بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الطهارة:
باب الغُسل.
ذكر استحباب تخليل الجنب أصول شعره عند اغتساله من الجنابة.
1196- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيده، ثم يفيض الماء على سائر جسده».
(الشرح)
وهذا في وصف الغسل, في حديث عائشة: أَنَّه غسل رجليه, وفي حديث ميمونة: أَنَّه أخرها, فهذا الوصف الكامل: يستنجي أولًا, ثم يتوضأ وضوئه للصلاة, ثم يُفيض الماء عَلَى رأسه, ثم يغسل شقه الأيمن, ثم يغسل شقه الأيسر, أما الغُسل المجزئ فهو أن يعمم جسده بالماء.
- فالغُسل نوعان:
الأول: غسلٌ كامل؛ وهو أن يستنجي ثم يتوضأ, ثم يُفيض الماء عَلَى رأسه, ثم يغسل شقه الأيمن, ثم يغسل شقه الأيسر.
الثاني: الغُسل المجزئ؛ هو أن يعمم جسده بعد النية والتسمية, ويعمم جسده بالماء.
وإذا نوى رفع الحدث ارتفع الحديث عند جمع من أهل العلم, وإذا لم ينوي فَإِنَّهُ يتوضأ.
(المتن)
ذكر وصف الغرفات الثلاث التي وصفناه للمغتسل من جنابته.
1197- أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم البزار بالبصرة، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، قال: سمعت القاسم بن محمد، قال: سمعت عائشة، تقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في حلاب مثل هذه، وأشار أبو عاصم بكفيه يصب على شق الأيمن، ثم يأخذ بكفيه يصب على سائر جسده».
(الشرح)
قَالَ: «حِلاب» كأنه إناء.
قَالَ الخطابي: إناء يسع قدر حلبة الناقة, وسمي حِلاب لذلك.
(المتن)
ذكر الإباحة للمرأة إذا كانت جُنبًا ترك حلها ضفرة رأسها عند اغتسالها من الجنابة.
1198- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأحله لغسل الجنابة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت».
(الشرح)
وفيه: دليل عَلَى أن المرأة لا يَجِبُ عليها أن تحل ضفر شعر الرأس من الجنابة, بل تغسلها وهي باقية الضفائر والجدائل اللي يفعلها بَعْضُهُم, وفي لفظ: «أفأحله لغسل الجنابة والحيضة» وعلى هذا فلا يَجِبُ عَلَى المرأة أن تنقض ضفر الرأس, إِنَّمَا تغسله وتصب الماء عَلَى أصول الشعر والضفائر يأتيها الماء عَلَى حالها ولا تحل ضفر الرأس, وَلَكِن الحيضة تحتاج إِلَى مزيد عناية لِأَنَّهَا لا تكون إِلَّا في الشهر مرة بخلاف الجنابة فإنها قد تتكرر, ولهذا بعض العلماء يرى أن الحيضة لابد من نقض شعر الرأس وحله, وَلَعل المؤلف يأتي بها.
(المتن)
ذكر الاستحباب للمرأة الحائض استعمال السِدر في اغتسالها، وتعقيب الفرصة بعده.
(الشرح)
السِدر هو شجر يستعملونه في التنظيف, مثل الصابون, له رغوة يغسلون بها, كَانُوا في الأول يغسلون ثيابهم بالسِدر.
(المتن)
1199- أخبرنا ابن خزيمة، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثني منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة: «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن غسل الحيض فأمرها أن تغتسل بماء وسِدر، وتأخذ فرصة فتوضأ بها، وتطهر بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ فاستتر النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال: سبحان الله اطهري بها، قالت عائشة: فاجتذبت المرأة وقلت: تتبعين بها أثر الدم».
(الشرح)
النَّبِيِّ r استحيا وعائشة فهمت, فهي تغسل ثم تَأْتِيَ بقطعة قماش فيها شيء من المسك وتتبع أثر الدم حتى تزول الرائحة, قطعة قماش أو قطن, قَالَ: «تطهري بها» فلم تُحسن المرأة, فقالت: «كيف أتطهر بها؟ فاستتر النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال: سبحان الله اطهري بها، قالت عائشة: فاجتذبت المرأة وقلت: تتبعين بها أثر الدم» تَأْتِيَ بقطعة قماش فيها شيء من المسك وتتبع أثر الدم حتى تزول الرائحة, وهذا من باب الاستحباب وليس لواجب, والواجب الغُسل بالماء.
(المتن)
ذكر البيان بأن المرأة الحائض إنما أمرت بتعقيب الغسل بالفرصة الممسكة دون غيرها.
1200- أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، خبرتني أمي، أنها سمعت عائشة، تقول: «إن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض كيف تغتسل منه؟ قال: تأخذي فِرصة ممسكة، فتتوضئين بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئين بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئين بها، قالت عائشة: فعرفت الذي يريد، فجبذتها إلي فعلمتها».
(الشرح)
«فِرصة ممسكة» يَعْنِي: فيها مسك, قطعة من القماش, وقال بثليثها: فُرصة, فَرصة, فِرصة.
(المتن)
باب قدر ماء الغُسل.
ذكر ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يغتسل منه إذا كان جُنبًا.
1201- أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء، وهو الفرق من الجنابة».
(الشرح)
والفَرق ما يساوي ثلاثة آصع.
(المتن)
ذكر قدر الماء الذي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وعائشة يغتسلان منه.
(الشرح)
كأن هو الفَرق ثلاثة آصع, وأما هو r كَانَ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمُد, ويغتسل هو وعائشة بالفَرق, إناء يسع ثلاثة آصع.
(المتن)
1202- أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، أن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر كانت تحت المنذر بن الزبير: «وأن عائشة أخبرتها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمدادٍ، أو قريبًا من ذلك».
(الشرح)
المد قليل, قَالَ عنه: إسناده صحيح, وأخرجه مسلم في صحيحه في الحيض, وانظر الحديث المتقدم.
المُد أقل من الصاع, فلعل المراد هنا ثلاثة آصع, وفي اللفظ الآخر: «إناءٌ يسع ثلاثة آصع».
(المتن)
ذكر البيان بأن القدر الذي وصفناه للاغتسال من الجنابة ليس بقدر لا يجوز تعديه فيما هو أقل أو أكثر منه.
1203- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: أخبرنا أبو خيثمة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك، قال: سمعت أنسا، يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمس مكاكي».
قَالَ أبو حيثمة: المكوك هو المُد.
(الشرح)
«خمس مكاكي» يَعْنِي: صاع أو مُد, والصاع أربعة أمداد, والمُد ملئ كفي الرجل المتوسط, وفيه: الاقتصاد في الاغتسال وعدم الإسراف في الماء, مشروعية الاقتصاد في الماء في الغُسل والوضوء وعدم إسرافه.
(المتن)
ذكر الخبر الدال على أن هذا القدر من الماء للاغتسال ليس بقدر لا يجوز تعديه.
(الشرح)
يجوز الزيادة عليه, ويجوز النقص منه, إذا بلغ بأقل منه فلا بأس, وَلَكِن يتجنب الإسراف.
(المتن)
1204- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا بندار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمس مكاكي».