شعار الموقع

الدرس التاسع

00:00
00:00
تحميل
9

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر ما يُستحب للمرء أن يترك الاستغفار لقرابته المشركين أصلًا.

981- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا أحمد بن عيسى المصري، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق بن الأجدع، عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما , فخرجنا معه، حتى انتهينا إلى المقابر، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فجلس إليه، فناجاه طويلًا، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل علينا، فتلقاه عمر رضوان الله عليه وقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله, فقد أبكيتنا وأفزعتنا؟ فأخذ بيد عمر، ثم أقبل علينا، فقال: «أفزعكم بكائي؟ قلنا: نعم, فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب، وإني سألت ربي الاستغفار لها، فلم يأذن لي»، فنزل علي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}[التوبة/113], «فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة، فذلك الذي أبكاني، ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة».

(الشرح)

قَالَ: إسناده ضعيف أخرجه الحاكم من طريقين, وقال: صححه وأخرجه اِبْن ماجة وقال: أخرجه مختصرًا الإمام مسلم رحمه الله في الجنائز.

الحديث أصله في مسلم, والنبي r مر بقبر أمه فبكى وأبكى من حوله, وقال: «إني سألت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي فسألته أن أستغفر لها فلم يأذن لي» وذلك لِأَنَّهَا ماتت عَلَى دين قومها, وقد أنزل الله تعالى في أبي طالب: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة/113].

فهي ماتت عَلَى دين قومها فلم يستغفر لها, وأما والد النَّبِيِّ r كما جاء في صحيح البخاري: «أن رجلًا سأل النَّبِيِّ r: أين أبي؟ قَالَ: في النار, فَلَمّا ولى دعاه قَالَ: إن أبي وأباك في النار» وهذا يدل عَلَى أن الدعوة قد بلغت والد النَّبِيِّ r, وأُقيمت عليه الحجة أما والدته مسكوت عنها, وَإِنَّمَا نُهي عن الاستغفار لها لِأَنَّهَا ماتت عَلَى دين قومها وأهل الجاهلية منهم من بلغته الدعوة ومنهم من لم تبلغه الدعوة فيكون حكمهم حكم أهل الفترة, والأحاديث في هَذِه الفترة جاءت كثيرة بعضها ضعيف وبعضها حسن ويشد بعضها بعضًا.

ولهذا ذهب جمعٌ من المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم أنهم ممتحنون في عرسات يوم القيامة, وَكَذَلِكَ أهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة فحكمهم حكم أهل الجاهلية, وأهل الجاهلية أقسام منهم من لم يشرك بالله ووافق دين إبراهيم مثل زيد بْنُ عمرو بْنُ نُفيل والد سعيد بْنُ زيد, وَكَذَلِكَ اِبْن ساعدة الإيادي طلبوا دين إبراهيم ولم يشركوا بالله شَيْئًا, ومنهم من جاءت النصوص بأنه في النار مثل عمرو بْنُ دُحي, قَالَ النَّبِيِّ r: «رأيته يجر أمعاءه في النار» لِأَنَّهُ أول من جلب الأصنام لبلاد العرب, وقول النَّبِيِّ r: «إن أبي وأباك في النار», كذلك عبد الله بْنُ جُدعان كَانَ له جفنة يُطعم الحجيج, فقيل: «يا رسول الله هل ينفعه ذلك؟ قَالَ: لا, إنه لم يقل يومًا ربِ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» يَعْنِي: أَنَّه يُنكر البعث.

فهؤلاء ظاهر النصوص أنها قامت عَلَيْهِمْ الحجة, وهناك من أهل الفترة من هم مسكوت عنهم, فأمرهم إِلَى الله عز وجل والظاهر أن والدة الرسول r منهم, لكنهم لا يُستغفر لهم, ومآلهم إِلَى الله.

(المتن)

ذكر ما يجب على المرء من الاقتصار على حمد الله جل وعلا بما من عليه من الهداية، وترك التكلف في سؤال تلك الحالة لمن خذل وحرم التوفيق والرشاد.

982- أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضر أبا طالب الوفاة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم، قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله»، قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟، قال: فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك», فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة/113], وأنزلت في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص/56].

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح أخرجه الإمام مسلم وأحمد, وأخرجه أيضًا البخاري في الجنائز, وهذا الحديث صحيح أخرجه مسلم وهو من أحاديث كتاب التوحيد ساقه المؤلف رحمه الله في كتاب التوحيد.

  • وفي هذا الحديث من الفوائد:

أولًا: زيارة المريض الكافر ودعوته إِلَى الإسلام, فَإِن النَّبِيِّ r زار أبا طالب ودعاه إِلَى الإسلام, وزار اليهودي ودعاه إِلَى الإسلام, فاليهودي نظر إِلَى أبيه فَقَالَ: أطع أبا القاسم, فنطق بكلمة التوحيد وهداه الله للإسلام, وأبو طالب امتنع من قولها.

ثانيًا: فيهِ ضرر أصحاب السوء وقرناء السوء, فَإِن عنده أبا جهل وعبد الله بْنُ أمية فَلَمّا قَالَ النَّبِيِّ r لعمه: «قل لا إله إِلَّا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فذكروه بإتباع الآباء والأجداد قالوا: أترغب عن ملك أبيك عبد المطلب, عيب عليك تترك ملة أبيك وجدك, ملة أبيه وجده هي الكفر, فأعاد عليه النَّبِيِّ r فأعادوا هم أيضًا عليه, حتى كَانَ آخر ما قَالَ أنه عَلَى ملة أبيه وأبى أن يقول: لا إله إلا الله, أصر عَلَى هَذِه الحجة الملعونة وهي إتباع الآباء والأجداد في الباطل, وهي حجة قرشية وهي حجة فرعون, قَالَ: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى}[طه/51].

فالواجب عَلَى اَلْمُسْلِم الحذر من قرناء السوء, هَذِه نهايته, قرناء السوء لزموه حتى عند الموت حتى أوردوه النار, نسال الله العافية, وينبغي للمسلم أن يصحب الأخيار ويترك قرناء السوء والأشرار.

ثالثًا: فيهِ من الفوائد أيضًا أن النَّبِيِّ r ليس بيده شيء من هداية القلوب, وأن الرسول لا يملك الهداية, الهداية لا يملكها إِلَّا الله, والموصلي الذي إلا في النَّبِيِّ r قَالَ:

إن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم

يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به *** سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم

فجعل اللجوء والالتجاء إِلَى الرسول r, ولم يلجأ إلى الله عز وجل الذي بيده الهداية, وبيده الْأَمْرِ, والله تعالى يقول: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار/19], نفس؛ نكرة في سياق النهي فتكون عامة, ويدخل فيها نفس النَّبِيِّ r, وهذا يقول: ليس له أحد يلوذ بِهِ إِلَّا الرسول ونسي ربه, وقال: أَنَّه يملك الدنيا والآخرة, طيب ما بقي لله؟ إذا كَانَ الرسول يملك الدنيا والآخرة ماذا بقي لله؟.

فالله تعالى يقول لنبيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص/56]؛ إذا هداية القلوب بيد الله عز وجل, وأما هداية الدلالة والإرشاد فيملكها النَّبِيِّ r, كما قَالَ تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى/52]؛ أنزل الله هَذِه الآية تسلية للنبي r, تعزية له أيضًا حينما مات عمه عَلَى الكفر, ولما قَالَ: «سأستغفر لك ما لم أُنه عنك» فأنزل الله النهي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة/113].

هذا عم النَّبِيِّ وليس بيده شيء, وإبراهيم ما هدى أباه, ونوح ما هدى ابنه, ثلاثة أنبياء من أولوا العزم كلهم ما هدوا أقاربهم فالهداية بيدي الله, وهذه تعزية لكل أحد, إذا كَانَ الإنسان عنده أبناء وإخوان, وعجز عن هدايتهم فهذه الآية له تسلية, وَلَكِن عليه أن يبذل الوسع في نصحهم وإرشادهم وتوجيههم ودعوتهم إِلَى الخير, يبذل الأسباب وهو مأجور, والأمر لله والهداية بيد الله عز وجل.

(المتن)

ذكر الشيء الذي إذا قاله المرء عند الوطأ لم يضر الشيطان ولده.

983- أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني، قال: حدثنا هدبة بن خالد، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أما إن أحدكم لو أنه إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزقا ولدًا لم يضره الشيطان».

(الشرح)

وهذا رواه البخاري في الصحيح, وفيه: مشروعية التسمية عند الجماع: «أما إن أحدكم لو أنه إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزقا ولدًا لم يضره الشيطان».

وهذا عام, لم يضره في كل شيء, فالإنسان يثق بوعد الله الذي وعد, ويُحسن الظن بالله عز وجل.

قَالَ: إسناده صحيح عَلَى شرط الشيخين, وهمام هو اِبْن يحي بْنُ دينار, ومنصور هو اِبْن معتمر, والحديث أخرجه البخاري في "بدء الخلق", وأخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة.

فإن قيل: بعد الحمل أيضًا؟.

حتى لو كانت حامل فعند الجماع يُشرع هَذِه التسمية.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء إذا زار قوما أن يدعو للمزور عند انصرافه عنهم.

984- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر، قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستعينه في دين كان على أبي, فقال: آتيكم، فقلت للمرأة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا, فإياك أن تكلميه أو تؤذيه، قال: فأتى صلى الله عليه وسلم، فذبحت له داجنًا كان لنا، قال: يا جابر كأنك علمت حبنا اللحم؟ فَلَمّا خرج، قالت له المرأة: يا رسول الله: صلِ علي وعلى وزوجي، قال: ففعل، فقال لها: ألم أقل لكِ؟ فقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل بيتي ويخرج ولا يصلي علينا؟!».

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح للشيخين ما عدا نُبيحًا وهو اِبْن عبد الله العنزي الكوفي وثقه أبو زُرعة والعجلي والمؤلف, وصحح حديثه الترمذي وابن خزيمة والحاكم, وقد تقدم من طريق سفيان بهذا الإسناد من طريق أبي عوانة عن الأسود بْنُ قيس, وَتَقَدَّمَ تخريجه هناك.

«صلِ علي وعلى وزوجي» يَعْنِي: ادعُ لي ولزوجي, وإن كَانَ سؤال الناس منهي عنه حتى الدعاء, كونك تسأل الناس شيء حتى الدعاء شيخ الإسلام قَالَ: مكروه, بعض الناس كل ما يقابل أحد يقول: ادعُ لي ولأولادي, ادعُ أنت لنفسك ما في أنصح من نفسك لنفسك, قَالَ سفيان: هذا مكروه سؤال الناس إِلَّا في حالة واحدة وهي: إِلَّا إذا تذكر أَنَّه يدعو له الملك فيكون هو منتفع وهذا منتفع فتزول الكراهة في هَذِه الحالة وإلا فترك سؤال الناس هو الذي ينبغي حتى في الدعاء.

فإن قيل: إذا طلب من الوالدان؟.

يُستثنى من هذا, النَّبِيِّ r بايع بعض الصحابة بيعة خاصة قَالَ: «ألا تسألوا الناس شَيْئًا مطلقًا, قَالَ: فكان أحدهم يكون راكبًا عَلَى الدابة فيسقط سوطه فلا يأمر أحدًا أن يناوله إياه بل ينزل ويأخذه ثم يركب» قد تكون بعير يحتاج وقت نزول وصعود, فيُستثنى من هذا دعاء الوالدين, وَكَذَلِكَ أيضًا دعاء من يسره من المعلم أو التلميذ أو ما أشبه ذلك, لَكِنْ بعض الناس تجده يؤذي بالأسئلة, الأسئلة عامة فتجد بعض الشيوخ الكبار يقول: يا فلان أعطني العصا, وبعدها أعطني الحذاء, وأعطني ماء, أسئلة متعددة وهذه مكروهة وهذا المنهي عنه, كل شيء تستطيع أن تفعله بنفسك افعله أنت أو اتركه.

(المتن)

ذكر الزجر عن أن يدعو المرء لنفسه، ويُعقب دعاءه بسؤال الله منع ذلك غيره.

985- أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أبو بكر، قال: حدثنا علي بن خشرم، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وهو جالس، فقال: «اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم، قال: لقد احتظرت واسعًا، ثم ولى الأعرابي حتى إذا كان في ناحية المسجد، فحج ليبول، فقال الأعرابي بعد أن فقه في الإسلام: فقام إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يؤنبني، ولم يسبني، وقال: إنما بني هذا المسجد لذكر الله والصلاة، وإنه لا يُبال فيه، ثم دعا بسجل من ماء فأفرغه عليه».

(الشرح)

قَالَ: إسناده حسن, محمد بْنُ عمرو هو اِبْن علقمة روي له البخاري ومسلم مقرونًا, هو صدوق وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بْنُ خشرم من رجال مسلم, والحديث أخرجه اِبْن أبي شيبة وابن ماجة في الطهارة, وقال: «احتضرت» أي ضيقت ما وسع الله, وفي لفظت: «لقد تحجرت واسعًا».

ظاهره: أن بوله كَانَ بعد الدعاء, وجاء ما يدل عَلَى أَنَّه بال أولًا فزجره الناس وهموا ليقعوا بِهِ فَقَالَ النَّبِيِّ r «دعوه», وفي لفظ: «لا تقطعوا عليه بوله» ثم علمه النَّبِيِّ r بهدوء وقال: «إنما بني هذا المسجد لذكر الله والصلاة، وإنه لا يُبال فيه» فالناس أنكروا عليه بشدة, والنبي r نهاهم, وهذا الإنكار بشدة يقتضي مفاسد, منها: أَنَّه لو تركهم يزجرونه لقام وحينئذ يلطخ فخذيه وثيابه بالبول, ويكون البول في أماكن متعددة من الأرض, وربما أصابه ضرر من قطع البول, لَكِنْ تركه حتى يكون في مكان واحد, فسلم جسمه وسلم ثيابه من البول, وسلمت الأماكن الأخرى, وسلم من الضرر الذي يلحقه, ثم أمر النَّبِيِّ r أن يُصب عليه سجل من ماء.

وقال النَّبِيِّ r: «إِنَّمَا بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين» وهذا من الحكمة العظيمة, وجاء في بعضها: أَنَّه بعد ذلك لما قام ووجد رفق النَّبِيِّ r وتعليمه وشدتهم عليه, قَالَ: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا» لِأَنَّهُم شددوا وأنكروا عليه والنبي r علمه, ثم لما فقه بعد ذلك تبين له أن هَذِه المساجد لا يصلح فيها شيء من القذر والبول.

(المتن)

ذكر الزجر عن أن يدعو المرء لنفسه بالخير وحده دون أن يقرن به غيره.

986- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، «أن رجلًا، قال: اللهم اغفر لي ولمحمد وحدنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حجبتها عن ناس كثير».

ذكر الزجر عن سؤال العبد ربه ألا يرحم معه غيره.

987- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة، قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني، وارحم محمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا؛ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعًا» يريد رحمة الله.

(الشرح)

قَالَ عن الحديث السابق: إسناده حسن رجاله ثقات, وحماد بْنُ سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط وأخرجه الإمام أحمد عن عبد الصمد وعفان والبخاري في الأدب المفرد عن موسى بْنُ إسماعيل وشهاب كلٌ من حديث حماد بْنُ سلمة بهذا الإسناد, وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه وإسنادهما حسن.

الحديث الأخير قَالَ: إسناده صحيح عَلَى شرط مسلم, وأخرجه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد.

(المتن)

ذكر الخبر الدال على أن المرء إذا أراد أن يدعو لأخيه المسلم يجب أن يبدأ بنفسه، ثم بِهِ.

988- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا غسان بن عمر بن عبيد الله العدني، حدثنا حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه، وإنه، قال ذات يوم: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر مع صاحبه، لرأى العجب الأعاجيب»، ولكنه قال: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي}[الكهف/76].

(الشرح)

الشاهد أَنَّه قَالَ: «رحمة الله علينا وعلى موسى» بدأ بنفسه r ثم ثنى بموسى, يَعْنِي: يدعو الإنسان لنفسه أولًا ثم يدعو لأخيه, أو يدعو بضمير الجمع: اللهم اغفر لنا, اللهم ارحمنا.

قَالَ: أخرجه أبو داود, وأخرجه أيضًا مطولًا الإمام مسلم في "الفضائل".

(المتن)

ذكر استحباب كثرة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب رجاء الإجابة لهما بِهِ.

989- أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم بالبصرة، قال: حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا أبي، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا، قال الملك: ولك بمثل، ولك بمثل».

قال أبو حاتم رضي الله عنه: كل ما يجيء في الروايات فهو: «كريز», إلا هذا فإنه: «كريز» وأم الدرداء اسمها: هجيمة بنت حيي الأوصابية، وأبو الدرداء: عويمر بن عامر.

(الشرح)

قَالَ: الحديث إسناده صحيح أخرجه الإمام مسلم.

وفيه: فضل دعاء الإنسان لأخيه بظهر الغيب وأن الملك يدعو له, يقول: «آمين ولك بالمثل» هذا فيهِ خير.

(المتن)

ذكر إباحة دعاء المرء لأخيه بكثرة المال والولد.

990- أخبرنا أبو حاتم، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: حدثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، فقال: «أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم, فصلى صلاة غير مكتوبة، وصلينا معه، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله , إن لي خويصة، قال: ما هي يا أم سليم، قالت: خادمك أنس، فدعا لي بخير الدنيا والآخرة وقال: اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارك له، قال: فإني من أكثر الناس ولدًا».

قال: «وأخبرتني ابنتي أُمينة أنها دفنت من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة بضعًا وعشرين ومئة».

(الشرح)

قَالَ في الحاشية: «أُمينة» بالنون تصغير آمنة, استجاب الله دعاء نبيه بكثرة الولد, «وضعًا وعشرين ومئة» ما يدري عنهم أخبرته ابنته بعددهم.

وأعطاه الله أيضًا مال فله بساتين تُخرج في السنة مرتين, والدعوة الثالثة: «أن يغفر له ويُدخله الجنة» قَالَ: وإني لأرجو الثالثة, وطال عمره رضي الله عنه حتى جاوز المئة بسنة أو سنتين.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد