بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر سؤال العبد ربه أن لا يضله بعد إذ من عليه بالإسلام له والتوكل عليه
898 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا محمد بن إشكاب، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، عن الحسين يعني المعلم، عن ابن بريدة، حدثني يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون».
(الشرح)
وَهَذَا دعاء عظيم وَفِيهِ سؤال الإنسان ربه من ألا يضله «أعوذ بك لا إله إلا أنت أن تضلني», أخرجه البخاري في التوحيد ومسلم في الذكر والدعاء, وَهُوَ دعاء عظيم أخرجه الشيخان وغيرهما.
والشاهد قوله: «أعوذ بك لا إله إلا أنت أن تضلني», سؤال الله ألا يضله, سبحانه وتعالى هُوَ الحي الدائم.
(المتن)
ذكر الأمر بما يجب على المرء من الدعاء قبل هداية الله إياه للإسلام وبعده
899 - أخبرنا النضر بن محمد بن المبارك العابد، قال: حدثنا محمد بن عثمان العجلي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن ربعي، عن عمران بن حصين، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا محمد عبد المطلب خير لقومه منك، كان يطعمهم الكبد والسنام، وأنت تنحرهم، فقال له: ما شاء الله، فلما أراد أن ينصرف، قال: ما أقول؟، قال: «قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري»
فانطلق الرجل ولم يكن أسلم وقال: يا رسول الله، إني أتيتك فقلت: علمني، فقلت: «اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن حين أسلمت؟، قال: «قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري، اللهم اغفر لي ما أسررت، وما أعلنت، وما أخطأت، وما عمدت، وما جهلت».
(الشرح)
أخرجه الإمام أحمد وَقَالَ إسناده صحيح عَلَى شرط البخاري, وَقَالَ في المجمع: أخرجه الترمذي, قوله: «وما جهلت», أيْ ما علمت جاهلاً بقصدي إليه.
هَذَا دعاء قبل الإِسْلامُ, قوله: «كان يطعمهم الكبد والسنام، وأنت تنحرهم», جدك ينحر لهم السنام وكذا, وأنت تنحرهم يَعْنِي ردًا لدعوتك, فأمره أن يدعو ربه أن يديه إِلَى الإِسْلامُ, يَعْنِي الدعاء يكون قبل الإِسْلامُ وبعده, يَعْنِي يكون قبل الإِسْلامُ يدعو الله فيكون هَذَا الدعاء سببًا لهدايته إِلَى الإِسْلامُ.
قوله: «قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري، اللهم اغفر لي ما أسررت، وما أعلنت، وما أخطأت، وما عمدت، وما جهلت», هَذَا دعائه بَعْدَ الإِسْلامُ, أن يغفر له ما جهله, والدعاء كله خير إِذَا ما كَانَ فِيهِ إثم ولا قطيعة رحم ولا تعدي.
(المتن)
ذكر ما يستحب للمرء سؤال الرب جل وعلا الزيادة له في الهدى والتقوى
900 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى».
(الشرح)
هَذَا دعاء عظيم, أخرجه الإمام أ؛مد ومسلم وابن ماجة, «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى», جمع خير الدنيا والآخرة, الهدى هداه الله إِلَى الإِسْلامُ, هداه الله إِلَى أقوم الأخلاق, والتقى يرزقه الله التقوى وأصل التقوى توحيد الله, التعفف هُوَ الغنى جمع خيري الدنيا والآخرة.
(المتن)
ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا الهداية لأرشد أموره
901 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص، وامرأة من قريش، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي وخطاياي وعمدي»، وقال الآخر: إني سمعته يقول: «اللهم إني أستهديك لأرشد أموري، وأعوذ بك من شر نفسي».
(الشرح)
أخرجه الإمام أحمد وأخرجها الطبراني.
(المتن)
ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا صرف قلبه إلى طاعته
902 - أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: أخبرنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله، عن حيوة بن شريح، قال: حدثني أبو هانئ الخولاني، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن قلوب ابن آدم ملقى بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء» ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اصرف قلوبنا إلى طاعتك».
(الشرح)
إسناده صحيح أخرجه الإمام أحمد ومسلم, وفي الحديث الآخر: «كَانَ النَّبِيّ يكثر أن يَقُولُ: يا مقلب القلوب ثبت قلبي عَلَى دنيك», تقول عائشة: إنك يا رسول الله تكثر من هَذَا الدعاء, قَالَ: «وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن, فَإِذَا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قلبه».
«يا مقلب القلوب ثبت قلبي عَلَى طاعتك, يا مصرف القلوب صرف قلبي إِلَى طاعتك», فِيهِ إثبات الأصابع لله وجاء في الحديث أَنَّهَا خمسة أصابع, في حديث الحبر من أحبار اليهود الَّذِي قَالَ: يا محمد إِن عندنا أن الله يضع السموات عَلَى أصبع والأراضين في أصبع والماء والشجر عَلَى أصبع, والثراء عَلَى أصبع وسائر خلقه عَلَى أصبع خمسة أصابع, ثُمَّ يهزهن فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض, فصدقه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, خمسة أصابع كما يليق بجلاله وعظمته.
فَإِن قِيلَ: من أراد أن يتكلم عَنْ هَذَا الحديث عَنْ تقليب القلوب وجعل أصبعيه هكذا؟ ما له لزوم, لو كَانَ يحتاج إِلَى تحقيق الصفة ما ثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: أَنَّهُ أشار إِلَى أذنه وسمعه عِنْد قوله إِن الله كَانَ سميعًا بصيرًا هَذَا من باب تحقيق الصفة, إِذَا كَانَ من باب تحقيق الصفة فلا بأس, لكن ما له داعي معروفة الأصابع.
(المتن)
ذكر البيان بأن صلاة الداعي ربه على صفته صلى الله عليه وسلم في دعائه تكون له صدقة عند عدم القدرة عليها
903 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ببيت المقدس، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن دراجا حدثه، أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة، فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة»
وقال: «لا يشبع المؤمن خيرًا حتى يكون منتهاه الجنة».
(الشرح)
قَالَ: أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى وله شاهد من حديث هريرة عِنْد أبي شيبة, وأخرج القسم الثاني الترمذي وإسناده ضعيف لضعف دراج كما سبق, رواية جراج بن أبي الهيثم ضعيفة.
جاء في صحيح مسلم «أن كُلّ سلامي عَلَيْهِ صدقة, كُلّ يَوْم تطلع فِيهِ الشمس تعدل بين اثنين صدقة, وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها أو ترفع له متاعه عَلَيْهِ صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وَكُلّ تسبيحة صدقة», هَذِهِ صدقات يَعْنِي يشهد له, يَعْنِي المعنى صحيح, الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صدقة, والذكر صدقة, لكن الحديث ضعيف سنده, أبي الهيثم الدراج ضعيف.
(المتن)
حط الخطايا عن المصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم بها
904 - أخبرنا محمد بن الحسن بن خليل، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن بشر العبدي، عن يونس بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات».
(الشرح)
إسناده صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد والنسائي في عمل اليوم والليلة وأخرجه أبي يعلى, ولاشك أن الصَّلَاة ثواب وأجر وتكفر بها الخطايا.
(المتن)
ذكر كتبة الله جل وعلا الحسنات لمن صلى على صفيه محمد صلى الله عليه وسلم مرة واحدة
905 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: أخبرنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من صلى علي مرة واحدة، كتب له بها عشر حسنات».
(الشرح)
هَذَا فِيهِ فضل الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَذَا اللفظ أخرجه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح.
في هَذَا الإكثار من الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلّ صلاة بعشر, هَذَا فضل عظيم, ومعنى صلى الله عَلَيْهِ يَعْنِي ذكره في الملأ الأعلى, صلاة الله عَلَى عبده ثناؤه في الملأ الأعلى, وَقِيلَ: الرحمة وَقِيلَ غير ذَلِكَ, وأصح ما قِيلَ في تفسيره ما رواه البخاري عَنْ أبي العالية قَالَ: صلاة الله عَلَى عبده ثناؤه عَلَيْهِ في الملأ الأعلى.
(المتن)
ذكر تفضل الله جل وعلا على المصلي على صفيه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة بمغفرته عشر مرار
906 - أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا».
ذكر رجاء دخول الجنان المصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم عند ذكره مع خوف دخول النيران عند إغضائه عنه كلما ذكره
907 - أخبرنا أبو يعلى، قال: أخبرنا أبو معمر، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: «آمين آمين آمين» قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: «إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين».
(الشرح)
قوله: (ذكر رجاء دخول الجنان المصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم عند ذكره مع خوف دخول النيران عند إغضائه عنه كلما ذكره), يَعْنِي يرجو دخول الْجَنَّةَ عِنْد صلاته, وخوفه من النيران عِنْد إغضائه؛ يَعْنِي عدم ذكره.
والحديث إسناده حسن أخرجه البخاري في الأدب المفرد, وأخرجه البزار وصححه ابن خزيمة, فِيهِ أَنَّهُ ينبغي الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عِنْد ذكره, وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ ينبغي للإنسان أن يبر والديه وأن يحرص, وَالنَّبِيّ دعا عَلَيْهِ بأن يبعده الله, وَكَذَلِكَ ينبغي العناية بشهر رمضان والعبادة والذكر والدعاء, وترك المحرمات, يتأكد هَذَا.
(المتن)
ذكر خبر ثان يصرح بمعنى ما ذكرناه
908 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: أخبرنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده، فلم يصل علي، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر، فلم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له».
(الشرح)
وَهَذَا فِيهِ دعاء عَلَيْهِ بأن يرغم أنفه, أخرجه الحاكم وأخرجه الإمام أحمد والترمذي, وَهَذَا فِيهِ الدعاء عَلَيْهِ بالهوان والذل وأن يرغم أنفه؛ من ذكر عنده النبي ولم يصل عَلَيْهِ, ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما ومن أدرك رمضان فلم يغفر له؛ لِأَنَّ هَذَا لاشك أَنَّهُ فاقد للخير.
(المتن)
ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
909 - أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب بسنج، قال: حدثنا أحمد بن سنان القطان، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن حسين، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا أشبه شيء روي عن الحسين بن علي وكان الحسين رضوان الله عليه حيث قبض النبي صلى الله عليه وسلم، ابن سبع سنين إلا شهرا، وذلك أنه ولد لليال خلون من شعبان سنة أربع، وابن ست سنين وأشهر إذا كانت لغته العربية يحفظ الشيء بعد الشيء.
(الشرح)
هُوَ بينه وبين الحسن سنة أكبر منه بسنة.
قوله: (لغته العربية), المقصد من أجل صغره يحفظ الشيء بَعْدَ الشيء؛ لِأَنَّهُ صغير.