شعار الموقع

الدرس الخامس عشر

00:00
00:00
تحميل
10

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الدين الذي لا وفاء له عنده.

1025- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا حيوة، قال: حدثني سالم بن غيلان، أنه سمع دراجًا أبا السمح، أنه سمع أبا الهيثم، أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «أعوذ بالله من الكفر والدين، فقال رجل: يا رسول الله , يُعدل الدين بالكفر؟، قال: نعم».

(الشرح)

وهذا فيهِ تحذير من إبقاء الدين, وأن الإنسان ينبغي له أن يحرص عَلَى الوفاء بالدين, في أول الإسلام كَانَ النَّبِيِّ r لا يصلي عَلَى من كَانَ عليه دين, والناس في هذا الزمان يتساهلون بالدين حتى صار الدين كأنه شيء عادي لكل أحد, يستدين لا لأمرٍ ضروري, وَإِنَّمَا يستدين حتى يترفه ويتوسع, يشتري سيارة فارهة من الدين, ويشتري قصر فخم بالدين, وهذا تساهلٌ عظيم.

وثبت في صحيح البخاري أن النَّبِيِّ r قَالَ: «من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه, ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» رواه البخاري في الصحيح, لَكِنْ في هذا الزمان صار الدين عادي, وما دام يجد من يُدينه خلاص يستدين بحاجة أو بغير حاجة, لو كَانَ ضرورة والإنسان يستدين لنفقة وشيء لابد منه فجائز, لَكِنْ للتوسع والترفه!

وأيضًا يستدينون بطريقة اشتباه أيضًا طريقة المداينة البنوك الآن, نبيع عليك حديد أو خشب ووكل البنك بِهِ, أين الحدي؟ يقول: في الإمارات ولا بريطانيا, ويكتب عليه دراهم بدراهم والمبيع ما أعطاك إياه, إذا كَانَ صادق لابد أن يملكها البنك ثم يسلمها لك أنت تُخرجها من مكانها إِلَى مكانك أنت ثم تبيعها عَلَى شخص آخر غير البنك وهذا يكون حيلة, والمسألة فيها خلاف أيضًا إذا وُجدت هَذِه الشرط, اِبْن عباس يقول: «هي أُخية الربا», وشيخ الإسلام يرى أنها ربا, والشيخ محمد بْنُ عثيمين يفتي عَلَى أنها ربا رحمه الله, والجمهور عَلَى أنها إذا وُجدت الشروط فلا بأس.

إذا اشترى شخص سلعة وملكها ثم باعها عليك ثم قبضتها وأخرجتها من مكانها إِلَى مكانك الخاص بك ما تبيعها في مكانها, وبعتها عَلَى شخص ثالث ما تعود عَلَى الأول حيلة فلا بأس, لَكِنْ هذا تلاعب, يقول: أبيعك السلعة ويوكل البنك يبيعها لك ويعطيك الصافي؛ حتى اللي يبيع عَلَيْهِمْ سيارات هي لازالت عند المعرض, يتفق مع المعرض يحولها عَلَيْهِمْ وهو ما اشتراها ولا شيء, ينبغي للإنسان أن يكون حريص عَلَى سلامة البيع ولا ينبغي للإنسان أن يستدين إِلَّا من ضرورة أو حاجة, أما يستدين هكذا ولا يبالي ويترك الديون تتراكم عليه, هذا يدل عَلَى ضعف الإيمان وعدم الاهتمام ببراءة الذمة.

فإن قيل: بَعْضُهُم يشتري سيارة بمائة ألف أو مائتين ألف بالتقسيط يعتبر هذا من التساهل؟.

ما في شك, الأولى عدم هذا وما في داعي يشتري بالتقسيط وإنما يشتري شيء مناسب له ولحاجته, أما يشتري سيارة فارهة بالتقسيط هذا معناه جعل الدين عَلَى ظهره.

(المتن)

ذكر البيان بأن الشيء قد يشتبه بالشيء إذا أشبهه في بعض الأحوال، وإن كان مباينًا له في الحقيقة.

1026- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب، أخبرني سالم بن غيلان التجيبي، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , أنه كان يقول:  «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر, فقال رجل: يا رسول الله ويعتدلان؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم».

(الشرح)

هذا الحديث فيهِ ضعف, فيهِ: دراج بْنُ السمح, وقال عليه: إسناده ضعيف, وفيه متنه نكارة أيضًا الفقر ما يُعدل بالكفر, الكفر والعياذ بالله أعظم الذنوب, والفقر هذا ابتلاء من الله لبعض الناس فقد يصبر وقد لا يصبر بعض الناس, لَكِنْ أن يكون عديل للكفر فهذا الحديث ضعيف.

(المتن)

ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا الدين الذي ذكرناه.

1027- أخبرنا عمر بن محمد بن بجير الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني حيي بن عبد الله، عن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو: «اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا، وهزلنا وجدنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا، اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العباد، وشماتة الأعداء».

(الشرح)

قَالَ: إسناده حسن أخرج القسم الأخير منه النسائي, وقال: رواه أحمد والطبراني.

وهذا في الصحيح لا بأس بِهِ حسن, وهذه الرواية لا بأس بها ولها شواهد.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الفقر عنه إلى العباد.

1028- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عثمان الشحام، عن مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر».

ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الجوع والخيانة.

1029- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: «كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:  اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة».

(الشرح)

قَالَ: إسناده حسن أخرجه أبو داود والنسائي, وأخرجه اِبْن ماجة أيضًا, النَّبِيِّ r استعاذ بالله من الجوع ومن الخيانة.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من أن يظلم أحدًا أو يظلمه أحد.

1030- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الفقر والفاقة، وأعوذ بك من أن أَظلم أو أُظلم».

(الشرح)

الفقر والفاقة مترادفان قد يكون بينهما فرق دقيق, فالفقر هو الفاقة.

(المتن)

ذكر ما يُستحب للمرء التعوذ بالله جل وعلا من المناقشة على جناياته في العقبى، والوقوع في أمثالها في الدنيا.

1031- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن فروة بن نوفل الأشجعي، قال: «سألت أم المؤمنين عائشة عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو, قالت: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل».

(الشرح)

قَالَ: أخرجه الإمام مسلم وابن ماجة, «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل».

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر ما وصله إلا منصور بن المعتمر.

1032- أخبرنا عمر بن محمد بن بجير الهمداني، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حصين، عن هلال بن يساف، عن فروة بن نوفل الأشجعي، قال: سألت عائشة، قلت: «حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به, قالت: كان يقول صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل».

ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من سوء الجوار في العقبى به يتعوذ منه.

1033- أخبرنا أحمد بن حمدان بن موسى التستري بعبادان، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادي يتحول».

(الشرح)

قَالَ: إسناده حسن, وأخرجه النسائي, وأخرجه الإمام أحمد والحاكم, وله شاهد صحيح من حديث عقبة بْنُ عامر قَالَ: «كَانَ رسول الله r يقول: اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة» أخرجه الطبراني في الكبير.

قَالَ: «جار البادي» هو الذي يكون في البادية ومسكنه المضارب والخيام, وهو غير مقيمٍ في موضعه بخلاف الجار المقام في المدن.

«جار المقامة» محتمل أن يكون في الدنيا, أهل الجنة منزوعٌ عنهم هذا, فهذا إما في النار وإما في الدنيا, سوء المقام في النار أو في الدنيا أما الجنة ما فيها إِلَّا الطيب وسلامة الصدور: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر/47]؛ قبل أن يدخلوا الجنة يُنزع ما في قلوبهم, بعد القصاص يدخلون الجنة في غاية من سلامة الصدر, وغاية من العفاف.

فإن قيل: ما يدل عليه اللفظ الثاني: أَنَّه في الدنيا, «فَإِن الجار البادي يتحول»؟.

لِأَنّ هذا مقيم, وهذا محتمل, الجاري البادي يتحول, لَكِنْ الجار في النار ما يتحول, نسأل الله العافية.

 (ذكر ما يُستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من سوء الجوار في العقبى به يتعوذ منه) كأنه استعاذ بالله من النار, أما الجنة ما فيها إِلَّا الحُسن.

(المتن)

ذكر سؤال النار ربها أن يُجير من استجار به من النار.

1034- أخبرنا ابن الجُنيد إملاء ببست، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار».

(الشرح)

إسناد صحيح أخرجه الترمذي, وأخرجه الإمام أحمد.

وهذا فيهِ الحث عَلَى الاستجارة من النار وأن النار تسأل ربها أن يُجير من استجار منها.

(المتن)

ذكر الشيء الذي إذا قاله الإنسان دخل الجنة بقوله ذلك ليلًا كان أو نهارًا.

1035- أخبرنا محمد بن إسحاق بن سعيد السعدي، قال: حدثنا علي بن خشرم، قال: أخبرنا عيسى، عن الوليد بن ثعلب، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من قال: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة».

(الشرح)

وهذا سيد الاستغفار, «أبوء لك» يَعْنِي: أعترف وأقر لك بالنعمة, «وأبوء بذنبي» يَعْنِي: أُقر بالذنب, وفيه: التوسل بربوبية الله, والشهادة لله تعالى بالوحدانية, والاعتراف بأن الله هو الخالق, والاعتراف بعبودية الإنسان لربه, والاعتراف بالذنوب, والاعتراف لله بالنعم, وسؤال الله المغفرة والرحمة, ثم التوسل باسم الله الغفور الرحيم, هذا دعاء عظيم ولهذا هو سيد الاستغفار.

(المتن)

ذكر خبر قد يوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أن الدعاء يدفع القضاء السابق.

(الشرح)

الدعاء لا يدفع القضاء, الدعاء من القضاء, كلٌ منهما يقضي, فالدعاء من القضاء, وَلَكِن أحيانًا القضاء يكون مُبرم فهذا لا يُرد, وأحيانًا يكون القضاء معلق عَلَى سبب فلا يحصل إلا بالسبب.

(المتن)

1036- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، «أن رجلًا لُدغ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو كنت قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ما ضرك».

قال: فكان أبو هريرة إذا لُدغ إنسان منا أمره أن يقولها.

(الشرح)

وفي حديث خولة بنت حكيم عند مسلم: «من نزل منزلًا  فَقَالَ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» رواه مسلم في صحيحه, فهذا دعاء عظيم, وذكر القرطبي رحمه الله قَالَ: كنت أتعوذ بهذا في كل ليلة ثم لُدغت وأنا في مكان فتذكرت أني قد نسيت تلك الليلة.

(المتن)

قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما ضرك» أراد به أنك لو قلت ما قلنا، لم يضرك ألم اللدغ، لا أن الكلام الذي قال يدفع قضاء الله عليه.

(الشرح)

(أبو حاتم) هي كنية المؤلف اِبْن حبان, وصحيح ما قاله أبو حاتم.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد