شعار الموقع

الدرس الأول

00:00
00:00
تحميل
9

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:

باب الغُسل.

ذكر البيان بأن المغتسل جائز أن يستره عند اغتساله امرأة يكون لها محرمًا.

1188- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: «ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت، فقال: من هذه؟ قلت: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبًا يا أم هانئ, فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، ثم انصرف، فقلت له: يا رسول الله، زعم ابن أمي علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قاتل رجلًا أجرته: فلان ابن هُبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ»، وذلك ضحى.

(الشرح)

  • وهذا فيهِ فوائد:

أولًا: لا بأس للمرأة أن تستر الرجل وهو يغتسل إذا كَانَ محرمًا لها, مثل فاطمة تستر النَّبِيّ r.

ثانيًا: فيهِ أن المرأة تُجير وأن إجارتها نافذة, وتُجير يَعْنِي: تؤمن, قَالَ النَّبِيِّ r في الحديث الصحيح: «المسلمون ذمتهم واحدة يسعى بذمتهم أدناهم» فإذا أجار وأمن شخصًا, مثلًا أمن كافرًا, مثل الكفالة الآن أو ما أشبه ذلك, لَكِنْ هذا خاص بالكافر, إذا أمنه عبد أو امرأة نفذ أمانه, أم هانئ أجارت رجلًا كافرًا فأراد عليًا أن يقتله: «زعم ابن أمي علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قاتل رجلًا أجرته: فلان ابن هُبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ» قد أمنا من أمنتِ فدل عَلَى أن المرأة لها أن تؤمن.

ثالثًا: فيهِ أيضًا جواز سلام المرأة عَلَى الرجل إذا أُمنت الفتنة, وهي ابنة عمه, هي أخت علي بْنُ أبي طالب معلوم ليس محرمًا لها لكنه معهم ابنته فاطمة فإذا أُمنت الفتنة فلا بأس بالسلام, وهذا سلمت عليه.

رابعًا: فيهِ أيضًا مشروعية صلاة الضحى, وقال بَعْضُهُم: إنها صلاة الفتح.

خامسًا: فيهِ جواز الصلاة في الثوب الواحد, كَانَ ملتحفًا بِهِ, والمراد بالثوب: القطعة الواحدة مثل الإزار.

قَالَ في الحديث الآخر: «إن كَانَ واسعًا فالتحف بِهِ, وإن كَانَ ضيقًا فاتزر بِهِ» يَعْنِي: قطعة واحدة مثل الشرشف كبيرة, أو فوطة كبيرة لو كانت واسعة يتزر بجزء منها وجوء منها يضعه عَلَى كتفيه, وإذا كَانَ ضيق اكتفى بالإزار, اتزر بِهِ وبقي كتفه مكشوفتان, لَكِنْ إذا كَانَ يجد شَيْئًا فعليه أن يستر الكتفين, لقول النَّبِيِّ r: «لا يصلي أحدكم بالثوب الواحد ليس عَلَى عاتقه منه شيء» وإن لم يجد شَيْئًا فلا حرج.

واختلف العلماء: هل تصح الصلاة في الثوب الواحد ليس عَلَى كتفيه شيء؟ الجمهور أجازوا هذا لقصة جابر وأنه صلى بثوب واحد ملتحفًا فيهِ, صلى بإزار ووضع الإزار عَلَى المشجب, فَقَالَ رجلٌ من التابعين: تصلي في ثوب واحد؟ قَالَ: «أردت أن يسألني أحمق مثلك, فَإِن النَّبِيِّ r قَالَ: أولكلم ثوبان؟» والثوبان: قطعتان.

وقال آخرون من أهل العلم: لا تصح الصلاة إذا كَانَ كتفه مكشوفتان لحديث: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس منه عَلَى عاتقه شيء», ومنهم من قَالَ: تصح مع الإثم.

(المتن)

ذكر خبر قد يوهم غير المتبحر في صناعة العلم أنه مضاد لخبر أبي مرة الذي ذكرناه.

1189- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أم هانئ، قالت: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فأتيته، فجاءه أبو ذر بجفنة فيها ماء، قالت: إني لأرى فيها أثر العجين، قالت: فستره أبو ذر، فاغتسل، ثم ستر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر فاغتسل، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات وذلك في الضحى».

قال أبو حاتم رضي الله عنه: يشبه أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث اغتسل يوم الفتح، سترته فاطمة ابنته وأبو ذر جميعًا بثوب، فأدى أبو مرة مولى أم هانئ الخبر بذكر فاطمة وحدها، وأدى المطلب بن حنطب الخبر بذكر أبي ذر وحده، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر، لأن الاغتسال منه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم كان مرة واحدة، فلما أراد أبو ذر أن يغتسل ستره النبي صلى الله عليه وسلم دون فاطمة.

ذكر الاستحباب للمغتسل من الجنابة أن يكون غسل فرجه بشماله دون اليمين منه.

1190- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا علي بن حجر السعدي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال: حدثتني خالتي ميمونة، قالت: «أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، قالت: فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا، ثم أدخل كفه اليمنى في الإناء، فأفرغ بها على فرجه فغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا».

(الشرح)

ليُزيل الرائحة الَّتِي قد تعلق باليد من أثر غسل الفرج, فدلكها بالأرض, وفي رواية: «ضرب بيده الأرض أو الحائط» والحائط من طين, ليس مثل الآن الأسمنت أو الرخام.

(المتن)

«ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه، ثم تنحى غير مقامه ذلك، فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده».

(الشرح)

يَعْنِي: توضأ وضوئه للصلاة, ثم غسل عَلَى رأسه بالباقي, ثم عَلَى شقه الأيمن, ثم عَلَى شقه الأيسر, ثم غسل رجليه آخرًا, أخرها لِأَنّ الأرض فيها مثلًا طين وكذا, فجل قدميه آخرًا, وفي حديث عائشة: «أَنَّه أكمل الوضوء ولم يؤخر غسل الرجلين» فالأمر في هذا واسع.

فيهِ: أن الغُسل الكامل؛ أن يستنجي ويغسل فرجه وما حوله, ثم يتوضأ وضوئه للصلاة, في حديث ميمونة: «أَنَّه آخر غسل رجليه في الآخر» لغزالة ما علق بها من التراب أو الطين.

وفي حديث ميمونة قالت: «أتيته بخِرقة فلم يردها وجعل ينفض الماء عن يديه» فيهِ: أن الأولى ترك التنشف بالمنشفة بعد الغُسل, وإن تنشف فلا حرج, وأما الوضوء مسكوت عنه.

(المتن)

ذكر وصف الاغتسال من الجنابة للجُنب إذا أراده.

1191- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الطنافسي، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: «وصفت عائشة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل يديه ثلاثًا، ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى، فيغسل فرجه وما أصابه، ثم يمضمض ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ويديه ثلاثًا ثلاثًا، ثم يفيض على رأسه ثلاثًا، ثم يصب عليه الماء».

(الشرح)

وهذا فيهِ التثليث في الغُسل من الجنابة, وهذا هو الأفضل والواجب مرة, وفيه: أَنَّه مضمض واستنشق؛ فيهِ: وجوب المضمضة والاستنشاق, وهذا هو الصواب أنهما واجبتان في الوضوء وفي الغُسل, قَالَ بَعْضُهُم: أنهم واجبتان في الوضوء دون الغُسل, وقال بَعْضُهُم: الاستنشاق واجب دون المضمضة, والصواب: أن المضمضة والاستنشاق كلٌ منهما واجب في الوضوء وفي الغُسل.

وفيه: التثليث: «ثم يمضمض ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ويديه ثلاثًا ثلاثًا» وهذا هو الأفضل ولو غسل وجهه مرة كفى, والمراد بالمرة الغرفة الَّتِي يعمم بها العضو, فإذا عمم العضو بغرفة أو غرفتين فهذه مرة.

فإن قيل: من زاد عَلَى ثلاث؟.

مكروه لحديث: «من زاد فقد أساء» ولا ينبغي للمتعمد, لَكِنْ لو كَانَ عنده شك فيعمل باليقين.

(المتن)

ذكر البيان بأن المرأة وزوجها إذا أرادا الاغتسال من الجنابة يجب أن تبدأ المرأة، فتُفرغ على يديه، ثم يغتسلان معًا.

1192- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، قالت: «سألت عائشة: أتغتسل المرأة مع زوجها من الجنابة من الإناء الواحد جميعًا؟ قالت: نعم، الماء طهور لا يُجنب، ولقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد، أبدأه فأُفرغ على يده من قبل أن يغمسهما في الماء».

(الشرح)

قَالَ: إسناده صحيح, رجاله رجال الشيخين أخرجه الإمام أحمد والبيهقي في السنن من طريق آدم بْنُ أبي إياس كلاهما عن شعبة عن يزيد.

وعلى كل حال الْأَمْرِ واسع في هذا.

(المتن)

ذكر الإباحة للجُنب أن يغتسل مع امرأته من الإناء الواحد.

1193 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن عائشة، قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة، نشرع فيه جميعًا».

(الشرح)

لِأَنّ المرأة حِلٌ له وهو حِلٌ لها, ولو لم يكن عليها شيء, «نشرع فيهِ جميعًا» يَعْنِي: يغترف وهي تغترف.

فإن قيل: يجوز غمس اليدين في الإناء؟.

لا, غسل اليدين خارج الإناء.

(المتن)

ذكر الإباحة للمرء أن يغتسل مع امرأته من إناء واحد.

1194- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، نغترف منه جميعًا».

ذكر إباحة اغتسال الجُنبين معًا من إناء واحد، وإن كان الماء قليلًا.

1195- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو كامل الجحدري، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عاصم الأحول، عن معاذة العدوية، قالت عائشة: «كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناء واحد، يبتدر فيقول: أبقي لي، أبقي لي».

(الشرح)

«أبقي لي أبقي لي» يَعْنِي: كأن الماء قليل, فلا بأس من اغتسال الزوجين وإن كَانَ الماء قليلًا.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد