شعار الموقع

الدرس الرابع

00:00
00:00
تحميل
9

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ اِبْن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

ذكر الأمر بتخليل الأصابع للمتوضئ مع القصد في إسباغ الوضوء.

1054- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، قال: «كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة، فأمرت لنا بخزيرة فصنعت، وأتتنا بقناع والقناع الطبق فيه التمر فأكلنا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل أصبتم شيئًا؟ أو آمر لكم بشيء؟ قلنا: نعم يا رسول الله, فبينما نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، إذ رفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال صلى الله عليه وسلم: ما ولدت؟ قال: بهمة، قال: اذبح مكانها شاة، ثم أقبل علي، فقال: لا تحسِبن ولم يقل: لا تحسَبن أنا من أجلك ذبحناها، إن لنا غنمًا مائة لا تزيد، فما ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله، إن لي امرأة في لسانها شيء، قال: فطلقها إذا، قال: قلت: يا رسول الله، إن لي منها ولدًا، ولها صحبة، قال: عظها، فإن يك فيها خير، فستقبل، ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين أصابعك، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا».

(الشرح)

هذا هو الشاهد: «أسبغ الوضوء، وخلل بين أصابعك».

قَالَ: إسناده جيد, وأخرجه الشافعي في "مسنده" 1/30، 31، وأبو داود "142" في الطهارة: باب في الاستنثار، والبغوي "213"، والبيهقي 7/303 في السنن، وأخرجه بنحوه أحمد 4/211.

وهذا الحديث مشهور: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» هو حديث لا بأس بِهِ.

«تيعر» يَعْنِي: تصيح, عائشة رضي الله عنها صنعت لهم خزيرة, وأتت بالرطب, والنبي r أمرها بذبح شاة, «إن لي منها ولدًا، ولها صحبة» يَعْنِي: لها مدة معي ولي منها ولد, «ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك» يَعْنِي: لا تعاملها معاملة الخادم والأمة المملوكة, الخادم هو خادم يُضرب ويؤدب لَكِنْ الزوجة لا, الزوجة حرة وشريكة الحياة ما تُعامل معاملة الأمة والخادم.

«أسبغ الوضوء، وخلل بين أصابعك، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» هذا هو الشاهد, والحديث لا بأس بسنده, فيُشرع للمتوضئ أن يبالغ في الاستنشاق إِلَّا إذا كَانَ صائمًا فلا يبالغ خشية أن يتحرر شيء من الماء إِلَى حلقه, «والتخليل بين الأصابع» هو التبليغ حتى يصل الماء إليها؛ لان الأصابع قد ينبع عنها الماء إذا لم يخلل وليس هناك إلا ماء قليل فهو يخلل حتى يبلغ الماء بين الأصابع.

(المتن)

ذكر العلة التي من أجلها أمر بإسباغ الوضوء.

1055- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو، قال: «رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، حتى إذا كنا ببعض الطريق، تعجل قوم عند العصر، فتوضؤوا وهم عجال، قال: فانتهينا إليهم، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء».

(الشرح)

العقب: هو مؤخر القدم, وفي اللفظ الآخر: «أنهم قدموا وتأخروا عَلَى العصر فجعلوا يمسحون أعقابهم لا يبلغونها الماء فنادى النَّبِيِّ r بأعلى صوته: ويلٌ للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء» يَعْنِي: بلغوا الأعضاء الماء.

قَالَ: أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ومن طريقه اِبْن ماجة, والبخاري في باب العلم.

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الفرض على المتوضئ في وضوئه المسح على الرجلين دون الغُسل.

1056- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا زائدة بن قدامة عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، قال: صلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه الفجر، ثم دخل الرحبة، فدخلنا معه، فدعا بوضوء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، فأخذ الإناء بيمينه، فأفرغ على يساره، فغسلها ثلاث مرات، غسل كفيه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، فغرف منه ماء، فملأ فاه، فمضمض، واستنشق ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء، فغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ثم مسح رأسه بيديه جميعًا مقدمه ومؤخره، ثم أدخل اليمنى، فأفرغ على قدمه اليمنى فغسلها، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أخرجها فغسل الأخرى، ثم قال: «من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا وضوؤه».

ذكر العلة التي من أجلها كان يمسح علي بن أبي طالب رضوان الله عليه رجليه في وضوئه.

1057- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: صليت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه الظهر، ثم انطلق إلى مجلس له كان يجلسه في الرحبة، فقعد وقعدنا حوله حتى حضرت العصر، فأتي بإناء فيه ماء، فأخذ منه كفا، فتمضمض واستنشق، ومسح وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح رجليه، ثم قام فشرب فضل إنائه، ثم قال: «إني حُدثت أن رجالًا يكرهون أن يشرب أحدهم وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، وهذا وضوء من لم يُحدث».

(الشرح)

 لِأَنَّهُ عَلَى طهارة فاكتفى بالمسح, «ومسح برأسه، ومسح رجليه» هذا العلة, أَنَّه قَالَ: «وهذا وضوء من لم يُحدث» لأنه عَلَى طهارة, وفيه: أَنَّه شرب وهو قائم؛ لان النَّبِيِّ r شرب وهو قائم في حجة الوداع.

(المتن)

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الكعب هو العظم الناتئ على ظاهر القدم دون العظمين الناتئين على جانبهما.

(الشرح)

وهم الرافضة, يقولون: الكعب هو العظم الناتئ في معقد الشِراك, مفصل الرجل من الساق, وزعموا أن كل رجل فيها كعب واحد, فلذلك الرافضة يمسحون عَلَى أرجلهم, ولهذا العلماء يذكرون مسح الخفين في كتب العقائد للرد عَلَى الرافضة, والعلماء قالوا في كتب العقائد: ونرى المسح عَلَى الخفين, والمسح عَلَى الخفين من المسائل الفرعية ذكرها العلماء في العقائد للرد عَلَى الرافضة, الرافضة يعتقدون أن المتوضئ يغسل عضوين ويمسح عضوين, يغسل الوجه واليدين ويمسح الرأس والرجلين, ويُنكر الرافضة المسح عَلَى الخفين, ويُنكرون غسل الرجلين.

فعند الرافضة أن من كَانَ عليه خفان فإذا جاء أراد يتوضأ يَجِبُ عليه خلع الخفين ومسح ظهور القدمين, وإن كَانَ ليس عليه خفان يمسح ظهور القدمين كما يمسح الرأس, يَعْنِي: يبل يده بالماء ويمسح إِلَى معقد الشِراك, وأما أهل السنة فَإِن القدمين هما العظمان الناتئان في جانبي القدم ففي كل رجل كعبان, ومما يُرد بِهِ عَلَى الرافضة أن الله تعالى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة/6].

فدل عَلَى أَنَّه في كل رجل كعبان, ول كَانَ في كل رجل كعب لقال: فامسحوا إِلَى الكعاب؛ لِأَنّ القاعدة عند أهل اللغة: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادًا, لو كَانَ في كل رجل كعب لقال: امسحوا أرجلكم إِلَى الكعاب, كما قَالَ: للمرافق, المرافق في كل يد مرفق ولم يقل: للمرفقين, وأما الرجلين ففي كل رجل كعبان فَقَالَ: إلى الكعبين ولم يقل: إلى الكعب؛ لِأَنّ مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادًا.

وحجة الرافضة: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}[المائدة/6], وهي قراءة صحيحة, وفي قراءة: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ}[المائدة/6]؛ فهي حجة الرافضة, قالوا: هذا دل عَلَى أن الرجلان تُمسحان كالرأس.

  • وأجاب العلماء عنها بجوابين:

الجواب الأول: أن قراءة الجر محمولة عَلَى من كَانَ عليه خُف: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة/6]؛ إذا كَانَ فيهما خف تُمسح.

الجواب الثاني: أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف, كما تقول العرب: تمسحت للصلاة, يَعْنِي: اغتسلت للصلاة, والحكمة في التعبير عن الغسل بالمسح للإرشاد إِلَى تقرير الماء في غسل الرجلين فَإِن السرف يُعتاد فيهما كثيرًا, والمعنى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} والجمهور حجتهم قراءة النصب, وفعل النَّبِيِّ r, فالذين نقلوا وضوء النَّبِيِّ r غسل الرجلين ومسح عَلَى الخفين أكثر من الذين نقلوا الآية الكريمة؛ لِأَنَّهُ ليس كل الصحابة يحفظون الآية لَكِنْ كل الصحابة يتوضئون.

فالرافضة لا يعول عَلَى أقوالهم ولا أفعالهم, نسال الله العافية, وأحاديث المسح عَلَى الخفين متواترة, ومع ذلك أنكرها الرافضة, الأحاديث متواترة وبلغت حد التواتر.

(المتن)

1058- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره، أن حمران مولى عثمان أخبره، أن عثمان بن عفان رضوان الله عليه دعا بوضوء فتوضأ وغسل كفه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه».

(الشرح)

وهذا أخرجه الشيخان, وفيه: أن من توضأ نحو وضوء النَّبِيِّ r ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه أن هذا من أسباب المغفرة, لا يحدث نفسه بشيء من الخواطر وأحاديث الدنيا.

وفيه: الرد عَلَى الرافضة أَنَّه غسل رجلاه إِلَى الكعبين, قَالَ: «غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات» فيهِ: الرد عَلَى الرافضة الذين يقولون: في كل رجلٍ كعب, دل عَلَى أَنَّه في كل رجلٍ كعبان.

(المتن)

ذكر الزجر عن ترك تعاهد المرء عراقيبه وبطون قدميه في الوضوء.

1059- أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب، قال: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، قال: توضأ عبد الرحمن عند عائشة، فقالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ويل للعراقيب من النار».

(الشرح)

وهي مؤخر القدم الذي لا يتعاهدها.

فإن قيل: في زيادة قَالَ r: «ويل للأعقاب وبطون الأرجل من النار»؟.

بطون الأقدام, وتحتاج هَذِه لمراجعة إذا كانت ليست شاذة فهي صحيحة.

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد