شعار الموقع

عقيدة السلف وأصحاب الحديث للامام الصابوني 1 من بداية الرسالة إلى قوله ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه

00:00
00:00
تحميل
244

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. 

أما بعد: 

فإننا إن شاء الله بحول الله وقوته في هذه الدورة المباركة سوف نتكلم ونشرح عقيدة السلف على هذه الرسالة المسماة عقيدة السلف وأصحاب الحديث  للإمام المحدّث المفسّر شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن  عبد الرحمن الصابوني، وهو من علماء القرن الرابع والخامس الهجري، فإن ولادته عام ثلاث وسبعين وثلاثمائة ووفاته عام تسع وأربعين وأربعمائة.

 وهذه العقيدة شاملة بيّن فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث في ألوهية الرب وربوبيته وفي أسمائه وصفاته، وأفاض وتوسع في الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع  كصفة الكلام وبيان أن القرآن كلام الله وأطال في هذا وناقش أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق وإن القرآن مخلوق، وبيّن أن هذا كفر وضلال. 

وكذلك صفة النزول بيّن النصوص في هذا وأنها متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، وأنه يجب إثبات النزول لله  على ما يليق بجلاله وعظمته، وكذلك صفة الاستواء وصفة الرؤية، فهذه الصفات الثلاث اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع ولذلك أطال فيها المؤلف رحمه الله وهي صفة الكلام وصفة العلو والاستواء وصفة الرؤية. وهذه الصفات الثلاث هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن  أثبتها فهو من أهل السنة.. صفة الكلام وصفة العلو وصف الرؤيا، ومن أنكرها فهو من أهل البدع. 

وكذلك أيضاً بيّن عقيدة أهل السنة في عذاب القبر ونعيمه، وفي الجنة والنار، وفي الخير والشر، وفي المقتول هل هو مقتول بأجله، وفي القضاء والقدر، وفي الموت- فهي عقيدة شاملة-.وفي الإيمان كذلك عقيدة أهل السنة في الإيمان وأنه قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في أنهم لا يكفّرون بالذنب خلافاً للخوارج والمعتزلة.

وكذلك أيضاً بيّن عقيدة أهل السنة في الصحابة وأنهم يترضّون عنهم ويتولونهم وينزلونهم منازلهم التي تليق بهم بالعدل والإنصاف على حسب النصوص لا بالهوى والتعصب، خلافاً للرافضة الذين كفّروا الصحابة   وفسّقوهم وطعنوا فيهم وعبدوا آل البيت وغلوا فيهم، وخلافاً للنواصب الذين نصبوا العداوة لآل البيت.

وكذلك أيضاً بيّن عقيدة أهل السنة في وسوسة الشياطين وفي السحر والسحرة وأن السحر له حقيقة وله خيال، خلافاً لمن قال أنه ليس منه حقيقة وإنما هو خيال.

وبيّن آداب أصحاب الحديث وبيّن علامات أهل البدع وعلامات أهل السنة فهي - عقيدة شاملة - وبيّن عواقب العباد ومشيئة الله، وبيان الإرادة وأنها تنقسم إلى نوعين، وتكلم عن الخير والشر، وعن الهداية وأنها من  الله وأقسام الهداية، وبيّن أن أفعال العباد مخلوقة لله خلافاً للمعتزلة الذين يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه. 

وكذلك بيّن عقيدة أهل السنة في الحوض و الكوثر والشفاعة والبعث بعد الموت، وهو أصل من أصول الإيمان ومن أنكر البعث فهو كافر بنص القرآن. 

وموقف السلف من الأخطاء الواردة في تلك الصفات، وأنهم إذا ثبت الخبر بنقل العدول الثقات الضابطين واتصل السند فإنه يُعمل به ويُقبل في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء، إذا صح سند الحديث وعدّلت رواته ولم يكن فيه شذوذ ولا علّة فإنه مقبول في العقائد وفي الأعمال وفي الأخلاق وفي كل شيء، فهي عقيدة أهل السنة والجماعة خلافاً لأهل البدع الذين لا يقبلون أخبار الآحاد من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: لا  نقبل خبر الآحاد في العقائد، هذا مذهب باطل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة.

 فهي عقيدة شاملة بيّن فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث وفق ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما أجمع عليه الصحابة. 

والآن نبدأ نقرأ ترجمة المصنّف. 

(ترجمة المصنف) 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 

فنسبه رحمه الله هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المفسّر المحدّث الفقيه الواعظ الملقب بشيخ الإسلام، وأما لفظ "الصابوني"  فقد ذكر السِّمعاني في كتاب الأنساب أنه نسبة إلى عمل الصابون. وقال: وبيت كبير بنيسابور الصابونية لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعُرفوا به. 

وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السُّبْكي في طبقات الشافعية الكبرى نقلاً عن عبد الغافر الفارسي في كتابه "السياق في ذيل تاريخ نيسابور" أنهم نسيب مُعِمٌ مُخْوِل الْمُدْلي من جهة الأمومة إلى الحنفية  والفضلية والسيسانية والقرشية والتميمية والمزنية والضِّبية من الشِّعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب بأنه أبو  عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد 

حياته رحمه الله: 

ولد في بوشنج من نواحي هَرَاة في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة من الهجرة، قال عبد الغافر الفارسي كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور فَفُتِكَ به لأجل التعصّب  والمذهب وَقُتِلَ، وإسماعيل بعد حول سبع سنين، وأُقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والأستاذ الإمام أبي بكر بن فُورك وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره ويتعجّبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه وحفظه الأحاديث حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال. 

ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات، ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت واستشعار الهيبة حتى كان يُضرب به المثل، ووصفه عبد الغافر بأنه الإمام شيخ الإسلام الخطيب المفسّر المحدّث الواعظ، أَوْحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع يعني بنيسابور نحواً من عشرين سنة، وقال: كان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته وتصنيفاته وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث. 

سمع الحديث بنيسابور وبسرخس وبهراة وبالشام وبالحجاز وبالجبال وحدَّث بكثير من البلاد وأكثر الناس السماع منه، وقد ذكر السيوطي والداودي في كتابيهما طبقات المفسرين، وأوردا أنه أقام شهراً في تفسير آية، وهذا يدل على سعة علمه في تفسير القرآن العظيم.

 وكان الصابوني رحمه الله يحترم الحديث ويهتم بالأسانيد فقد حكى الفقيه أبو سعيد السُّكري عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أن الصابوني قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما  دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس إلا على طهارة. 

وكان رحمه الله ينظم الشعر أحياناً، قال عبد الغافر الفارسي من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء من غير مبالغة في تعمق يُلْحِقه بالمنهي، وهذا نموذج من شعره قال رحمه الله: 

ما لي أرى الدهر لا يشكو بذي كرم ولا يجوز بمعـــوان ومفضــالِ
ولا أرى أحـداً فـي الناس مشترياً حـسن الثنــاء بإنعـام وإفضـالِ
صاروا سواسـية في لؤمهم شرعاً   كأنّمــا نُســجوا فيه بمنــوال

وقال رحمه الله 

إذا لم أصـب مـن مـالكم ونـوالكم ولم أسل المعروف منكم ولا البرا
وكــنتم عبيـداً للـذي أنـا عبـده  فمن أجـل ماذا أًتعب البدن الحرا؟

أسرته رحمه الله: له رحمه الله ولدان هما عبد الله أبو نصر مات في حياة والده في بعض ثغور أذربيجان وهو متوجه إلى الحجاز للحج، والآخر هو عبد الرحمن أبو بكر سمع أباه بنيسابور وسمع الحديث وأسمعه وعقد مجلس الإملاء وتولى القضاء بأذربيجان مات بأصبهان في حدود سنة خمسمائة. 

ومع أن كنية الصابوني أبو عثمان إلا أني لم أجد له ولداً بهذا الاسم في الكتب التي ترجمت له، وله أخ هو إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني أبو يعلى الواعظ ينوب عنه في الوعظ سمع الحديث بهراة ونيسابور وبغداد كان مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة للهجرة، ووفاته في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمائة للهجرة. 

ويتضح مما سبق أن عائلة إسماعيل الصابوني عائلة علم ومعرفة وإرشاد، حيث كان أبوه من كبار الواعظين، وكان ابنه عبد الرحمن ممن اشتغل بالحديث وتولى القضاء، وكان أخوه إسحاق ينوب عنه في وعظ الناس  وسمع الحديث بعدة نواحي.. 

(الشيخ) 

أقول: أبو عثمان إسماعيل عبد الرحمن الصابوني عالم مفسّر محدّث فقيه من أهل السنة والجماعة نشأ في بيت علم وتتلمذ على العلماء وأخذ عنه العلم عدد من التلاميذ، وهو من أهل السنة والجماعة ومن العلماء  الذين يشار إليهم بالبنان رحمه الله وتغمده برحمته. 

السند: 

بسم الله الرحمن الرحيم 

رب يسر وأعن بفضلك ورحمتك 

أخبرنا قاضي القضاة بدمشق نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي إجازة مشافهة، قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا الشيخان جمال الدين عبد الرحمن أحمد بن عمر بن شكر وأبو عبد الله محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسيين قال الأول: أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن محمد العراقي سماعاً،  قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرفي إجازة. 

وقال الثاني: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم وأخبرنا المحدث تاج الدين محمد بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي في كتابه، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الخباز شفاهاً قال: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم إجازةً إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي قال: أخبرنا الخرقي سماعاً، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني قال: حدثنا  والدي شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن فذكره. 

وأخبرنا قاضي القضاة عز الدين عبد الرحيم بن محمد بن الفرات الحنفي إجازة مشافهة، قال: أخبرنا محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي إجازةً، قال: أخبرنا الجمال عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر  بسنده قال .. 

الشيخ:

هذا السند سند الكتاب إلى المؤلف رحمه الله فالرسالة ثابتة للمؤلف رحمه الله. والمقصود من ذكر السند حتى يتبين ويتحقق طالب العلم أن هذه الرسالة للمؤلف، وأنها ليست منسوبة إليه، وكثير من أهل البدع  يشكِّكُّون في نسبة كثير من المؤلفات إلى العلماء وهي ثابتة لأنهم يريدون ألّا تثبت هذه الرسائل لمؤلفيها؛ لأجل أن يطعنوا في معتقدات أهل السنة والجماعة فهم يشكّكون في رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة حيث بعض المبتدعة في هذا الزمن يقول في ثبوت رسالة الرد على الزنادقة للإمام أحمد نظر، في ثبوت كذا وفي ثبوت رسالة الصراط للإمام أحمد فيها نظر، والسند الآن يُبطل دعواهم، ولولا السند لقال من شاء ما  شاء. 

ولهذا قال كثير من المحدّثين: بيننا وبينكم القوائم وهي الإسناد؛ فالإسناد يُبطل دعوى كثير من أهل البدع الذين يطعنون في ثبوت الرسائل والعقائد والكتب إلى الأئمة. 

فهذه الرسالة ثابتة بهذه الأسانيد ثابتة إلى الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني فهي من كلامه رحمه الله. 

(المتن) 

قال: 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. 

أما بعد: 

فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي  استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، وهُدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدّقين المتقين، ووالوا في اتباعها وعادوا فيها وبدَّعوا وكفَّروا  من اعتقد غيرها وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها ويُمنها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدّموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم وحثّهم  إياهم عليها. 

فاستخرت الله تعالى وأثبتُّ في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار، رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المنّ بالتوفيق للصواب والصدق والهداية  والاستقامة  على سبيل الرشد والحق بمنّه وفضله. 

(الشرح) 

المؤلف رحمه الله افتتح هذه الرسالة بالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، افتتحها بالحمد لله اهتداءً بالكتاب العزيز فإن الله  افتتح كتابه العظيم بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والحمد  هو الثناء  على  المحمود  بالصفات الاختيارية، أما الثناء عليه بالصفات الجِبلّية التي جُبل الإنسان عليها فإنه يُسمَّى مدح ولا يسمى حمد فإن كان الثناء على الصفات الاختيارية التي يفعلها الموصوف باختياره مع حبه وإجلاله  سُمِّي حمداً، وإن كان الثناء عليه بالصفات الجبلّية التي جُبل عليها، فإنه يُسمَّى مدحا، والحمد أكمل من المدح. 

ولهذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  ولم يقل: أمدح اللهَ رب العالمين، الحمد معناه هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه، فالله تعالى محمود بصفاته،  لما له من الصفات العظيمة ولما  له من الأسماء الحسنى ولما له من النعم العظيمة على عباده، هو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم وربَّهم بنعمه، ومنَّ على المؤمنين بالإسلام والإيمان، وهو محمود على صفاته العظيمة، ومحمود على أسمائه، وهو   المالك لجميع أنواع المحامد.. فالمحامد بجميع أنواعها هي ملك لله كلها ملك لله، وهو مستحق لها ، بخلاف الثناء على المحمود بالصفات التي جُبِل عليها كالأسد إذا مدحته وقلت  إنه قوي وإنه  مفتول الساعدين  هذا يُسمَّى مدحا ولا يُسمَّى حمدا لأن الأسد جبله الله وخلقه على هذه الصفات، فهذه الصفات مجبول عليها فكونه قوي وكونه يفترس غيره فهذه القوة التي أعطاه الله جُبل عليها،  بخلاف الإنسان  إذا مدحته  قلت  فلان كريم، فلان محسن، فلان يُحسن إلى الناس، فلان مقدام شجاع، هذه صفات اختيارية، فعلها باختياره، يُسمَّى هذا حمد. 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  أثبت الربوبية لله، الحمد لله "ال" للاستغراق أي: أن الله تعالى له جميع أنواع المحامد كلها له ، وهو المالك لها وهو المستحق لها. 

"لله": الله  لفظ الجلالة لا يسمى به غيره  أعرف المعارف لفظ الله، والله هو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالاً وتعظيماً، أصل كلمة الله الإله، ثم سُهلت الهمزة، وأُدغمت  اللام في اللام... الله المألوه.. هو المألوه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين فالله الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً وهو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.

والله أعرف المعارف، ولفظ الله أعرف  المعارف، وتأتي أسماء الله كلها صفات له، كما قال  -يأتي بعدها أسماء الله وصفاته- : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۝ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى لفظ الجلالة يأتي أولًا، ثم تأتي بعده الأسماء والصفات.  فأعرف المعارف لفظ الجلالة ، ولا يُسمى به غيره 

وأسماء الله نوعان أو قسمان: 

قسم لا يُسمى به إلا هو مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك. 

وقسم يُسمى به غيره "مُشتَرك": العزيز، والرحيم، والحي، والسميع، والبصير، والملك، هذه أسماء مُشتَركة، تطلق على الله، وتطلق على غيره قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ، وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ

وأسماء الله مشتقة مشتملة على معانٍ، كل اسم مشتمل على صفة، فالله مشتمل على الألوهية، والرحمن مشتمل على صفة الرحمة، العليم صفة العلم، القدير صفة القدرة، وهكذا أسماء الله مشتملة على المعاني على  الصفات بخلاف الصفة، فصفة العلم لا يُشتق منها اسم يقال له: عالم، وإنما الأسماء مشتملة على الصفات، ومشتملة على المعاني، كل اسم مشتمل على صفة، فهي مشتقة. 

رَبِّ الْعَالَمِينَ  خاص بالله  فهو رب العالمين، يعني: مُربيهم بنعمه، هو الذي أوجدهم من العدم وربَّاهم بنعمه  فالله هو الرب، وغيره المربوب، هو الخالق وغيره المخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبِّر  وغيره المدبَّر ورب العالمين.

 والعالمين: كل ما سوى الله، فكل ما سوى الله يسمى عالماً، فالله تعالى هو رب المخلوقات كلها، العالمين جميع ما سوى الله يسمى عالما، وأنت واحد من ذلك العالم، فالله تعالى هو رب  العالمين. العوالم في السماوات  وفي الأرضين، وفي البحار، وفي الجو، هذه المخلوقات كلها عالم. كل ما سوى الله فهو عالم فالله  رب الجميع. 

ثم قال: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ العاقبة يعني: ما يعقب الشيء ويأتي بعده، والمتقين: جمع متقٍ، والمتقي هو الذي اتقى غضب الله وسخطه وناره بالإيمان والتوحيد، المتقون هم المؤمنون الموحدون سُمُّوا متقين لأنهم  اتقوا غضب الله وسخطه بإيمانهم وتوحيدهم وأدائهم الواجبات وتركهم المحرمات فاستحقوا هذا الاسم. 

كما قال  في أول سورة البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ثم ذكر أوصافهم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

يقول المؤلف: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  أي: العاقبة الحميدة للمتقين، من اتقى الله فوحَّده وأخلص له العبادة واتقى الشرك واتقى المحرّمات وأدى الواجبات فالعاقبة الحميدة له، لهم في الدنيا النصر والغَلَبة والتأييد،  وفي الآخرة هم أهل الجنة وأهل الكرامة الذين رضي الله عنهم وأسكنهم جنته، وأحلَّ عليهم رضوانه، فالعاقبة الحميدة للمتقين.

 فالمتّقون هم الموحدون. سموا متقين لأنهم اتقوا الشرك والمعاصي وأدوا الواجبات فالعاقبة الحميدة لهم في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والظفر والتأييد وفي الآخرة في دخول الجنة والتنعم بدار كرامته  والحصول على رضاه 

ثم بعد أن حمد المؤلف الله  صلى على نبيه فقال: "وصلى الله على محمد"، فصلاة الله على عبده أحسن ما قيل في تفسيرها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية التابعي الجليل قال:  صلاة الله على عبده  ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تسأل الله "صلى الله" دعاء أنت تدعو الله وتسأل الله أن يصلي على نبيه أي: يثني عليه في الملأ الأعلى، تسأل ربك أن يثني عليه في الملأ الأعلى.. تقول: اللهم أثنِ على عبدك  ورسولك محمد في الملأ الأعلى، صلى الله على محمد هذا دعاء وسؤال لله أن يثني على عبده محمد في الملأ الأعلى (الملائكة). 

"وعلى آله" وهم أتباعه على دينه.. آله أتباعه على دينه، ويدخل في الآل ذريته وقرابته والمؤمنون وأزواجه والصحابة كلهم داخلون في الآل، يدخل في آله أزواجه وذريته وأعمامه والمؤمنون وصحابته.. ويُطلق الآل على الذرية والأقارب ويشمل الأزواج ويشمل أيضاً أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، فكل من تبعه على دينه فهو من آله عليه الصلاة والسلام، والصحابة يدخلون في ذلك دخولاً أولياً. 

ثم قال: "وأصحابه الكرام" عطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام، فالصحابة يُصلى عليهم مرتين: المرة الأولى في العموم في قوله: "وعلى آله" يدخل فيهم الصحابة والمرة الثانية بالخصوص في قوله: "وأصحابه" فكأن المؤلف صلى على الصحابة مرتين المرة الأولى في قوله وعلى آله لأنه يدخل في الآل الصحابة والمرة الثانية بالخصوص في قوله: وأصحابه "الكرام" يعني: الذين اتّصفوا بصفة الكرم والصحابة لا شك أنهم كرام، أكرم الناس بعد الأنبياء ومن كرمهم أنهم سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله وإنفاق أموالهم وبذلوا علمهم ونشروا دين الله وبذلوا أرواحهم رخيصة في الجهاد في سبيل الله، وبذلوا أموالهم في سبيل الله، فيه أعظم من هذا الكرم؟..هؤلاء أكرم الناس بعد الأنبياء  وأرضاهم. 

ثم قال المؤلف رحمه الله: "أما بعد": هذه كلمة يؤتى بها للدخول في الموضوع الذي يريد أن يتكلم الإنسان فيه، يؤتى بها للدخول في الموضوع فهي تفصل ما بين السابق واللاحق، كأن المؤلف انتقل من الخطبة إلى  الدخول في صلب الموضوع، وكان النبي ﷺ يقول  أَمَّا بَعْدُ في خطبه كثيراً فثبت عنه ﷺ أنه كان يقول يوم الجمعة أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا

اختُلف في أول من قال "أما بعد"، فقيل: أول من قالها داود عليه الصلاة والسلام، وقيل إنها من فصل الخطاب الذي أوتيه داود ، وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، وعلى كل حال  أَمَّا بَعْدُ كان النبي ﷺ يستعملها في خطبه وفي رسائله، وذلك لما أنه ﷺ لما كتب لملك الروم قال: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ.... إلى آخر الآية.  فالنبي ﷺ كان يأتي بها في خطبه وفي رسائله. أَمَّا بَعْدُ، فينبغي  الاقتداء به عليه الصلاة والسلام. وبعض الخطباء وبعض الكتّاب يقول: "وبعد"، "أما بعد" أحسن من "وبعد".

 ثم قال المؤلف رحمه الله مبيّناً سبب تأليف هذه الرسالة وقال: فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه ﷺ وأصحابه الكرام سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم  فصولًا في أصول الدين.. هذا سبب تأليف الرسالة..سبب تأليف الرسالة يقول المؤلف لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان وكان متوجهاً إلى بيت الله الحرام سأله بعض الأخوان أن يجمع لهم فصولاً في أصول الدين  فأجابهم إلى سؤالهم. 

 فإذاً سبب تأليف هذه الرسالة أنها جواب لسؤال، جواب على سؤال.. السؤال موجه مِن مَن؟ السؤال موجّه من بعض الإخوان في الدين وجهوا إلى المؤلف أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، وجه بعض  الأخوان في الدين سؤال، جواب لسؤال وجه للمؤلف، والذين وجهوا السؤال للمؤلف عدد من الإخوان.. بعض أخوانه وجهوا له سؤال وطلبوا منه أن يجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها أئمة الدين  وعلماء المسلمين فكتب هذه الرسالة رحمه الله رسالة طويلة، وبيّن فيها معتقد أهل السنة والجماعة في ألوهية الله وفي ربوبيته وفي أسمائه وفي صفاته وفي الإيمان وفي الجنة وفي النار وفي البعث بعد الموت  وفي الصحابة وفي الخير والشر إلى غير ذلك. 

أما قول المؤلف رحمه الله: "متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد ﷺ"، فهذا مما يلاحَظ على المؤلف رحمه الله قوله: "وزيارة قبره" ، فإنه لا يُشرَع شد الرحل إلى زيارة قبر النبي ﷺ ولا يُشرَع السفر إلى زيارة القبر بهذه النية، وإنما يُشرع المشروع أن يشد الرحل، وأن ينوي السفر لزيارة مسجد النبي ﷺ، ثم إذا وصل إلى مسجد النبي ﷺ وصلى فيه ركعتين، زار قبر النبي ﷺ وقبر صاحبَيه. 

هذا هو المشروع لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى فلا تشد الرحل.. والحديث رواه الشيخان وغيرهما لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى  فالسفر إنما يُنشأ لزيارة المسجد النبوي، وإن أنشأه لزيارة المسجد ولزيارة القبر بالنية فلا بأس، أما أن تكون النية لأجل زيارة القبر فقط  فهذا ممنوع، وإنما تكون النية لزيارة مسجد النبي ﷺ. 

قد ذكر المحقق في هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله وقال: إنه بسّط الشيخ ابن تيمية رحمه الله هذا الموضوع في مجموع الفتاوى، وفيه قوله "وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي ﷺ فكلها ضعيفة  باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة، لم يروِ أحد من أهل السنن المعتمدة شيئًا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن  يقول الرجل: زرت قبره ﷺ ولو كان هذا اللفظ معروفاً عندهم أو مشروعاً أو مأثوراً عن النبي ﷺ لم يكرهه عالم المدينة" انتهى. 

فإذاً الأَولى أن يقول المؤلف رحمه الله: متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي ﷺ هذا هو الأَولى. 

فإذاً سبب تأليف هذه الرسالة كما سبق سؤال وجّه إلى المؤلف بأن يجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي تمسّك بها، واستمسك بها أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالح، بدأ بالأئمة ثم العلماء ثم السلف،  والسلف هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، هم صدر هذه الأمة، وصفهم المؤلف قال: "وهُدوا" يعني الذين هداهم الله، "ودعوا الناس إليها في كل حين، يقول هؤلاء الأخوان سألوني أن أجمع  لهم فصولاً في أصول الدين، هذه الأصول استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، "وهُدوا" يعني الذين هداهم الله، "ودعوا الناس إليها في كل حين، "ونهوا"، يعني في كل زمان  لا بد أن يوجد فيه من يقوم بالحق، ويُظهر الحق، ويدعو إلى الحق، ويستمسك بالحق لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لا تَزالُ طَائِفةٌ من أمَّتي على الحقِّ منصورةٌ لا يضُرهم من خَذَلَهم ولا من خالَفَهُم حتى  يأتيَ أمرُ اللهِ تبارك وتعالى

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدّقين المتقين"، يقول المؤلف رحمه الله إنّ هذه الفصول في أصول الدين التي سألني إخواني أن أكتبها  لهم هذه الأصول استمسك بها الأئمة والعلماء والسلف وهداهم الله إليها ودعوا الناس إليها في كل زمان ونهوا عما يضادّها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، يعني هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء وهؤلاء السلف نهوا عما يضاد أصول الدين، والذي يضاد أصول الدين هي البدع فنهوا عما يضادها، أي من البدع، وينافيها نهوا من؟ نهوا جملة المؤمنين المصدّقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون، نهوا المؤمنين ونهوا المصدقين  ونهوا المتقين عما يضاد أصول الدين من البدع والمحدثات لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بخلاف غير المؤمنين فلا يقبلون، وإن كان الدعوة عامة، الدعوة عامة لكل أحد، لكن خص المؤلف رحمه الله جملة المؤمنين المصدقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بالنصائح والمواعظ. 

ولهذا قال: "ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدّقين المتقين ووالوا في اتباعّها وعادوا فيها" "والوا في اتّباعها" أي والوا المؤمنين في اتباع هذه الأصول مثل الإيمان بالله والإيمان بالملائكة والإيمان  بالكتب المنزّلة والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان بالصراط والميزان والحوض والجنة والنار والإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته هذه الأصول والوا في اتّباعها  يعني المؤمنون المصدقون والوا في اتباعها يعني من اتّبعها وآمن بها والوه، جعلوه ولياً وأحبوه وجعلوه من أحبابهم، "وعادوا فيها" عادوا من خالف هذه الأصول، وتنكر لها، فعادوه وأبغضوه، وبدّعوا وكفّروا من اعتقد غيرها.. بدعوا وكفروا من لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، من لم يؤمن بألوهية الله.. من لم يؤمن بربوبية الله عادوه وبدعوه وكفروه.. 

ثم قال: "وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوا إليها بركتها ويمنها وخيرها" يعني حصلوا وأثبتوا لأنفسهم ولمن دعوا إليها بركتها ويمنها وفضلها وحصل لهم البركة وحصل لهم الخير وحصل لهم الفضل والأجر والثواب بسبب إيمانهم بهذه الأصول وموالاتهم عليها ومعاداتهم لمن خالفها، فحصلوا على البركة وحصلوا على الخير وحصلوا على الأجر.

 ثم قال المؤلف: "وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها"، أفضوا لما توفاهم الله وانتهت آجالهم قَدِموا على ما قَدَّموا من خير عظيم ووجدوا الثواب مدّخراً لهم عند الله  وجدوا ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها وجدوه لأنهم حينما دعوا إلى هذا الخير وانتفع الناس به صار لهم مثل أجورهم، يقول النبي ﷺ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الخَيرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا، فهؤلاء العلماء وهؤلاء الأئمة وهؤلاء السلف الذين دعوا إلى هذه الأصول، أصول الدين ودعوا إلى الإيمان بما ثبت في كتاب الله  وسنة رسوله  ﷺ مما يجب اعتقاده الإيمان بالله وملائكته  وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حصلت لهم بركة هذه الدعوة وخيرها، وأفضوا إلى ما قدّموه من ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها، حصل لهم مثل أجورهم.. مثل أجور من أرشدوه وانتفع بإرشادهم ودعوتهم. 

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وإرشاد العباد إليها وحملهم وحثهم إياهم عليها، فاستخرت الله تعالى وأثبتُّ في هذا الجزء ما تيسر منه على سبيل الاختصار"، يقول المؤلف رحمه الله: لما سألني هؤلاء الإخوان أن أكتب لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها الأئمة، ودعوا إليها، ونهوا عما يضادّها، وأفضوا إلى الثواب والأجر الذي حصل لهم بسبب نشرهم لدين الله ودعوتهم إلى توحيد الله استخرتُ الله. 

فالاستخارة مشروعة في الأمور التي يكون فيها إشكال، والنبي ﷺ شرع الاستخارة وقال بالحديث إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ فليصل رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثم ليدعُ فيقول: اللهُمَّ إنِّي أسْتَخيرُكَ بعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأسْألُكَ مِنْ فضلِكَ العَظِيم، فالاستخارة مشروعة في الأمور التي يكون فيها إشكال، أما الأمور الواضحة فليس فيها استخارة فلا تستخير هل تصلي الجماعة أو لا، ولا تستخير في صوم رمضا ولا  تستخير  في دفع الزكاة ولا تستخير في الحج إلا -قال العلماء- إلا إذا كان الطريق ليس آمنا فهو يستخير هل يحج هذا العام أو لا يحج، لكن الأمور التي فيها إشكال تستخير، كأن تستخير الله أن تتزوج من آل فلان، تستخير  الله أن تدخل في هذه التجارة مع فلان.. لا بأس.. 

والمؤلف رحمه الله استخار، لكن هل الكتابة الآن هذه فيها إشكال حتى يستخير، كونه يكتب عقيدة أهل السنة والجماعة هل في ذلك إشكال. قال فاستخرت الله تعالى.. نعم.. قد يُقال: بأنه يستخير لأن المؤلفات في  العقيدة كثيرة ولأن العلماء كفوه هذا، فهو أشكل عليه الأمر، هل الكتابة في هذا الأمر لها فائدة أم ليس لها فائدة؟ أو تحصيل حاصل؛ لأن العلماء كفوه وكتبوا في هذا الموضوع، فأشكل عليه الأمر، فلهذا قال: استخرت  الله تعالى ثم لما استخار ترجّح له أن يكتب هذه الرسالة بعد الاستخارة . فالإنسان يستخير في الأمر الذي يُشكل عليه ويشاور أيضاً، يستشير أيضاً.. مع الاستخارة يكون في استشارة أيضاً ويمضي بما ينشرح صدره  له، فإن أشكل عليه الأمر ولم يتبين له شيء يعيد الاستشارة ويكررها. وهكذا.. 

المؤلف رحمه الله كان قد أشكل عليه بأنه يستخير لأن المؤلفات في العقيدة كثيرة ولأن العلماء كفوه وكتبوا في هذا الموضوع هل تكون الرسالة لها فائدة أم لا تكون لها فائدة، ولأن العلماء كفوه وكتبوا في هذا  الموضوع المؤلفات، ثم قال استخار فرجح له أن يكتب لأن هذه الرسالة مختصرة.. مختصرة لمعتقد أهل الحديث وأهل السنة فهي تلخيص لما كتبه العلماء، فلهذا ترجح للمؤلف رحمه الله بعد الاستخارة أن يكتب هذه الرسالة لأن الرسائل السابقة قد تكون طويلة وهذه الرسالة مختصرة يستطيع طالب العلم أن يحفظها وأن يستوعبها في وقت وجيز. ولهذا ترجح للمؤلف رحمه الله في الاستخارة فقال: "فاستخرت الله تعالى وأثبتُّ في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار"، فهو اختصر هذه العقيدة ولخصها من كلام أهل العلم.

 وبيّن رحمه الله أيضاً أن الذي حمله على ذلك فقال: "رجاء أن ينتفع بها أولو الألباب والأبصار"، رجاء الانتفاع.. وإذا انتُفِع بها صار له مثل أجرهم، فلهذا أقدم المؤلف رحمه الله على كتابته، "رجاء أن ينتفع بها" من الذي ينتفع بها؟ هل كل أحد؟ قال أولوا الألباب والأبصار، وأولو الألباب هم أصحاب العقول، كما قال الله تعالى في كتابه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ أصحاب العقول الذين أرشدتهم عقولهم السليمة إلى توحيد  الله وإخلاص الدين له وقبول الحق، أولو الألباب هم الذين ينتفعون، أما من لم يُرِد الله هدايته فلا حيلة فيه من لم يوفق ولم يُرزق عقلاً سليماً ولباً من الألباب التي ترشده إلى قبول الحق فلا حيلة فيه؛ ولهذا قال:  رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار. 

ثم قال: "والله  يحقق الظن" هذا دعاه رحمه الله.. دعاء. سؤال له  بأن يغلب ظنه لأنه يغلب على ظنه أنه ينتفع بهذه الرسالة، فقال: "والله  يحقق الظن ويجزل عليه المن بالتوفيق إلى الصواب والصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنّه وفضله". 

فهذا دعاء من المؤلف رحمه الله بأن يحقق الله ظنه، ويجزل عليه المن، فيمُنَّ عليه بالتوفيق والصواب فيما كتبه، وأن يمن عليه بالصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنّه وفضله، ونرجو أن الله تعالى قد حقق للمؤلف ما أراد إن شاء الله. 

(المتن) 

قلت وبالله التوفيق: أصحاب الحديث حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول ﷺ بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم  بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو  شهد له بها.

الشرح 

نعم ماذا؟ أعد.. قال الشيخ أبو عثمان قلت وبالله التوفيق إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة.. نعم.. أعد.. 

المتن: 

قال الشيخ أبو عثمان قلت وبالله التوفيق: أصحاب الحديث حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم.

الشرح 

نعم في الرسالة الأولى: إن أصحاب الحديث ثم جاء المتمسكين بالكتاب والسنة حفظ الله أحياءهم.. نعم.. 

المتن: 

يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول ﷺ بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم  بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات  عنه، ويثبتون له  ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه. 

(شرح) 

يقول المؤلف رحمه الله، أبو عثمان: "قلت وبالله التوفيق"– أسأل الله التوفيق –التوفيق: هو أن يُوفّق الإنسان للصواب وللحق، أن يجعله الله يقول بالحق ويعمل بالحق، هذا السؤال قد سأل ربه بأن يوفقه للصواب.

قال "قلت وبالله التوفيق أصحاب الحديث" أو "إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة".وبين المؤلف رحمه الله أن أصحاب الحديث من هم؟ أصحاب الحديث هم المتمسكون بالكتاب والسنة، الذين يعملون بالكتاب والسنة هم أصحاب الحديث.

 فإن الله  أوحى إلى نبيه الكريم وحيين:

 الوحي الأول: القرآن، أوحاه الله إلى نبيه ﷺ بلفظه ومعناه، فهو كلام الله لفظه ومعناه.

 والوحي الثاني: السنة المطهرة، وهي نوعان:

النوع الأول: الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظاً ومعنى، كما في حديث أبي ذر عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه  أنه قال: يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا  فهذا حديث قدسي نسبه النبي ﷺ إلى ربه ، فهو من كلام الله لفظاً ومعنىً.

 والنوع الثاني: الحديث غير القدسي، فهذا من كلام الله معنىً، ومن كلام النبي ﷺ لفظاً، لفظه من النبي ﷺ ومعناه من الله كقوله ﷺ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فالحديث وحي من الله، إلا  أن لفظ الحديث من النبي ﷺ وأما معناه فمن الله، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 

فالحديث لفظه من الرسول ﷺ ومعناه من الله، أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله، مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته. القرآن يُقرأ في  الصلاة، والحديث القدسي لا يُقرأ في الصلاة. القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز. القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ. فالحديث القدسي وإن  كان لفظه ومعناه من الله إلا أن له أحكاماً تختلف عن أحكام القرآن.

 فالمؤلف رحمه الله يقول: "إن أصحاب الحديث المتمسكين بكتاب الله والسنة.. المتمسكين بالكتاب والسنة"، إذا من هم أصحاب الحديث؟ هم الذين يعملون بالكتاب والسنة، والسنة هي التي توضح القرآن وتبينه  وتقيد مطلقه وتخصص عمومه.

فالسنة لها مع القرآن على أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أنها تبين المجمل، مثل الصلاة: جاءت في القرآن: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، جاءت السنة وفصلت الصلاة،  وبينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت  عدد ركعات الصلاة إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة المغرب ثلاث ركعات.. السنة وضحت وفصلت هذا الإجمال. كذلك الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت وبينت أن  لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لا بد من النصاب. كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة فصلت هذا الإجماع. فالسنة تفصل وتبين المجمل وتخصص العام، وكذلك تقيد المطلق فهي تأتي وتبين.

فالسنة لها مع القرآن أحوال ثلاث: 

الحالة الأولى: تبين المجمل. 

الحالة الثانية: تقيد المطلق وتخصص العام. 

الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن  جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثان، قال النبي ﷺ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فأصحاب الحديث هم الذين يعملون بالقرآن والسنة.. هم أصحاب الحديث هم المتمسكين بالكتاب والسنة.

 دعا لهم المؤلف: قال "حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم"، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث دعا لهم بأن يحفظ الله الأحياء ويرحم الأموات، ما هي عقيدتهم قال المؤلف: "يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول ﷺ بالرسالة والنبوة". هذا أصل الدين وأساس الملة.. أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بوحدانيته، وتشهد لنبيه ﷺ بالرسالة والنبوة. وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أصل  الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن الله واحد في ربوبيته، وواحد في ألوهيته وواحد في أسمائه وصفاته، فهو  واجب الوجود لذاته، وهو فوق العرش، وهو الرب وغيره مربوب، وهو الخالق  وغيره المخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبر وغيره المدبَر، وكذلك تشهد لله تعالى بالوحدانية في أسمائه وصفاته، وأنه ليس له شريك في أسمائه وصفاته، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى،  وليس له شريك في أفعاله أيضاً،  وليس له شريك في ألوهيته وعبادته، فهو مستحق العبادة في الألوهية والعبادة ليس له شريك، هو مستحق للعبادة وغيره لا يستحق شيئاً من العبادة، فلا يستحق العبادة أحد  لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. 

يقول المؤلف رحمه الله إن أهل الحديث يشهدون لله تعالى بالوحدانية ولنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة، قلنا أن هذا هو أصل الدين وأساس الملة.. أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحداني وتشهد لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة، ومن لم يشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فليس بمؤمن. تشهد لله تعالى بالوحدانية: أن تنطق بلسانك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وتعتقد بقلبك وتصدق بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه المالك وغيره مملوك، وأنه المدبر وغيره المدَبر، وتشهد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العُلى التي لا يشاركه فيها أحد، في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله وتشهد بأن الله هو مستحق العبادة بجميع أنواعها، لا يستحقها غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فالله تعالى هو المعبود بالحق، هو الذي يُدعى ولا يُدعى غيره، يُذبح له ويُنذر له ويتوكل عليه ويرجى ويخاف ويصلى له يرجى ويخاف ويتوكل عليه، والعبادة حق الله لا يستحقها النبي ﷺ ولا جبريل ولا غيره، ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر وتنتقض عليه الشهادة، فمن قال: لا إله إلا الله، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، بطلت شهادته. فالشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه ﷺ بالرسالة أصل الدين وأساس الملة، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، تشهد بربوبية الله، وتشهد بألوهيته، وتشهد بأسمائه وصفاته، فلا تصرف شيئاً منها لغير الله، وكذلك.. ولا يقع في عمل الشرك حتى لا تنتقض هذه العبادة، الشهادة لله تعالى بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله بشرط ألا يفعل الإنسان ناقضاً من نواقض الإسلام، فإن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بطلت هذه الشهادة، كما يتوضأ الإنسان وأحسن الوضوء وتطهر أحسن الطاهرة ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح فقد بطلت الطهارة، فكذلك إذا شهد لله تعالى بالوحدانية، ثم دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بأن اعتقد أن الصلاة غير واجبة، أو الحج غير واجب، أو الصوم غير واجب، أو اعتقد أن الزنا ليس بمحرم، أو الربا غير محرم.. أنكر تحريم الربا أو الزنا أو الخمر أو عقوق الوالدين أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة بطلت الشهادة وانتقضت أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله بالوحدانية وأن تشهد للنبي ﷺ بالرسالة والنبوة، تشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العربي المكي ثم المدني هو رسول الله حقاً وأنه خاتم النبيين، وأن رسالته عامة للعرب وللعجم وللجن والإنس، وأنه خاتم النبيين ليس بعده نبي، فمن قال: إن رسالته خاصة بالعرب أو خاصة بالإنس أو بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين ولا تنفعه، وتبطل شهادة أن لا إله إلا الله، لأن شرط الشهادتين: أنه لابد منهما جميعاً، فهما متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فمن شهد: أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول لم تقبل منه، ومن شهد: أن محمداً رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله، فمن قال: إن محمداً عليه الصلاة والسلام بعده نبي، أو ليست رسالته عامة، لا تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله، لأنه لم يأت بشرطها، ولذلك لما أنكر اليهود والنصارى رسالة محمد ﷺ وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، بيّن الله أن إيمانهم لاغ وأنه لا قيمة له، فقال سبحانه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فنفى عنهم الإيمان وقال: لا يؤمنون بالله، وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، لكن لما لم يؤمنوا بمحمد ﷺ نفى الله الإيمان عنهم. فالشهادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لن تُقبل منه ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله فلا تُقبل منه. حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله..

ولهذا قال المؤلف رحمه الله في بيان عقيدة أصحاب الحديث والسلف يشهدون لله تعالى بالوحدانية، يعني الوحدانية في ألوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته وأفعاله ولا يفعلون ناقضاً من نواقض الإسلام،"وللرسول ﷺ بالرسالة والنبوة" يشهدون أن محمداً رسول الله، ويصدقونه في أخباره عليه الصلاة والسلام، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ويتعبدون لله بما شرعه "ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله"، هذه أيضاً من عقيدة أصحاب الحديث أنهم يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، فالله تعالى وصف نفسه الصفات التي جاءت في القرآن بأنه الحي القيوم، وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وصف نفسه بالعلم والسمع والبصر والقدرة، يعني يعرفون ربهم بالأسماء والصفات التي وصف نفسه بها قال الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، يؤمنون يعرفون ربهم بأنه لا إله إلا هو، لا معبود بحق سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الرحمن الرحيم: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، يعرفونه بأسمائه: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يؤمنون بذلك.

"يعرفون ربهم بأسمائه وصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله"، "أو شهد له بها رسوله ﷺ"، فما ورد في الكتاب و السنة من الأسماء والصفات يجب إثباتها لله ، فإذا ورد اسم من أسماء الله في السنة المطهرة إذا ثبت وصح سند الحديث وعُدّلت الرواة، ولم يكن شاذاً ولا معللاً فيجب إثبات ما ورد في السنة من أسماء الله وصفاته، ولهذا قال المؤلف رحمه الله ويعرفون الله بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله وهو القرآن العظيم أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت في الأخبار الصحاح به، ولهذا قيد المؤلف الأخبار أي الأحاديث الصحاح يعني الصحيح، وهي جمع صحيح، يعني: الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فلا، كما لو كان الحديث ضعيفا في سنده انقطاع أو في سنده راوٍ ضعيف في الحفظ أو في الديانة فلا يصح الحديث ولا يُقبل ما دل عليه، لا بد أن يكون الحديث صحيح. ومعروف شروط الحديث الصحيح عند المحدثين: أن يكون السند متصلا، وأن يكون الرواة عدول ثقات ضابطين، وأن لا يكون الحديث شاذا وليس فيه علة، خمسة شروط للحديث الصحيح: اتصال السند وعدول الرواة وضبطهم وأن لا يكون الحديث شاذاً ولا معللاً.

فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة فإنه حديث صحيح، يكون السند متصل ما في انقطاع ويكون الرواة عدول وضابطين، شرطين العدالة والضبط وأن لا يكون شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة مخالفا لأصول  الشريعة، وألا يخالف الثقة من هو أوثق منه، وألا يكون الحديث فيه علة قادحة علة خفية، فإذا وُجدت هذه الشروط فإن الحديث صحيح، ويجب قبوله والعمل بما دل عليه في العقائد وفي الأخلاق وفي الأعمال وكل شيء، خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون لا نقبل خبر الآحاد في الأعمال، إنما يقبل خبر الآحاد في الأعمال، أما العقائد فلا يقبل فيها أخبار الآحاد، وهذا منهج باطل أهل السنة والجماعة يقبلون ما دل عليه الحديث الصحيح إذا صح السند وكانوا عدولا ضابطين ولم يكن الحديث شاذا ولا معلا، فإنه يجب قبوله في العقائد وفي الأعمال وفي الأخلاق وفي كل شيء. 
.ولهذا بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً سماه: باب أخبار الآحاد، وذكر نصوصاً كثيرة في قبول خبر الآحاد، والنبي ﷺ كان يرسل كتبه إلى الملوك والرؤساء، والذي يرسله واحد، ومع ذلك يُقبل خبر الواحد 

ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما ورد في الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه" هكذا قيد المؤلف -رحمه الله- لا بد وأن يكون الخبر صحيح، ونقله العدول الثقات الضابطون، ويثبتون له منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ.

هكذا أهل السنة يثبتون لله  ما أثبته لنفسه في كتابه العزيز من الأسماء والصفات، أو ما ثبت في سنة النبي ﷺ على لسان رسول الله ﷺ كما سبق في الآيات: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ،  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ، ومثلما ورد أيضاً: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وهكذا.. إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ من أسماء الله الستير.. وهكذا. فما ثبت في الحديث مثلما ورد في القرآن الكريم إذا كان الحديث صحيحا. 

"ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه" هكذا أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات لله ولا يشبّهون ولا يمثّلون، كما قال سبحانه عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فالصفات والأسماء ثابتة  لله على ما يليق بجلالته وعظمته، لا يماثل أحداً من خلقه. أهل السنة لا يكيّفون لا يقولون: صفة الله كيفيتها كذا، ولا يمثّلون ولا يقولون: مثل صفات المخلوقين، بل يثبتون الأسماء والصفات ويثبتون  المعنى، ويفوضون  الكيفية إلى الله، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: "الاستواء معلوم" يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، فالاستواء: هو الاستقرار والصعود والعلو  والارتفاع،  "والكيف مجهول" كيفية  استواء  الله على عرشه هذا مجهول لا نعلمه، "والإيمان به واجب" يجب الإيمان باستوائه، "والسؤال عنه بدعة" وهذا يقال في النزول والاستواء والعلو والسمع والبصر كلها المعنى  معلوم،  معلوم معناه في اللغة  العربية، نعرف  أن العلم ضد الجهل، السمع ضد الصمم، البصر ضد العمى، العلو ضد السفول، الاستواء فسر بأربع تفسيرات الاستقرار والعلو والصعود والارتفاع. أما كيفية استواء الرب  وكيفية علوه وكيفية سمعه  وبصره فلا يعلمه إلا  الله، هذا معنى قول الإمام مالك "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". 

ولعلنا نقف عند هذا الحد، ونسأل الله الجميع التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 

وفق الله الجميع. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد