بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الطهارة:
باب المياه.
1241- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا أبو معمر القطيعي، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الماء لا ينجسه شيء».
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر ورد في المياه الجارية دون المياه الراكدة.
1242- أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، «أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من جنابة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، يتوضأ من فضلها، فقالت له، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء».
(الشرح)
قوله: «الماء لا ينجسه شيء» هذا خاصًا بالجاري, وهذا هو الأصل فيهِ, ولهذا استدل بِهِ المحققون عَلَى أن الماء لا ينجس إِلَّا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة؛ هذا بالإجماع: لونه, طعمه, ريحه بالنجاسة, وأما الجمهور فيرون أن الماء ينقسم إِلَى ثلاثة أقسام: طهور, طاهر, نجس, أن هناك قسمٌ ثالث وهو طاهر يُستعمل إذا أصاب الثوب أو البدن فهو طاهر, ويُستعمل في الأكل وفي الشرب ولكنه لا يرفع الحدث بسبب استعماله.
(المتن)
ذكر الخبر المدحض قول من نفى جواز الوضوء بماء البحر.
1243- أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، من آل بني الأزرق، أن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار، أخبره أنه سمع أبا هريرة، يقول: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه، الحِل ميتته».
(الشرح)
الصريح: «هو الطهور ماؤه، الحِل ميتته» زاده: «الحِل ميتته» لِأَنَّهُ إذا أشكل عليه طهورية الماء فلابد أن تُشكل عليه ميتته, فَقَالَ: «الحِل ميتته».
(المتن)
ذكر الخبر المدحض، قول من زعم أن هذه السنة تفرد بها سعيد بن سلمة.
1244- أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، قال: أخبرني إسحاق بن حازم، عن ابن مقسم يعني عبيد الله، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ماء البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه، الحِل ميتته».
ذكر إباحة الاغتسال من الماء الذي خالطه بعض المأكول، ما لم يغلب على الماء كثرته.
1245- أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب، قال: حدثنا محمد بن مشكان، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ: «أن ميمونة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسلا في قصعة فيها أثر العجين».
(الشرح)
وهذه لا تؤثر ما دام بقي اسم الماء.
(المتن)
ذكر ما يعمل المرء عند وقوع ما لا نفس له تسيل في مائه أو مرقته.
1246- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا زياد بن يحيى الحساني، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله، ثم لينزِعه».
(الشرح)
حتى يُزيل الدواء الداء, في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء, هو يرفع الجناح الذي فيهِ الشفاء ويضع الجناح الذي فيهِ الداء, فأمر النَّبِيِّ r أن يغمسه حتى يُزيل هذا هذا, وفيه: دليل عَلَى أَنَّه لا ينجس الماء لِأَنَّهُ ليس له دم سائل أو نفسٌ سائلة, فالذي ليس فيهِ دم ما ينجس الماء, إِنَّمَا ينجس الماء ما فيهِ دم, إذا غمس الذباب وما أشبهه من الحشرات الَّتِي ليس فيها دم لا تنجس الماء إلا إذا كانت متولدة من نجاسة كصراصير الحمام وأشباهها.
فإن قيل: بالنسبة للبن؟.
كذلك اللبن مثل الماء.
(المتن)
ذكر الأمر بغمس الذباب في الإناء إذا وقع فيه، إذ أحد جناحيه داء والآخر شفاء.
1247- أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا يحيى القطان، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، قال: حدثني سعيد بن خالد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء».
(الشرح)
يَعْنِي: اغمسوه.
(المتن)
ذكر خبر يدحض، قول من زعم أن الماء المغتسل به من الجنابة إذا كان راكدًا ينجس بعد أن يكون قليلًا، لا يكون عشرًا في عشر.
1248- أخبرنا عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي، ببغداد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «اغتسل بعض أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم من جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها أو يتوضأ، فقالت: يا رسول الله، إني كنت جنبًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يجنُب».
ذكر أحد التخصيصين اللذين يخصان عموم الخبر الذي ذكرناه.
1249- أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، أن عبد الله بن عبد الله، حدثهم: أن أباه عبد الله بن عمر، حدثهم: «أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم سُئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء».
(الشرح)
هذا الحديث فيهِ: قُلتين, اُختلف في صحته وضعفه, والصواب: أَنَّه صحيح, وَلَكِن منطوقه أَنَّه إذا بلغ قلتين فلا ينجس, ومفهومه: أَنَّه يحمل الخبث لَكِنْ المفهوم وضحه أبو سعيد: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء».
(المتن)
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجسه شيء» لفظة أُطلقت على العموم تستعمل في بعض الأحوال، وهو المياه الكثيرة التي لا تحتمل النجاسة، فتطهر فيها، وتخص هذه اللفظة التي أطلقت على العموم ورود سنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء» ويخص هذين الخبرين الإجماع على أن الماء قليلًا كان أو كثيرًا فغير طعمه أو لونه أو ريحه نجاسة وقعت فيه أن ذلك الماء نجس بهذا الإجماع الذي يخص عموم تلك اللفظة المطلقة التي ذكرناها.
(الشرح)
لاشك وهذا بالإجماع: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» يَعْنِي: ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة, فَإِن تغيرت أحد أوصافه الثلاثة فَإِنَّهُ ينجس.