( المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فقال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله:
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
يقول المؤلف رحمه الله تعالى وهو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعدما نقل كلام ابن جرير رحمه الله فيما نقل عن الإمام أحمد أن القول بخلق القرآن كفر وضلال، وأن من قال لفظي بالقرآن فهو جهمي.
يقول الصابوني رحمه الله والإمام محمد بن جرير الطبري حينما نقل هذا القول عن الإمام أحمد يدل على أنه من أهل السنة والجماعة، وأنه موافق للإمام أحمد رحمه الله في المذهب، وأن من نسب إليه أو قذفه بأنه ليس من أهل السنة والجماعة، أو أن له قولاً يعدل به عن سبيل السنة، أو يميل إلى شيء من البدعة أن هذا ليس بصحيح.
يقول الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله موافق للإمام أحمد ومن رماه بأنه مبتدع فقد أخطأ، لأنه حينما نقل عن الإمام أحمد هذه المقالة دل على أنه موافق له، وأنه من أهل السنة والجماعة.
إذاً هناك بعض الناس رموا الإمام محمد بن جرير الطبري بأنه ليس على مذهب الإمام أحمد وقذفوه بأنه له عدول عن سبيل السنة، وأنه يميل إلى شيء من البدعة؛ يقول المؤلف الصابوني رحمه الله هذا ليس بصحيح فالإمام ابن جرير الطبري حينما نقل هذا القول عن الإمام أحمد دل على أنه موافق له وأن من نسبه إلى البدعة فقد أخطأ ولهذا قال قلت وأعني ابن جرير قد نفى عن نفسه بهذا الفصل الذي ذكر في كتابه كل ما نُسب إليه وقُذف به من عدول عن سبيل السنة أو ميله إلى شيء من البدع.
ثم قال والذي حكاه عن أحمد رحمه الله وأرضاه أن اللفظية جهمية صحيح فصحيح عنه، الإمام أحمد يقول اللفظية جهمية اللفظية أن تقول لفظي بالقرآن مخلوق يعني من قال لفظي بالقرآن مخلوق كمن قال القرآن مخلوق، هذا ثابت عن الإمام أحمد والذي نقله الإمام محمد بن جرير الطبري عن الإمام أحمد أنه قال اللفظية جهمية صحيح وإنما قال ذلك لأن جهماً وأصحابه صرّحوا بخلق القرآن،الجهم بن صفوان هذا هو الذي تُنسب إليه الجهمية، اسمه الجهم بن صفوان السمرقندي الترمذي تُنسب إليه عقيدة نفي الأسماء والصفات، وأول من ابتدع القول بنفي الصفات هو الجعد بن درهم وقد قتله خالد بن عبد الله القسري كما سيبين المؤلف رحمه الله، ولكن قبل قتله اتصل به الجهم وأخذ عنه عقيدة نفي الصفات، وجهم يتزعم أربع عقائد العقائد الخبيثة، كعقيدة نفي الأسماء والصفات، وعقيدة الإرجاء وهو القول بأن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان وليست مطلوبة، وعقيدة الجبر وهو القول بأن الإنسان مجبور على أفعاله، وعقيدة القول بفناء الجنة والنار. فـالجهم اشتهر بهذه العقائد الأربع، عقيدة نفي الأسماء والصفات عقيدة الإرجاء وعقيدة الجبر وعقيدة القول بفناء الجنة والنار، وقُتل الجهم بن صفوان الذي قتله سلم بن أحوز أمير خراسان، فالجهم يتزعم طائفة الجهمية تُنسب إليه طائفة الجهمية الذين ينفون الأسماء والصفات عن الله ، ونفي الأسماء والصفات عن الله كفر وضلال؛ لأن معناه يُنتج العدم، فالشيء الذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له، أي شيء تنفي عنه الأسماء والصفات لا وجود له، ليس هناك شيء إلا وله اسم أو صفة، الجماد هذه الطاولة مثلاً تصفها بأن لها طولاً، ولها عرضاً، ولها عمقاً، وتصفها بأنها موجودة، فإذا قلت: إن هناك طاولة ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، وليست داخل العالم ولا خارج العالم ولا متصلة بالعالم، ولا منفصلة عن العالم، ولا حالة بالعالم، ولا خارجة عنه، ماذا تكون؟! هذا عدم، كذلك الجهمية نفوا عن الله جميع الأسماء والصفات؛ فألزمهم العلماء بأن هذا إنكار لوجود الله، ولهذا قال العلماء إن أقوال الجهمية تدور على أنه ليس فوق السماء إله، وليس فوق العرش إله يُعبد نسأل الله السلامة والعافية يقول عبد الله بن المبارك إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية من خبثها من خبث أقوالهم.
يقول المؤلف رحمه الله الصابوني الذي حكاه أبو عثمان الصابوني الذي حكاه الإمام أبو عثمان بن إسماعيل الصابوني عن الإمام محمد بن جرير عن الإمام أحمد أن لفظ الجهمية صحيح وإنما قال الإمام أحمد رحمه الله إن اللفظية جهمية لأن جهماً وأصحابه صرحوا بخلق القرآن قالوا القرآن مخلوق وهذا كفر وضلال والذين قالوا باللفظ الذين يقولون اللفظ بالقرآن مخلوق يقول تدرجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة في ذلك الزمان من التصريح بخلق القرآن، الذين قالوا لفظي بالقرآن مخلوق يقول هؤلاء تستّروا، ما استطاعوا أن يقولوا القرآن مخلوق خوفاً من أن تُقطع رقابهم ويُقتلوا، فقالوا فقال الواحد منهم لفظي بالقرآن مخلوق. وتدرّجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة في ذلك الزمان لأن لهم قوة من التصريح بخلق القرآن فأدرجوه في هذا القول من أجل اللبس أدرجوا القول بخلق القرآن بقولهم لفظي بالقرآن مخلوق، لئلا يُعدّوا في زمرة الجهم خافوا أن يُقال لو قالوا القرآن مخلوق خافوا أن يُقال لهم جهمية فيقتلوا، فجاؤوا بقول مُلبِس يُدخلون فيه ما يريدون من الكفر دون أن يُكشف أمرهم فقالوا قال الواحد منهم لفظي بالقرآن مخلوق فأدرجوه في هذا القول لأجل اللبس لئلا يعدّوا في زمرة الجهم الذين هم شياطين الإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، فذكروا هذا اللفظ وقال الواحد منهم لفظي بالقرآن مخلوق وأرادوا أن القرآن بلفظنا مخلوق، فلذلك سماهم أحمد رحمه الله جهمية، وحكي عنه أيضاً عن الإمام أحمد أنه قال اللفظية شر من الجهمية، لماذا؟ لأن الجهمية قالوا أن القرآن مخلوق وصرحوا، واللفظية لم يصرّحوا فأرادوا أن يقول الواحد منهم القرآن مخلوق؛ لكن سلكوا مسلك النفاق، ومسلك النفاق كفر وزيادة، النفاق كفر وزيادة، الكافر صريح واضح اليهودي والنصراني والوثني كافر واضح عدو مكشوف، لكن المنافق يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر، فهو كافر لأنه يبطن الكفر، وزاد على الكفر بالتلبيس فصار ذنبه أشد، ولهذا جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فكذلك الذين قالوا لفظي بالقرآن مخلوق يريدون أن القرآن مخلوق، ولكن سلكوا مسلك التلبيس والنفاق فصاروا منافقين فوافقوا القائلين بأن القرآن مخلوق وزادوا عليهم باللبس، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله اللفظية شر من الجهمية، لماذا؟ لأنهم وافقوا الجهمية وزادوا عليهم بالتلبيس والنفاق فلهذا صارت اللفظية شر من الجهمية.
( المتن)
الشرح:
النسخة الثانية وبحثوا عما نُهوا عنه من الضلالات ولعلها بحثوا أحسن
المتن:
(الشرح)
يقول المؤلف رحمه الله وأما ما حكاه ابن جرير رحمه الله عن الإمام أحمد أنه قال من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع هذه العبارة هذه الجملة مشهورة عن الإمام أحمد أنه قال من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي؛ لأنه يتدرج به إلى القول بخلق القرآن لأنه قاله نفاقاً، وأما من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، السبب في كونه مبتدعا أن الإمام أحمد أراد من هذا أن السلف الصالح من أهل السنة لم يتكلموا في باب اللفظ، فلا يقولون اللفظ مخلوق ولا غير مخلوق، فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنه قال قولاً لم يقله أحد من السلف.
ولهذا قال إنما أراد أن السلف الصالح من أهل السنة لم يتكلموا في باب اللفظ ولم يحوجهم الحال إليه وإنما حدث الكلام في اللفظ لفظي بالقرآن مخلوق هذا الحدث من أهل التعمق وذوي الحمق، أهل التعمق الذين يتعمّقون ويتكلّفون أشياء لم يقلها السلف لحمقهم فأتوا بالمحدثات من الدين، وبحثوا عما نهوا عنه من الضلالات والمقالات الذميمة وخاضوا في شيءٍ لم يخض فيه السلف من علماء الإسلام ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع يعني هذا القول في نفسه بدعة.
ومن حق المتسنن وفي النسخة الأخرى (المتدين) أن يدعه يترك هذا الأمر ما يقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق يترك هذا اللفظ ولا يتفوه به ولا بمثله من البدع المبتدعة، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المتّبعة يقتصر على ما قاله السلف من العلماء والأئمة الذين قالوا القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق، ولا يزيد لا يقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا يقول غير مخلوق ولا يزيد عليه إلا أنه يكفّر من قال بخلق القرآن، القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر على وجه العموم، أما الشخص المعيَّن الذي يقول القرآن مخلوق فهذا لا بد من قيام الحجة عليه.
( المتن)
(الشرح)
الإمام رحمه الله الصابوني نقل بسنده عن الحاكم في كتابه التاريخ الذي جمعه النيسابوري، بسنده عن الإمام عبد الله بن مبارك قال حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله هنا الخراجي وفي نسخة الجرّاحي يحتاج إلى مراجعة عن يحيى بن سالوكة عن أبيه عبد الكريم السندي وفي نسخة اليشكري بدلاً من السندي وفي نسخة ثالثة ساسوية بدلا من سالوكة هذا يحتاج إلى مراجعة ، نقل بسنده عن عبد الله بن مبارك رحمه الله أنه قال من كفر بحرف من القرآن فقد كفر بالقرآن كله، يعني من أنكر حرفاً من كلام الله حرف من القرآن فهو كافر، من جحد حرفاً من القرآن فهو كافر، ومن قال لا أؤمن بهذا الكلام، وفي نسخة بهذا اللام – يحتاج إلى مراجعة – لام يعني حرف اللام، أو لا أؤمن بهذا الكلام فقد كفر. يعني من لم يؤمن بالقرآن فهو كافر، ومن جحد حرفاً أو كلمة من القرآن فهو كافر نسأل الله العافية لأن القرآن كلام الله، وهو متواتر معلوم من الدين بالضرورة أن القرآن كلام الله، فمن أنكر شيئاً منه ولو حرفاً واحداً فإنه يكفر نسأل الله العافية .
( المتن)
(الشرح)
استواء الله على العرش من الصفات التي أيضاً اشتدّ النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، صفة الاستواء وصفة العلو فهما صفتان، صفة العلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص وبالعقل وبالفطرة، ومن الصفات اللازمة للرب التي لا تنفك عن الباري، فالرب لم يزل عالياً فوق مخلوقاته، فهو فوق مخلوقاته وفوق سماواته، وهو فوق العرش، والعرش هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، فصفة العلو صفة من الصفات التي ثبتت في النصوص وثبتت في العقل وثبتت في الفطرة، الله تعالى فطر الخلق على أن الله في العلو.
والأدلة التي فيها إثبات علو الله على خلقه تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وهناك قواعد فارجع إليها، وهناك أنواع من الأدلة كل نوع تحته أفراد كثيرة.
والاستواء على العرش علو خاص، هو علو على العرش، والاستواء على العرش علو خاص، وهو من الصفات الفعلية، الاستواء على العرش هو من الصفات الفعلية والعلو من الصفات الذاتية.
فالفرق بين الصفتين بين العلو وبين الاستواء من جهتين:
أولاً أن صفة العلو من الصفات الثابتة بالعقل وبالشرع وبالفطرة، أما صفة الاستواء فهي ثابتة بالشرع، فلولا أن الله أخبرنا بأنه استوى على العرش لما علمنا ذلك.
ثانياً: أن صفة العلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري، وصفة الاستواء من الصفات الفعلية وكان بعد خلق السماوات والأرض، فالله تعالى خلق العرش أولاً، ثم خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض، فالاستواء كان بعد خلق السماوات والأرض، العرش خلقه الله أولاً ثم خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض.
والنصوص التي فيها استواء الله على العرش في القرآن العزيز نصوص الاستواء في سبعة مواضع،في سورة الأعراف إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا، الثاني في سورة يونس إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، الثالث في سورة الرعد اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، الرابع في سورة طه الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، الخامس في سورة الفرقان ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، السادس في سورة السجدة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ، السابع في سورة الحديد هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، هذه سبعة مواضع فيها التصريح بأن الله استوى على العرش بأداة (على) الصريحة والدالة على العلو والارتفاع، سبعة مواضع كلها فيها إثبات أن الله استوى على العرش فيها أداة على الصريحة في العلو والارتفاع في سورة الأعراف وفي سورة يونس وفي سورة الرعد وفي سورة طه وفي سورة الفرقان وفي سورة السجدة وفي سورة الحديد سبعة مواضع وفي السنة نصوص أخرى.
( المتن)
وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لهامان ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، يعني في قوله إن في السماء إلهاً.
وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدّقون الرب في خبره، ويطلقون ما أطلقه من استوائه على عرشه، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله جل وعلا ويقولون آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضي منهم فأثنى عليهم به.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يذكر الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وجاء في النسخة التي معي فيها قبل الآية التي ذكرها ذكر آيات، وهي قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ استدل بها على العلو، والصعود إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، وقوله يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ، فالأمر ينزل من السماء، السماء هي العلو فدل على أن الله في العلو، وقوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، والسماء تطلق ويراد بها العلو، لها إطلاقان إطلاق يراد بها العلو والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش.
وتطلق السماء على الطباق المبنية، فإذا أُريد بالسماء الطباق المبنية فتكون (في) بمعنى على، أي أأمنتم من على السماء، وإذا أُريد بالسماء العلو تكون (في) للظرفية على بابها، وله تعالى أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ، وقوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
ثم قال المؤلف وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـهامان ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، يعني في قوله إنّ في السماء إلهاً".
هذه الآية فيها إثبات العلو ووجه الدلالة أن فرعون ادعى الربوبية قال للناس أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، ومَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، هو أنكر منكر لوجود الله في الظاهر، وإن كان مستيقناً به في الباطن، كما قال الله تعالى وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، ففرعون منكر لوجود الله في الظاهر، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطّلع إلى إله موسى؛ لماذا طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً؟ لأن موسى أعلمه أن الله في العلو، موسى أعلم فرعون أن الله في السماء في العلو، فأراد فرعون طلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطّلع وليكذب موسى فيما زعمه أن الله في العلو، ولهذا قال وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، فإذاً فرعون لماذا طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً؟ ليكذّب موسى فيما ادعاه أن ربه في العلو ولهذا قال يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، لأظنه كاذباً في أي شيء؟ في دعواه أنّ الله في العلو.
فإذاً فرعون منكر لوجود الله، ولهذا قال وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، ولكن بعض الجهمية الآن في القديم وفي الحديث قلبوا معنى الآية، وقالوا إن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً لأن فرعون مجسِّم فرعون مجسِّم مثبت لوجود الله في العلو، فمن قال إن الله في العلو، وأثبت أن الله في العلو فمذهبه مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو على الصواب! هذا من يقول هذا؟ يقوله الجهمية المتقدمون والمتأخرون، حتى بعض المتأخرين الآن ينكرون ويقولون إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون، فرعون ما أثبت العلو فرعون أنكر، أنكر علو الله طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذّب موسى فيما ادعاه أن الله في العلو هؤلاء الجهمية قلبوا وقالوا إن فرعون حينما بنى صرحاً معناه أنه مجسِّم فمن أثبت العلو فقد زعم أن الله جسم وأن الله فوق السماء وأنه يكون محدود على محدود وهذا تنقص لله وتجسيد وهذا باطل فالجميع يقولون ما يثبتون أن الله في العلو لماذا؟ يقولون لو قلنا إن الله فوق السماء لصار جسماً، ولصار محدوداً ولصار متحيزاً وهذا تنقّص لله، تجعل الله محدودا جسما في مكانٍ واحد لا في جميع الجهات كلها جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نعوذ بالله! فالجهمية أنكروا أن يكون الله في العلو، يقول زعماً منهم أن إثبات العلو فيه تجسيم وفيه تنقّص لله، حيث يُجعل محدود ومتحيز ولهذا قالت الجهمية إنّ فرعون مثبِت للعلو لأنه مجسِّم، وقالوا إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.وهذا قلب للحقائق، ففرعون منكر لوجود الله منكر لوجود الله، وقال للناس أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، ومَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو.
يقول العلماء من أثبت العلو فهو على دين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، ومن أنكر العلو فهو على دين فرعون. ولهذا يقول العلماء من أثبت العلو فهو محمدي موسوي نسبة إلى محمد وموسى ومن نفى العلو فهو فرعوني على مذهب فرعون، الجهمية قلبوا الحقيقة وقالوا إنّ فرعون هو الذي يُثبت العلو وأن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون ومن أنكره فقد نزه الله أسأل الله السلامة والعافية
يقول المؤلف رحمه الله وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، يعني في قوله إن في السماء إلهاً".
وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته يعني عرشه هو سقف المخلوقات، يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدّقون الرب في خبره، أخبر عن نفسه أنه في العلو قال أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. هو أعلم بنفسه ، ويطلقون ما أطلقه من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، يقول إن الله في العلو ويكلون علمه إلى الله الكيفية لا نعلمها ويقولون آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ، هذا وصف الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه ويعملون بالمحكم والمتشابه، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضي منهم فأثنى عليهم به.
( المتن)
الشرح
وفي نسخة المعلى يُراجع
المتن
الشرح
وفي نسخة يحيى بن بشر الوراق –للمراجعة
المتن
(الشرح)
هذا الحديث نقله المؤلف رحمه الله بالسند عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت في قول الله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، قالت االاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.
(الاستواء غير مجهول) يعني معلوم معناه كما قال الإمام مالك الاستواء معلوم، يعني معلوم معناه في اللغة العربية، وله أربعة معان في اللغة العربية، وعليها تدور تفاسير السلف للفظ الاستواء، وهي استقر، وعلا، وصعد، وارتفع، هذا معناه في اللغة العربية.
(والكيف غير معقول) وفي عبارة أخرى المروية عن مالك والكيف مجهول، كيفية استواء الرب على العرش غير معقول لا نعقله، ولا نعلمه مجهول لنا.
(والإقرار به إيمان) يجب عليك أن تقر بأن الله استوى على العرش؛ لأن الله أخبر عن نفسه.
(والجحود به كفر) جحود الآية كفر.
هذه المقالة المروية عن أم سلمة هذا الحديث ضعيف في هذا السند عن أم سلمة، لكن المعنى صحيح ولكنه ثابت هذا ثابت عن الإمام مالك رحمه الله، وثابت أيضاً عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وثابت أيضاً عن أم سلمة موقوف عليها لكن المرفوع فيه ضعف. فهذا القول عن ربيعة الرأي في الإمام مالك وعن مالك بن أنس فأما ثبوته عن أم سلمة ففيه ضعف لكن المعنى صحيح.
وهذا فيه دليل على أن فيه إثبات الاستواء استواء الرب على العرش وأن الاستواء معلوم معناه في اللغة العربية وأما الكيف فهو مجهول، وهذا يقال في جميع الصفات، كل الصفات معانيها معلومة، والكيفية كيفية اتصاف الرب فيها مجهول.
( المتن)
الشرح
وفي نسخة المدني
المتن
(الشرح)
هذا المقال عن الإمام مالك ثابت نقله المؤلف رحمه الله بالسند، أنّ مالك رحمه الله جاءه سائل وهو في مجلسه مجلس التحديث يحدث الناس في المسجد، فقال يا مالك! الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ فأطرق مالك كما جاء في رواية أخرى وسكت ملياً، ثم علته الرحضاء (العرق) ثم رفع رأسه، وقال أين السائل؟ فقال الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء ثم أمر به أن يُخرج من مجلسه.
المؤلف ذكر القول بهذا اللفظ كيف استوى؟ قال الاستواء غير مجهول، غير مجهول معناه أنه معلوم باللغة العربية، وفي اللفظ الآخر أنه قال الاستواء معلوم، يعني معلوم معناه.
(والكيف غير معقول) وفي اللفظ الآخر (والكيف مجهول) وغير معقول يساوي مجهول، وغير مجهول يساوي معلوم، فقوله (الاستواء غير مجهول) أي معلوم، والكيف غير معقول، أي مجهول.
(والإيمان به واجب) الإيمان بالاستواء واجب لأنه ثبت في القرآن وفي السنة.
(والسؤال عنه بدعة) السؤال عن الكيفية بدعة.
ثم قال وما أراك إلا ضالاً وفي لفظ الآخر وما أراك إلا رجل سوء، وأمر به أن يُخرج من مجلسه. وهذه المقالة تلقاها العلماء عن الإمام مالك بالقبول رحمه الله، واحتجوا بها، وهذا يُقال في جميع الصفات كل الصفات لو سأل واحد قال وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا، كيف العلم؟ يُقال له العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، كيف السمع؟ يقال السمع معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. هذا يُقال في جميع الصفات.
هذه المقالة عن الإمام مالك رحمه الله تلقاها أهل العلم بالقبول والتصديق، واحتجوا بها، وصارت قاعدة عند أهل السنة في الصفات، أنّ كل صفة ثبتت للرب يقال فيها كما قال الإمام مالك معلوم معناه في اللغة العربية وكيفية اتصاف الرب مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
( المتن)
(الشرح)
وهذا صحيح ثابت عن الإمام مالك رحمه الله، وهذه رواية أخرى، المؤلف رواه بعدة روايات، ففي هذه الرواية أن الرجل جاء وسأل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ قال الراوي (فما رأيته) يعني الإمام مالك (وجد من شيء كوجده من مقالته) وجد يعني غصب فما رأيته غضب من شيء أشد من غضبه ذلك، (وعلاه الرحضاء) يعني علاه العرق صار يتصبب من العرق من ثقل هذه المقالة وشدتها على الإمام مالك رحمه الله، (وأطرق برأسه أيضاً) سكت ولم يتكلم، (وأطرق القوم فجعلوا ينتظرون الأمر به فيه) ينتظرون ماذا يقول الإمام مالك، وهو قد غضب وجعل يتصبب عرقا وسكت، والرجل واقف ينتظر. (ثم سرِّي عن مالك) يعني انكشف وزال ما به، (فقال الكيف غير معلوم والاستواء غير مجهول) الكيف غير معلوم الكيفية يعني كيفية الاستواء غير معلومة، بل هي مجهولة، والاستواء غير مجهول بل هو معلوم الاستواء معروف معناه في اللغة العربية، وهو الاستقرار والعلو والصعود والارتفاع، وكيفية اتصاف الرب بالاستواء هذا غير معلوم، (والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) الإيمان بالصفة واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة.
ثم قال الإمام مالك (وإني لأخاف أن تكون ضالاً) يعني هذا الرجل الذي السؤال يسأل عن الكيفية، وهذا سؤال باطل لا ينبغي أن يسأل عن الكيفية، يجب عليه أن يؤمن بالاستواء، يقول آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.
فالاستواء الرب قال الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى،، يجب على الإنسان أن يقول آمنت بالله ورسوله، الله استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، أما أن يسأل كيف استوى؟ فهذا بدعة، لا تسأل عن الكيفية، الاستواء معروف معناه في اللغة العربية أما الكيفية لا يعلمها إلا الله ، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله وإني أخاف أن تكون ضالاً ثم أمر به فأُخرج هذا الرجل أُخرج عن مجلسه وأُبعد عن مجلس الإمام مالك طُرد من الحلقة ومن المسجد ومن المجلس بسبب بدعته وسؤاله سؤالاً مبتدعاً؛ حتى لا تسري بدعته إلى غيره.
فإذا كان الإمام مالك رحمه الله يعاقب الذي يسأل عن الكيفية يُطرد ويُخرج من المسجد ويُهجر، الآن في هذا الزمن صار الكل يتكلم كله يتكلم ما يشاء كلهم يؤلف كلهم يكتب، فصار المبتدعة يكتبون والمعتزلة يكتبون والأشاعرة يكتبون والضلال يكتبون، أين هم من الأئمة رحمهم الله؟ الأئمة في زمانهم لا يستطيع أحد أن يتكلم، ولا يستطيع أحد أن يكتب، من كتب يؤدب ويُهجر ويُحذر منه، وبذلك تموت البدع وتحيا السنن، أما في الأزمنة المتأخرة صار أهل البدع قد أخرجوا رؤوسهم، وصاروا يتكلمون ويكتبون وينشرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
( المتن)
(الشرح)
وهذا طريق ثابت عن الإمام مالك رحمه الله، ذكر المؤلف له عدة طرق، ولكن مدارها على جعفر بن عبد الله، وفي هذا أنه قال يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ قال فما رأيت مالكاً وجد من شيء كوجده من مقالته، يعني غضب كغضبه من مقالته، ثم ذكر بنحو ما سبق.
( المتن)
(الشرح)
في نسخة أنا لا أعرفه محتمل هذا، وهذا فيه أن أبا علي الحسين ابن الفضل البجلي سُئل عن الاستواء كما سئل الإمام مالك، وقيل له كيف استوى على عرشه؟ فقال أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلا مقدار ما كشف لنا، ويحتمل إنا لا نعرف يعني إنا معشر العلماء إنا لا نعرف الغيب.
والمعنى أن هذا من علم الغيب، ولا نعلم من علم الغيب إلا ما كُشف لنا، والله تعالى لم يخبرنا كيف استوى، ولم يكشف لنا كيف استوى، فنقف، فلا نعلم كيفية الاستواء.
( المتن)
الشرح
وفي نسخة الحسين يُراجع
المتن
(الشرح)
وهذا الأثر عن عبد الله بن المبارك، الإمام العالم الزاهد المشهور، نقله المؤلف رحمه الله بسنده عن شيخه الحاكم بسنده إلى عبد الله بن المبارك أنه قال نعرف ربنا فوق سبع سماوات على العرش استوى بائناً من خلقه يعني نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات، وفيه إثبات العلو، وأن الله فوق العلو، وفيه الرد على من أنكر العلو من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.
على العرش استوى هذه الصفة الثانية، وهي صفة الاستواء، بائناً من خلقه يعني منفصل ليس مختلطاً بالمخلوقات، ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وأشار إلى الأرض الجهمية لا يقولون إن الله في العلو، ولا يقولون فوق السماوات، ماذا يقولون؟ يقولون الله في الأرض وفي كل مكان، تعالى الله عما يقولون! وهذا كفر وضلال.
الجهمية طائفتان:
الطائفة الأولى: ينكرون أن الله فوق العرش، وأن الله فوق السماوات، ويقولون إنه في كل مكان ولم ينزهوا الله، حتى قالوا في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل شيء تعالى الله عما يقولون، وهذا كفر وضلال.
وجاء طائفة أخرى من الجهمية المتأخرين، فأنكروا وجود الرب وقالوا ونفوا عنه النقيضين، ما قالوا مثلما قالت الأولى إنه في الأرض، وإنما قالوا لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا محايد له ولا مداخل له.إذاً ماذا يكون؟! شيء لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا مباين له ولا محايد له ماذا يكون؟ عدم بل أشد من العدم، شيء موجود إما داخل العالم أو خارجه أما شيء موجود لا داخل العالم ولا خارجه لا وجود له.
فهؤلاء الجهمية الطائفة الثانية نفوا عن الله النقيضين اللذين لا بد لكل موجود أن يتّصف بواحد من النقيضين.
قال الجهمية طائفتين طائفة حلولية قال أن الله حالٌّ في كل مكان وطائفة معطلة كفروا النقيضين وقالوا أن الله لا داخل العالم ولا خارجه، وكل منهما كافرة كلاهما كافرتان، لكن أيهما أشد كفراً؟ الطائفة الثانية أشد كفر نسأل الله السلامة والعافية، لأن الطائفة المتأخرون نفوا النقيضين، وهذا إنكار لوجود الله هذا قول بالعدم، والطائفة الثانية أنهم قالوا أنه مختلط بالمخلوقات جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نسأل الله العافية!
( المتن)
(الشرح)
وهذا الأثر نقله الإمام الصابوني رحمه الله عن شيخه الحاكم، الحاكم صاحب المستدرك، في كتابين كتاب التاريخ، وكتاب معرفة الحديث، يقول هذا الأثر رواه الحاكم في التاريخ وفي معرفة الحديث عن أبي جعفر محمد بن صالح عن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، فيكون ابن خزيمة صاحب الصحيح، ليس من شيوخ الحاكم بل من شيوخ شيوخ الحاكم.
والمؤلف الصابوني رحمه الله روى عن الحاكم، والحاكم روى عن محمد بن صالح، ومحمد بن صالح روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام المشهور صاحب الصحيح، حيث يقول من لم يقل بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماوات فهو كافر بربه.
إذاً هذا تكفير من هذا الإمام، وأهل السنة كلهم يوافقون الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة أن من لم يؤمن بأن الله استوى على العرش، وأن الله فوق السماوات فهو كافر بربه، إذاً حكم الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح بكفر من؟ من قال بأن الله ليس فوق السماوات وليس فوق العرش يقول كافر، وحينئذٍ إذا كان كافر فهو حلال الدم يُقتل؛ لأن النبي ﷺ قال لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيْبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ. هذا تاركٌ لدينه يُقتل، حلال الدم يستتاب من قبل ولاة الأمور، فإن تاب وإلا ضربت عنقه بالسيف، وأُلقي على بعض المزابل، المزابل جمع مزبلة، وهي مكان القمامة والكناسة فيقتل ويوضع على الكناسة لا يُدفن، لماذا لا يُدفن؟ لا كرامة له، ليس بمؤمن، لا يُدفن ولا يُغسل ولا يُصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم بل يُلقى على بعض المزابل، لماذا يُلقى على بعض المزابل؟ حتى لا يتأذى به المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته إذا كان في البلد مسلمون ومعاهدون، المعاهد من له عهد من اليهود أو النصارى الذين لهم ذمة أو يدفعون الجزية أو دخلوا بعهد في البلد، فهؤلاء لهم أمان ولهم عهد لا يُقتلون، ولا تؤخذ أموالهم، ولهم حرمة، فيكون هذا كفره أشد من كفر اليهود والنصارى، وأعظم، فيُقتل ويُلقى على مزبلة حتى لا يتأذى برائحة جيفته لا يتأذى به المسلمون، ولا يتأذى به المعاهدون من اليهود والنصارى أو غيرهم.
وماله أين يكون هل يرث إذا كان له ابن مسلم وزوجة مسلمة؟يكون ماله فيئاً، يؤخذ ماله ويوضع في بيت مال المسلمين، لا يرثه أقاربه المسلمون، إلا إن كان له ابن كافر على دينه يرث، أما أبناؤه المسلمون وزوجته المسلمة لا يرثونه، يؤخذ ماله ويوضع في بيت مال المسلمين لا يرث ولا يورث، ولذا قال وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين، يقول الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال النبي ﷺ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. رواه الشيخ خالد وقال مسلم وغيرهما.
وهذا حكم من الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة بكفر وردة من أنكر علو الله فوق مخلوقاته واستوائه على عرشه، من أنكر العلو والاستواء فهو كافر. هكذا حكم الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة ووافقه على ذلك أهل السنة والجماعة.
( المتن)
وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي احتج في كتابه المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفّارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها، بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفّارة، وسأل رسول الله ﷺ عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله ﷺ، فقال ﷺ لها مَن أَنَا؟ فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنك رسول الله الذي في السماء، فقال ﷺ أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، فحكم رسول الله ﷺ بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية.
وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم، إذ كان رحمه الله لا يروي خبراً صحيحاً ثم لا يقول به.
(الشرح)
يقول الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي قوله وإمامنا يدل على أن الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني شافعي من الشافعية في الفروع، وسلفي المعتقد، من أهل السنة والجماعة، لكن في الفروع في الفقه على مذهب من؟ على مذهب الإمام الشافعي، ولهذا قال وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، احتج في كتابه المبسوط هذا كتاب للإمام الشافعي اسمه المبسوط، احتج في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، فالشافعي رحمه الله اشترط في عتق الرقبة أن تكون مؤمنة؛ الله تعالى ذكر عتق الرقبة في الكفّارة القتل وفي الظهار وفي اليمين، فالله تعالى اشترط الإيمان في كفّارة القتل، قال تعالى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وقال في كفارة الظهار فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ما فيه الإيمان.
فاختلف العلماء في كفّارة الظهار، هل يُشترط إعتاق الرقبة غير المؤمنة لأن الله ما نص على الإيمان، أو أنه لا بد من الإيمان؟ فالشافعي رحمه الله قال لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة، واحتج بأي شيء؟ احتج بحديث معاوية بن الحكم السلمي، وهو في صحيح مسلم، وذلك أن معاوية بن الحكم السلمي رحمه الله له جارية سوداء، وكانت ترعى الغنم خلف أُحد، فجاء الذئب وأخذ شاة منها، فغضب معاوية وصكّها وقال كيف تتركيه يأكل شاة؟ ثم ذهب إلى النبي ﷺ وأخبره أنه اُعتدى عليها لأنها مسكينة ليس لها اختيار في هذا، فالنبي ﷺ شدّد عليه، فقال يا رسول الله أُعتقها؟ فقال ائت بها إلي، فسألها فقال أَينَ اللَّه؟ فقالت في السماء، والجارية أعجمية سوداء أعجمية، قال مَن أَنَا؟ قالت أنت رسول الله، فقال النبي ﷺ أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، شهد لها بالإيمان لأنها أثبتت أن الله في السماء في العلو، وأثبتت الرسالة للنبي ﷺ، قال أَينَ اللَّه قالت في السماء قال مَن أَنَا؟ قالت أنت رسول الله قال أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ.
وهذا الحديث ثابت في صحيح مسلم، لكن بهذه الرواية التي جاء بها المؤلف سندها ضعيف لماذا؟ لأنه قال امتحنها رسول الله ﷺ فقال مَن أَنَا؟ فأشارت إلى السماء، ما تكلمت وهي تعني أنك رسول الله، وهذا ضعيف، والذي في صحيح مسلم تكلمت، حيث قال أَينَ اللَّه؟ قالت في السماء، قال مَن أَنَا؟ قالت أنت رسول الله. وفي هذه الرواية التي ذكرها المؤلف ضعيفة ما فيها أنها تكلمت فيها أنها أشارت إلى السماء، والصواب أنها تكلمت كما في صحيح مسلم.
فالنبي ﷺ شهد لها بالإيمان، وهذا فيه الرد على أهل البدع الذين أنكروا أن يكون الله في العلو، وأهل البدع يقولون ما يُقال أين ما يسأل عن الله (بأين) وإنما يسأل بها عن المكان، فلما ردّ عليه ﷺ قال أَينَ اللَّه؟ دل على أن الله في العلو أَينَ اللَّه؟ قال في السماء، وأهل البدع يقولون ما يُقال أين ما يُسأل عن الله فقيل لهم إن الرسول ﷺ سأل أَينَ قالوا الرسول ﷺ أخطأ والعياذ بالله، لم أخطأ؟ قالوا الرسول ﷺ يخاطب الجارية الأعجمية بقدر عقلها وفهمها، لا تفهم، فسألها سؤالاً فاسداً، لأجل عقلها، وأقرّها على جواب فاسد، هكذا اتهموا الرسول ﷺ أهل البدع وصل بهم الحال أنهم اتهموا الرسول ﷺ فقالوا الرسول ﷺ سأل سؤالاً فاسداً، ما يُسأل أين، أين عن المكان معناه أن الله له مكان، وإذا كان له مكان يكون محدوداً ويكون جسماً ويكون متحيزاً، وهذا لا يليق بالله ، لكن الرسول ﷺ سأل سؤالاً فاسداً لا يليق لأن الجارية أعجمية عقلها يخاطب وأقرّها على الجواب الفاسد وأن الرسول ﷺ ما يقصد أن يقول أين الله يقصد أن يقول من الله؟ وهل الرسول ﷺ عاجز أن يقول من الله؟ (أين) ثلاثة حروف، و (من) حرفان، أيهما أسهل؟ الرسول ﷺ أفصح الناس وأبلغ الناس وأنفع الناس وأصلح الناس، أعاجز أن يقول من الله؟ قالوا لا الرسول ﷺ هنا أخطأ سأل سؤالاً فاسداً لأن هذه الجارية أعجمية فخاطبها على قدر عقلها فسأل سؤالاً فاسداً وأقرّها على الجواب الفاسد أيضاً لما قالت في السماء هذا جواب فاسد، الله في كل مكان يقولون الجهمية، الجهمية يقولون الله في كل مكان، ليس في السماء إذا كان في السماء صار محدودا لكن الجارية قالت في السماء وقال فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، قالوا أن هذا أقرّها على الجواب الفاسد لأنهم هكذا اتهموا الرسول ﷺ عليه الصلاة والسلام.
الإمام الشافعي رحمه الله يقول حكم رسول الله ﷺ بإسلامها وإيمانها لما أقرّت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية.
ثم قال المؤلف رحمه الله وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفّارة بهذا الخبر لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه، كما هو مُعتقد من المسلمين أهل السنة والجماعة، يقول الشافعي رحمه الله احتج على من قال بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في هذا الحديث الشافعي قال لا يجوز إعتاق الرقبة إلا إذا كانت مؤمنة، وقال بعض العلماء يجوز إعتاق الرقبة الكافرة، والشافعي قال عندي دليل والدليل هو حديث الجارية، لأن الرسول ﷺ سألها أَينَ اللَّه؟ قالت في السماء، قال مَن أَنَا؟ قالت أنت رسول الله، قال أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. فلم يرخّص له الرسول ﷺ بإعتاقها حتى ثبت له إيمانها. فالشافعي احتج على من أجاز إعتاق الرقبة الكافرة بحديث معاوية بن الحكم في السنن.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين بقولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة بكفّارة بهذا الخبر لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه وفوق سبع سماوات على عرشه كما هو معتقد المسلمين أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم هذا معتقد المسلمين قديماً وحديثاً السلف والخلف يعتقدون أن الله فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه.
إذ كان رحمه الله لا يروي كان الشافعي لا يروي خبراً صحيحاً ثم لا يقول به، فعمل بهذا الحديث لما صح الحديث عنده عمل به، فقال لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة.
( المتن)
(الشرح)
هذا ثابت عن الإمام الشافعي، يقول إذا رأيتموني أقول قولاً والحديث يخالف قولي فاعلموا أن عقلي قد ذهب، وهذا قاله الأئمة كلهم، كل الأئمة يقولون إذا صح الحديث وروي عنه أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي.
قال بعض العلماء إذا قلت قولاً يخالف قول الرسول ﷺ فخذوا بقول الرسول ﷺ، واضربوا بقولي عرض الحائط.
الشافعي يقول إذا قلت قولاً وصح الحديث بخلافه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب.
كيف يخالف قول الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا يمكن.
( المتن)
(الشرح)
وهذا أيضاً أثر عن الإمام الشافعي رحمه الله وإن كان فيه ضعف وفي سنده مجهول بقوله حُدّثت لكن رواه أبو نعيم في الحلية موصولاً، وذكره السيوطي في مفتاح الجنة محتجاً به، وذلك أن الشافعي رحمه الله روى يوماً حديثاً روى حديثا عن الرسول ﷺ فقال سائل يا أبا عبد الله! هل تقول بهذا الحديث وتعمل به؟ فأنكر عليه الشافعي واشتد كيف حديث ولا أقول به؟ هل تراني في بيعة؟ بيعة النصارى، معبد النصارى، هل تراني في كنيسة؟ ترى علي زيّ الكفار عليّ هذا الزنار الذي يلبسونه في الوسط هل ترى عليّ زيّ الكفار حتى ما أقول الحق؟! كيف يكون حديثاً ولا أقول به؟ أنا في مسجد المسلمين عليّ زيّ المسلمين أستقبل القبلة، أروي الحديث عن النبي ﷺ ثم لا أقول به؟! هذا فيه تعظيم الإمام الشافعي للسنة، أنكر على السائل. قال له السائل تقول بهذا الحديث يعني تعمل به، سبحان الله أنا مسلم كيف ما أعمل به، هل رأيتني في معبد النصارى البيعة وهو الكنيسة في معبد اليهود أو الكنيسة في معبد النصارى حتى تقول تعمل بهذا الحديث هل ترى عليّ زيّ الكفار أم زيّ المسلمين هل تراني مستقبل القبلة ألا تراني في المسجد، كيف تقول لي أروي الحديث و لا أقول به؟ لا يمكن ما أقوله لا بد أن أقول به.
( المتن)
(الشرح)
يقول الإمام أبو عثمان رحمه الله الفرق بين أهل السنة وبين أهل البدعة أن أهل البدعة إذا سمعوا خبراً في صفة الرب ردّوه، ردّوا الخبر أو تأولوه بتأويل باطل، أما أهل السنة فإنهم يقبلون الحديث، ويقبلون ما جاء فيه من الأخبار، ويقولون على العين والرأس آمنا بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.
فالعلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، أن أهل السنة يقبلون الأحاديث ويؤمنون بما دلت عليه، وأهل البدع يردّون الخبر إما أن يقولوا هذا خبر آحاد ما نقبله، أو يتأولونه بتأويل باطل، هذا الفرق بينهما، هذه علامة.
أهل السنة يقبلون الحديث إذا صح سنده وعُدّلت رواته ولم يكن شاذاً ولا معللاً يقبلونه في العقائد والأعمال والأخلاق وفي كل شيء إذا صح سنده، وعدلت رواته، ولم يكن شاذاً ولا معللاً يقبلونه في العقائد وفي الأعمال وفي الأخلاق وفي كل شيء
أما أهل البدع فهم بين أمرين إما أن يردّوه من الأساس، ويقولون هذا خبر آحاد لا يحتج به، وإما أن يتأولوه بتأويل فاسد، هذا الفرق بينهما، ولهذا قال المؤلف رحمه الله ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله، وأما أهل السنة والجماعة فهم يعتقدون أن ما قاله الرسول ﷺ فهو حق؛ لأن الرسول ﷺ أعرف بالرب من غيره، فقد قال الله تعالى عن نبيه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
( المتن)
(الشرح)
هذا القول قاعدة عند أهل السنة يقولون على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، لا نعترض، فالله تعالى بين لنا وأخبرنا، والرسول ﷺ بلغنا، ونحن نسلم ونقبل أمر الله وأمر رسوله ﷺ، وخبر الله وخبر رسوله ﷺ.
( المتن)
(الشرح)
وهذا الأثر عن وهب بن منبه أن الجعد بن درهم وهو أول من تكلم في نفي الصفات سأله عن الصفات، فقال له وهب ويلك يا جعد بعض المسألة! إني لأظنك من الهالكين، يا جعد! لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً وعيناً ووجهاً لما قلت بذلك، ما أثبت إلا ما أثبته الله في كتابه ورسوله ﷺ فاتقِ الله، ثم لم يلبث الجعد أن قُتل وصُلب كما سيذكر المؤلف في القصة التي بعدها
( المتن)
(الشرح)
وهذه القصة فيها قتل الجعد بن درهم، والجعد بن درهم هو أول من ابتدع القول بنفي الصفات، أول من حُفظ عنه في الإسلام مقالة التعطيل هو الجعد بن درهم، وكان الذي تكلم به في صفتين أنكر صفة التكليم وصفة الخلة، أنكر أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وأن يكون كلم موسى تكليماً أنكر الصفتين، لكن هاتين الصفتين ترجع إليهما جميع الصفات.
لأن إنكاره للكلام إنكار للشرائع والنبوات والكتب المنزَّلة، والله تكلم، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب بالكلام، وكذلك أيضاً أنكر الخلة وهي كمال المحبة، وقال أنه قطع العلاقة بين الله وبين خلقه، يقول المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين الخالق والمخلوق، ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق، قطع الصلة بين الله وبين خلقه، أي مناسبة أعظم من رب وعبد؟! الله تعالى هو الذي ربى خلقه، وأوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل الكتب، والعباد يعبدون ربهم ويتألهونه، ويتضرعون إليه، فهذه أعظم صلة.
فلما أنكر هذه الصفات أفتى العلماء في زمانه كانوا من التابعين أفتوا بقتله، وكان خالد بن عبد الله القسري أمير العراق (...) بواسط كان هو الأمير فأفتاه العلماء من التابعين بقتله، فأمر به فقيّد ووثّق بالأغلال، وكان ذلك قبيل عيد الأضحى، وكان خالد بن عبد الله القسري هو الذي يصلي بالناس على عادة الأمراء – يصلي في الناس الجمعة والعيد، فصلى بالناس يوم عيد الأضحى، وأتي بالجعد بن درهم مقيداً موثقاً، مربطا وجعل في أصل المنبر، فصلى خالد بن عبد الله القسري بالناس العيد وخطب خطبة العيد، ثم قال في آخر الخطبة ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً.
ثم نزل وأخذ السكين وذبحه في المصلى أمام الناس، وشكره العلماء وأثنوا عليه، ومن ذلك ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية أثنى عليه وقال
ولأجلِ ذا ضحّى بِجعْدٍ خالد الـ | ـقسري يومَ ذبائحِ القربانِ |
إذْ قــال: إبراهيمُ ليـسَ خليلَهُ | كـلّا ولا موسى الكليمَ الدّانـي |
شكرَ الضحيةَ كلُّ صاحبِ سُنَّةٍ | للهِ درّكَ من أخِ القربانِ |
ولا شك أن هذه الضحية أفضل وأعظم أجراً من الضحايا الأخرى؛ لأن فيها قطع لدابر الفتنة والشر والفساد، وثوابها أعظم من ثواب الأضحية، وإن كانت الأضحية سنة الرسول ﷺم، لكن قتل هذا الرجل فيه قطع لدابر الفتنة، لكن مع الأسف أن هذا الرجل قبل أن يُقتل اتصل به الجهم بن صفوان، وأخذ عنه عقيدته في الصفات ثم نشرها واتصل بغيره بالمشركين والصابئين واليهود ونشر عقيدة نفي الصفات؛ فنُسبت إليه العقيدة فقيل عقيدة الجهمية.
وفق الله الجميع لطاعته