بسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
كتاب الرقائق
باب قراءة القرآن
ذكر إباحة تحزين الصوت بالقرآن إذ الله أذن في ذلك
751 - أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان بمنبج، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الزهري ثم سمعته عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن».
(الشرح)
ما أذن استمع, وَهَذَا من صفات الله عز وجل ومنه قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّت (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت}[الانشقاق/1-2]. يَعْنِي استمعت.
{وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّت (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت (4) وَأَذِنَتْ}[الانشقاق/3-5]. استمعت.
قوله: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي», يَعْنِي استمع, وَهَذَا وصف لله عز وجل.
قوله: «يتغنى بالقرآن», يَعْنِي يحسن صوته بقراءة الْقُرْآن.
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «يتغنى بالقرآن»، يريد يتحزن به، وليس هذا من الغنية، ولو كان ذلك من الغنية لقال: يتغانى بِهِ.
(الشرح)
وَهَذَا مروي عَنْ بَعْضُ العلماء أَنَّهُ قَالَ: يتغني يَعْنِي يستغني بِهِ, أو يتغني يحسن صوته, أحد القولين اختاره أبو حاتم.
(المتن)
ولم يقل: يتغنى به، وليس التحزن بالقرآن نقاء الجرم، وطيب الصوت، وطاعة اللهوات بأنواع النغم بوفاق الوقاع.
(الشرح)
الجرم الجسم ويقال الحلق, وَهَذَا مثل بَعْضُ القراء يحسنون أصواتهم ويجعلون أشياء, يدهنون حلوقهم ويأكلون أشياء؛ حَتَّى يكون الصوت له صفاء, بلغ أن بَعْضُ القراء أَنَّهُمْ مغنين في هَذَا العصر, مغني وقارئ ولا فرق عنده بين القراءة وبين الغناء, يجعل إيقاعات ويدهن حلقه, مثل ما قَالَ أبو حاتم هَذَا موجود في هَذَا العصر.
(المتن)
ولكن التحزن بالقرآن هو أن يقارنه شيئان: الأسف والتلهف: الأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يؤمل من التوقير، فإذا تألم القلب وتوجع، وتحزن الصوت ورجع، بدر الجفن بالدموع، والقلب باللموع، فحينئذ يستلذ المتهجد بالمناجاة، ويفر من الخلق إلى وكر الخلوات، رجاء غفران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات والعيوب، فنسأل الله التوفيق له.
ذكر استماع الله إلى المتحزن بصوته بالقرآن
752 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء كأذنه للذي يتغنى بالقرآن، يجهر به».
قال أبو حاتم: قوله: «ما أذن الله»، يريد: ما استمع الله لشيء، «كأذنه»: كاستماعه «للذي يتغنى بالقرآن» يجهر به يريد: يتحزن بالقراءة على حسب ما وصفنا نعته.
ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبري أبي هريرة اللذين ذكرناهما
753 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
(الشرح)
قوله: (ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبري أبي هريرة اللذين ذكرناهما), يَعْنِي خبر ثالث.
وإسناده صحيح عَلَى شرط مسلم.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الخبر بيان واضح أن التحزن الذي أذن الله جل وعلا فيه بالقرآن واستمع إليه هو التحزن بالصوت مع بدايته ونهايته، لأن بداءته هو العزم الصحيح على الانقلاع عن المزجورات، ونهايته وفور التشمير في أنواع العبادات، فإذا اشتمل التحزن على البداية التي وصفتها، والنهاية التي ذكرتها، صار المتحزن بالقرآن كأنه قذف بنفسه في مقلاع القربة إلى مولاه، ولم يتعلق بشيء دونه.
(الشرح)
يَعْنِي ينوي الانكفاف عن المعاصي عِنْد القراءة والبعد عنها, وينوي التشمير إِلَى الطاعات.
(المتن)
ذكر استماع الله إلى من ذكرنا نعته أشد من استماع صاحب القينة إلى قينته
754 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن ميسرة مولى فضالة بن عبيد، عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب القينة إلى قينته».
(الشرح)
قوله: «لله أشد أذنًا», أيْ استماعًا.
قوله: « من صاحب القينة إلى قينته», المغني.
أخرجه أحمد وابن ماجة وأخرجه الطبراني وأخرجه البخاري في تاريخه, وأخرجه أَيْضًا الحاكم في المستدرك من طريق الوليد بن مسلم, وَقَالَ صحيح عَلَى شرط الشيخين, ورده الذهبي بقوله: بَلْ هُوَ منقطع.
(المتن)
ذكر ما يقرأ به القرآن في هذه الأمة
755 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي، قال: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا حيوة بن شريح، قال: حدثني بشير بن أبي عمرو الخولاني، أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه، أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر». قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟، قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.
(الشرح)
الوليد بن قيس التجيبي، روى عنه غير واحد، ووثقه المؤلف والعجلي، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 3/38 عن أبي عبد الرحمن المقرىء، بهذا الإِسناد، ومن طريق المقرىء صححه الحاكم 2/374 ووافقه الذهبي، أورده السيوطي في " الدر المنثور " 4/277، وزاد نسبته لابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في " شعب الإِيمان ".
والخلف هُوَ العقب الفاسد, قَالَ تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم/59].
والخلف العقب الصالح: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ}[الأعراف/169]. هَذَا في الغالب يَعْنِي.