بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قَالَ اِبْن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الصلاة التي لا تنفع, ومن النفس التي لا تشبع.
1015- أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم، قال: حدثنا هريم بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي، يقول: حدثنا أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه، قال: «اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، وأعوذ بك من صلاة لا تنفع، وأعوذ بك من دعاء لا يسمع، وأعوذ بك من قلب لا يخشع».
(الشرح)
أخرجه أبو داود والإمام أحمد وسنده صحيح, وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بْنُ أرقم وعبد الله بن عمرو ابن العاص، وزيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود، انظر مصنف ابن أبي شيبة في المصنف، والنسائي كتاب الاستعاذة: «اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، وأعوذ بك من صلاة لا تنفع، وأعوذ بك من دعاء لا يسمع، وأعوذ بك من قلب لا يخشع» وعلى هذا يكون هذا الدعاء مشروع.
(المتن)
ذكر ما يتعوذ المرء به من سوء القضاء وشماتة الأعداء.
1016- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا داود بن عمرو الضبي، وأبو خيثمة ,، قالا: حدثنا سفيان، قال: حدثني سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء».
(الشرح)
قَالَ: إسناده صحيح أخرجه الحميدي وأحمد, وأخرجه البخاري في القدر, الدعاء النبوي: «كان يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء».
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من حدوث العاهات بِهِ.
1017- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا، موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام».
(الشرح)
إسناده صحيح أخرجه أبو داود, وأخرجه اِبْن أبي شيبة والنسائي, وهذا دعاء نبوي: «اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام».
(المتن)
ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من شر حياته ومماته.
1018- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي هريرة، وعن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يتعوذ من شر المحيا والممات، وعذاب القبر، وشر فتنة المسيح الدجال».
(الشرح)
وفي اللفظ الآخر: «من فتنة المحيا والممات» قَالَ: إسناده صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد, يعني: أَنَّه يتعوذ من الشرور الَّتِي تكون في الحياة,والفتن الَّتِي تكون في الحياة, فتن الحروب, وفتن الشهوات, وفتن الشبهات, وَكَذَلِكَ ما يكون عند الموت من تخبط الشيطان للإنسان, نسأل الله السلامة والعافية, «ومن فتنة المسيح الدجال» وهو الرجل الذي يخرج في آخر الزمان يدعي الصلح أولًا, ثم يدعي النبوة, ثم يدعي الربوبية, فتنته أعظم فتنة.
في صحيح مسلم, قَالَ النَّبِيِّ r: «ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمرٌ أو خلقٌ أعظم من الدجال» نسال الله السلامة والعافية.
(المتن)
ذكر البيان بأن من شر المحيا الذي يجب على المرء التعوذ منه الفتنة، وكذلك الممات.
1019- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن شر فتنة المحيا والممات».
(الشرح)
أخرجه البخاري ومسلم.
(المتن)
ذكر التعوذ الذي يعاذ الإنسان منه من نهش الهوام.
1020- أخبرنا ابن سلم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن يزيد بن أبي حبيب، والحارث بن يعقوب حدثاه , عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة ، فقال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك».
(الشرح)
أخرجه مسلم في صحيحه في الذكر والدعاء, وأخرجه النسائي, وفيه: فضل التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق, وذكر القرطبي أَنَّه يتعوذ بهذا الدعاء كل ليلة وأنه لدغته مرةً عقرب فتذكر أَنَّه نسي أن يتعوذ تلك الليلة.
وفي حديث آخر: «من نزل منزلًا فَقَالَ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك».
(المتن)
ذكر الشيء الذي يحترز المرء لقوله عند المساء من لسع الحيات.
1021- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، «أن رجلًا من أسلم، قال: ما نمت هذه الليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي شيء؟ قال: لدغتني عقرب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك إن شاء الله».
ذكر البيان بأن المرء إنما يحترز بقوله ما قلنا من لسع الحيات عند المساء إذا، قال ذلك ثلاث مرات لا مرة واحدة.
1022- أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا شيبان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من قال حين يمسي: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات، لم تضره حية إلى الصباح، قال: وكان إذا لُدغ إنسان من أهله، قال: أما، قال الكلمات؟!».
(الشرح)
إسناده صحيح وهو مكرر ما قبله, وفاعل قال هو أبو هريرة.
(المتن)
ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من النفاق في دينه , والرياء في طاعته.
1023- أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر، قال: حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا عبد الصمد بن النعمان، قال: حدثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، والقسوة والغفلة، والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر، والشرك والنفاق، والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم، والجنون، والبرص والجذام، وسيء الأسقام».
(الشرح)
قَالَ :إسناده صحيح, وأخرجه الطبراني في الصغير, والحاكم من طريقين عن آدم, وأخرجه أيضًا الطبراني في الصغير ورجاله رجال الصحيح.
وفيه: مشروعية قول هذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم» وهذا جاء في أحاديث أخرى أيضًا, وفيه زيادة: «والقسوة والغفلة، والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر، والشرك والنفاق، والسمعة والرياء», وأيضًا ما جاء في أحاديث: «وأعوذ بك من الصمم والبكم، والجنون، والبرص والجذام، وسيء الأسقام».
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء التعوذ بالله جل وعلا من فساد الدين والدنيا عليه بسوء عمره.
1024- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: «حججت مع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه حجتين, إحداهما: التي أصيب فيها، وسمعته يقول بجمع: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من خمس: اللهم إني أعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من سوء العمر، وأعوذ بك من فتنة الصدر، وأعوذ بك من عذاب القبر».
(الشرح)
«سوء العمر» هو آخره, وفي اللفظ الآخر: «أرذل العمر» أو أسوئه, وهو وقت التخريف, يخرف لا يستفيد لا دين ولا دنيا ويؤذي نفسه ويؤذي من حوله وهذا أرذل العمر وأسوئه, والطفل حينما يكون صغير صحيح لا يعقل لكنه في نمو ويزول هذا, لَكِنْ الهرم إذا خرف ما يرجع يزول هذا, فهو يفقد الذاكرة ويخرف ويهذي؛ هذا أرذل العمر, وكان النَّبِيِّ r يستعيذ من أرذل العمر في آخر التشهد: «اللهم إني أعوذ بك من أن أُرد إِلَى أرذل العمر».
فإن قيل: يُكتب له أعماله الحسنة؟.
لا يُكتب له ولا عليه انتهى خلاص, رُفع عنه التكليف, ويموت عَلَى أعماله السابقة.
فإن قيل: لو دعا أحد بغير هذا الدعاء؟.
إذا دعا بدعاء مباح لا بأس, إذا دعاء بدعاء ليس فيهِ إثم ولا قطيعة رحم ولا محظورات فلا بأس, لَكِنْ الدعاء النبوي أفضل والدعاء الوارد أفضل, والدعاء غير الوارد إذا كَانَ مباح فلا بأس, يسأل ربه أن يرزقه زوجة صالحة, أو بيتًا فسيحًا فلا بأس, ما دام ما فيهِ محظور فهو ما فيهِ مانع لَكِنْ الدعاء النبوي أفضل.