بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر البيان بأن دعوة المظلوم تستجاب له لا محالة، وإن أتى عليها البرهة من الدهر
874 - أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي، قال: حدثنا فرج بن رواحة المنبجي، قال: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا سعد الطائي، قال: حدثنا أبو المدلة، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أبو المدلة اسمه: عبيد الله مديني، ثقة.
(الشرح)
أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وَقَالَ: حديث حسن, وَفِيهِ التحذير من الظلم, فَإِن المظلوم قَدْ يدعوا عَلَى الظالم فيستجاب؛ لِأَنَّهُ مظلوم, الإنسان يحذر من ظلم النَّاس في دمائهم أو أموالهم, أو أعراضهم؛ لئلا يدعو عَلَيْهِ ودعوته مستجابة.
(المتن)
875 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا يزيد بن موهب، قال: أخبرنا ابن وهب، عن معروف بن سويد، قال: سمعت علي بن رباح، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا دعوة المظلوم».
(الشرح)
وفي اللفظ الآخر: «فَإِنَّهُ لَيْسَ بينها وبين الله حجاب», فِيهِ أَنَّهُ ينبغي أن تتق دعوة المظلوم؛ لِأَنَّهَا مستجابة.
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا دعوة المظلوم» أمر باتقاء دعوة المظلوم، مراده الزجر عما تولد ذلك الدعاء منه، وهو الظلم، فزجر عن الشيء بالأمر بمجانبة ما تولد منه.
(الشرح)
الدعاء المتولد عَنْ الظلم مراده الزجر عَنْ الظلم, تولد عَنْ الظلم الدعاء.
(المتن)
ذكر الإخبار عما يستحب للمرء عند إرادة الدعاء رفع اليدين
876 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا خليفة بن خياط العصفري، قال: حدثنا ابن أبي عدي، قال: حدثنا جعفر بن ميمون، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا».
(الشرح)
حديث قوي أخرجه الترمذي وأخرجه أَيْضًا أبو داود.
فِيهِ فضل الدعاء وأن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء, وأن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا.
وَفِيهِ من أسماء الله الكريم, يقال: عبد الله الكريم, وحيي فِيهِ إثبات صفة الحياء لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته, إِن الله حيي كريم, والحديث الآخر: «إِن الله حيي ستير», من أسمائه الستير, وَفِيهِ إثبات صفة الحياء لله عز وجل عَلَى ما يليق بجلاله وعظمته, لا يشبه حياء المخلوق.
داخل الصَّلَاة في الدعاء بين السجدتين والدعاء بَعْدَ التشهد ما ترفع الأيدي, لكن ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما تخلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الصلح بين بني عمرو ثُمَّ جاء, تأخر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فتقدم أبو بكر, قدمه بلال يصلي بالناس, فجاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فجعل النَّاس يصفقون, كَانَ أبو بكر لا يلتفت, فَلَمَّا أكثروا التفت فَإِذَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خلفه, فتأخر أبو بكر, وأشار إليه أن يبقى في الإمامة؛ لكنه تأخر, وَتَقَدَّمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ورفع يديه؛ يحمد الله, وَلَمْ ينكر عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
ذكر الإباحة للمرء أن يرفع يديه عند الدعاء لله جل وعلا
877 - أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة، حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه».
(الشرح)
فِيهِ مشروعية رفع اليدين وَهَذَا من البالغة, كالذي يبالغ حَتَّى يرى بياض إبطيه؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ عَلَيْهِ رداء في الغالب إزار ورداء عَلَى عادة العرب, يلبسون الأزر والأردية, مثل المحرم بحج أو عمرة يلبس قطعتان من القماش, كُلّ قطعة تسمى ثوب, القطعة الأولى يشد بها النصف الأسفل وَهِيَ الإزار, والثانية يضعها عَلَى كتفيه, فَإِذَا دعا بان بياض إبطيه, رفع يديه وبالغ صار من حوله يرى بياض إبطيه؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ عَلَيْهِ قميص ما يرى, يَعْنِي رداء.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ بَعْضُهُمْ قَالَ: للمبالغة, جاء في حديث أن النَّبِيّ استسقى فجعل ظهور كفيه إِلَى السَّمَاءِ, وَبَعْض العلماء قَالَ: إِن هَذَا يَعْنِي الابتهال يكون هكذا, وَقَالَ بَعْض العلماء: إِن هَذَا من شدة الرفع؛ كأن ظهور كفيه مقابلة للسماء من البالغة في الرفع.
فَإِن قِيلَ: متى أرفع يدي ومتى لا أرفع؟ في المواضع الَّتِي رفع فِيهَا النَّبِيّ ترفع, والمواضع الَّتِي لَمْ يرفع لا ترفع, مثل دعاء الاستسقاء ترفع اليدين, وفي الحج رفع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ست مواضع, عَلَى الصفا, والمروة, وفي مزدلفة, ويوم عرفة, وَبَعْدَ الجمرة الأولى, وَبَعْدَ الجمرة الثانية في أيام التشريق.
والأصل أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء إِلَّا في المواضع الَّتِي وجد سببها في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يرفع يديه, مثل في الصَّلَاة, في التشهد, وبين السجدتين وَعِنْد الرفع من السجود, ومثل بَعْدَ الفريضة ما ترفع, مثل خطبة الجمعة ما ترفع إِلَّا إِذَا استسقى الإمام, هَذَا مواضع وردت في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والباقي الأصل أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء, كما في الحديث: «إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا».
(المتن)
ذكر البيان بأن رفع اليدين في الدعاء يجب أن لا يجاوز بهما رأسه
878 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني حيوة، وعمر بن مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عمير، مولى أبي اللحم، أنه: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء يدعو رافعا كفيه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه».
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن رفع اليدين في الدعاء يجب أن لا يجاوز بهما رأسه), ضمها كاستطعام المسكين, بَعْدَ النَّاس يأتي بها مفرقة لا, ضمها كاستطعام المسكين, المسكين الَّذِي حينما تعطيه شيء هَلْ يفرق يديه ولا يجمعهما؟ يجمعهما حَتَّى يأخذ, ولا يجاوز بهما رأسه.
وثبت أن النَّبِيّ استسقى عِنْد أحجار الزيت يَعْنِي دعا, فدعا ورفع يديه لا يجاوز بهما رأسه؛ لِأَنَّ استسقاء ثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن الاستسقاء كَانَ في خطبة الجمعة.
الحالة الثانية: أَنَّهُ واعد النَّاس يومًا صلى ركعتين ثُمَّ خطب.
الحالة الثالثة: أَنَّهُ دعا عِنْد أحجار الزيت, رفع يديه ودعا وَالنَّاس يؤمنون.
أحجار الزيت هَذَا مكان في المدينة.
(المتن)
ذكر البيان بأن باطن الكفين يجب أن يكون للداعي قبل وجهه إذا دعا
879 - أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا حرملة، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا حيوة، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير، مولى أبي اللحم، أنه: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء، قائمًا يدعو يستسقي، رافعًا كفيه لا يجاوز بهما رأسه، مقبلاً بباطن كفه إلى وجهه».
(الشرح)
هَذَا فِيهِ تصريح بِأَنَّهُ استسقى, استسقى عِنْد أحجار الزيت, دعا فقط بدون صلاة, ورفع يديه مقابل وجهه.
(المتن)
ذكر استجابة الدعاء للرافع يديه إلى بارئه جل وعلا
880 - أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير بتستر، قال: حدثنا جميل بن الحسن العتكي، قال: حدثنا محمد بن الزبرقان، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله جل وعلا يستحيي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث فِيهِ دَلِيل عَلَى أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء, وقوله: «يستحيي», فِيهِ دَلِيل عَلَى إثبات الحياء لله عز وجل عَلَى ما يليق بجلاله وعظمته, مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة/26].
ومثل قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب/53].
(المتن)
ذكر البيان بأن الله جل وعلا إنما يستجيب دعاء من رفع إليه يديه إذا لم يدع بمعصية أو يستعجل الإجابة، فيترك الدعاء
881 - أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل»، قيل: يا رسول الله، كيف يستعجل؟، قال: «يقول: يا رب قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي، فينحسر عند ذلك، فيترك الدعاء».
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن الله جل وعلا إنما يستجيب دعاء من رفع إليه يديه إذا لم يدع بمعصية أو يستعجل الإجابة، فيترك الدعاء), ينبغي عَلَى الإنسان ألا يستعجل, بَلْ عَلَيْهِ أن يوطن نفسه عَلَيْهِ, أن يكثر من الدعاء, ما لَمْ يستعجل هَذَا من أسباب عدم قبول الدعاء, أن يستعجل أو يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو يكون قلبه غافل أو لاهي, هَذِهِ كلها موانع عَنْ قبول الدعاء.
فينحسر عِنْد ابن حبان, وفي صحيح مسلم يَقُولُ: «فيستحسر», يقال: حسر واستسحر إذا دعا وانقطع عَنْ الشيء, فينحسر عِنْد ذَلِكَ فيترك الدعاء.
في مسلم: "فيستحسر"، يقال: حسر، واستحسر: إذا أعيا وانقطع عن الشيء، والمراد هنا: انه ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى (لا يستكبرون عن عبادته، ولا يستحسرون) ، أي: لا ينقطعون عنها.
فِيهِ ما يقبل الدعاء كونه يستسحر يَقُولُ: دعوت ودعوت وَلَمْ يستجب لي, أو كونه يدعو بإثم أو قطيعة رحم, أو يتجاوز في الدعاء, يتجاوز الحد, كأن يدعو عَلَى والديه أو يدعو عَلَى أقاربه هَذَا قطيعة رحم, وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ يسعجل أو يستسحر, يَقُولُ: دعوت ودعوت فلم يستجب لي فيدع الداء, كونه يدعو بقلب غافل, أو كونه يدعو بإثم كُلّ هَذَا من موانع قبول الدعاء.
(المتن)
ذكر وصف الإشارة للمرء بإصبعه عند إرادته الدعاء لله جل وعلا
882 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمارة بن رويبة، أنه رأى بشر بن مروان رافعًا يديه على المنبر، فقال: «قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده كذا، وأشار بأصبعه للسبحه».
(الشرح)
المسبحة هَذِهِ يقال لها: السبابة ويقال لها: المسحبة, في رواية أحمد والنسائي السبابة, ولمسلم المسبحة.
ومروان بن الحكم رفع يديه في الدعاء فأنكر عَلَيْهِ عمارة, قَالَ: قبح الله هاتين اليدين, الرَّسُوْل ما زاد عَنْ أن يرفع الأصبع.
(المتن)
ذكر البيان بأن المرء إذا أراد الإشارة في الدعاء يجب أن يشير بالسبابة اليمنى بعد أن يحنيها قليلاً
883 - أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن أبي ذباب، عن سهل بن سعد، قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبر ولا غيره، ولكن رأيته يقول هكذا» وقال أبو سعيد: بأصبعه السبابة من يده اليمنى يقوسها.
(الشرح)
يحنيها قليلاً ما تكون منتصبة, وَهَذَا إِذَا كَانَ عَلَى المنبر أو غيره, لكن إِن كَانَ وحده له أن يرفلع يديه كما في الحديث الآخر, «إِن الله يستحي من عبده إِذَا رفع يديه أن يردهما صفرًا», بت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم في الحديث الطويل أَنَّهُ في أثناء الليل منتصف الليل قام من فرشاه عليه الصلاة والسلام, فأحست بِهِ عائشة, وأصابتها الغيرة, وظنت أَنَّهُ سيذهب إِلَى بَعْض نسائه, فلحقته خرج عليه الصلاة والسلام فإذ وقت وفقت وَإِذَا مشى مشت, وقالت: فجاء إِلَى البقيع ورفع يديه طويلاً يدعو لهم, ثُمَّ لَمْ يرجع رجعت, فسبقته فَإِذَا نفسها يتردد, قَالَ: «ما لك؟ لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير», أخبرته فَقَالَ: أنت السواد الَّذِي رأيته؟ قالت: نعم, فنكزها وَقَالَ: «أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله», هَذَا فِيهِ أن النَّبِيّ رفع يديه رواه مسلم في صحيحه, رفع يديه يدعو, وكأن الحديث هَذَا ما رأيته شاهرًا يدعو كأنه إِذَا كَانَ عَلَى المنبر, فيكون أمام النَّاس لكن وحده قَدْ يدعو.
وثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء وفي الجمعة وَهُوَ يخطب النَّاس.
الحديث صحيح بشواهده عبد الرمن بن معاوية هُوَ ابن الحويرث الأنصاري الزرقي سيء الحفظ, وباقي رجاله ثقات, وأخرج الحديث أبي داود والطبراني في الكبير, وأخرجه الإمام أحمد من طريق ربعي بن إبراهيم عَنْ عبد الرحمن بن إسحاق بِهِ, وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وثبت أن النَّبِيّ رفع يديه في الاستسقاء, هَذَا إِمَّا أَنَّهُ يحمل عَلَى ما رأيته مبالغًا في الدعاء, مثل صلاة الاستسقاء بالغ فِيهَا.
مخالف للأحاديث الصحيحة الَّتِي فِيهَا أن النَّبِيّ رفع يديه في صلاة الاستسقاء, النكارة من جهة المتن, أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاة الاستسقاء في خطبة الاستسقاء, وَكَذَلِكَ الحديث «إِن الله يستحي من عبده إِذَا رفع يديه أن يردهما إليه صفرًا», هَذَا فِيهِ نكارة.
(المتن)
ذكر الزجر عن الإشارة في الدعاء بالأصبعين
884 - أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يدعو بأصبعيه جميعًا فنهاه وقال بإحداهما، باليمنى.
(الشرح)
وفي لفظ أَنَّهُ قَالَ: «أحّد أحّد», وأخرجه الترمذي (3557) في الدعوات، والنسائي 3/38 في السهو : باب النهي عن الإِشارة بأصبعين، عن محمد بن بشار، عن صفوان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رجلاً كأن يدعو بأصبعيه، فقال رسول اللًه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحِّد، أحِّد"، وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو في، "المستدرك" 1/536.
(المتن)
قال أبو حاتم: أضمر فيه أن الإشارة بالأصبعين ليكون إلى الاثنين، والقوم عهدهم كان قريبًا بعبادة الأصنام والإشراك بالله، فمن أجلهما أمر بالإشارة بأصبع واحد.
(الشرح)
الإشارة أن الله واحد إِلَى الوحدانية.
(المتن)
ذكر الأمر بالاستخارة إذا أراد المرء أمرا قبل الدخول عليه
885 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إذا أراد أحدكم أمرا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان كذا وكذا للأمر الذي يريد خيرا لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه، وإن كان كذا وكذا للأمر الذي يريد شرًا لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري، فاصرفه عني، ثم اقدر لي الخير أينما كان، لا حول ولا قوة إلا بالله».
(الشرح)
هَذَا دعاء الاستخارة ويكون بَعْدَ أن يصلي ركعتين يرفع يديه ويدعو بِهَذَا الدعاء ويسم حاجته, اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم هَذَا الْأَمْرِ الزواج أو السفر أو ما أشبه ذَلِكَ.
إسناده حسن أخرجه البزار وأبي يعلى والطبراني من طرق عَنْ يعقوب بن إبراهيم بِهَذَا الإسناد.
(المتن)
ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه
886 - أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، قال: حدثنا حمزة بن طلبة، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: حدثنا أبو المفضل بن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد أحدكم أمرا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان كذا وكذا خيرًا لي في ديني، وخيرا لي في معيشتي، وخيرًا لي في عاقبة أمري، فاقدره لي وبارك لي فيه، وإن كان غير ذلك خيرًا لي، فاقدر لي الخير حيث ما كان، ورضني بقدرك».
(الشرح)
في رواية: «ثُمَّ رضني بِهِ».
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أبو المفضل اسمه: شبل بن العلاء بن عبد الرحمن، مستقيم الأمر في الحديث.
ذكر البيان بأن الأمر بدعاء الاستخارة لمن أراد أمرا إنما أمر بذلك بعد ركوع ركعتين غير الفريضة
887 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر يسميه بعينه خيرًا لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري, فقدره لي ويسره لي وبارك فيه وإن كان شرًا لي في ديني ومعادي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ورضني به».
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن الأمر بدعاء الاستخارة لمن أراد أمرا إنما أمر بذلك بعد ركوع ركعتين غير الفريضة), يسجد سجدتين في غير الفريضة, وَكَذَلِكَ لا تكون في السنن الرواتب, يَعْنِي في الضحى أو بَعْدَ المغرب أو بَعْدَ العشاء, تصلي ركعتين مستقلتين, ليسا من الفريضة ولا من سنن الرواتب, ثُمَّ يسلم ويرفع يديه ويدعو بِهَذَا الدعاء, هَذَا هُوَ الصواب.
وَإِذَا كَانَ في وقت نهي بَعْدَ العصر أو بَعْدَ الفجر فلا, بَعْدَ المغرب أو بَعْدَ الظهر أو بَعْدَ العشاء لا بأس.
فَإِن قِيلَ: ومن قَالَ إِنَّهُ يدعو قبل السلام بَعْدَ التحيات وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ يدعو بِهَذَا؟ المعروف في الحديث أَنَّهُ يصلي ركعتين من غير الفريضة ثُمَّ ليقل, ثُمَّ للترتيب والتراخي, فالحديث صريح أَنَّهُ بَعْدَ السلام.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا انشرح صدره لشيء مضى له, وَإِذَا لَمْ ينشرح صدره لشيء أعاد الاستخارة ويستشير أَيْضًا, الحديث فِيهِ مشروع الاستخارة وأن الإنسان يستخير ربه, وَفِيهِ أن دعاء الاستخارة يكون بَعْدَ السلام من الركعتين من غير الفريضة ومن غير سنن الرواتب, اللَّهُمَّ إني أستخيرك بعلمك يَعْنِي يجعل الخيرة لله عز وجل, وَفِيهِ التوسل بصفات الله بعلمه وقدرته.
قوله: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب», فَهِيَ التوسل بالعلم والقدرة.
(المتن)
ذكر ما يقول المرء إذا رأى الهلال أول ما يراه
888 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي، قال: حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن أبيه، وعن عمه، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال، قال: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما نحب وترضى، ربنا وربك الله».
(الشرح)
إسناده صحيح لغيره وأخرج الحديث الدارمي في الصوم والطبراني وله شاهد من حديث طلحة بن عبيد الله عِنْد أحمد والترمذي.
وفي اللفظ الآخر: «هلال خير ورشد», عبد الرحمن بن عثمان قَالَ الذهبي مقل ضعفه أبو حاتم الرازي, ضعفه أبو حاتم الرازي، وأما ابن حبان، فذكره في الثقات، وأبوه عثمان بن إبراهيم روى عنه غير واحد، ووثقه المؤلف، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، روى عنه ابنه أحاديث منكرة، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه الدارمي في الصوم والطبراني وذكره الهيثمي في المجمع, ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لكنه حسن بالشواهد, يشير إِلَى الشاهد الَّذِي أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وأبو يعلى وابن السني والدارمي وابن أبي عاصم في السُّنَّة والبغوي, وسنده ضعيف لكنه حسن بالشواهد, وآخر من حديث قتادة عِنْد أبي داود في الأدب, باب ما يَقُولُ الرجل إِذَا رأى الهلال, والبغوي, وثالث من حديث رافع عِنْد الطبراني وإسناده حسن, ورابع من حديث عبادة بن الصامت عِنْد الطبراني أَيْضًا, وخامس من حديث أنس عِنْد الطبراني في الأوسط, فالحديث صحيح انظر مجمع الزوائد وابن أبي شيبة, خمسة شواهد.
(المتن)
ذكر استحباب الإكثار في السؤال ربه جل وعلا في دعائه، وترك الاقتصار على القليل منه
889 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنه يسأل ربه».
(الشرح)
يَعْنِي يكثر ويلح عَلَى ربه أَيْضًا بالدعاء, إِن الله يحب الملحين بالدعاء, وأحب عباده إليه سبحانه من يكثر من دعائه, بخلاف المخلوق, فَإِن الَّذِي يدعوه ويطلب منه يغضب عَلَيْهِ, ويتبرم, وَأَمَّا الله سبحانه وتعالى يغضب ممن ترك دعائه وسؤاله.
الله يغضب إِن تركت سؤال ... وبني آدم حين يُسأل يغضب
لا تسألن بني آدم حاجة ... وسل الَّذِي أبوابه لا تحجب
(المتن)
ذكر البيان بأن دعاء المرء ربه في الأحوال من العبادة التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا
890 - أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ هذه الآية: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}[غافر/60].
(الشرح)
إسناده صحيح, أخرجه أحمد والترمذي وذكره البخاري في الأدب المفرد وأخرجه ابن أبي شيبة, وَقَالَ: إسناده صحيح. وَهُوَ أصح من حديث «الدعاء مخ العبادة», حديث «الدعاء مخ العبادة», ضعيف, وَهَذَا أصح منه «الدعاء هُوَ العبادة», فِيهِ فضل الدعاء وأَنَّهُ عبادة, ينبغي للإنسان أن يكثر منه.
(المتن)
ذكر الشيء الذي إذا دعا المرء به ربه جل وعلا أجابه
891 - أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد، عن يحيى القطان، عن مالك بن مغول، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً، يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهدك أنك لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
(الشرح)
وَهَذَا فِيهِ فضل الدعاء وأن هَذَا من أسماء الله العظيمة, وَقِيلَ: إِن هَذَا اسم الله الأعظم وَقِيلَ: أسماء الله العظيمة, وَذَلِكَ أَنَّهُ توسل لله تعالى بأسمائه الأحد الصمد الَّذِي لَمْ يلد وَلَمْ يولد.
والتوسل بكلمة التوحيد والتوسل باسم الله الأحد الصمد الَّذِي لَمْ يلد وَلَمْ يولد, فكان هَذَا من أسباب قبول الدعاء, ولهذا قَالَ: «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
(المتن)
ذكر البيان بأن دعاء المرء بما وصفنا إنما هو دعاؤه باسم الله الأعظم لا يخيب من سأل ربه به
892 - أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن السكين البلدي بواسط، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان بن أبي شيبة الرهاوي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا مالك بن مغول، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو، يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهدك أنك لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب»، وإذا رجل يقرأ في جانب المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أعطي مزمارًا من مزامير آل داود» وهو عبد الله بن قيس قال فقلت له: يا رسول الله أخبره؟ فقال: «أخبره»، فأخبرت أبا موسى فقال: لن تزال لي صديقًا.
قال زيد بن الحباب: فحدثت به زهير بن معاوية فقال: سمعت أبا إسحاق السبيعي يحدث بهذا الحديث عن مالك بن مغول.
(الشرح)
هَذَا فِيهِ التوسل بأسماء الله وصفاته وَهَذَا من أسباب قبول الدعاء, من أسباب قبول الدعاء استقبال القبلة, ورفع اليدين, كُلّ هَذَا من أسبابه, قوله: العظيم أو الأعظم يحتمل أَنَّهُ اسم الله العظيم, ويحتمل أن الأعظم بمعنى العظيم.
قوله: (ذكر البيان بأن دعاء المرء بما وصفنا إنما هو دعاؤه باسم الله الأعظم لا يخيب من سأل ربه به), يَعْنِي إِذَا وجدت الشروط الأخرى, إِذَا وجدت الشروط وانتفت الموانع, ويكون قلبه حاضر ومستقبل القبلة وَعَلَى طهارة ولا يكون قلبه غافل, يَعْنِي المراد إِن وجدت الشروط الأخرى, فيحتمل أن هَذَا اسم الأعظم, أو أن الأعظم بمعنى العظيم, وَكُلّ أسماء الله عظيمة.
فَإِن قِيلَ: قول أبو موسى لن تزال لي صديقًا فِيهِ فرح بشيء ؟ بسبب أَنَّهُ أبلغه بهذه المنبقة له, «لقد أعطي مزمارًا من مزامير آل داود», يَعْنِي الصوت الحسن, المزمار الصوت الحسن يطلق عَلَى المغني ويطلق عَلَى القارئ والمراد القارئ والداعي, هَذَا من الأضداد, يطلق عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا, يطلق عَلَى المذموم يقال له: مزمار, ويطلق عَلَى الصوت الحسن المشروع يقال له مزمار أَيْضًا, فَقَالَ له: لَمْ تزال لي صديقًا حيث أبلغه بهذه المنبقة أَنَّهُ قَالَ: «لقد أعطي مزمارًا من مزامير آل داود», داود نبي, أعطي صوتًا حسنًا كما أعطي داود, قَالَ: لَمْ تزال لي صديقًا لما بلغه.
(المتن)
ذكر اسم الله العظيم الذي إذا سأل المرء ربه أعطاه ما سأل
893 - أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا خلف بن خليفة، قال: حدثنا حفص ابن أخي أنس بن مالك، عن أنس بن مالك، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في الحلقة، ورجل قائم يصلي، فلما ركع سجد وتشهد، دعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيام، اللهم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون بما دعا؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: «والذي نفسي بيده، لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى».
(الشرح)
إسناده قوي, خلف بن خليفة: هو ابن صاعد الأشجعي الكوفي: صدوق إلا أنه اختلط بأخرة، لكنه قد توبع عليه، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 3/158 و245، وأبو داود (1495) في الصلاة: باب الدعاء، والبخاري في الأدب المفرد (705) ، والبغوي في "شرح السنة" (1258) من طرق عن خلف ابن خليفة، به، وصححه الحاكم 1/503-504 ووافقه الذهبي
وهذا إسناد ضعيف لضعف سعيد بن زربي.
عَلَى كُلّ حال الحديث له شواهد, والحديث فِيهِ أن من أسباب قبول الدعاء التوسل إِلَى الله بأسمائه الحسنى, قَالَ: « اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان», وَفِيهِ أن الحنان من أسماء الله, وَكَذَلِكَ المنان, هَذَا من أسماء الله توسل إِلَى الله بأسمائه.
قَالَ الله تعالى عَنْ يحيى: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا}[مريم/13].
توسل بأن لله الحمد, وتوسل بكلمة التوحيد لا إله إِلَّا الله, وتوسل باسم الله الحنان وباسم الله المنان, وبديع السموات والأرض, كُلّ هَذِهِ من أسباب قبول الدعاء, يا ذا الجلال والإكرام يَعْنِي وسائل متعددة ولهذا قِيلَ: إِن هَذَا اسم الله الأعظم, وأسماء الله كلها عظيمة.
كَذَلِكَ يا حي يا قيام, ويقال: قيام وقيوم, قيم, كلها من أسماء الله, والجمع بين الحي والقيوم قِيلَ: إِنَّهُ اسم الله الأعظم, جمع الله بينهما في ثلاثة مواضع في الْقُرْآن الكريم, {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة/255], آية الكرسي, وفي آية آل عمران{اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}[آل عمران/2], وفي سورة طه{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}[طه/111].
حَتَّى قَالَ بَعْض العلماء: إنهما اسم الله الأعظم, وأن جميع الصفات ترجع إِلَى هَذَيْنِ الاسمين, إِلَى الحياة وَإِلَى صفة القيومية.
وكأنه في آخر التشهد ومحل الدعاء, ولهذا قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صلى أحدكم ذكر التشهد» ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ ليتخير من الدعاء أعجبه إليه», هَذَا في آخر التشهد هَذَا موطن للدعاء, وَكَذَلِكَ بين السجدتين, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علم أبو بكر أن يدعو دعاء, قَالَ: علمني دعاء أدعو بِهِ في صلاتي, قَالَ أقول: «اللَّهُمَّ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا», وفي لفظٍ: «كبيرًا وَإِنَّهُ لا يغفر الذنوب إِلَّا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم».
تشهد لَيْسَ معناه أَنَّهُ سلم, لما تشهد قَالَ في تشهده, فدعاء بِهَذَا الدعاء في آخر التشهد وأن يكون في الصَّلَاة أفضل من كونه بَعْدَ السلام؛ لِأَنَّهُ في الصلاة يناجي ربه, أفضل كونه في صلب الصَّلَاة.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: حفص هذا: هو حفص بن عبد الله بن أبي طلحة أخو إسحاق بن أخي أنس لأمه.
(الشرح)
عبد الله بن طلحة هُوَ أخ أنس من أمه, وَهَذَا حفص ابن أخيه فيكون عمه أنس, وأبوه عبد الله.
(المتن)
ذكر استحباب تفويض المرء للأمور كلها إلى بارئه مع سؤاله إياه الدق والجل من أسبابه
894 - أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا قطن بن نسير، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شسع نعله إذا انقطع».
(الشرح)
قوله: (ذكر استحباب تفويض المرء للأمور كلها إلى بارئه), يَعْنِي يتوكل عَلَى الله في جميع الأمور ويدعو ربه.
قوله: (مع سؤاله إياه الدق والجل من أسبابه), يَعْنِي القليل والكثير الدقيق والجليل, من أسبابه أيْ من أسباب قبول الدعاء, يَعْنِي يفوض الْأَمْرِ إِلَى الله وَمَعَ ذَلِكَ يسأل ربه الدقيق والجليل, وفي الحديث الآخر: ليسأل أحدكم ربه في كُلّ شيء؛ حَتَّى في شسع نعله, فَإِنَّهُ إِذَا انقطع إِن لَمْ يسره الله لَمْ يتيسر, وَهُوَ السير الَّذِي ظهر القدم إِذَا انقطع اسأل ربك أن ييسر إصلاحه.
قوله: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شسع نعله إذا انقطع».
هَذَا فِيهِ أَنَّهُ العبد يسأل ربه الدق والجل, هَذَا من الدق من الأشياء الدقيقة, يَعْنِي من الأشياء اليسير؛ حَتَّى الأشياء اليسيرة؛ لِأَنَّ الْأَمْرِ بيد الله, فَإِن الله إِذَا لَمْ ييسره وإن كَانَ يسير لا يتيسر, وشسع النعل هُوَ سير النعل الَّذِي في ظهر القدم.
أخرجه الترمذي والطبراني في الدعاء, وَقَالَ الترمذي: حديث غريب روى غير واحد هَذَا الحديث عَنْ جعفر بن سليمان, عَنْ ثبات البناني عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, وَلَمْ يذكر فِيهِ عَنْ أنس, ثُمَّ أورده من طريق صالح بن عبد الله عَنْ جعفر بن سليمان عَنْ ثابت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: هَذَا أصح من حديث قطن عَنْ جعفر بن سليمان.
وقطن في التقريب صدوق يخطئ, عَلَى كُلّ حال يكون حسن مَعَ الشواهد.
(المتن)
895 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بخبر غريب، قال: حدثنا قطن بن نسير الصيرفي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شسع نعله إذا انقطع».
ذكر العلة التي من أجلها أمر بهذا الأمر
896 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني خالي مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإنه لا يتعاظم على الله شيء».
(الشرح)
قوله: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة»، يَعْنِي تكون رغبة عظيمة فيما عِنْد الله, «فإنه لا يتعاظم على الله شيء»؛ لِأَنَّهُ سبحانه هُوَ الكريم, وبيده كُلّ شيء, فَإِذَا دعاء الإنسان فليعظم الرغبة فيما عِنْد الله عز وجل .
إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم وأخرجه الإمام أحمد والطبراني في الدعاء, ومن طريقه أخرجه مسلم في الذكر, والبغوي والطبراني.
وفي اللفظ الآخر: «ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فَإِن الله لا مكره له».
(المتن)
ذكر الخبر الدال على أن دعاء المرء بأوثق عمله قد يرجى له إجابة ذلك الدعاء.
(الشرح)
قوله: (ذكر الخبر الدال على أن دعاء المرء بأوثق عمله قد يرجى له إجابة ذلك الدعاء), يَعْنِي متوسل إِلَى الله بصالح عمله, قصة الثلاثة الَّذِينَ من بني إسرائيل؛ الَّذِينَ انطبقت عَلَيْهِمْ الصخرة الَّتِي في الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم, الأول توسل إِلَى الله ببره إِلَى والديه, الثاني توسل إِلَى الله بعفته عَنْ الزنا, والثالث توسل إِلَى الله بأمانته, ففرج الله كربتهم.
والله تعالى يَقُولُ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}[الطلاق/2].
(المتن)
897 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثني ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «خرج ثلاثة يتماشون، فأصابهم مطر، فدخلوا كهف جبل، فانحط عليهم حجر فسد عليهم الطريق، فقالوا: ادعوا الله بأوثق أعمالكم.
فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان شيخان كبيران، وأني رحت يوما فحلبت لهما، فأتيتهما وهما نائمان، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أسقي ولدي، وصبيتي عند رجلي يتضاغون، فقمت قائمًا حتى انفجر الصبح فسقيتهما اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا وأرنا السماء قال: فانفرج فرجة فرأوا السماء.
(الشرح)
فِيهِ الإخلاص قَالَ: «اللَّهُمَّ إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا», فِيهَا الإخلاص وَفِيهِ التوسل بالعمل الصالح, وَهَذَا من بره لوالديه أَنَّهُ لَمْ يقدم عَلَى أبويه الصبية, وَهُوَ يجوز له هَذَا, يجوز لو أعطى الصبية قبلهم وشربوا لا بأس, لكن من بره تحمل المشقة, ووقف والقدح عَلَى يديه حَتَّى برق الفجر؛ ثُمَّ سقا أبويه لما استيقظا ثُمَّ سقا الصبيان, من بره وعنايته وحرصه جعله يصبر هَذَا الصبر ويقف طول الليل؛ حَتَّى برق الفجر, فكان هَذَا من أوثق أعماله, وَكَانَ من الأعمال الصالحة الَّتِي يتوسل بها إِلَى الله في تفريج الكربة, ففرج الله الكربة.
وَفِيهِ أن هَذَا مَعَ الإخلاص, لما قَالَ: «اللَّهُمَّ إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا», لَابُدَّ من الإخلاص.
(المتن)
وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي بنت عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء وأني سألتها نفسها فقالت لا حتى تأتيني بمائة دينار فسعيت فيها حتى جمعتها فأتيتها فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه فتركتها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا وأرنا السماء قال: فزالت قطعة من الحجر ورأوا السماء.
(الشرح)
وَهَذَا توسل إِلَى الله بخشية الله والخوف منه وترك الفاحشة؛ لِأَنَّ الخوف من الله وسيلة من الوسائل؛ كما أن الإنسان يتوسل إِلَى الله بفعل الطاعة, يتوسل إليه بترك المعصية خوفًا من الله عز وجل, وَفِيهِ أَيْضًا الإخلاص.
قوله: «لا تفض الخاتم», يَعْنِي الفرج, لا تفعل الفاحشة إِلَّا بحقها, وحقها الزواج الشرعي.
(المتن)
وقال الآخر اللهم إني استعملت أجيرًا بفرق من الأرز فلما كان الليل أعطيته فلم يأخذ أجره وتسخطه فأخذت الفرق فزرعته حتى صار من ذلك بقرًا وغنمًا فأتاني بعد ذلك قال يا عبد الله اتق الله، ولا تظلمني أجري فقلت خذ هذه البقر وراعيها فقال اتق الله، ولا تهزأ بي قلت ما أهزأ بك فهو لك ولو شئت لم أعطه إلا الفرق اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال الحجر وخرجوا.
(الشرح)
والفَرَق ملء الكف, وجاء في بعضها أَنَّهُ ملء الكف, وَقَدْ يطلق الفرق عَلَى الثلاثة آصع.
قوله: (فقلت خذ هذه البقر وراعيها), مَعَ الرعاة يَعْنِي.
وَهَذَا توسل إِلَى الله بأمانته, استعمل أجيرًا بفرق ملء كف من الأرز, فَلَمَّا جاء المساء قَالَ: أعطني حقي, قَالَ: خذ ملء الكف, فسخطه وَقَالَ: هَذَا قليل ما يكفيني هَذَا, راح وتركه, فزرعه هَذَا الرجل, زرعه وثمره ومضت السنين؛ حَتَّى اشترى منه بقر وراعيها, فجاء بَعْدَ مدة طويلة تذكر, وَقَالَ: أعطني أجرتي, هِيَ عندك منذ سنين, فَقَالَ: خذ هَذَا البقر وراعيها, بقر كثير مَعَ الرعاة, قَالَ: سبحان الله أتهزأ بي, أجرتي ملء الكف الفرق, قَالَ: قلت: لا أهزأ بك, فأخذها كلها, وفي اللفظ الآخر أَنَّهُ اشترى بها إبل وبقر وغنم ورقيق, فساقها كلها, قَالَ: «اللَّهُمَّ إن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا هَذِهِ الصخرة, فانفرجت وخرجوا يمشون», والحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما, وَهُوَ حديث مشهور.
وفي هَذَا الحديث التوسل إِلَى الله بالأعمال الصالحة, وَفِيهِ أن الأعمال الصالحة من أسباب تفريج الكربات في الدنيا والآخرة, كما قَالَ تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}[الطلاق/2].
وَفِيهِ أَنَّهُ لَابُدَّ من الإخلاص في العمل, وَفِيهِ أن هَذِهِ الأعمال الَّتِي عملها هؤلاء بعضها فضل لَيْسَ بواجب عَلَيْهِ, فدل عَلَى أن اَلْمُسْلِم يتوسل إِلَى الله بالأعمال الصالحة من الفرائض والنوافل, وَفِيهِ فوائد عظيمة لمن عنده تأمل يؤخذ من الحديث.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هَذَا من أعظم ما يتوسل بِهِ إِلَى الله الخوف والرجاء.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ إِذَا كَانَ ما ظلمه ما تستجاب, إِذَا كَانَ يدعو عَلَيْهِ وَهُوَ ما ظلمه هَذَا عدوان, الرَّسُوْل يَقُولُ: «وَاتَّقِ دعوة المظلوم», أَمَّا غير المظلوم فلا, هُوَ يكون المعتدي إذا دعا عَلَيْهِ.