شعار الموقع

الدرس الخامس

00:00
00:00
تحميل
17

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:

ذكر الخبر الدال على أن ذكر العبد ربه جل وعلا في نفسه أفضل من ذكره بحيث يسمع الناس

810 - أخبرنا محمد بن الحسن بن خليل، حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا حمزة الزيات، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: يا ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، اذكرني في ملأ من الناس أذكرك في ملأ خير منهم».

(الشرح)

ما هُوَ وجه الدلالة عَلَى أن ذكره في نفسه أفضل من ذكره في الملأ؟

هَلْ هَذَا الحديث يَدُلَّ عَلَى ما ترجم له المؤلف؟ ظاهره أن ذكره في الملأ أفضل من ذكره في نفسه, «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه», من جهة يَعْنِي أَنَّهُ أقرب إِلَى الإخلاص, وَهَذَا ذكره في قلبه أو ذكره لسانه سرًا, الأقرب أَنَّهُ ذكره بلسانه سرًا؛ لِأَنَّهُ لَابُدَّ من تحريك اللسان, لَابُدَّ أن يسمع نفسه, يكون سرًا فيما بينه وبينه, مثل الأذكار في الصَّلَاة, أَمَّا الذكر في القلب هَذَا يقيد بِأَنَّهُ ذكره في القلب.

إِذَا ذكره وحده ولَيْسَ عنده أحد يعتبر ذكره في نفسه, لكن ترجمة المؤلف أن ذكره في نفسه أفضل من ذكره في الملأ, هَذَا فِيهِ نظر, المقصود بذكرني في ملأ يَعْنِي بين النَّاس, وواحد ذكر الله وحده, أيهما أفضل؟ نرجع إِلَى القاعدة وأن العبادة في السر مقدمة عَلَى العبادة في الجهر من هَذِهِ الجهة يَعْنِي, لكن الحديث يَقُولُ: من ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه, وَهَذَا تنويه بشأنه, الأول ذكر الله في نفسه فذكره في نفسه, والثاني ذكره في الملأ فنوه الله بشأنه وذكره في ملأ خير منهم, فالظاهر أن الثاني أقرب؛ لِأَنَّهُ منوه عنه, الثاني أفضل, الله تعالى نوه عنه ذكره ونوه عنه, ففيه ذكر وزيادة.

أخرجه أحمد وابن أبي شيبة.

يحتمل أن المؤلف نظر إِلَى حديث الجهر بالقراءة كالجهر بالصدقة, والمسر بالصدقة كالمسر بالقراءة, يَعْنِي من جهة أَنَّهُ أدعى إِلَى الإخلاص, لكن هَذَا شيء آخر, لكن هَذَا فِيهِ نص, أن من ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه.

(المتن)

ذكر ذكر الله جل وعلا في ملكوته من ذكره في نفسه من عباده، مع ذكره إياهم في المقربين من ملائكته عند ذكرهم إياه في خلقه

811 - أخبرنا عبد الله بن قحطبة بن مرزوق، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة».

(الشرح)

ظاهره أن كُلُّ جملة أفضل من الَّتِي قبلها, «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»، هَذَا أفضل «وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة». الثاني أفضل, وَهَذَا حديث قدسي.

إسناده صحيح أخرجه مسلم وأخرجه البخاري في التوحيد.

(المتن)

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الله أجل وأعلى من أن ينسب إليه شيء من صفات المخلوق، إذ ليس كمثله شيء، وهذه ألفاظ خرجت من ألفاظ التعارف على حسب ما يتعارفه الناس مما بينهم، ومن ذكر ربه جل وعلا في نفسه بنطق أو عمل يتقرب به إلى ربه، ذكره الله في ملكوته بالمغفرة له تفضلاً وجودًا.

(الشرح)

هَذَا تأويل من أبي حاتم عفا الله عنه, لِأَنَّهُ من المأولين أنكر الذكر, والصواب أَنَّهُ يذكر عَلَى ظاهر الحديث, يؤل الذكر بالمغفرة, ذكرته يَعْنِي غفرت له, هَذَا تأويل, هَذَا خطأ, الصواب أن الله يذكره, الذكر غير المغفرة, المغفرة شيء آخر.

قوله: (الله أجل وأعلى من أن ينسب إليه شيء من صفات المخلوق), أليس الله نسب ذَلِكَ إِلَى نفسه في الحديث القدسي؟ الله هُوَ الَّذِي نسبه إِلَى نفسه, أن صفاته ليست كصفات المخلوق, ما أحد قَالَ إِن صفاته مثل صفات المخلوق, من ذكر الله ذكره الله ذكر يليق بجلاله وعظمته لَيْسَ كذكر المخلوق, الله أضافه إِلَى نفسه{قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ}[البقرة/140].

يَقُولُ: من ذكر الله ذكره الله في نفسه, لكن ما نَقُوْلُ أَنَّهُ كذكر المخلوق, ولا نقل إِنَّهُ هُوَ المغفرة, هَذَا تأويل, كأنه فهم من الحديث أَنَّهُ إِذَا أثبت الذكر أَنَّهُ نسب إليه من صفات المخلوق.

قوله: (وهذه ألفاظ خرجت من ألفاظ التعارف على حسب ما يتعارفه الناس مما بينهم), هَذَا خطأ, هَذِهِ ألفاظ أضافها الله إِلَى نفسه فنثبتها كما أضافها سبحانه إِلَى نفسه.

(المتن)

 ومن ذكر ربه في ملأ من عباده، ذكره الله في ملائكته المقربين بالمغفرة له، وقبول ما أتى عبده من ذكره.

(الشرح)

هَذَا تأويل بالمغفرة والقبول.

(المتن)

 ومن تقرب إلى الباري جل وعلا بقدر شبر من الطاعات، كان وجود الرأفة والرحمة من الرب منه له أقرب بذراع، ومن تقرب إلى مولاه جل وعلا بقدر ذراع من الطاعات كانت المغفرة منه له أقرب بباع، ومن أتى في أنواع الطاعات بالسرعة كالمشي، أتته أنواع الوسائل ووجود الرأفة والرحمة والمغفرة بالسرعة كالهرولة، والله أعلى وأجل.

(الشرح)

ما الداعي إِلَى التأويل هَذَا؟ رحمه الله لو ترك الـتأويل أحسن, الله يعفو عنا وعنه.

(المتن)

ذكر الإخبار بأن ذكر العبد جل وعلا في نفسه يذكره الله عز وجل به بالمغفرة في ملكوته

812 - أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، قال: حدثنا بشر بن خالد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان، قال: سمعت ذكوان يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «قال الله جل وعلا: عبدي عند ظنه بي، وأنا معه إذا دعاني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وأطيب».

قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله جل وعلا: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، يريد به: إن ذكرني في نفسه بالدوام على المعرفة التي وهبتها له.

(الشرح)

قوله: (ذكر الإخبار بأن ذكر العبد جل وعلا في نفسه يذكره الله عز وجل به بالمغفرة في ملكوته), كَذَلِكَ في الترجمة تأويل.

وَقَدْ صرف الدوام عَلَى المعرفة هَذَا تأويل.

(المتن)

وجعلته أهلا لها، ذكرته في نفسي، يريد به: في ملكوتي بقبول تلك المعرفة منه مع غفران ما تقدمه من الذنوب.

(الشرح)

وَفِيهِ إثبات النفس لله عز وجل كُلُّ هَذَا تأويل.

(المتن)

 ثم، قال: وإن ذكرني في ملأ، يريد به: وإن ذكرني بلسانه، يريد به الإقرار الذي هو علامة تلك المعرفة في ملأ من الناس ليعلموا إسلامه، ذكرته في ملأ خير منه، يريد به: ذكرته في ملأ خير منه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة، بما أتى من الإحسان في الدنيا الذي هو الإيمان إلى أن استوجب به التمكن من الجنان.

ذكر مباهاة نوع أخر الله جل وعلا ملائكته بذاكره إذا قرن مع الذكر التفكر

813 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا مرحوم بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج معاوية بن أبي سفيان على حلقة في المسجد، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما يجلسكم؟ » قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا به، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ » قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن جبريل أتاني فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة».

(الشرح)

أخرجه أحمد ومسلم, وَهَذَا فِيهِ فضل عظيم للذاكرين, وقوله. " يباهي بكم الملائكة " معناه: يظهر فضلكم لهم، ويُريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي.

عَلَى كُلُّ حال هَذَا من آثار المباهاة والله أعلم, يباهي كما يليق بجلاله وعظمته.

قوله: إِذَا قرن مَعَ الذكر التفكر, كأنه شرط هَذَا؟ مقصده أَنَّهُ لَابُدَّ من حضور القلب.

(المتن)

ذكر الاستحباب للمرء دوام ذكر الله جل وعلا في الأوقات والأسباب

814 - أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا يزيد بن موهب، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني معاوية بن صالح، أن عمرو بن قيس الكندي حدثه، عن عبد الله بن بسر، قال: جاء أعرابيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله، أخبرني بأمر أتشبث به، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله».

(الشرح)

أخرجه الإمام أحمد والترمذي, إسناده قوي، معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له مسلم، وقد توبع عليه، وباقي رجاله ثقات، ويزيد بن موهب: هو يزيد بن خالد بن يزيد ابن عبد الله بن موهب الرملي.

وأخرجه أحمد 4/190 عن عبد الرحمن بن مهدي وابن أبي شيبة 10/301، والترمذي (3375) في الدعاء, قَالَ: وَهَذَا سنده صحيح.

(المتن)

ذكر رجاء سرعة المغفرة لذاكر الله إذا تحركت به شفتاه

815 - أخبرنا أحمد بن عمير بن جوصا أبو الحسن بدمشق، قال: حدثنا عيسى بن محمد النحاس، قال: حدثنا أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن كريمة بنت الحسحاس، قالت: سمعت أبا هريرة في بيت أم الدرداء يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «قال الله تبارك وتعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه».

(الشرح)

لَابُدَّ من تحرك الشفتين وَإِلَّا لا يسمى ذكر, إِلَّا إِذَا كَانَ في القلب, كَذَلِكَ لَابُدَّ فِيهِ من تحرك اللسان والشفتين, إِذَا توطأ القلب واللسان هَذَا أفضل.

الذكر في النفس ذكر اللسان سرًا, إِذَا تأمل بقلبه فلا مانع لكن ما تسمى قراءة, القراءة بالقلب ما تسمى قراءة.

(المتن)

ذكر ما يكرم الله جل وعلا به في القيامة من ذكره في دار الدنيا

816 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا أبو طاهر، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يقول الله جل وعلا: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم»، فقيل: من أهل الكرم يا رسول الله؟، قال: «أهل مجالس الذكر في المساجد».

(الشرح)

إسناده ضعيف دراج أبو السمح حديثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيه ضعف, وأخرجه أحمد 3/76 عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج: به. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/76 وقال: "رواه أحمد بإسنادين أحدهما حسن، وأبو يعلى كذلك" كذا قال مع أن كلا السندين ضعيف، الأول فيه دراج، والثاني فيه دراج وابن لهيعة.

(المتن)

ذكر استحباب الاستهتار للمرء بذكر ربه جل وعلا

817 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا أبو الطاهر، قال: حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون».

(الشرح)

الاستهتار بالشيء: الولوع به، والإفراط فيه، فلا يتحدث بغيره، ولا يفعل غيره.

الاستهتار في اللهجة العامية معناه الاستهانة بالشيء, اللهجة العامة خطأ يسمونه الاستهتار, الاستهتار الولوع بالشيء والشغف بِهِ يسمى استهتار, والعامة عندنا يَقُولُونَ: فلان مستهتر بِهَذَا الشيء, يَعْنِي مستهين أو مستهزئ.

وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي (3596) "سبق المُفَرِّدُون، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال المُسْتَهتَرون بذكر الله" وانظر الحديث رقم (858) .

يَعْنِي المولعون بِهِ المكثرون منه.

إسناده ضعيف لضعف دراج في روايته عن أبي الهيثم، وأخرجه أحمد 3/68 عن سريج، عن ابن وهب، بهذا الإسناد، وأبو يعلى وعبد بن حميد.

(المتن)

ذكر البيان بأن المداومة للمرء على ذكر الله من أحب الأعمال إلى الله جل وعلا

818 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول ببيروت، قال: حدثنا محمد بن هاشم البعلبكي، قال: حدثنا الوليد، عن ابن ثوبان عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟، قال: «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله».

(الشرح)

وأخرجه ابن السنى فى عمل " اليوم والليلة " رقم (2) من طريق الوليد بن مسلم، وتكلم عَنْ إسناده وَقَالَ: الوليد -وهو ابن مسلم- مدلس، وقد عنعن، وابن ثوبان: هو محمد بن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطىء، وباقي رجاله ثقات.

قال الهيثمي فى "مجمع الزوائد " 10/74: "رواه الطبراني بأسانيد، وفي هذه الطريق خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، ضعفه جماعة، ووثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله ثقات ورواه البزار من غير طريقه، وإسناده حسن" ويشهد له حديث عبد الله بن بسر المتقدم برقم (814) فيتقوى به ويصح.

فِيهِ ضعف لكن عَلَى كُلُّ حال الذكر فضل عظيم في كُلُّ وقت, إِذَا كَانَ عِنْد الموت في الحديث: «من كَانَ آخر كلامه لا إله إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ».

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد