(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين
قال المصنّف رحمه الله تعالى:
ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول ﷺ لمذنبي أهل التوحيد ومرتكبي الكبائر كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله ﷺ.
أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال أنبأنا أبو حامد ابن الشرقي حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي حدّثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس عن النبي ﷺ قال: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الشفاعة معناها في اللغة: ضم شيء إلى شيء به يصير الشيء زوجاً بعد أن كان منفرداً، فالواحد يسمى فردا والاثنان شفعا وسمي الشفيع شفيعاً لأنه يضم صوته إلى صوت طالب الشفاعة فيكون الصوت اثنان صوته وصوت طالب الشفاعة، فالشفع في اللغة معناه ضد الوتر وهو أن يكون الشيء زوجاً بعد أن كان منفرداً ، وفي الاصطلاح عند أهل الشرع هي: مساعدة ذي الحاجة صاحب الحاجة عند من يطلب الحاجة.
والشفاعة أنواع: في يوم القيامة الشفاعة أنواع متعددة:
منها الشفاعة العظمى التي تكون في موقف القيامة، ويتأخر عنها أولو العزم من الرسل، وهي خاصة بنبينا محمد ﷺ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون، وهي مذكورة في قول الله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فالمقام المحمود: هي الشفاعة العظمى، وهي عامة الشفاعة العظمى عامة للمؤمنين والكفار لأهل الموقف جميعاً حتى يستريحوا من موقف القيامة، وذلك أن الناس إذا بعثهم الله من قبورهم حفاة عراة غرلاً وقفوا بين يديه للحساب، وتدنو الشمس من الرؤوس ويُزاد في حرارتها، ويقف الناس هذا الموقف العظيم فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ويبلغ الناس من الشدة ما الله به عليم، ويلجمهم العرق على حسب الأعمال، منهم من يبلغه العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغه العرق إلى ركبتيه، وإلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً على حسب الأعمال، فيموج الناس بعضهم من بعض، فيسرع الناس إلى الأنبياء، فيأتون آدم ويطلبون منه الشفاعة فيمتنع، ويقول: لست أهلاً لها، إني أكلت من الشجرة التي نهيت عنها، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح؛ فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون إلى نوح فيسألوه أن يشفع لهم عند الله حتى يحاسبوا ويستريحوا من هذا الموقف فيعتذر نوح ويقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة أغرقتهم اذهبوا إلى غيري، وفي بعض الروايات يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم فإنه خليل الرحمن فيذهبون إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيطلبون منه الشفاعة فيعتذر ويقول: إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، وهو يجادل بها عن دين الله: عندما كسر الأصنام ووضع الفأس على الصنم، وسألوه من فعل ذلك؟ قال: هذا، وكذلك قال عن زوجته: إنها أختي وتأول أنها أخته في الإسلام لما مر بملك مصر في ذلك الوقت الظالم، ولما كذلك أيضاً نظر في النجوم وقال: إِنِّي سَقِيمٌ يجادل به عن دين الله ومع ذلك يعتذر فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فإنه كليم الرحمن، فيذهبون إلى موسى، فيقولون: يا موسى أنت كليم الرحمن، اصطفاك الله برسالته وبكلامه اشفع لنا إلى ربك فيعتذر موسى ويقول: لست أهلاً لها إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها وكان هذا قبل النبوة حينما قتل القبطي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فإنه روح الله وكلمته فيذهبون إلى عيسى فيعتذر عليه الصلاة والسلام ولا يذكر ذنباً إلا أنه يقول: اتُخذت أنا وأمي إلهين من دون الله ولكن نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد ﷺ فإنه خاتم النبيين فيذهبون إلى نبينا محمد ﷺ فيطلبون منه الشفاعة فيقول: أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا عليه الصلاة والسلام فيذهب فيسجد تحت العرش فيفتح الله عليه محامد لا يحسنها وهو في دار الدنيا، فيأتيه الإذن من الله فيقول الله : يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. هذا الإذن مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، لا أحد يستطيع أن يشفع عند الله إلا بعد الإذن حتى ولو كان وجيهاً عند الله، محمد عليه الصلاة والسلام أوجه الناس أعظم الناس وجاهة عند الله ومع ذلك لا يشفع حتى يأتيه الإذن، فإذا جاء الإذن رفع رأسه وسأل ربه الشفاعة فيقول الرب : أنا آتِيكُمْ فأقْضِي بَيْنَكُمْ، فيقضي الله تعالى بين الخلائق ويفرغ من محاسبتهم جميعاً في وقت واحد يحاسبهم لا شيء يشغله عن شيء. كما أنه يخلقهم في وقت واحد ويرزقهم ويعافيهم و يحاسبهم في وقت واحد، بخلاف المخلوق الضعيف، أنا لو تكلم معي اثنان أو ثلاثة ما استطعت أقول اسكت حتى أجيب، لكن الرب يخاطبهم في وقت واحد والخلائق كلهم يحاسبهم في وقت واحد، ويفرغ من حسابهم في مقدار منتصف النهار، ويقيل أهل الجنة في الجنة، القيلولة تدرك المؤمنين في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا القيلولة.
هذه هي الشفاعة العظمى التي يغبطه فيها الأولون والآخرون، فهذه ما أنكرها أحد شفاعة عامة.
وهناك شفاعة أخرى خاصة بنبينا ﷺ وهي الشفاعة لأهل الجنة بإذنه لهم في دخولها.
وهناك شفاعة ثالثة خاصة بعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
هذه الشفاعات خاصة بنبينا ﷺ.
وكذلك هناك شفاعة رابعة في رفع درجات قوم من أهل الجنة هذه الشفاعات الأربع ما أنكرها أحد أقر بها أهل السنة وأهل البدعة.
وهناك شفاعة أخرى أنكرها أهل البدع: هي الشفاعة لمن استحق النار من العصاة ألا يدخلها والشفاعة فيمن دخل النار من العصاة أن يخرج منها، والشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة ولا يدخلوا النار.
هذه الشفاعات أنكرها أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج وغيرهم، فأنكر عليهم أهل السنة وضللوهم وبدّعوهم وصاحوا بهم.
والنصوص التي فيها الشفاعة في إخراج العصاة عصاة الموحدين من النار بلغت حد التواتر تواترت النصوص لأن نبينا ﷺ يشفع أربع شفاعات في كل مرة يحد الله له حداً، يُشفّعه الله في مَنْ كَانَ فِي قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ في بعضها مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وبعضها أدْنَى مِن مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وفي بعضها: أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ.
وكذلك الأنبياء يشفعون والملائكة يشفعون والأفراط يشفعون والصالحون يشفعون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته
فهذه الشفاعة في إخراج العصاة من النار أو من استحق دخول النار ألّا يدخلها أنكرها أهل البدع مع أنها متواترة، والأحاديث التي بلغت حد التواتر قليلة من السنة تقارب أربعة عشر حديثاً منها حديث الشفاعة ومنها حديث الحوض ومنها حديث: مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ومنها حديث: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، ومنها حديث الشفاعة، فأنكرها أهل البدع، أهل البدع من الخوارج والمعتزلة يقولون: العاصي يكفر إذا زنا كفر وخُلِّد في النار، إذا سرق يكفر ويُخلِّد في النار، ولا يخرج منها أبد الآباد مثل الكفرة.
وهذا من أبطل الباطل فإن النصوص في إخراج العصاة من الموحدين متواترة الذي لا يخرج من النار هم الكفرة، أما المؤمن العاصي المؤمن لو مات على التوحيد لكنه مات على كبائر من غير توبة تواترت الأخبار بين أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون موحدون مصلون ولا تأكل النار من وجوههم مواضع الصلاة لكنهم دخلوا النار بكبائر من غير توبة، هذا مات على الزنا من غير توبة دخل النار، هذا مات على شرب الخمر بغير توبة دخل النار، هذا مات على التعامل بالربا، هذا مات على عقوق الوالدين، هذا مات على الغيبة والنميمة، هذا مات على أكل حقوق وأموال الناس وهكذا.
هؤلاء أهل البدع حكموا عليهم بالكفر حكموا عليهم بالخلود في النار، مع أن النصوص بلغت حد التواتر في هذا ومن ذلك هذا الحديث الذي ذكره المؤلف: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي. وهو حديث صحيح.
فأهل الكبائر الموحدون لهم شفاعة ولا يخلّدون في النار، وهناك بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته ويقول: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ فَيُخْرِجُ قَوْمًا مِن النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ يعني: زيادة على التوحيد والإيمان.
أما الكفرة فلا حيلة فيه من مات على الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر هذا لا حيلة فيه لا يدفع عنه عذاب الله أحد ولو افتدى بملء الأرض ذهباً لم ينفعه كما قال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. وقال سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ. وقال سبحانه: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا. وقال سبحانه: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا والأحقاب هي المدد المتطاولة كلما انتهى حقب يعقبه حقب إلى ما لا نهاية نسأل الله السلامة العافية .
فالمعتزلة والخوارج جعلوا عصاة الموحدين مثل الكفرة يُخلّدون في النار، هذا من أبطل الباطل وحملوا النصوص التي فيها أنهم لا يخرجون من النار النصوص التي في الكفرة حملّوها على العصاة كقوله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ هذا في الكفرة يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ، مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ هذه في الكفرة، أما العصاة فلهم شفاعة.
(المتن)
وأخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن المسيب الأرغياني قال: حدّثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن زياد بن خيثمة عن نعمان بن قراد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ شَطْرُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتَرَوْنَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ؟ لا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّائِينَ.
(الشرح)
وهذا الحديث فيه إثبات الشفاعة للعصاة الموحدين وفيه رد على الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا الشفاعة للموحدين العصاة، والحديث لا بأس به، وهو حديث صحيح مروي في كتب السنة، فقد رواه الإمام أحمد والطبراني وابن أبي عاصم في السنة دون قوله: لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى.
(المتن)
أخبرنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو العباس السرّاج قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو (ح) وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة قال: أخبرنا جدي الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدّثنا علي بن حجر قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: لَقَدْ ظَنَنْتُ، أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ،أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.
(الشرح)
وهذا حديث ثابت أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه وأخرجه الإمام أحمد والبغوي وابن خزيمة، وابن أبي عاصم وغيرهم وهو ثابت وفيه قصة الشفاعة لعصاة الموحّدين، فيه اشتراط التوحيد في قوله: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِن قَلبِهِ قوله: خَالِصًا مِن قَلبِهِ هذا التوحيد.وفي رواية: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صِدقاً مِنْ نَفْسِهِ، وفي رواية: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخلِصاً، وفي رواية: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صادِقاً.
وفيه أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد بخلاف المشرك الذي لم يخلص عمله لله فليس له شفاعة، من مات على الشرك لا خلاف فيه، وكذلك المنافق الذي ما يقولها عن صدق، المنافق ما يقولها عن صدق يقولها عن كذب، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ إلى أن قال: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ فهم يكذبون بقولها قال سبحانه: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ فمن قال لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق فإنه تنفعه الشفاعة ولو مات على معاصٍ بشرط ألا يقع في عمله شرك، ويكون صادقاً في توحيده وعمله خالص لله توحيده خالص فهذا تنفعه الشفاعة.
وفيه الرد على المعتزلة والخوارج الذين ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين، قوله: خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. وفي لفظ: خَالِصًا مِن قَلبِهِ . يعني قالها عن إخلاص وعن صدق باختياره.
(المتن)
ويؤمنون بالحوض والكوثر وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم وإخراجهم منها وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم من الجنة ولا يخلّدون في النار فأما الكفار فإنهم يُخلّدون فيها ولا يخرجون منها أبداً ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحداً.
(الشرح)
يؤمن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالحوض والكوثر والحوض في اللغة معناه: مجمع الماء، مجمع الماء يُسمى حوضاً.
والمراد به شرعاً: حوض لنبينا ﷺ في موقف القيامة ترد عليه أمته عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحوض جاءت الأحاديث بوصفه بأنه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأن طوله مسافة شهر وأن عرضه مسافة شهر وأوانيه التي يشرب به عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة فإنه لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه.
ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر من الجنة.
والأحاديث في إثبات الحوض متواترة بلغت حد التواتر، قلت لكم أن الأحاديث التي بلغت حد التواتر ليست كثيرة،أكثر الأحاديث كلها أخبار آحاد لكن خبر الآحاد إذا صح السند وعُدلت الرواة وكان الرواة عدول ضابطون، ولم يكن خبراً شاذاً ولا معللاً فهو مقبول صحيح يُعمل به في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء ولكن أحاديث الحوض بلغت حد التواتر وكذلك أحاديث المسح على الخفين أحاديث الشفاعة، وحديث: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وحديث: مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فهذه بلغت حد التواتر.
وجاء في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أنه يرد على حوض النبي ﷺ أمته وأن النبي يتقدمه قال: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ.
والفرط: هو السابق الذي يسبق ويتقدم القوم، وأنه يرد على النبي ﷺ على الحوض أناس قد غيّروا وبّدلوا فيطردون ويذادون كما تذاد الإبل العطاش فيقول النبي ﷺ: أصْحابِي أصْحابِي ولهذا جاء في الحديث يقول النبي ﷺ: لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أُناسٌ مِن أُمَّتِي أَعرِفُهُم وَيَعرِفُونِي فَإذا جَاؤوا اخْتُلِجُوا دُونِي. وفي لفظ: فَيُذَادُونَ كَمَا تُذاد الإبل العِطَاش فيقول النبي ﷺ: أصْحابِي أصْحابِي .وفي رواية: أُصَيحَابِي أُصَيحَابِي، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ علَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي سحقاً أي: بعداً.قال العلماء: هذا مثل الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان في قلوبهم آمنوا وارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ.
وفيه دليل على أن النبي ﷺ لا يعلم أعمال أمته، ولهذا قال: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ وفيه الرد على من قال إن النبي ﷺ يعلم الغيب أو أن أعمال أمته تعرض عليه فكل هذا ليس بصحيح.
فيجب على المؤمن أن يؤمن بالحوض والحوض على الصحيح قبل الميزان وقبل الصراط.
يقول المؤلف: ويؤمنون بالحوض والكوثر، الحوض في موقف القيامة، والكوثر: نهر في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض.
وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، هذا جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ، ووصفهم النبي ﷺ بقوله: هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولَاَ يكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فقام عكّاشة بن محصن فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم وفي لفظ أنت منهم فقام رجل آخر، فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال النبي ﷺ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ. جاء في الحديث الآخر: أن النبي قال: أعطاني مع كل ألف سبعين ألفاً بغير حساب. وجاء في حديث آخر: مع كل واحد سبعون ألفاً لكنه حديث ضعيف.
وكذلك فأهل السنة يؤمنون بإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً، يعني بعض الأمة هناك قسم من الأمة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهناك قسم آخر: يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، والمراد بالحساب اليسير: هو العرض، وقد استشكلت عائشة رضي الله عنها لما قال النبي ﷺ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ، فقالت: عائشة قلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا؟ فقال رسول الله ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ. فإذاً النبي ﷺ فسر الحساب في الآية بأنه العرض: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا المراد بالحساب: العرض تعرض عليه أعماله ولا يناقش، أما من نوقش الحساب فإنه يعذب، من نوقش الحساب عُذب وأما الذي لا يُناقش تُعرض عليه عرضاًهذا لا يُعذب، فيكون الجمع بين الآية والحديث هو هذا، الحديث: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ، والآية: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ، المراد بالحساب في الآية: العرض، والمراد بالحساب في الحديث: المناقشة، فمن نوقش الحساب عُذِّب، وأما في الآية فإنه ليس فيه مناقشة وإنما فيه عرض.
وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم وإخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها، فيكون الناس
أهل الجنة طبقات:
الطبقة الأولى: يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ولا عرض نسأل الله الكريم من فضله.
الطبقة الثانية: من يحاسب حساباً يسيراً فيدخل الجنة بغير سوء ولا عذاب أيضاً، بمعنى أنها تعرض عليه أعماله.
الطبقة الثالثة: من يناقش الحساب ثم يُعذَّب وهم موحدون، ولا بد أن يخرجوا من النار إذا عُذّبوا لا بد أن يخرجوا من النار ولهذا قال المؤلف: وإدخال فريق من مذنبيهم ثم إعتاقهم وإخراجهم منها وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها، ويعلمون حقاً يقيناً أن مذنبي الموحدين لا يُخلَّدون في النار ولا يتركون فيها أبداً، يعني: هؤلاء الذين يناقشَون ويُعذَّبون في النار لا يُخلَّدون إذا ماتوا على التوحيد، من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة، لكن من مات على توحيد خالص سالم من الكبائر فإنه يدخل الجنة من أول يوم فضلاً من الله سبحانه.
ومن مات على توحيد ملطّخ بالكبائر فهذا على خطر قد يعفو الله عنه بتوحيده وإيمانه وإسلامه فيدخل الجنة من أول وهلة كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقد يُعذَّب، ولكن إذا عُذِّب فلا يخلد في النار، وإنما يعذب على قدر جرائمه، ومن كثرت جرائمه واشتدت و فحشت جرائمه فإنه يطول مكثه مثل القاتل، فقد أخبر الله أنه يُخلَّد والخلود هو المكث الطويل.
فالخلود خلودان في النار:
خلود مؤمّد له أمد ونهاية، وهو خلود العصاة.
وخلود مؤبد لا نهاية له، وهو خلود الكفرة نسأل الله السلامة والعافية .
ولهذا قال المؤلف: ويعلمون حقاً يقيناً أن مذنبي الموحدين لا يُخلَّدون في النار ولا يتركون فيها أبداً، فأما الكفار فإنهم يُخلَّدون فيها ولا يخرجون منها أبداً، الدليل: قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. وقوله سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ هؤلاء هم الكفرة نعوذ بالله، لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا .
ثم قال المؤلف: ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحداً.عصاة أهل الإيمان لا بد أن يخرجوا من النار ولو طال مكثهم خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون بخلود العصاة في النار، هذا من أبطل الباطل هذا اعتقاد أهل البدع، فهم يقولون: أن العصاة يخلدون في النار مثل الكفرة، وهذا من أبطل الباطل.
(المتن)
ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله ﷺ في قوله: إِنَّكُم تَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي.
والأخبار الواردة في الرؤية مخرَّجة في كتاب الانتصار بطرقها.
(الشرح)
من معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وينظرون إليه، ورؤية المؤمنين لربهم ثابتة في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة، في القرآن العزيز قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وإذا ذكر الوجه مع حرف الجر دل على أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب، وقال سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ استدل الشافعي بهذه الآية على إثبات الرؤية للمؤمنين لأن الله حجب الكفار، فلما حجب الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرونه، وإلا لو كان المؤمنون محجوبين لكانوا مثل الكفرة وتساووا مع الكفرة، فلما حجب الله الكفرة عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرون ربهم، وقال سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ جاء في صحيح مسلم في تفسير الزيادة: بأنها النظر إلى وجه الله الكريم، وكذلك قوله: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ والزيادة هي النظر إلى وجه الله.
وأما السنة فإن الأخبار متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد، ساقها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وعقّب عليها وقال: فكأنك تشاهد النبي ﷺ وهو يقول هذه الأحاديث وأهل السنة لا شيء أقر لأعينهم من ذلك، وشهدت الفرعونية والجهمية والفلاسفة وأفراخ اليونان بكفر من اعتقد ذلك.
فالجهمية والمعتزلة كفّروا من أثبت رؤية الله قالوا: من أثبت رؤية الله فهو كافر، لماذا.؟ لأنه تنقّص الله، وقالوا الذي يُرى هو الجسم المحسوس، والله ليس بجسم وليس بمحسوس فلا يرى، مع أن الأخبار متواترة بلغت حد التواتر.
فإذاً من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة والأحاديث بلغت حد التواتر وهو ثابت في القرآن الكريم وفي السنة ولهذا قال العلماء والأئمة: من أنكر رؤية الله فهو كافر، كفر الأئمة من أنكر رؤية الله في الآخرة.
وأما أهل البدع من المعتزلة والجهمية والخوارج فإنهم أنكروا الرؤية وكفّروا من أثبت الرؤية، لماذا؟ لأنهم يزعمون أن من أثبت الرؤية فقد تنقّص الله، كيف تنقّص الله؟ قالوا: الشيء الذي يُرى لا بد أن يكون جسما، ومن أثبت الرؤية لله فقد جعل الله جسماً وإذا كان جسماً صار مشابهاً للمخلوقات وهذا كفر وكذلك يكون محدودا ومتحيزا.
لكن هذا من أبطل الباطل نقول إن الله أثبت رؤية المؤمنين لربهم هذا كلام الله وهذا كلام الرسول ﷺ وكل موجود لا بد أن يُرى، كل موجود يمكن رؤيته، والله تعالى أظهر من كل موجود وأحق بأن يرى، لكن رؤية الله في الدنيا ممتنعة شرعاً لا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا ولا يستطيع أحد أن ينظر إلى الله، لكن في يوم القيامة يُنشِّئ الله الناس تنشئة قوية يتمكنون من رؤية الله، ولهذا لما سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه الرؤيا قال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أخبره الله أنه لن يستطيع قال الله: لَنْ تَرَانِي أي: لن تستطيع وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فالجبل الصلب ما استطاع أن يثبت لرؤية الله لما تجلَّى الله تدكك وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا. والرؤية أيضاً نعيم خاص بأهل الجنة لا يستطيع أحد من أهل الدنيا أن يرى الله لكن في يوم القيامة ثابتة، والله تعالى ينشِّئ الناس تنشئةً قوية يتحملون فيها رؤية الله .
يقول المؤلف رحمه الله: هذا الخبر: إِنَّكُم تَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، في لفظ: لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، في لفظ: لا تُضَارُونَ في رُؤْيَتِهِ، وفي لفظ: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة أربع عشرة، وفي لفظ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما ترَونَ الشَّمسَ صَحوًا ليس دونَها سَحابٌ، وفي لفظ: إنهم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا؟ قال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمسَ صَحوًا ليس دونَها سَحابٌ؟ قالوا: لا، قال: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ.
يقول المؤلف رحمه الله: والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي. المعنى: إنّ التشبيه الله تعالى شبّه رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة برؤية الناس للقمر في الدنيا، هل هذا فيه تشبيه لله بالقمر؟ لا، بل التشبيه للرؤية بالرؤية.
يعني: كما أننا في الدنيا نرى القمر واضحاً لا لبس فيه، فكذلك نرى الله يوم القيامة رؤية واضحة لا إشكال فيها، وليس المراد تشبيه الله بالقمر تعالى الله، فالله تعالى لا يشابه أحداً من خلقه، القمر مخلوق، وهذا هو معنى قول المؤلف: التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، المرئي ما هو؟ المرئي في الدنيا القمر والمرئي في الآخرة هو الله، هل المراد تشبيه الله بالقمر؟ لا حاشا وكلا، بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية تشبيه رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة برؤيتهم في الدنيا للقمر، كما أن الناس يرون القمر أو يرون الشمس رؤية واضحة لا إشكال فيها ولا لبس فكذلك يرون الله يوم القيامة رؤية واضحة لا لبس فيها، وليس المراد تشبيه الله بالقمر فالله تعالى لا يماثل أحداً من خلقه قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
يقول المؤلف: والأخبار الواردة في الرؤية مخرَّجة في كتاب الانتصار بطرقها، وكتاب الانتصار هو للمؤلف وقد ساق فيه الأدلة والأحاديث التي فيها الرؤية، فإذا أردت أن تتوسع ارجع إلى كتاب المؤلف كتاب الانتصار حتى ترى هذه النصوص.
(المتن)
(الشرح)
النسخة التي قبل هذه قبل الحديث ويؤمر بالموت؛ فيُذبح على سور بين الجنة والنار، هذا في النسخة هذه، ثم بعدها الحديث.
يقول المؤلف رحمه الله: ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً: هذا عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، دائمتان لا تفنيان، خلافاً للمعتزلة، المعتزلة قالوا: الجنة والنار ما خُلقتا الآن ، ما تُخلقان إلا يوم القيامة: المعتزلة يقولون ما في جنة الآن ولا نار، متى تُخلقان؟ يوم القيامة وهذا باطل، الله تعالى قال عن الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وقال عن النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ .
وشبهة المعتزلة يقول لو قلنا: إن الجنة والنار مخلوقتان الآن وليس فيهما أحد لصار هذا عبثا، والعبث محال على الله، ففراراً من ذلك قالوا: ما في جنة ولا نار الآن، لم تُخلقا، متى تُخلقان؟يوم القيامة، وهذا قول من؟ قول المعتزلة وهو قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن.
أولاً: نصوص تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان: قال تعالى عن الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وقال عن الكفار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ أُعدت شيء مضى.
وثانياً: قول المعتزلة وجودهما الآن وليس فيهما أحد عبث والعبث محال عن الله، من قال إنه الآن ما في حاجة للجنة والنار؟ ومن قال إن وجودهما عبث؟ الجنة فيها الحور العين، وفيها أرواح المؤمنين تتنعم فيها، المؤمن إذا مات نُقلت روحه في الجنة فتنعم، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وترد أنهارها، والكافر إذا مات نُقلت روحه إلى النار تعذّب في النار نعوذ بالله، وجاء في الحديث: أن المؤمن إذا مات فتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها. هذا دليل على أن النار موجودة الآن، والجنة موجودة الآن، والله تعالى قال في كتابه العظيم عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، العرض غدواً وعشياً هذا في الدنيا أم في الآخرة؟ في الدنيا، إذاً النار مو بموجودة النار وهذا من أبطل الباطل قول المعتزلة.
ثم أيضاً ثبت أن النبي ﷺ في حديث الإسراء أنه قال: أُدخَلْتُ الْجَنَّةَ. وفي حديث الكسوف: أن النبي ﷺ قال: كُشف له عن الجنة وتقدّم وتقدّمت الصفوف قال: حتى كأني رأيت دلي عنقود كأني آخذ منها. وكُشف له عن النار، وتأخر وتأخرت الصفوف حتى خاف عليه الصلاة والسلام.
فقول المعتزلة: إن الجنة والنار ما هم مخلوقتان الآن من أبطل الباطل، والصواب أنهما موجدتان الآن مخلوقتان دائمتان لا تفنيان أبد الآباد خلافاً للجهمية الذين يقولون: إن الجنة والنار تفنيان، إذا مضى فترة طويلة انتهت الجنة وانتهت النار وهذا من أبطل الباطل، ولهذا كفَّرهم أهل السنة والجماعة، فالجنة والنار مخلوقتان دائمتان لا تفنيان.
وقال المؤلف رحمه الله: وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً. أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً ولا تفنى الجنة، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خُلقوا لها لا يخرجون منها أبداً، أهل النار من هم؟ الكفار، الكفار لا يخرجون منها أبداً، أما العصاة يخرجون، العصاة ليسوا من أهل النار لأن المعصية شيء عارضهم موحدون مؤمنون، فالعصاة، والمعصية تحتاج إلى تطهير مثل الثوب إذا أصابته نجاسة نغسلها بالماء، فالعصاة إن عفا الله عنهم طهروا، وإن لم يعف الله عنهم فلا بد أن يُطهّروا بالنار حتى تنتهي المعصية، فإذا طُهروا من المعاصي أخرجهم الله إلى الجنة فليسوا من أهل النار، وإنما أهل النار هم الكفرة الذين يبقون فيها أبد الآباد، نسأل السلامة والعافية: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا كما قال سبحانه.
قال المؤلف: ويؤمر بالموت فيُذبح على سور بين الجنة والنار، وأن المنادي ينادي يومئذٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ كما جاء في الحديث، والحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ قال: يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح وهذا بعد خروج العصاة الموحدين ودخولهم الجنة، إذا انتهى العصاة وخرجوا وأُطبقت النار على الكفرة جيء بالموت على صورة الكبش بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، ويقال يا أهل النار أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت فيُذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة نعيماً إلى نعيمهم، ويزداد أهل النار حسرة إلى حسرتهم نسأل الله السلامة العافية.
(المتن)
(الشرح)
من مذهب أهل الحديث وأهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء: أن الإيمان قول باللسان ينطق بالشهادتين يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ويذكر الله ويقرأ القرآن ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله كل هذا من الإيمان.
وتصديق بالقلب، القلب يصدِّق المؤمن معترف وعمل بالقلب أي: فأعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان مثل النية والإخلاص والرغبة والرهبة والمحبة والخشية، وأعمال الجوارح: مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج. كل هذه داخلة في مسمى الإيمان.
فالإيمان مكون من أربعة أشياء:
الأمر الأول: قول اللسان وهو الإقرار والنطق.
والثاني: قول القلب وهو التصديق والإقرار.
والثالث: عمل القلب وهو النية والإخلاص.
والرابع: عمل الجوارح.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، قول: قول اللسان وقول القلب، وعمل: عمل القلب وعمل اللسان، والمعرفة هي تصديق القلب. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية إذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص، ولهذا قال كثير من السلف: الإيمان قول وعمل، وبعضهم يقول: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، أي: بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن العلماء من قال: قول وعمل ونية، فالإيمان قول وعمل، والقول شيئان: قول القلب وقول اللسان، والعمل شيئان: عمل القلب وعمل الجوارح، هذا هو قول أهل السنة قاطبة. خلافاً للمرجئة، المرجئة يقولون الإيمان تصديق القلب فقط.
المرجئة أربع طوائف:
الطائفة الأولى: المرجئة الجهمية وهم المرجئة المحضة يقولون: الإيمان مجرد معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، هذا قول الجهم بن صفوان، أفسد ما قيل في تعريف الإيمان هو تعريف الجهم يقول الإيمان معرفة الرب بالقلب والكفر جهل الرب بالقلب، وعلى هذا التعريف قول الجهم يكون إبليس مؤمناً لأنه يعرف ربه بقلبه وفرعون مؤمن يعرف ربه بقلبه، واليهود مؤمنون لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم، وأبو طالب عم الرسول ﷺ الذي مات على الشرك مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، قال:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ | مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا |
الطائفة الثانية: الكرّامية الذين يقولون: الإيمان الإقرار باللسان فقط، هؤلاء يقولون معرفة القلب وهؤلاء يقولون الإقرار باللسان، فعند الكرّامية من نطق بالشهادتين ونطق بلسانه فهو مؤمن، وإذا كان مكذباً بقلبه يكون مخلّدا في النار، فيكون عندهم يقولون من نطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان، وإذا كان مكذِّباً فهو مخلَّد في النار فيلزم على قولهم المؤمن كامل الإيمان مُخلّد في النار، وهذا من أفسد ما قيل.
الطائفة الثالثة من المرجئة: الماتريدية والأشاعرة يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة.
الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه يقولون: الإيمان شيئان: إقرار اللسان، وتصديق القلب، أما الأعمال فليست داخلة في مسمى الإيمان وإن كانت واجبة لكن ليست من الإيمان الصلاة والصوم والزكاة والحج يقول هذه بر وتقوى وهي مطلوبة، والفرق بينهم وبين الجهمية أن الجهمية يقولون: ليست مطلوبة، وهؤلاء يقولون: مطلوبة.
وأما أهل السنة والجماعة وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وهو الذي عليه الصحابة والتابعون والأئمة: أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، ومرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه يقول الإيمان شيئان إقرار باللسان وتصديق بالقلب أما الأعمال والجوارح مطلوبة لكن ليست من الإيمان، من ارتكب الكبيرة عليه الوعيد ويقام عليه الحد، ومن فعل الطاعات يُمدح وله الثواب لكن لا يسميها إيمانا، أما الجهمية الأولى: يقولون: ليست مطلوبة، لو فعل الإنسان جميع الكبائر والمنكرات لا يكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، وهذا من أبطل الباطل.
وعلى هذا فيكون المرجئة أربع طوائف: الجهمية والكرّامية والماتريدية والأشاعرة ومرجئة الفقهاء، وجماهير أهل السنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
ونقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد إذا فعل الإنسان الطاعات وينقص إذا فعل المعصية، أما المرجئة يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو شيء واحد بالقلب، وإيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء واحد وهو التصدّيق، فمن صدّق بقلبه فهو مؤمن، ولا يزيد إيمانه ولا ينقص، وهذا من أبطل الباطل، بل إن الإيمان يزيد وينقص فإذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص.
ولهذا نقل المؤلف رحمه الله (...) عن الإمام أحمد إلى قوله عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص، قيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبّحناه زاد الإيمان فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيّعنا ونسينا فذلك نقصانه، ولهذا كان يقول بعض السلف: اجلس بنا نؤمن ساعة يعني: يزيد إيماننا فيجلسون يذكرون الله.
(المتن)
(الشرح)
وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل، هذا هو الذي عليه جماهير أهل السنة والجماعة يقول يحيى بن سليم سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل خلاف المرجئة يقول العمل ليس من الإيمان قال سألت هشام بن حسان؟ فقال: قول وعمل، ابن جريج يقول: قول وعمل، سفيان الثوري يقول: قول وعمل، المثنى بن الصباح يقول: قول وعمل، محمد بن مسلم الطائفي يقول: قول وعمل، الفضيل يقول: قول وعمل، نافع بن عمر الجمحي يقول: قول وعمل، هذا قول أهل السنة، جماهير أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل، خلافاً للمرجئة الذين يقولون إن الأعمال ليست من الإيمان.
(المتن)
وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل، وسألت سفيان بن عيينة قال: قول وعمل.
وأخبرنا أبو عمر الحيري قال حدّثنا محمد بن يحيى ومحمد بن إدريس وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، تقول ينقص فقال: اسكت يا صبي، بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
(الشرح)
وهذا يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة سفيان بن عيينة سُئل سمعه الحميدي يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي قال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، كنية سفيان، تقول ينقص فقال: اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء، فالإيمان ينقص ولكنه لا ينتهي على الصحيح إلا إذا وجد الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر، لكن المعاصي تضعفه ولهذا جاء في الحديث أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ولا ينتهي الإيمان بالمعاصي أبداً ولو كثرت، متى ينتهي الإيمان؟ إذا جاء الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر انتهى الإيمان، لا يجتمع كفر وإيمان، إذا جاء الكفر الأكبر انتهى الإيمان، إذا جاء الإيمان ذهب الكفر، لكن المعاصي يكون معها إيمان، ولكن المعاصي إذا كثرت تضعف الإيمان حتى لا يبقى إلا أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان.
(المتن)
(الشرح)
يقول: اسكت حتى لا يبقى منه شيء ، هذا فيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يبقى منه شيء، لا يبقى منه شيء هذا بالنسبة للكافر، الكافر ينتهي الإيمان منه، أما العاصي لا بد أن يبقى من إيمانه شيء، وفيه قول: الوليد بن مسلم أنه سمع الأوزاعي ومالكاً وسعيدا ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، يعني ينكرون على المرجئة، لأنهم يقولون: الإيمان إقرار بلا عمل إقرار باللسان أو إقرار بالقلب، وهذا ليس بصحيح، ولهذا قال نقلاً عن هؤلاء الأئمة: لا إيمان إلا بعمل.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(الشرح)
هذا كلام صحيح هذا كلام المؤلف رحمه الله، قلت: يعني: الإمام الصابوني، قلت فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكثر إيماناً، ومن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة فإيمانه ناقص، هذا صحيح، كلما كثرت الطاعات والحسنات زاد الإيمان، وإذا قلت الطاعات وكثرت المعاصي والغفلة والإعراض نقص الإيمان هذا قول أهل السنة.
(المتن)
(الشرح)
هذه القصة فيها أن أحمد بن سعيد الرباطي ينقل كلام عبد الله بن طاهر وهو أحد أمراء الدولة الظاهرية في الشرق الإسلامي، كان أميراً على خراسان سبعة عشر سنة وكان عادلاً، يقول: يا أحمد، يقول عبد الله بن طاهر الأمير : يخاطب ابن سعيد يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلاً وأنا أبغضهم على معرفة، المراد بالقوم المرجئة، تبغضون المرجئة جهلاً وأنا أبغضهم على علم ثم ذكر شيئاً من صفاتهم فقال: إنهم لا يرون للسلطان طاعة، أهل السنة والجماعة يرون أنه يجب طاعة ولي الأمر في طاعة الله إلا إذا أمر بمعصية فلا يُطاع، وهؤلاء لا يرون لهم طاعة، وثانياً: أنه ليس للإيمان عندهم قدر المرجئة. لأن الواحد من المرجئة يقول: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل، وكإيمان أبي بكر وعمر يأتي السكّير العربيد ويقول: إيماني كإيمان أبي بكر وعمر ، فإذا قيل: كيف السارق والزاني وشارب الخمر؟ قال: إيماني كإيمان أبي بكر وعمر فإذا قيل له: أبو بكر وعمر لهم أعمال عظيمة قال: ما لنا دعوة في الأعمال المهم التصديق أنا مصدق وهو مصدق، وأما الأعمال شيء آخر ليست من الإيمان، وهذا من أبطل الباطل الأعمال من الإيمان، ولهذا لو وزن إيمان أهل الأرض بإيمان أبي بكر لرجح.
فيقول الأمير عبد الله بن طاهر إن هؤلاء المرجئة لا يرون للسلطان طاعة ثانياً ليس للإيمان عندهم قلب ويقول الواحد منهم إيماني كإيمان أبي بكر وعمر وكإيمان جبريل وميكائيل، يقول عبد الله بن طاهر الأمير والله لا أستجيز أن أقول إيماني كإيمان يحيى بن يحيى ولا كإيمان أحمد بن حنبل فضلاً أن أقول إيماني كإيمان أبي بكر وعمر أو كإيمان جبريل وميكائيل، يعني المعنى: أن إيمان الناس متفاوت تفاوتاً عظيماً، أما المرجئة يقولون: إيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء سواء، وإيمان أفسق الناس وأعبد الناس واحد؛ لأن الإيمان هو التصديق والناس يتساوون في التصديق، أما الأعمال فهذا شيء آخر ليست من الإيمان وهذا من أبطل الباطل بل الأعمال من الإيمان.
(المتن)
الشيخ:
من العباد أي: الذين يتعبدون
المتن:
(الشرح)
يقول هذه القصة فيها أن عبد الله بن المبارك الإمام الزاهد المشهور قدم الري وهي إحدى بلاد فارس التي فتحها المسلمون فقال له رجل من العبَّاد: العباد يُظن أنهم من الخوارج، الخوارج عندهم عبادة تعبّد كانوا يكثرون من الصلاة والصيام وهم شجعان في الحروب، ولهذا قال النبي ﷺ: تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ عِندَ صَلاَتِهِمْ، وصِيامَكُمْ عِندَ صِيامِهِمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ أُسُودٌ بِالنَّهَارِ لكن عندهم العقيدة الخبيثة وهي تكفير المسلمين بالمعاصي، فقال هذا الخارجي للإمام عبد الله بن المبارك ، يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ خارجي يرون أنه كافر، الخوارج يرون أنه كافر، فقال: لا أُخرجه من الإيمان أي: بالمعصية فهو ضعيف الإيمان لكن ما أقول إنه خارج من الإيمان، فقال الخارجي لـعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئاً صرت من المرجئة، والمرجئة ماذا يقولون؟ المرجئة يقولون: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فقال عبد الله بن المبارك : لا تقبلني المرجئة، المرجئة يقولون: حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة، وأنا ما أستطيع أن أقول هذا، فلو أعلم أني قُبلت مني حسنة واحدة لشهدت أني في الجنة، لكن لا أستطيع أن أزُكي نفسي وأشهد بأن عملي مقبول.
(المتن)
(الشرح)
نعم وهذا صحيح وفيه الرد على المرجئة الذين يقولون: إيمان الفاسق كإيمان أبي بكر، وعمر يقول: لو وزن إيمان أهل الأرض بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر لأعماله العظيمة وقوة إيمانه، وجهاده مع النبي ﷺ وصبره وهجرته وتقدمه في الإسلام وقيامه بالخلافة بعد النبي ﷺ ومحاربته لأهل الردة وغير ذلك من أعماله العظيمة التي لا يلحقه غيره، فـأبو بكر أفضل الناس بعد الأنبياء، هذا قول أهل السنة قاطبة، مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
(المتن)
(الشرح)
هذا قول أهل السنة قاطبة، أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص خلافاً للمرجئة.
الإيمان قول وعمل، قول القلب: وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان: وهو النطق، وعمل القلب: وهو النية الإخلاص، وعمل الجوارح كله داخل في مسمى الإيمان، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
وفق الله الجميع.