بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر تمثيل المصطفى صلى الله عليه وسلم المواظب على قراءة القرآن بصاحب الإبل المعقلة
764 - أخبرنا الحسين بن إدريس، أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما مثل صاحب القرآن كصاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت».
(الشرح)
وَهَذَا سبق في الأحاديث السابقة أَنَّهُ ينبغي عَلَى الإنسان أن يتعاهد الْقُرْآن بالقراءة والتكرار؛ حَتَّى لا يتلفت, وَهَذَا المثل يقرب مثل حسي, الإبل المعقلة تتحرك وتتفلت تتخلخل لديه, وَإِذَا لَمْ يكن عندها أحد تتحرك وتقوم؛ حَتَّى ينفلت العقال ثُمَّ تذهب وإن كَانَ عندها صاحبها عقلها, كُلّ ما تفلت واحدة عقله فسكنت, فكذلك صاحب الْقُرْآن, إِذَا تعاهده بقي, وَإِذَا لَمْ يتعاهده ضاع بالنسيان.
(المتن)
ذكر تمثيل المصطفى صلى الله عليه وسلم المواظب على قراءة القرآن، والمقصر فيها بالإبل المعقلة
765 - أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل صاحب القرآن مثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها عقلها، وإن أطلقها ذهبت».
ذكر البيان بأن آخر منزلة القارئ في الجنة تكون عند آخر آية كان يقرؤها في الدنيا
766 - أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا ابن مهدي، عن الثوري، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها».
(الشرح)
إسناده حسن، وأخرجه ابنُ أبي شيبة 10/498، وأبو داود 1464 في الصلاة: باب استحباب الترتيل في القراءة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم 1/552-553 ووافقه الذهبي.
الأصل فِيهِ أن يقال: «اقرأ وارتق كما كنت ترتل في الدنيا», لا بأس بِهِ, هَذَا فِيهِ فضل تلاوة الْقُرْآن وقراءته, وَهَذَا للعاملين, هَذَا لمن يعمل بِهِ, قَالَ: «اقرأ وارتق كما كنت ترتل في الدنيا».
أَمَّا الَّذِي لا يعمل بِهِ فكما جاء في الحديث الآخر: «أن الْقُرْآن ينتصب خَصْمًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَمَّلْتَهُ إِيَّايَ، فَشَرُّ حَامِلٍ، ضَيَّعَ حُدُودِي، وَتَرَكَ فَرَائِضِي، وَاجْتَنَبَ طَاعَتِي، وَعَمِلَ بِمَعْصِيَتِي، فَلَا يَزَالُ يَقْذِفُ عَلَيْهِ بِالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: فَشَأْنَكَ بِهِ. فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ فَلَا يَدَعُهُ حَتَّى يَكُبَّهُ عَلَى مَنْخَرِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». نسأل الله السلامة العافية.
(المتن)
ذكر تفضل الله جل وعلا على الماهر بالقرآن بكونه مع السفرة، وعلى من يصعب عليه قراءته بتضعيف الأجر له
767 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به، مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو يشتد عليه له أجران».
(الشرح)
وَهَذَا فضل عظيم للماهر؛ لِأَنَّهُ تجاوز هَذِهِ المرتبة, الماهر أفضل مَعَ السفرة الكرام البررة هم الملائكة, وَالَّذِي يقرأ الْقُرْآن ويتتعتع وَهُوَ عَلَيْهِ شاق له أجران, أجر القراءة وأجر المشقة, الماهر بالقرآن تجاوز هَذِهِ المرحلة, كَانَ الأول هكذا ثُمَّ تجاوزها فصار مَعَ السفرة الكرام البررة الملائكة.
(المتن)
ذكر حفوف الملائكة بالقوم الَّذِينَ يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم مَعَ البيان بأن الرحمة تشملهم في ذَلِكَ الوقت
768 - أخبرنا محمد بن محمود بن عدي أبو عمرو بنسا، قال: أخبرنا حميد بن زنجويه، قال: حدثنا محاضر بن المورع، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم في مسجد من مساجد الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
(الشرح)
يَعْنِي من أخره العمل فصار عمله سيئ فَإِنَّهُ لا يفيده النسب ولا يلحقه في مصاف الأتقياء الْمُؤْمِنِينَ العاملين.
(المتن)
ذكر إثبات نزول السكينة عند قراءة المرء القرآن
769 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، يقول: إن رجلاً كان يقرأ سورة الكهف ودابته موثقة، فجعلت تنفر، ترى مثل الضبابة أو الغمامة قد غشيته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: «اقرأ يا فلان، تلك السكينة أنزلت عند القرآن، أو للقرآن».
(الشرح)
إسناده صحيح وأخرجه أحمد 4/293 و298، والبخاري (4839) في التفسير: باب {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ}، و (5011) في فضائل القرآن: باب فضل الكهف، ومسلم (795) (240) ، والبغوي (1206) من طرق عن أبي إسحاق، به.
قوله: «إن رجلاً كان يقرأ»، قيل: هو أسيد بن حضير، كما في حديثه نفسه عند البخاري برقم (5018) باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة الْقُرْآن.
قِيلَ: إِنَّهَا طائفة من الملائكة السكينة, وَقِيلَ: إِنَّهَا الطمأنينة, وَقِيلَ غير ذَلِكَ, لاشك أن السكينة تنزل عِنْد قراءة الْقُرْآن والطمأنينة.
(المتن)
ذكر مثل المؤمن والفاجر إذا قرأ القرآن
770 - أخبرنا أبو خليفة، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر، ولا ريح لها».
(الشرح)
هَذَا حديث صحيح, وَفِيهِ مثل الْمُؤْمِن والفاجر الَّذِي يقرأ الْقُرْآن, وَفِيهِ أن الكافر قَدْ يقرأ الْقُرْآن, وَفِيهِ ميزه لقارئ الْقُرْآن سواء كَانَ مسلم أو غير مسلم, فِيهِ ضرب المثل, ينتقل فِيهِ الإنسان من المثل الحسي إِلَى المثل المعنوي.
مثل الْمُؤْمِن بالذي يقرأ الْقُرْآن بالأترجة طمعها طيب؛ لِأَنَّهُ معه الإيمان, وريحها طيب؛ لِأَنَّهُ معه الْقُرْآن, ومثل الْمُؤْمِن الَّذِي لا يقرأ الْقُرْآن كمثل التمرة طمعها طيب؛ لِأَنَّ معه الإيمان, ولا ريح لها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ معه الْقُرْآن, ومثل المنافق الذي يقرأ الْقُرْآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر؛ لِأَنَّهُ معه الكفر, وريحها طيب؛ لِأَنَّهُ معه الْقُرْآن, ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر؛ لِأَنَّهُ معه الكفر, ولا ريح لها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ معه الْقُرْآن.
(المتن)
ذكر الإخبار عن وصف المؤمن، والفاجر إذا قرأ القرآن
771 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن المنهال الضرير، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق، أو الفاجر، الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق، أو الفاجر، الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها».
ذكر البيان بأن القرآن يرتفع به أقوام ويتضع به آخرون على حسب نياتهم في قراءتهم
772 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا ابن أبي السري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني أبو الطفيل عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث تلقى عمر بن الخطاب إلى عسفان وكان نافع عاملا لعمر على مكة، فقال عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ يعني أهل مكة، قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟، قال: رجل من الموالي، قال عمر: استخلفت عليهم مولى؟، فقال له: إنه قارئ لكتاب الله، فقال: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواما، ويضع به آخرين».
(الشرح)
ولاشك أن الله تعالى يرفع أقوامًا بِهَذَا الْقُرْآن بالعمل بِهِ بالتلاوة والعمل, ويضع آخرين بترك هَذَا الْقُرْآن والإعراض عنه في الدنيا والآخرة, والحديث رواه مسلم.
(المتن)
ذكر ما أمر غير عبد الله بن عمرو بقراءته ابتداء
773 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا ابن وهب، أخبرني عبد الله بن عياش بن عباس، وحدثني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، أن عياش بن عباس حدثهم، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أقرئني القرآن، قال: «اقرأ ثلاثًا من ذوات الر»، قال الرجل: كبر سني، وثقل لساني، وغلظ قلبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ثلاثًا من ذوات حم»، فقال الرجل مثل ذلك: ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة، فأقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت الأرض} [الزلزلة/1] حتى بلغ: {من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره}، قال الرجل: والذي بعثك بالحق، ما أبالي أن لا أزيد عليها حتى ألقى الله، ولكن أخبرني بما علي من العمل أعمل ما أطقت العمل، قال: «الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحج البيت، وأد زكاة مالك، ومر بالمعروف، وانه عن المنكر».
(الشرح)
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الحاكم, وله شواهد.
إسناده صحيح، عيسى بن هلال الصدفي، روى عنه غير واحد، وذكره المؤلف في الثقات، وأورده الفسوي في تاريخه 2/515-516 في ثقات التابعين من أهل مصر، وباقي رجاله ثقات.
(المتن)
ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب من أفضل القرآن
774 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أحمد بن آدم غندر، حدثنا علي بن عبد الحميد المعني، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فنزل، فمشى رجل من أصحابه إلى جانبه، فالتفت إليه، فقال: «ألا أخبرك بأفضل القرآن؟، قال: فتلا عليه: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة/2]».
(الشرح)
لاشك أَنَّهَا أفضل الْقُرْآن هِيَ السبع المثاني وَالْقُرْآن العظيم, تسمى مثاني؛ لِأَنَّهَا تثنى في كُلّ ركعة, وفي أولها ثناء عَلَى الله, ثُمَّ إفراد الله وتخصيصه بالعبادة والاستعانة, ثُمَّ هَذَا السؤال العظيم, {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة/6-7].
هِيَ أعظم سورة في الْقُرْآن سورة الفاتحة.
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأفضل القرآن»، أراد به: بأفضل القرآن لك، لا أن بعض القرآن يكون أفضل من بعض، لأن كلام الله يستحيل أن يكون فيه تفاوت التفاضل.
(الشرح)
قوله: (فأفضل الْقُرْآن لك), وَهَذَا لَيْسَ بصحيح فالقرآن يتفاضل, بعضه أفضل من بَعْضُ, هَذَا بنص الحديث, «قل هُوَ الله أحد تعدل ثلث الْقُرْآن», «إِذَا زلزلت تعدل ربع الْقُرْآن», الْقُرْآن يتفاضل كلام الله يتفاضل, الصفات تتفاضل, غضب الله يتفاوت, في يوم القيامة تقول الأنبياء: «إن ربي غضب اليوم غضًا لَمْ يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله».
قوله: (لأن كلام الله يستحيل أن يكون فيه تفاوت التفاضل), لا ما يستحيل, هَذَا لِأَنَّهُ من المؤولين أبو حاتم رحمه الله, من المؤولين في الصفات, هَذَا خطأ, الْقُرْآن يتفاضل, بعضه أفضل من بَعْضُ وَهَذَا نص الحديث, البقرة وآل عمران يظلان صاحبهما, والحمد لله رب العالمين أفضل آية في الْقُرْآن.
(المتن)
ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب مقسومة بين القارئ وبين ربه
775 - أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان بعسكر مكرم، وعدة، قالوا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: ما في التوراة، ولا في الإنجيل، مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل».
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب مقسومة بين القارئ وبين ربه), لاشك كما في الحديث القدسي.
والحديث دَلِيل عَلَى فضل هَذِهِ السورة العظيمة, وفضل الدعاء في آخرها.
(المتن)
قال أبو حاتم: معنى هذه اللفظة «ما في التوراة، ولا في الإنجيل، مثل أم القرآن»، أن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب ما يعطي لقارئ أم القرآن، إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها الفضل على قراءة كلام الله أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه, وهو فضل منه لهذه الأمة، وعدل منه على غيرها.
(الشرح)
هَذَا لَيْسَ بصحيح, ظاهر الحديث أن أم الْقُرْآن أفضل, ليست في التوراة ولا في الإنجيل مثلها في الفضل؛ لِأَنَّ المراد أن الله يعطي من الأجور عليها, هَذَا تأويل ابن أبي حاتم رحمه الله, وَهُوَ ممن يؤول الصفات رحمه الله.
(المتن)
ذكر كيفية قسمة فاتحة الكتاب بين العبد وبين ربه
776 - أخبرنا الحسين بن مودود أبو عروبة، حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج، فهي خداج غير تمام». قال: فقال رجل: يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام، قال: فغمز ذراعي ثم، قال: يا فارسي، اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبادي نصفين، فنصفها لعبدي ونصفها لي، ولعبدي ما سأل، إذا، قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة/2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا، قال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة/1] يقول الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {ملك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي، وهذه بيني وبين عبدي، يقول: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة/5]، وما بقي فلعبدي، ولعبدي ما سأل، {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة/7]، فهذا لعبدي، ولعبدي ما سأل».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أبو المغيرة: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني.
(الشرح)
قوله: (اقرأها في نفسك), يَعْنِي اقرأها سرًا, فِيهِ أن الفاتحة لا تسقط عَنْ المأموم ولو كَانَ الإمام يقرأ, يقرأها في نفسه يقرأ سرًا, وَهَذَا هُوَ الصواب أن قراءة الفاتحة لا تسقط لا في الصَّلَاة السرية ولا في الصَّلَاة الجهرية, في الصَّلَاة الجهرية يقرأها سرًا إِذَا لَمْ يكن له سكتات وَإِلَّا قرأها في السكتات.
(المتن)
ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب هي أعظم سورة في القرآن، وهي السبع المثاني التي أوتي محمد صلى الله عليه وسلم
777 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} [الأنفال/24]؟» ثم، قال: «ألا أعلمك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ » فقلت: بلى، فقال: «الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن الذي أوتيته».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «هي أعظم سورة»، أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
وأبو سعيد بن المعلى اسمه: رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة مات سنة أربع وسبعين.
(الشرح)
وَهَذَا الخطأ المراد بِهِ أن الْقُرْآن بعضه أفضل من بَعْضُ يتفاوت, كما دلت النصوص عَلَى ذَلِكَ, يتفاوت أن بَعْضُ السور أفضل من بَعْضُ, سورة البقرة وآل عمران يأتيان يظلان صاحبهما, وآية الكرسي لها فضل أعظم آية في الْقُرْآن والفاتحة لها فضل, الْقُرْآن يتفاوت كلام الله يتفاوات.
(المتن)
ذكر البيان بأن قارئ فاتحة الكتاب وآخر سورة البقرة يعطى ما يسأل في قراءته
778 - أخبرنا أبو يعلى، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، عن عمار بن رزيق، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بينما جبريل جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه وقال: لقد فتح باب من السماء ما فتح قط، فأتاه ملك، فقال له: أبشر بسورتين أوتيتهما لم يعطهما نبي كان قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ منها حرفًا إلا أعطيته.
(الشرح)
يَعْنِي {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة/6-7].
وآية البقرة: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة/286].
يستجاب الدعاء, قَالَ الله في صحيح مسلم: «قَدْ فعلت».
والحديث أخرجه مسلم.
وفق الله الجميع لطاعته.