بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ..
أما بعد..
(المتن)
قال الإمام الصابوني رحمه الله تعالى:
ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.
ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة الجهمية والجهمية.
المعتزلة والجهمية لأنهم طائفتان.
(الشرح)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد:
فالمؤلف أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني رحمه الله يبين معتقد السلف وأصحاب الحديث، فيقول رحمه الله: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يشهدون لله تعالى بالوحدانية ويشهدون لنبيه ﷺ بالرسالة والنبوة، وهذا هو أصل الدين وأساس الملة كما سبق ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقلت العدول الثقات.
فإذاً السلف وأصحاب الحديث يشهدول لله تعالى بالوحدانية ولنبيه ﷺ بالرسالة والنبوة وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، من لايشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فليس مؤمن وهذا هو أصل الدين وأساس الملة.. من لايشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه ﷺ بالرسالة فليس مؤمنا.
وأيضا من معتقدهم أنهم يعرفون الله..يعرفون الله بأي شيء؟ بأسمائه و صفاته وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين: من الكتاب ومن السنة. وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: الأسماء والصفات توقيفية، معنى الأسماء والصفات توقيفية يعني: يوقف فيها عند النصوص.
ما ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله ﷺ من الأسماء أو الصفات أو الأفعال يوقفها لله، وكذلك ما ورد في سنة النبي ﷺ لله من الأسماء والصفات والأفعال يثبتها لله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة... وما ورد نفيه في الكتاب أو في السنة ننفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه.
فإذاً ما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نثبته لله، ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السِّنة والنوم والعجز والظلم وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ.
وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيز والعرض والحد والجهة والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها: لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها، من قال: إن الله جسم. أو قال: ليس بجسم. لا تطلق، لا نفياً ولا إثباتاً.
فلا نقول: إن الله جسم ولا نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه حيز ولا غير حيز لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا إثباتها ولا نفيها. ومن أطلقها نفياً أو إثباتاً، فإننا نستفصل منه، نقول: ما مرادك؟ لو قال شخص: إن الله جسم. نقول: ما مرادك بأن الله جسم؟ قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات. نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ باطل، هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل.
فإذاً المعنى الصحيح نقبله، لكن اللفظ نرده، نقول عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة من الخطأ، وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به لا نقبله والمعنى صحيح.
فإذا قال: أنا مقصودي: إن الله جسم. يعني: يشبه المخلوقات. نقول: هذا باطل. المعنى باطل، واللفظ باطل، نرد المعنى واللفظ جميعاً، لكن الأول قال: إن الله جسم. يعني: متصف بالصفات. نقول: إن المعنى صحيح لكن اللفظ باطل، لكن اللفظ لا تطلقه هذا اللفظ. يقول ماذا أقول؟ قل ما قال الله وقال الرسول ﷺ: إن الله متصف بالسمع، إن الله هو السميع، هو البصير، هو العليم، هو الحكيم.
نصوص.. النصوص.. ألفاظ النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله، والمعنى سليم. فإن قال أنا مرادي إن الله جسم يشبه المخلوقات. نقول: اللفظ باطل والمعنى باطل، لا نقبل اللفظ ولا المعنى... واضح هذا؟
إذاً القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال ما ورد في الكتاب العزيز، أو في السنة المطهرة إثباته لله.. السنة الصحيحة.. وجب إثباته لله، ما ورد في الكتاب أو في السنة نفيه عن الله وجب نفيه عنه، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلق نفياً أو إثباتاً نستفصل: فإن أراد المعنى الحق قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد المعنى الباطل رددنا اللفظ والمعنى جميعاً.
وهذا هو ما أقره الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في قوله: ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت الأخبار الصحاح به.
يعني إما أن تكون الصفات وردت في الكتاب العزيز أو ترد في السنة المطهرة، لكن لا بد أن يكون الحديث صحيحاً. وسبق الكلام في الحديث الصحيح. الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده وعدلت رواته.. يكون السند متصلا بلا انقطاع والرواة عدول ثقاة ضابطون، ولايكون الحديث فيه علة قادحة ولا يكون حديثا شاذا.. فهذا هو الحديث الصحيح ماورد في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ الصحيحة من الأسماء والصفات لله والأفعال نثبتها هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: "ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله" هذا هو الكتاب العزيز، "أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلته العدول الثقات عنه" هذا هو السنة المطهرة..
ثم قال المؤلف رحمه الله: "ويثبتون له منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ". ثم قال: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه".. نعم.. أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات لكن ينفون التمثيل والتشبيه ويقولون: إن الله تعالى له سمع وله بصر وله علم وله قدرة لكن لا يماثل أحدا من مخلوقاته. فالمعنى معلوم معنى العلم ضد الجهل معنى السمع ضد الصمم معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع بالبصر بالعلم لا نعلمه، هذا لا يعلمه إلا هو ، لا يعلم كيفية الصفات إلا هو، كما لا يعلم كيفية الذات إلا هو ، لكن المعنى معلوم.. معاني الصفات معلومة، خلافاً للمفوضة الذين يقولون.. المفوضة: طائفة يفوضون المعنى، يقولون ما نفهم المعنى، معنى السمع لا ندري.. لا ندري ما معنى السمع، ولا ندري معنى السمع، ولا نعلم معنى البصر.. كأنه بمثابة الحروف الأعجمية كأنها كلمات أعجمية، وهذا باطل.. هذا من أبطل الباطل.
وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف مذهب السلف لا يفوضون، بل يعرفون المعنى، المعنى معلوم، لكن الذي يفوض علم الكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله، لما سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم يعني معلوم معناه في اللغة العربية. الاستواء معناه العلو والصعود والاستقرار والارتفاع، كما قال السلف استوى استقر وعلا وصعد وارتفع هذا المعنى اللغوي، لكن الكيفية كيفية استواء الرب لا نعلمها.
ولهذا قال الإمام مالك "الاستواء معلوم" يعني معلوم معناه في اللغة العربية يفسر "والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة". وهذا يقال في جميع الصفات، كل الصفات هكذا، معنى الصفات: السمع والبصر والعلم والقدرة، يقول: المعنى معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله "ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفة خلقه". لا يشبهون.. لا نقول إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين ولا نكيف: لا نقول إن كيفيتها كذا ولا نحرف ولا نعطل.
فالناس أقسام:
من الناس من أثبت الصفات لكن شبه.. شبه بصفات المخلوقين، قال: الله سمعه كسمعنا، وبصره كبصرنا وعلمه كعلمنا ويده كأيدينا. هذا مذهب المشبهة وهم غلاة.. غلاة الشيعة، ومنهم البيانية الذين ينتسبون إلى بيان بن سمعان التميمي والسالمية الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي، وكان بعضهم يقول إن الله على صورة الإنسان وإن الله ينزل عشية عرفة على جمل ويحاضر ويسامر ويصافح. ومنهم من قال إنه يندم ويحزن ويبكي. قبحهم الله وتعالى الله عما يقولون، كما قالت اليهود هؤلاء المشبهة وهم كفرة، وأكثرهم من غلاة الشيعة.. غلاة الشيعة بيانية وسالمية يقولون صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء بسواء. مشبهة.. هؤلاء مشبهة وهم كفرة ومن شبه الله بخلقه وشبه صفته بصفات خلقه فهو في الحقيقة ما عبد الله وإنما عبد وثنًا صوره له خياله ونحته له فكره فهو من عبّاد الأوثان لا من عباد الله.. لا من عبّاد الرحمن، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:
لَسنا نُشبِّه وَصْفَه بصِفاتنا | إنَّ المُشبِّهَ عابدُ الأوثان |
وهو مشابه للنصارى.. المشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله وشبهوا عيسى بالله. ولهذا يقول العلامة ابن القيم :
مَنْ شَبَّهَ اللهَ العَظِيمَ بِخَلْقِهِ | هُوَ النَّسِيبُ لِمُشْرِكٍ نَصْرانِي |
فهؤلاء المشبهة شبهوا الله بخلقه.
والطائفة الثانية: المعطلة وهم الذي نفوا الصفات عن الله، نفوا السمع والبصر والعلم والقدرة، قالوا.. أنكروا الصفات، قالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر ولم يستو على العرش. ونفوا العلم وسائر الصفات وهذا مذهب المعتزلة والجهمية يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا لو قلنا إن لله سمع لشبهنا الله بالخلق. ولو قلنا إن الله له بصر لشبهنا الخالق بالمخلوق. لو قلنا إن لله بصر لشبهناه بالمخلوق، لو قلنا إن له استواء لشبهناه بالمخلوق، فإذاً ننفيه.. ننفي الصفات كلها.
فهؤلاء على طرفي نقيض: المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا وشبهوا الله بصفات المخلوقين، شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة يعني الجهمية والمعتزلة وكذلك الأشاعرة لا يثبتون لله إلا سبع صفات وبقية الصفات ينفونها.
هؤلاء نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر. هؤلاء غلوا في النفي بزعمهم، غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقات.
وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات لكن ما نغلو في الإثبات حتى نصل إلى التشبيه كما قالت المشبهة، ونزهوا الله عن صفات المخلوقين قالوا: إن الله لا يشبه صفات المخلوقين، لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعطيل، فصار مذهب أهل السنة وسط.. وسط وحق بين باطلين وهدى بين ضلالين فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة، المعطلة معهم حق وهو التنزيه لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقين. أهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة وأخذوا الحق الذي مع المشبهة ونفوا الباطل الذي مع المشبهة ونفوا الباطل الذي مع المعطلة، أخذوا الحق الذي مع المشبهة وهو الإثبات إثبات الصفات، ونفوا الباطل وهو التشبيه، وأخذوا الحق الذي مع المعطلة وهو التنزيه ونفوا الباطل الذي هو نفي الصفة، فخرج مذهب أهل السنة مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ.. من بين دم التشبيه وفرث التعطيل.. واضح هذا؟..
هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: "ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه". فيقولون أي أهل السنة والجماعة: إنه خلق آدم بيده أو بيديه، كما نص سبحانه عليه في قوله : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ إذاً فيه إثبات لليدين، هذه الآية فيها إثبات اليدين لله. نقول: إن لله يدين، لا يشابه فيها أيدي المخلوقين, ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.
يقول المؤلف "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله". "أهلكهم الله"، هذا دعاء من المؤلف عليهم.. دعا عليهم بالهلاك, المعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات، ماذا كان موقفهم؟.. موقفهم النفي، فلما وردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله تعالى يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وكذلك الآية الأخرى بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فيه إثبات اليدين لله ، وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف: خبر محاجة آدم موسى قال خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ. وحديث: خَلَقَ اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده المراد الجنس. والآية خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ هذا فيه إثبات جنس اليد، والمراد يدا الله، إثبات اليدان لله كلمتان.
لما أورد عليهم النصوص قالوا: نحن نفسر اليدين بالنعمتين، اليد بالنعمة معناها النعمة، خلق الله آدم بيده يعني: بنعمته أو بالقدرة.
لهم تفسيران:
التفسير الأول: فسروا اليد بالنعمة، التفسير بالنعمة الأول.
والثاني التفسير بالقدرة.
نقول أولا هذا باطل.. الرد أن نقول: هذا باطل بسببين:
أولاً: لأنه تحريف للكلم عن مواضعه. الله تعالى عاجز عن أن يقول لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده النعمة والقدرة لقال، لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي. هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومعارضة للنصوص وإبطال لها.
الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد به المعنى.. يفسد المعنى، لأن الله أخبر أن له يدين: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ لو كان لم يأت إلا إثبات يد واحدة يمكن أن يكون لتأويلهم يعني تلبيس، لِمَا خَلَقْتُ اليد معناها النعمة والقدرة. لكن لما جاءت في النصوص إثبات اليدين: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ إذا فسرت اليد بالنعمة ماذا تكون معناها؟ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بنعمتي معناه حصر النعمة، هل ما فيه إلا النعمتان؟ والله له نعم كثيرة، فإذا فسرتها بالقوة "بقوتي"، إذاً الله له قوتان فقط؟! فيفسد المعنى.. فتفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى.
أولاً: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه.
وثانياً: أنه يفسد المعنى بتفسير اليد بالقدرة أو القوة، لأن اليد... لأنه جاء إثبات اليدين لله ، فليست يدًا واحدة، وإنما هو يدان؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله".
يقول المؤلف: ولا يكيفوهما بكيف.. ما يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون الله أعلم بالكيفية.. كيفية اليد، له يدان كريمتان تليقان بجلالته وعظمته لا تماثل أيدي المخلوقين، ولا نكيف فلا نقول كيفيتها كذا ولا كذا.
لا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بيدي المخلوقين، كذلك لا يقولون إن يديه سبحانه تشبه أيدي المخلوقين. هذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون هذا مذهب المشبهة ، ولهذا قال المؤلف: "لا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله".
وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه، نعم كما سمعتم أعاذهم الله فلم يشبهوا لم يقولوا إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين. ولم يكيفونها يقولون إن كيفيتها على كذا وكذا. ولم يشبهونها بصفات المخلوقين فأعاذهم الله ، أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع ومنّ عليهم بالتعريف والتفهيم يعني: عرفهم وفهمهم الحق فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة.
"منّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه" وحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين فهم أثبتوا الصفات ونزهوا الله عن مشابهة المخلوقات.
"وتركوا القول بالتعليل والتشبيه": ما عللوا ولا شبهوا ولا قالوا: إننا ننفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه أو العلة كذا أو العلة كذا فتركوا التعليل وتركوا القول بالتعليل أو التشبيه واتبعوا قول الله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
فهذه الآية فيها رد على الطائفتين: رد على المشبهة والممثلة ورد على المعطلة قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة الذين يقولون: إن الله.. صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين. رد عليهم بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فهذه الآية الكريمة فيها رد على الطائفتين: على المشبهة الممثلة وعلى المعطلة.
يقول المؤلف رحمه الله: وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فيه إثبات اليدين، وقوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وردت الأخبار الصحاح عن رسول الله ﷺ بذكر اليد. يعني يقول: كما ورد القرآن بذكر اليدين، وردت السنة بذكر اليدين.
فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين ورد.. جاء في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة، كما ورد القرآن بذكر اليدين وردت السنة المطهرة بذكر اليدين.
"ورد في الأخبار الصحاح عن رسول الله ﷺ بذكر اليد: كخبر محاجة آدم وقوله له: خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ. في الحديث يقول النبي ﷺ لما لقي موسى آدم: احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى لما لقاه فَقَالَ مُوسَى: عليه الصلاة والسلام لآدم: أَنْتَ آدَمُ الَّذي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، فكم وجدت مكتوباً عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى فقال: بكذا وكذا. قال النبي ﷺ: فَحَاجَّ آدَمُ مُوسَى فحاجه يعني: غلبه بالحجة، وذلك أن آدم احتج عليهم بأن هذه المصيبة، وهي إخراجه من الجنة، هذه مصيبة مكتوبة عليه احتج بالقدر، ولهذا حج آدمُ موسى والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي: يعصي الله ويحتج بالقدر، هذا طريقة المشركين لكن الاحتجاج بالقدر على المصائب فلا بأس به. إذا أصاب الإنسان مصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل. آدم وموسى لما في خبر المحاجة، قال موسى لآدم خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ. فأثبت اليد لله.
ومثل قوله ﷺ في حديث طويل: وهو إِنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ: يَا رَبّنَا، أَعْطَيْت بَنِي آدَم الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ؛ فَأَعطِنَا الْآخِرَة، فَقَالَ اللَّه : لَا أَجْعَل صَالِح ذُرِّيَّة مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ. هذا احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة وأنهم أفضل، وهذا في النهاية عند دخولهم الجنة حين يكملهم الله ويطهرهم. فهذه المسألة وهي مسألة تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأنبياء وصالح البشر أفضل.
ومن الأدلة هذا الحديث أنه طلبت الملائكة من الله أن يجعلهم أفضل من بني آدم، قالوا: رَبّنَا، جَعَلتَ لهم الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَة . فَقَالَ اللَّه : لَا أَجْعَل صَالِح ذُرِّيَّة مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ. من هو الذي خلقه بيده؟ آدم لَا أَجْعَل صَالِح ذُرِّيَّة مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ. فآدم خلقه الله بيده، والملائكة خلقوا بكلمة كن، قال الله له: كن فكان، فهذا من الأدلة التي احتج بها وهو حديث لا بأس به، احتج به العلماء أو المحققون من أهل العلم على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة.
وكذلك قوله ﷺ خَلَقَ اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، كما ذكر المحشي أنه أعل بالإرسال، ورواه متصلا الديلمي في مسند الفردوس، وفيه كلام لأهل العلم، وسواء صح الحديث أو لم يصح فاليد ثابتة لله في القرآن العزيز، وفي السنة المطهرة.
(المتن)
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح من السمع والبصر، والعين والوجه، والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط، والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين.
بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله ﷺ من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر مستنكر ويجرونه على الظاهر ويكلون علمه إلى الله وتعالى.
ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب
ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله. وكتابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق.. وآيات الكتاب وأخبار الرسول ﷺ الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات، وغيرها كثيرة يطول الكتاب بإحصائها.
وذكر اتفاق أئمة الملة وعلمائها على صحة تلك الأخبار الواردة بها وأكثرها مخرّج بالأسانيد الصحيحة في كتاب الانتصار، وشرطنا في أول هذا الكتاب الاختصار والاقتصار على أدنى المقدار دون الإكثار برواية الأخبار وذكر أسانيدها الصحيحة عن نقلة الآثار، ومصنفي المسانيد الصحاح الكبار.
(الشرح)
يقول المؤلف رحمه الله : وكذلك معتقد السلف وأصحاب الحديث، يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح يجرونها مجرى واحدا يثبتونها.. يثبتون جميع الصفات كما يليق بجلال الله وعظمته، وينفون عنها التمثيل والتكييف ويثبتون الصفات.. يثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل ولا تشبيه، وينفون عن الله مماثلة المخلوقين، وهم يثبتون الصفة، لا يعطلون الصفة كما تفعل المعطلة.. كما تقول المعطلة ولا يمثلونها بصفات المخلوقين كما تفعل المشبهة..
فيقول المؤلف رحمه الله: كما أن أهل السنة والجماعة يثبتون اليد لله كما ورد فيها النصوص، كذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح، هنا وردت الواو يعني أو.. المراد أو، يعني: لا يشترط في ثبوت الصفة أن تأتي في القرآن وفي السنة بل إذا أتت في القرآن أو في السنة وجب إثباتها.
يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، أو وردت بها الأخبار الصحاح، ثم مثل لهذه الصفات قال: من السمع.. صفة السمع يثبتونها لله، والبصر يثبتونها لله، والعين والسمع، قال تعالى وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهو السميع البصير هذا في صفة السمع والبصر، والعين أيضاً، هذا ثابت في حديث الدجال، وأن لله عينين. يقول النبي ﷺ إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ استدل العلماء بهذا الحديث على إثبات العينين لله، وأن لله تعالى عينين سليمتين، بخلاف الدجال فإن له عين واحدة والعين الأخرى طافية، كأنها عنبة طافية، فيه إثبات العينين لله .
وكذلك الوجه، إثبات الوجه، قال تعالى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ والعلم: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا والقوة إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ والقدرة وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والعزة فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ والعظمة كذلك في الحديث العَظَمَةُ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي والإرادة يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونيه قدرية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية ترادف المحبة. والمشيئة وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ والقول قال الله تعالى إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ والكلام وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا والرضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ والسخط سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هنا وفي النسخة عندي والحياة واليقظة، الحياة نعم ثابتة الْحَيُّ الْقَيُّومُ، أما اليقظة فهذا يحتاج إلى دليل،لكن في النسخة عندكم.. النسخة الثانية: الحب والبغض.. المحبة يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ والبغض إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه. فيحبه جبريل وتوضع له المحبة في الأرض، وإذا أبغض شخصا نادى جبرائيل إني أبغض فلانا فأبغضه. فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه. فيبغضه أهل السمـاء، ثم توضع له البغضاء في الأرض وفي الآية الكريمة يقول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ والمقت: أشد البغض. فالحب والبغض ثابت لله.
هنا قال الحياة فالحياة ثابتة أما اليقظة فلا دليل لإثبات اليقظة. في النسخة الثانية فيها إثبات الحب والبغض، الحياة واليقظة، فاليقظة هذا تحتاج إلى دليل لثبوتها، أنها من صفات الله، لا نعلم الدليل في إثباتها أن من الكتاب أو من السنة، في إثبات صفة اليقظة لله إنما الحب والبغض والحياة ثابتة.
والفرح، هذه صفات ثابتة لله في الحديث لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَفقِدُ رَاحِلَتِهِ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَمَتَاعَهُ... إلى آخر الحديث. والضحك يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ثُمَّ يَدْخُلَانِ الجَنَّةَ وغيرها.
يقول المؤلف رحمه الله : "إن أهل السنة والجماعة والسلف وأهل الحديث، يثبتون الصفات التي وردت في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة". ومثَّل لهذه الصفات: من السمع والبصر والعينين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضا والسخط والحياة والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها هذه أمثلة.
"من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبيين المخلوقين": أي لا يقولون: إن سمع الخالق مثل سمع المخلوق. لا يشبهون، بل ينفون التشبيه، فالله تعالى له صفات تليق بجلاله وعظمته، لا يماثله أحد من خلقه، بل ينتهون فيها إلى ما قال الله تعالى ، وقاله رسوله الله ﷺ، يعني: يقفون عند النصوص. "من غير زيادة عليه": من غير زيادة على قول الله وقول الرسول ﷺ، من غير زيادة على النصوص. "ولا إضافة إليها": لا يضيفون إليها شيئاً، بل يقولون كما قال الله، أثبت الله لنفسه السمع تثبت السمع، أثبت الله لنفسه البصر نثبت البصر، وهكذا. "من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه ولا تكييف": لا يقولون كيف هذه الصفة كذا كذا؟ إن سمع الله على كيفية كذا، إن بصره على كيفية كذا، لا يكيفون. "ولا تشبيه": لا يشبهونها بصفات المخلوقين. "ولا تحريف": لا يحرفون الصفات ويقولون: معنى اليد النعمة، ومعناها القدرة. هذا تحريف وتبديل.
"ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير": لا يحرفون ولا يبدلون، لا يحرفون الألفاظ، ولا يحرفون المعاني. الجهمية حرفوا قالوا: معنى اسْتَوَى استولى.. استوى استولى. هذا تحريف، ولهذا يقول العلماء: إن الجهمية هنا شابهوا اليهود، فإن اليهود قال الله لهم وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ يعني: حط عنا يا الله، حط عنا يا الله ذنوبنا واغفرها لنا،. فحرفوا وقالوا حنطة. حرفوا في اللفظ وفي المعنى أمرهم الله أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم "على أدبارهم" وأمرهم الله أن يقولوا حطة فغيروا وقالوا حنطة، غيروا في اللفظ وفي المعنى.
والجهمية غيروا اسْتَوَى قالوا استولى. ولهذا يقول العلماء: "لام الجهمية مثل نون اليهود ". لام الجهمية في اسْتَوَى زادوها زادوا على نص "استوى"، قالوا: استولى. واليهود زادوا في النص، قال الله لهم وَقُولُوا حِطَّةٌ فقالوا حنطة زادوا النون. فلام الجهمية كنون اليهود..
فأهل السنة والجماعة لا يحرفون، ولا يغيرون ولا يبدلون كما تفعل الجهمية وكما يفعل اليهود ولهذا قال المؤلف رحمه الله : "إنهم ينتهون إلى قول الله وقول الرسول ﷺ من غير زيادة ولا إضافة ولا تكييف ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير لا في اللفظ ولا في المعنى".
لا في إضافة ولا زيادة، ولا يقولون: كيفية الصفة على كذا وكذا، ولا يقولون: تشبه صفة المخلوقين. ولا يحرفون اللفظ، ولا يحرفون المعنى، ولا يبدلون ولا يغيرون، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب. فالاستواء غير الاستيلاء، فتأويل اسْتَوَى بـ"استولى" هذا تغيير، إزالة اللفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه في تأويل المنكر.
فأهل السنة لا يزيلون لفظ الخبر عما تعرفه العرب وتأولوا عليه بتأويل المنكر، مثل ما ذكرت لكم، مثل: تأويل الجهمية في اسْتَوَى بـ"استولى"، هذا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب بتأويل منكر، تأويل اسْتَوَى باستولى تأويل منكر.
"ويجرونه على الظاهر": يجرون الصفات على ظاهرها. "ويكلون علمه إلى الله ": علم الكيفية يعني الكيفية يكلونها إلى الله، يفوضونها إلى الله، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، تأويله يعني تأويل الكيفية يعني تأويله تأويل الكيفية لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم، أنهم يقولون في قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا. الراسخون في العلم يؤمنون بالنصوص ولا يمثلون ولا يكيفون ولا يشبهون يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا آمنا بالمتشابه وبالمحكم. يعملون بالمحكم ويؤمنون بالمتشابه، ولا يحرفون.
يقول المؤلف رحمه الله : "وآيات الكتاب وأخبار الرسول ﷺ الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة". يقول: الآيات والنصوص التي فيها إثبات الصفات، سواء من الكتاب أو من السنة كثيرة، يطول الكتاب بإحصائها، لكن أعطيك قاعدة، خذ القاعدة تستريح، ما هي القاعدة؟.. يجب على كل مسلم أن يثبت النصوص التي وردت في الكتاب والسنة، ولا يحرف ولا يكيف ولا يمثل. إثبات من غير تكييف ولا تمثيل، وتنزيه لله عن مشابهة المخلوقين، لكن من غير تعطيل للصفات. فأثبت الصفة ولا تعطل ولا تمثل، لا تمثلها بصفات المخلوقين كما تفعل المشبهة، ولا تعطل بأن تنفي الصفة كما نفتها المعطلة.
هذه القاعدة كل ما ورد نص في القرآن العزيز أو السنة المطهرة، بإثبات صفة من صفات الله أو اسم من أسماء الله أو فعل من أفعاله أثبته لله، واجتنب أمرين.. اجتنب باطلين، ما هما الباطلان؟ الباطل الأول: التمثيل بصفات المخلوقين. والباطل الثاني: تعطيل الصفة. إذًا من مثل فقد شابه المشبهة ومن عطل فقد شابه المعطلة، فأثبت الصفة، واحذر من التمثيل، واحذر من التعطيل؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله : "وآيات الكتاب وأخبار الرسول ﷺ الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة، يطول الكتاب بإحصائها، وذكر اتفاق أئمة الملة وعلمائها على صحة تلك الأخبار الواردة بها".
يقول: لو أردنا أن نستقصي النصوص من الكتاب، التي فيها إثبات الصفات من الكتاب ومن السنة، ونذكر كلام العلماء وأنهم اتفقوا.. وأن العلماء اتفقوا على صحة تلك الأخبار الواردة بها لطال الكتاب.
ويقول: "وأكثرها، أكثر النصوص التي وردت في السنة المطهرة، مخرّج بالأسانيد الصحيحة في كتاب الانتصار". كتاب "الانتصار" كتاب للمؤلف رحمه الله ، والكتاب أطول من هذا، فالمؤلف أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني له كتاب سماه "الانتصار" سرد فيه النصوص التي وردت في السنة في إثبات الصفات بالأسانيد، سردها بالأسانيد، أما هذا الكتاب فهو مختصر حذف الأسانيد.
فيقول المؤلف رحمه الله : إذا أردت التوسع ارجع إلى كتابي "الانتصار"، وستجد أن النصوص بأسانيدها.. النصوص من السنة بأسانيدها، أما هذا الكتاب فإنه حذف الأسانيد في الغالب، وقد يذكر الأسانيد، وحذف كثيرا منها طلباً للاختصار، ولهذا قال المؤلف: وشرطنا في أول هذا الكتاب الاختصار والاقتصار على أدنى مقدار دون الإكثار. يعني: هذا الكتاب الذي معنا، وهو "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، اشترطت في أول الكتاب أني اختصر ولا أطول حتى لا يمل القارئ، وشرطي أن أقتصر على أدنى مقدار وأدنى مطلوب دون الإكثار برواية الأخبار، وإذا أردت التطويل أو أردت الأسانيد فارجع إلى كتابي "الانتصار" الذي هو أطول من هذا الكتاب. الذي سردت فيه الأخبار بأسانيدها..
ولهذا قال المؤلف رحمه الله : "شرطي الاقتصار على أدنى المقدار، دون الإكثار برواية الأخبار، وذكر أسانيدها الصحيحة عند نَقَلَةِ الآثار، ومصنفي المسانيد الصحاح الكبار". يقول: أنا لم أذكر أسانيدها الصحيحة التي وردت في مسند الإمام أحمد في البخاري في صحيح البخاري في صحيح مسلم في سنن أبي داود في سنن الترمذي في سنن ابن ماجه في سنن النسائي في صحيح ابن خزيمة في صحيح ابن حبان في مستدرك الحاكم في مسند الإمام أحمد مسند أبي يعلى سنن الدارمي أو غيرها.
يقول: لو أردت أن أستقصي أسانيدها الصحيحة عند نقلة الآثار لطال الكتاب، ولكني أحيلك على كتابي "الانتصار" إذا أردت التطويل وأردت الأسانيد، فارجع إلى كتاب "الانتصار"، أما هذا الكتاب فإنه اشترطت فيه الاختصار.
نعم..
(المتن)
ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه ووحيه وتنزيله، غير مخلوق ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم، والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه هو الذي نزل به جبريل على الرسول ﷺ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا كما قال وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
وهو الذي بلغه الرسول ﷺ أمته، كما أمر به في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى كلامه ، وفيه قال ﷺ أَتَمنَعُونَنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي؟
وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويُكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ ولفظ لافظ وحفظ حافظ، وحيث تلي وفي أي موضع قرئ وكتب في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كله كلام الله غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول "القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم لا تقبل شهادته ولا يعاد إن مرض ولا يصلى عليه إن مات ولا يدفن في مقابر المسلمين، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه".
(الشرح)
هذا الكلام الذي ذكره المؤلف رحمه الله فيه إثبات القرآن، وأنه كلام الله .
وصفة الكلام قلت لكم إنها من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع وأنها من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع صفة الكلام وصفة الرؤية وصفة العلو، هذه الصفات اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع من أثبتها فهو من أهل السنة ومن نفاها فهو من أهل البدعة
ثلاث صفات : الصفة الأولى صفة الكلام. والصفة الثانية صفة الرؤية، رؤية الله . والصفة الثالثة صفة العلو.
هذه الصفات الثلاث اشتد بها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع فمن أثبتها هو من أهل السنة ومن نفاها فهو من أهل البدع .
فالكلام لا يثبته الجهمية ولا المعتزلة والأشاعرة يثبتون الكلام على أنه معنى قائم بالنفس لا يثبتونه على أنه حرف وصوت، والرؤية كذلك ينكرونها لا يثبتونها، الجهمية المعتزلة والأشاعرة وكذلك العلو.
فالمؤلف رحمه الله يقول "إن أصحاب الحديث يعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه وخطابه". يبين المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث، أنهم يعتقدون أن القرآن كلام الله، تكلم به بصوت وحرف، تكلم الله بالقرآن وسمعه منه جبرائيل عليه الصلاة والسلام ، ونزل به وحيا على قلب محمد ﷺ، كما قال الله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
أهل السنة يشهدون ويعتقدون.. أهل الحديث وأهل السنة والجماعة والسلف الصالح يشهدون ويعتقدون أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، وأن الله تكلم به بحرف وصوت، سمعه منه جبرائيل والجهمية أنكروا أن يكون الله قد تكلم، يقولون القرآن ليس كلام الله، وإنما هو مخلوق. وكذلك المعتزلة أنكروا، قالوا إن الله لم يتكلم.. ليس لله كلاما. أنكروا اللفظ والمعنى، وقالوا إن الله خلق الكلام وأضافه إليه. فيقولون إن الله خلق الكلام في الشجرة، والشجرة هي التي كلمت موسى وقالت يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
الشجرة تقول إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.؟! يقولون خلق الكلام في الشجرة. يقولون الكلام مخلوق. الجهمية المعتزلة.
الأشاعرة يقولون الكلام... نحن نثبت الكلام لكن لا نثبت الكلام على أنه لفظ ولا حرف ولا صوت، الكلام معنى قائم بنفسه الرب لا يسمع قائم في نفسه، كما أن العلم في نفسه فكذلك الكلام قائم في نفسه.
ماذا يقولون في القرآن؟ الأشاعرة هم أقرب الطوائف إلى أهل السنة ومع ذلك ما أثبتوا الكلام، يقولون القرآن الموجود في المصاحف ليس كلام الله، كلام الله معنى قائم بنفسه، لكن هذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمدﷺ.
قالوا إن الله لم يتكلم بحرف ولا صوت، ولم يسمع جبريل من الله حرفاً ولا صوتاً، ولكن الله اضطر جبريل اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه، اضطره اضطرارا، جعل الله والعياذ بالله ، كالأخرس لا يتكلم. يقولون إنه عاجز عن الكلام لا يتكلم، فالكلام معنى قائما بنفسه، لا يستطيع أن يتكلم. نعوذ بالله، ولا يتكلم بقدرته ومشيئته. فإن قلنا كيف؟.. من أين هذا القرآن؟.. قالوا هذا القرآن الله تعالى اضطر جبريل اضطرارا ففهم المعنى القائم بنفسه ثم ذهب فعبر بهذا القرآن وأوصله إلى محمد ﷺ عبارة عبر بها جبريل اللفظ من جبريل والمعنى مفهوم، فهمه جبريل من الله فعبر.
وقالت طائفة من الأشاعرة الذي عبر به محمد ليس بجبريل وقالت طائفة من الأشاعرة إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ وأنزله على محمد ﷺ وكل هذه أقوال باطلة.
والذي يعتقده أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والسلف أن كلام الله لفظه ومعناه.. كلام الله لفظه ومعناه بحرف وصوت، وأن الله تكلم به فسمعه جبرائيل ونزل به على محمد ﷺ، هذا هو عقيدة أهل السلف وعقيدة أهل السنة والجماعة..
ولهذا قال العلماء "من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر" كما سمعنا، ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وكتابه وخطابه ووحيه وتنزيله، غير مخلوق". هذه عقيدة أهل السنة والجماعة لفظ ومعنى.. القرآن لفظ ومعنى تكلم الله به، وهو كتاب الله وهو خطابه، وهو وحيه وتنزيله، وأن كلام الله اللفظ والمعنى، بحرف وصوت. ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم؛ ولهذا قال كثير من أئمة السلف كثير من الأئمة قالوا من قال القرآن مخلوق، فهو كافر.
وهذا الحكم إنما هو على العموم، أما شخص معين فلان بن فلان إذا قال القرآن مخلوق، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة وتزال الشبهة إذا كان عنده شبهة، لكن على العموم من قال القرآن مخلوق أو كلام الله مخلوق فهو كافر، أم الشخص المعين إذا تكلم بهذا فإنه يكفر إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع إذا قامت عليه الحجة ولم يكن عنده التزام بالشبهة وأصر كفر، لأنه قد يكون عنده شبهة أو قد يكون عنده لبس فلا بد أن يزال اللبس وتزال الشبهة، فإذا أصر حكم بكفره.
يقول المؤلف رحمه الله في بيان عقيدة السلف وأصحاب الحديث "والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه، وهو الذي ينزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام". نعم.. لفظه ومعناه نزل به من عند الله قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فيه البشارة والنذارة كما قال عز من قائل وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وهو جبريل عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وهو الذي بلغه الرسول ﷺ أمته كما أُمر.
فهذا القرآن تكلم الله به، وبلغه جبريل للنبي ﷺ، والرسول ﷺ بلغه أمته، فهذا القرآن الذي نتلوه ونسمعه ونقرأه ونحفظه، هو كلام الله، وكلام الله الذي تكلم به بلفظه ومعناه، وسمعه منه جبرائيل ونزل به على قلب محمد ﷺ، والنبي ﷺ بلغه أمته، كما قال الله يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ بلغ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إذاً القرآن منزل من عند الله.
يقول المؤلف فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى هو كلام الله. فالرسول ﷺ أمر بالتبليغ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فالرسول ﷺ بلغ.. بلغ ماذا؟ كلام الله بأمر الله. وفيه قال ﷺ أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي؟ ) هذا الحديث حديث صحيح لما منعه الكفار من دعوة الناس، قال أَتَمنَعُوننِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي؟ فالرسول ﷺ أثبت أنه كلام الله الذي تكلم به.
"وهو الذي تحفظه الصدور وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ، ولفظ لافظٍ، وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرئ وكتب، في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كله كلام الله".
يعني يقول كلام الله كيفما تصرف فهو كلام الله، إن حفظه الحافظ فكلام الله له محفوظ، وإن تلاه التالي فكلام الله له متلو، وإن كتب فكلام الله مكتوب، كيفما تصرف فهو كلام الله حقيقة، وليس مجازاً.
كلام الله محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، إذا قرأه القارئ يقال قرأ القارئ كلام الله. إذا تلاه التالي يقال تلا التالي كلام الله. إذا حفظه الحافظ يقال حفظ الحافظ كلام الله. إذا كتبه الكاتب يقال كتب الكاتب كلام الله. وهذه حقيقة ليس مجازاً، ولو كان مجازاً لصح أن يوجه النفي إليه، فيقال ما قرأ القارئ كلام الله، ما تلا التالي كلام الله، ما كتب الكاتب كلام الله، وهذا باطل، لا يقال هذا.
ما قرأه القارئ هو كلام الله. فإذا قرأ القارئ كلام الله يقال كلام الله مقروء حقيقة. إذا تلاه يقال كلام الله متلو. إذا حفظه في صدره يقال كلام الله محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، كما قال الله تعالى في سورة العنكبوت وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.
إذًا القرآن في الصدور.. محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، كيفما تصرف فهو كلام الله، حيث تلي أو لفظ أو حفظ،أو قرئ أو كتب في مصاحف أهل الإسلام، وفي ألواح الصبيان.
كان الناس في الأول، قبل أن توجد المدارس، يكتبون في اللوح.. اللوح قطعة من الخشب تطلى بالطين، ويكتب عليه الآيات، ويكتب عليه السورة من قصار السور، حتى يتعلم الصبي. فيقال كتب في اللوح كلام الله، كتب في المصحف كلام الله. فكلام الله مكتوب في مصاحف الإسلام وألواح الصبيان وغيرها، كله كلام الله .
يقول المؤلف رحمه الله "وهو القرآن بعينه الذي نقول إنه غير مخلوق". يعني كلام الله القرآن الذي مكتوب في المصاحف ومتلو بالألسن ومحفوظ في الصدور هو القرآن بعينه الذي نقول إنه غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وهذا الحكم ثابت عن عدد من الأئمة، كالإمام أحمد وغيره، يقولون من قال القرآن مخلوق، فهو كافر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله السند، روى بسنده عن شيخه الحافظ الحاكم الحاكم هو شيخ الصابوني، فالصابوني رحمه الله يروي عن شيخه الحاكم صاحب "المستدرك"، والحاكم يروي عن حسان بن محمد، وحسان بن محمد يروي عن الإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فيكون من شيوخ شيوخه ابن خزيمة.. شيخه الحاكم وشيخ شيخه حسان بن محمد وشيخه محمد بن إسحاق بن خزيمة..
فالمؤلف يروي بالسند هذا الأثر، يقول:" سمعت شيخنا الحاكم أبا عبد الله الحافظ رحمه الله يقول سمعت الإمام أبا الوليد حسان بن محمد يقول سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح"، يقول "القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال إن القرآن مخلوق، فهو كافر بالله العظيم ولا تقبل شهادته ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه".
إذاً الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كفر من قال القرآن مخلوق، يقول كافر، لا تقبل شهادته لأنه لا تقبل شهادة الكافر عن المسلم، ولا يعاد إن مرض لأنه ليس من المسلمين، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه..
وروي عنه أنه قال "من لم يقل بأن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وطرح على مزبلة حتى لا يتأذى به أهل الإسلام ولا أهل الذمة ". لأنه كافر كفره أشد من كفر أهل الذمة اليهود والنصارى فكفره أشد من كفر اليهود والنصارى يقتل ويطرح على مزبلة حتى لا يتأذى به المسلمون ولا يتأذى به اليهود والنصارى نسأل الله السلامة والعافية.
والمؤلف رحمه الله قصده من هذا الرد على من أنكر أن يكون كلام الله في المصاحف، الأشاعرة يقولون كلام الله معنى قائم بالنفس أما المصاحف ليس فيها كلام الله. الأشاعرة والعياذ بالله مع أنهم أقرب الطوائف، حتى إن بعضهم غلا ويدوس المصحف بقدميه يطؤه فإذا قيل له قال ما فيه كلام الله، كلام الله معنى قائم بنفسه، المصحف هذا ليس فيه كلام الله، .. عبارة كلام الله. والعياذ بالله.
فالمؤلف رحمه الله يرد على هؤلاء ويبين ضلال مذهبهم، وأنه كفر وضلال، فالقرآن كلام الله مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، متلو بالألسن..
نعم..
(المتن)
فأما اللفظ بالقرآن، فإن الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن ، فقد قال بخلق القرآن.
وذكر ابن مهدي الطبري في كتاب الاعتقاد الذي صنفه لأهل هذه البلاد، أن مذهب أهل السنة والجماعةالقول بأن القرآن كلام الله سبحانه ووحيه وتنزيله وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر بالله العظيم وأن القرآن في صدورنا محفوظ وبألسنتنا مقروء وفي مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله به، ومن قال: إن القرآن بلفظه مخلوق، أو لفظه به مخلوق، فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم.
وإنما ذكرت هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي لاستحساني ذلك منه، فإنه اتبع السلف من أصحاب الحديث فيما ذكره، مع تبحره في علم الكلام وتصانيفه الكبيرة فيه، وتقدمه وتبرزه عند أهله.
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف رحمه الله : إن مسألة اللفظ في القرآن هذه، مسألة حَدَثَتْ ولم تكن معروفة عند السلف وهو أن بعضهم تكلم وقال: لفظي في القرآن مخلوق. فأنكر عليه العلماء وأهل الحديث، وقالوا: إن هذا الكلام ليس معروفاً عند السلف وأصحاب الحديث، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : نقل عن الشيخ أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني أنه ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان قال فيها: "من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن ، فقد قال بخلق القرآن".
وهذه المسألة وهي مسألة اللفظ حصل فيها فتنة بين المحدثين، حتى إن البخاري رحمه الله رمي بمسألة اللفظ وقيل له وهجره بعض أهل الحديث وقالوا: إنه يقول بمسألة اللفظ. وهي مسألة مُحدثة، وهي قول: "لفظي في القرآن مخلوق".وهذا باطل، هذا الكلام ليس معروفاً عند السلف القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ولا تتكلم باللفظ؛ لأن هذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح.
والبخاري رحمه الله ذكر في صحيحه كما مر في كتاب التوحيد الذي شرحناه في العام الماضي، أن البخاري رحمه الله بين أن الشخص "الإنسان"، مخلوق بأقواله وأفعاله ميز، وأما كلام الله فهو منزل غير مخلوق.
