بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
ذكر الأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور ضد قول من نفى عنه ذلك.
1124- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، «أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟، قال: لا».
(الشرح)
وهذا الحديث أصله في الصحيح, فيهِ: دليل عَلَى الوضوء من أكل لحم الإبل, وأما لحم الغُنم فجعل الاختيار إليه فدل عَلَى وجوب الوضوء, قَالَ الإمام أحمد: ليس في نفسي شيء من الوضوء من لحم الإبل فيهِ حديثان صحيحان عن النَّبِيِّ r, ذكر الحديث: «أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم».
الحديث الثاني حديث جابر بْنُ سمرة: «توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغُنم».
وذهب بعض العلماء إِلَى أنه لا يتوضأ من لحوم الإبل وقالوا: إن هذا منسوخ بحديث جابر: «كَانَ آخر الأمرين من رسول الله r عدم الوضوء مما مسته النار» وَلَكِن هذا عام, كَانُوا في أول الإسلام يتوضئون مما مسته النار, إذا شرب مثلًا مرق مسته النار يتوضأ, إذا شرب قهوة مثلًا مستها النار يتوضأ, ثم نُسخ, لَكِنْ لحم الإبل هذا مستثنى خاص حتى لو لم تمسه النار, لو أكل لحم إبل نيئ يَجِبُ عليه الوضوء.
(المتن)
1125- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم».
(الشرح)
هذا صريح في الوضوء من لحم الإبل.
(المتن)
ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أن هذا الخبر معلول.
1126- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت أبا ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أنه سُئل عن الصلاة في مبات الغنم، فرخص فيها، وسُئل عن الصلاة في مبات الإبل فنهى عنها، وسُئل عن الوضوء من لحوم الغنم، فقال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أبو ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة اسمه: جعفر، وكنية أبيه: أبو ثور، فجعفر بن أبي ثور هو: أبو ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة روى عنه عثمان بن عبد الله بن موهب، وأشعث بن أبي الشعثاء، وسماك بن حرب، فمن لم يحكم صناعة الحديث توهم أنهما رجلان مجهولان، فتفهموا رحمكم الله كي لا تغالطوا فيه.
(الشرح)
بعض الناس ظن أنه معلول وأن هذا الرجل متكلمٌ فيهِ.
(المتن)
ذكر الخبر المصرح بإيجاب الوضوء من أكل لحوم الجزور.
1127- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم، وأن نصلي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل».
ذكر الخبر الدال على الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، إنما هو الوضوء المفروض للصلاة دون غسل اليدين.
1128- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أنصلي في أعطان الإبل؟ قال: لا، قيل: أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟، قال: نعم، قيل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: في سؤال السائل عن الوضوء من لحوم الإبل، وعن الصلاة في أعطانها، وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجوابين: أرى البيان أنه أراد الوضوء المفروض للصلاة، دون غسل اليدين؛ الوضوء الشرعي, ولو كان ذلك غسل اليدين من الغمر لاستوى فيه لحوم الإبل والغنم جميعًا.
(الشرح)
يَعْنِي: لو كَانَ المراد غسله من الدسومة, لحم الغُنم أيضًا فيهِ دسومة فيغسل يديه منها, وبعضهم قَالَ:المراد الوضوء اللغوي, يغسل يديه من الدهون, فلحم الغُنم أيضًا كذلك فيهِ نفس العلة وهي الدهون.
(المتن)
وقد كان ترك الوضوء مما مسته النار، وبقي المسلمون عليه مدة، ثم نُسخ ذلك، وبقي لحوم الإبل مستثنى من جملة ما أُبيح بعد الحظر؛ يَعْنِي: بعد المنع الذي تقدم ذكرنا له.