بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
باب غُسل الجمعة.
1219- أخبرنا القطان، بالرقة، قال: حدثنا عقبة بن مكرم، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم في كل سبعة أيام غُسلٌ، وهو يوم الجمعة».
(الشرح)
هذا في مشروعية غُسل الجمعة, وهو مستحب عند جمهور العلماء وواجب عند جمع من أهل العلم, «عَلَى كل مسلم» عَلَى؛ تفيد الوجوب, ويؤيده ما ثبت في صحيح مسلم أن النَّبِيِّ r قَالَ: «غُسل الجمعة واجب عَلَى كل محتلم» أي بالغ, وذهب جمعٌ من أهل العلم إِلَى أَنَّه واجب, والجمهور فسروا قوله: واجب؛ يَعْنِي: متأكد, كقول الإنسان لزميله: حقك علىَ واجب, يَعْنِي: متأكد.
(المتن)
1220- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي، حدثنا يزيد بن موهب، حدثنا المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى من راح الغسل».
قال أبو حاتم: في هذا الخبر إتيان الجمعة فرض على كل محتلم، والعلة فيه أن الاحتلام بلوغ، فمتى بلغ الصبي وأدرك، بأن يأتي عليه خمس عشرة سنة كان بالغا، وإن لم يكن محتلما، ونظير هذا قول الله جل وعلا: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور/59].
فأمر الله جل وعلا في هذه الآية بالاستئذان من بلغ الحلم، إذ الحلم بلوغ، وقد يبلغ الطفل دون أن يحتلم، ويكون مخاطبًا بالاستئذان كما يكون مخاطبًا عند الاحتلام به.
ذكر البيان بأن الاغتسال للجمعة من فطرة الإسلام.
1221- أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن فطرة الإسلام الغُسل يوم الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها، فخالفوهم، خدوا شواربكم، واعفوا لحاكم».
(الشرح)
كل هذا من الفطرة, والفطرة منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب, «الاستنان» يَعْنِي: بالسواك هذا مستحب, «إعفاء اللحية» هذا واجب, «أخذ الشارب» كذلك, «والغُسل يوم الجمعة» فيهِ خلاف هل هو واجب أم مستحب.
«حدوا» يَعْنِي: خذوها بالحداد وهو المقص.
(المتن)
ذكر تطهير المغتسل للجمعة من ذنوبه إلى الجمعة الأخرى.
1222- أخبرنا محمد بن زهير أبو يعلى، بالأبلة، حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا هارون بن مسلم صاحب الحناء، حدثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: «دخل عليَ أبو قتادة، وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: أغُسلك هذا من جنابة؟ قلت: نعم، قال: أعد غُسلًا آخر، فإني سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: من اغتسل يوم الجمعة، لم يزل طاهرًا إلى الجمعة الأخرى».
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «لم يزل طاهرًا إلى الجمعة الأخرى» يريد به من الذنوب، لأن من حضر الجمعة بشرائطها غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى.
(الشرح)
«أعد غُسلًا آخر» يَعْنِي: عَلَى سبيل الاستحباب, والصواب: أن غُسل الجنابة يكفي عن غُسل الجمعة يتداخلان, إذا كَانَ عليه جنابة واغتسل كفاه عن غُسل الجمعة, وإن اغتسل غُسلان للجانية والجمعة فهو أفضل.
فإن قيل: الغُسل لصلاة الفجر يجزئ عن الجمعة؟.
اليوم يبدأ من طلوع الفجر, إذا طلع الفجر فلا بأس, إذا اغتسل بعد طلوع الفجر فهذا يكفي, وَلَكِن قبل صلاة الفجر لو اغتسل فلا يجزئ لِأَنَّهُ ما دخل يوم الجمعة.
(المتن)
ذكر ما يُستحب للمرء الاغتسال للجمعة إذا قصدها.
1223- أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: حدثنا يحيى بن أيوب المقابري، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم الجمعة فاغتسلوا».
ذكر الأمر بغسل يوم الجمعة لمن أتاها مع إسقاطها عن من لم يأتها.
1224- أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا يحيى بن كثير الكاهلي، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أتى الجمعة فليغتسل».
(الشرح)
هذا فيهِ: دليل عَلَى أن من لم يأتي الجمعة فليس عليه غُسل, إذا أراد يأتي الجمعة يغتسل سواءٌ كَانَ رجلًا أو عبدًا أو امرأة, لو المرأة تريد تصلي الجمعة مع الناس فإنها تغتسل وَكَذَلِكَ العبد, وإن كانت تريد تصلي وحدها فليس عليها غُسل.
(المتن)
ذكر إيقاع اسم الرواح على التبكير.
1225- أخبرنا يوسف بن يعقوب المقبري الخطيب، بواسط، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله، قال: حدثنا هشيم، عن عبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من راح إلى الجمعة فليغتسل».
ذكر الاستحباب للنساء أن يغتسلن للجمعة إذا أردنا شهودها.
1226- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا عثمان بن واقد العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل».
(الشرح)
هذا عام؛ «كل من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل».
(المتن)
ذكر لفظة أوهمت عالمًا من الناس أن غُسل يوم الجمعة فرض لا يجوز تركه.
1227- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا عثمان بن واقد العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغُسل يوم الجمعة على كل حالمٍ من الرجال، وعلى كل بالغٍ من النساء».
(الشرح)
كلمة: حالم, هَذِه الَّتِي أوهمت.
(المتن)
ذكر خبر ثان ذهب إليه بعض أئمتنا، فزعم أن غسل يوم الجمعة واجب.
(الشرح)
هذا دليل عَلَى أن اِبْن حبان مع الجمهور يرى أَنَّه مستحب ليس بواجب.
(المتن)
1228- أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غُسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم».
ذكر وصف الغسل للجمعة والاغتسال لها لمن أراد أن يشهدها.
1229- أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثنا صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غُسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، كغُسل الجنابة».
ذكر الخبر الدال على أن الأمر بالاغتسال للجمعة في الأخبار التي ذكرناها قبل إنما هو أمر ندب وإرشاد لعلة معلومة.
1230- أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، «أن عمر بن الخطاب، بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عليه رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أي ساعة هذه؟ قال: إني شغلت اليوم، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على أن توضأت، قال عمر: والوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمر بالغُسل».
(الشرح)
هذا الرجل هو عثمان, دخل عثمان وهو من السابقين الأولين, وعمر كَانَ يخطب الجمعة فأنكر عليه عمر تأخيره, قَالَ: «أي ساعة هذه؟» أتأتي والخطيب يخطب, «قال: إني شغلت اليوم، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على أن توضأت، قال عمر: والوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمر بالغُسل» فهذا دليل عَلَى أن الوضوء ليس بواجب وَإِنَّمَا هو مستحب, وبعض العلماء يرى الوجوب.
فإن قيل: الندب نفسه مستحب؟.
نعم, لو كَانَ واجبًا لأنكر عليه وقال: ما تصح صلاتك, اذهب واغتسل.
(المتن)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الخبر دليل صحيح على نفي إيجاب الغُسل للجمعة على من يشهدها، لأن عمر بن الخطاب، كان يخطب، إذ دخل المسجد عثمان بن عفان، فأخبره أنه ما زاد على أن توضأ، ثم أتى المسجد، فلم يأمره عمر ولا أحد من الصحابة بالرجوع والاغتسال للجمعة، ثم العود إليها، ففي إجماعهم على ما وصفنا أبين البيان بأن الأمر كان من المصطفى، صلى الله عليه وسلم بالاغتسال للجمعة أمر ندبٍ لا حتم.
(الشرح)
وهذا هو الذي قرره جمهور العلماء, لَكِنْ من أوجبه استدل بقوله: «غُسل الجمعة واجبٌ عَلَى كل محتلم».