فالذي يقول: إن لفظي في القرآن مخلوق قال قولاً مبتدعاً لم يقله السلف يقول أنت مخلوق بأقوالك وأفعالك لا تخصص القرآن لو كنت تخصص القرآن هذا مبتدع.
ولهذا قال كثير من السلف كما نقل المؤلف رحمه الله عن أبي بكر الإسماعيلي أنه قال: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فقد قال بخلق القرآن فأنكروا هذه اللفظة، فلا تقل لفظي بالقرآن. قل القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. أما أنت.. الإنسان مخلوق بأقواله وأفعاله، لكن لا تخصص القرآن.
وكذلك ذكر عن ابن مهدي في كتابه "الاعتقاد"، أن مذهب أهل السنة القول بأن القرآن كلام الله، ووحيه وتنزيله وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر بالله العظيم. وبين كما سبق أن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله به .
ثم قال المؤلف: "ومن قال: إن القرآن بلفظه مخلوق، أو لفظه به مخلوق، فهو جاهل ضال، وكافر بالله العظيم". لأنه ابتدع قولاً لم يقله السلف ". والمؤلف رحمه الله يقول: إنما نقلت هذا الكلام عن ابن مهدي لأن ابن مهدي وافق السلف في هذه المسألة وإن كان قد تعمق في علم الكلام وتبحر فيه وله تصانيف في الكلام إلا أنه لما وافق أهل السنة نقلت كلامه لأبين للناس أن بعض أهل الكلام وافق أهل السنة في هذه المسألة، لظهور الحق فيها..
نعم..
(المتن)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم عن اللفظ بالقرآن فقال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق.
وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في كتاب "الاعتقاد"، الذي صنفه في هذه المسألة وقال: أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي أو تابعي، إلا عمن في قوله الغِنَاء والشِّفَاء وفي اتباعه الرشد والهدى.
الغنى والشفى بدون همزة.
الغنى والشفى، وفي اتباعه الرشد والهدى. ومن يقوم قوله مقام الأئمة الْأُلَى، أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله ، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول اللفظية جهمية. قال الله فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ممن يسمع.
قال: ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم، يذكرون عنه أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع.
قال محمد بن جرير "ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع رحمة الله عليه ورضوانه". هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله نقل السند عن الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهوية الإمام المحدث المشهور عن مسألة اللفظ وعن اللفظ بالقرآن فقال "لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق". يعني لا ينبغي أن يتكلم الإنسان باللفظ، يقول لفظي بالقرآن مخلوق. قال لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا تتكلم في مسألة اللفظ.
ثم نقل عن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير المعروف، في كتاب سماه "الاعتقاد"، صنفه في هذه المسألة، فقال الإمام ابن جرير الطبري "أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، هل نقول ألفاظ العباد بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ يقول هذه المسألة ما تكلم فيها أحد، ليس فيه أثر نعلمه عن صحابي ولا تابعي إلا عن من في قوله الغنى والشفا، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الألى وهو الإمام أحمد رحمه الله".
وهذه المسألة مسألة اللفظ هل يقال لفظي القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ يقول هذه المسألة، يقول الإمام ابن جرير ما وجدنا فيها أثر عن صحابة، ولا أثر عن تابعي، إلا أننا وجدنا من يُتَّبَع كلامه، وفي كلامه الغنى والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، وهو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، إمام أهل السنة والجماعة
ثم روى بسنده عن أبي إسماعيل الترمذي أنه قال حدثني، قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول اللفظية جهمية. اللفظية، من هم اللفظية؟ الذي يقول لفظي بالقرآن مخلوق. يقول اللفظية جهمية، قال الله تعالى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ يقول الإمام أحمد ممن يسمع؟ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ؟ يسمع من؟ يسمع كلام الله.
الإمام أحمد استدل على أن اللفظية جهمية بالآية فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ قال الإمام أحمد ممن يسمع، أليس يسمع كلام الله؟
ثم أيضاً قال سمعت جماعة من أصحابنا يذكرون عن الإمام أحمد أنه قال "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع". هذه العبارة مشهورة عن الإمام أحمد أنه قال من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي يعني قال بقول الجهمية ، ومن قال غير مخلوق، فهو مبتدع؛ لأنه خالف ما عليه أهل السنة والجماعة
واختلف العلماء في تفسير هذه الكلمة، وذكر ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة" وأطال، وقال من قال لفظي بالقرآن مخلوق... لأنه قد يُطْلَق اللفظ على الملفوظ، والملفوظ هو كلام الله، فيكون هذا قول الجهمية وكذلك من قال غير مخلوق. لأنه قد يُطْلَق الملفوظ على اللفظ أيضا، فيكون هذا مخالفا لما عليه أهل السنة والجماعة، فيكون مبتدعا في هذه المقالة، ولأن اللفظ يُطْلَق على الشيء الساقط الملفوظ.
فإذا الإمام أحمد سد الباب نفياً وإثباتا، لا تقل لفظي بالقرآن مخلوق، ولا تقل غير مخلوق. من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق، فهو مبتدع. إذًا قل القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. واترك مسألة اللفظ نفياً وإثباتاً، لا تقل لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.
يقول محمد بن جرير الطبري رحمه الله "لا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله". يقول لا نقول ليس هناك لنا قول يجوز أن نقوله ونعتمده إلا قول الإمام أحمد نحن نقول مثلما يقول الإمام أحمد لا نتكلم في اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً، نقول من قال لفظي في القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، فلا قول لنا بعد قول الإمام أحمد هذا كلام ابن جرير لا قول لنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله. لماذا؟ قال لأنه إمام يؤتم به، وفي الإمامة به كفاية وَمَقْنَع؛ فهو عدل معروف عند جميع أهل السنة والجماعة، وهو إمام أهل السنة والجماعة فلا نتجاوز قوله، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه.
قال الإمام هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه. كتاب للإمام ابن جرير يسمى "الاعتقاد"، نقل فيه كلام الإمام أحمد واعتمد في هذه المسألة، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يقول لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق. واللفظية كما قال الإمام أحمد شر من الجهمية وإنما يقال كلام الله منزل غير مخلوق، وكلام الله لفظه ومعناه. ولا يقال لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.
ولعلنا نقف عند هذا، نسأل الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.,,