بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
ذكر الأمر للمرء أن يسأل حفظ الله جل وعلا إياه بالإسلام في أحواله.
934- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة بخبر غريب، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني العلاء بن رؤبة التميمي هو الحمصي، عن هاشم بن عبد الله بن الزبير، «أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ذلك، وسأله أن يأمر له بوسق من تمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أمرت لك بوسق من تمر، وإن شئت علمتك كلمات هي خير لك؟ قال: علمنيهن، ومر لي بوسق، فإني ذو حاجة إليه، فقال: قل: اللهم احفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُطع فيَ عدوًا حاسدًا، وأعوذ بك من شر ما أنت آخذ بناصيته، وأسألك من الخير الذي هو بيدك كله».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: توفي عمر بن الخطاب، وهاشم بن عبد الله بن الزبير ابن تسع سنين.
(الشرح)
والوسق ستون صاعًا, وهذا دعاء عظيم: «اللهم احفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُطع فيَ عدوًا حاسدًا، وأعوذ بك من شر ما أنت آخذ بناصيته، وأسألك من الخير الذي هو بيدك كله» دعاءٌ بالحفظ.
قَالَ: العلاء بن رؤية، ويقال له: المعلى ترجمه الفسوي في تابعي أهل المدينة من مصر ممن روى عنهم الزهري، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال البخاري في «الكنى» ص 73 من (تاريخه): أبو المعلى بن رؤبة وتعقبه ابن أبي حاتم 9/ 443، فقال: كذا قال البخاري في كتابه، وسمعت أبي يقول: إنما هو المعلى بن رؤبة وهو شامي يروي عن أبن عبد الله بن الزبير روى عنه الزهرى، وأرطأة بن المنذر وشيخه هاشم بن عبد الله مترجم في «الجرح والتعديل» 9/ 104، وذكره المؤلف في «الثقات» 5/ 513 وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه 1/403 من طريق أصبغ، عن ابن وهب بهذا الإسناد, وللمرفوع منه شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم 1/525 من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الصهباء، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وتعقبه الذهبي، قال: أبو الصهباء لم يخرج له البخاري.
عَلَى كل حال: هذا الدعاء طيب, الدعاء بالحفظ طيب لا محظور فيهِ.
(المتن)
ذكر الأمر باكتناز سؤال المرء ربه جل وعلا الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد عند اكتناز الناس الدنانير والدراهم.
935- أخبرنا محمد بن المعافى العابد بصيدا ولم يشرب الماء في الدنيا ثمان عشرة سنة، ويتخذ كل ليلة حسوًا فيحسوه.
(الشرح)
ما هو الحسو هذا, هل هو غير الماء, وه هذا ممكن أنه يجلس ثمان عشرة عامًا لم يشرب الماء؟! يَعْنِي: هو يشرب سوائل غير الماء مثل القهوة, العصير, السلف ما كَانُوا عندهم قهوة لَكِنْ كَانُوا يجعلون مثلًا في الماء تمر, فيشربه من غير الماء مثلًا, لَكِنْ حتى لو كَانَ كذلك كونه لا يشرب الماء مدة ثمان عشر سنة هَذِه مدة طويلة وغريب هذا, وهل تُغني السوائل عن الماء؟ لا, لبد يشرب الماء.
فإن قيل: إن كَانَ يفعله زهدًا أو ورعًا مثلًا هل فعله هذا مشروع؟.
لا, الرسول r أفضل الخلق قد شرب الماء, والله تعالى يقول: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء/30].
وهذه دعوى الآن ولابد لها من دليل, قَالَ: (أخبرنا محمد بن المعافى العابد بصيدا ولم يشرب الماء في الدنيا ثمان عشرة سنة، ويتخذ كل ليلة حسوًا فيحسوه) فهذا يحتاج إِلَى إثبات, ويمكن هذا الحسو هو ماء مرة في اليوم مثلًا؛ لِأَنّ هذا مبهم الآن ما بينه, يحتمل أَنَّه ما شرب إِلَّا ما يتحساه ليلًا في اليوم يَعْنِي مرة.
(المتن)
قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم، قال: خرجت مع شداد بن أوس، فنزلنا مرج الصفر، فقال: ائتوني بالسفرة نعبث بها، فكان القوم يحفظونها منه، فقال: يا بني أخي، لا تحفظوها عني، ولكن احفظوا مني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اكتنز الناس الدنانير والدراهم، فاكتنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب».
(الشرح)
في بعضها سقطت: «وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا».
إسناده ضعيف، سويد بن عبد العزيز لين الحديث، وأخرجه أحمد 4/125، والترمذي (3407) ، والطبراني في الكبير (7175).
وأخرجه النسائي 3/54 في السهو: باب نوع آخر من الدعاء، والطبراني (7176) و (7180) من طريق الجريري، عن أبي العلاء، عن شداد.
وصححه الحاكم 1/508 على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، من طريق عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، عن عكرمة بن عمار، قال: سمعت شدادًا أبا عمار، يحدث عن شداد بن أوس.
(الصُفرة) في "المسند" الشفرة.
(المتن)
ذكر الأمر بمسألة العبد ربه جل وعلا الحسنة في الدنيا والآخرة في دعائه.
936- أخبرنا محمد بن يزيد الزُرقي بطرسوس، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا حميد، عن ثابت، عن أنس، قال: «عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد صار مثل الفرخ، فقال: ما كنت تدعو بشيء أو تسأل؟ قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة، فعجله في الدنيا، فقال: سبحان الله، لا تستطيعه، أو لا تُطيقه، قل: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
قال أبو حاتم: ما سمع حُميد عن أنس إلا ثمانية عشر حديثًا، والأخر سمعها من ثابت، عن أنس.
(الشرح)
قَالَ: ذكره العلائي في جامع التحصيل, قال الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" ص 201-202: وقال مؤمل بن إسماعيل: عامة ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت البناني عنه، وقال أبو عبيدة الحداد عن شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثًا، والباقي سمعها من ثابت، أو ثبته فيها ثابت, قلت: فعلى هذا، فما دلسه حميد عن أنس صحيح، لأن الواسطة بينهما وهو ثابت ثقة.
وأخرجه أحمد 3/288، ومسلم (2688), وابن أبي شيبة, يَعْنِي: هذا الرجل يدعو عَلَى نفسه أن يعجل الله له في الدنيا ما كَانَ سيلقاه في الآخرة حتى صار مثل الفرخ ضعيف, قَالَ النَّبِيِّ r: «لا تستطيعه، أو لا تُطيقه» اسأل ربك العافية قل: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» أما أن يسأل ربه أن يعذبه فلا حول ولا قوة إِلَّا بالله.
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء سؤال الباري جل وعلا الحسنة له في داريه.
937- أخبرنا أبو عروبة بحران، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
قال شعبة: فذكرته لقتادة، فقال: كان أنس يدعو به.
(الشرح)
وحسنة الدنيا وحسنة الآخرة تشمل حسن الدنيا والآخرة: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة» تشمل الزوجة الصالحة, والمال الحلال, والبيت الفسيح, والولد الصالح, «وفي الآخرة حسنة» تشمل رضا الله, والتمتع بدار كرامته, والنجاة من النار, بهذا يجمع خيري الدنيا والآخرة, فهذا دعاء عظيم وكان النَّبِيِّ r يختم بِهِ دعائه, وقال الله تعالى في كتابه العظيم: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[البقرة/200-202].
هذا في الْقُرْآن, فيكفي حتى لو لم يأتي إِلَّا هَذِه الآية.
(المتن)
ذكر البيان بأن الدعاء الذي وصفناه كان من أكثر ما يدعو به صلى الله عليه وسلم في أحواله.
938- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، أنهم قالوا لأنس بن مالك: ادع الله لنا، فقال: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قالوا: زدنا، فأعادها؛ قالوا: زدنا، فأعادها؛ فقالوا: زدنا، فقال: ما تريدون؟ سألت لكم خير الدنيا والآخرة».
قال أنس: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يدعو بها: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
(الشرح)
قَالَ: إسناده صحيح, والقسم الثاني أخرجه اِبْن أبي شيبة, وأبو يعلى، والبغوي في "شرح السنة" (1382).
والقسم الأول: أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن شعبة لم يسمع من إسماعيل بن علية إلا خبر التزعفر.
939- أخبرنا بكر بن محمد بن عبد الوهاب القزاز بالبصرة، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يعقوب الكرماني، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيل ابن عُلية، عن عبد العزيز بن صهيب، قال: قلت لأنس بن مالك: أخبرني عن دعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» فلقيت إسماعيل فسألته، فقال: أكثر دعوة يدعو بها: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
(الشرح)
دعاء عظيم يجمع بِهِ خيري الدنيا والآخرة.
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء أن يزيد في الدعاء الذي وصفناه الإقرار بالربوبية لله جل وعلا.
940- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، قال: سأل قتادة أنسا: «أي دعوة أكثر ما يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أكثر دعوة يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
ذكر الخبر الدال على أن المرء مكروه له أن يدعو بضد ما وصفنا من الدعاء.
941- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا حميد، عن ثابت، عن أنس، قال: عاد النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد جهد حتى صار مثل الفرخ، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل كنت دعوت الله بشيء؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تستطيعه، أو لا تطيقه، فهلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟ قال: فدعا الله فشفاه».
(الشرح)
هو يدعو بأن يعجل الله له ما كَانَ معذبه بِهِ في الآخرة, وهذا ضد: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة».
(المتن)
ذكر ما يجب على المرء من سؤال الباري تعالى الثبات والاستقامة على ما يقربه إليه بفضل الله علينا بِذَلِكَ.
942- أخبرنا محمد بن علي الصيرفي بالبصرة، قال: حدثنا العباس بن الوليد القرشي، قال: حدثنا وهيب بن خالد، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: «يا رسول الله، قل لي قولا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم».
(الشرح)
هذا أمرٌ بالاستقامة: «قل: آمنت بالله، ثم استقم».
قَالَ: إسناده صحيح على شرط الشيخين, وتكلم عن رجال الحديث وقال: وأخرجه أحمد 3/413، ومسلم (38), وأخرجه الترمذي (2410) ، وأبو داود الطيالسي (1231) ، وابن ماجة (3972).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت/30].