِذَا كَانَ يعرف الإنسان يعطيه إياه ولو بَعْدَ إسلامه؛ لِأَنَّ حقوق الخلق لَابُدَّ من أدائها, يَجبّ ما قبله فيما بينه وبين الله, لكن حقوق النَّاس يؤديها إليهم.
فَإِن قِيلَ: هَلْ هناك ركعتين خاصة بالإشراق؟ جاء في الحديث أن من جلس في مصلاه بَعْدَ صلاة الفجر ثُمَّ صلى ركعتين كَانَ كحجة وعمرة, الحديث فِيهِ ضعف, لكن له طرق شواهد يقوي بعضها بعضًا, وجاء في صحيح مسلم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يجلس؛ حَتَّى تكون الشمس حسناء, وَهَذِهِ الركعتين هم صلاة الضحى, أول صلاة الضحى تبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح إِلَى قبيل الظهر, لكن هَذِهِ صلاة الضحى المبكرة, وَبَعْض النَّاس يسميها سُنَّة الإشراق, وَهِيَ من الضحى.
فَإِن قِيلَ: ما حكم البطاقة للنساء؟ هَذَا ما هُوَ بيدينا هَذَا نسأل الله أن يصلح الأحوال, (..)العلماء بذلوا جهود في هَذَا, نسأل الله أن يوفقهم لما فِيهِ الخير.
والشاهد قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة/3].
فِيهِ دَلِيل عَلَى أن الدين يكمل, وَالَّذِي يكمل ينقص, يكمل دين بَعْض النَّاس وبعضه النَّاس يكون دينه ناقصًا وَكَذَلِكَ الإيمان, قصد المؤلف منه الرد عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِن الإيمان عَلَى حال واحد لا يزيد ولا ينقص.
قوله: (من زعم أن الإيمان لَمْ يزل عَلَى حالة واحدة), وهم الْمُرْجِئَةِ يَقُولُونَ: الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص, وجه الدلالة أَنَّهُ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة/3].
إذًا قوله: أكملت لكم دينكم هَذَا كمال بَعْدَ نقص, دَلِيل عَلَى أن الدين يكمل وينقص, يكون عِنْد بَعْض النَّاس كاملًا, وَبَعْض النَّاس دينه ناقص, بَعْض النَّاس إيمانه ناقص, وَبَعْض النَّاس إيمانه كامل.
(المتن)
ذكر خبر ثان يصرح بإطلاق لفظة مرادها نفي الاسم عن الشيء، للنقص عن الكمال لا الحكم على ظاهره
186 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كلهم يحدثون، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن» فقلت للزهري ما هذا؟ فقال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم.
(الشرح)
وَهَذَا فِيهِ نفي الإيمان المراد نفي الكمال «لا يزني الزاني حين يزني وَهُوَ مؤمن», فِيهِ نفي الإسم والمراد نفي الكمال, «لا يزني الزاني حين يزني وَهُوَ مؤمن», عنده أصل الإيمان هُوَ مؤمن بالله ورسوله ما هُوَ كافر, لكنه نفي عنه كمال الإيمان, مثل قوله: «لا يؤمن أحدكم حَتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه», «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه», هَذَا نفي الكمال, المراد لا يؤمن الإيمان الكامل, وَهُوَ ضعيف الإيمان وناقص الإيمان, المراد نفي الكمال, لا نفي أصل الإيمان, أصل الإيمان موجود.
المراد نفي الكمال«لا يزني الزاني حين يزني وَهُوَ مؤمن», يَعْنِي وَهُوَ مؤمن كامل الإيمان, لكن المراد إيمانه ناقص وضعيف, لَيْسَ بكافر, بدليل أن الزاني والسارق والناهب يعامل معاملة الْمُسْلِمِين, فيغسل ويصلى عَلَيْهِ إِذَا مات ويرث ويورث ولو كَانَ كافرًا لَيْسَ بمؤمن تجرى عَلَيْهِ أحكام الْكَفَرَة, يقتل ولا يغسل ولا يصلى عَلَيْهِ ولا يرث ولا يورث.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ شخص وَهُوَ جالس ينهب الدراهم في جيبه ويمشي, النَّاس يرفعون إليه أبصارهم ولا لا؟ هَذَا دَلِيل ضعف إيمانه, نهب, هِيَ سرقة لكن سرقة بخفية وَهَذَا ظاهر, ينهب اللي في جيبك ويمشي يهرب, هَذَا هُوَ النهبة, هَذَا يكون إيمانه ضعيف ناقص.
فَإِن قِيلَ: وقت فعل الزنا وشرب الخمر ينتفي الإيمان بالكلية؟ لا, الصواب أَنَّهُ ما ينتفي عنده أصل الإيمان, إِذَا سألته أَنَّهُ مؤمن بالله ورسوله يَقُولُ: نعم, أنا مؤمن بالله ورسوله, عنده أصل الإيمان, فَهُوَ ضعيف الإيمان ناقص الإيمان, جاء في الحديث حينما يرتفع الإيمان كالظلة فوق رأسه فَإِذَا تاب رجع, لكن في صحة الحديث نظر, المعروف كمال الإيمان.
(المتن)
ذكر خبر ثالث يصرح بالمعنى الذي ذكرناه
187 - أخبرنا أبو خليفة، حدثنا أبو الوليد، وابن كثير، قالا: حدثنا شعبة:، قال واقد بن عبد الله: أخبرني عن أبيه، أنه سمع ابن عمر يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
(الشرح)
المراد الكفر الأصغر المنافي لكمال الإيمان؛ لِأَنَّ المتقاتلين ليسوا كفارًا إِذَا لَمْ يستحلوا, المراد الكفر الأصغر الَّذِي يضعف معه الإيمان, معاصي القتال بين الْمُسْلِمِين.
(المتن)
ذكر البيان بأن العرب في لغتها تضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام، وتنفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال
مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب».
(الشرح)
«أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر», الكافر هَذَا كفر أصغر لا يخرج من الْمِلَّة, ولكن هَذَا فِيهِ تفصيل, من قَالَ مطرنا بنوء كذا وكذا فِيهِ تفصيل, إِن أراد أن النوء اللي هُوَ النجم له تأثير في إنزال المطر فهذا شِرْكٌ أكبر في الربوبية, وإن أراد أن النوء وهو النجم سبب فهذا شِرْكٌ أصغر, المسألة فِيهَا تفصيل.
من أراد أن النجم له تأثير في إنزال المطر فهذا شِرْكٌ أكبر يخرج من الْمِلَّة, ومن أراد أن النوء سبب فهذا شِرْكٌ أصغر؛ لِأَنَّ الله ما جعله سبب.
إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في "الموطأ" 1/192، في الاستسقاء: باب الاستمطار بالنجوم، ومن طريق مالك أخرجه أحمد 4/117، والبخاري "846" في الأذان.
وأورد الحافظ ما قيل في شرح هذا الحديث ثم قال: وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي، قال في "الأم" من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نَوْءُ كذا، فذلك كفر؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ومن قال: مُطرنا بنوء كذا، على معنى: مُطرنا في وقت كذا، فلا يكون كفرًا.
هَلْ النوء هُوَ الوقت؟ مطرنا في وقت كذا, المعروف أن النوء النجم, مطرنا بنوء كذا يَعْنِي بنجم كذا, قَدْ يطلق عَلَى الوقت, إِذَا أريد الوقت فلا حرج, مطرنا في وقت كذا, إِذَا قَالَ: مطرنا بنوء كذا بنجم كذا, معتقد أن للنجم تأثيرًا في إنزال المطر هَذَا شِرْكٌ أكبر, وَإِذَا قَالَ: مطرنا بنوء كذا معقدًا أَنَّهُ سبب فَهُوَ شِرْكٌ أصغر, وإن قَالَ: مطرنا في نوء كذا يَعْنِي في وقت كذا هَذَا لا بأس بِهِ, يَعْنِي مطرنا في الوقت الفلاني, فرق بين هَذَا, المعروف أن النوء هُوَ النجم ما هُوَ الوقت.
(المتن)
ذكر خبر آخر يصرح بصحة ما ذكرنا أن العرب تذكر في لغتها الشيء الواحد الذي هو من أجزاء شيء باسم ذلك الشيء نفسه
189 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشريد بن سويد الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي أوصت أن نعتق عنها رقبة، وعندي جارية سوداء، قال: «ادع بها»، فجاءت، فقال: «من ربك؟ » قالت: الله، قال: «من أنا؟ » قالت: رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة».
(الشرح)
هَذَا مثل جارية معاوية بن الحكم السلمي, إسناده حسن، من أجل محمد بن عمرو. وأخرجه الطبراني "7257" من طريق أبي خليفة، بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي 7م388-389 من طريق العباس بن محمد الدوري، عن أبي الوليد، به.
وأخرجه أحمد 4/222 و 388 عن عبد الصمد، و289 عن مهناً بن عبد الحميد، وأبو داود "3283" في اليمان والنذور: باب الرقبة المؤمنة، عن موسى بن إسماعيل، والنسائي 6/252 في الوصايا.
هَذَا فِيهِ بيان أَنَّهَا عندها أصل الإِسْلامُ, سألها عَنْ ربها وَعَنْ دينها وَعَنْ نبيها, يعتبر هَذَا أصل الإيمان.
قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة», وَهِيَ نطقت بالشهادتين بقي عليها البقية.
الرَّسُوْل سأل عَنْ الله بأين, هَذَا فِيهِ الرد عَلَى المبتدعة الَّذِينَ يَقُولُونَ: لا يًسأل عَنْ الله بأين؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ له مكان.
(المتن)
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنها مؤمنة» من الألفاظ التي ذكرنا أن العرب إذا كان الشيء له أجزاء وشعب تطلق اسم ذلك الشيء بكليته على بعض أجزائه وشعبه، وإن لم يكن ذلك الجزء وتلك الشعبة ذلك الشيء بكماله
190 - أخبرنا حبان بن إسحاق بالبصرة، قال: حدثنا الفضل بن يعقوب الرخامي، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون بابًا، والحياء من الإيمان».
(الشرح)
«فإنها مؤمنة», يَعْنِي معها أصل الإيمان, وَقَدْ ينقصها بَعْض صفات المؤمنين, لكن أطلق عليها الإيمان.
الشاهد «الإيمان بضع وسبعون بابًا», هَذَا الشاهد أن الإيمان شعب متعددة والحياء شعبة مِنْهَا, وَمَعَ ذَلِكَ أطلق عَلَى الجارية أَنَّهَا مؤمنة, وإن كَانَ لَمْ يكتمل فِيهَا جميع الشعب.
(المتن)
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون بابًا» أراد به: بضع وسبعون شعبة
191 - أخبرنا الحسين بن بسطام بالأبلة، قال: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا حسين بن حفص، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
(الشرح)
«الإيمان بضع وسبعون», هَذِهِ رواها مسلم في صحيحه, ورواية البخاري: «الإيمان بضع وستون شعبة»,المراد بالشعب هنا الأبواب.
(المتن)
ذكر نفي اسم الإيمان عمن أتى ببعض الخصال التي تنقص بإتيانه إيمانه
192 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي أبو هشام، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا البذيء، ولا الفاحش».
(الشرح)
قوله: «لَيْسَ الْمُؤْمِن بالطعان», يَعْنِي لَيْسَ الْمُؤْمِن الكامل إيمانه, بَلْ هُوَ ناقص الإيمان, «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا البذيء، ولا الفاحش».
الطعان واللعان والفاحش البذيء ناقص الإيمان, مثل قوله تعالى: «لا يؤمن أحدكم حَتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه», «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه», هَذَا نفي كمال الإيمان الواجب, يَعْنِي ناقص الإيمان.
(المتن)
ذكر خبر يدل على صحة ما تأولنا لهذه الأخبار
193 - أخبرنا ابن قتيبة، حدثنا يزيد بن موهب، وموهب بن يزيد، قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن دراجًا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة».
قال موهب: قال لي أحمد بن حنبل: أيش كتبت بالشام؟ فذكرت له هذا الحديث، قال: لو لم تسمع إلا هذا لم تذهب رحلتك.
(الشرح)
دراجًا أبا السمح عن أبي الهيثم ضعيف, إسناده ضعيف لضعف دراج في روايته عن أبي الهيثم: قال ابنُ الجوزي: تفرد به درّاج، وقد قال أحمد: أحاديثه مناكير.
قوله: «لا حليم إِذَا ذو عسرة», يَعْنِي أن الحليم لَابُدَّ أن يحصل له عثرة, هَذِهِ حكمة, ما يثبت حديث «ولا حكيم إِلَّا ذي تجربة», يَعْنِي أَنَّهُ ما يصل إِلَى الحكمة وَهِيَ وضع الأمور في مواضع إِلَّا بَعْدَ التجارب, بَعْدَ ما تم عَلَيْهِ تجارب يصل إِلَى الحكمة, وَكَذَلِكَ الحليم بَعْدَ أن يحصل له عثرات إِذَا حصل له هفوات يصل إِلَى الحلم هَذِهِ حكمة.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "565" موقوفاً على أبي سعيد، وسنده أصح.
يَقُولُ: هَذَا يَدُلَّ عَلَى أن الإيمان يطلق وإن كَانَ ناقص لا حليم إِلَّا بعثرة.
(المتن)
ذكر خبر يدل على أن المراد بهذه الأخبار نفي الأمر عن الشيء للنقص عن الكمال
194 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في الخطبة: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».
(الشرح)
هنا نفى الإيمان نفى الْأَمْرِ والمراد نفي الكمال, لا إيمان لمن لا أمانة له», يَعْنِي لا إيمان كامل, الإيمان الكامل ملن أدى الواجبات وترك المحرمات ومن ذَلِكَ أداء العهود والالتزام بالعهود, فمن لَمْ يلتزم بالعهود إيمانه ضعيف ناقص, فنفي الْأَمْرِ عَنْ الشيء نفي للكمال.
نفي الْأَمْرِ اللي هُوَ الإيمان, نفي الإيمان قَالَ: لا إيمان, ويريد هنا نفي الكمال «لا إيمان لمن لا عهد له».
إسناده حسن في الشواهد. وأخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" "7"، و"المصنف" 11/11، وأحمد 3/135 و154 و210, وحسنه والبغوي في "شرح السنة" "38".
كَذَلِكَ «لا دين لمن لا عهد له», نفي الدين يَعْنِي المراد الدين الكامل لمن لا عهد له, وَإِلَّا عنده دين لكن دينه ناقص.
(المتن)
ذكر الخبر الدال على صحة ما ذكرنا أن معاني هذه الأخبار ما قلنا: إن العرب تنفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال، وتضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام
195 - أخبرنا أبو خليفة، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن هشام بن أبي عبد الله، حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم، نحو بقيع الغرقد، فانطلقت خلفه، فقال: «يا أبا ذر»، فقلت: لبيك ثم سعديك، وأنا فداؤك، فقال: «المكثرون هم المقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله» قالها ثلاثًا، ثم عرض لنا أحد، فقال: «يا أبا ذر، ما يسرني أنه لآل محمد ذهبا يمسي معهم دينار أو مثقال»، فقلت: الله ورسوله أعلم، ثم عرض لنا واد، فاستبطنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل فيه، وجلست على شفيره، فظننت أن له حاجة، فأبطأ علي وساء ظني، فسمعت مناجاة، فقال: «ذلك جبريل يخبرني لأمتي من شهد منهم أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله دخل الجنة»، فقلت: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى، وإن سرق».
(الشرح)
وَهَذَا رواه البخاري في الصحيح رواه الشيخان, وَفِيهِ دليل عَلَى أن من مات عَلَى التوحيد فمآله إِلَى الْجَنَّةَ والسلامة, ولو فعل المعاصي والكبائر, لكن مات عَلَى توحيد خالص لَمْ يختلط بالكبائر والمعاصي دخل لجنة من أول وهلة, وإن مات عَلَى الزنا والسرقة والخمر أو عقوق الوالدين فَهُوَ عَلَى خطر من دخول النَّارِ, فَهُوَ تحت المشيئة قَدْ يعفى عنه وَقَدْ يعذب, ولهذا قَالَ: من مات ولا يشرك بالله شَيْئًا دخل الْجَنَّةَ, وإن كَانَ إيمانه ناقصو, فهذا شهد ألا إله إِلَّا الله وإن كَانَ عنده نقص في الشهادة إِلَّا أَنَّهُ من أهل الإيمان.
(المتن)
ذكر إثبات الإسلام لمن سلم المسلمون من لسانه ويده
196 - أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر، قال: حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، ورب هذه البنية يعني الكعبة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
(الشرح)
المهاجر يَعْنِي المهاجر الكامل من هجر السيئات, ومن ذَلِكَ الانتقال من بلد الْكُفَّار إِلَى بلد الإِسْلامُ, هَذَا هجر السيئات؛ لِأَنَّ البقاء في بلاد الْكُفَّار من السيئات, لكن المهاجر الكامل الَّذِي يهجر السيئات كلها وَمِنْهَا هَذَا, وَاَلْمُسْلِم من سلم الْمُسْلِمُونَ من لسانه ويده, يَعْنِي اَلْمُسْلِم الكامل, لكن من لَمْ يسلم الْمُسْلِمُونَ من لسانه ويده هَذَا ناقص الإِسْلامُ, فالمراد الإِسْلامُ الكامل والمهاجر الكامل, ومن نقص شَيْئًا مِنْهَا يكون نقص إيمانه.
فَإِن قِيلَ: الوالدين إِذَا لَمْ يسمحوا بالهجرة؟ الإنسان إِذَا كَانَ ما يستطيع إظهار دينه يَجِبُ عَلَيْهِ الهجرة, لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, إِذَا أمراه بالمعصية ما يطيعهم.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هَذَا بَعْدَ عَنْ المنكر, يعتبر هجرة بمعنى أَنَّهُ هجر السيئات, إِذَا ما استطاع أن يقنع والده فلا بأس, مَعَ التلطف بوالده والزيارة والنصيحة وقضاء حوائجه, ولَيْسَ معناه أَنَّهُ خرج مِنْهَا يهجره.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هَذَا مؤقت, السفر لبلاد الْكُفَّار فِيهِ تفصيل, لَابُدَّ أن يكون لحاجة ولضرورة, لَابُدَّ أن يقيم في مدينة ويكون البقاء مؤقت ما هُوَ مستمر.
(المتن)
ذكر البيان بأن من سلم المسلمون من لسانه ويده، كان من أسلمهم إسلاما
197 - أخبرنا عبدان، قال: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «أسلم المسلمين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده».
(الشرح)
نعم هَذَا أسلم النَّاس, أَمَّا من لَمْ يسلم الْمُسْلِمُونَ من لسانه ويده فَهُوَ مسلم, إِذَا كَانَ موحد لكنه ناقص, إسلامه ناقص.
(المتن)
ذكر إيجاب دخول الجنة لمن مات لم يشرك بالله شيئا، وتعرى عن الدين والغلول
198 - أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير، وأمية بن بسطام، قالا: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من جاء يوم القيامة بريئًا من ثلاث دخل الجنة: الكبر والغلول والدين».
(الشرح)
من مات لَمْ يشرك بالله شَيْئًا ولَيْسَ عَلَيْهِ دين ولا غلول دخل الْجَنَّةَ.
قوله: «من جاء يوم القيامة بريئًا من ثلاث دخل الجنة: الكبر والغلول والدين», يَعْنِي مَعَ التوحيد والإيمان.
إسناده صحيح على شرط مسلم. سعيد: هو ابن أبي عروبة. وأخرجه النسائي في السير من "الكبرى" كما في "التحفة" 2/140، والدارمي 2/262 عن محمد بن عبد الله بن بزيع الرقاشي، عن يزيد بن زريع، بهذا الإسناد.
الكبر بطر الْحَقِّ وغمط النَّاس, رد الْحَقِّ, والغلول الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها, في بَعْض الغزوات لما غل بَعْضُهُمْ شملة قَالَ: «الشملة تشتغل عَلَيْهِ نار», ومثله الأخذ من بيت المال أو الأخذ من صدقات الجمعات أو الأوقاف, كُلُّ هَذَا دخل في الغول.
(المتن)
ذكر إيجاب الجنة لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية مع تحريم النار عليه به
199 - أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا حرملة، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني حيوة، قال: حدثنا ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن الصلت، عن سهيل بن بيضاء، من بني عبد الدار، قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس من كان بين يديه، ولحقه من كان خلفه، حتى إذا اجتمعوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار، وأوجب له الجنة».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا خبر خرج خطابه على حسب الحال، وهو من الضرب الذي ذكرت في كتاب «فصول السنن»، أن الخبر إذا كان خطابه على حسب الحال لم يجز أن يحكم به في كل الأحوال.
وكل خطاب كان من النبي صلى الله عليه وسلم على حسب الحال، فهو على ضربين:
أحدهما: وجود حالة من أجلها ذكر ما ذكر لم تذكر تلك الحالة مع ذلك الخبر.
والثاني: أسئلة سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بأجوبة، فرويت عنه تلك الأجوبة من غير تلك الأسئلة، فلا يجوز أن يحكم بالخبر إذا كان هذا نعته في كل الأحوال دون أن يضم مجمله إلى مفسره، ومختصره إلى متقصاه.
(الشرح)
المعنى أن الأحاديث المطلقة تقيد بالأدلة الأخرى المقيدة, من شهد ألا إله إِلَّا الله أوجب الله له الْجَنَّةَ, وحرم الله عَلَيْهِ النَّارِ, يَعْنِي إِذَا وحد الله ومات عَلَى التوحيد وَلَمْ يفعل ناقضًا من نواقض الإِسْلامُ, وأدى الواجبات وترك المحرمات دخل الْجَنَّةَ من أول وهلة, جمعًا بين النصوص.
فَإِن نقض هَذَا التوحيد بالشرك فلا يبقى, وإن مات عَلَى التوحيد ولكن ضعفه بالمعاصي والكبائر هَذَا عَلَى خطر متوعد بالنار, وَقَدْ يعفى عنه وَقَدْ لا يعفى عنه, النصوص تضم بعضها إِلَى بَعْض.
(المتن)
ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية، وكان ذلك عن يقين من قلبه، لا أن الإقرار بالشهادة يوجب الجنة للمقر بها، دون أن يقر بها بالإخلاص
200 - أخبرنا علي بن الحسين العسكري بالرقة، قال: حدثنا عبدان بن محمد الوكيل، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر، أن معاذًا: لما حضرته الوفاة، قال: اكشفوا عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة».
(الشرح)
فِيهِ شرط الإخلاص لَابُدَّ منه, والإخلاص هُوَ الَّذِي لا يقع معه الشرك, فَإِن وقع الشرك ذَهَبَ الإخلاص, ولهذا قَالَ: من قَالَ لا إله إِلَّا الله خالصًا من قلبه, فلابد من الإخلاص وَهُوَ شرط, فدل عَلَى أن الْمُشْرِك لَيْسَ كَذَلِكَ.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «دخل الجنة» يريد به جنة دون جنة لأنها جنان كثيرة، فمن أتى بالإقرار الذي هو أعلى شعب الإيمان، ولم يدرك العمل ثم مات، أدخل الجنة، ومن أتى بعد الإقرار من الأعمال قل أو كثر، أدخل الجنة، جنة فوق تلك الجنة، لأن من كثر عمله علت درجاته، وارتفعت جنته.
(الشرح)
المراد بالجنة هِيَ الدرجات, في الحديث الْجَنَّةَ مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله, جنة فوق الْجَنَّةَ يَعْنِي درجة أعلى في الْجَنَّةَ, سماها الدرجات جنات.
(المتن)
لا أن الكل من المسلمين يدخلون جنة واحدة، وإن تفاوتت أعمالهم وتباينت، لأنها جنان كثيرة لا جنة واحدة.
ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن أتى بما وصفنا عن يقين من قلبه، ثم مات عليه
201 - أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن الوليد بن مسلم أبي بشر، قال: سمعت حمران بن أبان، يقول: سمعت عثمان بن عفان، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة».
(الشرح)
فِيهِ اشتراط اليقين وأَنَّهُ لَابُدَّ من اليقين, والعلم هُوَ اليقين, يعلم ألا إله إِلَّا الله يَعْنِي يعتقد أَنَّهُ لا معبود بحق إِلَّا الله, ويلتزم بِذَلِكَ دخل الْجَنَّةَ.
(المتن)
ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية، وقرن ذلك بالشهادة للمصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة
202 - أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط، قال: حدثنا عيسى بن حماد، قال: أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي، قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت، فبكيت، فقال لي: مه، لم تبكي؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديثا واحدا وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله حرمه الله على النار».
(الشرح)
نعم لَابُدَّ من الشهادتين, من شهد ألا إله إِلَّا الله وَلَمْ يشهد أن محمد رسول الله لَمْ تقبل منه, ومن شهد أن محمد رسول الله وَلَمْ يشهد ألا إله إِلَّا الله لَمْ تقبل منه, لا تصح إحداهما بدون الأخرى.
(المتن)
ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكان ذلك عن يقين منه
203 - أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد، عن ابن أبي عدي، قال: حدثنا حجاج الصواف، قال: أخبرني حميد بن هلال، قال: حدثني هصان بن كاهن، قال: جلست مجلسا فيه عبد الرحمن بن سمرة، ولا أعرفه، فقال: حدثنا معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئا، وتشهد أني رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر لها» قلت: أنت سمعته من معاذ؟ قال: فعنفني القوم، فقال: دعوه، فإنه لم يسئ القول، نعم سمعته من معاذ زعم أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
زعم بمعنى قَالَ, الزعم يطلق عَلَى القول ويطلق عَلَى الادعاء الكاذب, مثل قوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا}[التغابن/7].
ومثل: «زعم رسولك أن الله أوجب علينا خمس صلوات في اليوم والليلة», يَعْنِي قَالَ, تطلق عَلَى مجرد القول.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَابُدَّ من اليقين في الشهادتين.
هصان بن كاهن - ويقال: كاهل باللام - العدوي: ذكره المؤلف في "الثقات. وأخرجه أحمد في "المسند" 5/229، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "1138".
فَإِن قِيلَ: هَلْ يسجد سجود السهو من ترك الشهد الأول ثُمَّ رجع له قبل أن يستتم قائمًا؟ نعم, يسجد للسهو لِأَنَّ هَذِهِ زيادة الآن كونه قام ثُمَّ رجع.
فَإِن قِيلَ: ما حكم من يركز في كلامه عَلَى التشبيه بصفات الله ولا يتكلم عَلَى التعطيل, هَلْ هَذَا من أعمال الأَشَاعِرَة؟ التشبيه هَذَا مشبه, المشبهة يَقُولُونَ: صفات الله مثل صفات المخلوقين, والمعطلة ينفون الصفات, فالمشبهة وهم غلاة الشيعة يَقُولُ أحدهم: لله يدٌ كيدي, واستواء كاستوائي, وسمع كسمعي هَذَا هُوَ المشبه, والمعطلة ينفون السمع والبصر.
(المتن)
ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد بما وصفنا عن يقين منه، ثم مات على ذلك
204 - أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفان، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرمه الله على النار: لا إله إلا الله».
(الشرح)
إِذَا قالها عَنْ يقين وَعَنْ صدق, وَعَنْ إخلاص؛ لِأَنَّ النصوص تضم بعضها إل بعضه, فمن قاله عَنْ يقين فلا يَتَخَلَّفْ عَنْ العمل؛ لَابُدَّ أن يعمل, فَإِذَا لَمْ يعمل دَلَّ عَلَى ضعف اليقين, بَلْ عَنْ يقين كامل وصدق, قالها صادقًا من قلبه فلابد أن يعمل, لَابُدَّ من الصدق واليقين والإخلاص, النصوص تضم بعضها إِلَى بَعْض.
في لفظ: «من قَالَ لا إله إِلَّا الله خالصًا من قلبه».
وفي لفظ: «من قَالَ لا إله إِلَّا الله صادقًا».
وفي لفظ: «من قالها صدقًا دخل الْجَنَّةَ».
وفي لفظ: «من قَالَ لا إله إِلَّا الله وَهُوَ يعلم ألا إله إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ».
وفي لفظ: «من قَالَ لا إله إِلَّا الله وكفر بما يعبد من دون الله دخل الْجَنَّةَ».
النصوص تضم بعضها إِلَى بَعْض.