بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
باب نواقض الوضوء
1096 - أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني، قال: حدثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن جابر بن عبد الله، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، أصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من المشركين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلًا أتى زوجها وكان غائبًا، فلما أخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دمًا، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا، فقال: «من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ » فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، قالا: نحن يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «فكونا بفم الشعب»، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نزلوا إلى شعب من الوادي، فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل أحب إليك أن أكفيك، أوله أو آخره؟، قال: اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، وأتى زوج المرأة، فلما رأى شخص الرجل، عرف أنه ربيئة القوم، فرماه بسهم، فوضعه فيه، فنزعه، فوضعه، وثبت قائمًا يصلي، ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، فنزعه، وثبت قائمًا يصلي، ثم عاد له الثالثة، فوضعه فيه، فنزعه، فوضعه، ثم ركع فسجد، ثم أهب صاحبه وقال: اجلس، فقد أتيت، فوثب، فلما رآهما الرجل عرف أنه قد نذر به، هرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله، أفلا أهببتني أول ما رماك؟، قال: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها، فلما تابع علي الرمي ركعت فآذنتك، وايم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها.
(الشرح)
قوله: (ربيئة القوم), أيْ يحرسهم.
قَالَ في الحاشية: هُوَ الرقيب الَّذِي يشرف عَلَى المرقب, ينظر العدو من أيْ وجه يأتي فينذر أصحابه.
قوله: (فنزعه، وثبت قائمًا يصلي), استمر عَلَى الصَّلَاة ما أحس بالألم لحلاوة الصَّلَاة, يَعْنِي حلاوة ولذة العبادة أنسته مرارة السهم.
قوله: (ثم أهب صاحبه), أيْ أيقظه.
قوله: (عرف أنه قد نذر بِهِ), أيْ علمه.
قوله: (أفلا أهببتني), أيْ أيقظتني.
قوله: (كنت في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها), الله أكبر, ما أحب أن يقطع السورة, استمر في السورة وما بالى بالدماء, رضي الله عنهم وأرضاهم هَذَا الفرق بين الصَّحَابَة غيرهم.
قوله: (لقطع نفسي قبل أن أقطعها), يَقُولُ: لولا أن أخشى أن أضع الحراسة الَّتِي أَمْر بها رسول الله كنت ما أبالي, مهما ضرب من السهام؛ حَتَّى أكمل السورة أو تذهب نفسي.
إسناده ضعيف، عقيل بن جابر لَمْ يُوَثِّقْهُ غير المؤلِّف، ولم يَروِ عنه غير صدقة بن يسار، وباقي رجاله ثقات، وعلق البخاري في صحيحه 1/280 طرفًا منه بصيغة التمريض.
أخرجه أحمد 3/343، 344، وأبو داود "198" في الطهارة: باب الوضوء من الدم، من طريقين عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد 3/359 عن يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، به.
وأخرجه الدارقطني 1/223، والبيهقي في "السنن" 1/140 من طريقين عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، به. وصححه ابن خزيمة برقم "36".
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" 1/70: وقد يحتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين ناقضًا للطهارة، ويقول: لو كان ناقضًا للطهارة لكانت صلاة الأنصاري تفسد بسيلان الدم أول ما أصابته الرمية، ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث وإلى هذا ذهب الشافعي، إلى أَنَّهُ لا ينقص الوضوء.
وقال أكثر الفقهاء: سيلان الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء، وهذا أحوط المذهبين وبه أقول.
إذًا مذهبان مذهب الشافعي ومذهب الجمهور.
وقول الشافعي قوي في القياس، هَذَا لو صح, لكن ما صح الحديث إسناده ضعيف, ولهذا ذَهَبَ أكثر الفقهاء إلى أن الدم ينقض الوضوء, أحاديث نقض الدم للوضوء كلها أحاديث ضعيفة.
وَبِهَذَا يَقُولُ الحنابلة والشيح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر في نواقض الوضوء الخارج الفاحش نجس من الجسد, مثل الدم والرعاف الكثير, لكن الحديث هَذَا ضعيف, فلو صح مثل ما قَالَ الشافعي عَلَى القياس, يَعْنِي كونه يصلي بدمائه هَذَا دَلِيل عَلَى أن الصَّلَاة صحيحة, لكن ما صح الحديث, ومن عمر رضي الله عنه لَمَّا طعن وَهُوَ يصلي بالناس, وقدم عبد الرحمن بن عوف يصلي بالنَّاس والظاهر أَنَّهُ أكمل صلاته.
المقصود أن الدم هَلْ ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟
الكثير من الفقهاء يرى أَنَّهُ ينقض الوضوء من الحنابلة والمالكية والأحناف والجمهور, لكن أدلتهم أحاديث ضعيفة, والشافعي يرى أَنَّهُ لا ينقض الوضوء.
قَالَ الخطابي: وَبِهِ أقول, وقول الشافعي قوي في القياس, وَهَذَا لو صح الحديث؛ لكن الحديث ضعيف.
قَالَ الخطابي: وإلى هذا ذهب الشافعي، وقال أكثر الفقهاء: سيلان الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء.
الشافعي يَقُولُ: ما ينقض الوضوء, والفقهاء الجمهور يَقُولُونَ: ينقض الوضوء.
قَالَ الخطابي: وهذا أحوط المذهبين وبه أقول. وَهَذَا من باب الاحتياط يَقُولُ الخطابي, يَقُولُ:الأحاديث ضعيفة الَّتِي فِيهَا نقض الوضوء من الدم, لكن الاحتياط أحسن, إِذَا احتاط وتوضأ يكون أحسن.
الدم المسفوح نجس, ونقل النووي كَذَلِكَ الإجماع عَلَى أن دم الحيض نجس.
فَإِن قِيلَ: (..)؟ هُوَ عَلَى مقدار الخروج, هَذَا إِن كَانَ كثير, أَمَّا القليل هَذَا معفو عنه عِنْد الجميع, الكلام في الدم الكثير, وتحديد الدم الكثير يجرع فِيهِ إلى العرف, أَمَّا الدم القليل نقطة أو نقطتين, وَإِذَا خرج من رعافه وسده ما يضر هَذَا, لكن الخلاف في الكثير وَهَذَا يرجع فِيهِ إلى العرف ويرجع إلى كُلّ إنسان, الفاحش في نفس كُلّ إنسان بحسبه, إِذَا احتاط حسن, خرج منه رعاف كثير أو دم كثير جرح وتوضأ حسن, لكن الأحاديث ضعيفة في هَذَا.
الشافعي يرى أَنَّهُ لا ينقض الوضوء؛ لِأَنَّ الحديث فِيهِ أن الرجل صلى وَلَمْ ينكر عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
ذكر الخبر الدال على أن القيء ينقض الطهارة سواء كان ملء الفم أو لم يكن
1097 - أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: سمعت أبي، قال: حدثنا حسين المعلم، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، أن ابن عمرو الأوزاعي حدثه، أن يعيش بن الوليد حدثه، أن معدان بن طلحة حدثه، أن أبا الدرداء حدثه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءًا».
(الشرح)
إسناده صحيح, أخرجه ابن خزيمة والنسائي والبغوي علق عَلَيْهِ قَالَ: إسناده صحيح، وأبو موسى: هو محمد بن المثنى، وابن عمرو الأوزاعي هو عبد الرحمن، وهو عند ابن خزيمة "1956" بهذا الإسناد.
وقد روي الحديث أيضاً من طريق عبد الصمد وأبيه عبد الوارث بهذا الإسناد، لكن بزيادة أبي يعيش وهو الوليد بن هشام بن معاوية الأموي بين ابنه يعيش ومعدان ابن طلحة، وأخرجه بهذه الزيادة: أحمد 6/443، وأبو داود "2381" في الصوم: باب الصيام يستقيء عمداً، والترمذي "87" في الطهارة: باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف، والدارمي 2/14 باب القيء للصائم، والدارقطني 1/158 و 159، وابن الجارود برقم "8"، والطحاوي 2/96، والبيهقي في "السنن" 1/144 و 4/220، وابن خزيمة برقم "1957"، وقال: والصواب ما قال أبو موسى "محمد بن المثنى": إنما هو: يعيش، عن معدان، عن أبي الدرداء.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولمَ يخرجاه لخلاف بين أصحاب عبد الصمد فِيهِ.
قَالَ: (ذكر الخبر الدال على أن القيء ينقض الطهارة سواء كان ملء الفم أو لم يكن), لِأَنَّ العلماء يفرقون بين القليل يسمونه القلس, القلس إِذَا كَانَ ملء الفهم هَذَا قليل ما ينقض الوضوء, وَإِذَا أكثر ينقض الوضوء, لكن الحديث هنا في إفطار الصائم «قاء فأفطر», وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الوضوء.
تعليق للمحقق يَقُولُ: وليس في هذا الحديث ما يدل على وجوب الوضوء من القيء، لأن الفعل لا يثبت به الوجوب إلا أن يفعله، ويأمر الناس بفعله، أو ينص على أن هذا الفعل ناقض للوضوء.
يحتمل أَنَّهُ توضأ لا من أجل القيء؛ لِأَنَّهُ عَلَى غير طهارة, هَذَا محتمل, وذكر: وكل من ذكرنا رووه بلفظ "قاء فأفطر" إلا الترمذي فلفظه "قاء فتوضأ"، ولفظ عبد الرزاق: "استقاء رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فأفطر، وأُتي بماءٍ فتوضأ".
استقاء معناه استدعى القيء.
(المتن)
ذكر خبر أوهم عالما من الناس أن النوم لا يوجب الوضوء على النائم في بعض الأحوال
1098 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أي حين أحب إليك أن أصلي للعتمة إما إمامًا وإما خلوا؟، فقال: سمعت ابن عباس، يقول: اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقال عمر رضي الله عنه: الصلاة الصلاة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه الآن تقطر رأسه ماء، واضعا يديه على رأسه، فقال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا».
(الشرح)
قوله: (حتى رقد الناس واستيقظوا), هَذَا الشاهد لَيْسَ بواضح.
إسناده صحيح, هَذَا في الصحيح لكن لَيْسَ فِيهِ أن النوم ينقض الوضوء, قَالَ: نام النَّاس ورقدوا, يَعْنِي وصلوا بدون وضوء؟ ما فيه.