بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه:
ذكر خبر ثان يصرح بأن الاغتسال للجمعة غير فرض على من شهدها.
1231- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدنا وأنصت، واستمع، غفر الله له ما بينه، وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام».
(الشرح)
وليس فيهِ: إذا اغتسل, فدل عَلَى أن الاغتسال ليس بواجب.
(المتن)
ذكر خبر ثالث يدل على أن غسل يوم الجمعة ليس بفرض.
1232- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة بن سوار، عن هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن لله حقًا على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام يومًا، فإن كان له طيبٌ مسه».
(الشرح)
قوله: «إن لله حقًا» هذا من أدلة من يقول بالوجوب, يَعْنِي: جعله حق, وما خص هنا يوم الجمعة, لَكِنْ النصوص وردت عَلَى أَنَّه يوم الجمعة.
(المتن)
ذكر خبر رابع يدل عن أن الأمر بالاغتسال للجمعة أمر ندب لا حتم.
1233- أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال، وبكير بن الأشج، حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الغُسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، وأن يمس من الطيب ما قدر عليه» اللفظ لسعيد بْنُ أبي هلال.
(الشرح)
كونه عطفه عَلَى السواك لا يدل عَلَى الوجوب, لَكِنْ يقال: العطف ما يلزم, يقال: الغُسل واجب, وهذا من أدلة من قَالَ بالوجوب: «الغُسل يوم الجمعة على كل محتلم» وفي الحديث الآخر ليس فيهِ: أن يستاك, هنا وجه الدلالة أَنَّه قرنه بالسواك والسواك ليس بواجب, لَكِنْ قد يقال: اجتمعت هَذِه الأشياء منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب.
- أقوالٌ ثلاثة:
القول الأول: وهذا مذهب الجمهور: أَنَّه مستحب.
القول الثاني: أَنَّه واجب؛ وهو مذهب جمع من أهل العلم ويفتي بِهِ الشيخ محمد بْنُ عثيمين رحمه الله وأنه يرى الوجوب.
القول الثالث: أَنَّه واجبٌ عَلَى أهل المهن؛ العمال الذين تنبعث منهم الروائح دون غيرهم, ويُستدل بحديث أن أناس كَانُوا عمال لأنفسهم وكانوا إذا ذهبوا تنبعث منهم الريح, فَقَالَ النَّبِيِّ r لهم: «لو اغتسلتم» يَعْنِي: من الرائحة الكريهة.
وابن حبان يرى مذهب الجمهور ويدلل عَلَى هذا.
(المتن)
ذكر خبر خامس يدل على أن الغسل للجمعة قصد به الإرشاد والفضل.
1234- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت عمرو بن دينار، يحدث، عن طاوس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حق على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام، وأن يمس طيبًا إن وجده».
ذكر العلة التي من أجلها أُمر القوم بالاغتسال يوم الجمعة.
1235- أخبرنا بكر بن أحمد بن سعيد، بالبصرة، قال: حدثنا نصر بن علي بن نصر، قال: حدثنا نوح بن قيس، عن أخيه، عن قتادة، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: «لقد رأيتنا ونحن عند نبينا صلى الله عليه وسلم، ولو أصابتنا مطرة لشممت منا ريح الضأن».
(الشرح)
هذا عَلَى قول من قَالَ: إن العلة من أجل الرائحة.
(المتن)
ذكر البيان بأن القوم إنما كانوا يروحون إلى الجمعة في ثياب مهنهم، فلذلك أمروا بالاغتسال لها.
1236- أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: «كان الناس مهان أنفسهم، فكانوا يروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم».
(الشرح)
«مهان أنفسهم» يَعْنِي: يعملون مهن بأنفسهم, يشتغل بنفسه ويعمل بنفسه, وتنبعث منه رائحة فأُمر بالاغتسال.
(المتن)
ذكر البيان بأن قول عائشة فقيل لهم: لو اغتسلتم أرادت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بِذَلِكَ.
1237- أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن محمد بن جعفر بن الزبير، حدثه، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: «كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنسان منهم وهو عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا».
(الشرح)
وهذا حُجة من قَالَ: إن الاغتسال واجب عَلَى أهل المهن خاصة.
(المتن)
باب غُسل الكافر إذا أسلم.
ذكر الأمر بالاغتسال للكافر إذا أسلم.
1238- أخبرنا أبو عروبة، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا عبد الله بن عمر، وعبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، «أن ثمامة الحنفي أُسر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعود إليه، فيقول: ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمن تمن على شاكر، وإن ترد المال تعطَ ما شئت، قال: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم يوما فأسلم، فبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حسن إسلام صاحبكم».
(الشرح)
وأصل هذا الحديث في الصحيحين إسلام ثمامة بْنُ أثال وكان سيدًا في بني حنيفة, وقد أخذته خيل النَّبِيِّ r وهو يريد العمرة, كأنهم يعتمرون وهم عَلَى كفرهم, فَلَمّا أسلم واغتسل ذهب للعمرة فقالت له قريش: صبأت يا ثمامة, يَعْنِي: خرجت من دينك, فَقَالَ: بلى والله أسلمت, ولا والله لا يأتيكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله, حصار اقتصادي منعهم الحب, وكانت مكة ما فيها حبوب وكانت تأتيها من نجد ومن غيرها, هو منع الحبوب حتى يأذن فيها النَّبِيِّ r.
وفي الصحيح ما في: أَنَّه أمره بالاغتسال, وَإِنَّمَا قَالَ: «أطلقوا ثمامة فذهب إِلَى نخل هناك ثم جاء وأسلم» ولم يأمره النَّبِيِّ r بالاغتسال لَكِنْ في الحديث هنا قَالَ: «فأمره أن يغتسل فاغتسل» فهذا الأمر في صحته نظر, في الصحيح ليس فيهِ أَنَّه أمره, وَإِنَّمَا اغتسل هو من نفسه.
إسناده صحيح على شرطهما. عبد الله بن عمر وإن كان ضعيفًا تابعه عليه عبيد الله بن عمر، وهو ثقة روى له الشيخان، وهو في "مصنف عبد الرزاق"، ومن طريقه أخرجه ابن الجارود في "المنتقى" برقم [15] ، وابن خزيمة في "صحيحه" برقم [253]، والبيهقي في "السنن" 1/ 171.
فليس فيهِ الْأَمْرِ بالاغتسال, ولهذا اختلف العلماء في الْأَمْرِ بالاغتسال, الصواب: أن الْأَمْرِ بالاغتسال مستحب وليس بواجب, وقيل: للوجوب, وذلك أن أهل مكة لما اسلموا ما أمرهم بالاغتسال كلهم.
(المتن)
ذكر البيان بأن ثمامة ربُط إلى سارية في وقت أسره.
1239- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا عيسى بن حماد، قال: أخبرنا الليث، عن سعيد المقبري، أنه سمع أبا هريرة، يقول: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيلًا قِبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل، تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان الغد، ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت.
(الشرح)
« إن تُنعم تُنعم على شاكر» يَعْنِي: عَلَى شخص يقدر المعروف, «وإن تقتل تقتل ذا دم» يَعْنِي: تقتل رجلًا له مكانته عند قومه, وله منزلته,. ودمه ليس دمًا رخيصًا ولكنه دم غالي, «وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت» لِأَنَّهُ سيد في قومه يجمع من المال ما يشاء.
(المتن)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل».
(الشرح)
هذا الثابت في الصحيح أَنَّه اغتسل من نفسه ثم جاء فأسلم.
(المتن)
«ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إليَ، والله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد إليَ».
(الشرح)
سبحان من يغير ولا يتغير, الإيمان لما تمكن من القلب قَالَ هكذا, كَانت أبغض البلاد إليه؛ المدينة, وأبغض الدين إليه؛ الإسلام, وأبغض الوجوه إليه؛ وجه النَّبِيِّ r, فَلَمّا أسلم انقلب الحال وتغير كل شيء, فصار أحب الوجوه إليه وجه النَّبِيِّ r, وأحب البلاد إليه المدينة, وأحب الدين إليه دين الإسلام.
(المتن)
«وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: صبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الخبر دليل على إباحة التجارة إلى دور الحرب لأهل الورع.
(الشرح)
هو كَانَ كافرًا لما كَانَ يتجر, يَعْنِي: الحنطة الَّتِي سيرسلها بيعًا وتجارة يتبايع معهم وهما أهل حرب وهو مؤمن الآن, هذا وجه استنباط اِبْن حبان.
فإن قيل: زيادة الاغتسال هذا يدل عَلَى أنها معلولة لما لم يأتي بها في الصحيحين؟.
الْأَمْرِ يحتاج لثبوت, إذا ثبت الْأَمْرِ يكون للوجوب, وإذا لم يثبت يكون الاغتسال مستحب.
(المتن)
ذكر الاستحباب للكافر إذا أسلم أن يكون اغتساله بماء وسدر.
1240- أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن علي، عن يحيى القطان، قال: حدثنا سفيان، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: «أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسِدر».
(الشرح)
يَعْنِي: هذا من باب الاستحباب, الماء كافي, والسِدر وسيلة للتنظيف وزيادة في التنظيف مثل الصابون والشامبو وما أشبه ذلك الآن؛ وكل هذا من باب الاستحباب.