شعار الموقع

الدرس الثامن

00:00
00:00
تحميل
9

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر ما يجب على المرء الدعاء على أعدائه بما فيه ترك حظ نفسه.

973- أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

(الشرح)

يَعْنِي: يدعو لهم ولا يدعو عَلَيْهِمْ؛ لِأَنّ إذا دعا عَلَيْهِمْ فيهِ حظ لنفسه, وإذا دعا لهم فيهِ تركٌ لحظ نفسه, فالنبي r قَالَ: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» هم آذوه فترك حظ نفسه ودعا لهم بدل من أن يدعو عَلَيْهِمْ.

قَالَ: إسناده حسن, أخرجه الطبراني من طرق, وله شاهد من حديث اِبْن مسعود عند أحمد, والبخاري في الأنبياء بلفظ: «كأني أنظر إِلَى النَّبِيِّ r يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

هذا فيهِ صبر الأنبياء عَلَيْهِمْ الصلاة والسلام وتحملهم, أدموا وجهه وهو يمسح الدم ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, وبعض الناس ما يتحمل, لو تَأْتِيَ كلمة دعا عليه.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: يعني هذا الدعاء أنه، قال يوم أحد لما شج وجهه، قال: «اللهم اغفر لقومي» ذنبهم بي من الشج لوجهي، لا أنه دعاء للكفار بالمغفرة، ولو دعا لهم بالمغفرة لأسلموا في ذلك الوقت لا محالة.

يَعْنِي: هم مشركون الآن فلا يُدعى لهم بالمغفرة, لَكِنْ لو دعا لهم بالمغفرة قد يُسلمون وقد لا يُسلمون؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r دعا عَلَى قوم ونزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران/128].

قَالَ النَّبِيِّ r: «دعوت ربي فمنعني دعوتين وأعطاني اثنتين» أما قوله: (ولو دعا لهم بالمغفرة لأسلموا في ذلك الوقت لا محالة) قد يُسلمون وقد لا يُسلمون, لَكِنْ محتمل: «اللهم اغفر لقومي» دعاء لهم بالمغفرة من إثم الشجة, ليس المراد: اللهم اغفر لهم في الآخرة؛ لأنهم مشركون الآن.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء سؤال الباري جل وعلا تسهيل الأمور عليه إذا صعُبت.

974- أخبرنا محمد بن المسيب بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، قال: حدثنا سهل بن حماد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحَزن سهلًا إذا شئت».

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح أخرجه اِبْن السني, وأخرجه أبو داود الطيالسي وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة.

(المتن)

ذكر الزجر عن استعجال المرء إجابة دعائه إذا دعا.

975- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد، مولى ابن أزهر، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يُستجب لي».

(الشرح)

وهذا من موانع قبول الدعاء؛ الاستعجال, كونه يستعجل ويتحسر يقول: «دعوت ودعوت فلم يُستجب لي» فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل, بل عليه أن يُكثر من الدعاء ويُلح عَلَى الله بالدعاء مع حضور القلب, والله سبحانه حكيمٌ عليم قد يعجل له دعوته, وقد يعطيه من الخير ما هو أفضل, وقد يدفع عنه من الشر كذلك.

(المتن)

ذكر البيان بأن استجابة دعاء الداعي ما لم يعجل إنما يكون ذلك إذا دعا بما لله فيه طاعة.

976- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا يزيد بن موهب، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه، قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل, قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: يا رب قد دعوت، وقد دعوت، فما أراك تستجيب لي، فيدع الدعاء».

(الشرح)

وهذه من موانع عدم قبول الدعاء؛ أن يدعو بإثم أو يدعو بقطيعة رحم, يدعو بإثم كأن يدعو: أن ييسر الله له الْأَمْرِ المحرم فيفعله هذا إثم, أو قطيعة رحم يدعو عَلَى رحمه, أو يستعجل يقول: «يا رب قد دعوت، وقد دعوت، فما أراك تستجيب لي، فيدع الدعاء» فهذه من موانع قبول الدعاء, ينبغي للإنسان أن يتحرى وألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم, وَإِنَّمَا يدعو ببر وخير وألا يستعجل, ويُكثر من الدعاء ويُحسن الظن بالله عز وجل.

(المتن)

ذكر الزجر عن أن يقول المرء في دعائه: رب اغفر لي إن شئت.

977- أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، فإنه لا مستكره له، ولكن ليعزم المسألة».

(الشرح)

إسناده صحيح, أخرجه الإمام أحمد والنسائي من طريق سفيان بِهِ وأخرجه الإمام مالك في الموطأ, وأخرجه البخاري في التوحيد: بابٌ في المشيئة والإرادة.

وهذا كذلك مبغوض: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، فإنه لا مستكره له، ولكن ليعزم المسألة», وفي لفظ زيادة: «فَإِن الله لا مُكره له», ولفظ: «فَإِن الله لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه».

فلا ينبغي للإنسان أن يقيد الدعاء بالمشيئة يقول: اللهم اغفر لي إن شئت, اللهم ارحمني إن شئت؛ لِأَنَّهُ في هَذِه الحالة يُشعر بأنه غير راغب في حصول ما دعا بِهِ, وكأنه يقول: إن شئت فاغفر لي وإن شئت فلا تغفر لي, وهذا غلط ما ينبغي, ما ينبغي يقيد الدعاء بالمشيئة, بل يكون هناك عزم وجزم, يقول: اللهم اغفر لي؛ جزمًا ولا يقول: إن شئت, اللهم ارحمني, اللهم عافني.

(المتن)

ذكر الزجر عن إكثار المرء السجع في الدعاء دون الشيء اليسير منه.

978- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن ابن أبي السائب قاص المدينة، قال: قالت عائشة: «قص في الجمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أبيت فثلاثًا، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديثهم فتقطعه عليهم، ولكن إن استمعوا حديثك فحدثهم، واجتنب السجع في الدعاء، فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون ذلك».

(الشرح)

قَالَ اِبْن أبي السائب: لم أقف عَلَى ترجمته وباقي رجاله ثقات أخرجه الإمام أحمد عن إسماعيل بْنُ إبراهيم عن داود عن الشعبي قَالَ: قالت عائشة لابن أبي السائب قاص المدينة, وهذا إسناد صحيح فَإِن الشعبي روى عن عائشة وسمع منها, وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح, ورواه أبو يعلى بنحوه.

ويعضده ما رواه البخاري في الدعوات: باب ما يكره من السجع في الدعاء، من حديث ابن عَبَّاسٍ، قال: «حدِّثِ الناسَ كُلَّ جُمعةٍ مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تملّ الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقص عليهم، فتقطع عليهم حديثهم، فتملهم, ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتبه، فإني عهدت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب».

وهذا أخرجه البخاري في الدعوات, وفيه: أَنَّه ينبغي للإنسان ألا يتكلف في السجع؛ لِأَنّ الغالب أَنَّه إذا تكلف السجع يكون عَلَى حساب المعنى, ينظر للألفاظ ويضيع المعنى, والعبرة بالمعاني, وَلَكِن القليل يُغتفر, وَلَكِن كون الإنسان يتخير السجع وتكون كل آخر جملة توافق الجملة الَّتِي بعدها وهكذا ست كلمات أو سبع كلمات, في الغالب أَنَّه يكون عَلَى حساب المعنى, ولهذا ينبغي عدم التكلف إِلَّا إذا جاء عفو الخاطر بعض كلمات فلا بأس.

فإن قيل: البعض في كتاباتهم يقول: أنتم تكثرون عَلَى الناس الدروس في اليوم أكثر من مرة وقد جاء أَنَّه خُص مرة أو مرتين؟.

هَذِه المواعظ, البخاري بوب في صحيحه: باب من جعل للحديث أيامًا يعد الناس فيهِ, لا يزال المحدثون يعملون بهذا والحديث يجعلون له أيامًا يُعلن فيها دروس الحديث, وأما المواعظ هَذِه المواعظ اللي يعظ الناس كلهم هَذِه تكون في كل جمعة أو كل خميس, قَالَ عبد الله بْنُ مسعود لما كَانَ يقص عَلَيْهِمْ في كل خميس: «يا أبا عبد الرحمن لو زدت؟ قَالَ: إني أخشى أن أُملكم, فَإِن رسول الله r كَانَ يخولنا مخافة السآمة علينا» أما الدروس هَذِه الدروس محددة لطلبة العلم تكون في أيام محددة كما قَالَ البخاري: باب من جعل للحديث أيامًا يعد الناس فيهِ.

فإن قيل: يقول: تابعه اِبْن عُلية فَقَالَ أحمد: حدثنا إسماعيل قَالَ: حدثنا داود بِهِ إِلَى أَنَّه قَالَ عن الشعبي قَالَ: قالت عائشة لابن أبي السائب فذكر نحوه, قَالَ الألباني: قلت: وهذا أصح من رواية أبي معاوية محمد بن حازم؛ لأن فيه كلامًا إذا روى، عن غير الأعمش، كما هنا.

وأما إسماعيل وهو ابن علية؛ فهو ثقة حافظ, وعليه فالسند منقطع؛ الشعبي واسمه: عامر لم يسمع من عائشة؛ كما جزم بذلك غير ما واحد من الأئمة، فقول المعلق على طبعة المؤسسة: إسناده صحيح؛ فإن الشعبي سمع من عائشة! خطأ فاحش، لم يُسبق إليه.

نعم؛ قد وصله أبو يعلى من طريق حماد عن داود، عن الشعبي، عن مسروق أن عائشة قالت ..., وهذا إسناد صحيح؛ إن كان حماد وهو ابن سلمة قد حفظه؛ فإن في روايته، عن غير ثابت كلامًا.

لكن له شاهد قوي: أخرجه البخاري، عن ابن عباس قال: «حدث الناس كل جمعة مرة ... » إلى آخره.

يَعْنِي: هو الحديث ثابت بالطريق الأخرى لَكِنْ أراد أن ينبه عَلَى عدم سماع الشعبي من عائشة, وهذا يُنظر إِلَى وفاة عائشة وولادة الشعبي, إذا كَانَ أمكن السماع فممكن وإذا لم يمكن يكون منقطع.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء الدعاء لأعداء الله بالهداية إلى الإسلام.

979- أخبرنا أبو عروبة، قال: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن دوسًا قد عصت وأبت، فادع الله عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد دوسًا وائت بهم».

(الشرح)

إسناده صحيح, أخرجه الإمام أحمد من طريق سفيان بهذا الإسناد, وأخرجه الإمام مسلم, وفيه: أن النَّبِيِّ r دعا لهم ولم يدعو عَلَيْهِمْ, ولهذا قَالَ: «إن دوسًا قد عصت وأبت، فادع الله عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوسًا وائت بهم» فهداهم الله وجاءوا مسلمين تائبين, فكان النَّبِيِّ r لا يدعو إِلَى عَلَى من آذى المسلمين كالذين قتلوا القراء دعا عَلَيْهِمْ أربعين صباحًا أو شهرًا.

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به أبو الزناد، عن الأعرج.

980- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: حدثنا ابن عون، عن مسلم بن بديل، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر دوسًا، فقال: إنهم ... فذكر رجالهم ونساءهم، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكت دوسٌ ورب الكعبة فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: «اللهم اهد دوسًا».

(الشرح)

هو ظن أن النَّبِيِّ r سيدعو عَلَيْهِمْ, وَلَكِن النَّبِيِّ r دعا لهم فهداهم الله وجاءوا تائبين.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد