شعار الموقع

الدرس الأول

00:00
00:00
تحميل
9

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر الأمر بالاستغفار لله جل وعلا للمرء عما ارتكبه من الحوبات.

929- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا أبو الوليد، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، أخبرني، قال: سمعت أبا بردة يقول: سمعت رجلًا من جهينة يقال له: الأغر، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث ابن عمر، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة».

(الشرح)

(الحوبات) يَعْنِي: السيئات: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء/2]؛ يَعْنِي: السيئات والآثام.

هذا الحديث في الصحيحين, وفي اللفظ الآخر: «إني أستغفر في اليوم الواحد سبعين مرة», وهنا قَالَ: «فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة».

(المتن)

قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «توبوا إلى ربكم» يريد به: استغفروا ربكم، وكذلك قوله: «فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة»، وكان استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقصيره في الطاعات التي وظفها على نفسه، لأنه صلى الله عليه وسلم كان من أخلاقه إذا عمل خيرًا أن يثبته فيدوم عليه، فربما اشتغل في بعض الأوقات عن ذلك الخير الذي كان يواظب عليه بخير آخر، مثل اشتغاله بوفد بني تميم والقسمة فيهم عن الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر، فلما صلى العصر أعادهما، فكان استغفاره صلى الله عليه وسلم للتقصير في خير اشتغل عنه بخير ثان على حسب ما وصفنا.

(الشرح)

الله تعالى قَالَ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح/2], وقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد/19].

هذا فيهِ نظر يَعْنِي: كونه قصر في أذكارٍ, وَلَكِن النَّبِيِّ r قد يفعل خلاف الأولى, قد يجتهد خلاف الأولى, مثل لما أعرض عن عبد الله بْنُ أم مكتوم, كَانَ يرجو كبراء قريش أن يُسلموا فالله عاتبه قَالَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}[عبس/1-2].

ومثل قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[الأحزاب/37].

قد يجتهد r ويفعل خلاف الأولى فيعاتبه الله, أما قوله: أن هناك أذكار قصر فيها فيستغفر؛ هذا فيهِ نظر ويحتاج إِلَى دليل, من أين جاء هذا؟.

(المتن)

ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعقيب الاستغفار كل عثرة، وإن كان المرء مشمرا في أنواع الطاعات.

930- أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بمصر، قال: حدثنا عيسى بن حماد، قال: أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقلت، فإن عاد زيد فيها، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو فيهِ»، فهو الران الذي ذكر الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين/14].

(الشرح)

قَالَ: إسناده حسن أخرجه الترمذي وابن ماجة, وذكر إسناده اِبْن ماجة وتكلم عن الران: الذي يعلو عَلَى القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود.

(المتن)

ذكر لفظ لم يعرف معناه جماعة لم يحكموا صناعة العلم.

931- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عُبيد بن حساب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، قال: حدثنا أبو بردة، عن الأغر المزني، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة».

قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليُغان على قلبي»، يريد به: يرد عليه الكرب من ضيق الصدر مما كان يتفكر فيه صلى الله عليه وسلم بأمر اشتغاله كان بطاعة عن طاعة، أو اهتمامه بما لم يعلم من الأحكام قبل نزولها، كأنه كان يعد، صلى الله عليه وسلم، عدم علمه بمكة بما في سورة البقرة من الأحكام قبل إنزال الله إياها بالمدينة ذنبًا، فكان يغان على قلبه لذلك، حتى كان يستغفر الله كل يوم مائة مرة، لا أنه كان يُغان على قلبه من ذنب يذنبه، كأمته صلى الله عليه وسلم.

(الشرح)

أيضًا ليس بظاهر هذا, الغين: غطاء خفيف يكون عَلَى القلب, في غين وفي غيم, هو غطاء خفيف من أثر الغفلة والانشغال, هذا يريد أن يبرئ جانب النَّبِيِّ r والرسول r جانبه بريء ولا يحتاج مثل هذا: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة».

قَالَ: أخرجه مسلم, وأخرجه الإمام أحمد, وأخرجه النسائي والطبراني, أما قول أبو حاتم: (يرد عليه الكرب من ضيق الصدر مما كان يتفكر فيه صلى الله عليه وسلم بأمر اشتغاله كان بطاعة عن طاعة) ما عليه دللي هذا, وإن الغين شيء خفيف, النَّبِيِّ r قد يستغفر مثلما كَانَ يخرج من الخلاء قَالَ: «غفرانك» يَعْنِي: هَذِه المدة الَّتِي ما تمكن فيها من ذكر الله استغفر ربه, كذلك يحصل له غفلة ويتأخر عن الاستغفار فيسأل الله المغفرة, المقصود: أن هذا تأويل بأنه يحصل له كرب هذا تأويل لا وجه له.

(لا أنه كان يغان على قلبه من ذنب يذنبه، كأمته صلى الله عليه وسلم) كما سبق أن النَّبِيِّ r معصوم من الشِّرْك, ومعصوم من الكبائر, أما الصغائر قد تحصل خلاف الأولى.

(المتن)

ذكر سيد الاستغفار الذي يستغفر المرء ربه لما قارف من المأثم.

932- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا حسين بن ذكوان، عن عبد الله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، وأنا عبدك، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنوبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».

(الشرح)

هذا سيد الاستغفار وهذا أفضل الاستغفار: «اللهم أنت ربي، وأنا عبدك، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنوبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».

كَانَ سيد الاستغفار لِأَنَّهُ اعترف فيهِ بربوبية الله, ثم فيهِ كلمة التوحيد: لا إله إِلَّا الله اللهم أنت ربي, فيهِ: اعتراف بالربوبية لله, «لا إله إِلَّا أنت» كلمة التوحيد؛ وحد الله, «خلقتني وأنا عبدك» الاعتراف بأن الله هو الخالق والاعتراف بعبودية الإنسان لربه, «وأنا عَلَى عهدك ووعدك ما استطعت» هذا التزام بالوعد عَلَى حسب الاستطاعة.

«أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي» اعتراف بالنعمة, «وأبوء لك بذنوبي» إقرار واعتراف بالذنب, «فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» اعتراف بأنه لا يغفر الذنوب إِلَّا الله, «فاغفر لي» مغفرةً من عندك وارحمني طلب المغفرة والرحمة, بهذا كَانَ سيد الاستغفار لهذه المعاني العظيمة الَّتِي اشتمل عليها.

فإن قيل: زيادة «أصبحت عَلَى عهدك ووعدك»؟.

قَالَ: أخرجه الإمام أحمد, والبخاري في الدعوات والنسائي, ولم يتكلم عن أصبحت, المعروف «وأنا عَلَى عهدك» ما في: أصبحت, عَلَى كل حال إن ثبتت بمعنى: أنا أصبحت عَلَى عهدك, ولزم أن تكون في الصباح, يَعْنِي: أنا أصبحت معترفًا.

(المتن)

ذكر سيد الاستغفار الذي يُدخل قائله به الجنة إذا كان على يقين منه.

933- أخبرنا أحمد بن محمد الحيري أبو عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن هاشم، قال: حدثنا يحيى القطان، عن حسين المعلم، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بالنعمة، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فإن قالها بعدما يصبح موقنًا بها ثم مات، كان من أهل الجنة، وإن، قالها بعدما يمسي موقنا بها، كان من أهل الجنة».

(الشرح)

بهذا الشرط: «موقنًا بها» عنده يقين, ونفي للشك والريب.

(المتن)

قال أبو حاتم رضي الله عنه: سمع هذا الخبر عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وسمعه من بُشير بن كعب، عن شداد بن أوس, فالطريقان جميعًا محفوظان.

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح وهو مكرر لما قبله, وأخرجه أحمد والنسائي في "عمل اليوم والليلة".

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد