بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قَالَ اِبْن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من شر الرياح إذا هبت.
1006- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى في السماء غبارًا أو ريحًا تعوذ بالله من شره، فإذا أمطرت، قال: اللهم صيبًا نافعًا».
(الشرح)
قَالَ: أخرجه أحمد 6/190, عن عبد الرحمن هو ابن مهدي عن سفيان عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة, وأخرجه الشافعي 1/201, وأورده المؤلف برقم (994), وهو حديث صحيح.
وهو دليل عَلَى جواز الاستعاذة بالله من الريح وشرها, جاء في اللفظ الآخر قَالَ: «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الرياح بالجمع رحمة, ريح بالإفراد عذاب, ريح فيها عذاب عظيم تدمر كل شيء بأمر ربها اللي أهلك الله بها عاد, وفيه: مشروعية الدعاء أيضًا عند نزل المطر: «اللهم صيبًا نافعًا».
(المتن)
ذكر الأمر بالاستعاذة بالله جل وعلا من الرياح إذا هبت.
1007- أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان بالرقة، قال: حدثنا موسى بن مروان، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن ثابت الزرقي، قال: سمعت أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا من شرها».
(الشرح)
قَالَ: رجاله ثقات أخرجه اِبْن أبي شيبة ومن طريقه اِبْن ماجة, قَالَ: وأخرجه النسائي أيضًا في "عمل اليوم والليلة".
وفيه: النهي عن سب الريح لِأَنَّهَا قد تكون عذابًا وقد تكون رحمة, يُستعاذ فقط بالله من شرها وسؤال الله الرحمة.
(المتن)
ذكر ما يقول المرء عند اشتداد الرياح إذا هبت.
1008- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، قال: حدثني يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كان إذا اشتدت الريح، يقول: اللهم لقحًا لا عقيمًا».
(الشرح)
قَالَ في الأدب المفرد: لاقحًا, وفي التنزيل: (وأرسلنا الرياح لواقح), أي حوامل.
قَالَ: إسناده حسن, أحمد بْنُ عبدة الضبي ثقة من رجال مسلم وقد سقط من الأصل واستدركته من مطالب الآية, وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن أحمد بْنُ أبي بكر عن المغيرة بْنُ عبد الرحمن بهذا الإسناد, وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فيهِ: مشروعية الدعاء عند اشتداد الريح: «اللهم اجعلها لقحًا» يَعْنِي: تلقح السحاب, «ولا تجعلها عقيمًا» العقيم هي المهلكة للدبر.
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الكسل في الطاعات والهرم القاطع عنها.
1009- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والبخل، والجُبن وعذاب القبر، وشر المسيح الدجال».
(الشرح)
قَالَ: إسناده صحيح أخرجه البخاري في الجهاد, وهو في الأدب المفرد وأخرجه مسلم في صحيحه.
في هذا: مشروعية الاستعاذة بالله من الكسل, الكسل الذي يؤخر الإنسان عن الطاعات مع قدرته, الهرم: الذي يمنع من الطاعات والذي يزول معه العقل وهو أرذل العمر, أما ما دام عقله معه فَإِنَّهُ يستفيد من الطاعات, لَكِنْ الهرم الذي يزول معه الشعور ويزول معه العقل هذا هو الذي ينقطع معه العمل.
(المتن)
ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه.
1010- أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: حدثنا يحيى بن أيوب المقابري، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والعجز والبخل، وفتنة المسيح، وعذاب القبر».
(الشرح)
فيهِ: مشروعية الدعاء بهذا: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والعجز والبخل، وفتنة المسيح، وعذاب القبر» وهذا ثابت في الصحيحين.
(المتن)
ذكر وصف الهرم الذي يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا منه.
1011- أخبرنا أبو عروبة بحران، قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة، قال: حدثنا ابن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «أعوذ بالله أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بالله من البخل والجبن، وأعوذ بالله من فتنة الصدر، وبغي الرجال».
(الشرح)
«أرذل العمر» هو الهرم اللي يستعيذ بالله منه, الهرم الذي يصل إِلَى أرذل العمر الذي يفقد معه الذاكرة, فلا يكون معه فكر, هذا أرذل العمر وأسوءه, وهو الذي ينقطع معه العمل.
(المتن)
ذكر ما يعوذ المرء به ولده وولد ولده عند شيء يخاف عليهم منه.
1012- أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران، قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ حسنًا وحسينًا: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» , ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «كان إبراهيم صلوات الله عليه يعوذ به ابنيه إسماعيل وإسحاق».
(الشرح)
وجاء في الحديث: أن هذا كَانَ أولًا قبل أن ينزل عليه المعوذتين, فَلَمّا نزلت عَلَى النَّبِيِّ r المعوذتين أخذ بهما وترك ما سواهما.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو.
1013- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ حسنًا وحسينًا: «أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة», وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «كان أبوكما يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق».
ذكر الاستحباب للمرء أن يسأل سؤال ربه دخول الجنة وتعوذه به من النار في أيامه ولياليه.
1014- أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق ,، قال بريد بن أبي مريم: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاث مرات إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار مسلم من النار ثلاث مرات إلا، قالت النار: اللهم أجره».
(الشرح)
قَالَ: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح, ما خلا بريد بْنُ أبي مريم وهو ثقة وأخرجه الإمام أحمد والبغوي في شرح السنة من طرق عن يونس بْنُ أبي إسحاق بهذا الإسناد, وأخرجه اِبْن أبي شيبة.
فيهِ: فضل سؤال الله الجنة ثلاث مرات, والاستعاذة من النار ثلاث مرات, وأن الجنة تقول: اللهم أدخله, والنار تقول: اللهم أجره, وهذا فضلٌ عظيم.