بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ ابن حبان رحمنا الله وإياه في صحيحه:
ذكر البيان بأن الأخبار التي ذكرناها مجملة، بأن الوضوء إنما يجب من مس الذكر إذا كان ذلك بالإفضاء دون سائر المس أو كان بينهما حائل
1118 - أخبرنا علي بن الحسين بن سليمان المعدل بالفسطاط، وعمران بن فضالة الشعيري بالموصل، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن يزيد بن عبد الملك، ونافع بن أبي نعيم القارئ، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، وليس بينهما ستر ولا حجاب، فليتوضأ».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك النوفلي؛ لأن يزيد بن عبد الملك تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء.
(الشرح)
قوله: (إنما يجب من مس الذكر إذا كان ذلك بالإفضاء), يَعْنِي إِذَا أفضى بدون قفازين, مست يده الفرج بالإفضاء,.
قوله: (دون سائر المس), يَعْنِي لو أفضى برجله, مس ذكره برجله, أو بعضده ومرفقه ما ينقض الوضوء, أو مس ذكره بذارعه هَذَا لا يسمى مس, المس إِنَّمَا هُوَ بالكف, بظاهر الكف, أو باطن الكف إِلَى مفصل الكف, إِذَا مس ذكره بيده بظهر الكف أو بطنها إِلَى الرسغ بدون حائل فهذا ينقض الوضوء, وسواء كَانَ بشهوة أو غير شهوة عَلَى الصحيح.
أَمَّا إِذَا مسه من رواء حائل وقفازين فلا ينتقض, أو مس ذكره بذراعه, أو مس ذكره برجله فلا ينقض الوضوء.
إِذَا مس بكفه ولو بغير قصد ينقض الوضوء عَلَى الصحيح, ما يشترط القصد ولا يشترط الشهوة عَلَى الصحيح.
وَقَالَ بَعْضُ العلماء لا ينتقض إِلَّا إِذَا مسه بشهوة وَهَذَا قول شيخ الإسلام ابن يتيمية.
والقول الثالث لأهل العلم أَنَّهُ لا ينقض الوضوء مطلقًا, لو مسه بشهوة أو غير شهوة, لحديث طلق بن علي إِنَّمَا هُوَ بضعة منك, لكن الصواب أَنَّهُ ينقض لحديث بسرة بنت صفوان «من مس ذكره فليتوضأ», قَالَ البخاري رحمه الله: هُوَ أصح شَيْء في هَذَا الباب, وَأَمَّا حديث طلق بن علي هَذَا قاله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قديمًا, قدم إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يبني مسجده, فَهُوَ متقدم.
ثُمَّ أَيْضًا حديث بسرة أصح منه, فحديث طلق إِمَّا منسوخ أو ضعيف, والعمدة عَلَى حديث بسرة بنت صفوان, ولهذا قَالَ البخاري: هُوَ أصح شَيْء في هَذَا الباب.
الحديث إسناده حسن، يزيد بن عبد الملك النوفلي، ضعيف، لم يحتج به المؤلف، وذكره في كتابه الضعفاء.
(المتن)
ذكر خبر أوهم عالمًا من الناس أنه مضاد لخبر بسرة أو معارض له
1119 - أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني، قال: حدثنا نصر بن علي بن نصر، قال: أخبرنا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل، فقال: يا نبي الله، ما تقول في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟، فقال: «هل هو إلا مضغة أو بضعة منه».
(الشرح)
قوله: (ذكر خبر أوهم عالمًا من الناس أنه مضاد لخبر بسرة أو معارض له), أوهم عالم من العلماء يَعْنِي وهم بَعْضُ العلماء فِيهِ, وتوهم بَعْضُ العلماء أَنَّهُ يخالف حديث بسرة.
هَذَا حديث طلق بن علي, هَذَا الحديث أوهم بَعْضُ العلماء أَنَّهَ معارض لحديث بسرة, أولًا: حديث بسرة أصح منه. ثانيًا: أن حديث بسرة متأخرة وأن حديث طلق متقدم, والمتأخر ينسخ المتقدم, ولا يمكن النسخ فَهُوَ أرجح؛ مقدم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أرجح منه؛ وَلِأَنَّ الشريعة ناقلة, حديث بسرة ناقل, وحديث طلق مبق عَلَى الأصل والشريعة ناقلة, حديث طلق مبق عَلَى الأصل بضعة منك, لكن حديث بسرة نقل من عدم صحة الوضوء على عدم الصحة.
(المتن)
ذكر البيان بأن حكم المتعمد والناسي في هذا سواء
1120 - أخبرنا ابن قتيبة بعسقلان، حدثنا ابن أبي السري، أخبرنا ملازم بن عمرو، قال: حدثني عبد الله بن بدر، قال: حدثني قيس بن طلق، قال: حدثني أبي، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله، إن أحدنا يكون في الصلاة فيحتك فتصيب يده ذكره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك».
(الشرح)
قوله: (ذكر البيان بأن حكم المتعمد والناسي في هذا سواء), إِذَا مس ذكره سواء ناسيًا أو جاهلاً متعمدًا أو غير متعمد من دون حائل ينتقض الوضوء عَلَى الصحيح.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا ما رواه ثقة عن قيس بن طلق، خلا ملازم بن عمرو
1121 - أخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، حدثنا حسين بن الوليد، عن عكرمة بن عمار، عن قيس بن طلق، عن أبيه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة، قال: «لا بأس به، إنه لبعض جسدك».
ذكر الوقت الذي وفد طلق بن علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
1122 - أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، قال: حدثنا جدي عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: بنيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة فكان يقول: «قدموا اليمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له مسًا».
(الشرح)
قوله: (ذكر الوقت الذي وفد طلق بن علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم), وفقد قديمًا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يبني مسجده فَهُوَ متقدم.
جاء قديمًا وَالنَّبِيّ يبني مسجده في السنة الأولى من الهجرة, وحديث بسرة متأخر.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: خبر طلق بن علي الذي ذكرناه خبر منسوخ، لأن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة، حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضوء من مس الذكر، على حسب ما ذكرناه قبل وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع سنين.
(الشرح)
قوله: (خبر طلق بن علي الذي ذكرناه خبر منسوخ), لِأَنَّهُ متقدم وخبر بسرة متأخر, والمتأخر أصح من المتقدم, وَقَالَ بَعْضُ العلماء: إِنَّهُ جمع بينهما بالترجيح, قَالُوا: لو لَمْ يصح النسخ لقدم حديث بسرة لِأَنَّهُ أصح من حديث طلق.
خبر طلق بن علي يكون متقدم فيكون منسوخ.
(المتن)
ذكر الخبر المصرح برجوع طلق بن علي إلى بلده بعد قدمته تلك
1123 - أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن بدر الحنفي، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: خرجنا ستة وفدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسة من بني حنيفة ورجل من بني ضبيعة بن ربيعة، حتى قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض، وصب لنا في إداوة، ثم قال: «اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم، فاكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدًا»، فقلنا: يا رسول الله، البلد بعيد، والماء ينشف، قال: «فأمدوه من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيبًا».
فخرجنا فتشاححنا على حمل الإداوة، أينا يحملها، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نوبا لكل رجل منا يوما وليلة، فخرجنا بها حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا، وراهب ذلك القوم رجل من طيئ، فنادينا بالصلاة، فقال الراهب: دعوة حق، ثم هرب فلم ير بعد.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الخبر بيان واضح أن طلق بن علي رجع إلى بلده بعد القدمة التي ذكرنا وقتها، ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذَلِكَ, فمن ادعى رجوعه بعد ذلك، فعليه أن يأتي بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذَلِكَ.
(الشرح)
قوله: (فاكسروا بيعتكم), كَأَنَّهُ معبد هَذَا, معبد النصارى بيعة, فاكسروا بيعتكم.
قوله: «فأمدوه من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيبًا», يَعْنِي صبوا عَلَيْهِ ماء.
وحديث رجوع طلق إِلَى بلده إسناده صحيح، وتقدم مختصراً برقم "1119" وأخرجه الطبراني "8241" من طريق مسدد به، وأخرجه النسائي 2/38-39 من طريق هناد بن السري عن ملازم بن عمرو، به.