شعار الموقع

الدرس الأول

00:00
00:00
تحميل
4

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ اِبْن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر إثبات الإيمان للمحافظ على الوضوء.

1037- أخبرنا أبو يعلى، حدثنا سريج بن يونس، وأبو خيثمة: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن ثوبان، حدثني حسان بن عطية، أن أبا كبشة السلولي حدثه , أنه سمع ثوبان، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن».

(الشرح)

حديث صحيح، إسناده حسن، رجاله رجال البخاري عدا ابن ثوبان -واسمه عبد الرحمن- وهو حسن الحديث، وأخرجه أحمد 5/282، والدارمي 1/168، والطبراني في " الكبير " (1444) من طريق الوليد بن مسلم بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5/280 من طريقين.

«سددوا وقاربوا» يَعْنِي: افعلوا الصواب فَإِن لم تقدروا فقاربوا الصواب, وينبغي للإنسان أن يجاهد نفسه عَلَى الصواب ومقاربة الصواب, ويجتهد في تحري الحق والصواب في أموره, «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» فيهِ: فضل الصلاة وأنها خير الأعمال, فهي أفضل الأعمال البدنية؛ الصلاة, «ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» هذا فيهِ فضل الوضوء وأن المحافظ عليه يدل عَلَى إيمانه؛ لِأَنَّهُ سرٌ بين العبد وبين ربه.

قال أبو حاتم: هذه اللفظة مما ذكرنا في كتبنا , أن العرب تطلق الاسم بالكلية على جزء من أجزاء شيء يطلق اسم ذلك الشيء على جزء من أجزائه، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» أطلق اسم الإيمان على المحافظ على الوضوء، والوضوء من أجزاء الإيمان، كذلك اسم الإيمان على المفرد العمل به، لأنه جزء من أجزاء الإيمان على حسب ما ذكرناه.

والإيمان شعب متعددة كما قَالَ r: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إِلَّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق», قوله: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» يَعْنِي: هذا من خصال الإيمان.

قَالَ: وخبر سالم بْنُ أبي الجعد عن ثوبان خبرٌ منقطع, فلذلك تنكبناه, وقال الإمام أحمد: لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه، بينهما معدان بن أبي طلحة، وذكر أبو حاتم نحوه.

(المتن)

باب فضل الوضوء.

ذكر حط الخطايا ورفع الدرجات بإسباغ الوضوء على المكاره.

1038- أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة حدثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط».

(الشرح)

إسناده صحيح أخرجه أحمد 2/277 و 303، ومسلم "251" في الطهارة, وأخرجه اِبْن خزيمة والترمذي أيضًا.

«ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط».

«إسباغ الوضوء عَلَى المكاره» يَعْنِي: عَلَى المشقة حينما يكون الماء بارد أو يكون حار, إسباغه: يَعْنِي إبلاغه, إبلاغ الوضوء وتعميم العضو؛ هذا مما يمحو الله بِهِ الخطايا؛ لِأَنّ بعض الناس قد لا يُبلغ الوضوء, قد لا يوصل الماء بسبب برودته أو حرارته فهو لا يُبلغ الوضوء, فإذا جاهد نفسه وأبلغ الوضوء عَلَى المكاره هذا مما يمحو الله بِهِ الخطايا.

«كثرة الخطا إِلَى المساجد» أيضًا هذا من أسباب تكفير الخطايا ورفع الدرجات, وجاء في الحديث: «من مشى إلى المسجد فَإِن له بكل خطوة يُرفع له درجة وخطة يُحط بها عنه خطيئة».

«وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلكم الرباط» يَعْنِي: كالمرابط في سبيل الله, المنظر الصلاة يصلي الظهر ثم ينتظر العصر, ويصلي المغرب ثم ينتظر العشاء فهذا من الرباط فيهِ فضلٌ عظيم.

قال أبو حاتم: معناه الرباط من الذنوب، لأن الوضوء يكفر الذنوب.

الوضوء, وَكَذَلِكَ الانتظار, كل هَذِه الأشياء تكفر الذنوب؛ إسباغ الوضوء عَلَى المكاره, الخطا إِلَى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي هريرة.

1039- أخبرنا أبو عروبة بحران، حدثنا هوبر بن معاذ الكلبي، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن شرحبيل بن سعد، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط».

ذكر حط الخطايا بالوضوء وخروج المتوضئ نقيا من ذنوبه بعد فراغه من وضوئه.

1040- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج، أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، ومع آخر قطر الماء، أو نحو هذا، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب».

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح، وأخرجه البغوي في "شرح السنة" "150" وأخرجه الإمام مالك في "الموطأ" 1/32.

وهو حديث صحيح فيهِ: فضل الوضوء وأنه من أسباب حط الخطايا, غسل الوجه, غسل اليدين, غسل الرجلين كلها يحط بها الخطايا الَّتِي فعلتها هَذِه الجوارح, وهذا لمن اجتنب الكبائر, لابد من اجتناب الكبائر.

(المتن)

ذكر مغفرة الله جل وعلا ما بين الصلاتين للمتوضئ بوضوئه وصلاته.

1041- أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حمران، «أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد , فجاءه المؤذن فآذنه بصلاة العصر، فدعا بماء فتوضأ، ثم قال: لأحدثنكم حديثا لولا آية في كتاب الله لما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلي الصلاة، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها».

قال مالك: أُراه يريد هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود/114].

(الشرح)

قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البغوي في "شرح السنة" "153", وأخرجه عبد الرزاق "141" عن ابن جريج، والطيالسي 1/48, ومسلم "227" في الطهارة.

وهذا فيهِ: فضل الصلاة وأنها تكفر الخطايا إِلَى الصلاة الَّتِي بعدها, وهذا يؤيده ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النَّبِيِّ r قَالَ: «الصلوات الخمس, والجمعة إِلَى الجمعة, ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اُجتنبت الكبائر» كل صلاة تكفر الخطايا إِلَى الصلاة الَّتِي بعدها بشرط اجتناب الكبائر.

لَكِنْ قوله: «لولا آية ما حدثتكموه» فيهِ إشكال, هل هي: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت/45], هل هَذِه الآية؟ أو آية النهي عن كتمان العلم, وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة/159]؟.

ذكر في الحاشية, قَالَ عروة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة/159] كما في رواية البخاري ومسلم, والأقرب هَذِه الآية إِلَّا أن يقال: أن الحديث تفسير للآية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت/45], فالأقرب الآية الثانية وهو خوف الكتمان.

(المتن)

ذكر البيان بأن الله جل وعلا إنما يغفر ذنوب المتوضئ بعد فراغه منه إذا توضأ كما أُمر وصلى كما أُمر.

1042- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، حدثنا يزيد بن موهب، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سفيان بن عبد الرحمن، عن عاصم بن سفيان الثقفي، أنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم العدو , فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب، وعقبة بن عامر، فقال عاصم: «يا أبا أيوب، فاتنا العدو العام, وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غُفر له ذنبه, قال: يا ابن أخي، أدلك على ما هو أيسر من ذلك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من توضأ كما أمر، وصلى كما أُمر، غفر له ما تقدم من ذنبه أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم».

قال أبو حاتم: المساجد الأربعة: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الأقصى، ومسجد قباء.

وغزاة السلاسل كانت في أيام معاوية، وغزاة السلاسل كانت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم.

(الشرح)

قَالَ في الحاشية: في جمادى الآخرة سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكان أمير هذه الغزوة عمرو بن العاص.

فيهِ: دليل عَلَى الثواب لمن صلى كما أُمر, يَعْنِي: هذا فيهِ اشتراط أن يكون العمل موافق للشريعة, وهنا شرط آخر كذلك الإخلاص, فلا يحصل هذا الثواب إِلَّا بالإخلاص والمتابعة.

فإن قيل: تكرر نفس اسم الغزوة؟.

محتمل هذا.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد