شعار الموقع

الدرس الثالث

00:00
00:00
تحميل
8

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر الإخبار عما يجب على المرء من التملق إلى الباري في ثبات قلبه له على ما يحب من طاعته.

943- أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون، قال: حدثنا أبو ثور، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن بسر بن عبيد الله، قال: سمعت أبا إدريس الخولاني، أنه سمع النواس بن سمعان، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه» قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك» قال: «والميزان بيد الرحمن يرفع قومًا ويخفض آخرين إلى يوم القيامة».

(الشرح)

قَالَ: أخرجه الإمام أحمد, والآجري في الشريعة, والنسائي, وذكر أيضًا في الباب عند الترمذي بإسناد حسن وابن ماجة.

«يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك» ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ النَّبِيِّ r يُكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي عَلَى دينك, فقلت: يا رسول الله أنت تكثر من هذا الدعاء, فهل تخاف؟ قَالَ: وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قلبه».

وكان النَّبِيِّ r في حلفه يكثر أن يقول: «لا ومقلب القلوب» نسال الله أن يثبت قلوبنا عَلَى طاعته.

(المتن)

ذكر الخبر الدال على أن هذه الألفاظ من هذا النوع أطلقت بألفاظ التمثيل والتشبيه على حسب ما يتعارفه الناس فيما بينهم دون الحكم على ظواهرها.

944- أخبرنا محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بنسا، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يقول الله جل وعلا للعبد يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني, ويقول: يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني؟ فيقول: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا استسقاك فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي, يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: ألم تعلم أن عبدي فلانًا استطعمك فلم تطعمه، أما لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي».

(الشرح)

وهذا رواه الإمام مسلم في صحيحه, والحديث واضح وليس فيهِ إشكال, واستشكله بعض المؤولين للصفات, وقالوا: إن هذا الحديث يدل عَلَى معنًا فاسد فلابد من تأويله؛ لِأَنّ فيهِ أن الله مرض وجاع وعطش, فلابد من تأويله, وقالوا: لو أبقيناه عَلَى حاله لدل عَلَى معنًا فاسد فيجب تأويله, وذكر هذا شيخ الإسلام رحمه الله في التدمرية وفي غيرها, والصواب: أن الحديث ما يدل عَلَى معنًا فاسد؛ لِأَنّ الجملة الثانية بينت الأولى, إذا جاء البيان في نفس الحديث فلا إشكال: «يقول الله جل وعلا للعبد يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني» الجملة الثانية دلت عَلَى أن الذي مرض هو العبد.

«ويقول: يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني؟ فيقول: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا استسقاك فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي» الجملة الثانية دلت عَلَى أن الذي عطش هو العبد, «يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: ألم تعلم أن عبدي فلانًا استطعمك فلم تطعمه، أما لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي» الجملة الثانية دلت عَلَى أن الذي جاع هو العبد.

وأما قوله: مرضت, واستسقيت, واستطعمت, هذا فيه: دليل عَلَى أن الله تعالى جعل مرض العبد مرضه, واستطعامه استطعامه, واستسقائه استسقائه؛ لِأَنَّهُ وليٌ من أوليائه, فالمقصود: أن الحديث ما دل إِلَّا عَلَى معنًا صحيح, إذا جاء البيان في نفس الحديث زال الإشكال, بل إذا جاء البيان في حديث آخر يُفسر بِهِ, وهنا جاء البيان في نفس الحديث والحديث هذا قدسي, فالرب سبحانه وتعالى بين أن الذي مرض هو العبد, والذي استسقى هو العبد, والذي استطعم هو العبد, ما في إشكال.

وابن حبان رحمه الله غلط في هذا, وتأول, وقال: إن هَذِه الكلمات تجري عَلَى ألسنة العرب وليست مقصودة, قَالَ: (ذكر الخبر الدال على أن هذه الألفاظ من هذا النوع أطلقت بألفاظ التمثيل والتشبيه على حسب ما يتعارفه الناس فيما بينهم دون الحكم على ظواهرها) هذا غلط منه رحمه الله والحديث واضح ما في تمثيل ولا تشبيه, الحديث بين الذي مرض هو العبد, والذي استسقى هو العبد, والذي استطعم هو العبد, والجملة الثانية بينت الأولى.

فالحديث واضح والحمد لله, وَلَكِن الله جعل مرض العبد مرضه لعنايته بالعبد, وبيان فضل زيارة المريض وإطعام الجائع وإسقاء العطشان, ولا في تمثيل ولا تشبيه.

فإن قيل: في زيارة المريض قَالَ: لوجدتني, وفي السقي والإطعام لوجدت ذلك عندي؟.

وفي اللفظ الآخر: «لوجدتني عنده» يَعْنِي: ثوابه مُدخرٌ له.

(المتن)

ذكر الأمر بسؤال العبد ربه جل وعلا الهداية والعافية والولاية فيمن رزق إياها.

945- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت بريد بن أبي مريم يحدث، عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة، فجعلتها في في، فانتزعها بلعابها، فطرحها في التمر، وكان يعلمنا هذا الدعاء: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت»، قال شعبة وأظنه قال: «تباركت وتعاليت».

(الشرح)

قَالَ: أخرجه الإمام أحمد والطيالسي وعبد الرزاق والطبراني, والحديث إسناده صحيح, ومحمد هو اِبْن جعفر الهُذلي مولاهم البصري ملقب بغُندر.

والحسن بْنُ علي هذا اِبْن بنت النَّبِيِّ r فاطمة رضي الله عنها, وفيه: أن النَّبِيِّ r علمه هذا الدعاء, وهذا الدعاء يقال في القنوت في الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت».

وفي الحديث الآخر: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت عَلَى نفسك» هذا حسن, وإذا اقتصر عَلَى هذا كفى في الوتر, هَذِه دعوات عظيمة يُقتصر عليها في الوتر ولا ينبغي الإطالة كما يفعل بعض الأئمة من الإطالة في الوتر ويشق عَلَى الناس.

والنبي r قَالَ: إنه علمها له أيضًا لما كَانَ صغير فأخذ تمرة من تمر الصدقة والصدقة لا تحل للنبي r ولا لأهله, أخذها النَّبِيِّ r من فمه بلعابها, وقال: «أما علمت آنا لا نأكل الصدقة» وهو صغير من الصبيان, ففيه: تعليم الصبيان ومنعهم مما يُمنع منه الكبار.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: أبو الحوراء ربيعة بن شيبان السعدي، وأبو الجوزاء اسمه: أوس بن عبد الله، وهما جميعًا تابعيان بصريان.

(المتن)

ذكر الأمر بسؤال العبد ربه جل وعلا المغفرة والرحمة والهداية والرزق.

946- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، قال: حدثنا ابن نمير، ويعلى بن عبيد، قالا: حدثنا موسى الجهني، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علمني كلاما أقوله، قال: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم العزيز الحكيم، قال: هؤلاء لربي، فما لي؟، قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني».

(الشرح)

الكلمات الأولى نوع من أنواع الاستفتاح: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين».

قال أبو حاتم رضي الله عنه: كل ما في هذه الأخبار: اللهم اهدني، اللهم إني أسألك الهدى، وما يشبهها من الألفاظ إنما أريد بها الثبات على الهدى والزيادة فيه، إذ محال أن يؤمن المؤمن بسؤال الزيادة وقد هداه الله قبل ذلك.

وهذا ليس بواضح, بل الْمُؤْمِن يسأل الهداية والزيادة منها, ويسأل أن يهديه لأمرٍ لم يهتدي إليه, مثل: اهدنا الصراط المستقيم, (وقد هداه الله قبل ذلك) في أمور أخرى يحتاج إِلَى أن يهديه الله ويعلمه الله ما لم يعلم, ومن هداه الله يسأل الله أن يثبته عليه وأن يجزيه منه, هذا قول بَعْضُهُم قَالَ: كيف يقول: اهدنا الصراط المستقيم وقد هداه الله؟ فأجابوا عن هذا قالوا: معناه يثبته, وهذا ليس بواضح, بل يثبته وأيضًا يسأل الله أن يهديه لأمورٍ لم يعلمها, ما كل شيء يعلمه الإنسان, ثم يسأل الله أن يوفقه للعمل أيضًا, هناك شَيْئًا يعلمه الإنسان ولم يعمل بِهِ فهو محتاج إِلَى أن يهديه الله للعمل, وهناك شيئًا لم يعلمه يحتاج أن يعلمه الله ويهديه له.

قَالَ: أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم.

(المتن)

ذكر ما يستحب للمرء سؤال الرب جل وعلا المعونة والنصر والهداية.

947- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن طليق بن قيس الحنفي، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «ربِ أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر عليَ، وامكر لي، ولا تمكر عليَ، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرًا، لك أواها، لك مطواعا، لك مخبتًا أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهدِ قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي».

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي, والبخاري في الأدب المفرد.

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث.

948- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني سفيان، قال: حدثني عمرو بن مرة، قال: حدثني عبد الله بن الحارث المعلم، قال: حدثني طليق بن قيس الحنفي، عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: اللهم أعني ولا تُعن عليَ، وانصرني ولا تنصر عليَ، وامكر لي ولا تمكر عليَ، واهدني ويسر لي الهدى، وانصرني على من بغى عليَ، اللهم اجعلني لك شكارا، لك ذكارًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا، لك أواهًا منيبًا، رب اقبل توبتي، واغسل حوبتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي».

قال أبو حاتم: محمد بن يحيى بن سعيد أبو صالح ما حدثنا عنه أبو يعلى إلا هذا الحديث.

(الشرح)

كلمات عظيمة, «أواه» يَعْنِي: رجاع إِلَى الله, «مخبت» يَعْنِي: منيب, «لك ذكارًا شكارًا» صيغة مبالغة تفيد كثرة الذكر والشكر.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد